إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٧

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٧

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٦٤

فإنه برء كل المعضلات بلا

شك وفيه زوال البؤس والسقم

وله في النعل الشريف :

لنعل خير البرايا

على الرؤوس ارتفاع

يحمله الرأس يبرا

إن اعتراه الصداع

وله مشطرا :

إذا كانت الأعراب تخفر ذمة

وتحمي أناسا مال عنها نصيرها

وتسمح عن ذنب ولو أوجب القلى

وتصفح عمن أمها يستجيرها

فكيف ومن في كفه سبّح الحصى

شفيع ذوي الآثام وهو بشيرها

فحاشى عريض الجاه في موقف الجزا

يخيب بني الآمال وهو غفيرها

وله مشطّرا أيضا :

اشرب على نغمة الدولاب كاس طلا

تمحو الذنوب بهذا جاءنا الخبر

فرضا غدا شربها يا صاح حين بدا

يسعى بها شادن في طرفه حور

وامدح فديتك ما بالراح من ملح

فبعض حكمتها الأشخاص والصور

بادر إلى حانها واشرب بلا جزع

وما عليك إذا لم تفهم البقر (١)

وله مشطّرا :

ولي عصا من جريد النخل أحملها

براحتي وهي عون لي على هرمي

وراحتي هي في سيري ومعتمدي

بها أقدم في نقل الخطا قدمي

ولي مآرب أخرى أن أهش بها

على جيوش هموم قصرت هممي

ومقصدي الهش في القول الأصح بها

على ثمانين عاما لا على غنمي

وله :

يا من علا متن البراق

ورقى وأتحف بالتلاق

__________________

(١) عجز البيت من قول البحتري :

علي نحت القوافي من معادنها

وما علي إذا لم تفهم البقر

٨١

قد صح سار بجسمه

وسما إلى السبع الطباق

سهل أمور معاشنا

فالصبر مر في المذاق

واجبر كسير قلوبنا

فضلا فقد ضاق الخناق

ثم الصلاة على الذي

لما اتانا الوقت راق

ومحا بنور جماله

ظلم الضلالة والشقاق

وله مشطّرا :

قدر الله أن أكون غريبا

بين قوم أغدو مضاعا لديها

ورمتني الأقدار بعد دمشق

في بلاد أساق كرها إليها

وبقلبي مخدرات معان

حين تبدو تختال عجبا وتيها

صرت إن رمت كشفها فأراها

نزلت آية الحجاب عليها

وله في حلب :

شهبا العواصم لا تخفى محاسنها

فالله يكلؤها من كل ذي عوج

يمم حمى حلب تلق السرور على

جبين أبنائها النير البهج

فعج ولج وتأمل بلدة شملت

باب الجنان وباب النصر والفرج

وللفاضل الرئيس يوسف بن حسين الحسيني الدمشقي نقيب الأشراف بحلب ومفتيها ما يقرب من ذلك ، وهو قوله :

قل لمن رام النوى عن بلدة

ضاق فيها ذرعه من حرج

علل القلب بسكنى حلب

إن في الشهباء باب الفرج

وله مخمّسا :

زاد في الصد للشجي المعنى

وأذاب الفؤاد ظلما وأضنى

قلت مذ ماس معجبا يتثنى

أيها المعرض الذي صدّ عنّا

بجفا لا يرى له أسباب

أصبح القلب من جفاك كليما

وصبورا متيما مستقيما

عاتبا سوء حظه وعليما

رح معافى من العتاب سليما

٨٢

فعلى الحظ لا عليك العتاب

وله غير ذلك.

وكانت وفاته بحلب في ربيع الأول سنة تسع وثمانين ومائة وألف رحمه‌الله.

١١١٩ ـ أحمد بن صالح الورّاق الشاعر المتوفى سنة ١١٨٩

أحمد بن صالح بن أحمد بن صدقة المعروف بالورّاق ، الخلوتي الإخلاصي الحلبي ، الأديب الناظم البارع السميدع.

كان نادرة الشهباء في الأدب ونظم الشعر ، فاضلا له اطلاع وفضيلة بالمعاني والبيان والعربية وفنون الأدب والعلم ، ممن أشرقت شمس آدابه وأينعت رياض معارفه وراقت مواردها ، حسن الأخلاق مجيدا ماهرا محبوبا عند الناس.

ولد في رجب سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف ، وكان في ابتداء شبابه يتعاطى صناعة القصب ، ثم في عام ثمان وأربعين انتقل إلى باب أموي حلب الشرقي واشتغل ببيع الورق فنسب حينئذ إلى الورّاق.

صحب أفاضل الشهباء وجد في الطلب ، أخذ العربية عن العالم الشيخ محمد الحموي ، وأخذ الفقه والعقائد عن الشيخ قاسم النجار ، وأخذ البديع عن الشيخ قاسم البكرجي وعن الشيخ محمد المعروف بابن الزمار ، وأجازه علامة بغداد الشيخ صالح البغدادي ، وسمع معظم صحيح الإمام البخاري عن المحدث محمد بن الطيب المغربي نزيل المدينة عام قفوله من الروم ، وأخذ المصطلح والأدب والمعاني والبيان عن الشيخ أبي الفتوح علي الميقاتي بأموي حلب وانتفع به كثيرا ، واستجاز الشيخ صالح الجنيني الدمشقي عام ارتحاله إليها وذلك في سنة ثلاث وستين ومائة وألف ، فأجازه بثبته.

وله أدبية وشعر واطلاع على فنون الأدب ومعرفة غثه من سمينه ، فمن ذلك قوله متوسلا بزاكي الآباء والجدود ، صاحب المقام المحمود ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

زمن الربيع به الأزاهر

تفتر عن ثغر البشائر

فانهض إلى روض المنى

وانف الهموم عن الضمائر

٨٣

واسمع غناء بلابل

قد غار منها كل طائر

وتمايلت قضب الأراك

تريك ميلات المفاخر

والنهر يحكي ماؤه

درا أذيب على الجواهر

والشمس من حلل الغصو

ن كأنها غيرى تناظر

وغدت نسيمات الريا

ض تنم عن سر الأزاهر

والورد كلل خده

در من السحب المواطر

والأقحوان كأنه

أجفان صب بات ساهر

فاطرب بما صنع الإله

وكن له يا صاح شاكر

منها :

واجل الكروب بمدح ط

ه المصطفى نور البصائر

الفاتح البر الرؤوف

محمد زاكي العناصر

والعاقب الماحي الذي

ضاءت بمبعثه الدياجر

ذي المعجزات الباهرا

ت ومن غدا للغي باتر

هو سيد سادت به

آباؤه الغر الأطاهر

وبه افتخار أولي الكمال

من الأوائل والأواخر

طابت أرومة ذاته

والطيب لا ينفك عاطر

وقوله متوسلا بأشرف الوسائل وسيد الأواخر والأوائل صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

خطرت فغار الغصن من خطراتها

ورنت فشمنا السحر في حركاتها

غيداء رنّحها الصبا بعقاره

فنضت سيوف الهند من لحظاتها

نصبت لنا شرك الغرام شعورها

فتكا بنا والفتك من عاداتها

ورمت حواجبها القسي سهام ما

قد راشت الأجفان من نظراتها

طارحتها شكوى الغرام فلم يفد

إلا تماديها على نفراتها

ودعوتها أخت الغزال ترفقي

في مهجة صبرت على زفراتها

ومحاجري ترعى النجوم وربما

أربت على الطوفان في عبراتها

لم يرقها إلا التكحل من ثرى

دار يفوح المسك من عتباتها

دار الذي وسع البرية فضله

وله اليد البيضا على ساداتها

٨٤

أعني به طه الذي بجنابه

لاذت جميع الخلق في شداتها

وتتمتها في المرادي أيضا.

وله مضمنا البيت الأخير :

يا صاحبيّ قفا نسائل ساقيا

ملأ القلوب بلاعج الأشواق

تالله لا أدري عشية أن سقى

ماذا سقى لمعاشر العشاق

قد خامرتني والكؤوس لحاظه

فكأننا كنا على ميثاق

فاستنشداه عل يخبر صادقا

فلقد تشاكل أمر هذا الساقي

أحداقه ملئت من الأقداح أم

أقداحه ملئت من الأحداق

وله أيضا :

أسأت إلى نفسي وغيري جهالة

بسهو وعمد والمهيمن ساتر

وظني بأن الله جل جلاله

جميع ذنوبي حين موتي غافر

وله غير ذلك.

مرض في أوائل شعبان المعظم وانقطع في داره ، وتوفي ليلة الخميس ثاني عشر ذي القعدة الحرام سنة تسع وثمانين ومائة وألف ، ودفن في مقبرة جامع البختي تجاه تكية بابا بيرم رحمه‌الله تعالى. ا ه.

وأورد له في سلك الدرر في ترجمة الوزير محمد باشا العظم قصيدة طويلة يمدحه بها مطلعها :

أعرف البان أم نفح الورود

أطيب المسك أم أنفاس عود

وقد ذكرنا بعضها في الجزء الثالث في صحيفة (٢٧٦).

١١٢٠ ـ حسن بن عبد الله البخشي المتوفى سنة ١١٩٠

حسن بن عبد الله بن محمد البخشي الحلبي. كان عالما فاضلا ذكيا ذا هيبة ووقار ، لطيفا خلوقا.

٨٥

ولد سنة إحدى عشرة ومائة ألف ، وقرأ على والده العلامة المحدث الحجة الشيخ عبد الله البخشي ، أخذ عنه الفقه والنحو والحديث والتصوف ، وألبسه الخرقة ولقنه الذكر ، وعلى عمه العلامة الشيخ إبراهيم البخشي المدرس بمدرسة المقدمية بحلب ، وأخذ عنه الكتب الستة والأدب والعلوم العربية ، وكذلك عن عميه العالمين الشيخ إسحق والشيخ عبد الرحمن ، وقرأ على العلامة السيد محمد الكبيسي الحلبي حسب الله أمين الفتوى والشيخ عبد الرحمن العاري والشيخ علي الميقاتي والشيخ حسن السرميني والشيخ حسن الطباخ والشيخ قاسم النجار والشيخ سليمان النحوي والمولى علي الأسدي والشيخ علي الشامي والشيخ أحمد الحافظ ، وأخذ الفرائض والحساب عن العلامة الشيخ جابر المصري ، وأخذ علم الكلام عن شيخه السيد محمد الطرابلسي مفتي حلب ، والقراءات عن شيخه الشيخ عمر البصير والسيد عبد الله المسوتي ، واستجاز له والده من السند المحدث الشيخ حسن العجمي المكي والشيخ أحمد النخلي ، وأخذ عن الشيخ أبي طاهر الكوراني وإلياس الكردي نزيل دمشق والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي ، وقرأ على الشيخ طه الجبريني الحلبي ، وعلى العلامة الشيخ محمد عقيلة المكي لما قدم حلب ، وعلى الشيخ عبد الرحمن والشيخ عثمان ولدي الحجار الملازمين بالمدينة المنورة والمدرسين بالحرم النبوي ، وعلى الشيخ السيد عيسى المرشدي إمام الحنفية بالكعبة المشرقة المكي ، وعلى الولي الزاهد الشيخ عبد الله الزمزمي.

وله سياحة في كثير من البلاد ، ذكر من اجتمع بهم من الأفاضل في رحلته ، وتردد على قسطنطينية مرارا وقرأ على علمائها ، وألف وأجاد ونظم وفضل ، فمن تآليفه «بلهجة الأخيار في شرح حلية المختار» (١) ، ومنها «النور الجلي في النسب الشريف النبوي» ، وتأليف عظيم في الرد على من اقتحم القدح في الأبوين المكرمين ، ورسالة في رجال الشمائل ، وشرح على الشمائل (٢) ، وله شرح على أسماء البدريين ، وله تأليف في العقائد سماه «تحرير المقال في خلق الأفعال» (٣). وله ديوان حافل وشرح مفيد على قصيدته

__________________

(١) منه نسخة في المكتبة الأحمدية بحلب.

(٢) سماه «البدور الكوامل على الشمائل» رأيت نسخة المؤلف بخطه وعليها تقاريظ لعلماء عصره ، قال في أوله : رأيت شراحه لم يستوعبوا الكلام على رجاله ، ومن تعرض منهم للرجال اقتصر على البعض ، ولا يخفى أن معرفة الرواة من أهم المهمات حتى يصحح العمل بما رواه الثقات ، وتكلم فيه على ٧٤٤ راويا. فرغ منه في سنة ١١٨٦.

(٣) عندي منه نسخة بخطه.

٨٦

المسماة «بعقود الآداب» سماه «تنقيح الألباب في حل عقود الآداب».

وكان يتعاطى القضاء والنيابة بحلب وغيرها. وقبل وفاته بأكثر من عشرين سنة انفصل عن قضاء صيدا بالفعل وترك طريق القضاء اختيارا للعزلة ولازم تكية الإخلاصية بحلب ، وكان لا يخرج منها إلا وقت الدروس ، وآلت مشيختها وتولية أوقافها له بحسب الشرط فلم يرغب لها رضاء بالقناعة والعزلة ، وسمح بها لابن أخيه السيد محمد صادق.

ومن فرائد شعره قوله من قصيدة تبلغ مائة بيت امتداحا في الجناب الرفيع صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

رحم الجيب تنفس الصعداء

فأجاب فيه تضرعي ودعائي

قد لذلي فيه التذلل والعنا

وغدا سقامي فيه عين شفائي

حارت ذوو الألباب فيه صبابة

وضلالهم في ذا غدير هدائي

منها :

فاضممه عني إن حظي عاقني

واخبره أني قانع بفنائي

وبه انثني نحو العقيق مقبلا

بالجفن خد التربة الفيحاء

منها :

وبفيض جودك سيدي وبنسبتي

قلبي الحزين معلل بقراء

أأضام في يوم الجزاء وملجئي

لحماك فيه سيد الشفعاء

لا أختشي محل الرجال وجودكم

يغني إذا عن ديمة وطفاء

كل الورى يرجون منك شفاعة

هي حصنهم في الشدة الدهماء

وكذاك ذا البخشي يرجو نظرة

يسمو بها فرحا إلى العلياء

ويفوز بالرضوان يوم مآبه

متشرفا من نوركم بضياء

لا غرو أن يعطى مناه في غد

حسن وأنت وسيلة الرحماء

ومن شعره متوسلا بأهل بدر :

يا سادتي أهل بدر إن قاصدكم

يعطى الأماني ولو حفت به الغير

ما نابني كدر يوما ولذت بكم

إلا وساعد فيما أرتجي القدر

٨٧

ومن معمياته في عثمان وعلي :

ودعتني وتشكت بيننا

ودموعي فوق خدي كالجمان

قلت في كم ينقضي هذا الجفا

فأشارت لي بلحظ وثمان

وقوله معميا في محمد :

فوضت أمري لربي وارتضيت بما

قضاه لي قبل تخليقي من القسم

وإن جفا ذمتي ظلما بغير وفا

صابرته شاكرا والحمد ملء فمي

وله في حسن :

من مجيري في هواه شادن

سهم لحظيه بعمد صائبي

خلع الحسن عليه تاجه

وحمى الطرة فوق الحاجب

وكانت وفاته في حادي عشر رمضان سنة تسعين وماية وألف رحمه‌الله. ا ه.

وأورد له المرادي غير ذلك فارجع إليه إن شئت.

ومن نظمه تشطير أبيات ظافر الحداد (١) كما وجدته في بعض المجاميع :

لو كان بالصبر الجميل ملاذه

ما ضاع قلب بالنوى استجذاذه (٢)

أو كان ممن في الهوى متكلفا

ما سحّ وابل دمعه ورذاذه

لا زال جيش الحب يغزو قلبه

بحسام لحظ كحله شحاذه

ويريعه بالبعد عن أحبابه

حتى وهى وتقطعت أفلاذه

من كان يرغب في السلامة فليكن

بحمى التعفف عن هواه معاذه

أو ما ترى قلبي المصدع بالنوى

أبدا من الحدق المراض عياذه

لا يخدعنّك بالفتور فإنه

شرك النفوس وإن حلا استجباذه (٣)

وعلى الحقيقة إن ترم تعريفه

نظر يضر بقلبك استلذاذه

هاروت يعجز عن مواقع سحره

ولقد غدا منه به استعواذه (٤)

__________________

(١) ظافر الحداد من شعراء القرن السادس المجيدين ، توفي سنة ٥٤٦ وله ترجمة في ابن خلكان.

(٢) تقطعه.

(٣) جذبه لك.

(٤) استعاذته.

٨٨

فاعجب له كيف استجار بظله

وهو الإمام فمن ترى أستاذه

رفقا بجسمك لا يذوب فإنني

قد ساءني والله منه بذاذه (١)

ولئن صبرت على مكابدة الجوى

أخشى بأن يجفو عليه لاذه (٢)

لم يبق فيه مع الغرام بقية

إلا أنين القلب وهو ملاذه

والقلب فتت بالصدود وما بقي

إلا رسيس يحتويه جذاذه

يا أيها الرشأ الذي من لحظه

شهدت بوادر حتفها عوّاذه

كيف النجاة وقد بدا منه لنا

سهم إلى حب القلوب نفاذه

در يلوح بفيك من نظّامه

في سمط ياقوت غلت أفذاذه

ولقد سكرت بوصف ذاك فنبّني

خمر يجول عليه من نبّاذه

وقناة ذاك القد كيف تقومت

ونحول ذاك الخصر من جبّاذه

وسهام ذاك الخد كيف شحذتها

وسنان ذاك اللحظ ما فولاذه

تالله ما علقت محاسنك امرأ

فنجا ورد فؤاده أخّاذه

كلا وما صاد الذوائب مغرما

إلا وعز على الورى استنقاذه

أغريت حبك للقلوب فأذعنت

للحسن لم يوجد بها ملّاذه (٣)

فدّاه أجمعها بنقد حياتهم

طوعا وقد أودى بها استحواذه

مالي أتيت الحظ من أبوابه

فجنى عليّ بمنعه جذّاذه

وبذلت في نظري إليه وقربه

جهدي فدام نفوره ولواذه

إياك من طمع المنى فعزيزه

شغف به يحلو له آذاذه (٤)

لكنه في نقد أرباب النهى

كذليله وغنيه شحاذه

ومن نظمه كما وجدته في بعض المجاميع الحلبية :

خط الجمال على فؤادي أسطرا

فغدوت منها هائما متفكرا

وبدا الحبيب كأنه ريحانة

لعب الصبا سحرا بها فتعطرا

__________________

(١) سوء حاله.

(٢) اللاذ هو الحرير.

(٣) الملاذ : المتلاعب في وده.

(٤) ثمره.

٨٩

وترنحت أعطافه لدلاله

فعدمت فيه تثبتا وتصبرا

أبدى ابتسام الثغر عن در وقد

أهدى شذاه للبرية عنبرا

ورضابه ماء الحياة فليته

أحيا قتيل الحب فيه فأعذرا

سهم أصاب القلب من أجفانه

فغدا لنيران الصبابة مسعرا

وشربت من خمر المحبة والجوى

كأسا أفيض على العقول فأسكرا

فغدوت نشوانا بطيب رحيقه

طربا أميل وفي الحشا ما لا يرى

لم أنسه لما تبدى مقبلا

في حلة وردية متبخترا

وتضرجت وجناته فبدا لنا

نور على نور أضاء فأبهرا

فكأنه قمر تلألأ مشرقا

بغمامة حمراء أمسى مسفرا

أهدت محاسنه إلى أبصارنا

ما أدهش الألباب حتى حيرا

يا صاحبي بلوى العقيق وحاجر

حيث الغضنفر للمهبا (١) استأسرا

لو شاهدت عيناك ما شاهدته

للقيت من عز المحاسن عسكرا

فمن الذي يجد احتمال نباله

ومن المحدث نفسه أن يصبرا

وأردت كتم الحب عن عذاله

فغدا السقام ودمع عيني مخبرا

فبذلت روحي في هواه متاجرا

ورأيت ذاك لديه أربح متجرا

بالله فاعذرني بذاك فإنني

صب أرى فيه المنية مفخرا

ما غاب إلا والخيال ممثل

لي شخصه فأظل فيه مفكرا

ويزيدني شغفا ووجدا متلفا

ويروق لي في الذهن ثمة منظرا

من مسعدي بوصاله فلقد كفى

ما قد همى من مقلتّي وما جرى

أو قبلة من خده أو ثغره

وإذا تعذر حسبنا أن ننظرا

أو ضم أعطاف تميس للينها

فتريك غصنا بالملاحة مثمرا

أو رشف مبسمه الشهي المحتوي

شهدا تباع به القلوب وتشترى

أو لمحة منه ترد فؤادي المفقود

من ألم النوى المتحسرا

أو زورة من طيف طيف خياله

فلقد فنيت تشوقا وتصبرا

أو نظرة لفتى رآه لعله

يهدي إليّ حديثه متكررا

__________________

(١) هكذا في الأصل ولعل الصواب : للمهاة.

٩٠

أو مس ترب مقامه وربوعه

بالجفن كي يحظى بتقبيل الثرى

فلقد أذاب الشوق مهجة ماجد

لو لا الغرام لما أباح وسطرا

لو زرته لعلمت ما فعل النوى

ونظرت أعجب ما نظرت من الورى

جسما يحاكيه الهلال نحافة

والنور لطفا والهواء تسيّرا

وقد ظفرت بمنظومته المسماة «بعقود الآداب» التي ذكرها المرادي في تعداد آثاره وبغير ذلك من نظمه الحسن ، وفي إيراد الجميع طول فاكتفيت بهذا المقدار.

وقد وقف كتبه على التكية الإخلاصية في محلة البياضة ، وهي هناك غير أنها لم تبق على حالها وفيها نفائس كثيرة لو تكلمت عليها لطال ذيل الكلام.

١١٢١ ـ عطاء الله الصحّاف المتوفى سنة ١١٩٠

عطاء الله بن عبد الله الصحّاف ، العالم الفاضل المتحلي بمحاسن الأخلاق والأوصاف ، نحوي العصر وخلاصة أبناء الدهر ، بل جهبذ تتمايل به الفضائل وجدا ، وتكسى من معالمه الأفاضل بردا ، ونظّار تسطع الشهب من نور بصيرته ، ومحقق تقف الألسن عند ذكر سيرته ، وإمام تقتدي النهى بآرائه ، وهمام تسامت همته عن نظرائه ، إن ذكر اللسان فعضب لا ينبو ، أو جلي البيان فنار لا تخبو ، أو مسايرة الإخوان فجواد لا يكبو ، أو العلوم العربية والمعاني الأدبية ، فهو ابن بجدتها المقتعد متون النجب الأبية.

ولد رحمه‌الله بحلب في حدود الأربعين بعد المائة والألف ، واشتغل بالفقه النفيس ، على المذهبين النعماني وابن إدريس ، وشمر ساق الجد إلى تحصيل الفضائل مع تشعب فنونها ، وقطع الفيافي من سهو لها وحزونها. ثم تصدر للإقراء والإفادة ، خافضا جناحه لأولي الطلب والاستفادة ، يمضي ليله في تلاوة كلام الخالق ، ونهاره في نشر العلم وقطع العوائق ، حتى توفاه الله بدرا طالعا ، واختاره إلى جواره عابدا طائعا ، في ثالث صفر سنة تسعين ومائة وألف.

وله من الغزل الرائق المطبوع ، والمديح النبوي المسموع ، ما هو عند الخبير مستجاد ، ويلهي عن أحاديث ميّة وسعاد. وله في جناب الوالد المرحوم المبرور قصائد كأنهن القلائد ، منها قوله مهنئا له في الفتوى سنة ١١٨٧ :

٩١

بزغت كواكب فضله للمهتدي

وبدت فقالت للظلام تبدد

وتبلجت تلك المطالع وازدهت

شرفا ببدر كمالها المتأيد

مولى تسامى بالكمال وقاره

وسما بسودده محل الفرقد

وأصوله كرمت وطاب مكانة

فزكا بأصل ماجد وبمحتد

مولاي إني قد أتيت مهنيا

فشذا ثنائك فاح عنبره الندي

يهنيك بل يهني بك الإفتاء إذ

بك قد تجمل بالبها والسودد

لمزيد فضلك قد أتيت مبجلا

من غير ما طلب ولا بتعهد

فيه المسرة للإمام تكاملت

وبدا الهناء بطيب عيش أرغد

وبه لسان الحال قال مؤرخا

دام السرور لعود إفتا أحمد

ا ه من «اللوائح والنفائح» للكواكبي ، وأورد له غير ذلك من النظم وفيما ذكرناه كفاية.

١١٢٢ ـ إبراهيم المداري المتوفى سنة ١١٩٠

إبراهيم بن مصطفى بن إبراهيم الحنفي الحلبي المداري ، نزيل قسطنطينية ، العلامة الكبير والفهامة الشهير ، آية الله الكبرى في العلوم العقلية والنقلية ، ذو التصانيف الباهرة الذي هو بكل علم خبير. كان من أكابر العلماء الفحول وشهرته تغني عن تعريفه ووصفه.

ولد بحلب ، وكان مداريا في الأصل (المداري الذي يصنع آلة التذرية) ففتح الله عليه ، واشتغل في بدايته على أهل بلدته حلب الشهباء ، وكان رأى رؤيا فقصها على شيخه ومربيه الشيخ صالح المواهبي شيخ القادرية بحلب ، فأمره بالقراءة في العلوم ، فتوجه إلى مصر القاهرة واستقام بها سبع سنين مشتغلا وأتقن فيها المعقولات ، ثم توجه إلى بلده فسئل عن المنقول فأظهر أنه لم يحققه كما ينبغي ، فقالوا له : احتياجنا إلى المنقول أكثر من احتياجنا إلى المعقول ، فسافر إلى الحج على طريق الشام ، وقدم دمشق وأخذ بها عن جماعة ، فأخذ التصوف عن الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي ، وأخذ عن الشيخ أبي المواهب بن عبد الباقي مفتي الحنابلة بها والشيخ إلياس الكردي نزيلها ، وقرأ مفصل الزمخشري على الشيخ محمد الحبال ، وأخذ عن الشهاب أحمد الغزي العامري. وتوجه إلى الحج فأخذ عن الجمال عبد الله بن سالم البصري المكي والشيخ أبي طاهر بن إبراهيم الكوراني المدني والشيخ محمد

٩٢

حياة السندي والشيخ محمد بن عبد الله المغربي. ثم رجع إلى القاهرة فأخذ المعقولات والمنقولات عن السيد علي الضرير الحنفي ، وكان معيد درسه وانتفع به كثيرا ، وعن الشيخ موسى الحنفي والشيخ سليمان المنصوري مفتي الحنفية وعن الشيخ سالم النفزاوي المالكي والشيخ الدفري والشيخ أحمد الملوي والشهاب الشيخ أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري والشيخ علي العمادي والشيخ محمد بن سيف والشيخ منصور المنوفي.

وأذن له المشايخ بالتدريس فأقرأ «الدر المختار» وهو أول من أقرأه في تلك الديار وأول محشّ له ، فأقرأه في أربع سنوات مع الملازمة التامة ، وأقرأ «الهداية» وغيرها ، وانتفع به الجل.

واشتهر بالذكاء والفضيلة ، وتزاحمت الطلبة على دروسه ، وصار إماما ليوسف كيخيه ، وانتفع من المذكور بدنيا عريضة وجهات كثيرة ، إلى أن توفي فآذاه الأمير عثمان الكبير أحد أمراء مصر المعبر عنهم بالصناجق واستخلص جميع ما بيده من الجهات وألزمه بأموال كثيرة ، فما بقي عنده شيء. ففي تلك السنة عزل من طرف المصريين الوزير سليمان باشا العظم من ولاية مصر ، فأرسلوا للشكاية عليه المترجم مع جماعة ، فتوجه إلى الدولة العثمانية فما اعتبره واليها ، وكان رئيس كتابها إذ ذاك الوزير محمد باشا المعروف بالراغب ، فلما اجتمع به واطلع على غزير فضله وعلمه أخذه إليه وتلمذ له فأقرأه في كثير من العلوم وقابل له النسخ المتعددة منها «الفتوحات المكية» أتى بأصلها نسخة مؤلفها من قونية وغالب النسخ المقابلة خط المترجم ، واشتهر إلى أن أعطي الراغب الأطواغ ومنصب مصر ، فأراد التوجه وأنزل حوائجه في السفينة فمنعته القدرة الإلهية وبقي في القسطنطينية ، واجتمع بشيخ الإسلام علامة الروم المولى عبد الله الشهير بالإيراني ، وكان إذ ذاك قاضي العساكر ، فصار عنده مفتشا ومميزا ، وقرأ عليه علماء الروم منهم ولد المذكور شيخ الإسلام المولى محمد أسعد ، ومنهم كتخدا الدولة محمد أمين كاشف المشهور بالمعارف ، وأحد رؤساء الكتاب ملاجق زاده المولى إسحق قاضي العساكر ، ولازم من ملاجق زاده المذكور على قاعدة المدرسين الموالي. ثم لما صار شيخ الإسلام المولى السيد مرتضى ولد شيخ الإسلام المولى السيد فيض الله الشهيد عرضت عليه مؤلفاته ، فأعطاه تدريس الدولة وسلك طريق الموالي إلى أن وصل إلى موصلة السليمانية فأدركته المنية قبل الأمنية.

٩٣

وله حاشية على الدر المختار (١) ، وشرح جواهر الكلام ، ونظم السيرة في ثلاثة وستين بيتا ، وشرح لغز البهاء العاملي ، وله رسالة في العروض ، ورسالة في الوفق ، ورسالة في المعمى وغير ذلك. ودرس في جامع السلطان سليم وفي جامع أيا صوفية بمشيخة الحديث.

وكان مكبا على المطالعة والإقراء ليلا ونهارا مع عدم مساعدة سنه وانحطاط مزاجه لاستعمال المكيفات ، ودائما دروسه تحضر فيها العلماء وغالب محققي الأزهر تلامذته ، وأما في بلاد الروم فلا يحصون كثرة.

توفي رحمه‌الله تعالى في شهر ربيع الآخر سنة تسعين ومائة وألف ، ودفن بقسطنطينية جوار سيدي خالد بن زيد أبي أيوب الأنصاري رضي‌الله‌عنه. ا ه.

١١٢٣ ـ محمد أبو الصفا الخوجكي المتوفى سنة ١١٩٢

محمد أبو الصفا بن الشيخ المعمر مصطفى أبو الوفا الخلوتي الشافعي الشريف لأمه.

مولده كما أخبرني سنة ثمان وماية وألف. أخذ الطريق عن والده المذكور ولازمه وكان منشد حلقته. وله معرفة تامة بالموسيقا ومعرفة بالطريق. وليلة وفاة والده ليلة سابع عشرين رجب سنة ١١٥٣ خلفه ولده.

وكان عنده محبة للناس وتواضع وسخاء وطيب نفس. وكانت وفاته في سنة ١١٩٢. ا ه.

١١٢٤ ـ الشيخ عبد الجواد الكيالي المتوفى سنة ١١٩٢

عبد الجواد ابن السيد أحمد بن عبد الكريم بن أحمد المتصل نسبه إلى الولي الشهير الشيخ الكيالي رضي‌الله‌عنه ، الشافعي الرفاعي النقشبندي السرميني المولد الحلبي المنشأ والوفاة

__________________

(١) يوجد من هذه الحاشية نسخة عندي حسنة الخط وفي المدرسة الأحمدية بحلب وفي مكتبة سليم أغا وفي لاله لي كلاهما في الآستانة. وتلاه في تحشية هذا الكتاب العلامة الطحطاوي المصري وهي مطبوعة في أربعة مجلدات. تلاهما العلامة الشيخ محمد المعروف بابن عابدين الدمشقي. طبعت هذه مرارا في خمسة مجلدات كلاهما أكثرا من النقل عن الحاشية الحلبية بحيث كادا يأتيان عليها.

٩٤

العارف الكامل والمحقق الواصل الأستاذ الفاضل الصوفي المعتقد.

ولد في محرم سنة تسع ومائة وألف بسرمين ، وبها نشأ في تربة والده إلى سنة عشرين ، فتوفي والده وخلف خال المترجم الشيخ إسماعيل ، وهو من أهل العلم والصلاح ، وأوصاه بأن يحسن تربية المترجم ، فأتى به خاله إلى محل إقامته في إدلب فقرأ بها القرآن في أيام قلائل ، ثم صار يتقنه على مذهب الإمام الشافعي على العارف المشهور الشيخ عمر الفتوحي.

ثم صار يتردد إلى حلب لأجل طلب العلم ، فقرأ على الشيخ عبد القادر المخملجي المقيم بالمدرسة الشعبانية ، وعلى الشيخ إبراهيم المقيم بالأشرفية الفقه والعربية وغيرهما ، وكتب له إجازة.

ففي سنة اثنتين وثلاثين توفيت زوجته ومن حصل له منها من الأولاد وهو في حلب ، فقطن بها للإشغال والاشتغال ، وقرأ على شيخ الشافعية بزمنه الشيخ جابر الفقه والحديث ، وعلى الشيخ سليمان النحوي المعاني والمنطق والبيان وغير ذلك ، وحضر العلامة أبا السعود الكواكبي تفسير البيضاوي مع جملة فضلاء ذلك العصر إلى أن برع في العلوم المذكورة وغيرها من العلوم الشرعية والعقلية.

وفرغ له شيخه الشيخ عبد القادر المذكور عن وظيفة الحديث في الجامع الأموي بحلب وجامع بشير باشا ، فقام بهما والشيخ يتناول معلوم الوظيفتين إلى أن توفي الشيخ واستمر على الإقراء مدة مديدة. ثم إنه ترك جميع ذلك وانقطع عن الناس في البيت وأقبل على شأنه.

وكان له معرفة تامة ويد طولى في الفنون الغريبة والاشتغال بها ، وتآليفه جليلة فيها ، لكنه لم يتظاهر بمعرفة شيء وأحرق جميعها ولم يبق شيئا لا له ولا لغيره ، وأعرض عن ذلك كله ، وكان كلما حدث بشيء من ذلك يبكي ويستغفر. وأقبل على الاشتغال بعلم السادة الصوفية ومطالعة كتبهم ولم يكن قبل ذلك مشتغلا بالعلوم المذكورة ، بل كان مكبا على العلوم الرسمية.

ثم إن خاله المذكور قبيل وفاته أرسل له بالخلافة والإجازة ، ومن جملة ما كتب له :

هذا وقد حبب إليّ أن أجيز مولانا بما أجيز لنا به تطفلا مني على سبيل الهجوم ، وإن كان غنيا عن ذلك بما حواه من دقائق العلوم ، فكمالاته العلية لا تحتاج إلى نقصان ، لكن

٩٥

هكذا جرت عادة هذه الطائفة ، فهي من بركات السلف عائدة على الخلف.

كالبحر يمطره السحاب وماله

منّ عليه لأنه من مائه

ا ه فاستمر المترجم على الانقطاع في بيته ، وكان قد تعاطى الأسباب المعاشية نحو ثلاث مرات فتعسرت عليه المعيشة ، فترك ذلك وجلس على الفتوح فكان يأتيه رزقه من حيث لا يحتسب ، فتارة يكون في سعة وتارة يكون في ضيق. وكان يقبل ما يأتيه من النذر ولا يقبل ما يأتيه من الهدايا ولو كانت سنية ، وكانت الناس تقصده في حوائجهم فتقضى بتوجهاته ودعائه كما اشتهر ذلك عنه ، ورزق القبول التام عند الخاص والعام مع المهابة والتوقي والاحترام. وكان حاله الستر والخفا والتمكن ، وله أصحاب مخصوصون يجتمعون به في أول النهار والليل ، وكان الغالب عليه التكلم في وحدة الأفعال ظاهرا ، وقليلا ما كان يتكلم في وحدة الصفات والذات ظاهرا.

وكان معلنا بمحبة السادة الصوفية ، وكان يثني كثيرا على الأستاذ العارف الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي ، وكذلك على كتب العارف الشعراني رضي‌الله‌عنهم.

وأخذ عنه أناس كثير من حلب وغيرها واعتقدوه وتلمذوا له.

ولم يدع من تآليفه غير رسالتين الأولى في المشط المصنوع من الباغة سماها «الإساغة للتسريح بالمشط المعروف بالباغة» ، والثانية في الحديثين اللذين أخرجهما في مسند الفردوس ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قوله : (من قال أنا مؤمن فهو كافر) ، وقوله عليه‌السلام : (من قال أنا مؤمن حقا فهو كافر أو منافق).

وكانت وفاته بحلب في صبيحة يوم الأربعاء العشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف ، ودفن في بيته بإشارة منه قبل وفاته بنحو سنة ، والآن يزار مرقده رحمه‌الله تعالى. ا ه.

١١٢٥ ـ عبد الرحمن بن عبد الله الحنبلي المتوفى سنة ١١٩٢

ترجمه المرادي في تاريخه ، وترجم هو نفسه في ثبته الذي سماه «منار الإسعاد في طرق الإسناد» رأيته بخطه وهو محرر سنة ١١٩٠ فلخصتها منه وذيلتها ببعض ما في المرادي.

٩٦

قال رحمه‌الله تعالى : وأحببت أن أختم هذا الثبت المبارك بذكر ترجمتي اقتداء بمن قبلي من الأئمة والمحدثين ، فقل ما ألف أحد منهم تاريخا أو غيره إلا وترجم نفسه فأقول : أنا العبد الفقير إلى رحمة ربه العلي عبد الرحمن الحنبلي الشامي مولدا ومنشا الحلبي أصلا ووطنا ابن الشيخ العالم العامل والجهبذ الحبر الكامل الشيخ عبد الله ابن الشيخ الإمام القدوة العالم العامل الولي الصالح بركة الديار الشامية الشيخ أحمد الحنبلي البعلي الشهير بالخطيب ابن الشيخ محمد بن أحمد بن محمد بن مصطفى ، هكذا أملاني الوالد المرحوم نسبه ، وقال لي : لا أعرف ما اسم من فوق مصطفى. وأخبرني أخي الكبير الشيخ محمد الحنبلي رحمه‌الله تعالى أن من أجدادنا العالين الشيخ سليمان السبسبي المشهور المدفون خارج مدينة حماة ، وأن منهم الشيخ جندل المدفون بمنين من أعمال دمشق ، ولنا قرابة من ذريته بمدينة حمص مشهورون إلى الآن. وكان جدي الشيخ أحمد المذكور يترجم نفسه بقوله : الحلبي أصلا البعلي مولدا الدمشقي وطنا ، فعلى هذا يمكن أن الأصل كانوا من حلب أولا ثم ارتحلوا منها إلى حماة ثم إلى بعلبك وفيها كان مولد الجد وأولاده ، ثم ارتحلوا منها إلى دمشق بأهله وأولاده ، وفيها كانت ولادتي وولادة إخوتي. وشهرته بالخطيب لأنه كان يخطب بيونين من أعمال بعلبك ، واستمرت هذه الشهرة علينا إلى زماننا فكنا نعرف ببيت الخطيب ، ثم اشتهرنا بعد ذلك بالحنابلة ، ثم صارت شهرتي الآن في مدينة حلب بالشامي والحنبلي. (ثم قال) : وأما مولدي فقد رأيت بخط الوالد المرحوم أنه كان في الثاني عشر من شهر جمادى الأولى سنة عشرة بعد المائة والألف ، ثم بعد أن بلغت سن التمييز شرعت في قراءة القرآن العظيم حتى ختمته على والدي في مدة يسيرة ، ثم شرعت في الاشتغال بطلب العلم سنة عشرين ، وكان سني إذ ذاك عشر سنين ، فقرأت على شيخنا الشيخ عواد الحنبلي النابلسي النحو والفقه الحنبلي ، وتدرجت عليه في القراءة زمانا طويلا ينوف على عشرين سنة ، وهو أول من أخذت عنه العلم. ثم في سنة ١١٢٢ بعد أن توفي والدي إلى رحمة الله تعالى لازمت مع أخويّ دروس حضرة شيخنا شيخ الإسلام أبي المواهب في الحديث والفقه نحو خمس سنين ، ودروس شيخنا الشيخ عبد القادر التغلبي في الحديث والفقه والنحو والفرائض والأصول وغير ذلك مدة ١٥ سنة وأجازني إجازة عامة ، ثم قرأت على شيخنا الشيخ محمد المواهبي ولازمته نحو تسع سنين وأجازني بجميع ما تجوز له وعنه روايته ، وقرأت على شيخنا العارف بربه الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه‌الله تعالى كتاب «فصوص الحكم» ، وحضرت دروسه في «تفسير البيضاوي» وفي «الفتوحات المكية» ولازمته

٩٧

ثماني سنين وأجازني إجازة عامة رحمه‌الله تعالى.

ثم بعد أن ارتحلت إلى مدينة حلب وتوطنت بها أخذت هذا الطريق على شيخنا وأستاذنا فريد عصره وزمانه الشيخ صالح المواهبي فبايعني ولقنني الذكر والورد ، ثم بعد وفاته جددت على ولده سيدي الشيخ محمد رحمه‌الله تعالى ثم بعده على ولده الفاضل البارع الشيخ إسماعيل أطال الله بقاءه وثبته على مرضاته. وسمعت في حلب أيضا الحديث المسلسل بالأولية وأكثر صحيح الإمام البخاري من شيخنا محمد عقيلة ، وقرأت في المنطق والأصول على شيخنا الشيخ صالح البصري ، وقرأت في الأصول والتوحيد والنحو والمعاني والبيان على شيخنا الشيخ محمد الشهير بابن الزمار وحضرته كثيرا في صحيح البخاري ، وقرأت في المعاني والبيان أيضا على شيخنا السيد محمد الكبيسي ، وأخذت علم العروض والاستعارات عن شيخنا الشيخ قاسم البكرجي ، وأخذت عن مشايخ كثيرين يطول ذكرهم وفزت منهم بإجازات سنية ودعوات بهية.

ولي بفضل الله تعالى عدة مصنفات ، منها الجامع الصغير للحافظ السيوطي المسمى «نور الأخبار وروض الأبرار في حديث النبي المصطفى المختار» اقتصرت فيه على ما رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم ، ومنها شرحه المسمى «فتح الستار وكشف الأستار» ، ومنها «بداية العابد وكفاية الزاهد» في الفقه الحنبلي اقتصرت فيها على العبادات ، ومنها شرحها المسمى «بلوغ القاصد جل المقاصد» ، ومنها شرح أخصر المختصرات في الفقه أيضا لشيخ مشايخنا الشيخ شمس الدين محمد بن بدر الدين بن بلبان الصالحي الحنبلي المسمى «كشف المخدرات» (١) ، ومنها مختصر هذا الشرح المسمى «مجنى الثمرات» ، ومنها الرسالة المسماة «بالنور الوامض في علم الفرائض» وشرحها المسمى «رفع العارض» ، ومنها المنظومة المسماة «بالدرة المضية في اختصار الرحبية» ، ومنها شرحها المسمى «بالفوائد المرضية» ، ومنها «نظم الأجرومية في علم العربية» ، ومنها «الرسالة الحلبية في اختصار الأجرومية» وشرحها المسمى «بالقطع الذهبية» ، ومنها ديوان خطب السنة المسمى «بالجامع لخطب الجوامع» ، ومنها مختصره المسمى «بالنور اللامع في خطب الجوامع» ، ومنها ديوان أدب ، ومنها رحلة ذكرت فيها ما شاهدته في سياحتي من عجائب

__________________

(١) توجد مسودة المؤلف في المكتبة الصديقية بحلب محررة سنة ١١٣٨ حررها بالمدرسة الشميصاتية بدمشق أي قبل أن يهاجر المترجم إلى حلب ، ونسختان في الأحمدية بحلب.

٩٨

البر والبحر ، ومنها هذا الثبت المبارك. (ثم قال) : وقد أجزت به لولديّ عبد الله موفق الدين وأخيه محمد مجد الدين وأجزتهما أيضا بمالي من نظم ونثر وبجميع ما أجازني به أشياخي رحمهم‌الله تعالى من مروياتهم ومصنفاتهم وإجازاتهم وكتب مشيخاتهم بشرطه المعتبر عند أهل الحديث والأثر. ا ه.

قال المرادي : وأعلى أسانيده في صحيح الإمام البخاري روايته له عن الشيخ محمد الكتاني عن الشيخ إبراهيم الكوراني نزيل المدينة المتوفى بها سنة ١١٠١ بسنده ، وعن شيخه الشيخ عقيلة عن المحدث الكبير الشيخ حسن بن علي العجيمي المكي بسنده ، وفي كل من السندين بين صاحب الترجمة وبين الإمام البخاري عشرة والإمام البخاري حادي عشرهم ، وبالنسبة إلى ثلاثياته يكون بينه وبين صاحب الرسالة صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربعة عشر ، وهذا السند عال جدا ولا يوجد أعلى منه.

وكان بحلب مستقيما ساكنا فاضلا ، وله أناس يبرونه قائمون بمعاشه وما يحتاج إليه ، واستقام بها إلى أن مات.

وكان ينظم الشعر وله ديوان فائق محتو على رقائق ، فمنه ما قال مقتبسا :

اعبد الله وجاهد

فإذا فرغت فانصب

والزم التقوى خلوصا

وإلى ربك فارغب

وله :

أطل صمتا ولا تعجل

بإفتاء تفز فادري

فكل العقل في صمت

ونصف العلم لا أدري

وله غير ذلك.

وكانت وفاته بحلب سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف رحمه‌الله تعالى. ا ه.

١١٢٦ ـ محمد بن كوجك علي المتوفى سنة ١١٩٢

محمد بن كوجك علي الحلبي ، صدر أعيان حلب ورؤسائها.

٩٩

كان أحد القبوجي باشيه بالباب السلطاني ، بارعا ناظما ناثرا جبلته ذلك (١) بالألسن الثلاثة العربي والفارسي والتركي.

ولد في رمضان سنة ثلاث عشرة ومائة وألف ، وأخذ عن عثمان أفندي الشابياض وغيره. وكان له صلاح واشتغال بالعبادة. ومن شعره العربي قوله :

شادن يسلب العقول بطرف

وبخد كروضة الأزهار

كم كسا السمع من أغان وعود

نغمات الإقرار في الإنكار

وكان له معرفة تامة بالموسيقا وله ألحان بها.

وكانت وفاته سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف. ا ه.

أقول : لم يذكر المرادي محل وفاته.

١١٢٧ ـ الشيخ عثمان العقيلي المتوفى سنة ١١٩٣

عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الرزاق بن إبراهيم (٢) بن أحمد بن عبد الرزاق ابن شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عقيل بن تقي الدين أبي بكر بن عبد الرحمن بن برهان الدين بن إبراهيم بن أبي عبد الله محمد بن أبي حفص أحمد بن زين الدين سويدان ابن شهاب الدين أحمد بن القطب الشيخ عقيل المنبجي قدس‌سره ابن الشيخ شهاب الدين البطائحي ابن الشيخ زين الدين عمر ابن الشيخ عبد الله البطائحي ابن الشيخ زين الدين عمر ابن الشيخ سالم ابن الشيخ زين الدين عمر ابن سيدنا ومولانا عبد الله رضي‌الله‌عنه ابن سيدنا ومولانا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، الإمام العالم الفاضل.

كان صالحا عالما عاملا زاهدا ، وله سلوك حسن الأخلاق والسير.

ولد في سنة خمس وثلاثين ومائة وألف ، وحفظ القرآن وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، ثم حفظ الشاطبية والدرة ، واشتغل بالطيبة في القراءات العشر ، وجمع القرآن من طريق

__________________

(١) هكذا في الأصل وفي سلك الدرر.

(٢) باقي النسب لم يرد في سلك الدرر.

١٠٠