الخراج وصناعة الكتابة

قدامة بن جعفر

الخراج وصناعة الكتابة

المؤلف:

قدامة بن جعفر


المحقق: الدكتور محمد حسين الزبيدي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الرشيد للنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٣

الباب الثالث عشر

فيما يؤخذ من أموال تجار المسلمين وأهل الذمة

والحرب التي يمرون بها على العاشر

السنة في زكاة العين ، والورق ان المسلمين مؤتمنون على ما يلزمهم منها ، فمن اداها اخذت منه ومن لم يؤدها فهو حق تركه والله من ورائه. فاما غير ذلك من الزكوات مثل صدقات المواشي والنخل والحرث فان من منعها اكره على ادائها وجوهد على ذلك حتى يؤدية. وقد جاءت احاديث بكراهة اخذ العشر وذم العاشر (١) وصاحب المكس ، وهو صاحب العشر أيضا وذلك هو كراهية لما كانت الملوك من العرب والعجم من الجاهلية ياخذونه من عشور اموال التجار اذا مروا بها عليهم لا لما يأخذه الائمة من زكاة أموال المسلمين وما يجب على غيرهم والدليل على أن أخذ العشر قد كان قديما قبل الاسلام ما كتب به النبي صلى الله عليه (٢) لمن أسلم من أهل الامصار مثل ثقيف ، وأهل البحرين ، ودومة الجندل ، وغيرهم انهم لا يحشرون ولا يعشرون فان ذلك لو لم يكن سنة جاهلية يعرفونها لم يكونوا يتخوفون من المسلمين مثلها حتى يكون في أماناتهم ابطالها أو حذفها وقد أبطل الله ذلك بالاسلام وسنة الزكاة وهي انه لا يؤخذ من العين شيء حتى يبلغ عشرين دينار ولا من الورق حتى يبلغ مائتي درهم فاذا بلغا هذين المقدارين ففيها

__________________

(١) وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه قال (أنها ساعة لا يدعو عبد الا استجيب له فيها الا ان يكون عريفا او شرطيا او جابيا او عشارا الاصفهاني : حلية الاولياء ح ١ ص ٧٩.

(٢) في س ، ت : صلى الله عليه وسلم.

٢٤١

ربع العشر فأما غير المسلمين فان الذمى (١) يؤخذ منه نصف العشر ورقا قال بعضهم : ان الوجه في ذلك ان عثمان بن حنيف لما صار الى العراق وضع على ما مسحة من الارض ما وضع جعل في اموال اهل الذمة الذين يختلفون بها من كل عشرين درهما درهما سوى الجزية. وقال آخرون : أن الوجه في ذلك تضعيف الصدقة كما فعل ببني تغلب ولئلا يشبه ما يؤخذ منهم بالزكاة المطهرة للمسلمين المأخوذة من أموالهم. فأما أهل الحرب فأنه يؤخذ من تجاراتهم العشر اذا أدخلوا بلد الاسلام على حسب ما يفعلون بمن يدخل اليهم من تجار المسلمين فأنهم يأخذون من أموالهم وأمتعتهم اذا أدخلوها بلدهم العشر فاذا مر الذمي بالمال على العاشر فلا يؤخذ منه شيء حتى يبلغ ما معه مائتي درهم ، وكان سفيان يقول : مائة درهم فان قال : علي دين أو ليس هو لي ، وحلف (٢) على قوله فانه يصدق ولا يؤخذ منه ، وانما يؤخذ من الصامت ، والمتاع ، والرقيق وما اشبه ذلك من الاموال التي تبقى في ايدي الناس. فاما اذا مروا بالفاكه وأشباهها مما لا تبقى فانه لا يؤخذ منهم فيها شيء ولا يؤخذ من المال الواحد اكثر من مرة واحدة في السنة وان مر به مرارا. واما مالك واصحابه فانهم يرون أن يأخذ العاشر من الذمي (٣) اذا مر عليه بالمال للتجارة (٤) نصف العشر من قليل ما معه وكثيره. وان يؤخذ من الفاكة وكل ما جرى مجرها. وان ادعى دينا لم يقبل قوله وانه ان امر بالمتاع مرات في السنة اخذ في كل مرة منه. فاما

__________________

(١) في س ، ت : صلى الله عليه وسلم.

(٢) في س ، ت : وجاءت.

(٣) في نسخة ت : الذي.

(٤) في س ، ت : لتجارة.

٢٤٢

الحربي فانه كل ما خرج بمال لو مرات في السنة أخذ منه عشرة ، ومالك : يجريه (١) مجري الذمي في ترك تصديق قوله فيما يدعيه. وأهل العراق يقولون : يقبل قوله في جوار (٢) اذا قال : انهن امهات أولادي فقط واختلف الناس في تحليف العاشر للمسلم والذمي والحربي فكان سفيان لا يرى تحليف المسلمين وحدهم ، ويقبل أقوالهم لانهم مؤتمنون على زكوات أموالهم. وبعض أهل العراق يجعل أهل الذمة بمنزلة المسلمين في هذا الموضوع. ومالك بن انس صدق المسلم ولا يصدق الذمي في قول ولا يمين.

__________________

(١) في س : يجري.

(٢) في الاصل : في جوار ، واضيف ما في س.

٢٤٣

الباب الرابع عشر

في اللقطة والضالة وما يجري مجراها

قد جاءت في ذلك سنن وأحكام : وهو انه وجد (١) مثلا كنز من كنوز المسلمين في حربه ، او صحراء ، او طريق أو ما جرى مجرى هذه المواضع ان يعرف منه فان جاء له رب دفع اليه ، والا جعل في بيت المال واستنفع به في مصالح المسلمين ويكون الضمان لذلك واجبا فمتى جاء بعد السنة له صاحب دفع اليه العوض منه. وكذلك ما يؤخذ من أيدي اللصوص وقطاع الطرق سبيله سبيل اللقطة وكذلك الآبق اذا لم يوجد صاحبه فانه يباع ويجرى هذا المجرى.

__________________

(١) في س ، ت : وجدت.

٢٤٤

الباب الخامس عشر

في مواريث من لا وارث له. ويسمى في اعمال الكتاب الحشري

قد جاءت (١) في ذلك آثار منها أن رجلا من خزاعة ، توفي فأتى النبي صلى الله عليه (٢) بميراثه ، فقال : أطلبوا له وارثا أو ذا قرابة ، وطلبوا فلم يجدوا فقال رسول الله عليه (٣) : ارفعوه (٤) الى أكبر خزاعة ففي هذا دليل على ان المتوفى اذا كان من العرب ولم يوجد له وارث يعرف ، دفع ميراثه الى أكبر قبيلته [فان لم يكن المتوفى من العرب أو كان منهم ممن لا تعرف قبيلته ففي ذلك أثر عليه يعمل الفقهاء](٥) وهو ان مولى لرسول الله عليه السلام (٦) ، وقع من نخلة فمات فقال صلى الله عليه (٧) : انظروا هل (٨) له وارث ، فقالوا : لا ، فقال (٩) : اعطوه بعض القرابة ، فقالوا ان ذلك انما هو قرابة النبي صلى الله عليه (١٠) ، وانه أراد أن يجعله فيهم صلة منه لهم.

واستدلوا بذلك على ان للامام (١١) ان يفعل بميراث من لا وارث له ما شاء ، وبهذا يؤخذ اليوم.

__________________

(١) في س : وجدت.

(٢) في س ، ت : صلى الله عليه وسلم.

(٣) في س ، ت : صلى الله عليه وسلم.

(٤) في س : ما رفعوه.

(٥) جاء في نسختي ت ، س : بدلا من هذه الفقرة ، الفقرة التالية. (فان لم يكن المتوفى من الفقهاء).

(٦) في نسختي س ، ت : صلى الله عليه وسلم.

(٧) في س ، ت : صلى الله عليه وسلم.

(٨) في س : أهل ، وهي خطأ.

(٩) في س : فقالوا.

(١٠) في س ، ت : صلى الله عليه وسلم.

(١١) في س : على أن الامام. وجاء في ت ، العالي.

٢٤٥

الباب السادس عشر

في الشرب

قضى النبي صلى الله عليه (١) في وادي مهر في ان يحبس الماء في الارض الى الكعبين فاذا بلغهما أرسل الى الارض السفلى لا يمنع الاعلى الاسفل ، وقضى عليه السلام في مشارب النخل بأن يحبس الماء حتى يبلغ الشراكين بحبسه الاعلى على الاسفل ثم يرسل اليه. وقالت فقهاء الحجاز ، مالك ، وابن أبي ذويب ، وابن أبي سبرة : انه يحبس في النخل بعد أن يملي الشرب حتى يفيض فيشرب أصحاب النخل الاقرب فالاقرب ، وقال بعضهم : في الزرع يحبس حتى يبلغ الشراكين ، وقالوا : انه لا يحبس بعد بلوغ الكعبين في النخل اذا كان من أسفل يحتاجون اليه ، فان لم يحتاجوا اليه فلا بأس ، وقالوا : ان أهل الاسافل أمراء على أهل الاعالي في الشرب ، وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ومحمد بن الحسن : اذا كان نهر بين قوم لهم عليه أرضون فان الشرب بينهم على قدر أرضيهم لكل انسان منهم حصته فان كان الاعلى منهم لا يشرب حتى يسكر لم يكن له ذلك الا ان يتراضى القوم به. وقالوا جميعا : ان الناس شركاء في الانهار العظام كدجلة ، والفرات ، وما أشبهها. ومن حفر نهرا ينزع من أحدهما في أرضه فذاك جائز له ، فأن احتفر ساقية في أرض رجل ليسوق الماء الى أرضه ، فشاء الرجل أن يمنعه ذلك حتى يرضيه فعل. وسئل أبو يوسف عن نهر مرو وهو عظيم مثل الصراة ، اذا دخل مرو كان ماؤه قسمة بين أهلها بالحصص والتقسيط ،

__________________

(١) في س ، ت : صلى الله عليه وسلم.

٢٤٦

فأحيا رجل أرضا كانت مواتا ولم يكن لها من ذلك النهر شرب ، واحتفر لارضه موضعا من فوق مرو في موضع لا يملكه أحد وساق الماء فيه الى أرضه هل له ذلك أم لا؟ فقال : ان كان النهر الذي أحدثه يضر أهل مرو في نهرهم فليس له ذلك ، ويمنعه السلطان منه ، وان كان لا يضر بهم فلا بأس ، وليس لهم أن يمنعوه ، وكذلك كل من عمل كعمله ، ان كان عمله غير مضر وهو قول سفيان. وقال أبو يوسف : في نهر خاص لقوم ولكل واحد منهم قسط سمي بحسب ما يحتاج اليه انه ليس لاحد منهم أن يحدث زيادة في شربه الا برضائهم ، وليس لاحد منهم أن يحدث عليه رحى ، ولا جسرا ، ولا قنطرة وان كان جميع ذلك غير مضر بهم الا برضائهم. ورواه أبو حنيفة وهو قول مالك ، والثوري ، وزفر وقال مالك : في قوم لهم نهر يشربون منه فينقطع ان عليهم أن يكروه بالحصص على الشرب والارضين وهو قول ابن أبي ذويب ، ويعقوب ، وزفر ، ومحمد بن الحسن : وقال أبو حنيفة والثوري : يكرونه جميعا من أعلاه فان أكروا من النهر بمقدار أرض الاعلى من جميع الارض التي على النهر رفعوا عنه الكري ، وكان ما يبقى على الباقين على هذا الحساب ، ففسر ذلك الواقدي كان أرض الاعلى عشرة أجربة وأرض الثاني عشرون جريبا ، وأرض الرابع أربعون جريبا ، وكان النهر مائتا ذراع. (١) فالذي (٢) يجب أن يكرى الاعلى عشرين ذراعا لانها عشر المائتين كما ان العشرة الاجربة عشر جميع جربانهم المائة

__________________

(١) علق بعض الذين قرأوا النسخة فكتب في الهامش بخط مغاير يقول : (كل شيء له معنيان ، ظاهر وتأويل فالمعنى الظاهر قبل التأويل ، أو من التأويل وهو أن يكون المراد قرابتة الذي لا يرث بغرض ولا تعصيب. فأن ... وجدهما توافي أولى والله اعلم ... التمسوا بفك هما لمكران.

(٢) في س : والذي.

٢٤٧

فيتحاصون في ذلك على أنهم شركاء فيجب على الاعلى من كل درهم ينفقونه عشرة وعلى صاحب العشرين الجريب عشرة ، وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أعشاره ، وعلى صاحب الاربعين أربعة أعشاره فاذا فرغوا من العشرين والاربعين فيتحاصوا على قياس هذا. وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والثوري ، وزفر : في الانهار العظام أن كريها وعمل ساقها وسد بثوق ان انفجرت فيها على الامام من مال المسلمين. وكان في كتاب عبيد الله معاوية بن عبد الله الذي كان كتبه الى المهدي واقتصصنا بعض ما وجب اقتصاصه منه في المقاسمة والطسوق في موضعه ان كرى الاعمدة وعمل القناطر (١) والشاذوانات واستخراج الانهار والنفقة على البريدات والجسور والسنايات التي على الانهار العظام واجب اخراج ذلك أجمع من بيت المال ، قال : وانما وجبت هذه النفقة منه لان الحافة لا مالك لها ، فالنفقة واجبة على من يعود الضرر عليه وما يعود من الضرر بشيء من ذلك فانما هو عائد على بيت المال فالنفقة عليه واجبة منه. وقال الواقدي ، قال مالك ، ابن أبي ذويب : اذا اشترى رجل مسيل ماء بغير أرض ان ذلك جائز وكرهه الثوري ، وأبو حنيفة ، ويعقوب. وقال الواقدي : سألت الثوري عن نهر لرجل يشق أرض آخر فأدعى رب الارض مسناة النهر قال : هي من أرضي ، وقال رب النهر هي لي وليس يعلم لمن هي ، فقال : هي لرب الارض وليس له أن يهدمها لان للنهر بها منفعة وهي قول أبي حنيفة ، وقال مالك ، وابن أبي ذويب : هي لصاحب النهر ثم رجع الثوري فقال كقول مالك ، وكان أبو يوسف يجعلها لصاحب النهر ، وهو قول محمد بن الحسن.

__________________

(١) في الاصل : القناطير.

٢٤٨

الباب السابع عشر

في الحريم

الفقهاء يرون حريم (١) البئر البديء (٢) خمس وعشرون ذراعا وحريم البئر العادية (٣) خمسون ذراعا ، وحريم بئر الزرع على ما قاله سعيد بن المسيب ، ثلثمائة ذراع وحريم العين خمسمائة ذراع. وكان مالك بن انس (٤) ، لا يرى للحريم حدا محدودا. ويقول : «ان رجلا لو احتفر في داره بئرا ثم احتفر جار له بئرا في داره بعد الاول ، فغار ماء الاولى الى الثانية أمر صاحب الثانية بازالتها عن الموضع التي هي به». وسفيان (٥) يقول : يحدث الرجل في حده ما شاء وان أضر ذلك بجاره ، لانه لا حريم للابار في الامصار ، وانما ذلك في البوادي والمفاوز. وقال أبو حنيفة : لا حريم في الامصار وبين المنازل للابار ، ولكن يحفر الرجل بئره بحيث لا يضر بجاره وان كان بين البئرين حائط فأضرت الثانية بالحائط. فان مالك وابن أبي ذويب ، وابن أبي سبرة قالوا : يزال البئر المضرة. وقال الثوري : يحفر في داره ما شاء. وقال أبو يوسف ، وبشر ، يمنع من الاضرار

__________________

(١) في س : أن حريم.

(٢) البديء : معناها البئر الجديدة المبتدأه.

(٣) العادية : يعنى القديمة نسبة الى عاد.

(٤) أنظر : مالك بن انس : الموطأ ص ٩٣. ابن سلام : الاموال ص ٤١٢.

(٥) أنظر : ابن سلام : الاموال ص ٤١٢.

٢٤٩

بجاره. وقال الواقدي : حدثني ابن أبي سبرة (١) عن ثور الديلى ، قال : سمعت عكرمة يقول حريم ما بين العينين مائتا ذراع ، قال ثور : رأيت رجلا من المهندسين فسألته فقال : رب أرض لا يكون هذا فيها انما يكون ذلك في جلد الارض وحزونتها فأما الارض الرخوة فأن خمسمائة ذراع فيها يكاد أن يكون مقدارا حسنا. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام (٢) : في كتابه في الاموال ، لم يأت في حريم النهر شيء. وحكي عن بشر انه قال ، قال أبو حنيفة : لا حريم للنهر ، وقال أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، وبشر : حريم النهر ما يحتاج اليه لملقى طينه وغير ذلك مما لابد منه.

__________________

(١) في س ، ت : أبي سبرة.

(٢) الاموال : ص ٤١٢.

٢٥٠

الباب الثامن عشر

في اخراج مال الصدقة ولمن يحل وعلى من يحرم

قال الله تبارك وتعالى (١) : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ ، وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ)(٢). وقال رسول الله (٣) ، صلى الله عليه وسلم : «المسألة لا تحل الا لثلاثة ، رجل تحمل بحمالة بين قوم ، فيسأل حتى يؤديها ثم يمسك ، ورجل اصابته جائحة (٤) فاجتاحت ماله فيسأل حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك. ورجل اصابته فاقة حتى يشهد له ثلاثة من ذوي الحجى من قومه ان قد أصابته فاقة وان قد حلت له المسألة ، فيسأل حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك ، وما سوى ذلك من المسائل سحت».

__________________

(١) سورة التوبة : ٩ ، الآية : ٦٠.

(٢) ليس المقصود من ذكر الاصناف الثمانية : هو وجوب دفع الصدقة. اليهم جميعا بل المراد خصوصا فيهم بحيث لا تخرج عنهم.

(٣) جاء الحديث بلفظ مغاير في بعض المساند : ان المسألة لا تحل الا لاحد ثلاثة ... الخ. ابن حنبل : الزكاة ، ابو داود : الزكاة. الترمذي : الزكاة. النسائي : زكاة.

(٤) الجائحة : أفة سماوية.

٢٥١

وقال عليه السلام «من سأل من غير فقر فانما يأكل الجمر» (١) ، وقال صلى الله عليه (٢) : «الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوى» (٣). فأما الفصل بين الغني والفقير فقد جاءت الروايات فيه بأحوال مختلفة ففي بعضها السداد والقوام من العيش وفي البعض انه الغداء والعشاء وفي البعض انه مالك خمسين درهما أو بحسابها من الذهب ، وفي البعض أوقية من ورق ، والاوقية المأخوذ بها والتي تعمل الفقهاء عليها أربعون درهما. وقد ذهب الى كل ذلك قوم وقال بعضهم : في العوام من العيش انه عقدة القيم (٤) الرجل وعياله سنتهم فاذا ملك هذه العقدة فهناك تحرم عليه الصدقة. وكان سفيان يأخذ في الغنى انه مالك خمسين درهما وأرى ان مالك بن

__________________

(١) قال في الترغيب والترهيب. رواه الطبراني في الكبير. ورواه الترمذي بلفظ اخر وقال : غريب.

أنظر : أبو داود : الزكاة. الترمذي. زكاة. النسائي : زكاة.

(٢) أنظر : ابن باجة ، باب الزكاة : الترمذي ، باب الزكاة. الدارمي : زكاة ج ١٥ ص ٣٦ أو لرجل اشتراها بماله ، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فاهداها المسكين للغنى ج ١ ص ٣٨٠. واخرجه الامام مالك في كتاب الموطأ ص ١٨١ وأخرجه ابن ماجة في كتاب السنن. قسم الزكاة. بأن من تحل له الصدقة.

ومعنى مرة سوى ، يعنى القوى غير عاجز ، اخرجه أبو داود فقال (لا تحل الصدقة لغني الا لخمسة. لغاز في سبيل الله ولعامل عليها ، أو لغارم.

(٣) وقد ذكره أبو داود بلفظ مغاير فقال (الصدقة لا تحل لقوي ولا لذي مرة سوي) الزكاة ص ٣٤.

(٤) في س تقييم الرجل وعياله.

٢٥٢

انس (١) يقول : بالاوقية ، وقالوا : ان ذلك يكفه اذا كانت فضلا عن مسكنه الذي يأويه ويأوي عياله ولباسهم الذي غناء بهم عنه ، ومملوك ان دعتهم الحاجة اليه. وقد روي عن الحسن ، انه سئل عن الرجل تكون له الدار والخادم هل ذلك مانع له من الصدقة ، فقال : يأخذها ان احتاج ولا حرج عليه. وروي عن عمر بن عبد العزيز (٢) : انه كتب في الغارمين (٣) ان يقضي عنهم فكتب اليه انا نجد الرجل له المسكن والخادم والفرس والاثاث. فكتب عمران المسلم لابد له من مسكن يسكنه ، وخادم يكفيه مهنته ، وفرس يجاهد عليه عدوه ، ومن أن يكون له الاثاث في بيته ، وأمر بأن يقضى عمن هذه سبيله ، وقد يكون أيضا من الناس المحدود والمحروم من الرزق وهو المحارف (٤) فاذا كان الانسان كذلك مع اجتهاده في السعي لعياله فأن له حقا في أموال المسلمين لقول الله تبارك وتعالى (٥)(وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ). وحكى أبو عبيد القاسم بن سلام (٦) : ان ابن عباس كان يفسر هذه الآية بأن المحروم ، هو المحارف. وقال بعض أهل العراق : ان الصدقة تحل لمن يملك أقل من مائتي درهم ، ولو بدرهم واحد ، واحتج بحديث (٧) رسول الله صلى الله (٨) حين قال : «ان الصدقة

__________________

(١) الموطأ : باب الزكاة : ص ١٦٧.

(٢) ابن سلام : الاموال ص ٧٣٨.

(٣) الغارم : المدين يعنى ادوا عنهم ديونهم.

(٤) المحارف : الذي ليس له في الاسلام سهم.

(٥) السورة ٥١ الآية ١٩.

(٦) الاموال : ص ٧٣٩.

(٧) الاموال : ص ٧٨٣.

(٨) في س ، ت : صلى الله عليه وسلم.

٢٥٣

تؤخذ من أغنيائهم فترد الى فقرائهم» (١) وان الفقير هو الذي لا تجب (٢) عليه الصدقة ومن كان ملكه أقل من مائتي درهم بدرهم واحد لم تجب (٣) الصدقة عليه. وقال أبو عبيد (٤) القاسم بن سلام : أمر عمر بن عبد العزيز الفقهاء أن يكتبوا له السنة في الثمانية الاسهم التي ذكرها الله عز وجل في كتابه فكتب : «ان سهم الفقراء نصفه لمن غزا منهم في سبيل الله ، أول غزوة حين يفرض له من الامداد ، وأول عطاء يأخذونه ثم تقطع عنهم بعد ذلك الصدقة ، ويكون سهمهم من الفيء. والنصف الثاني للفقراء الذين لا يغزون مثل الزمنى والمكث الذي يأخذون العطاء. وسهم المساكين فالنصف منه لكل مسكين به عاهة (٥) لا يستطيع معها حيلة ولا تقلبا [في الارض](٦) والنصف الثاني للمساكين الذين يستطعمون ويسألون ومن في السجون من أهل الاسلام ممن ليس له أحد. وسهم العاملين عليها فلمن (٧) سعى على الصدقات بأمانة وعفاف يعطي على قدر ولائه وما يجمعه من مال الصدقة ولعماله على قدر ولايتهم وجمعهم ولعل ذلك يبلغ قريبا من ربع هذا السهم. ويرد الذي يبقى بعد الذي يعطى عماله على من يغزو

__________________

(١) في س : جاء في صحيح البخاري (ان الله فرض عليهم زكاة من اموالهم وترد على فقرائهم) و ٣ ص ٢٥٤. وجاء في مكان اخر (ان الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من غنيائهم فترد على فقرائهم). النسائي. ح ٥ ص ٤ ـ ٥.

في س : لا يحب وجاء في مكان آخر «ان الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من اغنيائهم فترد على فقرائهم». النسائي : السنن ج ٥ ص ٤ ـ ٥.

(٢) في س : لم يجب.

(٣) لا يجب.

(٤) الاموال : ص ٧٦٤.

(٥) في س : لكل مسكين عاهة.

(٦) ليست في س ، ت.

(٧) في س : فامن.

٢٥٤

من الامداد (١) والمشترطة (٢) وسهم المؤلفة قلوبهم لمن يفترض (٣) له من امداد الناس أول عطاء يعطونه ومن يغزوا مشترطا ممن لا عطاء له وهم فقراء ومن يحضر المساجد من المساكين الذين لا عطاء لهم ، ولا سهم ولا يسألون الناس وسهم الرقاب ، نصفان لكل مكاتب يدعي الاسلام وهم على أصناف شتى ، فلفقهائهم في الاسلام فضيلة ولمن سواهم منهم منزلة اخرى على قدر ما أدى كل واحد منهم من الكتابة وما بقى (٤) عليه. والنصف الباقي تشترى به رقاب ممن قد صلى وصام وقدم في الاسلام من ذكر وانثى ثم يعتقون. وسهم الغارمين على ثلاثة أقسام منهم صنف لمن يصاب في سبيل الله في ماله وظهره ، ورقيقه وعليه دين ولا يجد ما يقضيه منه ولا ما يستنفق الا بدين. والصنفان الاخران لمن يمكث ولا يغزوا وهو غارم (٥) قد أصابه فقر وعليه دين لم يكن منه شيء في معصية الله لا يتهم في دينه ، أو قال ذنبه. وسهم في سبيل الله فمنه لمن فرض له ربع هذا السهم ومنه للمشترط الفقير ربع هذا السهم ومنه لمن تصيبه الجائحة (٦) في ثغره ولمن هو غاز في سبيل الله. وسهم ابن السبيل يقسم ذلك لكل طريق على قدر من يسلكه ويمر به من الناس لكل رجل (٧) من ابن السبيل ليس له مأوى ولا أهل يأوى اليهم ويطعم (٨) حتى يجد منزلا أو يقضى حاجته ويجعل في منازل معلومة على أيدي امناء لا يمر بهم ابن سبيل به حاجة الا آووه وأطعموه ، وعلفوا دابته حتى ينفذ ما بأيديهم.

__________________

(١) جمع مدد : وهم الجند الذين يمد بهم الجيش المحارب.

(٢) في س : المستركله.

(٣) في س : يفرض.

(٤) فقرة : ما بقي عليه مكررة في الاصل.

(٥) في س : وهو عازم.

(٦) وفي بعض الروايات تقول (الحاجة).

(٧) في س : لكل رجل رجل من.

(٨) في س : ياوي اليهم فيطعم.

٢٥٥

الباب التاسع عشر

في فتوح النواحي والامصار

أول الفتوح وأجلها المدينة التي اليها كان مهاجر رسول الله عليه السلام (١). وقالت عائشة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يفتح من مصر أو مدينة عنوة فان المدينة فتحت بالقرآن. وقال صلى الله عليه (٢) : «ان لكل نبي حرما واني حرمت المدينة كما حرم ابراهيم مكة ، ما بين حرميها لا يحتل خلاها (٣) ولا يعضد (٤) شجرها ولا يحمل فيها السلاح لقتال فمن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرف ولا عدل (٥)).

وروى عن جعفر بن محمد عن ابيه ان رسول الله صلى الله عليه ، حرم من الشجر ما بين أحد الى عير واذن لصاحب الناضج في العصى وما تصلح به محاربه وعربه ودعا [عليه السّلام](٦) للمدينة وأهلها وسماها طيبة.

__________________

(١) في س ، ت : صلى الله عليه وسلم ١٠٠.

(٢) في س ، ت : وقال النبي صلى الله عليه وسلم.

(٣) في س : حريتها لا يختلي خلاها.

(٤) اى لا تقطع اشجارها.

(٥) في س ، ت : صلى الله عليه وسلم.

(٦) الاضافة من : س ، ت.

٢٥٦

اموال بني النضير من اليهود

كان هؤلاء اليهود غدروا برسول الله صلى الله عليه (١) ، وقد أتاهم في بعض حاجاته وهموا أن يلقوا عليه رحى فانصرف عنهم وبعث اليهم يأمرهم بالجلاء عن المدينة فأقاموا وأذنوا بحرب فزحف عليه السلام اليهم فحاصرهم خمس عشرة ليلة ثم صالحوه على أن يخرجوا من بلده ولهم ما حملت الابل إلا الحلقة وهي الدروع والاله وسائر السلاح فكانت أموالهم خالصة له وذلك في سنة أربع من الهجرة.

أموال بني قريظة

كانت بين رسول الله (٢) وبينهم موادعة عقدها حيي بن أخطب على الا يظاهروا عليه أحدا وجعلوا الله على ذكر ذلك كفيلا ، فنكثوا وأعانوا عليه الاحزاب في غزوة الخندق فلما فرغ من أمر الاحزاب قصدهم فحصرهم خمس عشرة ليلة (٣) ثم انهم نزلوا على حكمه فحكم فيهم سعد بن معاذ الاوسي ، فحكم بقتل من جرت عليه المواسي وبسبي النساء والذرية ، وأن يقسم مالهم بين المسلمين فأجازوا رسول الله ذلك وقال : لقد حكمت بحكم الله من سبعة أرفقه ثم عرضوا على رسول الله ، فمن كان منهم محتلما أو قد أنبت على السهام قتل (٤) ، ومن كان دون ذلك استبقى وقسم (٥) أرضهم بين المسلمين.

__________________

(١) في س ، ت : صلى الله عليه وسلم.

(٢) في س ، ت : صلى الله عليه وسلم.

(٣) في س : خمس عدة ليلة.

(٤) جاء في فتوح البلدان : فمن كان منهم محتلما أو قد نبتت عانته قتل ص ٣٥.

(٥) في س ، ت : وقاسم ارضهم.

٢٥٧

خيبر

قالوا : غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة سبع [للهجرة](١) فطاوله أهلها وماكثوه وقاتلوه فحصرهم (٢) قريبا من شهر ، ثم أنهم صالحوه على حقن دمائهم وترك ذراريهم وعلى أن يجلوا (٣) ويخلوا بينه وبين الارض ، والصفراء والبيضاء ، والحلقة وسائر البزة (٤) ، الا ما على أجسادهم والا يكتموه شيئا ، فخمس رسول الله صلى الله (٥) عليه الغنيمة من الارض وغير ذلك ، وقسم الباقي بين المسلمين ، وكانت من أرض خيبر (٦) الكتيبة بحق الخمس ، والشق والنطاة وسلالم والوطيحة للمسلمين ولم يكن للمسلمين فراغ للقيام على الارضين فدعا رسول الله صلى الله عليه [وسلم](٧) من نزل على الجلاء من أهل خيبر الى القيام بها على أن يكفوا العمل فيها ولهم النصف وللمسلمين النصف من الزرع والنخل ، وكان عبد الله بن رواحة يصير اليهم في كل سنة فيخرص عليهم ثم يخيرهم بين أن يخرص ويختاروا أو يخرصوا ويختار فقالوا : بهذا قامت السماوات والارض ، فلما كانت خلافة عمر أجلاهم ودفع الارض الى من كان له فيها سهم من المسلمين.

__________________

(١) أضيفت هذه الكلمة حتى يستقيم الكلام.

(٢) في فتوح البلدان : فحاصرهم. ص ٣٦.

(٣) في س : أن يجلو.

(٤) في س : وسائر البرة.

(٥) في س ، ت : صلى الله عليه وسلم.

(٦) كانت خبير جانبين الاول : الشق والنطاة وهو الذي افتتحه المسلمون أولا والثاني الكتيبة والوطيح ، والسلالم حصن ابن أبي الحقيق وهو الذي انتقلت اليه فلول اليهود وبعد فتح الجانب الاول.

(٧) الاضافة من : س ، ت.

٢٥٨

أمر فدك

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعد منصرفه من خيبر الى أهل فدك يدعوهم الى الاسلام فصالحوه عليه السلام على نصف الارض بتربتها فقبل ذلك منهم فكان النصف من فدك خالصا له لانه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب (١). وكان يصرف ما يأتيه منها في أبناء السبيل. ولم يزل أهلها بها حتى أجلى عمر اليهود فوجه اليهم من قوم نصف التربة بقيمة عدل فدفعها الى اليهود وأجلاهم الى الشام.

وكان لما قبض رسول الله عليه (٢) السلام : قالت فاطمة : رضوان الله عليها : لابي بكر [ان](٣) رسول الله جعل لي فدكا فأعطني أياها ، وشهد لها علي بن أبي طالب رضوان (٤) الله عليه فسألها شاهدا آخر فشهدت لها أم أيمن (٥) مولاة النبي صلى الله عليه (٦) ، فقال : قد علمت يا بنت رسول الله انه لا تجوز إلا شهادة رجل وامرأتين (٧) فانصرفت.

ولما ولي عمر بن عبد العزيز خطب الناس وقص قصة فدك وخلوصها : كان لرسول الله [عليه السلام](٨) فدك وانه كان ينفق منها ويضع فضلها في

__________________

(١) ابن سلام : الاموال ص ١٦. انظر : السورة : ٥٩ الآية ٦.

(٢) في س ، ت : صلى الله عليه وسلم.

(٣) ساقطة من س.

(٤) في س ، ت : عليه السّلام.

(٥) في س : أم أبين ، وهو خطأ.

(٦) في س ، ت : صلى الله عليه وسلم.

(٧) في س : وأمرا بين.

(٨) ناقصة في س ، ت.

٢٥٩

أبناء السبيل وذكر ان فاطمة [عليها السلام](١) سألته أن يهبها لها فأبى وانه لما قبض عليه السلام فعل أبو بكر وعمر فعله ثم لما ولى معاوية أقطعها مروان بن الحكم [جاء في كتاب نسمة السحر : ان معاوية اقطع ثلثها مروان بن الحكم وثلثها عمر بن عفان وثلثها يزيد بن معاوية وذلك بعد موت الحسن ج ٢ ص ٧١ (مخطوط)] وان مروان وهبها لعبد العزيز [هو والد عمر بن عبد العزيز] ولعبد الملك ، ابنيه ثم انها صارت له وللوليد وسليمان وانه لما ولى الوليد سأله فوهبها له.

وسأل سليمان حصته فوهبها له أيضا فاستجمعها ، وقال : انه ما كان له مال أحب اليه منها ، وقال : اشهدوا انني قد رددتها الى ما كانت عليه. ولما كانت سنة عشرين ومائتين أمر المأمون بدفعها الى ولد فاطمة رضى الله عنها ، كانت سنة عشرين ومائتين أمر المأمون بدفعها الى ولد فاطمة رضى الله عنها ، وكتب الى قثم بن جعفر عامله على المدينة بأنه قد كان رسول الله عليه السلام (٢) أعطى ابنته فاطمة فدك وتصدق بها عليها وان ذلك كان أمرا ظاهرا معروفا عنه آله عليه السلام. ولم تزل تدعى منه (٣) ما هو أولى من صدق عليه وانه قد رأى ردها الى ورثتها وتسليمها الى محمد بن يحيى بن الحسين ابن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب [عليه السّلام](٤) ومحمد بن عبد الله بن الحسن (٥) بن علي بن أبي طالب [عليه السّلام](٦) ليقوما بها لاهلها. ولما استخلف المتوكل ردها الى ما كانت عليه [قبل المأمون].

__________________

(١) الاضافة من س ، ت.

(٢) في س ، ت : صلى الله عليه وسلم.

(٣) في س ، ت : ولم تزل تدعي بنيه.

(٤) الاضافة من س ، ت.

(٥) في الاصل : الحسين بن علي

(٦) الاضافة : من س ، ت.

٢٦٠