كتاب الأعلام بأعلام بيت الله الحرام

محمّد بن أحمد بن محمّد النهرواني

كتاب الأعلام بأعلام بيت الله الحرام

المؤلف:

محمّد بن أحمد بن محمّد النهرواني


المحقق: هشام عبدالعزيز عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المكتبة التجاريّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

صور ونماذج

من المخطوطات

٢١
٢٢

٢٣

٢٤

٢٥

٢٦

٢٧

٢٨

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذى جعل المسجد الحرام أمنا ومثابة للناس ، وأمر بتطهير الكعبة ؛ البيت الحرام للطائفين والعاكفين ، وأزال عنها الخوف والبأس ، وقيّض لعمارة حرمه الأمين الأعظم الخلفاء والسلاطين ، وأجلسهم على سرير السعادة أكرم إجلاس.

نحمده على حصول المراد ، ونشكره على الكرامة والإسعاد بهذا الحرم الشريف الذى سواء العاكف فيه والباد.

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، البر السلام.

ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، المنزل عليه : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(١).

القائل : «من بنى مسجدا لله كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا فى الجنة» ، أى : دار السلام ، صلى الله عليه ، وعلى آله الكرام وصحبه العظام ؛ نجوم الدين ومصابيح الظلام ما طاف بالبيت العتيق طائف ، واعتكف بعرفات بالمشعر الحرام عاكف.

أما بعد : فلما وفقنى الله تعالى لخدمة العلم الشريف ، وجعلنى من جيران بيته المعظم المنيف ، تشوقت نفسى إلى الاطلاع على علم الآثار ، وتشوفت إلى فن التاريخ وعلم الأخبار ، لاشتماله على حادث الزمان وما أبقاه الدهر من أخبار وقائع الدوران ، وأحوال السلف ما أبقوا من الآثار والأحداث بعد ما ساروا إلى الأجداث ، فإن فى ذلك عبرة لمن اعتبر ، وإيقاظا بحال من مضى

__________________

(١) الاية رقم ١٤٤ من سورة البقرة ، مدنية.

٢٩

وغبر ، وإعلاما بأن ساكن الدنيا على جناح سفر ، ومفاكهة للفضلاء وإفادة لمن تأتّى بعد من البشر.

فإن من أرخ فقد حاسب على عمره ، ومن كتب وقائع أيامه فقد كتب كتابا إلى من بعده بحوادث دهره ، ومن قبل ما شاهد فقد أشهد على أحوال أهل عصره ما لم يكن فى عصره.

ومن كتب التاريخ فقد أهدى إلى من بعده أعمارا ، وبوأ مسامعهم وأبصارهم ديارا ما كانت لهم دارا ، وأسكن أهل الآفاق ببلاد ما كانت لهم مستقرا ولا دارا ...

فإننى إن أرى الديار بعينى

فلعلى أرى الديار بسمعى

ولقد أفادنا الأمم الماضون بأخبارهم ، وأطلعونا على ما دثر وبقى من آثارهم ، فأبصرنا ما لم نشاهده بأبصارهم ، وأحطنا بما لم نحط به خبرا من أخبارهم ، فرحمهم‌الله تعالى أجمعين ، وبوأهم جنات عدن فيها خالدين ، لقد غرسوا حتى أكلنا ، وإننا لنغرس حتى تأكل الناس بعدنا ، فأردنا إفادة من بعدنا ببعض ما رأينا وشهدنا ، وإعلامهم ببعض ما شاهدنا وعهدنا وعلمنا من الدعاء لهم والاسترحام ، وطلبنا للمثوبة من الله البر السلام [](١) :

لم يبق منا غير آثارنا

وتنمحى من بعد أخلاق

وكلنا مرجعنا للغنى

وإنما الله هو الباقى

تنبيه :

لا يخفى على ضمائر أولى الأبصار ، وخواطر أهل الفضل الباهر ؛ أن المسجد الحرام الذى هو حرم آمن للأنام ؛ زاده الله شرفا وتعظيما ومنحة وعزا وعظمة ومهابة وتكريما ، أعظم مساجد الدنيا ، وأشرف مكان خصّه الله تعالى بالشرف والعلياء ، يجب تعظيمه وتكريمه على كافة الأنام ؛ لا سيما سلاطين الإسلام ؛ الذين هم ظل الله فى العالم ، وخلائف الله فى الأرض على كافة بنى آدم.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين مسح فى (س) مما يشير إلى أن الناسخ ربما أراد أن يضيف شيئا.

٣٠

وقد بنى هذا المسجد ووسعه عدة من الخلفاء ؛ أمراء المؤمنين ، ونمقه ورسمه جملة من أكابر السلاطين ؛ كما سنشرحه ؛ إن شاء الله تعالى.

وقد كان آخر ما شاهدنا من آخر أيام الصبا إلى الكهولة : ما عمره المهدى (١) العباسى ، وزيادة دار الندوة للمعتضد العباسى (٢) ، وزيادة باب إبراهيم للمقتدر (٣) العباسى.

ثم مالت الأروقة الثلاثة من الجانب (٤) الشرقى من المسجد الحرام من سنة ٩٠ ، وفارق السطح المتصل برباط المرحوم السلطان قايتباى ، والمدرسة الأفضلية لصاحب اليمن ؛ التى صارت الآن من وقف الخوجا ابن عباد الله ، وصاروا يرسمون ذلك من جانب السلطنة الشرعية ، فى أيام السلطان الأعظم الأكرم السلطان سليمان خان عليه من الله الرحمة والرضوان ، إلى أن مال

__________________

(١) المهدى ؛ هو : أبو عبد الله محمد بن أبى جعفر المنصور محمد بن على بن عبد الله الهاشمى العباسى ، وهو الثالث من خلفاء بني العباس ، وأمه : أم موسى بنت منصور الحميرى ، ولد سنة ١٢٧ ه‍. وقال الخطى : ولد سنة ١٢٦ ، بويع بالخلافة بعد موت أبيه المنصور بعهد منه إليه ، وكان المهدى مليحا محببا إلى الرعية ، خطاما للزنادقة يتتبعهم ويقتلهم فى كل بلد ، بنى جامع الرصافة ، وكسا الكعبة القباطى والخز والديباج ، وطلى جدرانها بالمسك والعنبر من أسفلها إلى أعلاها ، ولى طبرستان قبل الخلافة. توفى سنة ١٦٩ ه‍. تاريخ الخميس : ٢ / ٣٢٩ ، ٣٣٠.

(٢) المعتضد ؛ هو : أبو العباس أحمد ابن ولى العهد الموفق بالله طلحة بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بالله محمد بن الرشيد هارون الهاشمى العباسى ، ولد سنة ٢٤٢ ه‍ ، وكان المعتضد هذا آخر من ولى الخلافة ببغداد من بنى العباس ، وكانت مدة خلافته تسع سنين وتسعة أشهر ونصف ، وفى سيرة مغلطاى : عشر سنين وتسعة أشهر وثلاثة أيام ، وقيل : تسع سنين وسبعة أشهر واثنين وعشرين يوما ، وعاش أربعين سنة. تاريخ الخميس : ٢ / ٣٤٤ ، ٣٤٥.

(٣) المقتدر ؛ هو : أبو الفضل جعفر بن ولى العهد الموفق طلحة بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون الهاشمى العباسى ، وهو السادس من خلفاء بنى العباس ، خلع من الخلافة مرتين ، أمه : أم ولد اسمها شعب ، بويع بالخلافة بعد موت أخيه المكتفى وعمره أربع عشرة سنة ، قال الذهبى : وعمره ثلاث عشرة سنة وأربعون يوما ، ولم يل الخلافة صبى قبله ، وضعفت الخلافة فى أيامه. قتل فى السابع والعشرين من شوال سنة عشرين وثلثمائة سنة ٣٢٠ ه‍. تاريخ الخميس : ٢ / ٣٤٥ ـ ٣٥١.

(٤) فى (س) : جانب.

٣١

هذا الجانب الشرقى ميلا ظاهرا محسوسا ، بحيث كان يخشى سقوطه ، ثم علق ، وأسند بالأخشاب فى أيام السلطان الأعظم والخاقان الأجل الأكرم ؛ ملك ملوك العصر والزمان ؛ الحكم السليم الكثير الإحسان ؛ السلطان السليم خان بن السلطان سليمان خان ، أنزل الله عليه شبائب الرحمة والغفران ، فعرض ذلك عليه ، فبرز أمره الشريف ببناء جميع المسجد من جوانبه الأربع على أحسن وضع وأجمل صورة ، وأمر أن يجعل مكان السطح قببا محكمة راسخة الأساس ، لأن خشب السقف يبلى بتقادم الزمان ، وتأكله الأرضة ، والقبب أمكن وأزين وأحسن ، وذلك فى سنة ٩٧٩ ه‍.

فلما وصل الحكم الشريف ، شرع فيه لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة ٩٨ ه‍ ، على وجه جميل بغاية الإحكام والإتقان ، وأسس على التقوى من الله ورضوان ، إلى أن نقل من سرير سلطنة الدنيا إلى ملك لا يبلى وعز لا يفنى وسلطان لا يزول ونعيم لا ينفذ ولا يحول ؛ (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)(١).

ثم أكمل إتمام عمارة المسجد الحرام فى أيام دولة السلطان الأعظم الهمام الأجل عظما ملك ملوك الإسلام ، سلطان سلاطين الأرض ، مالك بساط البسيطة بالطول والعرض ، القائم بوظائف النفل والسنة والفرض ؛ جدار تدكار العلام ، وسلطانه ، وأمير المؤمنين ؛ الذى جلس على كرسى الخلافة ، فما قدر كسرى وإيوانه الذى غذى بلسان حب العدل والإحسان ، ونشأ على طاعة الله وعبادته منذ كان وإلى الآن ، وأحب العلماء والصلحاء ، وأمدهم بالخيرات الحسان ، إلى أن عجز عن القيام بحق شكره لسان كل ملسان ، مجدد معالم المسجد الحرام هو وأبوه وجده ، ومشيد مدارس العلوم الدينية ، وقد شملها سعده وجده ، ناشر ألوية الأمن والأمان فى جميع الممالك والبلاد ، ظل الله الممدود على كافة العباد ؛ السلطان الأعظم ، والليث

__________________

(١) الآية رقم ١٣ من سورة الغاشية ، مكية.

٣٢

الغشمشم ، والبحر العطمطم ؛ السلطان مراد ، جعل الله تعالى السلطنة والخلافة كلمة باقية فيه وفى عقبه إلى يوم التناد ، وأزال بنور عدله ظلم الظلم والفساد ، وشتت بسيف قهر شمله أهل الكفر والإلحاد ، وهدم بمعاول بأسه وسطوته الكنائس والبيع ، وعمر بصيت معدلته وصيب عدله ورأفته المساجد والجمع ؛ كما قال الله القوى القاهر فى محكم كتابه العظيم الباهر : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)(١).

وفى ذلك أقول :

إن سلطاننا مراد كظل الله فى الأر

رض ظاهر السلطان

ملك صار من مضى من ملوك الأر

رض لفظا وجاء عين المعانى

ملك وهو فى الحقيقة عندى

ملك صيغ صيغة الإنسان

ملك عادل ، فكل ضعيف

وقوى فى حكمه سيان

سيفه والمنون طرفا رهان

لحلوق العدو يبتدران

كمل المسجد الحرام حيا

فاق فى العالمين كل المبانى

هكذا هكذا وإلا فلا

إنما الملك فى بنى عثمان

ولما كان هذا البنيان العظيم الأركان أثرا باقيا على صفحات الزمان دلالا على عظم شأن من أمر به من أعيان الإنسان ؛ كما أشار إليه القائل فى سالف الزمان ؛ شعر :

إن البناء إذا تعاظم أمره

أضحى يدل على عظيم البانى

جمعت فى هذه الأوراق من أخبار ذلك بما رقّ وراق ، تسير به الركبان إلى سائر الآفاق ، وتسير فى صفحات الدهر كشمس الإشراق ، وتحفظ فى خزائن الملوك والسلاطين كأنفس الأغلاق.

وكان كتابا حسنا فى بابه ، ممتعا لمن تعلق فى أسبابه ، أنيسا تحلو (٢) مؤانسته

__________________

(١) الآية رقم ١٨ من سورة التوبة ، مدنية.

(٢) فى (س) : تحل.

٣٣

وجليسا لا تمل مجالسته ، جمع ما بين لطائف تاريخية ، وأحكام شرعية ، وفوائد (١) بارعة ، ومواعظ نافعة ، وسميته : «الإعلام بأعلام بيت الله الحرام».

وخدمت به خزائن كتب هذا السلطان الأعظم ، الشاب الأعدل الأكرم ، المطيع لأمر الله وأمر خير الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أحد السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة تحت ظله ، ويشملهم بفيض فضله العظيم ، فلا فضل إلا فضله ، خلد الله تعالى على الإسلام والمسلمين ظلال سلطانه (٢) القوى المتين ، لتأييد هذا الدين المبين ، وأنام الأنام فى ظل عدله وأمانه المكين ، وأبقاه على سرير السلطنة العادلة دهرا طويلا ، وثبته على نهج الكتاب والسنة : (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً)(٣).

والله أسأل أن يكسو هذا المؤلّف حسن القبول جلبابا لا يخلق كر الليالى والأيام ، ويجعلنا من المقبولين فى بابه العالى ، الفائزين بالنظر إلى وجهه الكريم فى دار السلام ؛ آمين.

وقد رأينا أن نقسم هذا الكتاب المستطاب إلى مقدمة ، وعشرة أبواب ، وخاتمة ، والأبواب إلى فصول بحسب الاحتياج إليها ، وإلى الله المرجع والمآب.

* الباب الأول : فى ذكر وضع مكة المشرفة ؛ شرفها الله تعالى ، وحكم بيع دورها ، وإجازتها ، وحكم الجاورة بها.

* الباب الثانى : فى بيان الكعبة المعظمة ؛ زادها الله شرفا وتعظيما.

* الباب الثالث : فى بيان ما عليه وضع المسجد الحرام فى الجاهلية وصدر الإسلام.

* الباب الرابع : فى ذكر ما زاد العباسيون فى المسجد الحرام.

__________________

(١) فى (س) : وفائد.

(٢) فى (س) : سلطنة.

(٣) الآية رقم ٦٢ من سورة الأحزاب ، مدنية.

٣٤

* الباب الخامس : فى ذكر الزيادتين اللتين زيدتا فى المسجد الحرام بعد التربيع الذى أمر به المهدى (رحمه‌الله تعالى).

* الباب السادس : فى ذكر ما عمره ملوك الجراكسة فى المسجد الحرام.

* الباب السابع : فى ظهور ملوك آل عثمان خلد الله سلطنتهم إلى انقطاع الدوران.

* الباب الثامن : فى دولة السلطان المحفوف بالرحمة والرضوان ؛ السلطان الأعظم سليمان خان الثانى.

* الباب التاسع : فى دولة السلطان الأعظم الخاقانى ؛ السلطان سليم.

* الباب العاشر : فى سلطنة سلطان فريد العصر والزمان مولانا السلطان مراد خان.

* الخاتمة : فى ذكر المواضع المباركة ، والأماكن المأثورة المشرفة.

* * *

٣٥
٣٦

المقدمة

فى ذكر سندنا فيما ننقله فى كتابنا هذا من أخبار

بلد الله الحرام إلى من ينقل عنه الوقوف والاعتماد

اعلم أن من بركة العلم نسبته إلى قائله ، وما لم يكن هناك سندين الناقل والراوى ومن ينقل عنه ، فلا اعتماد على ذلك النقل ، ولا بد أن يكون رجال السند موثقا بهم وإلا فلا اعتبار لتلك الرواية.

وأقدم مؤرخى مكة : أبو الوليد محمد بن عبد الكريم الأزرقى (١) ، ثم الإمام أبو عبد الله ؛ محمد بن إسحاق بن العباس الفاكهى (٢) ، ثم قاضى القضاة ؛ السيد تقى الدين محمد بن أحمد بن على الحسينى الفاسى (٣) ، ثم المكى ، ثم الحافظ نجم الدين عمر بن محمد بن فهد الشافعى العلوى المكى ، ثم ولده الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عمر بن فهد. وهذا الأخير ممن أدركناه ، ولنا عنه رواية.

فأما الأولون : قنذكر سندنا إليهم ليعتمد على نقلنا عنهم.

فأما أبو الوليد الأزرقى : فروينا مؤلفاته عن جماعة أجلاء أخيار وعلماء كبار ؛ منهم:

__________________

(١) الأزرقى : محمد بن عد الله بن أحمد بن محمد بن الوليد بني عقبة بن الأزرق المزيقى ؛ أبو الوليد الأزرقى المكى المتوفى سنة ٢٤٤ ، صنف تاريخ مكة شرفها الله تعالى وأخبارها وجيالها وأوديتها كتاب كبير قمنا بتحقيقه مع الباحث عادل عبد الحميد العدوى ، والباحث أشرف أحمد الجمال ، والباحث نادى رجب تحت إشراف الأستاذ سعيد عبد الفتاح. انظر : مقدمتنا عن المؤلف فى الكتاب المذكور آنفا ، وانظر أيضا : هدية العارفين : ٦ / ١١.

(٢) الفاكهى : محمد بن إسحاق بن العباس الفاكهى ؛ أبو عبد الله المكى الإخبارى ، المتوفى فى حدود سنة ٢٨٥ ه‍. صنف تاريخ مكة المكرمة وأخبارها فى الجاهلية والإسلام. هدية العارفين : ٦ / ٢٠.

(٣) الفاسى : تقى الدين محمد بن أحمد بني على الحسنى الفاسى ، المتوفى سنة ٨٣٢ ه‍ له كتب عدة ، أهمها : العقد الثمين ، وشفاء الغرام ، وقد قمنا بتحقيقه والصديق أشرف الجمال والصديق عادل عبد الحميد تحت إشراف الأستاذ سعيد عبد الفتاح ، وهو كتاب كبير. انظر : مقدمتنا عن المؤلف ، وانظر أيضا : كشف الظنون : ٢ / ١٠٥١ ، ١٠٥٢.

٣٧

والدى المرحوم ، مولانا علاء الدين أحمد بن محمد قاضى خان بن بهاء الدين بن يعقوب الحنفى القادرى الخرقانى (النهروانى) (١) ثم المكى (رحمه‌الله تعالى) ، وليس جدنا هذا قاضى خان صاحب الفتاوى المشهورة من علماء مذهبنا ، بل هذا غير ذاك من علماء نهروانه (يرحمهم‌الله تعالى) ، قال : أخبرنا بها : العز ؛ عبد العزيز بن فهد ، عن والده الحافظ نجم الدين عمر ابن فهد ، عن شيخه قاضى القضاة ؛ السيد تقى الدين محمد بن أحمد بن على الفاسى ؛ المؤرخ ، قال : أخبرنا بها أبو المعالى عبد الله بن عمر الصوفى ، عن أبى زكريا ؛ يحيى بن يوسف القرشى ؛ إجازة : أن أبا الحسن ؛ على بن هبة الله الخطيب ، وعبد الله بن ظافر الأزدى ، قال : أنبأنا على بن طاهر ، أحمد بن محمد الحافظ ، قال : أنبأنا بها المبارك بن عبد الجبار ، المعروف ب : ابن الطيورى ، قال : أنبأنا بها أبو طالب محمد بن على ابن الفتح العشارى ، قال : أنبأنا بها أبو بكر ؛ أحمد بن محمد بن أبى موسى الهاشمى ، قال : أنبأنا بها أبو إسحاق ؛ إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمى ، قال : أنبأنا بها أبو الوليد ؛ محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد الوليد الأزرقى (رحمه‌الله تعالى).

وأما أبو عبد الله ؛ محمد بن إسحاق الفاكهى : فإنى أروى مؤلفه عن الحافظ المسند المعمر ، خطيب بلد الله الحرام ، أحمد مجد الدين بن أبى القاسم محمد العقيلى العزيرى المكى (تغمده الله برحمته) قال : أنبأنا المسند المعمر أبو العباس ؛ أحمد بن محمد الدمشقى الشهير بالخفار ؛ إجازة ، قال : أنبأتنى المسندة المعمرة زينب بنت أحمد بن عبد الرحيم ؛ إجازة ، قال : أنبأنى به الحافظ المسند بهاء الدين ؛ أبو الحسن على بن هبة الله ؛ سبط الحميرى ؛ إجازة ، قال : أنبأنا الحافظ المسند أبو طاهر أحمد بن محمد السلفى ؛ إجازة ، قال : أنبأنا به الحافظ محمد بن أحمد النجيبى ؛ كتابة ، قال : أنبأنا به الحافظ أبو على الحسين بن محمد الحبانى الغسانى ؛ أحد أركان الحديث بقرطبة ، قال : أنبأنا به الحافظ الحكم بن محمد الخذامى ، عن أبى القاسم ابن أبى غالب الهمدانى ، عن أبى الحسن الأنصارى (رحمه‌الله تعالى) ، عن مؤلفه.

__________________

(١) أثبتها المؤلف باللام. انظر ما قلناه فى المقدمة حول (نهروان).

٣٨

الباب الأول

فى ذكر وضع مكة المشرفة شرفها الله تعالى

وحكم بيع دورها. وإجارتها ، وحكم المجاورة بها

اعلم أن بلد الله الحرام ؛ مكة المشرفة ، زادها الله شرفا وتعظيما بلدة كبيرة مستطيلة ، ذات شعاب واسعة ، ولها مبدؤ ونهاية.

فبدؤها : المعلاة ؛ وهى : المقفرة الشريفة.

ومنتهاها : من جانب جدة ؛ موضع يقال له : الشبيكة.

ومن جانب اليمن ؛ قرب مولد سيدنا حمزة (رضى الله تعالى عنه) فى لصق مجرى العين ، ينزل إليه من درج له يقال له : البازان.

وعرضها من وجه يقال له الآن : جبل جزل إلى أكثر من نصف جبل أبى قبيس. ويقال لهذين الجبلين : الأخشبان ، وسماهما الأزرقى جبل أبى قبيس والجبل الآخر فإنه قال : «خشبا أبى قبيس ؛ وهو : الجبل المشرف على الصفا ، والآخر : الجبل الذى يقال له : الأحمر ، وكان يسمى فى الجاهلية الأعرف ؛ وهو : الجبل المشرف على قعيقعان ، وعلى دور عبد الله بن الزبير» انتهى ، فيكون قعيقعان مما يشرف عليه الجبل المقابل لأبى قبيس.

قال ياقوت فى معجم البلدان (١) : «قعيقعان : جبل مشرف على مكة وجهه إلى أبى قبيس». انتهى. فيكون قعيقعان ؛ هو : نفس الجبل ، وإنما سمى الآن جبل جزل ؛ بكسر الجيم ، وفتح الزاى ، وتشديد اللام ، لأن

__________________

(١) معجم البلدان : للشيخ أبى عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموى الرومى البغدادى منشأ المتوفى سنة ٦٢٦ بحلب ، وله مختصر لصفى الدين عبد المؤمن. كشف الظنون : ٢ / ١٧٣٣.

٣٩

طائفة من الحبوش يقيمون بهذا الجبل ؛ يسمون بهذا الاسم ، يلقبون فيه بالطبل». انتهى.

وأما موضع الكعبة المعظمة ؛ فهو وسط المسجد الحرام ؛ والمسجد الحرام بين هذين الجبلين ؛ فى وسط مكة ، ولها شعاب كثيرة مزورة إذا أشرف الإنسان من جبل أبى قبيس ؛ لا يرى الإنسان جميع مكة ؛ بل يرى أكثرها. وهى : تسع خلقا كثيرا خصوصا فى أيام الحج ؛ فإنه يرد إليها قوافل عظيمة : من مصر ، والشام ، وحلب ، وبغداد ، وبصرة ، والحشا ، ونجد ، واليمن ، ومن بحر الهند ، والحبشة ، والشجر ، وحضرموت ، وغربان جزيرة العرب طوائف لا يحصيهم إلا الله تعالى ، فتسعهم جميعهم ، وأفنيتها ، وجبالها ، ووهادها.

وهى : تزيد عمارتها وتنقص بحسب الأزمان ، وبحسب الولاة ، والأمن ، والخوف ، والغلاء والرخاء.

وهى الآن بحمد الله تعالى فى دولة السلطان الأعظم والفياض الأكرم :معمر هذا العالم بالعدل والفضل والكرم السلطان مراد خان : خلد الله ملكه ، وجعل بساط البسيطة ملكه ، فى أعلى درجات العمارة والأمن والرخاء ؛ بحيث ما رأينا من أول العمر إلى الآن هذه العمارة ولا قريبا منها.

وكنت أشاهد قبل الآن فى زمن الصبا خلو الحرم الشريف ، وخلو المطاف من الطائفين ، حتى أنى أدركت الطواف وحدى من غير أن يكون معى أحد ، مرارا كثيرا كنت أترصد خليا ؛ لكثرة ثواب بأن يكن الشخص الواحد يقوم بتلك العبادة وحده فى جميع الدنيا ؛ وهذا لا يكون إلا بالنسبة إلى الإنسان فقط.

وأما الملائكة لا يخلو منهم المطاف ، بل يمكن أن لا يخلو عن أولياء الله تعالى : ممن لا تظهر صورته ؛ ويطوف خافيا عن أعين الناس ، ولكن لما كان ذلك خلاف الظاهر صار يثاب على أداء هذه العبادة بالانفراد ظاهرا كثير من الصلحاء.

٤٠