تاريخ مدينة دمشق - ج ٥٢

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٥٢

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

أخبرنا أبو الحسين بن النقور ، أنبأنا محمّد بن عبد الله بن الحسين بن هارون ، حدّثنا أبو محمّد الحسن بن إبراهيم بن عبد المجيد المقرئ ، حدّثنا محمّد بن خشنام ، حدّثنا سليمان بن عبد الرّحمن الدمشقي ، حدّثنا سعدان بن يحيى اللخمي عن صدقة بن أبي عمران عن عون بن أبي جحيفة (١) عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من رآني في المنام فقد رآني ، فإنّ الشيطان لا يتشبّه بي» [١١٠٩٩].

٦٣١٦ ـ محمّد بن الخضر بن الحسن بن القاسم

أبو اليمن التنّوخي المصري ، يعرف بابن مهزول الشاعر المعروف بالسابق (٢)

قدم دمشق وروى بها شيئا من شعره ، وقرئ عليه بعض نظمه ونثره.

سمع منه شيخنا أبو محمّد بن صابر في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ، واستجاز منه.

أنبأنا أبو محمّد بن صابر ، أنشدنا أبو اليمن محمّد بن الخضر بن الحسن التنّوخي لنفسه (٣) :

حلمت عن السفيه فزاد بغيا

وعاد فكفّه سفهي عليه

وفعل الخير من شيمي ولكن

أتيت الشرّ مدفوعا إليه

قال : وأنشدني له أيضا (٤) :

ولقد عصيت عواذلي وأطعته

رشأ يقتّل عاشقيه ولا يدي

إن تلق شوك اللوم فيه مسامعي

فبما جنت من ورد وجنته يدي (٥)

قال : وأنشدني له أيضا :

وشادن بت صارفا هممي

عن المنافية والمنافيه

كالبدر والشمس أو يفوقهما

فما يدانيه كاف تشبيه

قابل مرآته فقلت له

مولاي عوذ ما أنت رائيه

__________________

(١) في «ز» : حميقه ، تصحيف.

(٢) ترجمته في الوافي بالوفيات ٣ / ٣٩ وفوات الوفيات ٣ / ٣٤٧ وشذرات الذهب ٤ / ١١٧ والأعلام ٦ / ١١٣ والمحمدون من الشعراء ص ٣١٠ ووفيات الأعيان ٥ / ١٣٢ والخريدة (قسم شعراء الشام ٢ / ١٢٥).

(٣) البيتان في فوات الوفيات ٣ / ٣٤٨ والوافي بالوفيات ٣ / ٤٠.

(٤) فوات الوفيات ٣ / ٣٤٨ والوافي بالوفيات ٣ / ٤٠ والبيتان سقطا من «ز».

(٥) كذا بالأصل ود ، والوافي ، وفي الفوات : الندي.

٤٠١

فقلت سرا لصاحبي أما

ترى عيناك الذي أراعيه

إن نظرت عينه محاسنه

تاه علينا بل زاد في التيه

قال : وأنشدني له أيضا :

سأرحل عن دار أروح وأغتدي

وسيّان فيها مشهدي ومغيبي

وإن قلّ مني بالجفاء نصيبها

فقد قلّ منها في الوفاء نصيبي

فإن لم أرعها بالفراق فراعني

ملام خليلي أو ملال حبيبي

قال لنا أبو عبد الله محمّد بن المحسن بن أحمد بن الملحي السابق أبو اليمن بن الخضر المعرّي ، شاعر مجيد ، يضع القلادة في الجيد ، كثير المختار في الهجاء والتمجيد ، عالم في اللغة والنحو ، وصل إلى بغداد ، وعاشر العلماء بها والشعراء ، وأسمعهم شعره كالأبيوردي وطبقته ، وعرف كلّ منهم إحسانه وما خصّ به من هذا الفن زمانه ، واستفاد من جميع الأئمة كلما يحتاج إليه الشاعر المفلق ، والبليغ المحقق ، حتى لحق بطبقتهم وجلس في مرتبتهم ، ثم انكفأ إلى الشام بقية عمره ، ولما كان بدمشق كان لا يكاد يرى إلّا مع القاضي الزكي وعند والدي وولي الدولة ابن البرّي ، ولمّا سار إلى حلب ، اشتاق السابق إلى بلده وأهله ، فسار من دمشق وأقام بالمعرّة أشهرا ، ثم انتقل إلى حلب ، فأقام بها إلى أن توفي ، وكنت (١) عنده قبل موته فقال لي : قد وصف لي صديقنا أبو نصر بن حكيم (٢) سمّاقية فتقدم إلى من يطبخها وأنفذها لي ، فقلت : نعم ، وانصرفت ، فتقدمت إلى غلام لي بتعجيل ما اقترحه وعدت إلى منزلي عاجلا ، فقدم السابق رقعة بخطه المليح : يا سيّدنا ، كانت السماقية ممسكة فصارت ممسكة ، وأظنّ سمّاقها ما نبت والسكّين عن ذبح شاتها نبت :

فلا شفى الله من يرجو الشفاء بها

ولا علت كفّ ملق كفّه فيها

فكتبت في ظهر الرقعة وأنفذتها وما اقترحه :

بل كل فلا حرج منه عليك ودع

عنك التمثّل بالأشعار تهديها

ولا تعنّ لتشقيق الكلام ولا

قصد المعاني تنقاها وتبنيها

قال ابن الملحي : وكان فخر المعالي وزير تاج الدولة صرف همّته إلى عمارة الجامع ،

__________________

(١) من هنا روي هذا الجزء من الخبر والشعر في الوافي بالوفيات ٣ / ٤٠ ـ ٤١ وفوات الوفيات ٣ / ٣٤٨ ـ ٣٤٩.

(٢) في الوافي : حليم.

٤٠٢

وأعطى عمالته لأبي علي بن أبي سواد ، وجعل السابق عليه مشاهرة توقف فيها أبو علي فكتب السابق إلى فخر المعالي :

المسجد الجامع في جلق

إليك بعد الله يستعدى

صار السوادي له عاملا

وكان لا يصلح للبد

نهاره لا كان مستهترا

بلعب الشطرنج والنرد

وليلة يشربها قهوة

صفراء أو حمراء كالورد

بالكأس والطاس ، ولا يرعوى

مع البغايا ومع المرد

وهي تلحق أربعين بيتا يصف فيها كلّ أكل مال الجامع والمساجد ويتفنن في الفحش ، فصرف أبو علي عن الجامع ، وصار أبو علي عند فخر المعالي كما ذكره السابق ، وكان السابق سار إلى العراق ومدح شرف الدولة بن قريش ، وبني عمه بقصائد ثابتة في ديوانه ، وفيها من عيون الشعر وحسنه ، ما يلحقه بطبقة من تقدم ، فلما رجع من العراق عمل رسالة لقبها بتحفة الندمان أتى فيها بكل معنى غريب ، وكل شعر مختار لأديب ، وأنفذها إلى أصدقاء له ببغداد ، وهي تشتمل على عشر كراريس وهي من ظريف ما ألّف وعجيب ما صنّف وكتب على ظهرها أبياتا نونية في والدي ، أوّلها :

إذا ما جزى الله الكريم بفعله

فقابل بالإحسان عنا المحسنا

وصار من بعد انكفائه إلى الشام لا يبرح من دار أبي ليلا ولا نهارا ، وآخر ما عمل من شعره قصيدة مدحه بها بائية أولها :

لا تعذليه كفاه وخط مشيبه

من عذله عوضا ومن تأنيبه

أجرى غروب الدمع من أجفانه

محمرة ما ابيضّ من غربيبه

قال لنا ابن الملحي : وأنشدني السّابق لنفسه (١) :

وراح أراحت (٢) ظلام الدجى

فأبدى الفراش إليها فطارا

رآها توقّد في كأسها

فيمّمها يحسب النور نارا

وما زلت أشربها قهوة

تميت الظلام وتحيي النهارا

__________________

(١) الأبيات في الوافي بالوفيات ٣ / ٤٠ وفوات الوفيات ٣ / ٣٤٨.

(٢) في الفوات : أزاحت.

٤٠٣

٦٣١٧ ـ محمّد بن الخضر بن عمر أبو الحسين (١) الحمصيّ القاضي الفرضيّ

ولي القضاء بدمشق نيابة عن أبي عبد الله محمّد بن الحسين بن (٢) النصيبي قاضي دمشق.

وكان سمع بدمشق أبا عبد الله بن مروان ، وأبا طاهر محمّد بن عبد العزيز الفقيه الإسكندراني ، وأبا القاسم الحسين (٣) بن محمود بن أحمد بن محمود الربعي ، وأبا القاسم عبد الله بن جعفر المالكي ، ويوسف الميانجي ، وبغيرها : محمّد بن يوسف بن يعقوب الرقّي ، وأبا الفضل أحمد بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن عوف بحمص ، وأبا عبد الله بن خالويه ، وأبا زيد المروزي ، وأبا بكر محمّد بن عيسى بن عبد الكريم الطّرسوسي بدمشق ، وأبا الحسين محمّد بن عبد الكريم قاضي المصيصة.

روى عنه : علي الحنّائي ، وأبو نصر بن طلّاب ، وعبد العزيز الكتّاني ، وعلي بن الخضر.

أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني ، حدّثنا أبو محمّد الكتّاني ، أنبأنا القاضي أبو الحسين محمّد بن الخضر بن عمر الحمصيّ الفارضي (٤) ـ قراءة عليه ـ حدّثنا أبو طاهر محمّد بن عبد العزيز بن حسنون الإسكندراني ، حدّثنا أبو القاسم عبد الرّحمن بن معاوية العتبي (٥) ، حدّثنا عمرو بن خالد ، حدّثنا ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن جنادة بن أبي أميّة ، عن عبادة بن الصّامت أنه سأل نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أيّ الأعمال أفضل؟ قال له : «الإيمان بالله ، وتصديق به ، وجهاد في سبيله ، وحجّ مبرور ، وأهون عليك من ذلك إطعام الطعام ، ولين الكلام ، وحسن الخلق ، وأهون عليك من ذلك ألّا تتهم الله في شيء قضاه عليك» [١١١٠٠].

أخبرنا أبو الحسن بن المسلّم ، حدّثنا القاضي أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن عبد الواحد ، حدّثنا أبو نصر بن طلّاب قال : دخلت على القاضي محمّد بن الخضر وقد اشتدّ حاله في المرض فقلت : كيف أصبحت؟ فأنشدني :

أرى نفسي تضيق به المجاري

ونبضي غير متّسق النظام

وعيني تنكر العواد حولي

وأضجر من مناجاة الغلام

__________________

(١) في «ز» : الحصين.

(٢) «بن» سقطت من «ز».

(٣) كذا بالأصل ، وفي د ، و «ز» : الحسن.

(٤) كذا بالأصل ، ود ، و «ز» هنا ، وتقدم : الفرضي.

(٥) ليست في «ز».

٤٠٤

قال لنا أبو محمّد بن الأكفاني :

توفي أبو الحسين محمّد بن الخضر الفارضي يوم السبت لإحدى عشرة خلت من جمادى الأولى سنة أربع عشرة وأربعمائة ، حدّث عن أبي عبد الله بن خالويه ، وأبي عبد الله ابن مروان وغيرهما.

٦٣١٨ ـ محمّد بن خفيف بن أسفكشاد (١) أبو عبد الله الضّبّي الشّيرازي الصّوفي (٢)

شيخ بلاد فارس في وقته ، وأوحد أهل طريقته في عصره.

قدم دمشق ، وحدّث عن حمّاد بن المبارك ، والحسين (٣) المحاملي ، وأحمد بن محمّد الأصبهاني ، وأبي الطيب النعمان بن أحمد الواسطي ، ومحمّد بن جعفر التمّار ، وأحمد بن سمعان ، وأبي عبد الله محمّد بن أحمد بن سهل التريكاني القاضي ، وأظنه سمع منه بدمشق ، وأبي بكر محمّد بن أحمد بن شاهد هرمز.

روى عنه : أبو الحسن بن جهضم ، وأبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن باكوية الشّيرازي ، وأبو الفرج محمّد بن عبد الله بن محمّد الخرجوشي الشّيرازي ، وأبو إسحاق إبراهيم بن الخضر السياح (٤) الشّيرازي ، وأبو علي الحسن بن حفص الأندلسي ، وأبو الفتح أحمد بن عبد الله الكاتب ، وأبو الفضل محمّد بن جعفر بن محمّد بن عبد الكريم الخزاعي المقرئ.

أخبرنا أبو الحسن زيد بن الحسن بن زيد الموسوي الحسيني ، أنبأنا أبو شجاع محمّد ابن سعدان بن عبد الله المقاريضي الشّيرازي ببلاد فارس ، حدّثنا الشيخ أبو الفتح أحمد بن عبد الله الكاتب ـ قراءة عليه ـ حدّثنا الشيخ أبو عبد الله محمّد بن خفيف الزاهد ـ رحمه‌الله ـ حدّثنا التريكاني محمّد بن أحمد ، حدّثنا أبو زرعة الرازي ، حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله العامري ، حدّثنا مالك ، عن ربيعة بن أبي عبد الرّحمن عن شيخ من أهل الطائف قال : سمعت

__________________

(١) كذا بالأصل ، ود ، و «ز» ، وفي المختصر : «أسعكشاذ» وفي سير أعلام النبلاء والوافي بالوفيات : اسفكشار.

(٢) ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٤٢ ومعجم البلدان (شيراز) والأنساب (الشيرازي) ، واللباب (الشيرازي) ، وحلية الأولياء ١٠ / ٣٨٥ والرسالة القشيرية ص ٤٢٠ ، والوافي بالوفيات ٣ / ٤٢ وطبقات السبكي ٣ / ١٤٩ والعبر ٢ / ٣٦٠ وتبيين كذب المفتري ص ١٩٠ شذرات الذهب ٣ / ٧٦.

(٣) بالأصل : الحسن ، تصحيف ، والمثبت عن د ، و «ز» ، وسير أعلام النبلاء.

(٤) كذا رسمها بالأصل ، وتقرأ في د و «ز» : «النساخ» وفي سير أعلام النبلاء : الشياح.

٤٠٥

أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «قلب الشيخ شاب في حب اثنتين : طول الأمل ، وحب المال» [١١١٠١]

أخبرنا أبو بكر محمّد بن أحمد بن الحسن ، أنبأنا أبو سعد علي بن عبد الله بن أبي صادق ، أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن باكوية ، قال : سمعت أبا أحمد الصغير قال : سمعت أبا عبد الله بن خفيف يقول : دخلت دمشق فقصدت الفقراء وسلّمت عليهم ، وأحضر طعام فمددت يدي معهم ، وكان عليّ صوف مصريّ وعمامة كحلي ، كان قد فتح عليّ قبل دخولي إلى دمشق بأيام ، فتوهم واحد منهم أن معي معلوما (١) أو لي يسار ، فقال لي : ألا تستحي من الله ، تأكل خبز الفقراء وأنت غني ، قال : فقلت : ما علمت أن للفقراء خبزا ، ولو علمت ما أكلت ، ثم أمسكت يدي ، فسمع الدّقّي فاستخفّ بالرجل استخفافا شديدا ، ثم عرّفني إليهم ، فجاء الرجل معتذرا ، فقلت : يا أخي ، إنّ خبز الفقراء لا مالك له ، وإنما هو لمن يأكل ، لأن الفقير لا يملك.

أنبأنا أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل ، أنبأنا محمّد بن يحيى بن إبراهيم بن محمّد ، أنبأنا أبو عبد الرّحمن السلمي قال (٢) : محمّد بن خفيف بن اسفكشاذ الضّبّي ، أبو عبد الله المقيم بشيراز ، كانت أمّه نيسابورية ، هو اليوم شيخ المشايخ ، وتاريخ الزمان ، لم يبق للقوم أقدم منه سنا ، ولا أتمّ حالا ووقتا ، صحب رويما (٣) والجريري (٤) ، وأبا العباس بن عطاء (٥) ، ولقي الحسين بن منصور ، وهو أعلم المشايخ بعلوم الظاهر ، متمسكا (٦) بعلوم الشريعة من الكتاب والسنّة ، وهو فقيه على مذهب الشافعي.

قال أبو عبد الله بن خفيف : الأكل مع الفقراء قربة إلى الله ، وقال أبو عبد الله : ما سمعت شيئا من سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلّا واستعملته حتى الصّلاة على أطراف الأصابع وهي صعبة.

__________________

(١) بالأصل ، ود ، و «ز» : «معلوم».

(٢) انظر طبقات السلمي ص ٤٦٢ وسير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٤٢.

(٣) بالأصل ود ، و «ز» : «رويم» وهو أبو محمد رويم بن أحمد البغدادي توفي سنة ٣٠٣ ، راجع أخباره في الرسالة القشيرية ص ٣٩٠.

(٤) هو أبو محمد أحمد بن محمد بن الحسين الجريري ، من أصحاب الجنيد راجع أخباره في الرسالة القشيرية ص ٤٠٢.

(٥) هو أبو عبد الله أحمد بن عطاء الروذباري توفي سنة ٣٦٩ في صور ، شيخ الشام. راجع أخباره في الرسالة القشيرية ص ٤١٥.

(٦) كذا بالأصل ، ود ، و «ز» ، وفي سير أعلام النبلاء : «متمسك».

٤٠٦

وقال أحمد بن يحيى الشّيرازي : ما أرى التصوّف إلّا ويختم بأبي عبد الله بن خفيف.

وقيل لأبي عبد الله بن خفيف : إنّ فلانا يتكلم في التصوّف بكلام عالي ، فقال : إنه قام عليه التصوف رخيصا فهو يبيعه رخيصا ، نعي إلينا سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة.

أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد ، أنبأنا أبو نعيم الحافظ قال (١) : ومنهم أبو عبد الله بن خفيف ، الخفيف (٢) الظريف ، له الفصول في الأصول (٣) ، والتحقق والتثبّت في الوصول ، لقي الأكابر والأعلام ، صحب رويما ، وأبا العبّاس بن عطاء ، وطاهر المقدسي ، وأبا عمر (٤) الدمشقي ، كان شيخ الوقت حالا وعلما ، توفي سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة.

أخبرنا أبو المظفّر بن القشيري قال : قال لنا أبي الأستاذ أبو القاسم (٥) ومنهم أبو عبد الله [محمد](٦) بن خفيف الشّيرازي ، صحب رويما ، والجريري (٧) ، وابن عطاء وغيرهم ، مات سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة ، شيخ الشيوخ ، واحد وقته ، قال ابن خفيف : الإرادة استدامة الكد ، وترك الراحة.

وقال : ليس شيء أضرّ بالمريد من مسامحة النفس في ركوب الرخص ، وقبول التأويلات.

وسئل عن القرب فقال : قربك منه [تعالى] بملازمة الموافقات ، وقربك منه بدوام التوفيق.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن أحمد البروجردي ، أنبأنا أبو سعد الحيري ، أنبأنا أبو عبد الله ابن باكوية ، أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن خفيف الشّيرازي قال : أوّل من لقيت من المشايخ أبا العباس أحمد بن يحيى ، وعلى يده تبت ، وأوّل ما أمرني به كتابة الحديث وقال لي : اختلف إلى أحمد بن أبان الراوي ، وإلى عبد الله بن جعفر الأزركاني ، وكان من كبار مشايخ شيراز

__________________

(١) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء ١٠ / ٣٨٥.

(٢) كذا بالأصل ، ود ، و «ز» ، وفي حلية الأولياء : الحنيف.

(٣) في الحلية : الفصول في النصول.

(٤) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، والمختصر ، وفي الحلية : عمرو.

(٥) رواه القشيري في الرسالة القشيرية ص ٤٢٠ رقم ٥١.

(٦) زيادة عن الرسالة القشيرية.

(٧) بالأصل : الحريري ، تصحيف ، والتصويب عن د ، و «ز» ، والرسالة القشيرية.

٤٠٧

في الديانة والرواية ، ثم دعاهما بعد ذلك وأوصاهما ، فربما كنت أدخل إلى أبي عبد الله الأزركاني ، فيقول لي : يا أبا عبد الله هل لك أن تجعل يومنا للصلاة ، فأقول : ما يأمر الشيخ ، وكان يقوم في ناحية من البيت ، وأقوم في ناحية نصلي (١) العصر ، ثم أقرأ عليه شيئا من الحديث ، أخرج من عنده فيسألني أحمد بن يحيى معاملته معي ، ويقول لي : لا تحب أن يكون لك في ليلك ونهارك وقت ضائع ، فقبلت ما قال لي ، ثم أخذ بعد ذلك في رياضتي فأول رياضة كانت لي أنه حملني إلى السوق ، وجلس على باب المسجد حتى عبر قصّاب ، واشترى قطعة لحم وقال لي : احملها بيدك إلى المنزل ، وارجع إلى عندي ، قال : فأخذتها واستحييت من الناس ، فدخلت مسجدا وتركته بين يدي وأفكر بين حملها وبين أن أعطيها إلى الحمّال ، فاستخرت الله وقلت : لا أخالف هذا الشيخ ، فحملته (٢) بيدي والناس يقولون : أيش هذا؟ وأنا أخجل وأسكت حتى حملته إلى منزله ، ورجعت إليه وأنا عرق مستحي (٣) ، فقال لي : يا بني كيف كانت نفسك في حمل ذلك اللحم بعد أن كان الناس ينظرون إليك بعين عظيم (٤) ، وإنك من أولاد السلاطين ، فحدّثته ، فتبسّم وقال لي : يا بني قد حمدت فعلك وسترى بركته ، قال : وخرجت يوما من الأيام إلى الصلاة ، وكنت حافي (٥) ، على سبيل الرياضة ، فاستقبلني إبراهيم بن روزبه ، وكان من كبار المشايخ في الحديث ، ففاتحني في الكلام وقال (٦) : سقطت ثلجة (٧) وجمدت رجلي ولم يعلم أني حافي ، فلم يزل يحدّثني إلى أن أذنوا ، فلما أردت الانصراف لم يمكنني المشي مما قد أثّر في رجلي التزاقة على الجليد ، فعلم الشيخ واغتمّ وأوهمته أني في عافية ، فرجعت إلى البيت وبقيت أربعين يوما لا أقدر على النهوض ، واحتجت إلى المعالجات ، ثم قصدني بعد ذلك مؤمل (٨) الجصاص وعمل لي خفا قصير الساق وجوربا ، وأخذ رجلي وألبسني وقال لي : تعارض فإن هذه عقوبة وكان كما قال : فإنّي كنت قد اعتقدت أن لا ألبس شيئا سنة ، وأمشي حافي ، قال : وكنت أذهب في حال إرادتي ، وكنت أجمع الخرق من الطرق [و](٩) المزابل وأغسله وأصلح منه ما ألبسه فجمعت مرة من الخرق وأصلحت (١٠) منها مطبقة واشتريت شقة بثلاثة دراهم ، وقطعت منها قميصا

__________________

(١) في «ز» : حتى يصلى العصر.

(٢) كذا بالأصل ود ، وفي «ز» : فحملتها بيدي.

(٣) كذا بالأصل ، ود ، و «ز» بإثبات الياء.

(٤) الأصل ود ، وفي «ز» : بعين عظيمة.

(٥) كذا بالأصل ود ، بإثبات الباء ، وفي «ز» : حاف.

(٦) كذا بالأصل ، وفي د و «ز» : «وقد سقطت» وفي «ز».

(٧) ليست في «ز».

(٨) في «ز» : مؤملا.

(٩) سقطت من الأصل ود ، وأضيفت عن «ز».

(١٠) الأصل ود ، وفي «ز» : وجمعت.

٤٠٨

ولبسته فوق المطبقة أتجمل بها ، فدخل فقير ، وكان رثّ الحال فنزعت القميص وألبسته إياه ، ورجعت إلى بيتي وجلست عريانا ، فبقيت شتوتي على ذاك ، ومنع الناس عنّي ، ولم يفتح عليّ شيء البتة ، ثم حمل إلي بعد ذاك قميص ، فلبسته ودخلت إلى المشايخ فقالوا لي : أين كنت؟ قلت : كان من أمري كيت وكيت ، فجعلوها مسألة وتكلموا عليها ، وقالوا : ما كان سبب الايثار (١) فتكلم كلّ واحد بشيء ، فمنهم من جعل عقوبة للإخراج ومنهم من صحح الإخراج ، وجعلوا السبب (٢) اختيار التصفية ثم اتفقوا على أنني كنت أحق به ، وإنما نزعت عن مستحق ، ودفعت إلى غير مستحق ، ففتشت عن ذلك فكان الرجل معه معلوما ، وأنا كنت مجردا ، قال : وسمعت أبا عبد الله يقول : كنت في ابتدائي بقيت أربعين شهرا أفطر كل ليلة بكفّ باقلّى ، فمضيت يوما وافتصدت ، فخرج من عرقي شبيه ماء اللحم ، وغشي عليّ فتحير الفصّاد ، وقال : ما رأيت جسدا بلا دم إلّا هذا (٣).

أخبرنا أبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم ، أنبأنا أبي الأستاذ الإمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري ، قال : سمعت أبا عبد الله بن باكوية الشّيرازي يقول : سمعت أبا أحمد الصغير ـ رحمه‌الله ـ يقول (٤) : دخل يوما من الأيام فقير فقال للشيخ أبي عبد الله بن خفيف رحمه‌الله : بي وسوسة ، فقال الشيخ رحمه‌الله : عهدي بالصوفية يسخرون من الشيطان ، الآن الشيطان يسخر بهم.

قال : وسمعت أبي يقول : سمعت محمّد بن عبد الله الشّيرازي يقول : سمعت أبا أحمد الصغير يقول : سمعت أبا عبد الله بن خفيف يقول (٥) : كنت في حال حداثتي استقبلني بعض الفقراء ، فرأى فيّ أثر الضرّ والجوع ، فأدخلني داره ، وقدّم إليّ لحما طبخ بالكشك ، واللحم متغير (٦) ، فكنت آكل الثريد وأتجنّب اللحم لتغيّره ، فلقمني لقمة فأكلتها بجهد ، ثم لقمني ثانية فبلعته بمشقة ، فرأى ذلك مني وخجل وخجلت لأجله ، فخرجت وانزعجت في الحال للسفر ، فأرسلت إلى والدتي من يحمل إليّ مرقعتي ، فلم تعارضني الوالدة ورضيت

__________________

(١) رسمها بالأصل ود : «الانسا» والمثبت عن «ز».

(٢) رسمها بالأصل ود : «الإنسا» والمثبت عن «ز».

(٣) تبيين كذب المفتري ص ١٩١ ، وسير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٤٣.

(٤) الرسالة القشيرية ص ٤٢١.

(٥) الخبر في الرسالة القشيرية ص ٢٩٣ ـ ٢٩٤ تحت عنوان : أحكام السفر.

(٦) في الرسالة القشيرية : وكان اللحم متغير الطعم.

٤٠٩

بخروجي ، فارتحلت من القادسية مع جماعة من الفقراء الفقهاء ، ونفذ ما كان معنا ، وأشرفنا على التلف ، فوصلنا إلى حيّ من أحياء العرب ، ولم نجد شيئا ، واضطررنا إلى أن اشترينا منهم كلبا بدنانير وشووه وأعطوني قطعة من لحمه ، فلمّا أردت أكله فكّرت في حالي ، فوقع لي أنه عقوبة خجل ذلك الفقير ، فتبت في نفسي ، وسكتّ ، ودلّونا على الطريق ، فمضيت ، وحججت ، ثم رجعت معتذرا إلى الفقير.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن أحمد بن الحسن ، أنبأنا أبو سعد علي بن عبد الله ، أنبأنا أبو عبد الله بن باكوية قال : سمعت أبا أحمد الصغير قال : سمعت أبا عبد الله بن خفيف يقول : خرجت في سفرتي الأولى واحتملت في المركب ولي ست عشرة (١) سنة ، ورجعت سريعا لأجل والدتي واشتغلت بالرياضات والمجاهدات ، وكنت آوي إلى مسجد سليمان ، وإلى كهف بالقرب منه ، فدخلت يوما من الأيام إلى المدينة وقد أثرت (٢) عليّ الفاقة فاستقبلني فقير من أصحابنا ، وحلّفني أن أدخل إلى منزله ، فقدّم إليّ لحما قد طبخ بالكشك (٣) ، وكان اللحم متغير الرائحة ، فكنت آكل الثريد وأترك اللحم ولا أظهر له أنّ اللحم متغيّر كي لا يحتشم ، فلقمني لقمة لحم ، وتحمّلت بلعها ، ولقمني ثانية فظهر في وجهي الكراهة ، فخجل الفقير ، واغتممت أنا لخجله وانزعجت انزعاجا عظيما ، فبعثت إلى والدتي وقلت : إن أردت أن تودّعيني فالحقيني بباب الدرب واحملي معك مرقعتي ، فجاءت ومعها المرقعة فلبستها وودّعتها ، فما عارضتني ، وتعجبت من سكوتها بعد ما عرفت من إشفاقها عليّ ، ومشيت ولم أدخل بغداد من شدة انزعاجي ، ودخلت الكوفة ولم أقم بها ، وخرجت إلى القادسية ، فرأيت جماعة من أهل خراسان فتعلّقوا بي وقالوا : نمشي معك ، وأنا متحير ، أنظر سبب ما أزعجني ، فتهنا في الطريق ، وما زلنا تائهين حتى نفذ زاد القوم ، وأشرفوا على التلف ، فرجعنا إلى حلة من العرب ، وقد بلغ الجوع للتلف (٤) ، فطلبوا الطعام ، فلم يقدروا عليه ، وبلغ بهم الجهد إلى أن اشتروا كلبا بدنانير وذبحوه وشووه ، وأعطوني من لحمه قطعة ، فلمّا أردت أن آكله علمت أنه عقوبة ذلك الفقير ، ثم دلّونا على الطريق ، فذهبت ، وحججت ، ورجعت إلى عند والدتي ، واعتذرت إلى الفقير وقصصت عليه القصة ، فتعجبوا منه.

__________________

(١) بالأصل ود ، و «ز» : ستة عشر سنة.

(٢) الأصل ود : «أثر» والمثبت عن «ز».

(٣) في «ز» : بالكسكس.

(٤) كذا بالأصل ود ، وفي «ز» : وقد بلغ بنا الجوع إلى حد التلف.

٤١٠

قال (١) : وسمعت أبا أحمد الكبير يقول : سمعت أبا عبد الله بن خفيف يقول : خرجت من شيراز في السفرة الثالثة فتهت في البادية وحدي ، وأصابني من الجوع والعطش ما أسقط من أسناني ثمانية ، وانتثر شعري كله ، ثم وقعت إلى فيد وأقمت بها حتى (٢) تماثلت ، وخرجت إلى مكة ، ومضيت ، إلى بيت المقدس ، وأقمت ما اتفق ، ثم دخلت الشام فبتّ في مسجد إلى جنب دكان صبّاغ ، وبات معي في المسجد رجل به قيام ، فكان يخرج ويدخل إلى الصباح ، فلمّا أصبحنا صاح الناس وقالوا : نقب في دكان الصباغ وأخذ ما فيه ، فدخلوا المسجد ورأونا فسألوا (٣) الخبر ، فقال الرجل المبطون الذي كان في المسجد : لا (٤) أدري إن هذا الرجل طول الليل كان يدخل ويخرج ، وما كنت قد خرجت إلّا مرة تطهرت ، فأخذوني ولا زالوا (٥) يجرّوني ، ويضربونني ويقولون : تكلم ، فاعتقدت التسليم ، فكانوا يغتاظون من سكوتي ، فحملوني إلى دكّان الصبّاغ ، وكان أثر رجل اللص في الرماد ، فقالوا : ضع رجلك فيه ، فوضعت فكان على قدر رجلي ، فزادهم غيظا ، وجاء السلطان (٦) ، وحمل الزيت ، ونصبوا القدر وغلى ، وحمل السكين ومن يقطع اليد ، واستجمع الناس ، فرجعت إلى نفسي وإذا هي ساكنة ، فقلت في نفسي : إذا أرادوا قطع يدي سألتهم أن يقطعوا يساري لأكتب بيميني شيئا ، فجاء الأمير وجلس ، وجعل يهددني ويكلمني بالصولة ، فنظرت إليه فعرفته ، وكان مملوكا لوالدي ، فكلمني بالعربية ، وكلّمته بالفارسية فنظر إليّ وقال : أبو الحسين ، وكنت أكنّى في صباي بأبي الحسين ، فضحكت ، فعرفني من ضحكي ، فأخذ يلطم رأسه ووجهه فاشتغل الناس به ، وإذا بصيحة وقعت : إن اللصوص قد أخذوا ، فمشيت والناس ورائي وأنا ملطخ بالدماء ، جائع ، لي أيام لم أتناول (٧) ، فرأتني عجوز فقيرة فقالت لي : ادخل الدار (٨) واغسل هذا الدم منك ، فدخلت دارها ولم يرني (٩) القوم ، وغلقت الباب وغسلت وجهي ويدي ، وإذا الأمير قد أقبل يطلبني ، فدخل ومعه جماعة ، وجرّ من منطقته سكينا ،

__________________

(١) القائل : أبو عبد الله بن باكويه ، ومن طريقه روي الخبر في سير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

(٢) كتبت فوق الكلام بين السطرين بالأصل.

(٣) في «ز» ، ود : فسألونا الخبر.

(٤) بالأصل ود : «قال : لا أدري» والمثبت عن «ز».

(٥) بالأصل ود : «زال» والمثبت عن «ز».

(٦) في «ز» : وجاءوا إلى السلطان.

(٧) كذا بالأصل ، وفي د : «لم أتناول شيئا» وفي «ز» : لم أتناول طعاما.

(٨) في الأصل ود : «ادخل لي الدار» والمثبت عن «ز».

(٩) بالأصل ود : «ولم يروني القوم» وفي «ز» : «يراني» والمثبت عن سير الأعلام.

٤١١

وحلف بالله لئن مسكني إنسان لأقتلنّ نفسي بهذا السكين ، فانقبض الناس عنه ، فضرب بيده رأسه ، ووجهه مائة صفعة حتى منعته أنا ، ثم اعتذر وجهد بي كل الجهد أن أقبل منه شيئا ، فأبيت وهربت ليومي من المدينة ، فحدثت بعض المشايخ فقال : هذا عقوبة انفرادك ، فما دخلت بعدها بلدا فيه فقراء إلّا قصدتهم.

أنبأنا أبو القاسم عبد الرّحمن بن طاهر بن سعيد بن فضل الله ، أنبأنا أبو شجاع محمّد ابن سعدان ، أنبأنا أبو الحسن علي بن بكران الصوفي ، أنبأنا أبو الحسن علي الديلمي قال : سمعت الشيخ ـ يعني ـ ابن خفيف يقول : كنت في البادية فأصابني السموم (١) ولم يكن معي ماء ولا زاد ، فطرحت نفسي ونمت كالسكران ، قال : فانتبهت وإذا عند رأسي قطعة تمر ، وركوتي ملأى ماء ، ففرحت وتوهمت أنها آية ظهرت لي ، فكنت أستقل بها حتى دخلت المدينة ، ففي بعض الأيام كنت جالسا عند القبر ، فإذا ببدويين دخلا المسجد ، فقصدا القبر فقال أحدهما للآخر : هذا صاحبنا ، فجاءا (٢) وسلما عليّ ، وقالا : رأينك في موضع كذا وكذا ، وقد ضرّ بك السموم ، فحركناك فلم تنتبه ، فتركنا عندك الماء والتمر ، قال : فقلت في نفسي : ما اصطدنا شيئا ، وخاب ظننا ، فكان يمزح إذا حكى هذه الحكاية ، ويقول : هذه كانت من آياتي.

قال الديلمي : وسمعت أحمد بن محمّد وهو ثقة أمين قال : كان بي وجع القولنج ، وأعياني علاجه ، وأعيا الأطباء معالجته ، فما رأيت فيه برءا ، فرأيت الشيخ ـ يعني ـ ابن خفيف في النوم وذاك بعد موته فقال لي : ما لك فقلت بي هذه العلة ، وقد أعيتني وأعيا الأطباء معالجته (٣) فقال لي : لا عليك فغدا تبرأ ولا يوجعك بعد ، قال : فلما أصبحت انحلّت طبيعتي من غير دواء ، وأقامني مجالس وسكن الوجع.

قال : وسمعت عبد الرحيم يقول : كان الشيخ يذكر الكرامات يوما فقال : ما عرفت لنفسي شيئا منها إلّا مرة واحدة ، وذلك أنّا كنا شيعنا الحاج ، وكنت أنا وصاحب لي ، فلما بلغنا دار سار (٤) موضعا كان يجتمع فيه الحاج في الصحراء قال : فقعدنا نتذاكر في الكرامات ، وطال جلوسنا ، وذهب الحاج ، فعبر علينا بعد الحاج فارسان مشيعان للحاج ،

__________________

(١) السموم : الريح الحارة.

(٢) الأصل : «فجاء» والمثبت عن د ، و «ز».

(٣) كذا بالأصل ود ، وفي «ز» : معالجتها.

(٤) كذا رسمها ، وفي د : «دارنسار» وفي «ز» : «دايسار» ولم أجده.

٤١٢

فلما طال جلوسنا وفرغنا من الكلام قلت : قوموا بنا الساعة ، فإنا ندرك الحاج بحويم (١) أول منزل من البلد ، فقمنا وسرنا قليلا ، فالتفتّ فإذا نحن قدام الحاج ، والحاج وراءنا ، ورأيت الفارسين وراءنا ببعيد.

قال أبو الفتح ـ يعني ـ عبد الرحيم : وإلى يومنا هذا لم أحكه أزيد من سمعه معي ، وكان أبو عبد الله محمّد بن أحمد المعروف بأميرويه حاضرا فقال : أنا سمعت من الشيخ هذه الحكاية ، والرجل الذي كان معه كان أليسع أو أخوه الإصطخريين فاتفق سماعي من التقيين جميعا.

آخر الجزء السابع والعشرين بعد الأربع مائة من الأصل (٢)

أخبرنا أبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم ، أنبأنا أبي الأستاذ أبو القاسم القشيري (٣) ، حدّثنا أبو عبد الله بن باكوية قال : قال أبو عبد الله بن خفيف : دخلت بغداد قاصدا إلى الحجّ ، وفي رأسي نخوة الصوفية ، ولم آكل الخبز أربعين يوما ، ولم أدخل على الجنيد ، ففرحت ولم أشرب إلى زبالة (٤) وكنت على طهارتي ، فرأيت ظبيا على رأس البئر وهو يشرب ، وكنت عطشان ، فلما دنوت من البئر ولّى الظبي (٥) ، وإذا الماء في أسفله ، فمشيت فقلت : يا سيدي ما لي محلّ هذا الظبي؟ فسمعت من خلفي : جربناك فلم (٦) تصبر ، ارجع وخذ الماء ، فرجعت وإذا البئر ملأى ماء ، فملأت (٧) ركوتي ، وكنت أشرب منه وأتطهر

__________________

(١) كذا رسمها بالأصل ، وفي د : «بحريم» وفي «ز» : «بحريم». ولم أجده.

(٢) كتب بعدها في «ز» : بلغت سماعا بقراءتي وعرضا على سيدنا القاضي العالم الورع أبي البركات الحسن بن محمد ابن الحسن بن هبة الله بإجازته من عمه المؤلف وابنه أبي سعيد عبد الله.

وكتب محمد بن يوسف بن محمد البرزالي الإشبيلي وسمع النصف الأخير منه أبو العباس أحمد بن يوسف بن عبد الله التلمساني يوم الثلاثاء الحادي عشر من شهر رجب سنة ثمان عشرة وستمائة بالمسجد الجامع بدمشق حرسها الله تعالى في مجلس واحد. والحمد لله وحده وصلاته على محمد نبيه ورسوله وسلامه ..... (بياض عدة أسطر).

(٣) الرسالة القشيرية ص ٣٠١.

(٤) بياض بالأصل ، وفي «ز» : «زيارته» والمثبت عن الرسالة القشيرية. وزبالة : منزل معروف بطريق مكة من الكوفة (انظر معجم البلدان للحموي).

(٥) الأصل : الظبية ، والمثبت عن «ز».

(٦) بالأصل : «حربنا مما» وفي «ز» : «صوتا يقول لما تصبر» والمثبت عن الرسالة القشيرية.

(٧) بالأصل : ملأت ، والمثبت عن «ز».

٤١٣

إلى المدينة ، ولم ينفذ ، ولما استقيت سمعت هاتفا يقول : إنّ الظبي جاء بلا ركوة ولا حبل ، وأنت جئت مع الركوة ، فلمّا رجعت من الحجّ دخلت الجامع ، فلمّا وقع بصر الجنيد عليّ قال : لو صبرت لنبع الماء من تحت رجلك ، لو صبرت صبر ساعة صبر ساعة.

أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحسين قال : سمعت أبا الحسن (١) علي بن حمزة بن علي العلوي يقول : سمعت أبا عبد الله محمّد بن عبد الله الشّيرازي يقول (٢) : نظر أبو عبد الله بن خفيف يوما إلى ابن مكتوم وجماعة من أصحابه يكتبون شيئا فقال : ما هذا؟ فقالوا : نكتب كذا وكذا ، فقال : اشتغلوا بتعلّم شيء ولا يغرّنكم كلام الصوفية ، فإنّي كنت أخبئ محبرتي في جيب مرقعتي ، والكاغد (٣) في حجرة سراويلي ، وكنت أذهب خفيا إلى أهل العلم ، فإذا علموا بي خاصموني ، وقالوا : لا يفلح ؛ ثم احتاجوا إليّ بعد ذلك.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن أحمد بن الحسين ، أنبأنا علي بن عبد الله بن أبي صادق ، أنبأنا أبو عبد الله بن باكوية قال : ونظر ـ يعني ـ ابن خفيف يوما إلى ابن مكتوم ، فذكر نحوها.

قال : وأنبأنا ابن باكوية قال : وسمعت أبا عبد الله يقول : وهو يعظ أصحابه : قال : كنت في بدايتي ربما كنت أقرأ في ركعة واحدة عشرة آلاف مرة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وربما كنت أقرأ في ركعة واحدة القرآن كله (٤) ، وربما كنت أصلي من الغداة إلى العصر ألف ركعة.

سمعت أبا المظفّر بن القشيري يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبا عبد الله الصّوفي يقول : سمعت أبا عبد الله بن خفيف يقول (٥) : وربما كنت أقرأ في ابتداء أمري في ركعة واحدة عشرة آلاف مرة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، وربما كنت أقرأ في ركعة واحدة القرآن كلّه ، وربما كنت أصلّي من الغداة إلى العصر ألف ركعة.

أخبرنا أبو بكر البروجردي ، أنبأنا أبو سعد الحيري ، أنبأنا أبو عبد الله بن باكوية قال :

__________________

(١) في «ز» : الحسين.

(٢) الخبر في سير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٤٦ وتبيين كذب المفتري ص ١٩١.

(٣) الكاغد : الورق ، معرب ، وفي سير الأعلام : الورق بدل الكاغد.

(٤) إلى هنا روي الخبر في سير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٤٦ من طريق ابن باكويه.

(٥) الرسالة القشيرية ص ٤٢١.

٤١٤

سمعت أبا عبد الله يقول : ما سمعت شيئا من سنن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا استعملته حتى الصلاة على أطراف الأصابع.

قال : وأنبأنا ابن باكوية قال : سمعت أبا العباس الكرجي قال : سمعت أبا عبد الله يقول :

ضعفت عن القيام في صلاة النوافل ، وقد جعلت بدل كل ركعة ركعتين لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة القاعد نصف صلاة القائم» [١١١٠٢].

أخبرنا أبو المظفّر بن القشيري ، أنبأنا أبي قال (١) : سمعت ابن باكوية يقول : سمعت أبا العباس الكرجي (٢) يقول : سمعت أبا عبد الله بن خفيف يقول : ضعفت في القيام في النوافل وقد جعلت بدل كل ركعة من أورادي ركعتين قاعدا (٣) للخبر : صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم.

أنبأنا أبو القاسم عبد الرّحمن بن طاهر الميهني ، أنبأنا أبو شجاع المقاريضي ، أنبأنا علي بن بكران ، أنبأنا علي الديلمي قال بعض المشايخ : قال : كان بالشيخ قديما وجع الخاصرة ، فكان إذا أخذه أقعده عن الحركة ، فكان إذا أقيمت الصلاة يحمل على الظهر إلى المسجد ليصلّي ، فقيل له في ذلك : لو خفّفت على نفسك لكان لك سعة في العلم ، فقال : إذا سمعتم حيّ على الصّلاة ولا تروني في الصف ، فاطلبوني في المقابر (٤).

قال : وسمعت عبد الرّحمن يقول : ما رأيت الشيخ قط فاتته تكبيرة الإحرام في جميع صلواته منذ رأيته.

سمعت أبا المظفر بن القشيري (٥) يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبا عبد الله بن باكوية الصّوفي يقول : سمعت أبا أحمد الصغير يقول : أمرني أبو عبد الله بن خفيف أن أقدم إليه كل ليلة عشر (٦) حبّات زبيب لإفطاره ، فليلة أشفقت عليه ، فحملت إليه خمس عشرة حبة ، فنظر إليّ وقال : من أمرك بهذا؟ فأكل عشر حبات ، وترك الباقي.

__________________

(١) الرسالة القشيرية ص ٤٢١.

(٢) كذا بالأصل و «ز» ، وفي الرسالة القشيرية : الكرخي.

(٣) بالأصل : قاعد ، والمثبت عن «ز» والرسالة القشيرية.

(٤) سير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٤٦.

(٥) الرسالة القشيرية ص ١٤٣ ـ ١٤٤.

(٦) بالأصل : «عشرة» والمثبت عن «ز» ، والرسالة القشيرية.

٤١٥

أخبرنا (١) أبو بكر محمّد بن أحمد ، أنبأنا علي بن عبد الله ، أنبأنا عبد الله بن باكوية ، حدّثنا أبو أحمد الصغير قال : كان أمرني أن أقدّم إليه كل ليلة عشر حبّات زبيب لإفطاره ، قال : فشفقت عليه ليلة فجعلتها خمس عشرة حبة ، فنظر إليّ وقال : من أمرك بهذا؟ وأكل منها عشر حبات وترك الباقي.

قال : وأنبأنا ابن باكوية.

ح قال : وسمعت أبا المظفر يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبا عبد الله بن باكوية الصّوفي يقول : سمعت أبا عبد الله بن خفيف يقول : ما وجبت علي زكاة الفطر أربعين سنة (٢) ، ولي قبول عظيم بين الخاص والعام.

أخبرنا أبو بكر البروجردي ، أنبأنا أبو سعد الحيري ، أنبأنا ابن باكوية قال : سمعت أبا أحمد الكبير قال :

كان أبو عبد الله إذا أراد أن يخرج إلى صلاة الجمعة يقول لي : هات ما عندنا ، فأحمل إليه كل ما قد فتح من الذهب والفضة وغيره فيفرّقه كله ، ثم يخرج إلى صلاة الجمعة ، وكان كل سنة في أوان يخرج جميع ما عنده من الثياب حتى لا يبقي لنفسه ما يخرج به إلى برّا (٣).

أنبأنا أبو القاسم عبد الرّحمن بن طاهر بن سعيد ، أنبأنا محمّد بن سعدان ، أنبأنا علي ابن بكران الصّوفي ، أنبأنا أبو الحسن علي الديلمي قال : سمعت أبا بكر المفيد بجرجرايا يقول : كنت في مجلس أبي سعيد ابن الأعرابي بمكة ، إذ دخل أبو عبد الله محمّد بن خفيف ـ رحمه‌الله ـ المجلس ، فجلس ، فأقبل عليه الشيخ أبو سعيد يسأله عن حاله ، فلمّا علم أنه أبو عبد الله أخذ بيده ليصدّره بجنبه ، فامتنع ، فاجتهد به وقال : أريد أن أسمع منك المسألة التي في الرد على أبي بكر بن بردا؟؟؟ (٤) أو غيره ـ قال أحمد : الشك مني ـ فقال أبو عبد الله : إنّ كان ولا بدّ ، فجيء نتحول إلى مجلس غير هذا ، فتحوّلنا إلى مجلس آخر ، فسمعنا منه المسألة بقراءة الشيخ ، أو كما قال.

__________________

(١) الخبر التالي سقط من «ز».

(٢) تبيين كذب المفتري ص ١٩٢ وسير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٤٦.

(٣) كذا بالأصل ، و «ز». تقول العرب : جلست برّا وخرجت برّا. قال أبو منصور (الأزهري) وهذا من كلام المولدين ، وما سمعته من فصحاء العرب بالبادية (راجع تهذيب اللغة للأزهري ، ولسان العرب).

(٤) كذا رسمها بالأصل و «ز».

٤١٦

أخبرنا أبو بكر محمّد بن أحمد ، أنبأنا علي بن عبد الله ، أنبأنا محمّد بن عبد الله قال : سمعت علي بن أبي بويه قال : قال لي مؤمّل الجصاص : سمعت جعفر الحذّاء وقد نظر إلى أبي عبد الله بن خفيف وكان (١) في حدة إرادته فقال : يذهب التصوف من فارس مع هذا الغلام.

قال : وأنبأنا محمّد قال : سمعت [أبا] عبد الله بن خفيف يحكي لعيسى بن يزول (٢) القزويني قال : كنت يوما في الجامع أتكلم في مقامات الأولياء وكان عهدي بالطعام أسبوعا ، فأخذني البول ، فما ملكت نفسي حتى قمت ، وخرجت ، فلما بلغت السوق بلت في سراويلي ، فقلت لنفسي : يا خسيس ، مثلك يتكلم في مقامات الأولياء ، ثم بكى ، فلما أفاق من بكائه قال : أظن أن هذه الآية نزلت في الكذّابين من الصوفيّة ، ويقول الاشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربّهم.

أنبأنا أبو القاسم عبد الرّحمن بن طاهر الميهني ، أنبأنا أبو شجاع محمّد بن سعدان ، أنبأنا أبو الحسن علي بن بكران الصوفي ، أنبأنا أبو الحسن علي بن الديلمي ، أخبرني (٣) أبو أحمد الصغير قال : كنت أخدم الشيخ (٤) وليس معي في داره أحد ، ولا يتقدم إليه أحد غيري ، أو من أقدّمه ، فأصبحت يوما ، وصلّيت الصبح في الغلس ، وجلست على الباب أقرأ في المصحف ، وقد أخرجت رأسي من الباب أستضيء من الغلس ، قال : فجاء أبو أحمد الكاغدي البيضاوي وقال : أيّها الشيخ ، أريد الخروج ، فادع لي ، فدعا له ، ومضى خطوات ، فدعاه الشيخ ، فرجع إليه ، وناوله أرغفة حارة ، وقال : كل هذا في الطريق ، قال أبو أحمد : فتحيّرت ، وعلمت أنه لا يدخل إليه إلّا من أدخلته ، فغدوت (٥) وراء الكاغدي وقلت : أرني هذا الخبز ، فأراني ، فإذا هو رقاق حار ، فمما أدركني من الوسواس لم أصبر ، فلما كان العصر قلت : أيها الشيخ ، ذاك الخبز من أين؟ قال : فقال : لا تكن صبيا أحمق ، ذاك جاء به إنسان فهبته أن أستزيده ، وسكتّ.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن أحمد بن الحسن ، أنبأنا علي بن عبد الله ، أنبأنا محمّد بن عبد الله بن عبيد الله ، حدّثنا أبو نصر الطرسوسي ـ وكان شيرازيا إلّا أنه لقّب بهذا لأنه أقام

__________________

(١) من هنا إلى قوله : «يحكي لعيسى» سقط من «ز».

(٢) أعجمت عن «ز».

(٣) في «ز» : أخبرنا.

(٤) زيد في «ز» : أبا عبد الله بن خفيف.

(٥) في «ز» : فعدوت.

٤١٧

بطرسوس سنين ـ قال : مات لأبي عبد الله بن خفيف ابن يقال له عبد السّلام ، فما بقي بشيراز من الخاصّ والعام والجند والأمراء [أحد](١) إلّا حضروا جنازته ، فلم يجسر أحد [أن](٢) يعزيه لما كان في نفوسهم أنّ مثله لا يعزّى.

قال : وأنبأنا محمّد قال : سمعت أبا أحمد الكبير قال : صحبت أبا عبد الله ستين سنة عشرون لا أفارقه ليلي ولا نهاري ، وأربعون سنة أصلّي معه الصلوات الخمس ، فما رأيته غضب إلّا ثلاث مرّات ، قيل له : إنّ أبا ميمون المعدل تكلم في مشايخ الصوفية ، فغضب ، ومرة سئل عن قول أبي زيد : انسلخت من جلدي كما انسلخت الحيّة من جلدها ، فسكت ، ثم قال مغضبا : سئل بندار بن الحسين عن هذه المسألة فتكلم في أبي يزيد (٣) ولم يتكلم في المسألة ، ومرة قتلوا في مسجده كلبا فغضب ودعا عليهم.

قال : وأنبأنا محمّد قال : سمعت أبا العبّاس قال : سمعت أبا عبد الله يقول : كنت بالبصرة مع جماعة من أصحابنا ، فوقف علينا صاحب مرقّعة أعور ، فقال : من منكم ابن خفيف؟ فأشاروا إليّ ، فقال : تأذن لي أن أسألك مسألة؟ فقلت : لا ، قال : ولم ، فقلت : لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما خيّر بين أمرين إلّا اختار أيسره (٤) ، وأيسره أن لا تسألني ، ولا احتاج أجيبك ، فقال : لا بدّ ، فقلت : هذا غير ذاك ، فقل الآن ما شئت.

أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنبأنا أبو بكر البيهقي ، أنبأنا أبو عبد الرّحمن السلمي ، قال : قال أبو عبد الله بن خفيف (٥) : حقيقة القناعة ترك الشرف (٦) إلى المفقود والاستغناء بالموجود ، وقال أيضا : القناعة الاكتفاء بالبلغة.

أخبرنا أبو بكر البروجردي ، أنبأنا علي بن عبد الله ، أنبأنا أبو عبد الله بن باكوية ، أنبأنا أبو أحمد الكبير ، قال : سمعت أبا عبد الله يقول : لا ينفك العبد عما يحجبه عن الله إلّا بالعلم ، ولو أردت وصفت لك كيف انقطع من انقطع عن الله ، وكيف وصل من وصل إليه ، وكيف ذهب من ذهب ، وكيف رجع من رجع ، وأنا منقطع عن الله ، وليس يوفقني للرجوع إليه ، وبكى وأبكى الناس.

__________________

(١) زيادة منا.

(٢) زيادة عن المختصر.

(٣) كذا بالأصل و «ز» ، وتقدم قريبا : أبي زيد.

(٤) في «ز» : أيسرهما ، وأيسرهما.

(٥) الرسالة القشيرية ص ١٦٠.

(٦) كذا بالأصل ، و «ز» ، والمختصر ، وفي الرسالة القشيرية : «النشوف» ولعل الصواب : «التشرف» والتشرف للشيء : التطلع والنظر إليه وحديث النفس وتوقعه (راجع لسان العرب).

٤١٨

أنبأنا أبو القاسم الميهني ، أنبأنا أبو شجاع ، أنبأنا أبو الحسن الصّوفي ، أنبأنا علي الديلمي ، قال : وسمعت عبد الرّحيم يقول : سمعت الشيخ يقول : سألت الله أن ألقاه ، ولا يكون لي شيء ، ولا لأحد عليّ شيء ، ولا يكون على بدني (١) من اللحم شيء ، فمات ـ رحمه‌الله ـ وهو كذلك.

قال عبد الرحيم : توفي الشيخ وله سبعة عشر يوما لم يأكل شيئا ، وكنا نشم من فمه رائحة المسك ، وروائح الطيب شيئا ما شممت مثله قط ، قال : فتأملت حو الينا وقلت : لعل بخورا قد ترك بقربه ، فما رأيت شيئا ، فقدمت وجهي إلى وجهه وفمه فشممت من فيه تلك الرائحة (٢) فقلت لأصحابنا : قدّموا وجوهكم وشمّوا فمه ، فشمّوا فمه فوجدوه كما وجدت ، وكانت الجماعة الحاضرة : أبو (٣) الطيّب محمّد بن الحسن القزويني ، وأبو أحمد الكبير ، وأبو أحمد الصغير ، والحسن بن إسحاق الصوّاف (٤) ، وأميروية ، وأبو سعيد ، فكل هؤلاء شهدوا أنه كان كما قال أبو الفتح عبد الرحيم ، وقال أبو سعيد : وحلف بالله : أنه كان به صداع شديد فلما شممت تلك الرائحة سكن الوجع من ساعته ، وقال عبد الرحيم : لما قرب خروج روحه كان له سنة وأربعة أشهر لم يتحرك ، فمدّ رجله وتمدّد هو من تلقاء نفسه ، وبعد ساعات مات رحمه‌الله (٥).

قال : وسمعت أميروية يقول : عددت عليه تلك الليلة مرارا كثيرة ، كلما اشتغلنا بالحديث ، وغفلنا كان يقول : لا إله إلّا الله ، فكان يذكر (٦) بالله وهو في النزع ، فلما مات حمل على المغتسل وحضر غسله أبو أحمد الكبير ، وأبو أحمد الصغير ، وأبو الطيّب القزويني ، وأبو الفتح ، وأبو علي الحسن ، وأبو مكتوم ، وأميروية ، وغسّل وكفّن ، قال : فلما أصبحنا حضر أبو العبّاس أحمد بن منصور فتقدّم وصلّى عليه في حجرته ، وصلينا عليه معه ، وكان قد أوصى أن يصلي عليه هبة الله أبو بكر العلّاف ، فإن لم يحضر فأبو علي الحلبي الفقيه الشافعي ، فإن لم يحضر فأبو علي إمام الجامع وخطيبه ، قال : فلما تعالى النهار حمل على السرير وضبب السرير بضبات حديد ، وجلس على السرير الحسن بن بندوية رئيس القصابين

__________________

(١) بالأصل و «ز» : «يدي» والمثبت عن طبقات الأولياء.

(٢) كذا بالأصل وفي «ز» : الروائح.

(٣) بالأصل : «أبا الطيب» والمثبت عن «ز».

(٤) في «ز» : الصوفي.

(٥) في «ز» : وبعد ساعات رحمه‌الله خرجت روحه.

(٦) في «ز» : يذكرنا بالله.

٤١٩

والحسن بن إسحاق يحفظونه عن الناس ، وكان هذا الحسن ـ أعني ابن بندوية ـ رئيس القصّابين ، وله صحبة للصوفية ، يرجع إلى دين وفضل وكان معروفا بالقوة ، فكان يمنع الناس عن التعلق بكفنه أو بمس السرير ، فدخل تحت السرير من القصّابين والخياطين على التقريب خمسين خمسين ، وستين ستين (١) ، يدخل تحته قوم ويخرج قوم ، كل شاطر قوي يدّعي الفتوة والقوة كلما تعب قوم خرجوا ودخل قوم آخرون ، وشدوا (٢) أيديهم بعضهم إلى بعض وحو الي هؤلاء فرسان الديلم والأتراك والخدم والحاشية بالعصي والدبابيس يمنعون الناس عنه وعن السرير ، وحدّثني بعض أصحابنا ممن كان يدّعي القوة قال : أردت أن أدخل بين هؤلاء لأحمل معهم السرير ، فلما أن حصلت كاد عظامي تتفتت (٣) فخرجت ولم أقدر أن أصل إلى السرير ، وحمل إلى المصلّى وصلّى عليه أبو بكر العلّاف ثم أبو علي الحلبي ، ثم صلّى عليه نقيب نقباء العلوية أبو إسحاق (٤) ثم أبو علي الخطيب ، ثم صلّى عليه غيرهم حتى صلّى عليه نحو من مائة مرة ، واجتمع في جنازته اليهود والنصارى والمجوس ، وصلّي عليه ودفن في التربة في أقل من ساعتين زمانيتين ، فتعجب الناس منه وما شككنا أنه لا يدفن ساعات النهار كلها ، وسمعت جماعة الموثوقة بقولهم [يقولون](٥) جميع ما ذكرت من خبر وفاته ، وذكروا كلهم أنه مات ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة ، رحمة الله عليه وعلى روحه الطاهرة الزكية.

وسمعت الشيخ يقول : وقد سأله بعض الناس كم يعد الشيخ من سنّه؟ فقال : خمس وتسعون ، وعاش بعد ما سمعت منه هذا نحو العشر سنين (٦) ، هذا فيما سمعت منه.

وحدّثني أميروية قال : سمعت [أبا](٧) القاسم عبد القهّار بن محمّد المعروف بالصفّار لما توفي الشيخ يقول : كان للشيخ مائة وأربع سنين ، فقيل له : ومن أين لك؟ قال : دخلت يوما داره ورأيت مكتوبا على عتبة باب بيت في داره بخط الشيخ تاريخ مولده ، فحسبت (٨) ، وإذا هو مائة وأربع سنين (٩).

__________________

(١) في «ز» : خمسين وخمسين ، وستين وستين.

(٢) في «ز» : وشددوا.

(٣) في «ز» : وكان عظامي فتتت.

(٤) من قوله : العلاف .. إلى هنا سقط من «ز».

(٥) سقطت من الأصل ود ، واستدركت عن «ز».

(٦) كذا بالأصل ود ، وفي «ز» : العشرين سنة.

(٧) في د ، و «ز» : فإذا.

(٨) سقطت من الأصل ، واستدركت عن د ، و «ز».

(٩) عقب الذهبي في سير أعلام النبلاء على تاريخ وفاته قال : والأصح أنه عاش خمسا وتسعين سنة.

٤٢٠