وقعة الجمل

ضامن بن شدقم بن علي الحسيني المدني

وقعة الجمل

المؤلف:

ضامن بن شدقم بن علي الحسيني المدني


المحقق: السيد تحسين آل شبيب الموسوي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المحقّق
الطبعة: ١
الصفحات: ١٦٧
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

على الطعن الدعسي (١) والضرب الطلخفي (٢) ، ومبارزة الاقران.

وأيّ امرئ منكم أحَسَّ من نفسِه رباطة جأشٍ عندَ اللقاءِ ، ورأى من أحدٍ مِن إخوانِه فَشَلاً ، فليُذبَّ عن أخيه الذي فُضِّل عليه كما يذبُّ عن نفسِه ، فلو شاءَ الله لجَعلهُ مِثْلَهُ ».

ثم قال عليه‌السلام : « ايّها الناس :

إذا هَزمُتموهُمْ فَلا تجْهزوا على قَتِيلٍ ولا جَريح ، ولا تقتلوا اسيراً ، ولا تَطْلبوا مُوَلّياً ، ولا تَتبعُوا مُدْبِراً ، ولا تكشفُوا عَوْرَةً ، ولا تُمثلوا بقتيلٍ ، ولا تَهتِكوا سِتْراًً ، ولا تربوا شيئاً من أمْوالِهم ، إلا أنْ تجدوه في مُعَسْكَرِهم من سلاحٍ أو كُرَاعْ وعبيدٍ واماءٍ ، وأمّا مَا سِوى ذلك فهوَ ميراثٌ لَوَرثتِهم على ما في كتابِ الله عزّوجلّ » (٣).

قال المسعودي (٤) :

ذكر عن المنذر انه ساق الحديث حتى قال : وكان دخول امير المؤمنين عليه‌السلام البصرة مما يلي الطف ، فأتى الزاوية (٥) ، فخرجت انظرُ

__________________

(١) الطعن الدعسي : الطعن الشديد. انظر لسان العرب ٦ : ٨٣.

(٢) الضرب الطلخفي : الشديد من الطعن والضرب. المصدر السابق ٩ : ٢٢٣.

(٣) مروج الذهب م ٢ : ٣٧١.

(٤) مروج الذهب م ٢ : ٣٦٨ ـ ٣٧٠.

(٥) الزاوية : بلفظ زاوية البيت ، عدة مواضع ، منها : قرية بالموصل من كورة بلد. والزاوية : موضع قرب البصرة كانت به الوقعة المشهورة بين الحجاج وعبد الرحمن بن محمد بن الاشعث ، قتل فيها خلق كثير من الفريقين ، وذلك في سنة ٨٣ ه‍.

انظر : معجم البلدان ٣ : ١٢٨.

١٢١

الى القوم (١) ، فرأيتُ موكباً نحو الفِ فارس ، يقدمهم فارسٌ [ ومعه راية ] (٢) على فرسٍ اشهب عليه قلنسوةٌ وثيابٌ بيض متقلداً بسيفٍ ، وإذا انا بتيجانِ القوم غالبها بيض وصفر ، مدججين في السلاح والحديد ، فقلت : من هذا ؟

فقيل لي : هذا أبو ايوب الانصاري ، صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهؤلاء الذين معه الانصار وغيرهم.

ثم تلاه فارسٌ ثانٍ عليه عمامةٌ صفراء وثيابٌ بيض ، متقلداً بسيفٍ ( متنكباً قوساً ) (٣) على فرسٍ أشقر ، بيده راية ، معه نحو الف فارس.

فقلتُ : من هذا ؟

فقيل : لي هذا خزيمة ذو الشهادتين (٤).

__________________

(١) سقطت من الاصل ووردت في مروج الذهب.

(٢) سقطت من الاصل ووردت في مروج الذهب.

(٣) سقطت من الاصل ووردت في مروج الذهب.

(٢) قال الشيخ المفيد : حدثنا محمد بن الحسن ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن غياث بن كلوب ، عن اسحاق بن عمّار ، عن جعفر بن محمد عليه‌السلام : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إشترى فرساً من أعرابي فأعجبه ، فقام اقوام من المنافقين حسدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما أخذه منه ، فقالوا للاعرابي : لو تبلغت به الى السوق بعته بأضعاف هذا ، فدخل الاعرابي الشره ، فقال : ألا أرجع فأستقيله ؟ فقالوا : لا ، ولكنّه رجل صالح ، فإذا جاءك بنقدك فقل : ما بعتك بهذا ! فأنه سيرده عليك ، فلما جاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخرج إليه النقد ، فقال : ما بعتك بهذا ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي بعثني بالحق لقد بعتني بهذا. فقام خزيمة بن ثابت فقال : يا اعرابي اشهد لقد بعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا الثمن الذي قال. فقال الاعرابي :

١٢٢

ثم مرّ بنا فارسٌ ثالث على فرسٍ كميت ، متعمماً بعمامة صفراء من تحتها قلنسوةٌ بيضاء ، عليه قباء مصقول ، متقلداً بسيفٍ ، متنكباً قوساً ، معه نحو الف فارس ، وبيد راية.

فقلت : من هذا ؟

فقيل لي : هذا أبو قتادة بن ربعي الانصاري.

ثم مرّ بنا فارسٌ رابع (١) ، شديدُ الادمة ، على فرسٍ اشهب ، عليه سكينةٌ ووقار ، رافعاً صوته بتلاوة القرآن المجيد ، بيده رايةٌ بيضاء ، وعليه عمامةٌ سوداء ، وثياب بيض ، متقلداً بسيف ، متنكباً قوساً ، معه نحو الف فارس مختلفي التيجان ، حوله شيوخٌ وكهولٌ وشبان [ كأنما قد أوقفوا للحساب ] (٢) جباههم مسودة من أثر السجود.

فقلت : من هذا ؟

فقيل لي : هذا عمّار بن ياسر الانصاري ، والذين معه من المهاجرين والانصار.

ثم مرّ بنا فارسٌ خامس (٣) ، على فرسٍ اشقر ، على رأسه قلنسوة

__________________

لقد بعته وما معنا من أحد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لخزيمة : كيف شهدت بهذا ؟

فقال : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي تخبرنا عن الله واخبار السموات فنصدقك ، ولا نصدقك في ثمن هذا. فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادته شهادة رجلين فهو ذو الشهادتين.

انظر : الاختصاص : ٥٨.

(١) في مروج الذهب : اخر.

(٢) سقطت من الاصل ، وهكذا وردت في مروج الذهب.

(٣) في مروج الذهب : اخر.

١٢٣

عليها عمامةٌ صفراء ، وعليه ثيابٌ بيض ، متقلداً بسيفٍ ، متنكباً فرساً ، تخط رجلاه الارض ، معه الف فارس فارس مختلفي التيجان غالبها الصفرة والبياض ، ومعه راية صفراء.

فقلت : من هذا ؟

فقيل لي : هذا قيس بن سعد بن عبادة الانصاري ، وهؤلاء الذين معه الانصار وغيرهم من قحطان.

ثم مرّ بنا فارسٌ سادس (١) على فرسٍ أشهل (٢) ما رأينا مثله ، عليه ثياب بيض وعمامة سوداء سدلها (٣) بين يديه ومن خلفه ، وبيده لواء [ ومعه نحو الف فارس من اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] (٤).

فقلت : من هذا ؟

فقيل لي : هذا عبدالله بن العباس.

ثم تلاه موكب سابع (٥) ، يقدمهم فارس اشبه الناس بمن [ قبله ] (٦).

فقلت : من هذا ؟

فقيل لي : هذا [ قثم بن العبّاس ، أو معبد بن العبّاس ] (٧).

__________________

(١) لم ترد في مروج الذهب.

(٢) أشهل : هو اشهل العين ، وفي عينه شهلة : يشوب سوادها زرقة.

(٣) سدل الثوب سدلا : أرخاه.

(٤) لم ترد في مروج الذهب.

(٥) في مروج الذهب : اخر.

(٦) في مروج الذهب : اشبه الناس بالاولين.

(٧) في الاصل العبارة غير واضحة ، وهكذا وردت في مروج الذهب.

١٢٤

ثم مرّ بنا موكب تاسع (١) ، فيه خلقٌ عظيم ، مكملين بالسلاح والحديد ، مختلفي التيجان والرايات ، تقدمهم راية كبيرة عظيمة ، في اولهم فارسٌ ، كأنما قد [ كسر وجبر ] (٢) ، كأن على رؤوسهم الطير ، فعن يمينه شابٌ حسن الوجه ، وعن شمالِهِ (٣) مثله ، وبين يديه شابٌ ليس هو ببعيد منهما.

فقلت : من هؤلاء ؟

فقيل لي : اما الاوسط فهو امير المؤمنين عليّ بن ابي طالب عليه‌السلام ، وما الشابُ الذي على يمنيهِ ابنه الحسن عليه‌السلام ، والذي عن شماله ابنهُ الحسين عليه‌السلام ، واما الذي بين يديه حامل الراية فأبنه محمدُ بن الحنفية (٤).

فساروا حتى نزلوا بالزاوية ، فصلّى امير المؤمنين عليه‌السلام أربع ركعاتٍ ، ثمّ عفّر خدّيه على التّراب وخالطهما بدموعه ، ثمّ رفع رأسه يقول : « اللّهم ربّ السَّمواتِ وما اظلّت ، وربَّ الارضين وما اقلّت ،

__________________

(١) لم ترد في الاصل.

(٢) قال المسعودي في مروج الذهب ٣ : ٣٦٩ : قال ابن عائشة : وهذه صفة رجل شديد الساعدين نظره الى الارض اكثر من نظره الى فوق ، وكذلك تخبر العرب في وصفها إذا أخبرت عن الرجل انه كسر وجبر.

(٣) في مروج الذهب : عن يساره.

(٤) في مروج الذهب : قيل : هذا عليّ بن ابي طالب ، وهذا الحسن والحسين عن يمينه وشماله ، وهذا محمد بن الحنفية بين يديه معه الراية العظمى.

١٢٥

وربَّ العرشِ العظيم ، هذه البصرة ، فأسألك من خيرها وأعوذُ بِكَ من شرّها ، اللّهم ، انزلنا فيها خير منزلٍ وانتَ خيرُ المنزلين.

اللّهم ، ان هؤلاءِ القوم ، [ قد بَغَوا علي ، وخالفوا طاعتي ] (١) ، ونكثوا بيعتي.

اللّهم ، احقن دماء المسلمين ».

ثم انه عليه‌السلام بعث إليهم يناشدهم ، فأبوا إلا الحرب لقتاله !!

فبعث إليهم مرةً ثانيةً رجلاً من اصحابه يقال له مسلم (٢) بمصحفٍ

__________________

(١) في مروج الذهب : قد خلعوا طاعتي ، وبغوا علي.

(٢) روى شيخنا المفيد ( علا الله مقامه ) في مصنفاته ١ : ٣٣٩ ، [ ان أمير المؤمنين عليه‌السلام ] قال : « من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إليه وهو مقتول وأنا ضامن له على الله الجنة ؟ ». فلم يقم أحد إلا غلام عليه قباءُ ابيضُ حدثُ السنِّ من عبد القيس يقال مُسلم كاني اراهُ. فقال : أنا أعرضه عليهم يا امير المؤمنين وقد احتسبت نفسي عند الله تعالى. فأعرض عنه إشفاقا عليه ، ونادى ثانيةً : « من يأخذ هذا المصحف ويعرضه على القوم وليعلم أنّه مقتول وله الجنّة ؟ ». فقام مُسلمٌ بعينه وقال : أنا أعرضه. فأعرض ونادى ثالثةً فلم يقُمْ غير الفتى ، فدفع إليه المصحف وقال : « امض إليهم واعرضهُ وادعُهُم الى ما فيه ».

فأقبل الغلام حتى وقف بإزاء الصفوف ونشر المصحف وقال : هذا كتاب الله عزّوجلّ وأمير المؤمنين عليه‌السلام يدعوكم الى ما فيه. فقالت عائشة : أشجُروُه بالرماح قبحهُ الله ! فتبادروا إليه بالرماح فطعنوه من كل جانب ، وكانت أمهُ حاضرةً فصاحت وطرحت نفسها عليه وجرّتهُ من موضعِه ، ولحقها جماعةٌ من عسكر أمير المؤمنين عليه‌السلام أعانوها على حملهِ حتى طرحوه بين يدي أمير المؤمنين عليه‌السلام وأمه تبكي وتندبه وتقول .. الشعر.

١٢٦

يدعوهم الى كتاب الله عزّوجلّ ، فرموه بالسِهام حتى قتلوه ، فَحُمِل الى امير المؤمنين عليه‌السلام قتيلاً ، فقالت اُمُه فيه هذه الابيات شعراً (١) :

يا رَبِّ إن مُسْلِماً اتاهُمُ

يَتْلُو كتِابَ الله لا يَخْشاهُمُ

فَخضبُوا مِن دَمِهِ لحاهمُ (٢)

وامّهُ قائمةٌ تراهُم

ثم جاء عبدالله بنُ مدمل بأخيه مقتولاً ، وجيء برجل آخر من الميسرة مذبوحاً فيه سهم ، فقال عليه‌السلام :

« اللهم ، اشهد غدرَ القوم ».

فمضى إليهم عمّارُ بن ياسر رضي‌الله‌عنه (٣) حتى وقف بينَ الصفّين ، وقال :

__________________

(١) مروج الذهب م ٢ : ٣٧٠.

(٢) في رواية الشيخ المفيد : قناهم وزاد فيه : تأمُرُهم بالقَتْلِ لا تنهاهُم.

انظر : مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٣٤٠.

(٣) في رواية عن عبدالله بن زياد مولى عثمان بن عفان قال : خرج عمارة بن ياسر يوم الجمل الينا ، فقال : يا هؤلاء على اي شيء تُقاتِلُونا ؟ فقلنا : نُقاتلكم على أنّ عثمان قُتِلَ مؤمناً. فقال عمّارٌ : نحن نقاتلكم على أنّهُ قُتِلَ كافراً.

قال : وسمعت عماراً يقول : والله لو ضربتُمونا حتى نبلغَ سعفاتِ هَجَر لعلمنا أنا على الحقّ وانكم على الباطل. وسمعته يقول : والله ما نزلَ تأويل هذه الآية الا اليوم ( يا ايّها الذين آمنوا من يرتدّ مِنْكُم عن دينهِ فسوف يأتي الله بقومٍ يُحبّهم ويُحبّونه ) قال : ولما جال الناس تلك الجولة قُتِلَ بينهم خلقٌ كثيرٌ ، وسمعت اصوات السيوف في الرؤوس كأنها مخاريق. قال الراوي : والله لقد مررتُ بعد الوقعةِ بالبصرة فدنوتُ من دَيْرِ القصارين فسمعتُ اصوات الثياب على الحجارة فشبَّهْتُها بالاصوات التي كانت من السيوف على الرؤوس يومئذٍ ، وفي تلك الجولة قُتِلَ ظريفُ بن عَديِّ بن حاتم ، وفقئت عينُ عَديِّ. انظر : مصنفات الشيخ المفيد م ٢ : ٣٦٦ ، الطبري ٤ : ٥٢٥ ، شرح نهج البلاغة ١٤ : ٢٤٨.

١٢٧

ايّها الناسُ ، ما انصفتم نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حين كففتم عقايلكم في بيوتكم ، وابرزتم عقيلته للسّيوف ، ثمّ انه دنا من عائشة رضي‌الله‌عنه وهي في هودجها ، فقال لها :

يا ام المؤمنين ما تريدين بهذا الموقف ؟

قالت : طالبة لِدَمَ عثمان رضي‌الله‌عنه.

قال : قتل الله تعالى الباغي في هذا اليوم ، والطالب للباطل بغير الحق.

ايّها الناسُ : أتعلمون ايّنا الممالي في قتل عثمان ، فرشقوه بالنبل ، فرجع وهو يقول :

فمنك البكاءُ ومنك العويلُ

ومنك الرّياح ومنك المطر

وانتِ امرتِ بقتلِ الامامِ

وقاتله عندنا منْ أمر

اشارَ بقولهِ هذا إليها ، حيث قالت : اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً (١) !!

__________________

(١) ذكر ابن الاثير قال : وكان سبب اجتماعهم بمكة ان عائشة خرجت إليها ، وعثمان محصور ، ثمّ خرجت من مكّة تريد المدينة ، فلما كانت بسَرف لقيها رجل من اخوالها من بني ليث يقال له عُبيد بن أبي سَلمة ، وهو ابن ام كلاب ، فقالت له : مَهْيَمْ ؟ قال : قُتل عثمان وبقوا ثمانية. قالت : ثمّ صنعوا ماذا ؟ قال : اجتمعوا على بيعة عليّ. فقالت : ليت هذه انطبقت على هذه ان تمّ الامر لصاحبك ! ردوني ردوني ! فانصرفت الى مكّة وهي تقول : قُتل والله عثمان مظلوماً ، والله لاطلبن بدمهِ ! فقال لها ، ولمَ ؟ والله اِن أوّل من حرفه لأنتِ ، ولقد كنت تقولين : اقتلوا نعثلاً فقد كفر. قالت : إنّهم أستتابوه ثمّ قتلوه ، وقد قلتُ وقالوا ، وقولي الاخير خير من قولي الاول.

١٢٨

فلما اتى الى امير المؤمنين عليه‌السلام قال له : جعلت فداك ، انظرني امرك واجمع اصحابك وانصارك ، فإنه ليس لك عند القوم إلا الحرب.

فقال عليه‌السلام لاصحابه :

« ايّها الناسُ : صافوهم ولا تبدوهم البراز ، ولا ترموهم بالسهام ، ولا تضربوهم بالسيفِ ، ولا تطعنوهم بالرماحِ ، حتى يبدوكم فإذا هزمتموهم فلا تجهزوا على جريح ، ولا تقتلوا اسيراً ، ولا تتبعوا مولياً ، ولا تقبلوا شيئاً من اموالهم ، إلا ما تجدونه في معسكرهم من كراعٍ أو سلاحٍ أو عبيد أو إماء ، وما عدا ذلك فهو ميراثٌ لورثتهم » (١).

* * *

__________________

فقال لها ابن ام كلاب :

فمنكِ البداءُ ومنكِ الغِيَر

ومنكِ الرّياحُ ومنكِ المطَرْ

وانتِ أمرتِ بقتلِ الامامِ

وقلت لنا إنّهُ قد كَفَرْ

فهبنا أطعناكِ في قتلِهِ

وقاتِلُهُ عندنا من أمَرْ

ولم يسقط السقفُ من فوقنا

ولم ينكسف شمسنا والقمَرْ

وقد بايع الناس ذا تدرء

يزيلُ الشبا ويقيمُ الصّعرْ

ويلبس للحربِ اثوابها

وما من وفى مثلُ من قد غدرْ

انظر : الكامل في التاريخ ٣ : ٢٠٦.

(١) مروج الذهب ٣ : ٣٧١.

١٢٩

مناشدة امير المؤمنين عليه‌السلام الزبير بن العوام (١)

ثم انه عليه‌السلام خرج على بغلةِ رسولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونادى بالزبير بن العوام ، فجاءهُ مكملاً بالسّلاح.

فقالت عائشة رضي الله عنها : واحزنكِ يا اسماء !

فقيل لها : إنّ علياً عليه‌السلام خرج حاسراً من السلاح ، فطمأنت نفسها. فتقاربا حتى اختلفت اعناق خيلهما.

فقال امير المؤمنين عليه‌السلام له : يا أبا عبدالله ، انما دَعَوتك لاذكرك حديثاً قال لي ولك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتذكر يوماً رآك [ اي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] وانتَ تعنقني في بني عوف ، إذ قال لك : أتحبّ يا زبير علياً ؟

__________________

(١) ذكر ابن الاثير في الكامل ٣ : ٢٣٩ ، قال : فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح ، وخرج طلحة فخرج إليهما عليّ [ عليه‌السلام ] حتى اختلفت اعناق دوابهم ، فقال عليّ [ عليه‌السلام ] : لعمري قد اعددتما سلاحاً وخيلاً ورجالاً ، إن كنتما اعددتما عند الله عذراً ، فأتقيا الله ولا تكونا ( كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ) ، الم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي وأحرم دمكما ، فهل من حدث أحلّ لكما دمي ؟ قال : طلحة : ألبت على عثمان. قال [ عليه‌السلام ] : ( يَوْمَئِذٍٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ ). يا طلحة ، تطلب بدم عثمان فلعن الله قتلة عثمان ! يا طلحة أجئت بعرس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت ! أما بايعتني ؟ قال : بايعتك والسيف على عنقي فقال [ عليه‌السلام ] للزبير : يا زبير ما اخرجك ؟ قالت : انتَ ، ولا أراك لهذا الامر اهلاً ولا ولي به منا.

١٣٠

فقلت : اي والله إنّي لأحبه ، وما يمنعني يا رسول الله عن حبهِ وهو اخي وابنُ خالي.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لك : إنّك ستخرج عليه وانت ظالمٌ له !

قال : بلى ، قد كان ذلك !

فقال عليه‌السلام : انشدك الله ثانياًً ، يوم جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عند بني عوف وانت معه آخذ بيدي ، فأستبقلته وسلمت عليه ، فضحك في وجهك ، وضحكت إليه ، فقلت له :

يا رسول الله ، لا يدع ابن ابي طالب زهوه.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لك : يا زبير ليس بعلي زهو ، ولتخرجن عليه وتحاربه وانت ظالم له.

قال : اللهم ، نعم لقد كان ذلك ، ولكني نسيتُ وما ذكرتني انسانيه الدهر !! ولو ذكرته لما خرجتُ عليك.

فكيف أرجع وقد التقت حلقتا البطان ، والله ان هذا هو العار الذي ليس له مثيل.

فقال عليه‌السلام : يا زبير ارجع ، قبل ان تجمع العار والنار.

قال : اذن ، لامضين وانا استغفر الله تعالى ، فكر راجعاً وهو يقول هذه الابيات شعراً (١) :

اخترتُ عاراً على نارٍ مؤجَّجَةٍ

[ الى خلقٍ بها قوم من الطّين ] (٢)

__________________

(١) مروج الذهب م ٢ : ٣٧٢.

(٢) في مروج الذهب : ما إن يقوم لها خلق من الطين.

١٣١

نادى عليٌّ بأمرٍ لستُ اجهلهُ

عارٌ لعمرك في الدّنيا وفي الدين

فقلتُ : حسبُك من عذلٍ ابا حسنٍ

فبعض هذا الذي قد قلت يكفيني

فقالت له عائشة رضي‌الله‌عنه : ما خلفت وراءك يا با عبدالله ؟

قال : والله ، ما وقفت موقفاً ، ولا شهدتُ مشهداً في شركٍ ولا اسلام إلا ولي فيه بصيرةٌ ، وانا اليوم على شكٍ من أمري ، فما كدتُ ان ابصر موضع قدمي.

وقال له ابنهُ عبدُالله : يا ابتِ لقد رجعت الينا بغير الوجه الذي مضيتَ به عنّا.

قال : نعم والله ، لقد ذكرني عليٌّ [ عليه‌السلام ] حديثاً عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد انسانيه الدهر فلا حاجةَ لي في محاربته ابداً. فرجعتُ مستغفراً للهِ عزّوجلّ ، وتارككم منذ اليوم ، فيفعل الله ما يشاء.

قال : بلى ، انّي اراك فررت من عيون بني هاشم حين رأيتها تحت المغافر ، وبأيديهم سيوف حداد ، وتحملها فتية امجاد.

قال : ويلك ، يا بني اتهيجني على حربه ، اما اني قد حلفتُ ان لا أحاربه (١).

__________________

(١) روى الحارث بن الفضل عن عبدالله الاغر ، ان الزبير بن العوام قال لابنه يومئذٍ : ويلك ، لا تدعنا على حال ، انت والله قطعت بيننا وفرقت الفتنا بما بليتُ به من هذا المسير ، وما كنت متولياً من ولي هذا الامر واقام به ، والله لا يقوم احد من الناس مقام عمر بن الخطاب فيهم فمن ذا يقوم مقام عمر بن الخطاب ، وان سرنا بسيرة

١٣٢

فقال : كفر عن يمينك ، لئلا يتحدثنّ نساءُ قريش ، إنّك جبنتَ ، وما كنت بجبان.

قال : صدقت إذاً ، فغلامي مكحول هو حرٌّ كفارة عن يميني (١).

ثم انّه نصلَ سنان رمحه ، وكر راجعاً.

فقال امير المؤمنين عليه‌السلام : أفرجوا له ، فأنه مُحرج.

فلم يزل يجول في المعركة يميناً وشمالاً ، يشقُّ الصفوف ، حتى اتى وادي السّباع ، ثمّ عاد الى أصحابه ، ثمّ حمل مرةً ثانيةً وثالثة ، فقال

__________________

عثمان قتلنا ، فما اصنع بهذا المسير ، وضرب الناس بعضهم بعض.

فقال له عبدالله ابنه : افتدع علياً يستولي على الامر ؟ وانت تعلم انه كان احسن اهل الشورى عند عمر بن الخطاب ، ولقد اشار عمر وهو مطعون يقول لاصحابه اهل الشورى : ويلكم أطمعوا علياً فيها لا يفتق في الاسلام فتقاً عظيماً ومنّوه حتى تجمعوا على رجل سواه.

انظر : مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٢٨٩.

(١) فقال عبد الرحمن بن سليمان التميمي :

لم أرَ كاليومِ أخا إخوانِ

أعجب مِن مُكفّر الايمانِ

انظر : الكامل في التاريخ ٣ : ٢٤٠.

وقال همام الثقفي في فعل الزبير وما فعل وعتقه عبده في قتال عليّ عليه‌السلام :

أيعتق مكحولاً ويعصي نبيّه

لقد تاه عن قصد الهدى ثمّ عوّق

أينوي بهذا الصدق والبرّ والتقى

سيعلم يوماً من يبرّ ويصدقُ

لشتان ما بين الضلالة والهدى

وشتّان من يعصي النبيّ ويعتقُ

ومن هو في ذات الاله مشمر

يكبر برّاً وبه يصدقُ

أفي الحقّ أن يعصي النبيّ سفاهة

ويعتق من عصيانه ويطلّقُ

كدافق ماء للسراب يؤمّه

ألا في ضلال ما يصبّ ويدفقُ

انظر : نهج البلاغة ١ : ٢٣٤. بشارة المصطفى : ٢٤٧. بحار الانوار ٣٢ : ٢٠٥.

١٣٣

لابنه : ويلك ، اترى ما فعلتُ ، أهذا جبنٌ ؟

قال : حاشا ، لقد اعذرت بما فعلت.

قال [ المصنف في رواية اخرى ] :

فلما خرج امير المؤمنين عليه‌السلام لطلب الزبير ، خرج حاسراً والزبير دارعاً مدججاً.

فقال له عليه‌السلام : يا ابا عبدالله ، لعمري لقد اعددت سلاحاً وجنداً ، فهل اعددت لله عزّوجلّ بعذرٍ ؟

قال : ان مردنا الى الله عزّوجلّ يفعل ما يشاء.

فقال عليه‌السلام : ( يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ الْمُبِينُ ) (١).

فكرّ عنه راجعاً نادما (٢) ، ورجع امير المؤمنين عليه‌السلام الى أصحابه فرحاً مسروراً.

فقالوا له : يا امير المؤمنين ، أتبرز الى الزبير حاسراً وهو مستعدٌ بالسلاحِ ، ألست تعلم بشجاعته ؟

قال : بلى ، ولكنّه ليس بقاتلي ، وانما يقتلني رجلٌ خامل الذكر غيلةً.

__________________

(١) النور ٢٤ : ٢٥.

(٢) وقيل : انما عاد الزبير عن القتال لما سمع ان عمّار بن ياسر مع عليّ [ ٧ ] ، وقد قال النبيّ ٦ : ( يا عمّار تقتلك الفئة الباغية ). انظر : الكامل في التاريخ ٣ : ٢٤٠.

١٣٤

مقتل الزبير بن العوام

قال [ المصنف ] :

ولمّا انصرف الزبيرُ الى وادي السّباع (١) ، وكان به الاحنف بن قيس في جمع من بني تميم ، فأخبر به فرفع صوته ، وقال : ما معشر بني تميم هذا الزبير بن العوام فما أصنع به ؟ اما انه احق بالقتل.

__________________

(١) وادي السباع : جمع سبع ، الذي قُتل فيه الزبير بن العوام ، بين البصرة ومكة ، بينه وبين البصرة خمسة أميال.

معجم البلدان ٥ : ٣٤٣.

ذكر الشيخ المفيد رضي‌الله‌عنه بعض ما روي في قتل الزبير بن العوام ، فقال : روى المفضل بن فضالة عن يزيد بن الهاد ، عن محمد بن ابراهيم ، قال : هرب الزبير على فرس له يدعى ( ذا الحمار ) حتى وقع بسفوان ، فمر بعبدالله بن سعيد المجاشعي ، وابن مطرح السعدي ، فقالا له : يا حواري رسول الله [ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] انت في ذمتنا لا يصل إليك أحد ، فأقبل معهما فهو يسير مع الرجلين إذ أتى الاحنف بن قيس برجل فقال : أريد ان أسر اليك سراً ادن مني ، فدنا منه ، فقال : يا هذا الزبير قد هرب واني رأيته بين رجلين من بني مجاشع ومنقر اظنه يريد التوجه الى المدينة. فرفع الاحنف صوته وقال : ما اصنع ان كان الزبير قد القى الفتنة بين المسلمين حتى ضرب بعضهم بعضاً ، ثمّ هو يريد ان يرجع الى اهله الى المدينة سالماً ، فسمعه ابن جرموز فنهض ومعه رجل يقال له فضالة بن محابس ، وعلما ان الاحنف انما رفع صوته يذكر ابن الزبير لكراهته ان يسلم وإيثاره ان يقتل ، فأتبعاه جميعاً ، فلما رآهما من كان مع الزبير ، قالوا له : هذا ابن جرموز ، وانا نخاف عليك. فقال لهم الزبير : انا اكفيكم ابن جرموز وأنتم اكفوني ابن محابس ، فحمل عمير على الزبير وعطف عليه ، وقال يا فضالة أعنّي فإنّ الرجل قاتلي ، فأعانه وحمل ابن جرموز فقتله وأحتز رأسه.

انظر : مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٣٨٧.

١٣٥

قالوا : بلى والله ، فركب فرسه في الف فارس ، وتبعه عمرو بن جرموز ، [ و ] كان مشهوراً [ بالفروسية ] والشجاعة ، فوقف له الزبير وقال : ما شأنك ؟

قال : جئت لأسألك عن أمر الناس.

قال : تركتهم قياماً في الركب ، يضربُ بعضهم وجه بعضٍ بالسيف ! فسارا معاً يتحدثان ، وكل واحدٍ على حذرٍ من صاحبه حتى دخل وقتُ الصلاة.

فقال الزبير : يا هذا انا نُريد ان نُصلّي.

قال : احسنت فيما تقول ، إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً ، وقد أردتُ ان اقولَ لك ذلك.

قال : أفتؤمنني وأومنك.

قال : نعم.

فحولا عن خيلهما ، واسبغا الوضوء ، وقام الزبير للصلاة فشدّ عليه عمرو بن جرموز فقتله ، وجزّ رأسه ، وانتزع خاتمه وسيفه ، وحثا عليه التراب ، واتى بهم الى الاحنف بن قيس.

فقال له : والله ما ادري بك ، هل اسأت ام أحسنت ؟ ولكن اذهب بهم الى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، واخبره بخبرك ، فمضى إليه وأخبره.

فقال عليه‌السلام له : « انت قتلته ؟ »

قال : نعم.

قال [ المصنف رحمه‌الله ] :

١٣٦

وفي كثير من الروايات انه لم يأتهِ بالرأس.

فقال عليه‌السلام : « والله ما كان ابنُ صفية جباناً ولا لئيماً ، ولكن الحين ومصارع السوء » (١). ثمّ قال عليه‌السلام : « ناولني سيفه » فناوله اياه ، فأخذه وهزّه ، ثمّ قال عليه‌السلام :

« اما اني سَمعتُ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : بَشِّر قاتِل أبن صَفيةُ بالنار ».

وقال في حديث آخر : « الزبير وقاتله في النار ».

فخرج ابن جرموز خائباً وهو يقول هذه الابيات شعراً (٢) :

اتيتُ عليّاً برأسِ الزبير

ابغي به عنده الزلفهْ

فبشر بالنّار يومَ الحساب

فبئس بشارةً ذي التحفهْ

فقلت له ان قَتلَ الزبير

لولا رضاك من الكلفهْ

فان ترضَ ذاكَ فمنك الرضا

ولا فدونك لي حلفهْ

وربّ المحلّين والمحرمين

ورب الجماعة والالفهْ

لسيّان عندي قتل الزبير

وضرطة عنز بذي الجحفهْ

ثم ان عمرو بن جرموز مضى عن امير المؤمنين عليه‌السلام ، وخرج عليه مع اهل النهروان ، فَقُتِلَ مع من قتلِ منهم.

وفي رواية قال [ المصنف رحمه‌الله ] :

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٣ : ١١٠ ، العقد الفريد ٤ : ٣٢٣ ، الفصول المختارة : ١٠٨.

(٢) مروج الذهب م ٢ : ٣٧٣.

١٣٧

فبرز له عمرو بن جرموز فقتله ، وقيل الاحنف بن قيس ، فقال عمرو بن جرموز في قتله له هذه الابيات :

اتيتُ عليّاً برأسِ الزبير

لشتان عندي قتل الزبيرْ

فبشّر بالنّار يومَ الحساب

وبُشّرتُ بشارةً ذي التحفهْ

لشتّان عندي قتل الزبير

وضرطةُ نمر بذي الجحفهْ

مناشدة امير المؤمنين عليه‌السلام طلحة بن عبيد الله

ثم ان امير المؤمنين عليه‌السلام استدعى طلحة بن عبيدالله ، فقال له : انما دعوتك يا أبا عبدالله لأُذكرك ما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أما سمعته يقول : « اللهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ؟ »

وانت أوّل من بايعني ، ثمّ نكثت بيعتك لي ، وقد قال الله تعالى ( فمن نكث فأنما ينكث على نفسه ) (١) فقال : استغفر الله ، وكان امر الله قدراً مقدوراً.

فرجع وهو يقول هذه الابيات (٢) :

ندمتُ وظلّ لحمي

ولهفي مثل لهف ابي وامي

ندمتُ ندامة الكُسَعيِّ

طلبتُ رضا بني جرم بزعمي

__________________

(١) الفتح : ١٠.

(٢) مروج الذهب م ٢ : ٣٧٤.

١٣٨

قال [ المصنف رحمه‌الله ] :

ثم برز فقتله مروان بن الحكم (١) ، فقال عليه‌السلام : انا لله وانا إليه راجعون ، والله لقد كنت اكره ان أراه صريعاً تحت بطون الكواكب ، والله انه لقد كان كما قال الشاعر : (٢)

__________________

(١) ذكر الشيخ المفيد ( اعلا الله مقامه ) عدة روايات في قضية مقتل طلحة بن عبيدالله ، قال رحمه‌الله : وروى اسماعيل بن عبد الملك ، عن يحيى بن شبل ، عن جعفر بن محمد ، عن ابيه عليه‌السلام ، قال : حدثني ابي عليّ زين العابدين عليه‌السلام ، قال : قال لي مروان بن الحكم : لما رأيت الناس يوم الجمل قد كشفوا ، قلت : والله لادركن ثأري ولافوزن منه الان ، فرميت طلحة فأصبت نساه فجعل الدم ينزف ، فرميته ثانية فجاءت به ، فأخذوه حتى وضعوه تحت شجرة فبقي تحتها ينزف منه الدم حتى مات.

وروى ابن سليمان ، عن ابن خيثمة قال : قال عبد الملك بن مروان يوماً وقد ذكر عثمان وقتل طلحة : ولولا ابي قتله لم يزل في قلبي جرحه الى اليوم.

وقال عبد الملك : سمعت ابي يقول : نظرت الى طلحة يوم الجمل وعليه درع ومغفر لم أر منه إلا عينيه ، فقلت : كيف لي به ؟ فنظرت الى فتق في درعه فرميته فأصبت نساه فقطعته ، فأني انظر الى مولى له يحمله على ظهره موليا فلم يلبث ان مات.

وروى أبو سهل عن الحسن ، قال : لما رمي طلحة ركب بغلا ، وقال لغلامه :

التمس لي مكاناً أدخل فيه. فقال الغلام : ما أدري اين ادخلك. فقال طلحة : وما رأيت كاليوم أضيع من دم شيخ مثلي. وقال الحسن وكان امر الله قدرا مقدوراً.

قال الشيخ المفيد : فهذه الاخبار مختصرة صحيحة في مقتل طلحة بن عبيدالله طريقها من العامة من أوضح طريق ، وسندها اصح اسانيد ، وليس بين فيها اختلاف ، وكل ما يدل ان طلحة قتل وهو مصر على الحرب غير نادم ولا مرعو عن ذلك وفاقا لمذهب الحشوية ، وخلافا لمذهب المعتزلة ، وشاهدا ببطلان ما ادعوه من توبته.

انظر : مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٣٨٣ ، ٣٨٤.

(٢) مروج الذهب م ٢ : ٣٧٣.

١٣٩

فتىً كان يُدنيه الغنى من صديقه

إذا ما هو استغنى ويَبعِد الفقرُ

كان الثريَّا عُلُقت بجبينه

وفي خدّهِ الشعرا وفي جبينه البدرُ

نشوب القتال بين الفريقين

قال المسعودي (١) : وذكره ابنُ ابي الحديد ، ان اصحاب الجمل حملوا على ميمنة عسكر امير المؤمنين عليه‌السلام حتى كشفوها على الميسرة ، فأتى بعض ولد عقيل الى امير المؤمنين عليه‌السلام فوجده [ يخصف نعلاً ] (٢) ، فقال له : يا أمير المؤمنين !

فقال عليه‌السلام : « اسكت يا ابن اخي ، انّ لِعمّكَ يوماً لا يعدوه (٣) ، والله لا يبالي عمّك [ وقع على الموت ام الموت وقع عليه ] (٤) ،

قال : جعلت فداك ، ان القوم قد بلغت من القوم مرادها من ميمنتك حتى كشفتها على الميسرة بحيث لم تر ، [ وانت جالس تخصف نعلاً ] (٥).

فقال عليه‌السلام : اُسْكُت يا ابن اخي ، انّ لعمك يوماً لا يتعداه ، والله لا

__________________

(١) مروج الذهب م ٢ : ٣٧٥.

(٢) في مروج الذهب : يخفق نعاساً على قربوس فرسه.

(٣) في النسخة الخطية : لا بعده والصواب كما اثبت من مروج الذهب.

(٤) في النسخة : على فرسه من سرجه ، وهذا تصحيف ربما من الناسخ والصواب كما ذكره المسعودي.

(٥) في مروج الذهب : وانت تخفق نعاساً.

١٤٠