رحلة الفرنسي تافرنيية إلى العراق

جان بابتيست تافرنييه

رحلة الفرنسي تافرنيية إلى العراق

المؤلف:

جان بابتيست تافرنييه


المترجم: كوركيس عوّاد وبشير فرنسيس
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ١٤٤

أبوينا الأولين وخلق العالم. والثاني يقع في شهر آب وهو ثلاثة أيام أيضا ، ويعرف بعيد مار يوحنا. والثالث في حزيران ومدته خمسة أيام ، يكرر فيه الجميع تعميدهم. وهم يعطلون في يوم الأحد فلا يعملون عملا في ذلك النهار. وليس لهم صوم (١) ولا توبة روحية ، ولا كتب منزلة ، ولهم مما سواها غير كتاب لا يعالج غير السحر (٢) وهم يعتقدون أن كهنتهم في غاية التمهر من هذا الأمر ، وأن الأبالسة رهن إشارتهم. وعندهم أن النساء جميعا غير طاهرات ، وأنه لا حق لهن مطلقا بدخول المعبد.

ولهم احتفال ديني يسمونه احتفال الدجاجة (٣) ، تجري فيه حفلة كبيرة ،

__________________

(١) يصومون عن اللحم ٣٦ يوما مقسمة بين أيام السنة. (عن الأستاذ عبد الجبار عبد الله).

(٢) عندهم كتاب الكنزا ، ويعتقدون أنه هو صحف آدم بنفسها ، ويختص بالفاتحة وبالوعظ وبصفات الخالق وكيفية إنشاء العالم. وعندهم كتاب «سيدرة نشماثه» ويعتقدون أنها انزلت على آدم أيضا ، وهي الصلوات التي يقرأها الكاهن في حفلة التعميد وعندهم كتاب «الانياني» وهو اناشيد تختص بالصلاة اليومية. وجميع هذه لا علاقة لها بالسحر. وهناك كتب كثيرة يسمونها «الدواوين» و «الشروح» وهي تفاسير لمسائل دينية مختلفة. والكتاب الوحيد الذي فيه شيء من التنجيم ، هو الذي يسمونه «اصفر ملواشة» أي «كتاب البروج» ولا يستعملونه للسحر بل لحساب طوالع الأشخاص واستنتاج أسمائهم الدينية. والسحر بمعناه المتداول محرم عندهم.

(عن الأستاذ عبد الجبار عبد الله).

(٣) لا يسمى هذا «احتفال الدجاجة» كما ذكر المؤلف. ولا هو «احتفال» بالمعنى المعروف. بل إن اصول الذبح عندهم هي ان يلبس الذابح الرداء الديني المعروف ب «الرسته» وهو يتألف من قميص وسروال وعمامة وحزام وما يسمونه ب «النصيفة» وجميعها بيضاء اللون. ثم تغسل الذبيحة بالماء الجاري ، ويذبحها الذابح مستقبلا الشمال لا الشرق ، ولا يجوز مس الذبيحة بالأرض ولكن يجوز وضعها على القش المغسول بالماء. أما الشخص الذي يتولى الذبح فكل رجل سبق ان تعمّد ، وليس محروما من ممارسة الحقوق الدينية. ولهم أساليب وأنظمة كثيرة فيما يخص الحرمان (عن الأستاذ عبد الجبار عبد الله).

٨١

لا يقيمها إلا كاهن مولود من امرأة عذارء حين زواجها. فعند ذبح الدجاجة يخلع الكاهن رداءه المعتاد ، ويضع عليه قطعة من الكتان ، ويتزر بثانية ، ويرمي بثالثة على كتفيه كالمنديل ، ثم يأخذ الدجاجة ويغطسها في الماء ليطهرها ، ثم يتجه صوب الشرق ويقطع رأسها ماسكا بجسمها في يده إلى أن يستنزف آخر قطرة من دمها. وفي أثناء انهراق دمها يرفع عينيه إلى السماء متولها. قائلا بلغته الكلمات التالية : «بسم الله. أرجو أن يكون هذا اللحم مفيدا لمن يأكله». وهم يتبعون ذلك عند ذبح الشاة ، فيغسلونها بالماء وينثرون عليها الأغصان. ويشترك أكثر من واحد من الناس في هذه الحفلة ، حتى لكأن الذبيحة قربان مقدس. وإن سألتهم لم لا يجوز شرعا للرجل العادي ذبح الطيور؟ أجابوك أنه لا حق له بالصلاة عليها ، فكيف بذبحها؟ وهذا كل ما يمكن أن يذكروه لك من أسباب.

أما عن الخلاص فيقولون إن الملاك جبرائيل بعد أن سوى العالم بأمر الله ، خاطب الله : «يا إلهي! انظر ، لقد بنيت العالم كما أمرتني ، فأوقعني ذلك في مشقة كبيرة ، وكذلك جهد إخواني في رفع هذه الجبال الشامخة التي تبدو كأنها تسند السماء. ومن بإمكانه أن يشق طريقا للأنهار بين الجبال بلا أتعاب جمة ، ويضع كل شيء في المكان اللائق به : يا إلهي العظيم! بمعونة ذراعك القوية أقمنا دعائم العالم على نحو ما ترى ، فلا يفكر البشر في شيء ما إلا وجدوه فيه. ولكن عوضا عن الرضا والقبول اللذين نستحقهما بعد إنجاز هذا العمل العظيم ، لم أجد إلا ما يحزن ويؤلم!». ولما طلب الله منه علة ذلك ، أجاب الملاك جبرائيل : «يا إلهي وأبي! سأقول لك ما يؤلمني. إنني بعد أن صنعت العالم ، تنبأت أن سيلجه عدد هائل من اليهود والترك (يقصد به غير المسلمين «البرابرة») أو من عبدة الأصنام وغيرهم من الكافرين أعداء اسمك الذين لا يستحقون أن يأكلوا أو يتمتعوا بثمار جهدنا». فأجابه الله على هذا : «لا يخامرنك الحزن يا بني! سيسكن في هذا العالم الذي بنيت نصارى القديس يوحنا الذين سيكونون أصدقائي ، وسيخلصون جميعا». عندئذ عجب الملاك من كيفية تحقق ذلك فقال : «ماذا؟ ألا يقوم بين نصارى يوحنا خطاة كثيرون؟ وبالتالي ألا يصبحون أعداءك؟ «فختم الله كلامه معه بقوله : «في يوم الدين ،

٨٢

على الصالح أن يصلي لأجل الطالح ، وهكذا يغفر لهم جميعا وينالون الخلاص (١)».

وينفر هؤلاء الصابئة من اللون الأزرق النيلي ، بل لا يلامسونه قط ، وسبب ذلك أن بعض اليهود حلموا بأن شريعتهم سيبطلها مار يوحنا فأخبروا مواطنيهم بالأمر. فلما فهم هؤلاء ذلك ورأوا أن مار يوحنا قد استعد لتعميد المسيح ، بحثوا في حالة غضبهم عن كمية كبيرة من النيل ورموها في نهر الأردن. فتلوثت مياه النهر وبقيت غير طاهرة مدة ، وكاد يتعرقل تعميد المسيح ، لو لا أن الله أرسل ملائكته ومعهم إناء للماء كبير أمرهم بملئه من نهر الأردن قبل أن يلوثه اليهود بالنيل. وكان من ثم أن الله لعن هذا اللون خاصة.

__________________

(١) لم أطلع على هذه القصة. وأرجو أن تؤخذ بتحفظ (عبد الجبار عبد الله).

٨٣
٨٤

الفصل الرابع

(من الكتاب الثالث من الرحلة)

الطريق الآخر من حلب الى توريز [تبريز]

وهو المار بالجزيرة وغيرها من البلدان

من حلب إلى البيرة ، حيث عليك عبور الفرات : أربعة أيام

ومن البيرة إلى أورفا : يومان

ومن أورفا إلى ديار بكر : ستة أيام

ومن ديار بكر إلى الجزيرة : أربعة أيام

الجزيرة (١) بلدة صغيرة من بلدان ما بين النهرين ، تقوم على جزيرة في نهر دجلة ، يعبر إليها فوق جسر من القوارب ، ويقصدها التجار لشراء العفص والتبغ. ويسوس المدينة رجل بلقب «بك».

وبعد عبور دجلة ، ترى الأرض بين هذا النهر وتبريز سهولا ومرتفعات ، وتكسو المرتفعات أشجار البلوط التي تحمل العفص وقليلا من البلوط. أما السهول فمزروعة بالتبغ الذي ينقل إلى تركيا ، وله تجارة رائجة متسعة. وقد يتبادر إلى الذهن أن هذه البقعة فقيرة ، إذ لا تقع العين إلا على العفص والتبغ ، لكن الواقع ان ليس في العالم أرض أخرى يتداول فيها بالذهب والفضة بأكثر مما هنا ، إذ إن أهلها يعنون حين تسلمهم النقود ، بأن تكون كاملة الوزن ، جيدة

__________________

(١) يريد بها «جزيرة ابن عمر» التي وصفها ياقوت الحموي (معجم البلدان ٢ : ٧٩) بقوله إنها «بلدة فوق الموصل ، بينهما ثلاثة أيام ، ولها رستاق مخصب واسع الخيرات. وأحسب أن أول من عمرها الحسن بن عمر بن خطاب التغلبي .... وهذه الجزيرة يحيط بها دجلة الا من ناحية واحدة شبه الهلال ، ثم عمل هناك خندق أجري فيه الماء ونصبت عليه رحى ، فأحاط بها الماء من جميع جوانبها بهذا الخندق ...»

٨٥

المعدن. إن العفص من المواد المستعملة عادة في الصباغة ، وليس في أية بقعة ما يدانيه جودة ، فهو يدر أرباحا واسعة على هذه البلاد التي لا قرى فيها. وترى بيوتها متناثرة ، يبعد الواحد عن الآخر مسافة رمية بندقية ، ولكل من السكان رقعته من بساتين الكروم. وهم يجففون العنب إذ لا يعصرون منه خمرا.

ومن الجزيرة إلى العمادية : يومان

والعمادية (١) ، بلدة طيبة ، وإليها يجلب أهل معظم بلاد آشور تبغهم وعفصهم. وهي تقع على جبل عال لا يمكن تسنم قمته بأقل من ساعة (٢). وفي منتصف الطريق تتفجر من بين الصخور ثلاثة أو أربعة ينابيع يرتادها الأهلون بمواشهيم ، ويملأون قربهم منها كل صباح ، إذ لا ماء في المدينة. والعمادية بلدة ليست بالكبيرة ولا بالصغيرة (٣) ، تتوسطها قيسارية كبيرة فيها دكاكين تضم كل أصناف التجار (٤) والبلدة بإمرة «بك» ، بوسعه أن يجمع ثمانية أو عشرة آلاف فارس ، وقوة من المشاة تفوق ما عند أي بك آخر ، وذلك لازدحام منطقته بالسكان.

ومن العمادية إلى جولمرك (Giousmark) : أربعة أيام

ومن جولمرك إلى ألبك (Alback) : ثلاثة أيام

ومن ألبك إلى سلماس (Salmastre) : ثلاثة أيام

وسلماس بلدة لطيفة على حدود الآشوريين والماذيين ، وهي أول بلدة في أراضي ملك فارس. ولا تحط فيها القوافل لأنها تشذّ عن الطريق بأكثر من

__________________

(١) انظر الملحق رقم (٢٦).

(٢) تعلو العمادية عن سطح البحر ١٢٧٦ مترا.

(٣) تبلغ مساحة العمادية نحوا من عشرة آلاف متر مربع.

(٤) أما اليوم ، ففيها سوق صغيرة ، تحتوي على ثلاثين دكانا. وللوقوف على أحوال العمادية في وقتنا هذا ، راجع «دليل المصايف العراقية» ليونان هبو اليونان (الموصل ١٩٣٤).

٨٦

فرسخ. ولما تحط فيها القوافل رحالها ، يذهب اثنان أو ثلاثة من كبار التجار مع الكروان باشي بحسب العرف ، لزيارة الخان (Kan). ويسر الخان كثيرا أن تسلك القافلة هذا الطريق. ويخلع على الكروان باشي وعلى من برفقته خلعة تشريف ، تتألف من كالات (Calaat) وعمرة (Bonnet) ومنطقة (Girdle) وهذا غاية التشريف الذي يتفضل به الملك أو حكامه على الأجانب.

ومن سلماس إلى تبريز : أربعة أيام

فالرحلة من حلب إلى تبريز تستغرق في هذا الطريق اثنين وثلاثين يوما ومع أن هذا هو أقصر السبل وأوفقها لقلة ما يدفع في أثنائه من الرسوم ، فإن التجار لا يجرؤون كثيرا على سلوكه خشية أن ينالهم سوء من معاملة البكات لهم.

وطهران (Teren) التي يسمي الفرس عاصمتها شهريار (Cherijar) ولاية بين مازندران ومنطقة الفرس القديمة المعروفة اليوم باسم هراة (Hierac) ) ، وهي في جنوب شرقي أصفهان. هواؤها طيب يختلف عن هواء جيلان. ويقصدها الملك طلبا لنقاوة الهواء والتماسا للصيد ، هذا إلى أن أشهى الثمار متوافرة في كثير من أنحائها. وعاصمتها التي يسميها بعضهم باسم الولاية متوسطة السعة ، ليس فيها ما يستحق الملاحظة. إلا أن على نحو فرسخ منها خرائب مدينة كبيرة كان محيطها فرسخين ، وأقسام من السور قائمة ، ورأينا جملة حروف منقوشة في الأحجار التي كانت مثبتة في السور ، ولكن لا الترك ولا الفرس ولا العرب يتمكنون من قراءتها (٢). وهذه المدينة مستديرة ، تقع على تل عال في قمته خرائب حصن يزعم الأهلون هناك أنه كان مسكنا لملوك فارس.

__________________

(١) لم يتحقق عندنا ما يريد المؤلف بهذه المواطن الثلاثة : Hierac ,Cherijar ,Teren وأننا في شك من صحة أسمائها العربية.

(٢) لعل هذه الكتابة كانت بالحروف المسمارية ، التي لم يتوصل العلماء إلى حل رموزها إلا في القرن التاسع عشر.

٨٧
٨٨

الفصل الخامس

(من الكتاب الثالث من الرحلة)

الطريق من حلب الى اصفهان ، مارا بالبادية الصغيرة وكنكور

سأصف هذا الطريق كما لو كنت آيبا من أصفهان إلى حلب. فهو يمر بكنكور وبغداد وعانة ، ثم يدخل البادية التي أسميها البادية الصغيرة ، لأنه لا يمكن قطعها بوقت أقصر كثيرا مما تتطلبه البادية الكبيرة الممتدة جنوبا إلى بلاد العرب السعيدة ، وبإمكانك أن تجد الماء غالبا في البادية الصغيرة ، لأن الطريق الذي يسلك لا يبعد كثيرا عن نهر الفرات. ومن يحسن ركوب الخيل ، قد يقطع الطريق من أصفهان إلى حلب في ثلاثة وثلاثين يوما كما فعلت أنا ، بل قد يقطعها في أقل من ذلك ، إن كان الأعرابي الذي يرافقه من بغداد دليلا ماهرا عارفا أقصر سبل البوادي والقفار.

وتستغرق قافلة الخيل في سفرها من اصفهان إلى كنكور أربعة عشر أو خسمة عشر يوما. أما إن كانت مؤلفة من رفقة قوامها عشرة أو اثنا عشر فارسا ، فقد تقطعها في خمسة أو ستة أيام. والأراضي التي تسير فيها غاية في الخصوبة ، وفيرة القمح والرز والفواكه الفاخرة ، وفيها الشراب الجيد ، خاصة في جهات كنكور ، المدينة الكبيرة الكثيرة السكان.

تمادى بنا السير من كنكور إلى بغداد عشرة أيام ، والبقعة ليست في شيء من الخصب ، بل إنها كثيرة الأحجار والصخور في بعض الأقسام ، وفيها السهول والتلال الصغيرة. ولم أر جبلا ما في هذا الطريق.

وإن كان المسافر مستعجلا ، فأولى له أن يسلك الطريق التالي ذكره :

من اصفهان إلى خوانسار

ومن خوانسار إلى قم (Comba)

٨٩

ومن قم (Comba) إلى اورانكية (Oranguie)

ومن اورانكية (Oranguie) إلى نهاوند

ومن نهاوند إلى كنكور

ومن كنكور إلى سنا (Sahna)

ومن سنا إلى بوليشا (Polisha) أو القنطرة الملكية ، وهي قنطرة كبيرة من الحجارة.

ومن بوليشا (Polisha) إلى ماهي دشت (Mai Dacht)

ومن ماهي دشت إلى هرون آباد (Eroun Abad)

ومن هرون آباد إلى خانقين (Conaguy)

ومن خانقين (Conaguy) [خانقين الإيرانية] إلى قصر شيرين (Casli Scirin).

ومن قصر شيرين إلى خانقين (lengui Conaguy) [خانقين العراقية].

ومن خانقين إلى قزلرباط (Casered)

ومن قزلرباط إلى شهربان Charaban)

ومن شهربان إلى بوهرز (Bourous)

ومن بوهرز إلى بغداد.

ومدينة كنكور ، قد يستعاض عنها أثناء السفر بمدينة همذان ، وهي من أمهات المدن الفارسية على الطريق. ومنها إلى توجرا (Touchere) ولكن الطريق أطول. وإذا سلكت الطريق التي بينتها ، فإنك تترك همذان إلى الشمال على يدك اليمنى.

وبين سنا وبوليشا (Polisha) ترى شمالا الجبل العالي الوحيد في كل الطريق ، وهو جبل أشمّ قائم الانحدار كأنه السور. فإذا صعدت نظرك إلى أعاليه لا حظت صور رجال بملابس الكهنة ، عليهم الأوشحة ، وبأيديهم المجامر. على أنه ليس بين الأهلين من يخبرك بشيء عنها. بل ولا من يتصور

٩٠

معنى هذه المنحوتات. وفي حضيض الجبل نهر جار عليه قنطرة من الحجر.

وعلى مسيرة يوم فيما وراء الجبل ، بلدة صغيرة ذات موقع جميل. إن الجداول التي تسقي هذه البلدة ، والفواكه الشهية التي تنمو في بساتينها ، والخمرة الفاخرة التي تصنع فيها ، كل ذلك يجعلها من أطيب البقاع. ويعتقد الفرس أن الإسكندر لما رجع من بابل مات فيها ، بالرغم من أن هناك من كتب أن الإسكندر مات في بابل (١). اما بقية الأراضي التي بين هذه المدينة وبغداد ، فمغطاة بالنخيل ، ويقيم الأهلون في خصاص صغيرة مصنوعة من سعف النخيل وجذوعه.

ومن بغداد إلى عانة أربعة أيام على الظهر ، والمسافة بينهما أرض صحراوية ، على كونها بين نهرين.

وعانة ، بلدة لا بالكبيرة ولا بالصغيرة ، يسوسها أمير عربي. وإلى ما يقرب من نصف فرسخ حوالي البلدة ، ترى الأرض مزروعة ، زاخرة بالبساتين والبيوت الريفية. والمدينة في موقعها تشبه باريس ، لأنها مبنية على جانبي نهر الفرات ، وفي وسط النهر جزيرة يقوم فيها مسجد بديع (٢).

ومن عانة إلى مشهد رحبة (٣) (Mached ـ Raba) خمسة أيام ركوبا. ومن مشهد رحبة إلى الطيبة (٤) (Taiba) خمسة أيام أخرى.

ومشهد رحبة ، حصن على مقربة من الفرات ، يقوم فوق تل في أسفله عين ماء كأنها وعاء كبير ، ومثل هذه العيون مما يندر وجوده في البوادي.

__________________

(١) في المراجع التاريخية الموثوق بصحتها ، أن الإسكندر الكبير ، مات في بابل ، في ٢١ نيسان سنة ٣٢٣ ق. م ، وكان له من العمر ٣٢ سنة ، قضى منها في الحكم ١٢ سنة و ٨ أشهر.

(٢) انظر الملحق رقم (٢٧).

(٣) انظر الملحق رقم (٢٨).

(٤) قال الرحالة فيليب الكرملي ، الذي زار الشرق في سنة ١٦٢٩ م في رحلته المطبوعة سنة ١٦٧١ م إنه بعد مرحلتين من الطيبة (Theibas) وصل إلى الرحبة الواقعة على تل لا يبعد كثيرا عن الفرات وبعد مسيرة أخرى وجد جزائر صغيرة قرب بلدة عانة.

٩١

والبقعة محاطة بأسوار عالية ، محصنة بأبراج ، وفي داخلها أكواخ صغيرة يأوي إليها السكان بمواشيهم التي يملكون منها شيئا كثيرا ، غير أن الخيل فيها تفوق الأبقار كثرة.

وكذلك الحال في الطيبة ، فإنها موضع محصن مبني في أرض ممهدة ، تبدو كأنها دكة عالية من طين ولبن. وبالقرب من بابها ، عين تنبع يصير منها ما يشبه البركة. وترى أغلب سالكي هذا الطريق المار بالطيبة ، هم الذين يجتازون البادية من حلب أو دمشق إلى بغداد ، أو من دمشق إلى ديار بكر ، بسبب وجود هذه العين هناك.

ومن الطيبة إلى حلب مسيرة ثلاثة أيام ، غير أن هذه الأيام الثلاثة هي أخطر مراحل الطريق ، لكثرة من ينتابها من قطاع الطرق. والواقع هو أن تلك البقعة لا يقطنها غير الرعاة أو البدو الذين لا دأب لهم سوى سلب الناس ونهبهم.

والآن ، لنأخذ الطريق ذاته من حلب إلى أصفهان ، وهذا مسلكه :

يوم

من حلب إلى الطيبة

 ٣

ومن الطيبة إلى مشهد رحبة

 ٥

ومن مشهد رحبة إلى عانة

 ٥

ومن عانة إلى بغداد

 ٤

ومن بغداد إلى بوهرز

 ١

ومن بوهرز إلى شهربان

 ١

ومن شهربان إلى قزلرباط

 ١

ومن قزلرباط إلى خانقين

 ١

ومن خانقين إلى قصر شيرين

 ١

ومن قصر شيرين إلى خانقين (هي غير خانقين التي في العراق)

 ١

٩٢

يوم

ومن خانقين إلى هرون آباد

 ١

ومن هرون آباد إلى ماهي دشت

 ١

ومن ماهي دشت إلى سنا

 ١

ومن سنا إلى كنكور

 ١

ومن كنكور إلى نهاوند

 ١

ومن نهاوند إلى اورانكية (Oranguie)

١

ومن اورانكية (Oranguie) إلى قم Comba)

١

ومن قم (Comba) إلى خوانسار

 ١

ومن خوانسار إلى اصفهان

 ١

فإذا أردت السفر من حلب إلى أصفهان ، أو من اصفهان إلى حلب ، كان من السهل عليك أن تقطعه ركوبا في ثلاثين يوما. وهذه الملاحظة توصلت إليها من أن رجلا قطع هذا الطريق ، من الإسكندرونة بيومين زيادة عما ذكرت ، فإن وجد المرء مركبا على أهبة الإقلاع إلى مرسيلية ، وكانت الرياح موافقه له ، فقد يتاح له السفر من أصفهان إلى باريس بشهرين.

وذات مرة ذهبت من حلب إلى كنكور ، وكذلك إلى بغداد ، ومنها اجتزت البادية. وقد التقيت في بغداد برجل اسباني كان آخذا الطريق نفسه الذي علي أن أسلكه. فكان ذلك من حسن حظي ، لأنه سيتحمل نصف نفقات الدليل ، إذ حالما استخدمناه بأجرة ستين كراونا ، رحلنا من بغداد ، وكنا ثلاثة : الأسباني ، وأنا والأعرابي الذي كان ماشيا ، يسير على نحو رمية مسدس أمام خيلنا. وفي طريقنا من بغداد إلى عانة لم نمر بشيء ذي بال ، ولكننا رأينا فقط أسدا ولبوءة مجتمعين. وقد ظن دليلنا أننا كنا خائفين منهما ، فأخبرنا بأنه قد صادفهما غير مرة ولم يبد منهما أي أذى.

أما صاحبنا الأسباني ، بالرغم من نزعة المرح المشهورة بها أمته ، فقد كان متزمتا ، وكان يكتفي في إدامه ببصلة أو ما إلى ذلك من طعام زهيد ، دون

٩٣

أن يراعي دليله. بينما كنت أنا بعكس ذلك ، فلا يمر يوم دون أن أنفح هذا الدليل بشيء ما. ولما كنا على رمية بندقية من عانة التقينا بشيخ طيب النفس ، أقبل إلي وأخذ بلجام حصاني وقال : «أيها الصديق ، هلمّ واغسل قدميك ، وكل خبزا في بيتي ، فإنك رجل غريب ، وبما أني لقيتك في الطريق فلا ترفضن هذا الطلب الذي أرجوه منك». إن دعوة هذا الشيخ لتشبه عادة الناس في الأزمنة القديمة ، التي قرأنا أمثلة عديدة عليها في الأسفار المقدسة. ولم يكن منا إلا تلبية طلبه. فلما صرنا إلى بيته ألفيناه قد أعد لنا وليمة فاخرة ، إذ ذبح لنا خروفا ودجاجا ، كما أنه قدم لخيلنا علفا. لقد كان هذا الشيخ من سكان عانة ، وهو يقيم عند النهر الذي كان علينا عبوره لنراجع الحاكم في أمر جوازاتنا (١) التي دفعنا عن كل منها قرشين. ومكثنا في دار على مقربة من باب المدينة واشترينا ما نحتاج إليه من طعام لنا ولخيلنا. وكانت لصاحبة الدار طفلة في التاسعة من عمرها ، استهوتني بمرحها ، فأهديت إليها منديلين من نسيج قالقوط المبرقش ، فأرتهما الطفلة أمها ، فأبت الأم حينذاك ، أن تأخذ منا ثمن الطعام الذي أعطتنا إياه ، بعد أن كنا قد اتفقنا عل ثمنه.

وعلى نحو خمسمائة خطوة من باب مدينة عانة ، مررنا بشاب من أسرة كريمة ، يرافقه خادمان ، وكان راكبا حمارا مؤخرته مخضبة بالحناء. فدنا مني مسلّما ، ثم قال : أمن الممكن أن ألاقي غريبا وليس عندي ما أهديه إليه؟ لذلك حاول أن يأخذنا معه إلى بيته في الريف ، بيد أننا أصررنا على المضي في طريقنا ، فألح علي حينذاك أن أقبل غليونه دون أن يلتفت إلى اعتذاري عن قبوله منه بكوني لا أدخن. فما كان لي إلا أن أقبله! وعلى نحو ثلاثة فراسخ من عانة ، بينما كنا ذاهبين لنأكل بين أخربة بيوت ومفكرين بالمكوث هناك حتى منتصف الليل ، أبصرنا أعرابيين جاءا من لدن الأمير ، ليخبرانا بأن عنده رسائل يبغي تسليمها لنا لإيصالها إلى باشا حلب. فعدنا أدراجنا إلى عانة إذ لم يكن

__________________

(١) جوازات السفر (الباسبورت) أمر كان معروفا منذ القدم. راجع مقال : أجوزة السفر في العصور الإسلامية لميخائيل عواد (مجلة الرابطة [١٩٤٤] العدد ٧ ، ص ١٦٥.

١٦٨).

٩٤

بوسعنا أن نرفض الطلب. ولما وصلنا إلى المدينة في اليوم الثاني ، رأينا الأمير ذاهبا إلى الجامع ممتطيا صهوة جواد مطهم ، يحف به رهط من الناس وجميعهم مشاة ، مع كل منهم خنجر كبير مثبت في حزامه. فلما رأيناه ترجلنا ووقفنا بحذاء الدور وسلمنا عليه حين مروره بنا. وما إن وقع نظره على دليلنا حتى هدده ببقر بطنه قائلا : أيها الكلب! ستنال مني جزاء ذلك ، وأعلمك درسا كيف تسفر الغرباء قبل أن أراهم. ثم قال خذهم إلى مقر الحاكم حتى أعود من الجامع. فلما عاد من الجامع وأخذ مكانه في ردهة فسيحة ، أرسل بطلبنا مع دليلنا الذي هدده مرة ثانية لخروجه بنا من المدينة دون علم منه. غير أن الحاكم استعطف الأمير واسترضاه ، ثم أمر فجيء لنا بقهوة ، وطلب فتح الخرجة التي نحملها على الخيول وراءنا لعل فيها ما يطيب له. لقد كان في خرجي قطعتان من نسيج قالقوط ملونتان تلوينا بديعا ، وغطاءان للفراش ، ومنديلان من نسيج قالقوط ، ومحبرتان فارسيتان مزوقتان بالميناء اليابانية ، وسكينتان بزخارف دمشقية ، إحداهما مطعمة بالذهب والأخرى بالفضة. فكل هذه الأشياء أحبها وحملني على إعطائها له. ولم يجد شيئا في خرج الأسباني غير ملابس عتيقة. ولكن بعد ذلك علمنا أن عند الأسباني بعض قطع الماس ، فعاقبه القنصل الفرنسي في حلب ، بأن يدفع لي نصف قيمة ما أعطيته للأمير في عانة.

واكتفى الأمير بما أخذه مني. وأمر بأن نزود بالطعام لنا ولخيلنا ، إلا أننا ، نظرا لتزودنا بذلك من ذي قبل ، لم نأخذ غير ثلاث أو أربع حفنات من التمر الفاخر ، لنبدي له أننا لم نرفض عطفه.

وعلى الدليل بين عانة ومشهد الرحبة ، أن يعنى بوجه خاص بتنظيم مراحل سفرنا ، وذلك بأن نأتي مثلا إلى الآبار عند انبثاق الفجر ، حذرا من الأعراب الذين يأتون إليها عند طلوع الشمس ، فيتأذى المسافرون.

وقد رأيت في مشهد الرحبة ، أجمل فتاة وقع نظري عليها في حياتي ، كان ذلك حينما أعطيت أعرابيا قرشا ليشتري لي به خبزا. وبذهابي لرؤية ما إذا كان قد خبز ، وجدت الفتاة تضعه في التنور. ولأنها كانت وحيدة في الدار

٩٥

أو مأت إليّ بأن أتراجع. وقد رأيت هناك أيضا مهرا من صنف غريب دفع عليه باشا دمشق ثلاثة آلاف كراون.

وبوصولنا إلى الطيبة ، لم ندخلها ، بل نزلنا خارجها تحت سور ، ولم يدخلها غير أعرابينا ليجلب التبن لجمالنا. وجاء اليه حاكم المدينة وطلب عشرين قرشا عن كل منا ، وهي ضريبة قال إنها يجب أن تدفع له. ولما كنا نعلم أن الرسم لا يتعدى أربعة قروش ، رفضنا دفع غيرها. ولكن الأعرابي الذي دبر حيلة على الأسباني ، غمزني بعينه ألا أضطرب. ثم عاد الحاكم إلى البلدة ورجع إلينا ثانية ومعه سلسلة حديد ، وأكد لنا أنه سيأخذ الأسباني إلى القلعة مكبلا ، ما لم يدفع العشرين قرشا. أما أنا ، فقد طلب إلي دفع أربعة قروش حسب المعتاد.

وعند اقترابنا من حلب ، كان أول ما يجاور البادية ، الأعراب والبدو ، وثاني هذه البيوت كان دار صديق لدليلنا ، فسلمت حصاني إلى الدليل الذي ابتاعه مني بإلحاحه الشديد ثم إني كنت قد قررت أن أذهب ماشيا إلى حلب تخلصا من دفع الكمرك على رزمة فيروز كانت عندي ، وضعتها في أكياس كانت خلف حصاني ، ورميت الأكياس الصغيرة في حقيبة كأنها أشياء لا خطر عليها. وطلبت من صاحب البيت أن يحفظها يوما أو يومين. فقال لي الأعرابي إنها حتى إن كانت كلها ذهبا فلا خوف عليها. وفي الواقع ، لما بعثت بطلبها بعد يوم أو يومين لم أر واحدة مفقودة.

(ملاحظة : بهذا ينتهي حديث تافرنييه في رحلته العراقية)

٩٦

الملاحق

الملحق رقم (١)

(راجع الصفحة ١٩ ، الحاشية ١)

قد يكون هذا القصر الكبير الذي اكتشفه تافرنييه (خان العطشان) وهو بناء قديم ، ترى اطلاله ورسومه في البادية ، غربي الفرات ، على نحو من ثلاثين كيلومترا من جنوب غربي كربلاء وهو ـ على حد وصف رحالتنا ـ مبني بالآجر ، وما زالت كثير من جدرانه وأقواسه وبعض عقاداته ترى إلى يومنا هذا ، وإن كانت قد تشعثت وتصدعت. والذي نميل إليه ، أن لهذا البناء صلة بالموقدة (الموجدة) وهو منار يبعد عنه مسيرة ساعتين إلى الشمال الغربي. إن هذه المباني التي ترى بقاياها منثورة في طف البادية ، كانت فيما مضى مسالح ومعاقل وحصونا ومناور للدولة الفارسية تقيها شر هجمات دولة الروم. وقد وصفت الآنسة جرترود بل خان العطشان ، وصفا أثريا دقيقا في كتابها الموسوم :

G. L. Bell : Palace and mosque at Ukhaidir (Oxford, ٤١٩١, pp. ١٤ ـ ٣٤)

وعنيت بتخطيط البناء وتصوير بقاياه في اللوحات ٤٦ ـ ٥٢ من الكتاب المذكور ، أما أصل البناء وتاريخه فلم تتطرق المؤلفة إلى ذكرهما.

الملحق رقم (٢)

(راجع الصفحة ٢٠ ، الحاشية ٢)

قال الشيخ جعفر آل محبوبة في كتابه «ماضي النجف وحاضرها «(ص ١٢٩) أن الشاه عباس الأول لما جاء إلى النجف لزيارة أمير المؤمنين (ع)

٩٧

سنة ١٠٣٢» أمر بتنطيف النهر الذي حفره الشاه اسماعيل ، فحفر وعمر وجرى الماء فيه حتى دخل مسجد الكوفة كما في المنتظم الناصري ج ٧ ص ١٧٧. وهذا النهر كان في أرض سهلة لا تعلو كثيرا ، حتى انتهى إلى الكوفة فجاء الحفر كما أراد ، وهو المعروف اليوم (بنهر المكرية) وهو ليس إلا تلالا وآكاما وآثار مساجد ، درسها ما انهال عليها من الرمال. ولما لم يكن بالإمكان وصول الماء إلى النجف في نهر مكشوف من الكوفة ، بنيت قناة أخرى غير قناة نهر الناجية وغير قناة نهر الشاه. موقع هذه القناة شرقي بلدة النجف ، وهي التي تسمى بقناة الفرع كما عن البراقي. وقد انضم جميع عسكره إلى العمال وبذلوا تمام الهمة والجهد لهذه الخدمة حتى اكملوه وبنوه أحسن بناء وجعلوا له مجرى إلى الروضة المقدسة وصنعوا له بركة ينزلون فيها ويستقون».

وللوقوف على التفاصيل الوافية في مياه النجف ، راجع :

١ ـ كتاب ماضي النجف وحاضرها (ص ١٢٢ ـ ١٤١)

٢ ـ الماء في النجف (لغة العرب ٢ [١٩١٣] ص ٤٥٧ ـ ٤٦٢)

٣ ـ ماء النجف في القرون الأخيرة ونهر الهندية : ليعقوب سركيس (الاعتدال ٤ [النجف ١٩٣٦ ـ ١٩٣٧] ص ١٠٠ ـ ١٠٤ ، ١٦٣ ـ ١٦٩).

الملحق رقم (٣)

(راجع الصفحة ٢٢ ، الحاشية ٢)

الطويلات ، واحدتها الطويلة وبالافرنجية (Latin) ضرب النقود المعدنية ، كان متخذا في بعض الأنحاء من شرقي جزيرة العرب ، كالأحساء والقطيف وغيرهما. وقد بطل استعمال هذه النقود. ولتافرنييه كلام عليها في حديث رحلته. وللوقوف على وصفها وقيمتها ، راجع :

arabia, ٢٦٣١ ـ ٣٦ (vol. ٢, london, ٦٦٣١, pp. ٩٧١ ـ ٠٨١). palgrave : narrative of a year`s journey through central and eastern

cheesman : unknown arabia (london, ٦٢٩١, pp. ٢٠١ ـ ٣٠١)

ودائرة المعارف الإسلامية ، مادة «طويلة» للمستشرق آلان (j.Allan)

٩٨

الملحق رقم (٤)

(راجع الصفحة ٢٩ الحاشية ٢)

هي جزيرة كريت ، التي عرفت عند العرب الأقدمين باسم «أقريطش» أما «كاندي» فمشتقة من لفظة عربية ، أصلها «الخندق» (Khandax) وهي عاصمة الجزيرة. كانت جزيرة كريت من جملة المواطن التي وفق العرب لفتحها ، بعد ان توالت عليها غزواتهم البحرية منذ زمن معاوية سنة ٥٤ ه‍ ، ثم في زمن الوليد ، والرشيد ، والمأمون حيث تم فتحها في زمنه سنة ٢١٠ ه‍ على يد أبي حفص عمر بن عيسى الأندلسي المعروف بالاقريطشي. ولكن الروايات مختلفة في زمن فتحها ، فقيل إنها فتحت سنة ٢٥٠ ه‍ ، وقيل قبلها ، وقيل بعدها. وكانت كريت لما احتلها العرب قسما من الامبراطورية البيزنطية ، فبنوا فيها مدينة دعوها «الخندق» وقد ظلت جزيرة كريت بيد العرب زهاء مائة سنة ، حيث استعادها منهم البيزنطيون سنة ٣٤٩ ه‍ (٩٦٠ م) بعد محاولات عديدة.

الملحق رقم (٥)

(راجع الصفحة ٣٣ الحاشية ٢)

الملوك الذين حكموا هذه البقعة مما بين النهرين ، وعرفوا باسم أبجر ، يبلغون ٢٩ ملكا ، كانت عاصمتهم أدسا (وتعرف باسم الرها ، ثم أورفا). ودام حكم هؤلاء الأباجرة خلال القرن الأول قبل الميلاد والقرن الأول بعده. ووفقا للمرويات القديمة ، فإن أحد هؤلاء الملوك ، ولعله أبجر الخامس المعروف باسم «أو كاما» أي الأسود ، كان قد أصيب بالبرص ، فبعث برسالة إلى يسوع ، معترفا بألوهيته ، ملتمسا مساعدته ، طالبا إليه المجيء إلى بلاده. ولكن يسوع كتب إليه كتابا تمنع فيه من الذهاب إليه ، ووعده بأنه بعد صعوده إلى السماء يبعث إليه بأحد حوارييه. وقد روى المؤرخ اسابيوس القيصري في تاريخه الكنسي (١ : ١٣) أن ذلك قد تم بالفعل ، فإن يهوذا بن ثداوس ، أرسل إلى ذلك الملك سنة ٢٩ للميلاد. أما الرسائل المتبادلة بين المسيح وأبجر ، وما دار حولها من حكايات ، فقد نشرت بنصها السرياني ، وترجمتها العربية في ديار الغرب.

٩٩

الملحق رقم (٦) (راجع الصفحة ٣٧ الحاشية ١)

سائح ايطالي ، يعد في طليعة الرحالين الأوروبيين إلى بلدان الشرق ولد سنة ١٥٨٦ م ، وساح سياحة واسعة استغرقت خمس سنين (١٦١٦ ـ ١٦٢١ م) زار خلالها بلاد آشور وبابل وفارس والأصقاع المجاورة ، وألم ببعض اللغات الشرقية. وكان في طوافه في أرض العراق ، عني عناية خاصة بفحص أخربة كثير من المدن القديمة ، كبابل وأور وغيرهما. كما أنه في تجواله في إيران فحص بقايا تخت جمشيد ونقش رستم وبرسوليس ولم يكن دلافاله سائحا فحسب ، بل كان عالما أثريا ، واقفا على ما ورد بصدد الآثار الشرقية في التوراة وفي المراجع الإغريقية. وهو أول من نقل إلى أوروبا صفائح الآجر المنقوش عليها بالخط المسماري ، وجعل لها شهرة بين الأوروبيين ، مع كونه لم يفقه شيئا منها. إن حديث تنقلاته في الشرق أودعه في رسائل بالإيطالية بعث بها إلى صديقه شيبانو (Mario Schipano) استاذ الطب في نابولي. وقد طبع بعدئذ في مجلدين ، بعنوان :

Viaggi di Pietro della Vallie il Pellegrino da lui Wedesimo in Lettere

.familiari

وقد ظهرت طبعتها الأولى سنة ١٦٥٢ م ، ثم طبعت طبعة حسنة سنة ١٨٤٥ في مجلدين. إن هذه الرحلة نقلت بكاملها إلى الفرنسية وطبعت سنة ١٦٦٢ ـ ١٦٦٣ ونقل ما يخص بلاد الهند إلى الإنكليزية ، وطبع سنة ١٦٦٥ م. ونقل المطران جرجس دلال (مطران الموصل الحالي) ، بعض ما يخص بلاد العراق إلى العربية ، وطبعه في «نشرة الأحد التي كانت تصدر في بغداد (المجلد الأول الصادر سنة ١٩٢٢).

وكان تافرنييه حين إقامته ببغداد ، قد تزوج بنصرانية كلدانية اسمها «معاني» أصلها من ماردين وقد رافقته في رحلته إلى بلاد فارس ، وتوفيت سنة ١٦٢١ م ونقل رفاتها معه إلى روما ودفنها هناك. وكان قد رثاها ، ونشر هذا الرثاء في حياته في البندقية سنة ١٦٢٧ م وكانت وفاة دلافاله سنة ١٦٥٢.

١٠٠