البحر المحيط في التّفسير - ج ٤

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]

البحر المحيط في التّفسير - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٠

(وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) عنكم وجاء معمول قل الأول جملة اسمية لأنها أبلغ في الإخبار من الجملة الفعلية ، فناسبت الأبلغية في الله تعالى بالرحمة الواسعة وجاءت الجملة الثانية فعلية ولم تأت اسمية فيكون التركيب وذو بأس لئلا يتعادل الإخبار عن الوصفين وباب الرحمة واسع فلا تعادل. وقال الماتريدي : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) فيما تدعوهم إليه من التصديق والتوحيد (فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) إذا رجعتم عن التكذيب ؛ انتهى. وقيل : (ذُو رَحْمَةٍ) لا يهلك أحدا وقت المعصية ولكن يؤخر (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) إذا نزل.

(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) هذا إخبار بمستقبل ، وقد وقع وفيه إخبار بمغيب معجزة للرسول فكان كما أخبر به تعالى وهذا القول منهم ورد حين بطل احتجاجهم وثبت الرد عليهم فعدلوا إلى أمر حق وهو أنه لو أراد الله أن لا يقع من ذلك شيء ، وأوردوا ذلك على سبيل الحوالة على المشيئة والمقادير مغالطة وحيدة عن الحق وإلحادا لا اعتقادا صحيحا وقالوا : ذلك اعتقادا صحيحا حين قارفوا تلك الأشياء استمساكا بأن ما شاء الله هو الكائن كما يقول الواقع في معصية إذا بين له وجهها : هذا قدر الله لا مهرب ولا مفر من قدر الله أو قالوا ذلك وهو حق على سبيل الاحتجاج على تلك الأشياء ، أي لو لم يرد الله ما نحن عليه لم يقع ولحال بيننا وبينه.

وقال الزمخشري : يعنون بكفرهم وتمردهم أن شركهم وشرك آبائهم وتحريمهم ما أحل الله بمشيئة الله وإرادته ولولا مشيئته لم يكن شيء من ذلك كمذهب المجبرة بعينه ؛ انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال. وقال الماتريدي : يحتمل أن تكون المشيئة بمعنى الرضا أو بمعنى الأمر والدعاء لأنهم قالوا : إن الله أمرنا بذلك ، ويحتمل أن قالوه استهزاء وسخرية انتهى. ولا تعلق للمعتزلة بذلك مع هذه الاحتمالات.

قال ابن عطية : وتعلقت المعتزلة بهذه الآية فقالوا : إن الله قد ذم لهم هذه المقالة وإنما ذمها لأن كفرهم ليس بمشيئة الله بل هو خلق لهم قال : وليس الأمر على ما قالوا ، وإنما ذم الله ظنّ المشركين إن ما شاء الله لا يقع عليه عقاب وأما أنه ذم قولهم : لولا المشيئة لم نكفر فلا ؛ انتهى.

و (الَّذِينَ أَشْرَكُوا) مشركو قريش أو مشركو العرب قولان ، (وَلا آباؤُنا) معطوف على الضمير المرفوع وأغنى الفصل بلا بين حرف العطف والمعطوف على الفصل بين المتعاطفين بضمير منفصل يلي الضمير المتصل أو بغيره. وعلى هذا مذهب البصريين لا يجيزون ذلك بغير فصل إلا في الشعر ومذهب الكوفيين جواز ذلك وهو عندهم فصيح في الكلام. وجاء في

٦٨١

سورة النحل (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) (١) فقال : من دونه مرتين وقال : نحن فأكد الضمير لأن لفظ العبادة يصح أن ينسب إلى إفراد الله بها وهذا ليس بمستنكر ، بل المستنكر عبادة شيء غير الله أو شيء مع الله فناسب هنا ذكر من دونه مع العبادة ، وأما لفظ (ما أَشْرَكْنا) فالإشراك يدل على إثبات شريك فلا يتركب مع هذا الفعل لفظ من دونه لو كان التركيب في غير القرآن (ما أَشْرَكْنا) من دونه لم يصح معناه ، وأما من دونه الثانية فالإشراك يدل على تحريم أشياء وتحليل أشياء ، فلم يحتج إلى لفظ من دونه وأما لفظ العبادة فلا يدل على تحريم شيء كما دل عليه لفظ أشرك فقيد بقوله : من دونه ولما حذف من دونه هنا ناسب أن يحذف نحن ليطرد التركيب في التخفيف.

(كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) أي مثل ذلك التكذيب المشار إليه في قوله : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) فقد كذبت الأمم السالفة ، فمتعلق التكذيب هو غير قولهم : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) الآية أي بنحو هذه الشبهة من ظنهم أن ترك الله لهم دليل على رضاه بحالهم وحتى ذاقوا بأسنا غاية لامتداد التكذيب إلى وقت العذاب ، لأنه إذا حلّ العذاب لم يبق تكذيب وجعلت المعتزلة التكذيب راجعا إلى قوله (لَوْ شاءَ اللهُ) الجملة التي هي محكية بالقول وقالوا : كذبهم الله في قولهم ويؤيده قراءة بعض الشواذ كذب. وقال الزمخشري : أي جاؤوا بالتكذيب المطلق لأن الله عزوجل ركب في العقول وأنزل في الكتب ما دل على غناه وبراءته من مشيئة القبائح وإرادتها والرسل أخبرت بذلك ، فمن علق وجوه القبائح من الكفر والمعاصي بمشيئة الله وإرادته فقد كذب التكذيب كله وهو تكذيب الله وكتبه ورسله ونبذ أدلة العقل والسمع وراء ظهره ؛ انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال.

(قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) استفهام على معنى التهكم بهم وهو إنكار ، أي ليس عندكم من علم تحتجون به فتظهرونه لنا ما تتبعون في دعاواكم إلا الظنّ الكاذب الفاسد ، وما أنتم إلا تكذبون أو تقدرون وتحزرون. وقرأ النخعيّ وابن وثاب : إن يتبعون بالياء. قال ابن عطية : وهذه قراءة شاذة يضعفها قوله (وَإِنْ أَنْتُمْ) لأنه يكون من باب الالتفات.

(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) بين (قُلْ) والفاء محذوف قدره الزمخشري فإن كان الأمر كما زعمتم إن ما أنتم عليه بمشيئة الله فلله الحجة البالغة عليكم

__________________

(١) سورة النحل : ١٦ / ٣٥.

٦٨٢

وعلى ردّ مذهبكم ، (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) منكم ومن مخالفيكم فإن تعليقكم دينكم بمشيئة الله يقتضي أن تعلقوا دين من يخالفكم أيضا بمشيئته فتوالوهم ولا تعادهم وتوقروهم ولا تخالفوهم ، لأن المشيئة تجمع بين ما أنتم عليه وبين ما هم عليه ؛ انتهى. وهذا تفسير للآية على ما تقرر قبل في الآيات السابقة من مذهب الاعتزال والذي قدّره الزمخشري من شرط محذوف و (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) في جوابه بعد والأولى تقديره أنتم لا حجة لكم أي على إشراككم ولا على تحريمكم من قبل أنفسكم غير مستندين إلى وحي ولا على افترائكم على الله إنه حرم ما حرمتم ، (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) في الاحتجاج الغالبة كل حجة حيث خلق عقولا يفكر بها وأسماعا يسمع بها وأبصارا يبصر بها وكل هذه مدارك للتوحيد ولاتباع ما جاءت به الرسل عن الله. قال أبو نصر القشيري : (الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) تبيين للتوحيد وإيذاء الرسل بالمعجزات فألزم أمره كل مكلف ، فأما علمه وإرادته فغيب لا يطلع عليه العبد ويكفي في التكليف أن يكون العبد لو أراد أن يفعل ما أمر به مكنه ، وخلاف المعلوم مقدور فلا يلتحق بما يكون محالا في نفسه ؛ انتهى ، وفي آخر كلامه نظر. قال الكرماني : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ) هداية إلجاء واضطرار ؛ انتهى ، وهذه نزعة اعتزالية. وقال أبو نصر بن القشيري : هذا تصريح بأن الكفر واقع بمشيئة الله تعالى. وقال البغوي : هذا يدل أنه لم يشأ إيمان الكافر.

(قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) بين تعالى كذبهم على الله وافتراءهم في تحريم ما حرموا منسوبا إلى الله تعالى فقال : (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ) وقال : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) ولما انتفى هذان الوجهان انتقل إلى وجه ليس بهذين الوجهين وهو أن يستدعي منهم من يشهد لهم بتحريم الله ما حرموا ، و (هَلُمَ) هنا على لغة الحجاز وهي متعدية ولذلك انتصب المفعول به بعدها أي أحضروا شهداءكم وقربوهم وإضافة الشهداء إليهم تدل على أنهم غيرهم وهذا أمر على سبيل التعجيز ، أي لا يوجد من يشهد بذلك شهادة حق لأنها دعوى كاذبة ولهذا قال : (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) أي فإن فرض أنهم يشهدون فلا تشهد معهم أي لا توافقهم لأنهم كذبة في شهادتهم كما أن الشهود لهم كذبة في دعواهم ، وأضاف الشهداء إليهم أي الذين أعددتموهم شهودا لكم بما تشتهي أنفسكم ولذلك وصف ب (الَّذِينَ يَشْهَدُونَ) أي هم مؤمنون بالشهادة لهم وبنصرة دعاواهم الكاذبة ، ولو قيل : (هَلُمَ) شهداء بالتنكير لفات المعنى الذي اقتضته الإضافة والوصف بالموصول إذا كان المعنى هلم أناسا يشهدون بتحريم ذلك فكان الظاهر

٦٨٣

طلب شهداء بالحق وذلك ينافي معنى الآية. وقال الحسن : أحضروا شهداءكم من أنفسكم ، قال ولا تجدون ولو حضروا لم تقبل شهادتهم لأنها كاذبة. وقال ابن عطية : فإن افترى أحد وزوّر شهادة أو خبر عن نبوة فتجنب أنت ذلك ولا تشهد معهم ، وفي قوله : (فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) قوة وصف شهادتهم بنهاية الزور. وقال أبو نصر القشيري : فإن شهد بعضهم لبعض فلا يصدق إذ الشهادة من كتاب أو على لسان نبي وليس معهم شيء من ذلك. قال الزمخشري : أمرهم باستحضارهم وهم شهداء بالباطل ليلزمهم الحجة ويلقمهم الحجر ويظهر للمشهود لهم بانقطاع الشهداء أنهم ليسوا على شيء لتساوي أقدام الشاهدين ، والمشهود لهم في أنهم يرجعون إلى ما يصح التمسك به وقوله : (فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) فلا تسلم لهم ما شهدوا به ولا تصدقهم ، لأنه إذا سلم لهم فكأنه شهد معهم مثل شهادتهم فكان واحدا منهم ؛ انتهى ، وهو تكثير.

(وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) الظاهر في العطف أنه يدل على مغايرة الذوات و (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) يعم جميع من كذب الرسول وإن كان مقرا بالآخرة كأهل الكتاب. (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) قسم من المكذبين بالآيات وهم عبدة الأوثان والجاعلون لربهم عديلا وهو المثل عدلوا به الأصنام في العبادة والإلهية ، ويحتمل أن يكون العطف من تغاير الصفات والموصوف واحد وهو قول أكثر الناس ، ويظهر أنه اختيار الزمخشري لأنه قال : (لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) من وضع الظاهر موضع المضمر لدلالته على أن من كذب بآيات الله وعدل به غيره فهو متبع للهوى لا غير ، لأنه لو تبع الدليل لم يكن إلا مصدقا بالآيات موحدا لله. وقال النقاش : نزلت في الدهرية من الزنادقة.

(قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) لما ذكر تعالى ما حرّموه افتراء عليه ثم ذكر ما أباحه تعالى لهم من الحبوب والفواكه والحيوان ، ذكر ما حرمه تعالى عليهم من أشياء نهاهم عنها وما أوجب عليهم من أشياء أمرهم بها وتقدم شرح (تَعالَوْا) في قوله تعالى : (إِلى كَلِمَةٍ) (١) والخطاب في (قُلْ) للرسول وفي (تَعالَوْا) قيل للمشركين. وقيل : لمن بحضرة الرسول من مؤمن وكتابي ومشرك وسياق الآيات يدل على أنه للمشركين ، وإن كان حكم غيرهم في ذلك حكمهم أمره تعالى أن يدعو جميع الخلق إلى سماع ما حرم الله بشرع

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣ / ٦٤.

٦٨٤

الإسلام المبعوث به إلى الأسود والأحمر ، و (أَتْلُ) أسرد وأقص من التلاوة وهي اتباع بعض الحروف بعضا. وقال كعب الأحبار : هذه الآيات مفتتح التوراة بسم الله الرحمن الرحيم (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) إلى آخر الآية. وقال ابن عباس : هذه الآيات هي المحكمات التي ذكرها الله في سورة آل عمران أجمعت عليها شرائع الخلق ولم تنسخ قط في ملة. وقد قيل : إنها العشر كلمات المنزلة على موسى عليه‌السلام و (ما) بمعنى الذي وهي مفعولة بأتل أي اقرأ الذي حرمه ربكم عليكم. وقيل : مصدرية أي تحريم ربكم. وقيل : استفهامية منصوبة بحرّم أي أي شيء حرم ربكم ، ويكون قد علق (أَتْلُ) وهذا ضعيف لأن (أَتْلُ) ليس من أفعال القلوب فلا تعلق و (عَلَيْكُمْ) متعلق بجرم لا بأتل فهو من أعمال الثاني. وقال ابن الشجري : إن علقته باتل فهو جيد لأنه أسبق وهو اختيار الكوفيين فالتقدير اتل عليكم الذي حرّم ربكم.

(أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) الظاهر أن أن تفسيرية ولا ناهية لأن (أَتْلُ) فعل بمعنى القول وما بعد أن جملة فاجتمع في أن شرطا التفسيرية وهي أن يتقدمها معنى لقول وأن يكون بعدها جملة وذلك بخلاف أي فإنها حرف تفسير يكون قبلها مفرد وجملة يكون فيها معنى القول وغيرها ، وبعدها مفرد وجملة وجعلها تفسيرية هو اختيار الزمخشري (فإن قلت) : إذا جعلت أن مفسرة لفعل التلاوة وهو معلق بما (حَرَّمَ رَبُّكُمْ) وجب أن يكون ما بعده منهيا عنه محرما كله كالشرك وما بعده مما دخل عليه حرف النهي فما يصنع بالأوامر؟ (قلت) : لما وردت هذه الأوامر مع النواهي وتقدّمهن جميعا فعل التحريم واشتركن في الدخول تحت حكمه ، علم أن التحريم راجع إلى أضدادها وهي الإشارة إلى الوالدين وبخس الكيل والميزان وترك العدل في القول ونكث عهد الله ؛ انتهى. وكون هذه الأشياء اشتركت في الدخول تحت حكم التحريم وكون التحريم راجعا إلى أضداد الأوامر بعيد جدا وألغاز في المعاني ولا ضرورة تدعو إلى ذلك ، وأما عطف هذه الأوامر فيحتمل وجهين : أحدهما : أنها معطوفة على المناهي قبلها فيلزم انسحاب التحريم عليها حيث كانت في حيز أن التفسيرية بل هي معطوفة على قوله : (تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ) أمرهم أولا بأمر يترتب عليه ذكر مناه ثم أمرهم ثانيا بأوامر وهذا معنى واضح ، والثاني : أن تكون الأوامر معطوفة على المناهي وداخلة تحت أن التفسيرية ويصح ذلك على تقدير محذوف تكون أن مفسرة له وللمنطوق قبله الذي دل عليه حذفه والتقدير وما أمركم به فحذف وما أمركم به لدلالة ما حرّم عليه ، لأن معنى (ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) ما نهاكم

٦٨٥

ربكم عنه فالمعنى (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ) ما نهاكم ربكم عنه ، وإذا كان التقدير هكذا صح أن تكون أن تفسيرية لفعل النهي الدال عليه التحريم وفعل الأمر المحذوف ألا ترى أنه يجوز أن تقول : أمرتك أن لا تكرم جاهلا وأكرم عالما إذ يجوز عطف الأمر على النهي والنهي على الأمر كما قال امرؤ القيس :

يقولون لا تهلك أسى وتجمل

وهذا لا نعلم فيه خلافا بخلاف الجمل المتباينة بالخبر والاستفهام والإنشاء فإن في جواز العطف فيها خلافا وقد جوزوا في أن أن تكون مصدرية لا تفسيرية في موضع رفع وفي موضع نصب. فأما الرفع فعلى إضمار مبتدأ دل عليه المعنى أو التقدير المتلو (أَلَّا تُشْرِكُوا). وأما النصب فمن وجوه. أحدها : أن يكون منصوبا بقوله : (عَلَيْكُمْ) ويكون من باب الإغراء وتم الكلام عند قوله : (أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ) أي التزموا انتفاء الإشراك وهذا بعيد لتفكيك الكلام عن ظاهره. الثاني : أن يكون مفعولا من أجله أي (أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا) وهذا بعيد لأن ما جاء بعده أمر معطوف بالواو ومناه هي معطوفة بالواو فلا يناسب أن يكون تبيينا لما حرم ، أما الأوامر فمن حيث المعنى وأما المناهي فمن حيث العطف. الثالث : أن يكون مفعولا بفعل محذوف تقديره أوصيكم أن لا تشركوا لأن قوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) محمول على أوصيكم (بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وهذا بعيد لأن الإضمار على خلاف الأصل. وهذه الأوجه الثلاثة لا فيها باقية على أصل وضعها من النفي وهو مراد. الرابع : أن يكون في موضع نصب على البدل من (ما حَرَّمَ) أو من الضمير المحذوف من (ما حَرَّمَ) إذ تقديره ما حرمه وهذان الوجهان لا فيهما زائدة كهي في قوله : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) (١) وهذا ضعيف لانحصار عموم المحرم في الإشراك إذ ما بعده من الأمر ليس داخلا من المحرم ولا بعد الأمر مما فيه لا يمكن ادّعاء زيادة لا فيه لظهور أن لا فيها للنهي.

وقال الزمخشري : (فإن قلت) هلا قلت هي التي تنصب الفعل وجعلت (أَلَّا تُشْرِكُوا) بدلا من (ما حَرَّمَ) (قلت) : وجب أن يكون لا تشركوا ولا تقربوا ولا تقتلوا ولا تتبعوا السبل نواهي لانعطاف الأوامر عليها وهي قوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) لأن التقدير وأحسنوا (بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وأوفوا وإذا قلتم فاعدلوا وبعهد الله أوفوا ؛ انتهى. ولا يتعين

__________________

(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٢.

٦٨٦

أن تكون جميع الأوامر معطوفة على جميع ما دخل عليه لا لأنا بينا جواز عطف (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) على (تَعالَوْا) وما بعده معطوف عليه ، ولا يكون قوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) معطوفا على (أَلَّا تُشْرِكُوا) و (أَلَّا تُشْرِكُوا) شامل لمن أشرك بالله الأصنام كقوم إبراهيم ومن أشرك بالله الجن ومن أشرك بنين وبنات. وقال ابن الجوزي : قيل ادعاء شريك لله. وقيل : طاعة غير الله في معصية الله وتقدم تفسير (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) في سورة البقرة.

(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ مِنْ) هنا سببية أي من فقر لقوله (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) (١) وقتل الولد حرام إلا بحقه وإنما ذكر هذا السبب لأنه كان العلة في قتل الولد عندهم ، وبين تعالى أنه هو الرازق لهم ولأولادهم وإذا كان هو الرازق فكما لا تقتل نفسك كذلك لا تقتل ولدك. ولما أمر تعالى بالإحسان إلى الوالدين نهى عن الإساءة إلى الأولاد ونبه على أعظم الإساءة للأولاد هو إعدام حياتهم بالقتل خوف الفقر كما قال في الحديث وقد سئل عن أكبر الكبائر فذكر الشرك بالله وهو قوله : «أن تجعل لله ندّا وهو خلقك» ثم قال : «وأن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك» وقال : «وأن تزاني حليلة جارك» وجاء هذا الحديث منتزعا من هذه الآية وجاء التركيب هنا (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) ، وفي الإسراء (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) (٢) فيمكن أن يكون ذلك من التفنن في الكلام ويمكن أن يقال في هذه الآية جاء (مِنْ إِمْلاقٍ) فظاهره حصول الإملاق للوالد لا توقعه ، وخشيته وإن كان واجدا للمال فبدأ أولا بقوله : (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ) خطابا للآباء وتبشيرا لهم بزوال الإملاق وإحالة الرزق على الخلاق الرزاق ، ثم عطف عليهم الأولاد. وأما في الإسراء فظاهر التركيب أنهم موسرون وإن قتلهم إياهم إنما هو لتوقع حصول الإملاق والخشية منه فبدئ فيه بقوله : (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ) إخبارا بتكفله تعالى برزقهم فلستم أنتم رازقيهم وعطف عليهم الآباء وصارت الآيتان مفيدتان معنيين. أحدهما : أن الآباء نهوا عن قتل الأولاد مع وجود إملاقهم. والآخر : أنهم نهوا عن قتلهم وإن كانوا موسرين لتوقع الإملاق وخشيته وحمل الآيتين على ما يفيد معنيين أولى من التأكيد.

(وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) المنقول فيما (ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) كالمنقول في (وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) وتقدّم فأغنى عن إعادته.

__________________

(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٣١.

(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ٣١.

٦٨٧

(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) هذا مندرج تحت عموم الفواحش إذ الأجود أن لا يخص الفواحش بنوع ما ، وإنما جرد منها قتل النفس تعظيما لهذه الفاحشة واستهوالا لوقوعها ولأنه لا يتأتى الاستثناء بقوله : (إِلَّا بِالْحَقِ) إلا من القتل لا من عموم الفواحش ، وقوله : (الَّتِي حَرَّمَ اللهُ) حوالة على سبق العهد في تحريمها فلذلك وصفت بالتي ، والنفس المحرمة هي المؤمنة والذمّيّة والمعاهدة و (بِالْحَقِ) بالسبب الموجب لقتلها كالرّدة والقصاص والزنا بعد الإحصان والمحاربة.

(ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أشار إلى جميع ما تقدّم وفي لفظ (وَصَّاكُمْ) من اللطف والرأفة وجعلهم أوصياء له تعالى ما لا يخفى من الإحسان ، ولما كان العقل مناط التكليف قال تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي فوائد هذا التكاليف ومنافعها في الدين والدنيا والوصاة الأمر المؤكد المقرر. وقال الأعشى :

أجدك لم تسمع وصاة محمد

نبي الإله حين أوصى وأشهدا

(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) هذا نهي عن القرب الذي يعم جميع وجوه التصرف ، وفيه سد الذريعة.

(إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي بالخصلة التي هي أحسن في حق اليتيم ولم يأت إلا بالتي هي حسنة ، بل جاء بأفعل التفضيل مراعاة لمال اليتيم وأنه لا يكفي فيه الحالة الحسنة بل الخصلة الحسنى وأموال الناس ممنوع من قربانها ، ونص على (الْيَتِيمِ) لأن الطمع فيه أكثر لضعفه وقلة مراعاته. قال ابن عباس وابن زيد (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) هو أن يعمل له عملا مصلحا فيأكل منه بالمعروف وقت الحاجة. وقال الزجاج : حفظه وزيادته. وقال الضحاك : حفظ ربحه بالتجارة ولا يأخذ منه شيئا. وقال مجاهد : (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) التجارة فمن كان من الناظرين له مال يعيش به فالأحسن إذ أثمر مال اليتيم أن لا يأخذ منه نفقة ولا أجرة ولا غيرها ، ومن كان من الناظرين لا مال له ولا يتفق له نظر إلا بأن ينفق على نفسه أنفق من ربح نظره. وقيل : الانتفاع بدوابه واستخدام جواريه لئلا يخرج الأولياء بالمخالطة ذكره المروزي. وقيل : لا يأكل منه إلا قرضا وهذا بعيد وأي أحسنية في هذا.

(حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) هذه غاية من حيث المعنى لا من حيث هذا التركيب اللفظي ، ومعناه احفظوا على اليتيم ماله إلى بلوغ أشده فادفعوه إليه. وبلوغ الأشد هنا لليتيم هو بلوغ الحلم قاله الشعبي وزيد بن أسلم ويحيى بن يعمر وربيعة ومالك. وحكى ابن عطية عن

٦٨٨

الشعبي وربيعة ومالك وأبي حنيفة إنه البلوغ مع أنه لا يثبت فسقه وقد نقل في تفسير الأشد أقوال لا يمكن أن تجيء هنا وكأنها نقلت في قوله (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) (١) فعن ابن عباس ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين وعنه ثلاث وثلاثون ، وعن ابن جبير ومقاتل ثماني عشرة وعن السدي ثلاثون وعن الثوري أربع وثلاثون ، وعن عكرمة خمس وعشرون وعن عائشة أربعون وعن أبي العالية عقله واجتماع قوته ، وعن بعضهم من خمسة عشر إلى ثلاثين وعن بعضهم ستون سنة ذكره البغوي. وأشد جمع شدة أو شد أو شد أو جمع لا واحد له من لفظه أو مفرد لا جمع له أقوال خمسة ، اختار ابن الأنباري في آخرين الأخير وليس بمختار لفقدان أفعل في المفردات وضعا وأشد مشتق من الشدة وهي القوة والجلادة. وقيل : أصله الارتفاع من شد النهار إذا ارتفع. قال عنترة :

عهدي به شد النهار كأنما

خضب اللبان ورأسه بالعظلم

(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) أي بالعدل والتسوية. وقيل : القسط هنا أدنى زيادة ليخرج بها عن العهدة بيقين لما روي «إذا وزنتم فأرجحوا».

(لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي إلا ما يسعها ولا تعجز عنه ، ولما كانت مراعاة الحد من القسط الذي لا زيادة فيه ولا نقصان يجري فيها الحرج ذكر بلوغ الوسع وإن ما وراءه معفو عنه ، فالواجب في إيفاء الكيل والميزان هو القدر الممكن وأما التحقيق فغير واجب قال معناه الطبري. وقيل : المعنى لا نكلف ما فيه تلفه وإن جاز كقوله : (أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) (٢) فعلى هذا لا يكون راجعا إلى إيفاء الكيل والميزان ، ولذلك قال ابن عطية : يقتضي أن هذه الأوامر إنما هي فيما يقع تحت قدرة البشر من التحفظ والتحرز لا أنه مطالب بغاية العدل في نفس الشيء المتصرف فيه.

(وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) أي ولو كان المقول له أو عليه ذا قرابة للقائل فلا ينبغي أن يزيد ولا ينقص ، ويدخل في ذي القربى نفس القائل ووالداه وأقربوه فهو ينظر إلى قوله : (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) (٣) أو الوالدين والأقربين ، وعنى بالقول هنا ما لا يطلع عليه إلا بالقول من أمر وحكم وشهادة زجر ووساطة بين الناس وغير ذلك لكونها منوطة بالقول ، وتخصيصه بالحكم أو بالأمر أو بالشهادة أقوال لا دليل عليها على التخصيص.

__________________

(١) سورة القصص : ٢٨ / ١٤.

(٢) سورة النساء : ٤ / ٦٦.

(٣) سورة النساء : ٤ / ١٣٥.

٦٨٩

(وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) ويحتمل أن يكون مضافا إلى الفاعل أي بما عهدكم الله عليه أوفوا وأن يكون مضافا إلى المفعول أي بما عهدتم الله عليه. وقيل : يحتمل أن يراد به العهد بين الإنسانين وتكون إضافته إلى الله تعالى من حيث أمر بحفظه والوفاء به. قال الماتريدي : أمره ونهيه في التحليل والتحريم. وقال التبريزي بعهده يوم الميثاق. وقال ابن الجوزي : يشمل ما عهده إلى الخلق وأوصاهم به وعلى ما أوجبه الإنسان على نفسه من نذر وغيره.

(ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ولما كانت الخمسة المذكورة قبل هذا من الأمور الظاهرة الجلية وجب تعلقها وتفهمها فختمت بقوله : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وهذه الأربعة خفية غامضة لا بد فيها من الاجتهاد والذكر الكثير حتى يقف على موضع الاعتدال ختمت بقوله : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). وقرأ حفص والأخوان (تَذَكَّرُونَ) حيث وقع بتخفيف الذال حذفت التاء إذ أصله تتذكرون ، وفي المحذوف خلاف أهي تاء المضارعة أو تاء تفعل. وقرأ باقي السبعة (تَذَكَّرُونَ) بتشديده أدغم تاء تفعل في الذال.

وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣) ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (١٥٤) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (١٥٦) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (١٥٧) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٥٨) إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا

٦٩٠

دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠) قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٦١) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣) قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (١٦٤) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥)

(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) قرأ الأخوان (وَأَنَّ هذا) بكسر الهمزة وتشديد النون على الاستئناف ، (فَاتَّبِعُوهُ) جملة معطوفة على الجملة المستأنفة. وقرأ الباقون بفتحها وخفف ابن عامر النون وشدّدها الباقون. وقرأ عبد الله بن أبي إسحاق وإن كقراءة ابن عمر ، فأما تخفيف النون فعلى أنه حذف اسم إن وهو ضمير الشأن وخرجت قراءة فتح الهمزة على وجوه : أحدها : أن يكون تعليلا حذف منها اللام تقديره ولأن هذا (صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) كقوله : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) (١) وقد صرّح باللام في قوله (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ فَلْيَعْبُدُوا) (٢). قال الفارسي : قياس قول سيبويه في فتح الهمزة أن تكون الفاء زائدة بمنزلتها في زيد فقام. الوجه الثاني : أن تكون معطوفة على (أَلَّا تُشْرِكُوا) أي أتل عليكم نفي الإشراك والتوحيد وأتل عليكم أن هذا صراطي وهذا على تقدير أن في (أَلَّا تُشْرِكُوا) مصدرية قاله الحوفي هكذا قرروا هذا الوجه فجعلوه معطوفا على البدل مما حرم وهو أن لا تشركوا. وقال أبو البقاء : أنه معطوف على المبدل منه أي أتل الذي حرم وأتل أن هذا (صِراطِي مُسْتَقِيماً) وهو تخريج سائغ في الكلام ، وعلى هذا فالصراط مضاف للمتكلم وهو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصراطه هو صراط الله. الوجه الثالث : أن يكون في موضع جر عطفا على الضمير في به قاله الفراء ، أي وصاكم به وبأن

__________________

(١) سورة الجن : ٧٢ / ١٨.

(٢) سورة قريش : ١٠٦ / ١ ـ ٣.

٦٩١

حذفت الباء لطول أن بالصلة. قال الحوفي : وهي مرادة ولا يكون في هذا عطف مظهر على مضمر لإرادتها. وقال أبو البقاء : هذا فاسد لوجهين. أحدهما : عطف المظهر على المضمر من غير إعادة الجار والثاني أنه يصير المعنى وصاكم باستقامة الصراط. وقرأ الأعمش : و (هذا صِراطِي) وكذا في مصحف عبد الله ولما فصل في الآيتين قبل أجمل في هذه إجمالا يدخل فيه جميع ما تقدم وجميع شريعته ، والإشارة بهذا إلى الإسلام أو القرآن أو ما ورد في هذه السورة لأنها كلها في التوحيد وأدلة النبوّة وإثبات الدين وإلى هذه الآيات التي أعقبتها هذه الآية لأنها المحكمات التي لم تنسخ في ملة من الملل أقوال أربعة. (فَاتَّبِعُوهُ) أمر باتباعه كله والمعنى : فاعملوا بمقتضاه من تحريم وتحليل وأمر ونهي وإباحة.

(وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) قال ابن عباس : هي الضلالات ، قال مجاهد : البدع والأهواء والشبهات. وقال مقاتل : ما حرموا على أنفسهم من الأنعام والحرث. وقيل : سبل الكفر كاليهودية والنصرانية والمجوسية وما يجري مجراهم في الكفر والشرك وفي مسند الدارمي عن ابن مسعود قال : خط لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما خطا ثم قال : «هذا سبيل الله» ثم خط خطوطا عن يمينه ويساره ثم قال : «هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها». ثم قرأ هذه الآية وعن جابر نحو منه في سنن ابن ماجة وانتصب فتفرق لأجل النهي جوابا له أي فتفرق فحذف التاء. وقرئ (فَتَفَرَّقَ) بتشديد التاء.

(ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) كرر التوصية على سبيل التوكيد ولما كان الصراط المستقيم هو الجامع للتكاليف وأمر تعالى باتباعه ونهى عن بنيات الطرق ختم ذلك بالتقوى التي هي اتقاد النار ، إذ من اتبع صراطه نجاه النجاة الأبدية وحصل على السعادة السرمدية. قال ابن عطية : ومن حيث كانت المحرمات الأول لا يقع فيها عاقل قد نظر بعقله جاءت العبادة (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) والمحرمات الأخر شهوات وقد يقع فيها من العقلاء من لم يتذكر وركوب الجادة الكاملة تتضمن فعل الفضائل وتلك درجة التقوى.

(ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ثُمَ) تقتضي المهلة في الزمان هذا أصل وضعها ثم تأتي للمهلة في الإخبار. فقال الزجاج : هو معطوف على أتل تقديره أتل ما حرم ثم أتل (آتَيْنا). وقيل : معطوف على (قُلْ) على إضمار قل أي ثم قال (آتَيْنا). وقيل : التقدير

٦٩٢

ثم إني أخبركم إنا آتينا. وقال الحوفي : رتبت ثم التلاوة أي تلونا عليكم قصة محمد ثم نتلو عليكم قصة موسى. وقال ابن عطية : مهلتها في ترتيب القول الذي أمر به محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كأنه قال : ثم مما وصينا إنا (آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) ويدعو إلى ذلك أن موسى عليه‌السلام متقدم بالزمان على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال ابن القشيري : في الكلام محذوف تقديره ثم كنا قد (آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) قبل إنزالنا القرآن على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال الزمخشري عطف على (وَصَّاكُمْ بِهِ) (فإن قلت) : كيف صح عطفه عليه بثم والإيتاء قبل التوصية بدهر طويل؟ (قلت) : هذه التوصية قديمة لم تزل تواصاها كل أمة على لسان نبيها كما قال ابن عباس : محكمات لم ينسخهنّ شيء من جميع الكتب فكأنه قيل : (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ) يا بني آدم قديما وحديثا ثم أعظم من ذلك إنا (آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) وأنزلنا هذا الكتاب المبارك؟ وقيل : هو معطوف على ما تقدّم قبل شطر السورة من قوله : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) (١) ؛ انتهى. وهذه الأقوال كلها متكلفة والذي ينبغي أن يذهب إليه أنها استعملت للعطف كالواو من غير اعتبار مهلة ، وقد ذهب إلى ذلك بعض النحاة.

و (الْكِتابَ) هنا التوراة بلا خلاف وانتصب تماما على المفعول له أو على المصدر أتممناه (تَماماً) مصدر على حذف الزوائد أو على الحال إما من الفاعل والمفعول وكل قد قيل. وقيل : معنى (تَماماً) أي دفعة واحدة لم نفرق إنزاله كما فرقنا إنزال القرآن قاله أبو سليمان الدمشقي. و (الَّذِي أَحْسَنَ) جنس أي على من كان محسنا من أهل ملته قاله مجاهد أي إتماما للنعمة عندهم. وقيل : المراد بالذي أحسن مخصوص. فقال الماوردي : إبراهيم كانت نبوة موسى نعمة على إبراهيم لأنه من ولده والإحسان للأبناء إحسان للآباء. وقيل : موسى عليه‌السلام تتمة للكرامة على العبد الذي أحسن الطاعة في التبليغ وفي كل ما أمر به ، والذي في هذه التأويلات واقعة على من يعقل. وقال ابن الأنباري : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) موسى من العلم وكتب الله القديمة ونحو منه قول ابن قتيبة ، قال : معنى الآية (تَماماً) على ما كان أحسن من العلم والحكمة من العلم والحكمة من قولهم : فلان يحسن كذا أي يعلمه. وقال الزمخشري في هذا التأويل : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) موسى من العلم والشرائع من أحسن الشيء إذا أجاد معرفته أي زيادة على علمه على وجه التتميم ؛ انتهى. وقال ابن عطية : على ما أحسن هو من عبادة ربه والاضطلاع بأمور نبوته يريد موسى عليه‌السلام هذا تأويل الربيع وقتادة ؛ انتهى. والذي في هذا التأويل واقعة على غير العاقل. وقيل : (الَّذِي) مصدرية وهو قول كوفي وفي

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٧٢.

٦٩٣

(أَحْسَنَ) ضمير موسى أي تماما على إحسان موسى بطاعتنا وقيامه بأمرنا ونهينا ، ويكون في على إشعار بالعلية كما تقول : أحسنت إليك على إحسانك إليّ. وقيل : الضمير في (أَحْسَنَ) يعود على الله تعالى وهذا قول ابن زيد ، ومتعلق الإحسان إلى أنبيائه أو إلى موسى قولان : وأحسن ما في هذه الأقوال كلها فعل. وقال بعض نحاة الكوفة : يصح أن يكون (أَحْسَنَ) اسما وهو أفعل التفضيل وهو مجرور صفة للذي وإن كان نكرة من حيث قارب المعرفة إذ لا يدخله أل كما تقول العرب : مررت بالذي خير منك ، ولا يجوز مررت بالذي عالم ؛ انتهى. وهذا سائغ على مذهب الكوفيين في الكلام وهو خطأ عند البصريين. وقرأ يحيى بن معمر وابن أبي إسحاق (أَحْسَنَ) برفع النون وخرج على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو أحسن و (أَحْسَنَ) خبر صلة كقراءة من قرأ (مَثَلاً ما بَعُوضَةً) (١) أي تماما على الذي هو أحسن دين وأرضاه أو تامّا كاملا على أحسن ما تكون عليه الكتب ، أي على الوجه والطريق الذي هو أحسن وهو معنى قول الكلبي : أتم له الكتاب على أحسنه. وقال التبريزي : (الَّذِي) هنا بمعنى الجمع وأحسن صلة فعل ماض حذف منه الضمير وهو الواو فبقي أحسن أي على الذين أحسنوا ، وحذف هذا الضمير والاجتزاء بالضمة تفعله العرب. قال الشاعر :

فلو أن الأطباء كان حولي

وقال آخر :

إذا شاؤوا أضروا من أرادوا

ولا يألوهم أحد ضرارا

وقال آخر :

شبوا على المجد شابوا واكتهل

يريد واكتهلوا فحذف الواو ثم حذف الضمير للوقف ؛ انتهى. وهذا خصه أصحابنا بالضرورة فلا يحمل كتاب الله عليه (وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) أي لعلهم بالبعث يؤمنون ، فالإيمان به هو نهاية التصديق إذ لا يجب بالعقل لكنه يجوز في العقل وأوجبه السمع وانتصاب (تَفْصِيلاً) وما بعده كانتصاب (تَماماً).

(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) هذا إشارة إلى القرآن و (أَنْزَلْناهُ) و (مُبارَكٌ) صفتان لكتاب أو خبران عن هذا على مذهب من يجيز تعداد الأخبار ، وإن لم يكن في معنى خبر واحد وكان الوصف بالإنزال آكد من الوصف بالبركة

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٦.

٦٩٤

فقدم لأن الكلام مع من ينكر رسالة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وينكر إنزال الكتب الإلهية وكونه مباركا عليهم هو وصف حاصل لهم منه متراخ عن الإنزال فلذلك تأخر الوصف بالبركة ، وتقدم الوصف بالإنزال وكان الوصف بالفعل المسند إلى نون العظمة أولى من الوصف بالاسم لما يدل الإسناد إلى الله تعالى من التعظيم والتشريف ، وليس ذلك في الاسم لو كان التركيب منزل أو منزل منا وبركة القرآن بما يترتب عليه من النفع والنماء بجمع كلمة العرب به والمواعظ والحكم والإعلام بأخبار الأمم السالفة والأجور التالية والشفاء من الأدواء. والشفاعة لقارئه وعده من أهل الله وكونه مع المكرمين من الملائكة وغير ذلك من البركات التي لا تحصى ، ثم أمر الله تعالى باتباعه وهو العمل بما فيه والانتهاء إلى ما تضمنه والرجوع إليه عند المشكلات ، والظاهر في قوله : (وَاتَّقُوا) أنه أمر بالتقوى العامة في جميع الأشياء. وقيل (وَاتَّقُوا) مخالفته لرجاء الله الرحمة. وقال التبريزي : اتقوا غيره فإنه منسوخ وقال التبريزي في الكلام إشارة وهو وصف الله التوراة بالتمام والتمام يؤذن بالانصرام قال الشاعر :

إذا تم أمر بدا نقصه

توقع زوالا إذا قيل تم

فنسخها الله بالقرآن ودينها بالإسلام ووصف القرآن بأنه مبارك في مواضع كثيرة ، والمبارك هو الثابت الدائم في ازدياد وذلك مشعر ببقائه ودوامه.

(أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ أَنْ تَقُولُوا) مفعول من أجله فقدره الكوفيون لئلا تقولوا ولأجل أن لا تقولوا وقدره البصريون كراهة (أَنْ تَقُولُوا) والعامل في كلا المذهبين (أَنْزَلْناهُ) محذوفة يدل عليها قوله قبل (أَنْزَلْناهُ) ، ولا يجوز أن يكون العامل (أَنْزَلْناهُ) هذه الملفوظة بها للفاصل بينهما وهو (مُبارَكٌ) الذي هو وصف لكتاب أو خبر عن هذا فهو أجنبي من العامل والمعمول. وظاهر كلام ابن عطية أن العامل فيه (أَنْزَلْناهُ) الملفوظ بها. وقيل : (أَنْ تَقُولُوا) مفعول والعامل فيه (وَاتَّقُوا) أي واتقوا أن تقولوا لأنه لا حجة لكم فيه والكتاب هنا جنس والطائفتان هما أهل التوراة والإنجيل اليهود والنصارى بلا خلاف ، والخطاب متوجه إلى كفار قريش بإثبات الحجة عليهم بإنزال هذا الكتاب لئلا يحتجوا هم وكفار العرب بأنهم لم يكن لهم كتاب فكأنه قيل : وهذا القرآن يا معشر العرب أنزل حجة عليكم لئلا تقولوا : إنما أنزلت التوراة والإنجيل بغير لساننا على غيرنا ونحن لم نعرف ذلك فهذا كتاب بلسانكم مع رجل منكم.

٦٩٥

وقرأ ابن محيصن : أن يقولوا بياء الغيبة ويعني كفار قريش. وقال الماتريدي : المعنى إنما ظهر نزول الكتاب عند الخلق على طائفتين من قبلنا ولم يكونوا وقت نزل التوراة والإنجيل يهودا ولا نصارى ، وإنما حدث لهما هذان الاسمان لما حدث منهما و (دِراسَتِهِمْ) قراءتهم ودرسهم والمعنى عن مثل (دِراسَتِهِمْ) وأعاد الضمير جمعا لأن كل طائفة منهم جمع كما أعاده في قوله : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) (١) وإن هنا هي المخففة من الثقيلة. وقال الكوفيون : إن نافية واللام بمعنى إلا والتقدير وما كنا عن دراستهم إلا غافلين. وقال قطرب : في مثل هذا التركيب إن بمعنى قد واللام زائدة وليس هذا الخلاف مقصورا على ما في هذه الآية ، بل هو جار في شخصيات هذا التركيب وتقريره في علم النحو. وقال الزمخشري : (وَإِنْ كُنَّا) هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينها وبين النافية والأصل (وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ) غافلين على أن الهاء ضمير ؛ انتهى. وما ذهب إليه من أن أصله (وَإِنْ كُنَّا) والهاء ضمير الشأن يلزم منه أن إن المخففة من الثقيلة عاملة في مضمر محذوف حالة التخفيف كما قال النحويون في أن المخففة من الثقيلة عاملة في مضمر محذوف حالة التخفيف كما قال النحويون في أن المخففة من الثقيلة والذي نص الناس عليه أن إن المخففة من الثقيلة إذا لزمت اللام في أحد الجزأين بعدها أو في أحد معمولي الفعل الناسخ الذي يليها ، إنها مهملة لا تعمل في ظاهر ولا مضمر لا مثبت ولا محذوف فهذا الذي ذهب إليه مخالف للنصوص وليست إذا وليها الناسخ داخلة في الأصل على ضمير شأن البتة.

و (عَنْ دِراسَتِهِمْ) متعلق بقوله : (لَغافِلِينَ) وهذا يدل على بطلان مذهب الكوفيين في دعواهم أن اللام بمعنى إلا ولا يجوز أن يعمل ما بعد إلا فيما قبلها ، وكذلك اللام التي بمعناها ولهم أن يجعلوا عنها متعلقا بمحذوف ويدل أيضا على أن اللام لام ابتداء لزمت للفرق ، فجاز أن يتقدم معمولها عليها لما وقعت في غير ما هو لها أصل كما جاز ذلك في أن زيدا طعامك لآكل حيث وقعت في غير ما هو لها أصل ولم يجز ذلك فيها إذا وقعت فيما هو لها أصل وهو دخولها على المبتدأ.

(أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) انتقال من الأخبار لحصر إنزال الكتاب على غيرهم وأنه لم ينزل عليهم إلى الأخبار بحكم على تقدير والكتاب يجوز أن يراد به الكتاب السابق ذكره ، ويجوز أن يراد الكتاب الذي تمنوا أن ينزل عليهم ومعنى (أَهْدى مِنْهُمْ) أرشد وأسرع اهتداء لكونه نزل علينا بلساننا فنحن نتفهمه ونتدبره وندرك ما

__________________

(١) سورة الحجرات : ٤٩ / ٩.

٦٩٦

تضمنه من غير إكداد فكر ولا تعلم لسان بخلاف الكتاب الذي أنزل على الطائفتين ، فإنه بغير لساننا فنحن لا نعرفه ولا نغفل عن دراسته أو (أَهْدى مِنْهُمْ) لكون اليهود والنصارى قد افترقت فرقا متباينة فلا نعرف الحق من الباطل.

(فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) هذا قطع لاعتذارهم بانحصار إنزال الكتاب على الطائفتين وبكونهم لم ينزل عليهم كتاب ، ولو نزل لكانوا أهدى من الطائفتين. والظاهر أن البينة هي القرآن وهو الحجة الواضحة الدالة النيرة حيث نزل عليهم بلسانهم وألزم العالم أحكامه وشريعته وأن الهدى والنور من صفات القرآن. وقيل : البينة الرسول قاله ابن عباس (بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي حجة وهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن. وقيل : آيات الله التي أظهرها في كتابه وعلى لسان رسوله. وقيل : دين الله والهدى والنور على هذه الأقوال من صفات ما فسرت البينة به والفاء في قوله : (فَقَدْ جاءَكُمْ) على ما قدره الزمخشري وغيره جواب شرط محذوف. قال الزمخشري : والمعنى إن صدقتم فيما كنتم تعدّون من أنفسكم (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) فحذف الشرط وهو من أحاسن الحذوف ؛ انتهى. وقدره غيره إن كنتم كما تزعمون إذا نزل عليكم كتاب تكونون أهدى من اليهود والنصارى ، (فَقَدْ جاءَكُمْ) وأطبق المفسرون على أن الغرض بهذه الجملة إقامة الحجة على مشركي العرب وقطع احتجاجهم.

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها) أي بعد مجيء البينة والهدى والنور لا يكون أحد أشد ظلما من المكذب بالأمر الواضح النير الذي لا شبهة فيه والمعرض عنه بعد ما لاحت له صحته وصدقه وعرفه أو تمكن من معرفته ، وتأخر الإعراض لأنه ناشئ عن التكذيب والإعراض عن الشيء هو بعد رؤيته وظهوره. وقيل : قبل الفاء شرط محذوف تقديره فإن كذبتم فلا أحد أظلم منكم وآيات الله يحتمل أن يراد بها القرآن والرسول والأولى أن يحمل على العموم ، (وَصَدَفَ) لازم بمعنى أعرض وقد شرحناه على هذا المعنى ومتعدّ أي صدف عنها غيره بمعنى صده وفيه مبالغة في الذمّ حيث (كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ) وجعل غيره يعرض عنها ويكذب بها. وقرأ ابن وثاب وابن أبي عبلة (مِمَّنْ كَذَّبَ) بتخفيف الذال.

(سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) علق الجزاء على الصدوف لأنه هو ناشئ عن التكذيب ، و (سُوءَ الْعَذابِ) شديده كقوله ؛ (الَّذِينَ

٦٩٧

كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) (١) وقرأت فرقة (يَصْدِفُونَ) بضم الدال.

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) الضمير في (يَنْظُرُونَ) عائد على الذين قيل لهم (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ) وهم العادلون بربهم من العرب الذين مضى أكثر السورة في جدالهم أي ما ينتظرون (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) إلى قبض أرواحهم وتعذيبها وهو وقت لا تنفع فيه توبتهم وهو قول مجاهد وقتادة وابن جريج. وقيل : (أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) الذين ينصرفون يوم القيامة يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين. وقيل : ذلك إشارة إلى قولهم : (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) (٢) أي رسلا من الله إليهم كما تمنوا ، أو يأتي أمر ربك فيهم بالقتل أو غيره قاله ابن عباس. وقال مجاهد (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) بعلمه وقدرته بلا أين ولا كيف لفصل القضاء بين خلقه في الموقف يوم القيامة. وقال الزجاج : أو يأتي إهلاك ربك إياهم. قال ابن عطية : وعلى كل تأويل فإنما هو بحذف مضاف تقديره أمر ربك وبطش وحساب ربك ، وإلا فالإتيان المفهوم من اللغة مستحيل في حق الله تعالى ألا ترى أن الله تعالى يقول : (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) (٣) فهذا إتيان قد وقع وهو على المجاز وحذف المضاف. وقال الزمخشري : (أَوْ يَأْتِيَ) كل آيات ربك بدليل قوله : (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) يريد آيات القيامة والهلاك الكلي و (بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) أشراط الساعة كطلوع الشمس من مغربها وغيرها ؛ انتهى.

وقال ابن مسعود وابن عمر ومجاهد وقتادة والسدي : إنه طلوع الشمس من مغربها ورواه أبو سعيد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي الصحيحين عنه عليه‌السلام «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمن من عليها فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا». وقال ابن مسعود فيما روى عنه مسروق : طلوع الشمس والقمر من مغربهما. وقيل : إحدى الآيات الثلاث طلوع الشمس من مغربها والدابة وفتح يأجوج ومأجوج رواه القاسم عن ابن مسعود. وقال أبو هريرة : طلوعها والدجال والدابة وفتح يأجوج ومأجوج. وقيل : العشر الآيات التي في حديث البراء طلوع الشمس من مغربها والدجال والدابة وخسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ، ونزول عيسى وفتح يأجوج ومأجوج ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى

__________________

(١) سورة النحل : ١٦ / ٨٨.

(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ٩٢.

(٣) سورة الحشر : ٥٩ / ٢.

٦٩٨

المحشر. والظاهر أنهم توعدوا بالشيء العظيم من أشراط الساعة ليذهب الفكر في ذلك كل مذهب لكن أتى بعد ذلك الإخبار عنه عن هذا البعض بعدم قبول التوبة فيه إذا أتى ، وتصريح الرسول بأن طلوع الشمس من مغربها وقت لا تنفع فيه التوبة فيظهر أنه هذا البعض ويحتمل أن يكون هذا البعض غرغرة الإنسان عند الموت فإنها تكون في وقت لا تنفع فيه التوبة. قال تعالى : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) (١) وفي الحديث «إن توبة العبد تقبل ما لم يغرغر» ويحتمل أن يكون قوله : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) غير قوله : (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) فيكون هذا عبارة عن ما يقطع بوقوعه من أشراط الساعة ويكون قوله (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) فيه وصف محذوف يدل عليه المعنى تقديره (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) التي يرتفع معها التوبة. وثبت بالحديث الصحيح أن طلوع الشمس من مغربها وقت لا تقبل فيه التوبة ويدل على التغاير إعادة آيات ربك إذ لو كانت هذه تلك لكان التركيب يوم يأتي بعضها أي بعض آيات ربك.

(يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) منطوق الآية أنه إذا أتى هذا البعض (لا يَنْفَعُ نَفْساً) كافرة إيمانها الذي أوقعته إذ ذاك و (لا يَنْفَعُ نَفْساً) سبق إيمانها وما كسبت فيه خيرا فعلق نفي الإيمان بأحد وصفين : إمّا نفي سبق الإيمان فقط وإمّا سبقه مع نفي كسب الخير ، ومفهومه أنه ينفع الإيمان السابق وحده أو السابق ومعه الخير ومفهوم الصفة قوي فيستدل بالآية لمذهب أهل السنة من أن الإيمان لا يشترط في صحته العمل. وقال الزمخشري : (آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) صفة لقوله : (نَفْساً) وقوله : (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) عطف على (آمَنَتْ) والمعنى أن أشراط الساعة إذا جاءت وهي آيات ملجئة مضطرة ذهب أوان التكليف عندها فلم ينفع الإيمان حينئذ نفسا غير مقدّمة إيمانها من قبل ظهور الآيات أو مقدمة إيمانها غير كاسبة خيرا في إيمانها ، فلم يفرق كما ترى بين النفس الكافرة إذا آمنت في غير وقت الإيمان وبين النفس التي آمنت في وقتها ولم تكسب خيرا ليعلم أن قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٢) جمع بين قرينتين لا ينبغي أن تنفك إحداهما عن الأخرى حتى يفوز صاحبها ويسعد وإلا فالشقاوة والهلاك ؛ انتهى. وهو جار على مذهبه الاعتزالي.

__________________

(١) سورة النساء : ٤ / ١٨.

(٢) سورة مريم : ١٩ / ٩٦ ، وسورة الحج : ٢٢ / ١٤.

٦٩٩

وقرأ الأخوان : إلا أن يأتيهم بالياء. وقرأ ابن عمرو وابن سيرين وأبو العالية يوم تأتي بعض بالتاء مثل تلتقطه بعض السيارة وابن سيرين لا تنفع نفسا. قال أبو حاتم : ذكروا أنها غلط منه. وقال النحاس : في هذا شيء دقيق ذكره سيبويه وذلك أن الإيمان والنفس كل منهما مشتمل على الآخر فأنث الإيمان إذ هو من النفس وبها وأنشد سيبويه رحمه‌الله :

مشين كما اهتزت رماح تسفهت

أعاليها مرّ الرياح النواسم

انتهى.

وقال الزمخشري : وقرأ ابن سيرين لا تنفع بالتاء لكون الإيمان مضافا إلى ضمير المؤنث الذي هو بعضه لقوله : ذهبت بعض أصابعه ؛ انتهى. وهو غلط لأن الإيمان ليس بعضا للنفس ويحتمل أن يكون أنث على معنى الإيمان وهو المعرفة أو العقيدة ، فكان مثل جاءته كتابي فاحتقرها على معنى الصحيفة ونصب يوم تأتي بقوله : (لا يَنْفَعُ) وفيه دليل على تقدّم معمول الفعل المنفي بلا على لا خلافا لمن منع. وقرأ زهير القروي (يَوْمَ يَأْتِي) بالرفع والخبر (لا يَنْفَعُ) والعائد محذوف أي لا ينفع فيه وإن لم يكن صفة وجاز الفصل بالفاعل بين الموصوف وصفته لأنه ليس بأجنبي إذ قد اشترك الموصوف الذي هو المفعول والفاعل في العامل ، فعلى هذا يجوز ضرب هندا غلامها التميمية ومن جعل الجملة حالا أبعد ومن جعلها مستأنفة فهو أبعد.

(قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) أي انتظروا ما تنتظرون (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) ما يحل بكم وهو أمر تهديد ووعيد من قال : إنه أمر بالكف عن القتال فهو منسوخ عنده بآية السيف.

(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) لما ذكر تعالى أن صراطه مستقيم ونهى عن اتباع السبل وذكر موسى عليه‌السلام وما أنزل عليه وذكر القرآن وأمر باتباعه وذكر ما ينتظر الكفار مما هو كائن بهم ، انتقل إلى ذكر من اتبع السبل فتفرّقت به عن سبيل الله لينبه المؤمنين على الائتلاف على الدين القويم ، ولئلا يختلفوا كما اختلف من قبلهم من الأمم بعد أن كانوا متفقين على الشرائع التي بعث أنبياؤهم بها والذين فرّقوا دينهم الحرورية أو أهل الضلالة من هذه الأمّة أو أصحاب البدع أو الأهواء منهم ، وهو قول الأحوص وأمّ سلمة أو اليهود أو هم والنصارى وهو قول ابن عباس والضحاك وقتادة ، أي فرقوا دين إبراهيم الحنيف أو هم مشركو العرب أو الكفار وأهل البدع أقوال ستة. وافتراق النصارى إلى ملكية ويعقوبية ونسطورية

٧٠٠