إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٧

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٧

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٦٤

الوالد ، فطلبا منه أن يجتمعا به ، فقدر الاجتماع وسألا الوالد عن أخذ هذه الطريقة ، فأحضر سلاسله وأسناده ، فاطلعا على ذلك ودعوا له وقرظا على إجازته وشهدا له بالأهلية ، وانسر بوجود هذه الطريقة ونشرها في هذه الأقطار.

تزوج رحمه‌الله تعالى ثلاث زوجات ، أولاهن الست صفية بنت المرحوم السيد أحمد أفندي يحيى بيك زاده العقيلي الجنيدي وأولدها حامدا ورقية ، ثم تزوج بالوالدة الست آسية بنت السيد محمد الزنابيلي الشريف ذي النسب المشهور وبقيت عنده إلى أن توفيت بطاعون سنة ١٢٠١ ، ثم تزوج بنت السيد يسين الشراباتي وبقيت إلى سنة ١٢١٩ وماتت في عصمته قبل وفاته بستة أشهر.

وكان رحمه‌الله ملازما على الأوراد الشاذلية نهار الثلاثاء في الأموي بعد العصر وعلى إقامة الذكر مع الأخوان نهار الأحد في زاوية خير الله. ا ه. (من خط ولده الشيخ أبي الوفا الرفاعي المتوفى سنة ١٢٦٤).

١١٧١ ـ الشيخ عمر الخفّاف المتوفى أوائل هذا القرن

قال السيد الكواكبي في حقه : الفاضل الألمعي ، والكامل اللوذعي ، نخبة السادات والأشراف ، أبو السعد عمر بن عبد الله الخفاف ، العالم النحوي الأديب ، والمتفنن العارف الأريب ، ذو اللسان العذب القندي ، والعرف الزكي الوردي ، يجنى ثمر الفصاحة من آدابه ، ويلتقط در الجمان من بديع خطابه.

ولد بحلب في حدود الخمسين والمائة بعد الألف ، ونشأ بها واشتغل باجتهاد وجد ، وأخذ من غضارة التحقيق ما أربى به على السيد والسعد ، ثم أخذ يغذي الطلبة من خالص المعارف ، ويكسوهم من فضله حلل اللطائف والعوارف ، وهو الآن في الحياة ، أمده الله بعظيم الفضل والجاه.

وأما شعره فهو السحر الحلال ، أو العذب الزلال ، من بقية المخضرمين الأول ، غير أنه لا يذكر رسما ولا طلل ، بل جميع ما تجوده رويته من سانحات الآن ، لم يقيدها بمجموع ولا ديوان. وله شعر كثير جدا.

١٦١

وساق السيد الكواكبي عدة قصائد له في مدح والده أحمد أفندي ، منها وهي من غرر قصائده :

كفّ (١) السهام التي أضنت لمضناك

وراع (١) من بات طول الليل يراعاك

لولاك لم أسل أهلي والأولى غرسوا

حدائق الحمد يوم العز لولاك

قد كنت أرجوك يوم البين ناصرة

فكنت لكن لغير المدنف الباكي

ما عطر الروض إلا حين مر به

ذكراك إذ روح هذا القلب ذكراك

قاسوك حسنا ببدر التم واعجبا

أذلك الجهد أم قد لوح الحاكي

إذا سرت نسمات في الرياض دجى

تذكر الصب ذاك المرتع الزاكي

فإن رنت ففؤاد الصب في خطر

وإن رثت هيجت قلب الشجي الباكي

يا ظبية في فؤاد الصب راعية

إن كان يرضيك هذا فهو مرعاك

قالت أتخلص من أسري فقلت لها

كيف الخلاص وقلبي بعض أسراك

إلا بمدحي هذا الشهم من رفعت

راياته الغر مجدا فوق أفلاك

الماجد الأحمد الآثار كهف ندى

مولى الأنام وأمن الخائف الشاكي

مولى له السعد مولى وهو ذو شيم

فيا شمائله ما كان أحلاك

أما رقى رتبا مذ قد سما حسبا

وكم رمى شهبا في قلب أفاك

شأن الكواكب أن ترمى لذي شطط

كما بها يهتدى في ليل أحلاك

فيا كواكبه الغراء فقت سنا

على البدور فما أبهى وأسناك

خدمت سدته فاستبشري فرحا

بشراك قد سدت أهل الفخر بشراك

عدت فعاد الهنا والأنس مع بشر

فيا مواطن أنس لا عدمناك

لا زلت عاطرة الأنفاس عنه مدى

مر الدهور بعلياه وعلياك

وله كما وجدته في مجموعة للمنشد الشهير أحمد بن محمد عقيل يمدح بها الحضرة النبوية :

إليك وإلا لا تشد الركائب

ومنك وإلا لا تسح المواهب

وفيك وإلا فالحديث مزخرف

وعنك وإلا فالمحدث كاذب

عليك وإلا فاعتمادي مضيع

لديك وإلا لا ترجّى المطالب

__________________

(١) هكذا في الأصل ، والصواب : كفّي وراعي.

(١) هكذا في الأصل ، والصواب : كفّي وراعي.

١٦٢

ومن بك يستفتح لكل مآرب

وإلا فقد شطت عليه المآرب

ومن بك يا غوث النبيين يلتجي

ينجى وإلا فهو لا شك خائب

ولو لم يجد سحب السما فيض جوده

وإلا لما سحت علينا سحائب

نبي أضا في الكون نور جماله

فمنه استعارت ذا الضياء الكواكب

نبي دنا ثم تدلى من الذي

يماثله في القرب أو من يقارب

نبي أتى بالمعجزات فبعضها

لقد أعجز الصنفين ممل وكاتب

له الرتبة العليا له المجد والعلا

بمنصبه الأعلى تنال المناصب

إماما علا الأملاك والرسل كلهم

خطيبهم يعجزن فيه المراتب

وكيف وكل الرسل تحت لوائه

بيوم تذوب من لظاه الذوائب

وقوفا على الأقدام في موقف الجزا

وهذا الذي في ذلك اليوم راكب

عذولي لا تصدع بعذلك مسمعي

فإني بمن أهوى عن الحسّ غائب

فحبي له فرضي وديني ومذهبي

(وللناس فيما يعشقون مذاهب)

أغث سيدي عبدا أتى بك لائذا

فأنت غياثي إن دهتني النوائب

فأشكو جوى أو تمثل شخصه [هكذا]

على جبل لاحت عليه عجائب

تقاعس حظي عن مرادي وكلما

أناديه من قرب نأى وهو لاعب

عليك صلاة الله ما ذر شارق

وما غاسق داج وما لاح غارب

وأزكى سلام قد علا الكون بهجة

مشارقه تذكو به والمغارب

كذاك على الآل الكرام وصحبك ال

فخام هم الغر النجاب الأطايب

مدى الدهر ما مدح يروق بوصفهم

وما انجاب عنا من سناهم غياهب

ومن نظم الشيخ عمر المذكور كما وجدته في بعض المجاميع :

قيل البرادة في الإنسان قد جعلت

كالزمهرير وإن الحكم سيان

فقلت حاشا فإن الفرق متضح

تبدو بداهته في حسن تبيان

فالزمهرير له طب يطببه

كجبة وجلابيب وقمصان

لكن برادة بعض الناس ليس لها

طب فمنها استعذ من شر شيطان

وذكر الشيخ أبو الوفا الرفاعي في مجموعته ومن خطه نقلت قال : سمعت من الحاج عبد الرحمن أفندي المدرس المفتي السابق في مجلس حكمدار حلب إسماعيل بك ، وكان

١٦٣

جرى ذكر الحيات ، فحدثهم أن الشيخ عمر الخفاف رحمه‌الله صنع لأهله طعاما يسمى بالصجقات لأجل العشاء ، فطبخوه من الظهر وأبقوا لطعام العشاء جانبا وذهبوا إلى الحمّام وقالوا للشيخ : إذا أردت العشاء قبل مجيئنا من الحمّام فالصجقات في القفة وهي معلقة في المطبخ ، ووضعوا مفتاح الباب عند الجيران ، فعاد إلى البيت جائعا وطلب المفتاح وفتح ودخل إلى المطبخ ، فمد يده إلى القفة وكان أعشى فذهب إلى أن الموضوع في القفة حية ، ولمس الصجقات لينة مثل لين الحية ، فحصل له الجزع والخوف ، وكان له فرن قريب من داره وعنده صانع يدعي أنه مبايع في طريق سيدي أحمد الرفاعي قدس‌سره ، ففزع إلى الصانع وقال : يا فلان ، مددت يدي إلى القفة فإذا فيها حية جزعت منها غاية الجزع ، فأدركني وخلصني منها ، فأسرع الصانع على أنه رأى حية في القفة ، فلما رأى الصجقات أوهم الشيخ أنه حل فيه الحال ، وصار يقضم الصجقات ويأكلهم ويوهم الشيخ أنه يأكل الحية ، والشيخ يقول : شيء لله المدد يا أصحاب الطريق ، شيء لله المدد يا رجال ، ويبكي والصانع يقضم الصجقات ويوهم أنه يأكل الحية ويصيح ، فلما انتهى الأكل خرج الصانع هائما على وجهه إلى بيته ، فصار الشيخ يقول : ما كنا نعرف قدره ، وهو متفكر أين وضعوا له الصجقات ، فلما جاء الحريم من الحمّام سألهم : أين وضعتم الصجقات؟ قالوا : في القفة ، فعلم أن الصانع احتال ليأكل الصجقات ، وخرج إلى بيت الصانع وقال له : يا خبيث يا محتال ، أدخلت عليّ الحيلة وأكلت طعامي وتركتني جائعا ، وصار يشتمه ويسبه والصانع يضحك لعلمه بلطافة حال الشيخ ، وقال له : إذا كنت لم تفرق بين الحيات والصجقات ودخل عليك الوهم وندبتني لهذا الأمر وأنا جائع كيف لا آكل ولو مت ، وصارت أحدوثة لطيفة يتحدث بها. ا ه.

وهو مدفون في تربة الشعلة خارج باب المقام ، ولم أظفر بقبره لآخذ عنه تاريخ وفاته في أية سنة كانت ، ولعله ذهبت ألواح قبره ودرس ، غير أن وفاته في أوائل هذا القرن ، ولعلها كانت قبل العشرين أو بعدها بقليل.

١١٧٢ ـ الشيخ مصطفى الطرابلسي المتوفى في حدود سنة ١٢٢٠

الشيخ مصطفى بن محمد بن إبراهيم بن محمد الطرابلسي ، الحلبي المولد والمنشأ ، الحنفي ، العالم الفاضل والمتقن الكامل ، المولى السيد الشريف البليغ الأديب ، نخبة البلغاء وكعبة الفضلاء والرؤساء.

١٦٤

ولد بحلب سنة ست وأربعين وماية وألف ، ونشأ بكنف والده الشمس محمد نقيب الأشراف ومفتي الحنفية بحلب أحد العلماء والفقهاء المشهورين بعصره ، وقرأ عليه الكثير من الكتب وانتفع به وسمع عليه الكثير ، وأخذ عنه ، واشتغل على غيره بالأخذ والتحصيل وقرأ عليهم ، كأبي السعادات طه بن مهنا الجبريني وأبي الفتح (١) محمد بن الحسين وقاسم ابن محمد البكرجي ، وأجازه أبو البركات عبد الله بن الحسين بن مرعي السويدي البغدادي عام دخوله حلب حاجا سنة سبع وخمسين وماية وألف ، وأبو عبد الله علاء الدين محمد ابن محمد الطيب الفاسي المالكي نزيل المدينة المنورة وسمع منهما الحديث المسلسل بالأولية. وأجازه الشهاب أحمد الملوي المصري وأبو عبد الله محمد بن علي الجمال الحلبي تلميذ والده ، فبرع وفاق ، وانعقد على فضله الاتفاق ، وحصل له الفضل الذي لا ينكر ، والإتقان الذي لا يجحد بل ينشر ويذكر.

وأقبل على الأدب ومطالعة كتب اللغة والعربية واشتغل بها حتى ضبط الكثير منها وحفظ غالبها ، وجمع كتابا في اللغة لم ينسج على منواله ولم يسبق إلى مثاله ، جعله أبوابا وفصولا وتفرغ لجمعه وتحريره عدة سنين حتى جاء كتابا وافيا مفيدا سهل المأخذ كثير الفائدة.

وقدم دمشق ودخلها غير مرة ، وسمع من أبي يحيى علاء الدين علي بن صادق الداغستاني ، وسمع الكثير من العلماء واستفاد من فوائدهم ، ثم ارتحل إلى حلب وامتحن لما قامت الأشراف وقوي جانبهم. وخرج من حلب واستقام مدة في مدينة صيدا وتلك النواحي. ثم دخل القسطنطينية ، وكان قد مات والده في تلك الأيام (٢) واجتمع بعلمائها وأعيانها. وتقلبت به الأحوال بعد ذلك ، واستقر آخر أمره في بلدته الشهباء إلى أن اخترمته المنية سنة نيف وعشر ومائتين وألف ، ودفن هناك رحمه‌الله تعالى. ا ه. (حلية البشر).

أقول : وقد دفن في تربة العبّارة خارج باب الفرج ، إلا أن قبور هذه العائلة قد درست مع ما درس من القبور التي أخذت من أطراف الجبانة الأربعة باعتبار أنها قبور مندرسة ، واتخذ بعضها بيوتا حول الباقي الآن من التربة وبعضها شوارع بجانبها وذلك في حدود سنة ١٣٢٠.

__________________

(١) في «حلية البشر» : وأبي عبد الفتاح.

(٢) كانت وفاة والده محمد أفندي مفتي حلب سنة ١١٨٤ كما رأيته في مجموعة لبعض بني الطرابلسي.

١٦٥

ورأيت في مجموع تركي لبعض القضاة قال فيه : وجه تدريس مدرسة الشعبانية براتب أربعة غروش شهريا على السيد مصطفى أفندي طرابلسي زاده في ذي الحجة سنة ١٢٠٢.

ورأيت في حجة تولية أن المتولي على أوقاف المدرسة الحلوية والمدرس بها محمد أفندي ابن إبراهيم الطرابلسي نزل عنها إلى ولده مصطفى أفندي سنة ١١٧٩.

ورأيت في حجة أخرى وفي بعض المجاميع أيضا ما نصه : أن عمدة المحققين السيد مصطفى الطرابلسي هو ابن الشريفة كريمة بنت المرحوم السيد محمد أبي اليمن أفندي مفتي القدس ابن السيد عبد القادر نقيب مصر ابن الشيخ أحمد البيلوني بن محمود بن أحمد. وأحمد أمه بنت الشيخ موسى الريحاوي ابن الشيخ يحيى بن موسى بن أحمد.

ورأيت في حجة تولية ما يفيد أنه بوفاة محمد أبي الفتح الطرابلسي (هو ابن مصطفى أفندي المترجم) المدرس والمتولي بالمدرسة الحلوية وانحلال الوظيفة وجهت التولية والتدريس فيها إلى عبد الوهاب الطرابلسي سنة ١٢٣٠.

ورأيت حجة بأحكار من وقف الحلوية مؤرخة سنة ١٢٤٨ ما يفيد أن متولي المدرسة المذكور ومدرسها هو عبد الوهاب ابن السيد محمد أبي الفتح ، ولم أقف على تاريخ وفاة عبد الوهاب أفندي المذكور لا ندراس قبورهم كما قدمنا.

وبعد وفاته آلت التولية والتدريس إلى ولديه السيد محمد أبي الفتح والسيد محمود وقد فرغا التولية إلى العالم الفاضل الشيخ مصطفى ابن الشيخ محمد طلس وذلك سنة ١٢٩٢ كما قدمناه في حوادث سنة ٥٦٩.

١١٧٣ ـ الشيخة مريم بنت محمد بن طه العقّاد

المتوفاة في حدود سنة ١٢٢٠

الشيخة مريم بنت محمد بن طه العقّاد ، الحلبية الشافعية أم عمران ، المقرئة المسندة الصالحة الكاملة ، العالمة العاملة.

مولدها بحلب سنة ست وخمسين وماية وألف ، وقرأت القرآن العظيم وبعض المقدمات على والدها وانتفعت بتربيته ، وأجاز لها جماعة من المحدثين منهم والدها والمسند الكبير العالم

١٦٦

العلامة أبو سليمان صالح بن إبراهيم الجنيني وأجازها بالإجازة العامة.

وقد اجتمع بها العلامة خليل أفندي المرادي حينما كان في حلب عام ألف ومائتين وخمسة وأثنى عليها وشهد بعلمها وفضلها.

ولم أقف على تاريخ وفاتها رحمه‌الله عليها. ا ه. (حلية البشر).

١١٧٤ ـ محمد قدسي أفندي المتوفى سنة ١٢٢٢

ترجمه المرحوم جودت باشا في تاريخ في الجزء الثامن منه ، قال ما معناه :

السيد محمد قدسي أفندي ابن حسن أفندي ابن عبد الرحمن بن حليم أفندي صاحب الفتاوي الحليمية المشهورة باسمه حليم زاده المفتي بحلب. كان والده من العلماء وعلى قدم عالية من الصلاح.

ولد المترجم في الرها (أورفه) ، وتلقى العلم عن علماء بلدته ، وكان مائلا إلى الترف والتنعم والتأنق في المآكل والملابس ، فطنا قوي الحافظة فصيح اللسان حلو المحاضرة ، يغلب عليه فنون الأدب والشعر والإنشاء ، وفي أي مجلس وجد يكون صدره والمتكلم فيه لطلاقة لسانه وحسن بيانه ، وكان يعرف الألسن الثلاثة العربية والتركية والفارسية.

رحل عدة مرات إلى دار السعادة ، وكان في أثناء ذلك يتردد على أكابرها وعلمائها وفضلائها ، وبهذه الواسطة عين مفتيا إلى بلدته أورفه ، إلا أنه لم يحصل بينه وبين أبناء وطنه امتزاج فعزل ، وصادف في هذا الأثناء أن نفي إلى (روم قلعه) أحد كبراء الدولة سليم أفندي المشهور وذلك سنة ١٢١٢ ، فاستدعي صاحب الترجمة إلى (روم قلعه) واتخذه نديمه وكان يزيل به آلام وحشته لحسن محاضرته ، ثم لما أطلق من منفاه أخذ معه المترجم إلى دار السعادة ومكث ثمة مدة ، ثم عين مفتيا إلى حلب ، ثم بالتماس ولي بغداد سليمان باشا نال المترجم رتبة أزمير ، ثم بواسطة معتمد الحرم السلطاني يوسف آغا أضيف إليه نقابة الأشراف بحلب.

ثم إن بعض وجوه الشهباء كانوا يعاكسونه في الأمور ويعارضونه ، ولكن المترجم لم يكن ليحتمل منهم شيئا من استبدادهم ، بل كان يقاومهم بكل ما أمكنه ، وسعوا في عزله

١٦٧

إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك لمكانته من يوسف آغا المتقدم ، ولما أعياهم الأمر التزموا جانب السكوت.

ثم لما أتى الفرنسيس إلى الديار المصرية وجهزت الدولة العثمانية الجيوش إلى مصر لأجل استخلاصها نهض المترجم فجمع مقدار خمسة أو ستة آلاف من أهالي حلب وتوجه إلى مصر مع القائد ضيا باشا (كان خروجه من حلب يوم السبت لثلاث خلت من ربيع الثاني سنة ١٢١٥ وفي هذه السفرة صار الفتوح ، وفي سنة ١٢١٦ عاد قدسي أفندي من مصر ودخل حلب هو والأشراف وزينت البلدة يوم دخولهم ، ذكر ذلك الشيخ بكري الكاتب في مجموعته) وشكر على خدمته هذه ووعد بأن يعطى قضاء مصر بعد استردادها وأنهى له من ذلك الحين من طرف القائد المذكور بتوجيه مولوية مصر عليه ، وقدم هو عريضة خاصة إلى يوسف آغا ، إلا أنه لمعارضته لشيخ الإسلام عمر خلوصي أفندي لم ينل ما طلبه فتكدر صاحب الترجمة لذلك.

ثم لما عادت الجيوش العثمانية من مصر إلى الآستانة عاد معهم ، وصادف في ذلك الأثناء أن شيخ الإسلام كان ابن صالح أفندي ، فوجهت عليه رتبة البلاد الأربعة.

وفي سنة ١٢١٩ عين قاضيا لمكة ، وبعد أن رجع من مكة إلى الآستانة صادف أن ضيا باشا قد انفصل من منصب الصدارة ويوسف آغا عزل عن وظيفته لوفاة سيدته الحرم السلطاني ، وكان هذان محط آماله ، فتحقق أن أيام إقباله قد أدبرت ونجم سعوده قد أفل ، فالتزم بيته ومرض بعد ذلك مدة طويلة إلى أن توفي سنة ١٢٢٢ ألف ومائتين واثنتين وعشرين ، ودفن في حظيرة السلطان بايزيد رحمه‌الله تعالى. ا ه.

أقول : وله ألف الأديب الفاضل الشيخ عبد الله العطائي الصحاف رسالته الموسومة «بالهمة القدسية» التي ذكر فيها الأدباء الذين ضمنوا قوله تعالى : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ)(١) وقد أدرجناها برمتها في ترجمة العطائي.

وخلف المترجم ولدين هما تقي الدين أفندي وزكي أفندي ، فتقي الدين أفندي خلف بهاء الدين أفندي وسعد الدين أفندي وحسام الدين أفندي وعبد القادر أفندي وبدر الدين

__________________

(١) الزخرف : ٥١.

١٦٨

أفندي ، وأما زكي أفندي فخلف معاوية أفندي ، والجميع قد أعقبوا إلا بدر الدين فإنه توفي عقيما.

١١٧٥ ـ الشيخ صالح بن سلطان المتوفى سنة ١٢٢٢

الشيخ صالح بن سلطان (بن محمد بن سلطان) (١) بن حسين الحلبي الشافعي ، العالم الفاضل البارع الكامل النحوي المتقن واللبيب المتفنن ، أحد العلماء الأجلاء وأوحد الذوات الفضلاء.

مولده بحلب سنة سبع وخمسين وماية وألف ، ونشأ في حجر جده لكثرة أسفار أبيه ، وقرأ القرآن على الشمس محمد المصري في مكتب السخانة ، وكان جده من تلامذة أبي عبد القادر محمد بن صالح المواهبي الملازمين له ، فانتفع بآدابه ووعظه ، وكان يحفظ الكثير من لفظه. ولما توفي جده المرقوم كان عمر المترجم أربع عشرة سنة ، فكانت أمه تحثه على طلب العلم وتدعو له دائما بالفتوح ، ومهما دخل عليه شيء من المال يشتري به أوراقا محزمة من فنون العلم من سوق الجمعة ويطالع بها.

وكان قد حفظ القرآن العظيم على شيخه النجم محمد الفتياني ، وأخذ بعض العلوم عن الشيخ عبد الهادي المصري والشيخ عبد القادر الديري والشيخ أبي اليمن تاج الدين محمد ابن طه العقاد وعلى الشيخ عثمان بن عبد الرحمن العقيلي وعلى أبي زكريا يحيى بن محمد المسالخي وعلى الشيخ قاسم بن علي المغربي التونسي وعلى أبي جعفر منصور بن مصطفى السرميني الحلبي وعلى أبي محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الحنبلي وعلى الشيخ عبد الكريم الشراباتي وعلى الشيخ محمد بن صالح المواهبي وعلى الشيخ خليل بن عبد القادر المدني وعلى أبي عبد الله محمد بن أحمد المكتبي وأبي عبد الله محمد بن محمد الأريحاوي وأبي محمد مصطفى بن أبي بكر الكوراني ومصطفى بن عبد القادر الملقي فاستفاد منهم وأفاد ، وقام بوظيفة العلم فوق المراد ، وقرأ على المذكورين النحو والصرف والمعاني والبيان والمنطق والتوحيد والفقه وأصوله والحديث وأصوله والتفسير وبقية الفنون بكمال الإتقان ، وأجازوه جميعا بالإجازة العامة.

__________________

(١) ما بين قوسين إضافة من «حلية البشر» ليست في الأصل.

١٦٩

وممن أجازه أبو الفيض محمد المرتضى بن محمد الزبيدي اليمني نزيل مصر (١) والشهاب أحمد بن محمد الدردير المالكي وأبو الصلاح أحمد بن موسى العروسي وأبو محمد عبد الرحمن النحراوي وعبد الرحمن بن مصطفى العيدروسي اليمني ومحمد كمال الدين بن مصطفى البكري الصديقي وغيرهم ، واشتهر وفاق ، وملأت شهرته الآفاق.

وكان ينظم الشعر قليلا ، ومن نظمه :

الراحمون لمن في الأرض يرحمهم

من في السماء كما قد جاء في الخبر

إن ترحموا ترحموا من ربكم ولكم

جزيل حظ من المختار من مضر

ومن نظمه أيضا :

بحمى رسول الله كن متمسكا

واعكف بساحة فضله ونواله

واطرح وساوسك التي لك أشغلت

وادخل حماه واستتر بظلاله

والوجه عفر في التراب ولا تمل

عن بابه تسقى بكاس زلاله

فهو الذي لولاه ما خلق امرؤ

والدهر لم يسمح لنا بمثاله

وهو الذي فيه العصور تباشرت

وكذا القصور تزينت لوصاله

وهو الذي يهدي الأنام بهديه

وبفعله وبحاله وبقاله

كشف الدجى بضيائه وجماله

وإلى العلا سرّا رقى بكماله

إن رمت تنجو ناده يا من أتى

الذكر الحكيم بمدحه ودلاله

__________________

(١) أقول : أبو الفيض المذكور هو شارح القاموس المسمى شرحه «بتاج العروس» وقد اطلعت على هذه الإجازة بخط العلامة الزبيدي في مجموعة عند بعض أحفاد المترجم قال في أولها : الحمد لله الذي خص هذه الأمة باتصال الأسناد ، وجعل قدرها مرفوع المنزلة يوم التناد ، وبعد فقد استجاز مني الشيخ الفاضل العلامة ، والماهر المناضل الفهامة ، أوحد العلماء الأعلام ، سليل السادة الكرام ، مولانا الشيخ محمد أبو الصلاح صالح بن سلطان الشافعي الحلبي نفع الله به المسلمين آمين ، وذلك بإخبار الشيخ الفقيه الفاضل الشيخ محمد الحنفي القادري الحلبي الشهير بابن الدكمجي أعانه الله على أحواله في حاله ومقاله ، وقد التمس مني أن أجيز المشار إليه بأسانيد إلى الشيوخ فأجبته لما طلب ، وقد أجزت الشيخ المذكور بكل ما تجوز لي روايته من معقول ومنقول وفروع وأصول بالشرط المعتبر عند أهل الأثر ، وأجزت كذلك أولاده وإخوته ومن حضر مجلسه من طلبة العلم ، وكذلك أجزت أهل حلب الشهباء وممن له أهلية لرواية الحديث ، أشهد على نفسه الفقير إلى الله تعالى مسطر هذه الأحرف أبو الفيض محمد بن محمد بن محمد بن محمد الشهير بالمرتضى الحسيني الزبيدي الواسطي الحنفي نزيل مصر في سنة ١١٩٨.

ا ه.

١٧٠

يا أفضل الرسل الكرام وغوثهم

فاشفع لعبد تائه بضلاله

إن الخطايا أثقلتني سيدي

يا خير من يولي الغنى لعياله

وله من قصيدة :

رشأ غزا قلبي بسهم جفونه

وسبى أصيحابي بسحر عيونه

وسطا بقدّ مزري سمر القنا

وحمى حماه بفتكه وشؤونه

والليث يحمي شبله بزئيره

أو ما ترى لا يمتطى لعرينه

وله قصائد قليله لأنه كان لا يعتني بالشعر كثيرا لعدم فراغه من الإقراء والتدريس ، والشعر يحتاج إلى إقبال كثير عليه.

ولم يزل المترجم على حالة صالحة وهمة راجحة إلى أن اختار الآخرة على الأولى ، وأقبل على مولاه ناجيا لا مخذولا ، وذلك سنة ألف ومايتين وقبل العشرين. ا ه. (حلية البشر).

أقول : الصواب أن وفاته كانت سنة اثنتين وعشرين ، ودفن في تربة الشيخ جاكير ، وهو أحد رجال الرسالة الموسومة بالهمة القدسية التي سنذكرها في ترجمة عبد الله العطائي.

واطلعت على ديوانه بخطه عند بعض أحفاده ومعظمه مديح في الحضرة النبوية وفي شيخه الشيخ عثمان العقيلي.

ومن نظمه وهو أول ما صدر به ديوانه :

يا برق شعب الأبرقين

إن جزت وادي الرقمتين

سلم على جد الحسين

وآله والصالحين

دور

أزكى الأنام محتدا

ومن أتانا بالهدى

ونوره لما بدا

أخجل نور النيرين

دور

أبلغ سلامي للرفيق

ومن تسمى بالعتيق

١٧١

ذاك أبو بكر الصديق

رقي لأعلى الرتبتين

دور

كذاك عثمان الأغر

وابلغ سلامي لعمر

من بعده على الأثر

علي وابنه الحسين

دور

وابلغ لسعد وسعيد

وطلحة البر الرشيد

ولابن عوف الحميد

وللزبير ذي الشرفين

دور

ولابن جراح السلام

والآل والصحب الكرام

يرجو بهم حسن الختام

صويلح من غير مين

دور

صلي وسلم كل حين

على رسول العالمين

واغفر ذنوبي يا معين

وافعل كذا بالوالدين

وله قصيدة طويلة يمدح بها الحضرة النبوية قال في مطلعها :

تضيّع أنفاسا وعزمك مفلول

إلى كم بهذا أنت مغرى ومشغول

تبيت كما أصبحت والعمر ذاهب

وعن كل ما قدمت والله مسؤول

تعمر دنياك وتهدم غيرها

وتزعم أن الوقت فسح وممطول

تدارك زمانا ظالما قد أضعته

لديك بطالات وزور وتضليل

وبادر فإن الوقت ضاق ولاتني

ونادي شفيع الخلق يا نعم مرسول

ومن نظمه كما وجدته في مجموعة الشيخ مصطفى الكوراني :

لحظه التركي أمسى قاتلي

من مجيري من لحاظ لي تصيب

لا تلمني في هواه عاذلي

إنني من قتله نفسي تطيب

ما حوت أوصافه شمس الضحى

إنها مع حسنها ليلا تغيب

١٧٢

راحت الأرواح لما أن غدا

ظاعنا يعلو نجيبا ذا النجيب

ما سلاه قط إلا أبكم

ماله في الرشد حظ أو نصيب

وصلاتي وسلامي كلما

ناح طير الأيك في الغصن الرطيب

لنبي قد سمت أوصافه

خصه بالقرب مولاه القريب

وعلى آل وصحب سرمدا

ما تغنى باسم محبوب حبيب

ورأيت للمترجم إجازة حافلة مشجره بعلوم القراءة لم أجد لها نظيرا ذكر فيها أنه تلقى علم القراءة على الشيخ عثمان العقيلي الحلبي وهو عن الشيخ أبي اليمن محمد العقاد الحلبي وهو عن الشيخ محمد البصيري وهو عن الشيخ علي الكزبري الدمشقي والشيخ إبراهيم ابن عباس الدمشقي ، وعنهما أخذ في تفريع شجرة السند على طريقة تفريع الأنساب بشكل بديع إلى أن أوصلها إلى القراء السبعة.

ورأيت بخط المترجم كثيرا من الكتب مما يدل على أنه كان كثير النسخ لها.

١١٧٦ ـ أحمد بن محمد المواهبي المتوفى سنة ١٢٢٢

أحمد بن محمد بن صالح المواهبي الحنفي.

قال أبو الوفا : كان مشتغلا بنفسه حياة أخيه معيدا لدروسه ، له هوس في كل ما ظرف من الجمادات كآلات الحرب والأزهار ، وكان له عناية بمطالعة كتب الكيميا ، وله رغبة في ركوب الخيل ، وكان لطيفا كتوما محجوبا ، ثم صار بعد وفاة أخيه شيخ السجادة القادرية بالزاوية الصالحية والحلوية ، وكنت ألبسته تاج أخيه حين دفن على عادة مشايخ الطريق ، وبعدها اعتنيت بصحبته وملاحظته مراعاة للحقوق التي بيننا وبين أخيه شيخنا المرحوم. توفي سنة ٢٢. ا ه.

١١٧٧ ـ عبد الله بن عبد الرحمن الحنبلي الميقاتي المتوفى سنة ١٢٢٣

عبد الله موفق الدين ابن الشيخ عبد الرحمن ، الحنبلي مذهبا الحلبي مولدا ووطنا.

كان رحمه‌الله عالما جليلا وفاضلا نبيلا ، موقتا في أموي حلب ومحدثا فيه أمام حضرة سيدنا يحيى عليه‌السلام.

١٧٣

ولد رحمه‌الله سنة ألف ومائة واثنتين وستين ، وقرأ على والده وأعيان وقته ، حتى برع وفاق أهل عصره في العلوم النقلية والعقلية كالحديث والفقه والقراءات والفرائض والحساب والهندسة والمنطق والهيئة وعلم الميقات ، وأقروا له بالفضل وسعة الاطلاع والتضلع في العلوم والفنون.

وقد أجازه علماء عصره وفضلاء مصره ، منهم والده الشيخ عبد الرحمن ونص أجازته التي أثبتها في آخر ثبته المحرر بخطه سنة ١١٩٠ : وقد أجزت به (أي بما حواه الثبت من المؤلفات والمرويات) لولديّ عبد الله موفق الدين وأخيه محمد مجد الدين وأجزتهما بما لي من نظم ونثر وبجميع ما أجازني به أشياخي رحمهم‌الله تعالى من مروياتهم ومصنفاتهم وإجازاتهم ... إلخ.

وقد ظفرت بكراسة بخط المترجم وختمه فيها إجازة منه للشيخ أحمد ابن الشيخ عبد الوهاب الحلبي الشافعي البصير ذكر فيها من تلقى عنهم العلم ومن أجازه من علماء عصره في الشهباء وغيرها ، قال : منهم وهو أولهم الذي تخرجت على يديه وجل استفادتي مما لديه شيخي وأستاذي ووالدي الشيخ عبد الرحمن الحنبلي الدمشقي ، ومنهم الشيخ علي بن مصطفى الشهير بالدباغ الموقت بجامع بني أمية ، حضرته مع والدي في صحيح الإمام البخاري في المدرسة الأحمدية ولقنني الحديث المسلسل بالمصافحة وأجازني ، ومنهم سيدي الشيخ محمد ابن العلامة العارف بالله تعالى الشيخ صالح المواهبي ، حضرت دروسه في صحيح البخاري وحضرت عليه في المدرسة الأحمدية أواخر شرح الألفية للأشموني ودروسا كثيرة في كتاب «الدرر والغرر» في الفقه الحنفي وأكثر «مختصر المعاني والبيان» للسعد التفتازاني وغير ذلك ، ومنهم إمام القراءات سيدي الشيخ محمد بن مصطفى بن حجيج الشهير بالبصبري ، حفظت عليه الشاطبية وقرأت عليه القرآن العظيم من أوله إلى آخره جمعا للأئمة السبعة مرتين ، لازمته سبع سنين وكتب لي إجازة سنية ، ومنهم العلامة الفاضل السيد مصطفى العلواني الأويسي الحموي ، قرأت عليه «جوهرة التوحيد» وحضرت عليه قراءة الشيخ خالد على الأجرومية وشرح الألفية لابن المصنف ودروسه في رياض الصالحين للإمام النووي وغير ذلك ، ومنهم عمي وصنو أبي الشيخ أحمد بن عبد الله البعلي الحنفي مفتي السادة الحنابلة بدمشق ، فإنه أرسل إليّ بالإجازة بخطه مشتملة على مروياته ومسموعاته ، ومنهم العلامة النحرير الشيخ محمد الشهير بابن الزمار الشافعي الحلبي ، فقد

١٧٤

لقنني حديث الرحمة وأجازني بما تجوز له وعنه روايته ودعا لي وشملتني بركته والحمد لله. ثم ساق سلسلة مشايخه في علم القراءات ثم في علوم الحديث وغير ذلك مما يطول ذكره ، وهي محررة سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف.

وكان رحمه‌الله في غاية من الصلاح والزهد في الدنيا والورع ، يلبس في الصيف الكرباس الأبيض وفي الشتاء الكرباس الأزرق لا غير ، صارفا عمره في العبادة والإفادة والاستفادة.

وألف مؤلفات كثيرة منها منظومته المسماة «باللوامع الضيائية» وهي نظم السراجية في علم الفرائض وشرحها «تحفة المطالع» (١) ، ومنها شرح على شرح أبي القاسم علي السمرقندي على العضدية سماه «الشذرات العسجدية» ، وشرح على رسالة العارف بالله تعالى الشيخ قاسم الخاني الحلبي في المنطق سماه «الكوكب المشرق بشرح رسالة المنطق» (٢) ، وشرح على اللمعة في زيح علامة المتأخرين ابن الشاطر وصل فيه إلى باب الخسوف والكسوف ، و «النفحة المعطارة في بيان الحقيقة والمجاز والاستعارة» بين فيها هؤلاء الثلاثة بأوضح بيان (٣) ، وشرح على رسالة الإمام بدر الدين محمد سبط المارديني المسماة «بهداية السائل إلى العمل بالربع الكامل» سماه «خلاصة المسائل» ، وشرح على المنظومة المسماة «بالقلائد البرهانية» في علم الميراث للشيخ محمد بن الحاج حجازي ابن برهان الدين سماه «الفرائد الجمانية» وهو موجود في المكتبة المولوية بحلب ، وأول المنظومة :

قال محمد هو البرهاني

حمدا لربي منزل الفرقان

وله غير ذلك من التآليف النافعة والآثار المفيدة والمنظومات الرائقة الدالة على رسوخ قدمه وتضلعه في صناعة الأدب أيضا.

ومن نظمه أبيات خمّس فيها قوله تعالى : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) ذكرها الأديب

__________________

(١) توجد نسخة المؤلف بخطه عند الشيخ أحمد أفندي ابن شيخنا الكبير الشيخ محمد أفندي الزرقا ، وعندي من هذا الشرح نسختان إحداهما بخط شيخنا الشيخ كامل الموقت وهو من أحفاد المؤلف ، ونسخة في مكتبة محمود أفندي الجزار ، ويوجد منه نسخ متعددة في حلب وقد طبعت المنظومة على حدة في مطبعتي العلمية وذلك في سنة ١٣٤٢.

(٢) جاء في حاشية ترجمة الشيخ قاسم الخاني ذات الرقم (١٠١٢) أن هذا الكتاب للشيخ أحمد الترمانيني.

(٣) عندي منه نسخة.

١٧٥

الفاضل الشيخ عبد الله العطائي الصحاف في رسالته المسماة «بالهمة القدسية» وقد أدرجنا الرسالة بتمامها في ترجمة الفاضل المذكور.

وكانت وفاة الشيخ عبد الله ليلة الأحد في الحادي والعشرين من رجب الفرد سنة ١٢٢٣ ألف ومائتين وثلاث وعشرين ، ودفن في تربة الصالحين الكائنة خارج باب المقام تحت رجلي والده المدفون تحت القبة رحمهما‌الله تعالى.

وأخوه محمد الذي تقدم ذكره في أول الترجمة لم أقف له على ترجمة خاصة ، ولكني وجدت بخط الشيخ صالح سلطان أنه توفي سنة ١٢٠٥.

١١٧٨ ـ الشيخ أحمد بن محمد الهبراوي المتوفى سنة ١٢٢٤

ترجمه حفيده الشيخ فاتح أفندي الهبراوي ترجمة حافلة طويلة ، فاقتضبنا منها ما يأتي. قال :

هو الصدر الصدير والبدر المنير ، العالم الرباني والشافعي الثاني ، حامل لواء المذهب ومطوقه بالعقد المذهب ، محقق المعقول والمنقول ومدقق الفروع والأصول ، شهاب الدنيا والدين الشيخ أحمد ابن السيد محمد ابن السيد يسين ابن الشيخ عبد الغني الحسيني الشافعي الهبراوي ، نسبة لجدهما الأعلى على ما ذكره النسابة ، أول قادم من طابة ، فإنه خرج ونزل في محلة الكّلاسة واتخذها سكنا له. وبنى له المرحوم الشيخ عبد الرحيم المصري الجامع المعروف باسمه وبالتكية الهبراوية.

ولما بلغ المترجم الشيخ أحمد سن التمييز حفظ القرآن المجيد ، ثم أكب على تحصيل العلوم وتحرير المنطوق والمفهوم ، وحصل على والده طرفا من العلوم ، واشتغل على جماعة من فضلاء الشهباء منهم الشيخ محمد أبو اليمن تاج الدين الشهير بالعقاد مؤلف المناسك ، والفقيه العلامة الشيخ محمد سعيد الديري صاحب حواشي المعفوات ، والشيخ عثمان أبو الفضل العقيلي العمري الشافعي ، والشيخ السيد يحيى أفندي دفين الشام ، والسيد عطاء الله الصحاف ، والشيخ صالح سلطان ، والشيخ قاسم المغربي المالكي نزيل حلب وغيرهم من جبال العلم ورجال الحفظ والفهم. وبمدة وجيزة فاق الأقران وحاز قصبات الرهان ، وذاك العصر بنجبائه مشحون ، فتقدم عليهم في العلوم كلها وهم أهلوها ، وطلع فيهم طلوع

١٧٦

الشمس والبدر ، وفضلهم كما فضلت ليالي القدر.

وبرع في العلوم العقلية والنقلية كلها لا سيما الفقه ، فإنه رفع لواءه وأظهر رواءه ، حتى اشتهر عند الجم الغفير ، ولقب بالشافعي الصغير ، وعقد الدروس والمجالس ، ونثر فيها نفائس الدرر ودرر النفائس.

ثم رحل مع جماعة من كرام الأعيان إلى الشام واجتمع بأفاضلها المبرزين في الفضل ، وأخذ بها عن العلامة الشيخ محمد بن عبد الرحمن الكزبري وأجازه بثبته كله ، عن العلامة المسند الشيخ أحمد بن عبيد الله الشهير بالعطار (وذكر نصها) ، ثم عاد إلى حلب. ولما قدم من مصر الشيخ إبراهيم الكردي الهلالي أخذ عنه طرفا من العلوم الشرعية وتلقى عنه طريقتي القادرية والخلوتية بإسناده عن شيخه الشيخ سليمان الجمل عن شيخ وقته الشيخ محمد الحفني.

وأما آثاره الباهرة فمنها مواده الكبرى على شرح المنهج الملقبة «بالنور الأبهج» كتب منها أربعة عشر كراسا ، و «المناسك المباركة» التي أتى فيها بعيون الإيضاح ، ومعراجه الكبير ومواده على تسهيل الفوائد للشربباتي (لم يتم) ، ومواده على شرح بافضل (لم يتم) ، وشرحه على منظومة الأجهوري الموسوم «بفتح الرحمن بشرح فضائل رمضان» ، وشرحه الكبير على منظومة القدوة المسمى «بصفوة الصفوة» (لم يتم) ، وشرحه على نظم الموجهات (فقد) ، وشرحة على منظومة البقاعي في المجاز ، و «تقرير لطيف على أوائل البخاري الشريف» ، و «تعليقات بهية على الألفية الحديثية» للحافظ العراقي ، وشرحان له على رسالة في النكاح ، ورسالة في العروض (ولم يكملا) ، وله مجموع رسائل سماه «النور الضاوي بآثار الشهاب الهبراوي» فيه ١٨ رسالة في التوحيد والفقه مجموعها في ٢٢٩ صحيفة.

وكان رحمه‌الله ذا بشاشة وطلاقة وصلاح وزهد وقناعة وورع ، لا يقبل من أحد شيئا ، ولا يأخذ من مال الدنيا غنيمة ولا فيئا. حكي أن بعض الوزراء لما قدم الشهباء زار العلامة المترجم ، ولما أراد الخروج وضع تحت السجادة جملة من الدراهم المعتادة ثم نهض ، فلم يجد للخروج مساغا وسد عليه طريق الباب ، وتاه في مهامه ضلاله لم يهتد للهدى والصواب ، فناداه الأستاذ : خذ ما وضعت واغرب كما طلعت ، فعاد وأخذ ما وضع ، فانفسح له الطريق الواسع ووجد الباب مفتوحا فخرج.

١٧٧

وكان رحمه‌الله مواظبا على تلاوة الأذكار في العشي والأبكار.

وقد تلقى الطريقة الشاذلية عن بعض أركانها القوية ، واشتغل بطريق السلوك إلى ملك الملوك ، حتى قطع عقباته وتحلى بسني هباته ، وسطعت خوارقه ولمعت بوارقه ، وظهرت كراماته ظهور الشمس ، واشتهرت اشتهار الخمس. ومنها ما حكاه رواة الأخبار عن والد تلميذه الشيخ أحمد الحجار أنه كان يأتي بولده المذكور فيقول : يا سيدي ، ادع لابني ، فإنه يهمل العمل في أشغاله في الجبل ، فيقول له الأستاذ : دعه ، فإن ابنك سيكون من أوعية العلم وحملة الشريعة وحفظة السنة.

وكان رحمه‌الله جوادا مقداما ، إذا انتهكت المحارم لا تأخذه في الله لومة لائم.

وأخذ عنه خلائق لا يحصون ، منهم الشيخ محمد والشيخ أحمد نجلا الشيخ عبد الكريم الترمانيني وولده الشيخ محمد والشيخ أحمد الحجار والشيخ مصطفى الشربجي وغيرهم. وكان يقيم الذكر في تكيته ليلة الأحد. وبالجملة فقد ملكه الله زمام الفضائل وجعله نسخة المحاسن وديوان المآثر ومجموع المفاخر. وانتهت إليه رئاسة التدريس بالجامع الأموي بحلب ، ودرس بجامع باب الأحمر ، وقضى عمره رحمه‌الله في علم ينشره وصالح يذكره وحق ينصره وباطل يميته فيقبره ، إلى أن أتاه داعي الحق في سنة أربع وعشرين ومائتين ، وحضر غسله شيخه الكوكب المتلالي الشيخ إبراهيم الهلالي ودفن بمقبرة الكليباتي.

وأعقب المترجم ولدين هما الشيخ محمد والشيخ مصطفى وستأتي ترجمة الأول.

١١٧٩ ـ الشيخ يحيى المسالخي المتوفى سنة ١٢٢٥

الشيخ يحيى بن محمد ، الحلبي الشافعي الشهير بالمسالخي والمصالحي ، الشيخ الإمام العلامة المحقق الفاضل الكامل.

ولد بحلب ونشأ بها وأخذ عن علمائها. ورحل إلى الديار المصرية فأخذ عن الشيخ أحمد الملوي ومن في طبقته. وقد وقفت على رسالته في النحو ومولد شريف وجملة إجازات تشهد بفضله ونبله. وممن أخذ عن الشيخ عبد الله الكردي الحيدري وتلميذ هذا جدنا العلامة الشيخ حسن الشطي.

١٧٨

وكانت وفاته سنة ألف ومائتين وخمس وعشرين ودفن بمقبرة الباب الصغير (تربة مشهورة في الشام) قرب الشمس الكزبري رحمه‌الله. ا ه. (روض البشر).

وترجمه أيضا العلامة البيطار في «حلية البشر» وذكر أنه أخذ عن الشيخ محمد الكزبري وعن غيره من المشايخ العظام.

أقول : حدثني من أثق به أن سبب سفره من حلب إلى الشام وتوطنه بها الفتن التي قامت في أوائل هذا القرن بين الأنجكارية والأهلين ، وكان يذكر أعمال الأنجكارية وفظائعهم فلحقه منهم أذى وخشي حصول فتنة بسبب ذلك ، فوجد أن الأولى به أن يغادر حلب ، فذهب منها إلى طرابلس فقعد بها مدة ، ثم توجه إلى الشام وتوطن بها إلى أن كانت وفاته بها رحمه‌الله تعالى.

وشرح رسالته في النحو تلميذه الشيخ عمر الطرابيشي ، وهو موجود في مكتبة محمود أفندي الجزار التي وضعت هذه السنة وهي سنة ١٣٤٥ في المدرسة الشرفية. وشرح هذه الرسالة أيضا صديقنا المرحوم الفاضل الأديب الشيخ أحمد الصابوني الحموي المتوفى في صفر سنة ١٣٣٤ ، ذكر ذلك في ترجمته المنشورة في العدد الخامس من مجلة الوحي الحموية.

١١٨٠ ـ الشيخ حسن بن أحمد المقرىء المتوفى في حدود ١٢٢٥

الشيخ حسن بن أحمد بن نعمة الله الحلبي الشافعي ، الفقيه الفاضل والعالم العامل المقرىء الناسك الصالح ، أحد القراء المعروفين بجودة الحفظ والتلاوة والأداء الراجح.

ولد في حلب سنة خمسين وماية وألف ، وقرأ القرآن العظيم وحفظه على عبد القادر المشاطي ، وجمع القراءات السبع على طريق الشاطبية بالتلقين من شيخ القراء الشمس محمد ابن مصطفى البصيري التلحاصدي وأبي اليمن محمد بن طه العقاد ، وأتقن وبرع. وسمع حصة من صحيح الإمام البخاري على أبي السعادات طه بن محمد الجبريني وسمع عليه غير ذلك من كتب الحديث. وسمع على الشيخ علاء الدين محمد بن محمد الطيب المغربي المالكي الفاسي لما قدم حلب وعقد مجلس السماع والتحديث بالجامع الأموي وأجازه بالإجازة العامة مع من حضر.

وتفقه على أبي محمد عبد القادر بن عبد الكريم الديري وأبي زكريا يحيى بن محمد المسالخي.

١٧٩

وقرأ العربية على الشهاب أحمد بن محمد المخملي وأبي محمد عبد الوهاب بن أحمد الأزهري المصري وغيرهم.

وكان يستقيم غالب أوقاته في الجامع الأموي في حلب يتلو القرآن العظيم دراسة وتعليما مع الديانة والصلاح.

توفي سنة ألف ومائتين ونيف وعشرين. ا ه. (حلية البشر).

١١٨١ ـ الشيخ عبد القادر بن إسكندر المقرىء المتوفى في حدود ١٢٢٥

الشيخ عبد القادر بن أحمد بن عطاء الله بن إسكندر ، الحلبي الحنفي المقرىء ، أحد الحفاظ والقراء الموجودين بحلب الشهباء.

ولد بها سنة ثلاث وخمسين وماية وألف ، وقرأ القرآن العظيم وحفظه ، وجوّده على الشيخ المقري المتقن أبي محمد عبد الرحمن بن إبراهيم المصري نزيل حلب ، ولازم أبا عبد الله محمد بن صالح بن رجب المواهبي القادري وقرأ عليه «الدرر الفقهية» و «الجامع الصغير» في الحديث ، وسمع عليه الكثير من الأحاديث وغيرها وأخذ عنه الطريقة القادرية ، وبعده لازم ولده أبا المواهب إسماعيل المواهبي وجدد عليه الأخذ في الطريقة وغيرها ، وسمع عليه الكثير من الأحاديث الشريفة ، وانتفع بمجالسه ، وكان ينشد الموشحات والقصائد في حلقة ذكره والخلوة الأربعينية ويلازمه غالب الأوقات.

وكان متوطنا في قلعة حلب وخطيبا بجامعها المعروف بجامع النور ، وكان من القوم الأخيار ذوي الفضائل والآثار.

واجتمع به سنة ألف ومائتين وخمس خليل أفندي المرادي مفتي دمشق الشام بحلب وشهد بفضله وعلمه وكماله.

وتوفي المترجم بعد ذلك ولم أقف على تعيين وفاته. ا ه. (حلية البشر).

١١٨٢ ـ الحاج إبراهيم آغا المتوفى سنة ١٢٢٨ ووالده وجده

الحاج إبراهيم آغا بن عبد القادر آغا بن حسين آغا بن أحمد الشهير بأمير ، من أعيان الشهباء وسراتها ومن ذوي الثروة الطائلة والجاه الواسع والكلمة المسموعة.

١٨٠