الخراج وصناعة الكتابة

قدامة بن جعفر

الخراج وصناعة الكتابة

المؤلف:

قدامة بن جعفر


المحقق: الدكتور محمد حسين الزبيدي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الرشيد للنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٣

الباب الاول

في ذكر ديوان الجيش

قال قدامة : أول ما ينبغي أن نبتدئ به ، من أمر هذا الديوان [في](١) [ذكر](٢) مجالسه ، وتبين أسمائها ومعانيها ، ثم نتلو ذلك بالاعمال ، التي يدعو فيه اليها فنقول : ان قسمة هذا الديوان ، يكون على مجالس منها ، الديونان اللذان ذكرناهما فيها ومنها ما يختص باسم ... (٣) بهما دونهما. فأما ما يشارك فيه ما تقدم من المجالس والانشاء والتحرير والاسكدار (٤) ، وقد شرحنا من أحوال هذه المجالس ، بديوان الخراج ما فيه كفاية.

وأما ما يختص به مما لا يشاكل شيئا مما تقدم ذكره ، الا بالمقاربة لما وصفناه من حال بعض أعمال الجيش ، في ديوان الخراج ، فهما مجلسان ، يسمى أحدهما مجلس التقرير والاخر مجلس المقابلة. والذي يجري في أمر التقرير ، فهو أمر استحقاقات الرجال ، والاستقبالات [و](٥) أوقات اعطياتهم ، وسياقة أيامهم ، وشهورهم على رسومها ، وعمل التقدير ، لما يحتاج الى اطلاقه لهم من الارزاق. في وقت وجوبها ، وتجريد النفقات التي تنفد لوجوهها ، والنظر في موافقات المنفقين ، واخراج جراياتهم وما شاكل (٦)

__________________

(٨) اضيفت من ت ، س.

(٩) بياض في النسخ الثلاث وأضيفت حتى يستقيم الكلام.

(١٠) بياض في جميع النسخ.

(١١) الاسكدار : كلمة فارسية (أذكوداري) ومعنى ذلك ، من أين تمسك وهو مدرج يكتب عدد الخرائط والكتب الواردة والنافذة وأسماء اربابها. الخوارزمي : مفاتيح العلوم ص ٥٠.

(١٢) حرف يقتضيه سياق الكلام.

(١٣) في ت ، س : وما لتأكل.

٢١

هذه الأشياء وجانسها. ومجلس التقرير ، بديوان الجيش [يكون](١) [اليه الرجوع ، في أكثر أعماله ، ومجراه في ديوان الجيش](٢). مجلس الحساب من ديوان الخراج.

وقد ذكرنا مجلس الجيش ، بديوان الخراج من رسوم (٣) الرجال ، في الاطماع (٤) والشهور ما فيه كفاية ، يغني عن [مثله](٥) في هذا الوضع.

__________________

(١٤) بياض في النسخ الثلاث ، وأضيفت.

(١٥) ليست في ت.

(١٦) الرسم جمعه رسوم : ويراد بها معنيان :

الاول : مجموعة العادات المتبعة في مقابلة الناس أو معاملتهم في شؤون الالفة ، وهذا ما يعرف بالفرنسية (ايتكيت).

الثاني : مجموع الاحتفاء بالناس في امور السياسة والقيام بها وفي مقابلة الملوك وعظماء الدول وهذا ما يعرف بالفرنسية (بروتوكول) ومن كلمة الرسوم هذه ، اشتق الاتراك العثمانيون كلمة (مراسم) للدلالة على معنى قريب من معنى (البروتوكول) ومن كلمة (الرسم) جاءتنا كلمة (الرسمي) ، اجتماع رسمي (ورسمية) و (مرسوم) وصدر مرسوم.

وهناك لفظة مشابهة للفظة (الرسم) هي (الائين) وهي كلمة فارسية منحدرة عن أصل قديم من اللغة الفهلوية ومعناها المشهور القاعدة او الدستور او الطريقة ، او القانون. قال المسعودي :

(تفسير آئين نامه كتاب الرسوم) ويعني بذلك التقاليد والدساتير.

وشاعت لفظة (الائين) في العصر العباسي ، وتوسعوا في معناها حتى اطلقوها على معنى العادة. انظر : الاشتقاق والتعريب ص ٩٢. دوزي ج ١ ص ٥٢٧.

(١٧) الاطماع ـ وتسمى الرزقات في ديوان الجند في العراق ومفردها رزقة بفتح الراء لانها المرة الواحدة من الرزق وجاء في كتاب البرهان في وجوه البيان ، لابن وهب الكاتب : الطمع : هو الوقت الذي يستحق فيه الجاري. أي أوقات قبض ارزاقهم.

(١٨) بياض في الاصل : والاضافة من س.

٢٢

اذ كنا انما جعلنا هذا الكتاب منازل تكون كل منزلة ، منها كالمقدمة للتي بعدها. فأما ما يجري في مجلس [المقابلة](١) فهو النظر في الجرائد (٢) ، وتصفح الاسماء ، ومنازل الارزاق ، والاطماع ، والخراج [بالخلائق](٣) فيما يرد من دفوع المنفقين ، ويصدر ويرد من الكتب ومنهم (٤) ..

من يجري هذا المجلس ، في ديوان الجيش مجرى مجلس التفصيل ، من ديوان الخراج الذي ذكرنا أحوال [ما يجرى](٥) فيه ، من الاعمال. وينقسم كل مجلس منها من مجالس ديوان الجيش الى العساكر ، مثل ، العسكر المنسوب الى الخاصة ، والعسكر المنسوب الى الخدمة ، وما [في](٦) النواحي من البعوث. ومن كان حافظا لما ذكرناه في مجلس الجيش ، بديوان الخراج ، أطرد له العمل في الجيش ، على تلك السياقة فقد رسمنا (٧) هناك ما اذا جرى الامر بحسبه ، كان فيه بلاغ وكفاية ، بل يبقى مما لم نذكر في ذلك الموضع ، لعملنا على ذكره في موضعه من ديوان الجيش ، حلى الرجال ، وشيات الخيل ، والبغال ، فيمكن الان حيث نأخذ في تعريف ما يستعمله (٨) الكتاب ، من وصف الحلى ، وشيات (٩) الدواب على ما جرت

__________________

(١٩) بياض في الاصل والاضافة من ت.

(٢٠) الجرائد : جمع جريدة : وهي دفاتر يكتب فيها اسماء الرجال (الجند) وانسابهم واجناسهم وحلاهم ومبالغ ارزاقهم ، وقبوضهم وسائر احوالهم. والاصل الذي يرجع اليه في هذا الديوان في كل شيء ، وتسمى الجريدة السوداء في بعض الاحيان. مفاتيح العلوم ص ٣٨.

(٢١) بياض في الاصل والاضافة من ت ، س.

(٢٢) جاءت في النسخ الثلاث ، منهم.

(٢٣) بياض في الاصل والاضافة من ت ، س.

(٢٤) بياض في الاصل والاضافة من ت ، س.

(٢٥) في س : رحمنا.

(٢٦) في ت ، س : ما تستعمله الكتاب.

(٢٧) شيات الدواب : الشيات جمع شية وهي العلامة أو اللون.

٢٣

به عادتهم والفوه ، وان كان بعض ذلك لا يوافق ما عليه مجرى اللغة ، فانا لو ذهبنا الى تغيير ما لا يجوز في لغة العرب مما قد ألف الكتاب استعماله لتعدينا ما يعرفونه ، ويعملون عليه ، وجئنا (١) بما يشكره أكثرهم ويخالف ما جرت به عادتهم ، وليس كل ما يستعمله الكتاب خارجا عن مذهب اللغة ، لكن القليل منه وسيذكر في موضعه ان شاء الله.

أما حلي الرجال ، فأنهم تعودوا (٢) ان يبتدئوا في حلية كل رجل بأن يذكروا سنه ، فيقولون : أما صبي ، وأما حين يقل وجهه ، وحين [يظهر شاربه ، أو شاب](٣) أو مجتمع للكهل ، وليس يكادون يستعملون [دون](٤) الشيخ في الحلى ، وليس من هذه الصفات ، ما يجرى على غير عادت العرب ولغتها. ثم يتبعون ذكر السن باللون ، فيقولون : في كل أبيض أسمر تعلوه حمرة (٥) الا الاسود فأنهم يقولون ، أسود ويحذفون تعلوه حمرة (٦) ، وهذا أيضا جار على مذهب كلام العرب. فان من عادة العرب أن يقولوا : لم يبق منهم أحمر ولا أسود ولا يقولون أبيض ولا أسود. كما يقولون : لم يبق منهم بيت مدر ولا وبر ، ولا يقولون : شعر ثم يتبعون ذكر اللون نعوت الوجه ، فيقولون : واسع الجبهة ، أو ضيق الجبهة. فان كان بها غضون. قيل : وبها غضون. وان كان بها نزع أو جلح (٧) ذكر ، فقيل : أنزع وأجلح. وينعت الحاجبان ، فيقول : مقرون (٨)

__________________

(٢٨) في س : يشتره.

(٢٩) في س : يعوده.

(٣٠) ليست في ت ، س.

(٣١) بياض في الاصل والاضافة من ت ، س.

(٣٢) في الاصل : يعملوه.

(٣٣) في س : محرة.

(٣٤) اجلح : انحسر شعره عن جانبي رأسه.

(٣٥) مقرون : هو ان يطول الحاجبان حتى يلتقيا.

٢٤

وان كان بني القرن ، وان كان ذلك خفيا ، قيل : مقرون خفي ، وان كان أبلج (١) الحاجبين قيل ، أبلج (٢) الحاجبين. وان كان بينهما من الغضون كالخط ، قيل : خط. ثم يقال : في العين اذا كانت واسعة ، قيل : واسع العينين ، أو صغيرهما ، صغير العينين. وان كان بهما شهل ، أو زرق ، قيل : أشهل أو أزرق ، واذا كان بهما جحوظ أو غور ، قيل : جاحظهما ، أو غائرهما ، ثم يقال : في الانف ، طويل أو قصير ، أو أخفس ، أو أفطس ، وينعت بأحواله ، فيقال : منتشر المنخرين ان كانا كذلك ، أو يقال : وارد الارنبة وورود الارنبة ، هو أن يكون المنحازة على جملة الانف لغلظ فيها. ثم ينعت الوجنتان نتوء ان كان فيهما (٣) ، فيقال : ناتئ الوجنتين ، أو يقال : سهل الخدين ، أو مضموم الخدين ، ثم يقال : في الشفتين ان كانتا غليظتين ، قيل : غليظ الشفتين. وان كان في العليا شق بالطول ، قيل : أعلم. ثم يقال : في الاسنان ان كانت فلجا ، قيل : أفلج. وان كانت طوالا جدا ، قيل : أشغى (٤). وان كانت صغارا متحاتة ، قيل : أكس (٥) ، وان كانت متراكبة ، قيل : متراكب الاسنان. وان كان منها شىء مقلوع ، قيل : مقلوع كذا. وذكر المقلوع. فان كان من العليا ، قيل : أما الثنية ، أو الرباعية ، أو الناب العليا ، وان كانت من السفلى ، قيل : السفلى ، وان كانت كلها مقلعة ، قيل : أقضم (٦). ثم يقال : في اللحية والسبال ، ان كانا صهباوين ، وقيل ، أصهب

__________________

(٣٦) أبلج : هو ان ينقطع الحاجبان ويكون ما بينهما نقيا من الشعر.

والعرب تستحسنه وتمدح به ويكرهون المقرون (المخصص ج ١ ص ٩٢)

(٣٧) تكرار في الجملة في س ، ت وهي زيادة من الناسخ.

(٣٨) في س : فيها.

(٣٩) اشغي : السن الشاغية هي الزائدة على الاسنان ، وهي التي تخالف نبتتها نبتة غيرها من الاسنان يقال : رجل اشغى وامرأة شغواء.

(٤٠) في س : اكمس. جاء في فقه اللغة (الكس صغرها) ص ١٦٧.

(٤١) في ت ، س : اقصم.

٢٥

اللحية : وان كان مثقوب الاذن ، أو الاذنين ذكر ذلك ، فقيل : مثقوب الاذنين. وان كان به جدري ظاهر ، قيل : مجدور ، وان كان قليلا ، قيل :في وجهه نبذ جدري. ثم يؤخذ في الاعمدة (١) ، فان كانت العين ذاهبة ، قيل : أعور العين اليمنى ، أو اليسرى ، وان كانت الاذن مقطوعة ، قيل : مصلوم الاذن ، أما اليمنى أو اليسرى ، وان كانت كلاهما مقطوعتين ، قيل : مصلوم الاذنين. ومن الاعمدة (٢) الخيلان (٣) ، فيذكر. منها ما بالوجه ، أو بصفحة الانف ، ويحدد ذلك بوضعه وبلونه ، فيقال : أخضر ، وأحمر ، وان كان ذلك بالذراع ، قيل : بباطن ذراعه ، أو ظاهر ذراعه ، وان كان ذا زيادة في أصابعه ، حلي ذلك وذكرت الزيادة. وان كان به وشم ، قيل : به وشم ، ويذكر موضعه ، فيقال : بباطن ذراعه أو بظاهره ويذكر لون الوشم ، فيقال : أخضر أو أحمر. وان كانت كتابته تقرأ ، ذكرت ولم يحل ما تدل عليه القراءة منها. وكلما كثرت الاعمدة وهي العلامات القوية المشهورة التي لا تكاد توجد في كل أحد كان ذلك أثبت للحيلة وأجدر أن لا يدخل على المحلى بها بديل غيره.

فأما شيات (٤) الدواب فان أول ما يبتدأ به ذكر نوع الدابة ، فيقال : فرس ان كان من الخيل (٥) ، أو شهري ان كان شهريا أو برذونا ، أو انتى منها ، فيقال : جمر وان كان بغلا ذكرا قيل بغل وان كانت بغلة ذكرت ،

__________________

(١) في س : الاغمدة.

(٢) الاعمدة : العلامات الفارقة.

(٣) الخيلان : جمع خال ، الشامة السوداء.

(٤) الشيات ، الشية : كل لون يخالف معظم لون الفرس. المخصص ج ٦ ص ١٥٣.

(٥) في س : الجيل.

٢٦

ثم تذكر (١) اللون فيقال كميت (٢) أو أشقر ، أو أدهم (٣) ، أو أشهب ، أو أصفر او ورد ، او رضابي ، او أبرش ، او أبلق. ولكثير من الالوان أنحاء ينصرف اليها. فالكميت يكون منه الاحوى ، وهو ذهاب من لونه نحو السواد ، وأحمر ، وخلوقي ، والاشقر يكون أصدى وهو ذهاب من لونه نحو الحوى (٤) ، والاشهب يكون قرطاسيا ويكون مغلسا ويكون أصم بسواد ، أو مكان السواد حمرة وليس يقال في اللغة لما كان بحمرة أحم ، الا أن كتاب الجيش يقولون : أحم بحمرة. والابلق يكون بسواد ويكون بكمته ، أو بشقرة ، فاذا كان بسواد ، قيل : أدهم أبلق ، أو بكمتة ، قيل : كميت أبلق ، أو بشقرة ، قيل : أشقر أبلق ، وهذه هي ألوان الدواب التي تأتي في الاكثر منهما. اللهم الا في الشذوذ ، فان منها الاخضر ، والسمند (٥) وهو الاصفر الاسود العرف والذنب ، ومنها الاخضر ، ومنها الاصحم وهي صفرة تذهب نحو البياض (٦) تسمى خزنج ، والادغم ، وهولون من الخضرة والسواد. ومنها الزرزوري ، وهو قريب من الاشهب الاحم

__________________

(١) في ت : نذكر.

(٢) الكميت : الحصان الذي يكون عرفه وذنبه اسودين. ابن قتيبة : أدب الكاتب ص ١٤٢.

(٣) جاء في نهاية الارب : الدهمة السوداء ، اخضر يشتد سواده فيميل الى الخضرة. الاحوى بين الادهم والاخضر. الفرق ما بين الكميت والاشقر بالعرف والذنب ، فان كانا احمرين فهو اشقر. وان كانا أسودين فهو كميت ، الابلق : اذا أصاب البياض حقويه ومغابنه ومرجع مرفقية ، الابرش ، لاشية به. اشهب ناصع البياض ج ١٠ ص ٢١٢.

(٤) في ت : الحو. وفي س : الحو.

(٥) السّمند : كلمة فارسية تطلق على الخيل ذات اللون الاصفر والاسود العرف والذنب. ابن قتيبة : ادب الكاتب ص ١٤٢.

(٦) في س : تذهب الى نحو البياض.

٢٧

بسواد ، الا ان الحمة انما هي آثار سواد كالمبانية بحمله السواد ، وشعر الزرزوري مشتبك مختلط كأنه شعرة بيضاء وشعرة سوداء (١). وأما الاصفر فهو الاصفر الابيض العرف والذنب ، فاذا أتى لون من هذه الالوان المفردات ذكر ، وان كان مما يتبعه فهو ينصرف اليه ذكر ذلك ، فقيل مثلا : في الكميت ، كميت أحوى ، أو أحمر ، أو خلوقي ، والاصدى ، أشقر أصدى. وكذلك في سائر الالوان ، وفي الاناث ، يقال : حجر دهماء أو شقراء أو غير ذلك من الالوان. الا في الكميت ، فانه لا يقال الانثى منه كمتاء ، لان العرب لا تقول فعلاء للانثى الا لما كان الذكر أفعل. واذا كان لا يقال أكمت للذكر ، لا يقال للانثى كمتاء. وقد أنكر قول امرئ القيس : (ديمة هطلاء فيها وطف) (٢). لانه لا يقال : أهطل الا ان عادة الكتاب قد استمرت على أن يجيزوا ذلك ، فيقولون : في الانثى كمتاء ، وينبغي أن يستعمل ما يستعملون والا فالحق ، أن يقال : حجر كميت ثم يتبع اللون ، بذكر الاوضاح ، فيبتدأ بذكر الغرة ، فيقال : أغر ، وللغرة أشكال تنعت بها ، منها أن تكون (٣) متصلة بالجحلفة ، فيقال : أغر سائل ، وان تكون منقطعة ، فيقال : أغر منقطع ، ومنها أن تكون مائلة الاتصال ، فيقال : أغر شمراخ ، ومنها أن تكون آخذة على جانب الوجه ، لابسة لاحدى العينين ، فيقال : لطليم. ومنها أن تكون مغشية للعينين كلتيهما ، فيقال : أغشى. ومنها أن تكون الغرة عريضة ، فيقال : أغر شادخ ، ومنها أن تكون لمعة في الجبهة فقط ، فيقال : أقرح. فان كان في الجحفلة بياض ، قيل : ارثم. وان كان على السفلى ، قيل : المظ. ثم يؤخذ في الاوضاح في سائر الجسد ، فان كان في الاربع القوائم بياض ، قيل : محجل أربع ، وان كان

__________________

(١) في س : سود.

(٢)

ديمة هطلاء فيها وطيف

طبّق الارض تحرى وتدر

لسان العرب ح ١٥ ص ١٠٤ (ـ مادة دوامه).

(٣) في س : أن يكون.

٢٨

البياض عاليا على الركبتين والعرقوبين ، قيل : محجل مجبب. وان لحق بالبطن حتى يخالطها ، قيل : أنبط ، وان كان التحجيل الى أنصاف الاوظفة قيل : محجل (١) وبتوقيف ، وان نقص عن ذلك حتى يكون غير جائز الاكاليل والاشاعر ، قيل : منعل. وان خلت قائمة بأن يكون فيها بياض ، قيل : مطلق تلك القائمة. أما احدى اليدين أو احدى الرجلين اليمنى أو اليسرى ، وان كانت احدى اليدين والرجل المخالفة لها محجلين ، قيل : محجل شكال. وان كان في الذنب بياض ، قيل : أشعل الذنب. وهذا في الخيل والشهارى والبراذين سواء. وكذلك البغال ، توصف بقريب من هذا ، الا انه ربما كان في ألوان البغال ما ليس يسمى به الخيل. والشهارى من ذلك الديزج وهو الاخضر المائل الى الدهمة (٢) ، ومنه الادغم. وليس يكاد كتاب الجيش يذكرون هذا اللون فيركبون له قولا يدل عليه ، وهو ان يقولوا كميت يشبه الاخضر. واذا كان في وجه البغل أو البغلة (٣) بياض ، مغش له ملابس للون غير منفصل عنه كانفصال الغرة أو القرحة ، قيل : بغل أقمر وبغلة قمراء. واذا كانت في الدابة سمة ، قيل : بموضع كذا سمة ، فان كانت كتابتها مقروءة ، قيل : تقرأ كذا ، وتذكر ما تدل عليه الكتابة. وان كانت علامة وكتبا (٤) حلى ما يوجد الامر عليه من جميع ذلك وان لم يكن بالدابة سمة أصلا ، قيل : غفل. ويقال : ذلك في الذكر والانثى بلفظ واحد (٥). ولكتاب الجيش أحكام تجري على ظلم وألفاظ يقع فيها اللبس على من لم يعتدها. ولا باس بأن نذكر من ذلك ، ما يعلمه المبتدئ بالعمل في الجيش ، لتكون معرفته عنده.

__________________

(١) في س : عجل.

(٢) في س : الذهمة.

(٣) في ت : البغلاء والنعلة.

(٤) في س : او كتبان.

(٥) أنظر موضوع الوان الخيل في أدب الكاتب ص ١٣٩ ـ ١٤٤ حلية الفرسان ص ٨٣ ـ ٩١. نهاية الارب ج ١٠ ص ٥ ـ ١٨. الانوار ومحاسن الاشعار ص ١٣٤.

٢٩

فأما الاحكام الظلمية ، فمثل التقريب الذي هو كالشىء الثابت الواجب ، وذلك ان من ظلم من الرجال عندهم حتى يوخروا ، عطاؤه عن وقت استحقاقه ، فقد صار ما استحقه ناتيا (١) سبيله التوفير ، وكلما تقادم (٢) من زمان الفائت ، يوجب تقديم اطلاق ما أخر منه ، يؤكد عندهم بطوله ووجب سقوطه ، وسنذكر النظر في أمر الجيش ، وكيف ينبغي أن تدبر أمورهم ، وما في تأخر اعطياتهم عنهم ، من الضرر العائد على الملك ، في موضعه من المنزلة الثامنة ، المخصوصة بالسياسة إن شاء الله.

ومن أحكام كتاب الجيش الجارية ، على غير سبيل العدل ، انه لا يجوز عندهم ان يزاد واحد من الرجال ، أكثر من مبلغ رزقه ، [والذي يكون له في وقت زيادته ، حتى كأنه ممتنع أن يكون رزقه](٣) ، في غاية النقصان عن استحقاقه ، ويبلى بلاء حسنا ، فيرى الامام أن يضاعف رزقه ، اضعافا كثيرة ، فضلا عن مرة واحدة ، وهذا أيضا حكم فاسد على غير العدل ، فان نوظروا في ذلك ، لزمهم على المذهب فيمن لا رزق له الا يثبت اذ كان لا شىء هو ، أقل من لا شىء ومما يقارب الظلم ، وفيه استظهار على الرجال ، مما لا يزال كتاب الجيش ، يلزمونه ، بأن يكون ما يدفع الى الرجل من استحقاقه أياه ، في أيام شهر مثله يليه ، حتى يكون للرجل أبدا استحقاق شهر واقفا (٤). ومما يجري هذا المجرى أيضا ، قولهم فيمن نقل عن اسمه وثبته ، أن يكون الاستقبال به الشهر الذي فيه اعطاء نظرائه ، وهذا غير مضبوط ، لانه قد يجوز أن يصل الرجل ، الى الموضع الذي سبيله أن يقبض فيه رزقه ، بعد قبض نظرائه بيوم ، فيحتاج الى ان ينتظر حتى يقبضوا مرة اخرى ، ثم

__________________

(١) في الاصل : نايتا.

(٢) في ت : تقدم.

(٣) ليست في : ت.

(٤) الموقوف من الرزق يناظر عليه أو يستأمر السلطان حسبه.

٣٠

يستقبل به حينئذ الاعطاء ، أو يصل مثلا في اليوم الذي يكون فيه قبضهم بعد مدة منه ، فيكون خلاف حال الاول ، وهذا مخالف للعدل لان سبيل السنن والاحكام العادلة (١) ، أن يكون الامر في جميعها واحدا محصلا غير مفوض الى البحث ، والانفاق ، وما يجوز معه أن تحسن حال واحد وتسوء حال آخر. وأما ما يستعملونه ، من الالفاظ التي يختصون بها ، ويحتاج من أراد العمل في الجيش من الكتاب أن يألفها فمثلا : أن يقولوا : في سقط من سقط من الجند ، انهم سقطوا على الشهر الفلاني ، وليس في الشهور علىّ ، ولا يجب منعهم ما يريدونه من ذلك بنفس اللفظ ، وينبغي أن تفهم من قولهم في مثل هذا الموضع قبل. وأما أحكامهم الجارية على الصواب ، فمنها ما يعملون عليه ، فيما يسمونه الشهور الكوامل ، وذلك أن يكون في تقدير أن عملوه لاموال الجيوش ، استحقاقات تتوافى (٢) الى آخر سنة من السنين ، كما يكون آخر الشهر من شهور الجيش ، واقفا منه قبل [ان](٣) يجدونه فيما يدخلونه ، تقدير مال تلك السنة ، وما يتجاوزها ولو بيوم. مثلا يخرجونه منها ، وان كان الشهر كله الا ذلك اليوم ، واقعا فيها ، لان الاستحقاقات انما يكون بعد مضي جميع أيام الشهر ، واذا بقى بعضها لم يكن الشهر حينئذ مستحقا. ومنها ان الاقتران كان كذلك في أرزاق الجليين (٤) الاحرار ، الذي طمعهم في مائة واثنين وعشرين يوما ، وقبضهم في السنة ثلاثة أطماع. أو التسعينية ، الذين قبضهم في

__________________

(١) في س : العاذلة.

(٢) في س : تتوفى.

(٣) أضيفت حتى يستقيم المعنى.

(٤) جاء في كتاب البرهان بأسم (الحلين) وطمعهم في مائة وعشرين يوما.

ص ٣٦٤.

٣١

السنة أربعة أطماع. والمختارين (١) ، على اثنين وسبعين يوما الذين قبضهم في السنة خمسة أطماع. أو أصحاب المشاهرة ، على ثلاثة وثلاثين يوما الذين قبضهم في السنة أحد عشر شهرا. أو أصحاب النوائب (٢) ، الذين قبضهم في السنة اثنى عشرة نوبة. والصنف الرابع ، الذين قبضهم في السنة اثني مال طمعين. أجروهم على ذلك من حذف الكسر والعمل في استحقاقاتهم على الشهور الكوامل ، فان كان هذا في الاحرار (٣) الذين طمعهم في مائة (٤) وخمسة أيام ، لم يجروهم على ذلك وحسبوا (٥) لهم كسر الشهر ومال السنة ، وهو الثلاثة والسبع شهر ، اذا كان ما يستحقه أهل هذا الصنف في السنة الخراجية. اذا أجروا على غير الشهور الكوامل لثلاثة أشهر ، ويتلو سبع شهر. فالحكم (٦) في أمرهم يخالف الحكم في أمر غيرهم. ومثل هذا من أحكامهم كثير ، الا أن يأمر في هذا الديوان كاف في الاطلاع على وجه العمل فيه ، اذا اتفق العمل في ديواني الخراج والضياع.

__________________

(١) جاء في كتاب البرهان : ان ارزاق المختارين في خمسة وسبعين يوما.

ص ٣٦٤.

(٢) في س : عشرة نوبة : وهم جند النوبة للحراسة والمهمات. أو يسمون الحراس.

(٣) جاء في كتاب البرهان : الاحرار العطم. ص ٣٦٤.

(٤) اضاف صاحب كتاب البرهان انواعا أخرى من الجند هم :

أ ـ المماليك : من الخدم والغلمان الحجرية.

ب ـ الموسابادية وأصحاب الرقاب.

ج ـ الحشم : انظر ص ٣٦٤.

(٥) في س : وحبو.

(٦) في ت : والحكم.

٣٢

الباب الثاني

في ذكر ديوان النفقات

قال قدامة : هذا الديوان تقسم مجالسه ، على حسب ما يجرى فيه من الاعمال. فمن ذلك الجاري ، وله مجلس مفرد ، يسمى مجلس الجاري ، ويفرد العمل مما يعمل في ديوان الجيش. ومجلسه في ديوان الخراج ، اذ كان الذي يحتاج [اليه ، من ذلك انما هو الجرائد ، تصنف من المرتزقة ، وسياقة وقت](١) الاستحقاقات ، وما جرى هذا المجري. الا ان شهور الاعطاء ليست تجري على الرسوم التي يجري أمر الجيش عليها ، بل يكون في الاكثر [على](٢) الشهر المنسوب الى الحشم ، الذي أيامه خمسة وأربعون يوما ، وربما كانت خمسين يوما ، وربما كانت ثلاثين يوما. الا ان المعمول من الجاري في ديوان النفقات أكثر من ذلك ، انما هو خمسة وأربعون يوما. ومن ذلك الانزال ، ولها مجلس ينسب اليها ، فيقال : مجلس الانزال ، والذي يجري فيه هو كلما يقام من الانزال. وفي هذا المجلس يحاسب التجار الذين يقيمون الوظائف ، من الخبز ، واللحم ، والحيوان ، والحلوى ، والثلج ، والفاكهة والحطب ، والزيت وغير ذلك ، من سائر صنوف الاقامات. ولا تزال تسميته بمبالغها يجري على رسوم قديمة ، لا يستغني الكاتب عن عملها ، وهي ما ينسب من الخبز الى الوظيفة ، فان ذلك ان كان من السميذ (٣)

__________________

(١) ليست في : ت ، س.

(٢) ليست في ت.

(٣) السميذ : نوع من الخبز السميك : وتسميه عامة بغداد (الصميط).

٣٣

فالوظيفة أربعة أرطال بالرطل البغدادي. وان كان من الحوارى (١) والخشگار (٢) فثلاثة أرطال. ولهم في تثمين الرأس من أصناف الحيوان ، والجام من الحلوى رسوم تختلف على حسب مراتب من يقام له ذلك من الخصوص والعموم والرفعة والانحطاط ، ويكون محاسبة من يريد يختلف نزله على حسب ذلك. ومن ذلك الكراع (٣) ، وله مجلس منسوب اليه يعرف بمجلس الكراع ، يجري فيه أمر علوفة الكراع وغيره. من الظهر ، مثل الخيل الشهارى ، والبراذين ، والبغال ، والحمير ، والابل وغيره مما يعتلف من الوحش ، والطير ويجري فيه أمر كسوة الكراع ، وأمر سياسته (٤) وعلاجه ومصلحته ، وأرزاق [القوام](٥) والراضة. وكذلك أمر المروج المحشرة ، ومحاسبة العلافين على الاتبان ، وجميع العلوفات المقامة ، وما يحمل اليهم من غلات الضياع السلطانية ، وما جانس ذلك وشاكله. ومن ذلك البناء والمرمة ، فان لهذه النفقات مجلسا يصغر ويكبر ، على حسب آراء الخلفاء في الاغراق في البناء ، والاكتفاء بتيسيره ، ويجري فيه من محاسبة القوّام ، والذراع ، والمهندسين ، أمور ليست بالهينة ، ويحاسب فيه باعة الجص (٦) ، والاجر ، والنورة ، والاسفيذاج (٧) ، وأصحاب الساج ،

__________________

(١) الحوّارى : خبز الرقاق.

(٢) الخشگار : خبز لم ينخل طحينه أو الخبز الاسمر غير النقي. المعجم الوسيط ج ١ ص ٢٣٥.

(٣) الكراع : اسم يجمع الخيل نفسها ، وقيل ، الكراع الخيل ، والبغال ، والحمير ، والابقار والاغنام.

(٤) في الاصل : بيانه. واثبتنا ما في س. ويقصد بها ساسة الكراع ، وهم الرجال الذين يشرفون على امر الحيوان.

(٥) في الاصل ، س : القوم.

(٦) الحص : وهو تصحيف.

(٧) الاسفيذاج : أو الاسبيداج : رماد الرصاص. كربونات الرصاص القاعدية وهي المادة الرئيسية في صناعة الصبغ الابيض. (البوية).

٣٤

ومن يشقه ، وغيرهم من النجارين ، والمزوقين ، والمذهبين وسائر الصناع ، محاسبات فيها لمن أراد استقصاءها مشقة ، ويحتاج فيها أن يكون ، مع الكاتب المحاسب لهم مطالعة الامور الهندسية ، وأشياء من أمور الحساب الصعبة. وقد كان أفرد لهذا المعنى ، ديوان يجري فيه أعماله ، لكثرة ما يحتاج الى تكلفه من الامور الشاقة ، الشديدة ، التي يفوق لاكثر أصناف الكتابة. لو لا ان يطول الكتاب جدا ، ويخرج عن حده لرسمت في ذلك ما ينبئ عن الحال في وجوهه ، ولكن في الكتب الموضوعة فيه غنى لمن أراد الوقوف عليه.

ومن ذلك بيت المال ، فأن له مجلسا يجرى فيه أمره ، وينفرد المتولى له بالنظر في الختمات (١) ، المرفوعة منه الواردة ، ديوان النفقات ، والمقابلة بما ثبت (٢) فيها من الاحتسابات ، ما يدل عليه ديوان النفقات من الصكاك (٣) ، والاطلاقات المنشاة من هذا الديوان ، فيجب أن يكون الكاتب المفرد بهذا المجلس مشغولا بالمقابلة بذلك ، واخراج الخلاف فيه. ومن ذلك مجلس يعرف بالحوادث ، يجري فيه أمر النفقات الحادثة في كل وجه من وجوهها ، ويفرد بالانشاء والتحرير مجلس ، وبالنسخ مجلس آخر ، على ما تقدم من وصف ذلك وشرحه.

__________________

(١) الختمات : جمع ختمة : كتاب يرفعه (الجهبذ) كل شهر بالاستخراج والجمل والنفقات والحاصل كأنه يختم الشهر به.

(٢) في س : يثبتها.

(٣) وسيلة من وسائل دفع المال. واستخدمت الصكوك في صدر الاسلام حيث كانت الارزاق والرواتب تدفع بها وفي القرن الرابع الهجري شاع استعمال الصك بشكل واسع لنشاط حركة التجارة. كذلك استخدمت الصكوك لدفع رواتب الجند. كما كان الصك يقوم مقام الدين عن الاشخاص. وبالاضافة الى ذلك كانت تكتب على بيت المال او الجهابذة. والصرافين وغيرهم.

٣٥

الباب الثالث

في ديوان بيت المال

قال أبو الفرج : هذا الديوان ينبغي أن يعرف غرضه ، فان علم ذلك دليل على الحال فيه والغرض منه ، انما هو محاسبة صاحب بيت المال ، على ما يرد عليه من الاموال ، ويخرج من ذلك في وجوه النفقات ، والاطلاقات ، اذا كان ما يرفع من الختمات ، مشتملا على ما يرفع الى دواوين الخراج ، والضياع ، من الحمول وسائر الورود. وما يرفع الى ديوان النفقات ، مما يطلق في وجوه النفقات ، وكان المتولى لها جامعا للنظر في الامرين ومحاسبا على الاصول والنفقات ، فاذا أخرج صاحب دواوين الاصول ، وأصحاب دواوين النفقات ، ما يخرجونه في ختمات بيت المال ، المرفوعة الى دواوينهم من الخلاف ، سبيل الوزير أن يخرج ذلك الى صاحب هذا الديوان ليصفحه ويخرج ما عنده فيه. ومما يحتاج الى تقوية هذا الديوان به ليصح أعماله ، وينتظم أحواله ، ويستقيم ما يخرج منه ، ان يخرج كتب الحمول (١) من جميع النواحي قبل اخراجها الى دواوينها اليه ليثبت فيه ، وكذلك سائر الكتب النافذة الى صاحب بيت المال من جميع الدواوين ، بما يؤمر بالمطالبة به من الاموال ، ويكون لصاحب هذا الديوان علامة على الكتب والصكاك والاطلاقات ، يتفقدها الوزير وخلفاؤه ، ويراعونها ويطالبون بها اذا لم يجدوها ، لئلا يتخطى أصحابها والمدبرون هذا الديوان ، فيختل أمره ولا يتكامل العمل فيه ، فان هذا الديوان اذا استوفيت أعماله كان مال الاستخراج بالحضرة والحمول من النواحي مضبوطا [به](٢).

__________________

(١) الحمولة : الاموال التي تحمل الى بيت المال.

(٢) ليست في ت ، س.

٣٦

الباب الرابع

في ديوان الرسائل

قال أبو الفرج : قد ذكرنا في المنزلة الثالثة ، من أمر البلاغة ووجه تعلمها وتعريف الوجوه المحمودة فيها ، والوجوه المذمومة منها ، ما اذا وعي (١) كان الكاتب واقفا به على ما يحتاج اليه ، وبينا في المنزلة الرابعة عند ذكر مجلس الانشاء وجوها من المكاتبات في الامور الخراجية ، ينتفع بها ويكون فيها تبصير لمن يروم المكاتبة في معناها. وقد وجب الان ان نذكر من المكاتبات في الامور التي تخص (٢) ديوان الرسائل ، ما يكون به مجزيا لمن أراد الكتاب في معناه ، وتطريق لمن قصد الكتاب في سواه مما يجري مجراه. واذا وصفنا ذلك وأتينا به كنا مع ما تقدم في المنزلتين الثالثة ، والرابعة قد استوعبنا أكثر ما يحتاج اليه في أمر الترسل الذي به قوام هذا الديوان ، لانه ليس يجري فيه شىء من الحسبانات ، ولا من سائر الاعمال خلال المكاتبات وما يتصل بها ويحتاج المتولي له الى أن يكون متصرفا في جميع فنون المكاتبات ، واضعا لما ينشئه في موضعه ، اذ كان للوزير أن يأمر بالمكاتبة في كل فن من الفنون المعروفة والغريبة الواردة. ومما يحتاج الى ذكره في هذا الموضع ، لينتفع بمروره مسامع من يؤثر التمهر في هذه الصناعة ، ما حكي عن أحمد بن يوسف بن القاسم

__________________

(١) في س : أوعى.

(٢) في س : يختص.

٣٧

أبن صبيح (١) كاتب المأمون ، وكان يتولى له ديوان الرسائل انه ، قال : أمرني [المأمون](٢) أمير المؤمنين ، ان أكتب بالزيادة في قناديل المساجد الجامعة ، في جميع الامصار ، في ليالي شهر رمضان ، قال : ولم يكن سبق الى هذا المعنى أحد ، فآخذه واستعين ببعض ما قاله ، فأرقت مفكرا في معنى أركبه ، ثم نمت فرأيت في المنام كأن آتيا أتاني ، فقال : قل فان فيها أنسا للسابلة ، وإضاءة للمتهجدة ، ونشاطا للمتعبدين ونفيا لمكامن الريب ، وتنزيها لبيوت الله عن وحشة الظلم. فهذا وما جرى مجراه من الامور الغريبة ، انما يحتاج الكاتب فيها الى أن يكون متمهرا في أصل الترسل عارفا [بوجوه المعاني ، فأنه يتفرع له فيه ما يرفعه ، بل هاهنا وجوه قد كتب في أمثالها ، ولها مذاهب يحتاج الى معرفتها ، والوقوف على رسومها](٣) ، ولا غنى بالكاتب عن الوقوف عليها ، ونحن نأتي في هذا الموضع ، من ذكر ما يكتب (٤) به في الاعلام في المكاتبات ، وما له رسم معروف ، ومذهب مألوف ، فيكون مثالا لمن لم يعرفه ، وطريقا الى الخبرة به فأول ذلك عهود القضاة.

__________________

(١) أحمد بن يوسف بن صبيح : أبو جعفر الكاتب الكوفي ، مولى بني عجيل من أهل الكوفة ، ومنازلهم بسواد الكوفة.

كان يتولى ديوان الرسائل للمأمون. وكان من أفاضل كتابه واذكاهم وأفطنهم واجمعهم للمحاسن. وزر احمد للمأمون بعد أحمد بن أبي خالد. كان جيد الكلام. فصيح اللسان حسن اللفظ مليح الخط ، يقول الشعر في الغزل والمديح والهجاء. توفي شهر رمضان سنة ٢٢٣ ه‍ ـ ٨٢٨ م كان أبوه يوسف يكنى أبا القاسم وكان يكتب لعبد الله بن علي عم المنصور. وكان أحمد وأخوه القاسم شاعرين اديبين وأولادهما جميعا أهل أدب.

أنظر : الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد. ج ٥ ص ٢١٦.

ياقوت : معجم الادباء ج ٥ ص ١٦١ ـ ١٨٣.

(٢) جاء في الاصل : مأمون. والاضافة من ت.

(٣) هذه الفقرة مكررة في ت ، س.

(٤) في نسخة س : يلف

٣٨

نسخة عهد لقاض بولاية الحكم في ناحية على ما قررته عليه :

هذا ما عهد عبد الله فلان ، أمير المؤمنين ، الى فلان بن فلان ، حين ولاه الحكم بين أهل كور كذا.

أمره بتقوى الله وخشيته ، والعمل بالحق الذي يزلف عنده (١) ، والعدل الذي يوافق مرضاته ، فأنه عالم بسعادة من لزم طاعته ، وشقوة من أثر معصيته ، ورجاء أن يكون لسبل الله متبعا ، ولما تناهى عنه من جميل لمذهب مصدقا.

وأمره أن يشعر قلبه تقى الله ورهبته ، أشعار من يخالف عقابه ويرجو ثوابه (٢) ، فان الله يقول ، والحق قوله : (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ)(٣) ويقول : (فَمَنْ)(٤)(يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(٥).

وأمره أن يتولى ما ولاه أمير المؤمنين بنية (٦) جميلة ، وطوية سليمة وصدر منشرح بالحق ، ولسان منبعث بالصدق ، ويرغب عند جميع أحواله وسائر أفعاله بما أعد الله من جزيل الثواب ، ويخاف ما أعده من أليم العقاب.

وأمره اذا حكم ذلك من نفسه ، وأشعره أياها في علانيته ، وسريرته ، ان يختار عند قدومه البلد ، قوما من أهل الصلاح والامانة ، والستر والصيانة والعلم ، بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه) ، فيجعلهم أصحاب مسايلة ، فان رجوع العاقل انما هو الى أعوانه ، وبهم يصلح أو يفسد شأنه.

__________________

(١) في نسخة س : بزلف.

(٢) في س : أثوابه.

(٣) سورة الانبياء. الآية ، ٤٧.

(٤) في الاصل : ومن.

(٥) سورة الزلزلة. الآية ٧ ، ٨.

(٦) في س : نية.

٣٩

وأمره أن يجعل مجلسه عند تحاكم (١) الناس اليه ، في مسجد الجماعة ، من البلد الذي يحله اذ كان اولى المجالس بالمعدلة ، لانه مبذول للضعيف ذي الخلة (٢) والقريب والبعيد النازح المحلة ، وأن يخرج اليه اذا خرج بوقار وتؤدة وهدي وسكينة ، والا يتعرض للحكم وهو على حال رفض ، ولا غرض يحفزانه عن انفاذ ما يبته ويمضيه ، ويحولان بينه وبين البت فيما يقطع به ويرتئيه ، بل يتقمن (٣) أعدل حالاته وأرشدها ، وأفضل أوقاته وأحمدها ، والا ينهض من مجلسه حتى يقضي (٤) بحق الله عليه في الصبر والمبالغة ، واستقصاء ما بين الخصوم من المنازعة ، وان يحسن لهم الاصاخة ، ويجمل لهم المخاطبة.

وأمره أن لا يحابي شريفا لشرفه ، اذا كان الحق عليه ، ولا يزري بوضيع لضعفه اذا كان الحق معه ، وان تكون محاورته لمن علت طبقته ، واتضعت منزلته واحدة ، حتى لا يبأس (٥) الضعيف من النصفة ، ولا يطمع القوي الظالم في الظفر بالغلبة.

وأمره أن ينظر فيما يرد عليه ، فما وجده في كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه) أمضاه ، وقضى به ، وما خالفهما طرحه ولم يعبأ بشيء منه ، فان الله تعالى (٦) يقول : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) عظة من الله للحكام وتحذيرا لهم وتغليظا عليهم ، وحق لامر به يسفك الدم ويستحل الفرج ، ويوكل المال ان يقع فيه التغليظ والتشديد ، ويقرن به التخويف والتحذير.

__________________

(١) في س : يحاكم.

(٢) في س : الحلة.

(٣) في س : يتقمن.

(٤) في س : نقضي حق الله.

(٥) في الاصل : لا يائس.

(٦) سورة : المائدة : الآية : ٥.

٤٠