وقعة الجمل

ضامن بن شدقم بن علي الحسيني المدني

وقعة الجمل

المؤلف:

ضامن بن شدقم بن علي الحسيني المدني


المحقق: السيد تحسين آل شبيب الموسوي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المحقّق
الطبعة: ١
الصفحات: ١٦٧
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

في هذا الكتاب ، فقال : لَتَنْتَهِنّ عمّا انت عليه أو لأُدْخِلَنَّ عليكِ جَمْرَ النار ! فقالت له عائشة : أما والله ، لئن فلعتَ ذلك بنساء النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلعنكَ الله ورسولُهُ ! وهذا قميصُ رسول الله لم يتغيّر وقد غَيَّرْتَ سُنَّتهُ يا نَعْثلُ (١) !

وروى ليث بنُ ابي سُليم ، عن ثابت الانصاري ، عن ابن ابي عامر مولى الانصار ، قال : كُنتُ في المسجد فمرّ عثمانُ فنادتهُ عائشةُ : يا غُدرُ ! يا فُجَرُ ! أخْفَرتَ أمانتك ، وضيَّعتَ رعيَّتك ، ولولا الصلواتُ الخمس لمشى اليك الرجالُ حتى يَذبحُوكَ ذبْحَ الشاةِ !

فقال عثمانُ : ( ضَرَبَ الله مثلاً للذينَ كَفروا امرَأةَ نُوحٍ وامرَأةَ لُوطٍ كانتا تحتَ عَبْدَين مِن عِبادنا صالحينِ فَخَانتاهُما فلَم يُغنيا عنهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وقيلَ ادخُلا النارَ مع الدّاخلين ) (٢).

هذه بعض الاحاديث اقتصرنا عليها في بيان موقف السيدة عائشة من مسألة الثورة على عثمان التي ادت الى مصرعه.

لكن لماذا هذا الانقلاب المفاجئ للسيدة عائشة بعد قتل عثمان ، وتولي امير المؤمنين عليه‌السلام لمقاليد الخلافة ؟ حتى صارت تجمع رؤوس

__________________

(١) انظر المصدر السابق م ١ : ١٤٧.

« وكان اعداء عثمان يسمونه نعثلاً ، تشبيهاً برجل من مصر ، كان طويل اللحية اسمه نعثل ، وقيل النعثل : الشيخ الاحمقُ ). انظر : النهاية ٥ : ٨٠.

(٢) التحريم : ٦٦. وانظر : الفتوح م ١ : ٤١٩ ، الايضاح : ١٤١.

٢١

الشقاق من حولها ، وتعبئ الجيوش لمخالفة الامام واظهار الفتنة ، وتكتب الرسائل الى بعض الشخصيات تطالبهم بنقض البيعة والالتحاق بها مع من تجمع حولها من المنافقين والاشرار تطالب بدم عثمان ، وكانت قبل سماعها تولي الامام امير المؤمنين الخلافة فرحة مسرورة تود لو ان طلحة أو الزبير تولّيا هذا الامر من بعد عثمان. يُذكر انه لما قتل عثمان بن عفان خرج النُعاة الى الآفاق ، فلما وصل بعضهم الى مكّة سمعت بذلك عائشة فاستبشرتْ بقتله وقالت : قتلتهُ اعماله ، إنه احرق كتاب الله ، وامات سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقتله الله ، قالت : وَمَنْ بايع الناسُ ؟ فقال لها الناعي : لم ابْرَحْ من المدينةِ حتى أخذ طلحةُ بن عبيدالله نعاجاً لعثمان ، وعَمَل مفاتيح لابواب بيت المال ، ولا شكَّ ان الناس قد بايعُوهُ. فقالت : ايهاً ذا الاصبع ! قد وجدوك لها كافياً وبها مُحْسِناً. ثمّ قالت : شُدُّوا رحلي فقد قضيتُ عُمرتي لأتوجه الى منزلي. فلما شُدَّ رحلها واستوت على مركبها سارتْ حتى بلغت سَرِفاً (١) ـ موضع معروف بهذا الاسم ـ لقيها عبيد بنُ اُمِّ كلاب (٢) ، فقالت له : ما الخبر ؟ فقال : قُتِلَ عُثمان. فقالت : قُتِلَ نعْثَلُ ؟ فقال : قُتِلَ نعثل ! فقالت : خبِّرني عن قصّته وكيف كان أمرُهُ ؟ فقال : لما احاط الناسُ بالدار وبه رأيتُ طلحة بن عُبيدالله قد غَلبَ على الامر ، واتخذ مفاتيح

__________________

(١) سَرِف : بفتح اوله وكسر ثانيه ، على ستة اميال من مكّة من طريق مرّ.

معجم ما استعجم م ١ : ٧٣٥.

(٢) في الكامل في التاريخ ٣ : ٢٠٦ عبيد بن ابي سلمة ، وهو ابن ام كلاب.

٢٢

على بيوتِ الاموال والخزائن ، وتهيّأ ليُبايَعَ له ، فلما قُتِلَ عثمانَ مالَ الناسُ الى عليّ بن ابي طالب عليه‌السلام ، ولم يَعْدلُوا به طلحة ولا غيرهُ ، وخرجوا في طلب علي يقدُمُهُم الاشتر ، ومحمدُ بنُ ابي بكر ، وعمارُ بن ياسر حتى أتوا علياً عليه‌السلام وهو في بيتٍ سَكَنَ فيه ، فقالوا له : بايَعْنا على الطاعة لك ، فتلكأ ساعةً ، فقال الاشترُ : يا عليُّ إنّ الناس لا يعدلُونَ بك غيرك ، فبايعْ قبلْ ان تختلف الناسُ ، قال : وفي الجماعة طلحةُ والزبيرُ فظننتُ أنْ سيَكون بينَ طلحة والزبير وعليٍّ كلامٌ قبل ذلك ، فقال الاشترُ لطلحة : قُمْ يا طلحةُ فبايعْ ، قُمْ يا زبيرُ فبايعْ ، فما تنتظران ؟

فقاما فبايَعا وأنا أرى أيْديهُما على يدِهِ يصفقانِها ببيعته ، ثمّ صَعَد عليُّ بنُ ابي طالب عليه‌السلام المنبر فتكلّم بكلام لا احفظه ، إلا أنّ الناسَ بايُعوهُ يومئذٍ على المنبر وبايُعوهُ من الغدِ ، فلمّا كان اليومُ الثالثُ خرجتُ ولا أعْلَمْ ما جَرى بعدي.

فقالت : يا اخا بني بَكْرٍ ، انتَ رأيت طلحةَ بايعَ عليّاً ؟ فقلتُ : إي والله ، رأيتهُ بايعهُ ، وما قلتُ إلا ما رأيتُ ، طلحةُ والزبيرُ أوّلُ من بايعهُ. فقالت : إنا لله ! أُكْره ـ والله ـ الرجلُ ، وغصبَ عليُّ بنُ ابي طالب أمْرَهم وقُتلَ خليفةُ اللهِ مظلوماً ! رُدَّوا بغالي ، رُدُّوا بغالي. فرجعتْ الى مكَّةَ ، قال : وسِرْتُ معها فجعلتْ تسألني في المسير وجعلتُ أخبرها بما كان ، فقالت لي : هذا بعدي وما كُنْتُ أظنُّ أنّ الناسَ يَعْدلُون عن طلحةَ مع بلائِهِ يومَ اُحُد.

قلتُ : فإنْ كان بالبلاءِ فصاحِبُهُ الذي بُويعَ أشَدُّ بلاءً وعناءً.

٢٣

فقالت : يا أخا بني بَكْرٍ لم أسألك غير هذا. فإذا دخلت مكّةَ وسألك الناسُ : ما رَدَّ اُم المؤمنين ؟ فَقُلْ : القيامُ بدَم عثمانَ والطلبُ بهِ !

وجاءَها يَعْلَىَ بْنُ مُنْيَةَ ، فقال لها : قد قُتِلَ خليفتُكِ الذي كُنْتِ تُحرّضينَ على قَتْلِهِ. فقالت : بَرئتُ الى اللهِ من قاتلِه. فقال لها : الآن ! ثمّ قال لها : أظْهري البراءَة ثانياً مِنْ قاتِلهِ. قال : فخرجتْ الى المسجدِ فجعلتْ تَتَبرَّأُ مِمَّنْ قَتلَ عثمانَ (١).

لكن السيدة لم تزل مبغضةً وماقتةً لعلي عليه‌السلام منذ قصة الذين رموها بصفوان بن المعطل ، وما كان منها في غزوة بني المصطلق وهجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واستشارته في امرها أُسامة بن زيد ، وذكر له

__________________

(١) انظر : الفتوح م ١ : ٤٣٤ ، الشافي ٤ : ٣٥٧ ، مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ١٦١ و ١٦٢ و ١٦٣.

قال ابن الاثير في الكامل ٣ : ٢٠٦ : فانصرفت الى مكّة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوماً ، والله لاطلبن بدمه ! فقال لها : ولِمَ ؟ والله إنّ أوّل من أمال حرفه لأنتِ ، ولقد كنت تقولين : اقتلوا نعثلاً فقد كفر. فقالت : إنهم استتابوه ثمّ قتلوه ، وقد قلت وقالوا ، وقولي الاخير خير من قولي الاول ، فقال لها ابن ام كلاب :

فمنكِ البداءُ ومنكُ الغيَرْ

ومنكِ الرّياحُ ومنكِ المطَرْ

وأنتِ أمرتِ بقتلِ الإمامِ

وقلتِ لنا إنّهُ قد كَفَرْ

فهبْنا أطعناكِ في قَتلِهِ

وقاتلهُ عندَنا من أمَرْ

ولم يسقطِ السقفُ من فوقنا

ولم ينكسِف شمسُنا والقمَرْ

وقد بايعَ الناس ذا تُدرَإٍ

يزيلُ الشِّبا ويُقيمُ الصّعَرْ

ويلبسُ للحَرْبِ أثوابها

وما من وَفى مثلُ من قد غدَرْ

الى آخر القصيدة.

٢٤

قذف القوم بصفوان ، فقال له اسامة : لا تظن يا رسول الله إلا خيراً ، فإنّ المرأة مأمونة ، وصفوان عبدٌ صالحٌ ، ثمّ استشار علياً عليه‌السلام ، فقال له : « يا رسول الله صلى الله عليك ، النساء كثيرةٌ وسل بريرةَ خادِمَتها وابحثْ عنْ خَبَرها منها ». فقال له رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فتولَّ أنت يا عليُّ تقريرها ». فقطع لها عليُّ عليه‌السلام عُسُباً مِنَ النخلِ وَخَلا بها يسألُها عنّي ( اي عن عائشة ) ويتهدَّدُها ويَرْهِبُها ، لا جَرَمَ أنّي لا أحِبُّ عليّاً ابداً (١).

فهذا تصريح منها بِبُغضها له وَمْقتها إياه ، قال شيخنا المفيد ( اعلا الله مقامه ) : ولم يكنْ ذلك منه عليه‌السلام إلا النصيحة لله ولرسوله واجتهاده في الرأي ، ونُصْحه وامتثاله لأمْرِ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ومُسارعته الى طاعته (٢).

ومن شدة بغضها وحقدها على امير المؤمنين عليه‌السلام حتى انها لا تستطيع ان تصرح باسمه ، ففي رواية عكرمة وابن عباس ، وأنّ عكرمةَ خبَّرهُ عن حديثٍ حدَّثتْهُ عائشةُ في مَرَضِ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، خرجَ متوكئاً على رَجُلَيْنِ مِنْ أهل بيته ، أحدُهما الفضلُ بنُ العبّاس ، فقال عبدُالله بن العبّاسِ لعكْرمةَ : فلم تُسَمِّ لك الاخر ؟ فقال : لا والله ما سَمَّتهُ. فقال : أتدْري مَنْ هو ؟

قال : لا. قال : ذلك عليّ بن ابي طالب عليه‌السلام ، وما كانت والله أُمّنا

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ٤٣٠ ، صحيح البخاري ٣ : ١٥٥ ، الكشاف ٤ : ٤٥٣.

(٢) مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ١٥٧.

٢٥

تذكره بخير وهي تستطيع (١).

ولم تخفِ ام المؤمنين فرحها وسرورها عند سماعها باستشهاد أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فذكر أبو الفرج الاصفهاني رواية بسند اسماعيل بن راشد قال : لما أتى عائشة نعي عليّ امير المؤمنين عليه‌السلام تمثلت :

فألقت عصاها واستقر بها النوى

كما قرّ عيناً بالإياب المسافـرِ

ثم قالت : من قتلهُ ؟ فقيل : رجلٌ من مراد. فقالت :

فإن يكُ نائياً فلقد بغاهُ

غلامٌ ليس في فيه الترابُ

فقالت لها زينب بنت أم سلمة : العلي تقولين هذا ؟ فقالت : إذا نسيت فذكروني ، ثمّ تمثلت :

ما زالَ إهداء القصائد بيننا

باسم الصديق وكثرة الالقابِ

حتى تركت كأن قولك فيهم

في كل مجتمع طنين ذبابِ

وذكر رواية أيضاً عن ابي البحتري ، قال : لما ان جاء عائشة قتل عليّ عليه‌السلام سجدت (٢).

وبقي هذا الحقد ملازماً لها حتى بعد مصرع الامام عليّ عليه‌السلام ، ففي

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٢ : ٢٣١ ، مسند أحمد ٦ : ٣٨ ، صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، صحيح مسلم ٤ : ١٣٨ ، المستدرك ٣ : ٥٦ ، السنن الكبرى ١ : ٣١. ومصنفات الشيخ المفيد م ١ : ١٥٨.

(٢) مقاتل الطالبيين : ٥٥ ، وانظر أيضاً : طبقات ابن سعد ٣ : ٤٠ ، تاريخ الطبري ٥ : ١٥٠ ، بحار الانوار ٣٢ : ٣٤٠.

٢٦

رواية مسروق انه قال : دخلتُ عليها فاستدعِتْ غلاماً باسم عبد الرحمن ، فسألتها عنه ، فقالتْ : عَبْدي ، فقلتُ : كيف سَمَّيتهِ بعبد الرحمن ؟ قالت : حُباً لعبدِ الرحمن بنِ مُلْجم قاتل عليّ (١) !!

رسائل طلحة والزبير والسيدة عائشة

بعد ان احكمت الفتنة ، واظهر القوم الشقاق والخلاف على حكومة امير المؤمنين عليه‌السلام الفتية ، وقد حاولوا استدراج من له تأثير في الساحة السياسية ، فكاتبوهم يطالبونهم بأتخاذ موقف مشابه لموقفهم في نكث بيعة الامام عليّ عليه‌السلام ، والمطالبة بدم عثمان ، وتحريض الناس للالتحاق بركب الشر ، لكن اجاباتهم كانت طعنة في خاصرة القوم ، فلقد كان اصحاب الشر يتوقعون ان يجنوا ولو شيئاً يسيراً من الذين كاتبوهم ، لكن الردّ جاء مخيباً للآمال ، وكان عنيفاً وقاسياً.

كما كاتبهم من عاب عملهم الشائن ، وحذرهم الولوغ في الفتنة ، والسعي في شق عصا المسلمين واهراق دمائهم.

فقد كتبت ام سلمة الى عائشة عندما عزمت على الخروج الى البصرة :

من امِّ سلمة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى عائشة ام المؤمنين :

سلام عليكِ ، فأني أحمدُ اليك الذي لا الله الا هو ، أما بعدُ :

__________________

(١) الشافي ٤ : ٣٠٦ ، بحار الانوار ٣٢ : ٣٤١ ، مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ١٦٠.

٢٧

فإنّكِ سدة بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين امتهِ ، وحجابك مضروب على حرمته ، قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه ، وسكِّن عُقيراكِ فلا تصحريها ، الله من وراء هذه الامة ، لو علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان النساء يحتملن الجهاد عهد إليك ، عُلْتِ عُلْتِ ! بل نهاك عن الفرْطة في البلاد ، انّ عمود الدين لا يثاب بالنساء ان مال ، ولا يرأب بهنّ ان صُدع ، حُماديات النساء غضّ الاطراف وخفض الاصوات ، وخفر الاعراض ، وضمّ الذيول ، وقعر الوهازة ، وما كنت قائلة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو عَارضكِ ببعض الفلوات ناصة قلوصاً من منهلٍ الى منهل ، قد وجهت سدافته وتركتك عهداه ، ان بعين الله مهواكِ ، وعلى رسولهِ تردين ، واقسمُ بالله لو سرتُ مسيرك هذا ، ثمّ قيل لي : يا ام سلمة : ادخلي الفِردوسَ ، لاستحييت ان القى محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هاتكة حجاباً قد ضربه عليّ.

اجعلي بيتك حِصْنكِ (١) ، وقاعة الستر قبرك ، حتى تلقيه وانت

__________________

(١) وكانت ام سلمة تطالبها بتطبيق قوله تعالى ( وقرن في بيوتكن ) ، ففي تفسير روح المعاني للآلوسي ، روى البزاز عن انس : ان النساء جئن الى رسول الله بعد نزول الاية فقلن : لقد ذهب الرجال بالفضل والجهاد ، فهل لنا عمل ندرك به فضل المجاهدين ؟

فقال : من قعد منكن في بيتها تدرك عمل المجاهدين.

وقال السيوطي : ان سودة بنت زمعة زوجة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تحج بعد نزول الاية فقيل لها في ذلك ، فقالت : اني حججت واعتمرت ، وأمرني ربي تعالى شأنه ان أقر في بيتي حتى تخرج جنازتي.

وأخرج مسووق : ان عائشة كلما قرأت ( وقرن في بيوتكن ) تبكي حتى تبل خمارها.

انظر : روح المعاني ٢٢ : ٦ ، الدر المنثور ٥ : ١٩٦.

٢٨

على تلك ، أطوع ما تكونين لله إذا الَزِمته ، وانصرُ ما تكونين للدين ما حللتِ فيه ، ولو ذكّرْتك قولاً من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعرفينه ، لنُهشتِ به نهش الرقشاء المطرقة ، والسلام » (١).

رد عائشة على امّ سلمة

فأجابتها عائشة :

من عائشة ام المؤمنين الى ام سلمة :

« سلامٌ عليك ، فأني أحمد اليك الله الذي لا اله الا هو ، اما بعدُ :

فما أقبلني لِوَعْظكِ ، وأعرفني لحق نصحك ، وما انا بعمية عن رأيك ، وليس مسيري على ما تظنين ، ولنعم المسير مسيرٌ فزعت فيه اليّ فئتان متناحرتان من المسلمين ، فإنّ اقعد ففي غير حرج ، وان امضِ فإلى ما بُد لي من الازدياد منه ، والسلام » (٢).

كتاب الاشتر الى عائشة

وكتب الاشتر من المدينة الى عائشة ، وهي بمكة :

« اما بعد : فأنّكِ ضعينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أمرك ان تقري في

__________________

(١) العقد الفريد ٢ : ٢٧٧ ، الامامة والسياسة ١ : ٤٥ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨٠ ، بلاغات النساء : ١٥ ، الاحتجاج ١ : ٢٤٤ ، مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٢٣٦.

« يذكر شيخنا المفيد ومؤرخون آخرون ان ام سلمة دخلت على عائشة وكلمتها ».

(٢) العقد الفريد ٢ : ٢٧٧ ، الامامة والسياسة ١ : ٤٥ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨٠ ، بلاغات النساء : ١٥ ، الاحتجاج ١ : ٢٤٤ ، مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٢٣٦.

٢٩

بيتك ، فإنّ فعلتِ فهو خير لك ، وإن ابيتِ الا ان تأخذي فسأتك ، وتلقي جلبابك ، وتبدُ للناس شُعيراتك ، فأقاتلك حتى أردك الى بيتك ، والموضع الذي يرضاه لك ربُّكِ » (١).

ردُّ عائشة على الاشتر

فكتبت إليه في الجواب :

« اما بعدُ : فإنّك أوّل العرب شبَّ الفتنة ، ودعا الى الفرقة ، وخالف الائمة ، وسعر في قتل الخليفة ، وقد علمت إنّك لن تعجز الله حتى يُصيبك منه بنقمة ينتصر بها منك للخليفة المظلوم ، وقد جاءني كتابك ، وفهمت ما فيه ، وسيكفينك الله ، وكان من اصبح مماثلاً لك في ضلالك وغيّك ، ان شاء الله » (٢).

كتاب عائشة الى زيد بن صوحان

وكتبت عائشة الى زيد بن صوحان العبدي ، إذ قدمت البصرة.

من عائشة ابنة ابي بكر ام المؤمنين حبيبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى ابنها الخالص زيد بن صوحان.

« سلام عليك ، اما بعدُ : فإنّ اباك كان رأساً في الجاهلية ، وسيداً في الاسلام ، وإنّك من ابيك بمنزلة المصلى من السابق ، يقال : كادَ أو

__________________

(١ ـ ٢) شرح نهج البلاغة ٢ : ٨٠.

٣٠

لحِق ، وقد بلغك الذي كان في الاسلام من مصاب عثمان بن عفان ، ونحن قادمون عليك ، والعيان اشفى لك من الخبر ، فإذا أتاك كتابي هذا ، فاقدم فانصرنا على أمرنا هذا ، فإنّ لم تفعل فثبّط الناس عن عليّ بن ابي طالب ، وكن مكانك حتى يأتيك أمري ، والسلام » (١).

ردُّ زيد بن صوحان على عائشة

فكتب إليها زيد :

من زيد بن صوحان الى عائشة ام المؤمنين :

« سلام عليك ، اما بعدُ : فأنّ الله امركِ بأمرٍ وأمرنا بأمرٍ :

أمرك أن تقرّي في بيتك ، وأمرنا ان نقاتل الناس حتى لا تكون فتنة ، فتركت ما امرتِ به ، وكتبتِ تنهينا عمّا امرنا به ، فأمرك عندنا غير مطاع ، وكتابك غير مجاب ، والسلام » (٢).

وفي رواية الطبري : كتب إليها :

من زيد بن صوحان الى عائشة ابنة ابي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه حبيبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) العقد الفريد ٢ : ٢٢٧ ، تاريخ الطبري ٤ : ٤٧٦ ، رجال الكشي : ٧٦ ، شرح نهج البلاغة ٢ : ٨١.

(٢) العقد الفريد ٢ : ٢٢٧ ، تاريخ الطبري ٤ : ٤٧٦ ، رجال الكشي : ٧٦ ، شرح نهج البلاغة ٢ : ٨١.

٣١

« اما بعد : فأنا ابنك الخالص ان اعتزلت هذا الامر ، ورجعت الى بيتك ، وإلا فأنا أوّل من نابذك ».

كتاب عائشة الى حفصة

ولما بلغ عائشة نزول أمير المؤمنين عليه‌السلام بذي قار ، كتبت الى حفصة بنت عمر :

« اما بعد ؛ فإنا نزلنا البصرة ونزل عليّ بذي قار ، والله داقّ عُنقهُ كدق البيضة على الصفا ، إنه بذي قار بمنزلة الاشقر (١) ، إن تقدّم نحر وان تأخّر عُقِرَ ».

فلما وصل الكتاب الى حفصة استبشرت بذلك ودعت صبيان بني تيم وعدي واعطت جواريها دفوفاً وأمرتهن ان يضربن بالدفوف ، ويقلن : ما الخبر ما الخبر ؟ عليّ كالاشقر ، إنْ تقدّم نحر وإن تأخّر عقر. فبلغ أم سلمة رضي الله عنها اجتماع النسوة على ما اجتمعن عليه من سبّ امير المؤمنين عليه‌السلام ، والمسرة بالكتاب الوارد عليهنّ من عائشة ، فبكت وقالت : اعطوني ثيابي حتى أخرج إليهن واقع بهنّ. فقالت أم كلثوم بنت امير المؤمنين عليه‌السلام : أنا أنوبُ عنك فأنني أعرَفُ منك ، فلبست ثيابها وتنكرت وتخفرت واستصحبت جواريها متخفرات ،

__________________

(١) هذا مثل يضرب لمن وقع بين شرين لا ينجو من احدهما ، وأول من قال به لقيط بن زرارة يوم جبلة ، وكان على فرس له أشقر. انظر : كتاب الامثال : ٢٦٢ ، وجمهرة الامثال ٢ : ١٢٧.

٣٢

وجاءت حتى دخلت عليهنّ كأنها من النضارة ، فلما رأت ما هُنّ فيه من العَبثِ والسَفَهِ ، كشفت نقابها وابرزت لهنّ وجهها ، ثمّ قالت لحَفصة : إنْ تظاهرت انتِ وأختُكِ على امير المؤمنين عليه‌السلام فقد تظاهرتا على اخيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل ، فأنزل الله عزّوجلّ فيكما ما أنزلَ ، والله من وراء حربكما ، فأنكرت حفصة وأظهرت خجلاً ، وقالت : إنهنّ فعلنَ هذا بجهلٍ ، وفرقتهُنَّ في الحال ، فانصرفن من المكان (١).

كتاب عائشة الى أهل المدينة

روى الواقدي عن رجاله قال : لما أخرجَ القومُ عن عثمان بن حُنيفٍ لما خافوه من أخيه سهل بن حُنيف ، كتبت عائشة الى اهل المدينة :

« بسم الله الرحمن الرحيم. ومن أمِّ المؤمنين عائشة زوجة النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وابنةِ الصدّيق الى أهل المدينةِ ، اما بعدُ ؛ فإنّ الله أظهر الحقّ ونَصرَ طالبيه ، وقد قال الله عز اسمه : ( بل نقذف بالحقِّ على الباطلِ فيدمغُهُ فإذا هو زاهق ) (٢) فأتقوا الله عبادَ اللهِ واسمعوا واطيعُوا واعتصمُوا بحبل الله جميعاً وعُروةِ الحقِّ ، ولا تجعلُوا على انفسِكم سبيلاً ، فإنّ الله قد جمع كلمة أهل البصرة وأمرُوا عليهم الزبير بن العوام فهو أميرُ الجنود ، والكافةُ يجتمعون على السَمْعِ والطاعةِ له ،

__________________

(١) انظر : شرح نهج البلاغة ١٤ : ١٣ : الفتوح م ١ : ٤٦٧ ، بحار الانوار ٣٢ : ٩٠.

(٢) الانبياء ٢١ : ١٨.

٣٣

فإذا اجتمعتْ كلمةُ المؤمنين على امّرائهم عن ملأٍ منهم وتشاورٍ فأنا ندخل في صالح ما دَخلُوا فيه ، فإذا جاءَكم كتابي هذا فأسمعُوا وأطيعُوا واعينوا على ما سمعتم عليه مِنْ امر الله. وكَتَبَ عُبيدُالله بنُ كَعبٍ لخمس ليالٍ من شهر ربيع الاول سنةَ ستِ وثلاثين » (١).

كتاب عائشة الى أهل اليمامة

وكَتبتْ إلى أهل اليمامة وأهل تلك النواحي : « أمّا بعدُ ، فإني أُذكركم الله الذي أنْعَمَ عليكم وألْزمَكُم بالاسلام ، فإنّ الله يقول : ( ما أصابَ مِنْ مُصيبةٍ في الارضِ ولا في أنْفسكُمْ إلا في كتابٍ مِنْ قَبْلِ أن نَبْرَأها إن ذلكَ على الله يسيرٌ ) (٢) فأعتصموا عباد الله بحبلهِ وكونوا مع كتابه ، فإنّ أُمّكُم ناصحةٌ لكم فيما تدعُوكُم إليه من الغَضَب له والجهادِ لِمَنْ قتل خليفة حَرَمِهِ ، وابتزَّ المسلمين أمْرَهم وقد أظْهَر اللهُ عليه ، وإنّ ابْنَ حُنيفٍ الضّالَّ المُضلَّ كان بالبصرة يَدْعُو المسلمين الى سبيل النار ، وإنّا أقْبلنا إليها نَدْعُو المسلمين الى كتاب اللهِ ، وأن يضعُوا بينهم القرآن فيكونُ ذلك رضاً لهم وأجْمَعَ لأمْرِهم ، وكان ذلك للهِ عزّوجلّ على المسلمين فيه الطاعة ، فإما أنْ نُدْرِكَ به حاجتنا أو نَبْلُغَ عُذراً ، فلمّا دَنوْنا الى البصرةِ وسَمِعَ بنا أبْنُ حُنيفٍ جَمَعَ لنا الجُمُوعَ وأمَرهُم أنْ يلقُونا بالسلاح فَيُقَاتِلونا ويَطردُونا وشهدُوا علينا بالكُفْر وقالوا فينا المُنكرَ ،

__________________

(١) مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٢٩٩.

(٢) الحديد : ٢٣.

٣٤

فأكْذبَهُم المسلمين وأنكَرُوا عليهم ، وقالوا لعثمان بن حُنيفٍ : وَيْحَكَ ! إنما تابَعْنا زوجَ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمَّ المؤمنين وأصحابَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وائمة المسلمين ، فتمادى في غيْهِ وأقامَ على أمْرهِ ، فلمّا رأى المسلمين انّه قد عصاهم ورَدَّ عليهم أمْرَهم غَضِبُوا لله عزّوجلّ ولأُمِّ المؤمنين ، ولم نشعُر به حتى أظَلَّنا في ثلاثةِ آلافِ مِنْ جَهَلَةِ العرب وسُفهائِهم ، وصَفَّهُم دونَ المسجدِ بالسلاح ، فاْلتَمسنا أنْ يُبايُعوا على الحقِّ ولا يَحُولُوا بيننا وبين المسجدِ ، فردَّ علينا ذلك كلّهُ ، حتى إذا كان يومُ الجمعةِ وتفرق الناسُ بعد الصلاة عنه ، دخَلَ طلحةُ والزبيرُ ومعهما المسلمون وفتحوهُ عَنْوة ، وقدّمُوا عَبدالله بنُ الزبيرُ للصلاة بالناسِ ، وإنا نخافُ من عثمانَ واصحابهِ ان يأتونا بغتةً ليُصيبوا منّا غرَّةً.

فلما رأى المسلمون أنهم لا يبرحُون تحرَّزوا لانفسهم ولم يَحْرُجْ ومن معه حتى هجمُوا علينا وبلغُوا سدَّة بيتي ومعهم هاد يدلُهُم عليه ليسفكوا دمي ، فوجدوا نفراً على باب بيتي فرَدُّوهم عني وكان حولي نفراً من القريشيين والازديين يدفعونهم عني ، فقُتلَ منهم من قُتِلَ وانهزموا فلم نعرض لبقيتهم وخلَّينا ابن حُنيفٍ مِنّاً عليه ، وقد توجه الى صاحبهِ ، وعرّفناكم ذلك عبادَ اللهِ لتكونوا على ما كنتم عليه من النيةِ في نُصرة دين الله والغضب للخليفةِ المظلوم » (١).

__________________

(١) مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٣١٠ ، ٣٠٢.

٣٥

كتاب طلحة والزبير الى كعب بن سور

ولمّا اجمعت عائشة وطلحة والزبير واشياعهم على المسير الى البصرة ، قال الزبير لعبدالله بن عامر ـ وكان عامل عثمان على البصرة وهرب عنها حين مصير عُثمان بن حُنيف عامل عليّ عليه‌السلام إليها : مَنْ رجال البصرة ؟

قال : ثلاثة ، كلهم سيد مطاع : كعب بن سُور في اليمن والمنذر بن ربيعة ، والاحنف بن قيس في البصرة.

فكتب طلحة والزبير الى كعب بن سُور :

« اما بعدُ ، فإنّك قاضي عمر بن الخطاب ، وشيخ اهل البصرة وسيد أهل اليمن ، وقد كنت غضبت لعثمان من الاذى ، فأغضب له من القتل ، والسلام » (١).

كتابهما الى الاحنف بن قيس

وكتبا الى الاحنف بن قيس :

« اما بعد ، فإنّك وافد عمر ، وسيد مضر ، وحليم اهل العراق ، وقد بلغك مصاب عثمان ، ونحن قادمون عليك ، والعيان أشفى لك من الخبر ، والسلام » (٢).

__________________

(١) الامامة والسياسة ١ : ٤٨.

(٢) الامامة والسياسة ١ : ٤٨.

٣٦

كتابهما الى المنذر بن ربيعة

وكتبا الى المنذر :

« اما بعدُ ، فإنّ أباك كان رئيساً في الجاهلية ، وسيداً في الاسلام وإنّك من أبيك بمنزلة المصلى من السابق ، يقال كادَ أو لَحِق ، وقد قتل عثمان من انت خيرٌ منه ، وغضب له من خيرٌ منك ، والسلام » (١).

ردُّ كعب بن سُور على طلحة والزبير

فكتب كعب بن سور الى طلحة والزبير :

« اما بعد ، فإنا غضبنا لعثمان من الاذى ، والغير باللسان ، فجاء أمر الغير فيه بالسيف ، فإنّ يك عثمان قُتِلَ ظالماً فما لكما وله ؟ وإنْ كان قُتِلَ مظلوماً فغيركما أولى به ، وإن كان أمره أشكل على من شهده فهو على من غاب عنه أشكل » (٢).

__________________

(١) الامامة والسياسة ١ : ٤٨.

(٢) المصدر السابق ١ : ٤٨.

ملاحظة : يظهر ان كعبَ بن سور وقع في شِباكِ الفتنة ، وغُرّرَ بهِ حتى قُتل في المعركة ، فعندما طاف الامام عليه‌السلام على القتلى مرّ به مقتولاً وفي عُنِقُه المصحف ، فقال : « نحُّوا المُصحفَ وضعُوهُ في مواضع الطهارةِ » ثمّ قال : « أجْلسُوا إليّ كَعْباً ».

فأُجلِسَ ورأسُهُ ينخفضُ الى الارض فقال : « يا كَعب بن سور قد وجدت ما وعَدَك ربُّك حقّاً ؟! » ثمّ قال : « أضْجِعُوا كَعباً » فتجاوزهُ. انظر : مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٣٩٢.

٣٧

رد الاحنف عليهما

وكتب الاحنف اليهما :

« اما بعدُ ، فإنه لم يأتنا من قبلكم أمرٌ لا نشك فيه الا قتل عثمان ، وانتم قادمون علينا ، فإنّ يكن في العيان فضلٌ نظرنا فيه ونظرتم ، وإلا يكن فيه فضل فليس في ايدينا ولا ايديكم ثقة ، والسلام » (١).

رد المنذر بن ربيعة عليهما

وكتب المنذر اليهما :

« اما بعدُ ، فأنه لم يلحقني بأهل الخير إلا ان اكون خيراً من اهل الشر ، وإنما اوجب حقّ عُثمان اليوم حقّهُ امس ، وقد كان بين أظهركم فخذلتموه ، فمتى استنبطتم هذا العلم ، وبدا لكم هذا الرأي » (٢).

كتاب الصلح بين أصحاب الجمل وعثمان بن حُنيف

لقد أصرّ الناكثون على التمادي في غيّهم ، حتى صار النكث والغدر سجية ملازمةً لهم اينما حلوا ، وشعاراً يجمعون حوله الانتهازيين والسفهاء وأصحاب السوء ، فهم لم يكتفوا بخيانة امير المؤمنين عليه‌السلام حتي غروا بعثمان بن حنيف ، وقد كان الاخيرة قد وقع اتفاقاً للصلح بينهم على شروطٍ اتفقوا عليها ، منها ايقاف القتال ، وان يكون لعثمان بن

__________________

(١ ـ ٢) الامامة والسياسة ١ : ٤٨.

٣٨

حُنيف دار الامارة والمسجد وبيت المال ، ولطلحة والزبير وعائشة ما شاؤوا من البصرة ، ولا يُهاجُون حتى يقدم امير المؤمنين عليه‌السلام ، فإنّ أحبّوا ذلك دخلوا في طاعته ، وإن أحَبَّوا ان يُقاتِلوا (١).

وقيل انهم أوقفوا القتال وتصالحوا ، على ان يبعثوا رسولاً الى المدينة ، حتى يرجع الرسول بالجواب الذي يبتغيه ابن حنيف ، والذي كان من اهم بنود الصلح ، وهو : هل طلحة والزبير اكرِها على بيعة الامام عليّ عليه‌السلام ؟ فإذا كان الجواب ( نعم ) خرج ابن حنيف من البصرة وأخلاها لهما ، وإنْ كان الجواب بالنفي خرج طلحة والزبير (٢) ، وارسل كعب بن سُور لهذا المهمة ، وفي هذه الفترة القصيرة حاولوا كسب الوقت الى جانبهم ، بمكاتبة من له القدرة في توسيع دائرة الخلاف على الحكومة الشرعية بقيادة ابن عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ومع هذا لم يصبروا على ابن حنيف كثيراً ، فمزقوا كتاب الصلح ، وغدروا به في ليلة مظلمة ذات رياحٍ ، فخرج طلحة والزبير وأصحابهما حتى أتوا دار الامارةِ وعثمان بن حنيف غافل عنهم ، وعلى الباب السبابجة يحرسون بيوت الاموالِ وكانوا قوماً من الزط قد استبصروا وأئتمنهم عثمان على بيت المال ودار الامارة ، فأكب عليهم القوم وأخذوهم من اربع جوانبهم ووضعوا فيهم

__________________

(١) الامامة والسياسة ١ : ٦٨ ، العقد الفريد ٤ : ٣١٣ ، تاريخ خليفة بن خياط : ١٨٣ ، نهاية الارب ٢٠ : ٣٧.

(٢) الكامل في التاريخ ٣ : ٢١٤ ، تاريخ الطبري ٤ : ٤٦٤ ـ ٤٦٧ ، جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٢١.

٣٩

السيف فقتلوا منهم اربعين رجُلاً صبراً ! يتولى منهم ذلك الزبيرُ خاصةً ، ثمّ هجموا على عثمان فأوثقوه رباطاً وعمدوا الى لحيته ـ وكان شيخاً كثّ اللحية ـ فنتفوها حتى لم يبق منها شيء ، وقال طلحة : عذبوا الفاسق وانتفوا شعر حاجبيه واشفار عينيه واوثقوه بالحديد. فلما اصبحوا اجتمع الناس اليهما وأذّن مؤذن المسجد لصلاة الغداة فرام طلحة ان يتقدم للصلاة بهم فدفعه الزبير وأراد ان يصلي بهم فمنعهُ طلحةُ ، فما زالا يتدافعان حتى كادت الشمس ان تطلع فنادى اهل البصرة : الله الله ، يا أصحابَ رسول الله ، في الصلاة نخافُ فوتها ! فقالت عائشة : مروا ان يُصلي بالناس غيرهما.

فقال لهم يعلى بن مُنْيَة : يصلي عبدالله بن الزبير يوماً ومحمد بن طلحة يوماً حتى يتفق الناس على امير يرضونه ، فتقدم ابن الزبير وصلى بهم ذلك اليوم (١).

اما صورة كتاب الصلح فهو :

بسم الله الرحمن الرحيم

« هذا ما اصطلح عليه طلحة والزبير ومن معه من المؤمنين والمسلمين ، وعثمان بن حنيف ومن معه من المؤمنين والمسلمين :

إنّ عثمان يُقيم حيثُ ادركه الصلح على ما في يده ، وإنّ طلحة

__________________

(١) انظر : مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٢٨٣ ، انساب الاشراف ١ : ٢٢٧ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨١ ، تاريخ الطبري ٤ : ٤٦٨.

٤٠