إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٧

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٧

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٦٤

المعروفة الآن بدار الطيبي وفي الأصل بدار قنبر الكائنة بمحلة الفرافرة ، وأن البيت الغربي الكبير والمربع الذي يعلوه قد أفرزهما ووقفهما مسجدا لله تعالى وأذن للناس بالصلاة فيهما منذ سنة فصلوا فيهما بالجماعة. وأما القاعة في صدر الإيوان ونفس الإيوان فجعلتهما مدرسة يقرأ فيهما المدرسان اللذان سأعينهما مع الطلبة والتلامذة علم القرآن وسائر أنواع العلوم الشرعية ، على أن يكون مدرس علم القرآن غير مدرس سائر أنواع العلوم ، وأن يقيم فيها من استخلفه من الطريقة القادرية الذكر والتوحيد على سنن سادات هذه الطريقة العلية في كل يوم خميس بعد العصر وأيام الخلوة الأربعينية المعروفة في هذه البلدة وغيرها. وجعلت القبة الغربية التي في الإيوان محلا لحفظ الكتب التي سأوقفها على مدرس هذه المدرسة وطلبته (١). وجعلت بقية المساكن المذكورة والمغارتين والمربع والمطبخ والكيلاران والحوشين وقفا لمصالح المسجد والمدرسة المذكورين لينتفع بذلك المصلون والمدرسان والطلبة وأخوان الطريقة المذكورة من غير أجر ، على أن يكون تعيين المدرسين ونصبهما منوطا بي ، ومن بعدي فعلى ما سأعينه في كتاب وقف العقار الذي سأجعله لمصالح المسجد والمدرسة ومعاليم الإمام والمؤذن والمدرس وغير ذلك. ثم ذكر وقفه للدار الداخلية على زوجته ما دامت عزبا ، ومن بعدها فعلى من يكون خليفة بعده في المدرسة على فقراء السادة القادرية ، وإذا انقطع ذلك فعلى من يكون مدرسا. وإذا لم يكن مدرس للمدرسة المذكورة فعلى من يكون مجاورا بالمدرسة لأجل العلم والطريق. وشرط التولية لابن أخته السيد محمد ثم على أولاده وذريته ، وإذا انقرضوا فعلى أولاد أخيه السيد مصطفى والسيد أحمد ومن بعدهما الأصلح والأورع من أولادهما ، فإذا انقرضوا فعلى من يكون مفتيا بهذه البلدة على مذهب السادة الحنفية ، وإذا لم يكن لها مفت فعلى أتقى وأغنى رجل في المحلة. ا ه.

أقول : منذ خمسين سنة اتخذت دائرة المعارف الطابق العلوي من هذه المدرسة مكتبا

__________________

(١) أقول : تبعثرت هذه المكتبة ولم يبق منها سوى نحو ٧٠ مجلدا نقل منها نحو نصفها إلى المكتبة العامة لدائرة الأوقاف التي وضعت هذه السنة وهي سنة ١٣٤٥ في المدرسة الشرفية ، ولم يزل في المدرسة المنصورية في خزانة القبة الشرقية نحو ٤٠ كتابا أنفسها الشرح الكبير للعلامة المناوي على الجامع الصغير والنسخة في ٣ مجلدات. وكتاب «تفهيم السامع في شرح جمع الجوامع» لأحمد بن محمد السفيري الحلبي الأسدي بخط مؤلفه وهو المسودة محرر سنة ٨٦٩ بمدرسة الشيخ أبي عمر بصالحية دمشق ، وكتاب «رحمة الأمة في اختلاف الأئمة» لمحمد بن زين الدين القرشي ، وكتاب «الفتح الظاهر والنصر الباهر في فن الرمي بالمدفع والقنبرة» للشيخ محمد العطار الدمشقي وهو في كراستين ، وشرح العلامة الفيروز بادي لمثلثات قطرب في كراسة.

١٤١

ابتدائيا وأهمل أمر التدريس فيها ، وكان المتولون عليها يعطون أجرة التدريس ولا تدريس فيها ، ولا أدري إن كانت هذه الوظيفة قطعت الآن أو لا.

١١٥٦ ـ الشيخ علي ابن الشيخ عبد الجواد الكيالي المتوفى سنة ١٢٠٧

قال أبو الوفا الرفاعي في إحدى مجموعاته ومن خطه نقلت :

منهم (أي من أولاد السيد عبد الجواد) السيد الشيخ علي الملقب بأمر الله. كان حسن التودد مقبلا على الناس محترما مبجلا يميل إلى الفكاهة والظرافة والاجتماع بإخوان الصفا والندما الظرفا وتنزيه النفس والمطارحة مع الأتراب والخلوة معهم في البساتين والخروج إلى المشهد. وكان رحمه‌الله كسابا وهابا يحب صرف النعم في مستلذاته ، طارحا للتكلف.

سافر إلى دار السلطنة العلية وحصل له قبول من أرباب الحل والعقد إلى أن أوصلوه إلى الأندرون (١) ، وأقام الذكر هناك وأسقى الخمرة الرفاعية لبعضهم. وحصل له عطية سنية سلطانية.

وعاد إلى حلب وعمر الزاوية الكيالية التي هي مدفن والده المرحوم عبد الجواد وأقام الذكر هناك على طريق الرفاعية وضرب المزاهر والطبول ، وأنفق مالا جزيلا. ثم سمت نفسه الكريمة إلى الظهور بمعارضة الأشراف ومعارضة الينكجارية ومن ظاهرهم من الوجوه ، فلم يتم له المرام على ما أراد وخرج إلى إدلب.

ثم إن الغوغاء شرعوا في تعدي الحدود واستطالوا على الوجوه ، ففارقهم بعض الوجوه وطاروا في الأطراف. ثم أظهر الغوغاء التوبة وأعادوا الوجوه وسادات البلدة بالتوقع والتنصل.

ثم بعد مدة عاد السيد علي صاحب الترجمة إلى البلدة ، ولم تطل مدته إلى أن توفي مطعونا سنة سبع ومائتين وألف رحمه‌الله تعالى.

وكان له أخ أصغر منه سنا اسمه إسحق ، وكان لا يفارقه سفرا وحضرا ويعكف معه على التنزه وإمضاء أوقات الصفا ، فحزن عليه حزنا عظيما وانتقل بعد موته إلى دار السيد محمد الكيالي قريبهم. ا ه.

__________________

(١) كلمة فارسية معناها خواص الملك.

١٤٢

١١٥٧ ـ الشيخ محمد بن فتيان المتوفى سنة ١٢١٠

الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن فتيان بن محمد بن فتيان بن عثمان ، الحلبي الشافعي العقيلي الخلوتي ، العالم الفقيه الفاضل ، والألمعي اللوذعي الكامل ، والعالم الهمام ، والجهبذ الإمام.

ولد سنة سبع وأربعين وماية وألف ، وقرأ القرآن وحفظه على شيخ القراء الشمس محمد بن مصطفى البصيري الحلبي وعلى والده عبد اللطيف المقري والشهاب أحمد البصراوي وغيرهم ، وتفقه على أبي محمد عبد الهادي المصري وعلى الشيخ أبي عبد الوهاب ابن أحمد المصري ، وقرأ عليه التحرير والشربيني ، وقرأ المنهاج والمنهج وغيره من كتب المذهب على أبي محمد عبد القادر بن عبد الكريم الديري. ولما قدم حلب أبو عبد الله محمد ابن محمد الطيب الفاسي المغربي وعقد مجلس الإقراء والتحديث سمع منه الصحيح للإمام البخاري وأجاز له أيضا. وقرأ على أبي عبد الرحمن محمد بن أحمد المكتبي وأخذ عنه بعض الطرائق ، وقرأ الفرائض على أبي الفضل عثمان بن عبد الرحمن العقيلي الحلبي وأجاز له غالب شيوخه بالإجازة العامة.

وأخذ الطريقة الخلوتية عن الشيخ محمد بن الشيخ مصطفى البكري ، والرفاعية عن قريبه الشهاب أحمد بن محلول الزنار ، والطريقة العقيلية عن أقاربه عن أسلافهم.

وتفوق وفضل وتفقه ونبل ، ودرس في جامع التوبة خارج باب النيرب ، وأقام الذكر والتوحيد في مقام ولي الله تعالى الشيخ جاكير ، وكان بحلب من المشايخ المعروفين بالفضل والصلاح.

وكان من جملة من أخذ عن المترجم وانتفع به وبعلومه مفتي دمشق الشام محمد خليل أفندي المرادي وأجازه بما تجوز له روايته عن مشايخه ، وذلك سنة خمس ومايتين وألف حين كان في حلب. ا ه. (حلية البشر).

أقول : وكانت وفاته سابع رجب سنة ألف ومايتين وعشر كما هو مسطور على لوح قبره في تربة الشعلة ، وفي التربة المذكورة قبر جده الأعلى الشيخ فتيان العلمي القادري المتوفى سنة ١٠٦١ وهو داخل قبة.

١٤٣

وبجانب قبر الشيخ محمد المترجم قبر ولده الشيخ محمد ، وقد كانت وفاته سنة ١٢٦٣ ، جلس على السجادة بعد وفاة والده إلى أن توفي بالتاريخ المذكور.

وكان فاضلا صالحا متقللا من الدنيا ، ملازما العبادة وتلاوة الأوراد وإقامة الذكر ، معتقدا خصوصا عند سكان تلك المحلات.

١١٥٨ ـ الشيخ صالح الداديخي المتوفى في حدود سنة ١٢١٠

الشيخ صالح بن حسين بن أحمد بن أبي بكر الحلبي الحنفي الشهير بالداديخي كوالده ، الفقيه الأصولي الكاتب البارع المتفوق الدّين التقي الزاهد.

مولده في إحدى الجماديين سنة ١١٣٨. وقرأ على جماعة وأخذ عنهم وأكثر من الفقه أخذا وقراءة ، ومن جملة من أخذ عنهم والده المومى إليه وأبو الثناء محمود بن شعبان الباذستاني وأبو الحسين علي بن إبراهيم العطار وأبو محمد عبد القادر بن بشير بن عبد الحق البشيري وياسين الفرضي وأبو جعفر منصور بن علي الصواف وعبد الوهاب بن أحمد المصري الأزهري وأبو محمد عبد الكريم بن أحمد الشراباتي وأبو السعادات طه بن مهنا الجبريني وعبد الوهاب بن قورد العرّاس وأبو محمد عبد الرحمن بن مصطفى البكفالوني وأبو عبد الله محمد بن محمد الطاهر التافلاني المغربي وأبو عبد الفتاح محمد بن الحسين الزمار وآخرون. وسمع عليهم الكثير من الأحاديث الشريفة والكتب في غالب الفنون ، واعتنى بملازمتهم وحضور مجالسهم ، وأجازه الأكثر منهم بخطوطهم.

وناب بالقضاء في حلب وفي أريحا وإدلب وغيرها ، وحفظ المسائل والفروع الفقهية واعتنى أشد اعتناء بها. وكان شديد الحفظ لها قوي الاستحضار ، وكانت الناس تراجعه في المسائل.

وكان يلازم قراءة الأوراد والأذكار ، كثير العبادة ، لطيف العشرة.

وكان والده من مشاهير علماء حلب أصحاب الرفعة والشأن ، ولما صاهر المولى الرئيس صالح بن إبراهيم بن عبد الله الداديخي أحد أعيان حلب وتزوج بابنته أم العز خاتون وانتمى إليه وسكن عنده غلبت عليه نسبته وصار لا يعلم إلا بها بين الناس ، وتارة كان يكتب في تحريراته الداديخي وتارة الصالحي نسبة إلى مخدومه المذكور ، وجاء من ابنته أبو الحسين

١٤٤

صالح صاحب الترجمة ، فنسبته حينئذ صحيحة من جهة والدته دون والده وأقاربه المشهورين بهذه النسبة.

واجتمع به في آخر أمره العالم الدمشقي خليل أفندي المرادي في حلب حين زارها سنة ألف ومائتين وخمس وأخذ عنه واستجازه وطلب دعاءه ، وكان يتردد عليه كثيرا ويتذاكر معه المسائل النادرة الفقهية كما رأيت ذلك بخطه.

وتوفي سنة ألف ومائتين ودون العشر غالبا رحمه‌الله تعالى. ا ه. (حلية البشر).

١١٥٩ ـ الشيخ عبد الوهاب السعدي المتوفى في حدود ١٢١٠

الشيخ عبد الوهاب بن أحمد بن يوسف الحلبي الشافعي السعدي ، أحد المشايخ السعدية بحلب.

مولده بها بعد الخمسين ومائة وألف. وقدم دمشق الشام سنة ثمان وسبعين وماية وألف وأخذ الطريقة السعدية عن الشيخ الكامل ، والعمدة الفاضل ، أبي عبد الله محمد سعد الدين بن مصطفى ابن البرهان إبراهيم السعدي الجباوي الدمشقي الميداني ، وكتب له الإجازة على عادتهم ، وخلفه وأمره بالإرشاد والتسليك ، وكتب له العلماء خطوطهم على الإجازة.

وكان صالحا عابدا زاهدا تقيا مرشدا نقيا مشتغلا بالخلوات والرياضات والتسليك للمريدين.

وفي سنة ألف ومايتين وخمس اجتمع به في حلب حضرة العالم خليل أفندي المرادي وتبرك به وشهد كل بكمال الآخر.

ومات بعد ذلك في حلب ببضع سنين ولم أقف على تعيين تاريخ وفاته. ا ه. (حلية البشر).

١١٦٠ ـ الشيخ علي الدير كوشي المتوفى في حدود ١٢١٠

الشيخ علي بن محمد بن أحمد بن علي الدير كوشي الشافعي ، العالم الإمام الفاضل ، والفقيه الفرضي التقي الصالح الكامل.

١٤٥

ولد بدير كوش : بلدة من أعمال حلب سنة ست وثلاثين وماية وألف ، وقرأ على والده وعلى الشهاب أحمد بن محمد بن الحسن الدير كوشي المفتي ، وتفقه وأحسن الأخذ ، وأفتى بدير كوش وراجعه أهاليها بأمورهم.

وكان صالحا أديبا ديّنا ، قليل المعاش ، قانعا بما يحصل له من زراعته ، راضيا بالكفاف والراحة ، له تعشق بالعلم والعمل والمطالعة والإفادة والاستفادة.

وكان ممن أخذ عنه العالم الفاضل محمد خليل أفندي المرادي سنة خمس ومايتين وألف كما نقلت ذلك من خطه.

ولم يزل على ترقيه إلى أن توفي سنة مائتين ونيف ودفن في محلته رحمه‌الله تعالى. ا ه. (حلية البشر).

١١٦١ ـ عبد اللطيف بن مصطفى بن حجازي المتوفى حول ١٢١٠

الشيخ عبد اللطيف بن مصطفى بن حجازي بن محمد بن عمر ، الحلبي الحنفي ، أبو محمد زين الدين ، الفقيه الصالح.

مولده سنة إحدى وثلاثين وماية وألف ، وقرأ القرآن العظيم وتلاه مجوّدا ، واشتغل بالأخذ والقراءة والسماع والحضور على الأجلاء والسادة الفضلاء ، منهم أبو عبد الفتاح محمد بن الحسين الزمار والبدر حسن بن شعبان السرميني وأبو الثناء محمود بن شعبان الباذستاني وأبو محمد عبد الكريم بن أحمد الشراباتي وأبو الصفا خليل بن مصطفى العنجراني وغيرهم.

وارتحل إلى قسطنطينية في أوائل سنة ستين ومائة وألف وقرأ بها نخبة الفكر في أصول الحديث على المحدث الشهاب أحمد بن علي الغزي الشافعي نزيل القسطنطينية ، وسمع منه الكثير ولازمه ، وحضر بقراءة الغير صحيح البخاري والبعض من صحيح مسلم في جامع أيا صوفيا الكبير وأجاز له بخطه في السنة المذكورة بما تجوز له روايته. وقرأ الفقه وسمع بقسطنطينية على الشهاب أحمد السليماني المصري وأجاز له بخطه في عاشر شعبان سنة إحدى وستين ، وسمع الأولية من المذكورين ومن أبي عبد الله محمد بن أحمد الأريحاوي شارح الكنز والشمس محمد بن حسن بن همات الدمشقي وآخرين.

١٤٦

وأخذ عنه خليل أفندي المرادي سنة ألف ومايتين وخمس ، وسمع منه حديث الأولية بسماعه من أشياخه وأجازه بالإجازة العامة كما رأيت ذلك بخطه.

وتوفي المترجم سنة ألف ومائتين ونيف. ا ه. (حلية البشر).

١١٦٢ ـ الشيخ محمود بن علي فنصه (١) المتوفى في حدود سنة ١٢١٠

الشيخ محمود بن علي بن منصور بن محمد بن عبود ، الحلبي الشافعي الشهير بابن فنصه ، وهو اسم أم جدهم الشيخ نور الدين. كان المترجم عالما فقيها مقرئا مجيدا من مشاهير القراء والحفاظ في حلب.

ولد بها سنة خمس وأربعين ومائتين وألف ، وقرأ القرآن العظيم وحفظه على أبي محمد عبد الرحمن بن إبراهيم المصري نزيل حلب والشيخ فتيان وعلى والده ، وتفقه بالأول.

وقرأ العربية والفقه أيضا وبعض الفنون على أبي محمد عبد القادر بن عبد الكريم الديري وأبي علي حسين بن محمد الديري الحلبي ، وسمع على أبي اليمن محمد بن طه العقاد وأبي السعادات طه بن مهنا الجبريني ، وسمع على الأول صحيح البخاري إلى كتاب الحج ، وأجازه شيخه أبو محمد عبد الرحمن المصري وغيره. وأتقن وبرع وجود وأحسن التلاوة والحفظ ، وأثرى ونال حظا من الدنيا.

ولم يزل في ارتقاء وعلو وتقدم وسمو إلى أن اخترمته المنية في حدود عشر ومائتين وألف رحمه‌الله تعالى. ا ه. (حلية البشر).

١١٦٣ ـ الشيخ خليل بن خلاص المتوفى سنة ١٢١٢

الشيخ خليل بن عبد الكريم بن خلاص ، الحلبي الشافعي الأشعري ، الإمام أبو الصفا غرس الدين ، العالم الفقيه الورع المقري العلامة الفاضل.

مولده في حدود الأربعين بعد الماية والألف ، وقرأ القرآن العظيم وحفظه على المقري أبي الحسن علي البانقوسي.

__________________

(١) في «حلية البشر» : قنصه (بالقاف).

١٤٧

وقرأ العربية على غرس الدين خليل الفتال. وقرأ على غيره بعض الفنون كأبي الحسن علي بن إبراهيم العطار وأبي محمد عبد الوهاب بن أحمد المصري الأزهري ونور الدين علي ابن يحيى الألتونجي والشهاب أحمد بن أحمد المصري نزيل حلب.

وتفقه بأبي محمد عبد القادر بن عبد الكريم الديري الشافعي ولازمه مدة خمس وعشرين سنة.

وقرأ وبرع وفاق وانتفع به الكثير (وثقل سمعه في حدود التسعين ومائة وألف بحيث لا يسمع إلا بمشقة عظيمة) (١). وكان كثير التلاوة ، دائبا على التقوى والعبادة آناء الليل وأطراف النهار. وشهد بفضله خليل أفندي المرادي حين اجتماعه به سنة خمس بعد المائتين والألف وكل قد أخذ عن الآخر.

وتوفي المترجم عام ألف ومائتين واثني عشر رحمه‌الله تعالى. ا ه. (حلية البشر).

١١٦٤ ـ الشيخ مصطفى بن حسين الوفائي المتوفى سنة ١٢١٣

الشيخ مصطفى بن حسين بن علي بن محمد بن حسين بن محمد بن عثمان ، الحلبي الحنفي الوفائي ، أبو الصفا صفي الدين ، العالم العارف الصوفي الفاضل الديّن الزاهد العابد التقي البركة المسند الأديب جمال المشايخ زينة المرشدين.

مولده في حلب سنة أربعين وماية وألف في سادس محرم. وقرأ على والده شيخ تكية الشيخ أبي بكر خارج حلب ، وعلى الشيخ أبي التوفيق حسين شرف الدين وانتفع به وتأدب بآدابه وأخذ عنه وسمع شعره وديوانه الذي جمعه من لفظه ، وأخذ عنه آداب الطريق وسمع عنه الكثير من الفرائد والفنون ، وأجازه وخلفه مكانه.

وكان من المشايخ الأجلاء والعلماء المشهورين الفضلاء. وقرأ على غير والده ، وأخذ على جماعة منهم أبو المحاسن يوسف بن الحسين بن يوسف الدمشقي الحسيني النقيب والمفتي بحلب وأسمعه المسلسل بالأولية حديث الرحمة في التكية المذكورة في تربة الأستاذ الشيخ أبي بكر رضي الله تعالى عنه ، وهو أول حديث سمعه منه بشرطه ، وقرأ عليه أوائل ثبته

__________________

(١) ما بين قوسين ساقط في الأصل.

١٤٨

وأجاز له بالإجازة العامة وكتب له بخطه ، وسمع عليه كتابه الذي ألفه بمناقب الشيخ وترجمته المسمى «مورد أهل الصفا في ترجمة الشيخ أبي بكر بن أبي الوفا».

وسمع الأولية من أبي محمد عبد الكريم بن أحمد الشراباتي وأبي محمد عبد الوهاب بن أحمد المصري الأزهري البشاري نزيل حلب ، وأبي عبد الله علاء الدين محمد بن محمد الطيب المغربي الفاسي المالكي لما قدم حلب ، وأبي الفتوح نور الدين علي بن مصطفى بن علي الدباغ الميقاتي الحلبي ، وهو أول حديث سمعه منهم وأجازوه به وبجميع ما تجوز لهم روايته غير مرة.

وأخذ الطريقة الشاذلية عن الشيخ عبد الوهاب ، والطريقة الوفائية عن والده ، وبقية الطرائق عن شيوخه بأسانيده ، وجل انتفاعه على والده وبه تخرج.

ولما مات والده سنة ست وخمسين وماية وألف جلس مكانه في التكية شيخا وقام مقامه ولازمه المريدون وأبناء الطريق وأقبل عليه الناس ، واستقام في التكية المذكورة شيخا مبجلا محترما.

وكان كثير الديانة وافر الحرمة يلازم قراءة الأوراد السحرية والعشائية وينفق ما يدخل عليه ، وكان يميل في ملبسه ومأكله إلى الترفه. وحج ودخل دمشق.

ولما دخل خليل أفندي المرادي إلى حلب سنة خمس ومائتين وألف اجتمع به وأخذ عنه واستجازه وسمع من لفظه حديث الرحمة والمسلسل بالأولية ، وهو أول حديث سمعه منه في المجلس الذي اجتمع به كما رأيت ذلك بخطه. وتوفي رحمه‌الله بعد ذلك بمدة قليلة. ا ه. (حلية البشر).

أقول : كانت وفاته سنة ألف ومائتين وثلاث عشرة كما رأيته مثبتا في طرف كتاب مورد أهل الصفا ، ودفن في التكية المذكورة ولم يعقب ذكورا بل إناثا ، حتى إنه اشتهر بالشيخ مصطفى أبي البنات. وبقيت السجادة بعد وفاته شاغرة عشر سنين إلى أن تولاها الشيخ مصطفى دده أخو الشيخ عبد الغني دده من مشايخ التكية المولوية وذلك سنة ١٢٢٣ ، وبقي على السجادة إلى أن توفي سنة ١٢٨٤ فخلفه على السجادة الشيخ مصطفى دده وبقي إلى سنة ١٣١٠ ، وبوفاته تولى السجادة أخوه من أبيه الشيخ مصطفى مظفر دده وبقي إلى سنة ١٣٢٢.

١٤٩

١١٦٥ ـ الشيخ عمر داده بن بيرام المتوفى سنة ١٢١٥

الشيخ عمر داده بن بيرام ، من مشايخ التكية المعروفة ببابا بيرم.

كان رحمه‌الله شيخا في التكية المذكورة ، وكان زاهدا سخي الطبع كلما أتاه فقير من المريدين ينزع ثوبه عنه ويكسوه لذلك الفقير ، وكان أهله يكثرون له من الخياطة لأجل ذلك.

وكانت وفاته سنة ١٢١٥ ودفن في مزرعة التكية ، وخلفه على سجادة التكية ولده حسن دده ، وتوفي هذا مطعونا سنة ١٢٤٢. وكان مذ عقل على نفسه لا يأكل من طعام التكية ويقول : هذا حق الفقراء لا حقي. ومات عن ولدين أحدهما الشيخ عبد الحميد دده الذي صار شيخ التكية البيرامية المتوفى سنة ١٣٠٤ ، وستأتي ترجمته في موضعها إن شاء الله تعالى.

١١٦٦ ـ الشيخ ناصر بن عيسى الإدلبي المتوفى في حدود ١٢١٥

الشيخ ناصر بن عيسى بن ناصر الدين الإدلبي الشافعي ، العالم الفقيه ، والكامل الفاضل النبيه.

ولد في إدلب الصغرى سنة اثنتين وأربعين وماية وألف ، وقرأ بها على أبي الثناء محمود ابن حماد ومصطفى بن سمية وأبي عبد الرحمن بن علي الجوهري المفتي ، وحضر دورس أبي مدين شعيب بن إسماعيل الكيالي وأخيه الزين عمر الكيالي.

ودخل حلب واستوطنها وقرأ بها على أبي محمد عبد القادر بن عبد الكريم الديري ومصطفى بن عبد القادر الملقي وغيرهم.

ودرس بجامع بانقوسا وجامع الحدادين وجامع المشاطية ولزمه جماعة وأتقنوا عليه ، ولازم القراءة والتدريس مع التقوى إلى أن انفرد في مصره وفاق فضله لدى أهل عصره.

وفي سنة ألف ومائتين وخمس اجتمع به في حلب خليل أفندي المرادي مفتي دمشق وشهد بفضله وإتقانه في العلوم والفنون. ولم أقف على تاريخ وفاته. ا ه. (حلية البشر).

١٥٠

١١٦٧ ـ عبد الله بن مصطفى الجابري المتوفى بعد سنة ١٢١٦

الشيخ عبد الله بن مصطفى بن أحمد بن موسى ، الحلبي الحنفي الشهير كوالده بالجابري ، نسبة إلى القاضي جابر بن أحمد الحلبي والد أم جده أحمد ، الفاضل الأديب الفقيه الكاتب البارع المنشىء.

مولده في ربيع الأول سنة تسع وستين وماية وألف ، وقرأ القرآن العظيم واشتغل بالتحصيل والأخذ ، فقرأ على أبي الهدى صالح بن سلطان ، وأبي محمد مصطفى بن أبي بكر الكوراني وأبي المواهب إسماعيل بن محمد بن صالح المواهبي وسمع الكثير عليهم وعلى غيرهم ، وأجاز له جماعة كأبي جعفر منصور بن مصطفى بن منصور السرميني وأبي البركات عبد القادر بن عبد اللطيف البيساري الطرابلسي وغيرهم.

وكان يكتب أنواع الخطوط مع الإتقان ، وكان الأفاضل تشهد بنبله ونجابته.

وفي سنة أربع وثمانين وماية وألف دخل دمشق مع والده وعمه ونزل في دار بني المرادي ، وكانوا يشهدون له بالنبل والفضل.

وفي سنة أربع وتسعين دخل دمشق المرة الثانية قاصدا الحج ، ونزل أيضا في دار بني المرادي عند خليل أفندي صاحب التاريخ ، وكان أيضا مع والده.

وكان يعرف اللغات الثلاث العربية والتركية والفارسية. وكان علماء الروم يحررون ما يكتبه من الترسل التركي ويقيدونه عندهم ويشهدون بتفوقه ونبله. وكان مع والده يشتغل بتحرير الوثايق الشرعية والصكوك لدى قاضي قضاة حلب ، وكان والده رئيس العدول والكتاب بالمحكمة الكبرى.

ولما صار والده نقيب الأشراف بحلب والمفتي العام بها صار ولده المترجم مكان رئيس الكتاب ، وشهد الناس بأدبه وعقله واحترمته الصدور والأعيان.

وكان ينظم القليل من الشعر ، ومن كلامه مشطرا بيتي الجواليقي :

ورد الورى سلسال جودك فارتووا

بزلال فيض فضائل ومراحم

فقصدت مقصدهم وجئتك راجيا

ووقفت خلف الورد وقفة حائم

١٥١

حيران أطلب غفلة من وارد

ولهان أرجو نجدة من راحم

فأقمت منتظرا ببابك واقفا

والورد لا يزداد غير تزاحم

وشطرهما الأديب أبو بكر بن مصطفى الكوراني الحلبي فقال :

ورد الورى سلسال جودك فارتووا

وكأنهم ظفروا بمنهل حاتم

فقصدته متتبعا ورّاده

ووقفت خلف الورد وقفة حائم

حيران أطلب غفلة من وارد

كي أرتوي وأنال عطفة راحم

فبقيت ظمآنا أكابد لوعة

والورد لا يزداد غير تزاحم

وقد خمس تشطير الجابري الفاضل عبد الله بن عطاء الله الكتبي الحلبي :

يا ذا الذي عنه الأكارم قد رووا

وعلى نداه ورحب كفيه لووا

وبك الملاكعب الأيادي قد طووا

ورد الورى سلسال جودك فارتووا

من فيضكم بمكارم ومراحم

أموا من الأنواء صوبا هاميا

يحيي مرابع للكرام خواليا

واخضل عود الدهر طلعا باهيا

فقصدت مقصدهم وجئتك راجيا

ووقفت خلف الورد وقفة حائم

أتراك يا حظي الخوؤن مساعدي

أرد الظلال بمعصمي وبساعدي

حتى م أبقى في عنا وتباعد

حيران أطلب غفلة من وارد

ولهان أرجو نجدة من راحم

لا بدع أن جانبت ظلا وارفا

أو كنت من حر الأوام مشارفا

وافيت إثر الناس بيتك طائفا

وأقمت منتظرا ببابك واقفا

والورد لا يزداد غير تزاحم

مات المترجم سنة ألف وماتين ونيف. ا ه. (حلية البشر).

أقول : وقد تقلد منصب الإفتاء في حلب سنة ١٢٠١ وذلك على إثر وفاة محمد أفندي ابن أحمد أفندي طه زاده المعروف بجلبي أفندي ، وقد قدمت ذلك في حوادث هذه السنة.

وترجمه الشيخ عبد الله العطائي في رسالته «الهمة القدسية» الآتي ذكرها في ترجمته

١٥٢

وأورد له ثمة تضمينه مقتبسا لقوله تعالى : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ)(١).

ومن نظمه كما وجدته في مجموعة قوله :

قالوا صبرت وقد أوذيت قلت لهم

ردّ الأمور إلى الرحمن إصلاح

إني تبرأت من حولي ومن حيلي

ففي التوكل إمداد وإنجاح

وقد شطرهما المولى المشار إليه بقوله :

قالوا صبرت وقد أوذيت قلت لهم

الصبر خير إليه العقل يرتاح

فاسمع مقالي تظفر واتبع أثري

رد الأمور إلى الرحمن إصلاح

إني تبرأت من حولي ومن حيلي

مفوضا أبدا والربّ فتّاح

كل الأمور إليه إن ترم فرجا

ففي التوكل إمداد وإنجاح

وقد شطرهما الفاضل النحرير السيد عبد القادر أفندي الحسبي :

قالوا صبرت وقد أوذيت قلت لهم

الصبر عندي لباب الخير مفتاح

في حالي المرء إن حزنا وإن فرحا

رد الأمور إلى الرحمن إصلاح

إني تبرأت من حولي ومن حيلي

إن التبري إلى الإرشاد مصباح

كل الأمور إليه إن ترم فرجا

ففي التوكل إمداد وإنجاح

وقد شطرهما أيضا الفاضل السيد عبد الله العطائي :

قالوا صبرت وقد أوذيت قلت لهم

هي المقادير أفراح وأتراح

إلى المهيمن نلجا في مصالحنا

رد الأمور إلى الرحمن إصلاح

إني تبرأت من حولي ومن حيلي

إن احتيال الفتى لا شك فضاح

وما لنا مخلص إلا توكلنا

ففي التوكل إمداد وإنجاح

ومما امتدح به شعراء حلب المولى الهمام مفتي الأنام السيد الحاج عبد الله أفندي الجابري حين توطن الدار العامرة الكائنة تجاه مرقد الشيخ النسيمي سنة ١٢١٦ :

قال السيد عبد القادر الحسبي :

__________________

(١) الزخرف : ٥١.

١٥٣

ما شاء مولى البرايا

قد كان حقا تبارك

لا زلت أنت وكل الذي توطّن دارك

في ظل عيش هنيّ

كذاك من كان جارك

وإنما الفأل أرّخ

فذا المكان المبارك

١٢١٦

وقال الشيخ عمر الخفاف :

طولي افتخارا على كل الديار ففي

مغناك يا دار شهم حل مفضال

مفتي الأنام ومصباح الهداية في

ليل الشكوك إذا ما لاح إشكال

دامت شموس الفتاوي فيه مشرقة

ودام صدرا لنا يغشاه إجلال

هذي الديار ديار العلم لا برحت

معمورة بالتقى والفضل تختال

فاسلم ودم راقيا أعلى ذرى شرف

وظلت يا دار مغناهم وإن طالوا

وقال الفاضل الأديب والشاعر اللبيب السيد عبد الله أفندي العطائي :

يا حبذا هذا الحمى والمعهد

أبدى محاسنه الهمام الأوحد

يا دوحة المجد الأثيل ترنحي

شرفا وأرف (١) أيهذا المحتد

وانفح عبيرا يا ربيع ربوعه

وابسم سرورا يا سناه الفرقد

بحر المعارف والعوارف والتقى

كنز الفضائل كم له سحّت يد

بدر العلا كهف الملا ذو الهمة الشهباء زبرج عقدهم والعسجد

من طوقت ألفاظه أجيادهم

وهي الشنوف على المسامع تعقد

وبوارق اللمحات من لألائه

تشفي الفؤاد وللنواظر إثمد

فارتع بروض كماله في حضرة

علمية هي سعدنا والسيد

يا آل بيت لم يزالوا جابري

من أمهم لكم البشائر تنشد

والحق يعمر داركم بجنابكم

ويطيب منهلكم ويصفو المورد

أحسن بها مثوى السعادة والمنى

حيث النسيمي والمقام الأوحد

وحدائق الحصن النضير تفتحت

فكأنها للناظرين زمرد

__________________

(١) هكذا في الأصل.

١٥٤

فابقوا بها في نعمة ومسرة

ما افترّ بسام وأينع أملد

أو أنشد الداعي بذاك مؤرخا

دار لها نيل السعادة يشهد

١٢١٦

ومدحه العلامة الشيخ عمر أفندي اليافي فقال :

روى المسك عن ريّا العذار المنمم

وكأس الحميا عن لمى ريقة الفم

غزال غزا الأسد الضواري بهدبه

وحاجبه الموتور رشقا بأسهم

إذا مر في خضر الملابس ينثني

من التيه أزرى بالقضيب المنعم

ولو لم يكن غصنا رطيبا لما شدت

عليه حشا عشاقه بترنم

بدينار خد مذ رأى البدر وجهه

تلاشى وأمسى لا يباع بدرهم

علقت به طفلا من القرب (١) مترفا

وأمسيت من فرط الصبابة أعجمي

فلي كبد أدماه باللحظ مثلما

له جسد يدميه محض توهم

وخصر نحيل رق من غير علة

بمنطقة تحكي السوار بمعصم

وبدر المحيا حل عقرب صدغه

فسرت به رغما لأنف المنجم

فلله ذاك البدر لاح بليلة

يطوف بشمس الراح فيها لأنجم

وكنا بنظم الشرب في حان قربه

نجوم الثريا مثل عقد منظم

ومذ غصنا بالشرق كافور فجره

فأمسك منا ما أسال من الدم

وقد أشرقت شمس النهار كأنها

مشارق أنوار الإمام المعظم

هو الفرد عبد الله سيدنا الذي

رأينا لعلياه الفضايل تنتمي

شهاب قفا رجم الجهالة فانمحى

به كل ليل بالغواية مظلم

هداية طلاب وقاية طالب

دراية آداب رواية مسلم

أمير اللوا بالفتح حينما الفتاوي به حفت بجيش عرمرم (٢)

لذلك تلقى الجهل يهتز عنده

كأن به حطت رحال أم ملدم (٣)

إذا راع أهل الفضل خطب فإنه

ملاذ به أهل الفضايل تحتمي

__________________

(١) هكذا في الأصل ، ولعل الصواب : من العرب.

(٢) هكذا في الأصل. وفي صدر البيت كلمة ساقطة.

(٣) أم ملدم : كنية الحمّى.

١٥٥

وإن أمّه العاني يرى برق ثغره

تتابع منه الغيث عند التبسم

يقول له أهلا وسهلا ومرحبا

قدمت على هذا الحمى خير مقدم

وأدرك منه همسة آصفية

تطوف بأكناف السحاب المخيم

وكيف وماء البشر يعلو جبينه

وراحته تندى لكل مسلّم

يحب ويهوى غيره أعين الظبا

وأخلاقه تهوى وجوه التكرم

أقول لمن ضاهاه في فخره اقتصر

ولو نلت أسباب السماء بسلم

وكتب لي الصديق الفاضل الشيخ عبد الحميد أفندي الجابري : إن أول من حفظت شهرته من الجابريين إلى الآن هو مصطفى أفندي ، وقد كان وجيها مثريا ، وقف عقارات متعددة ريعها لذريته ، وتاريخ كتاب وقفه في الثالث والعشرين من ربيع الأول سنة ١١٩٩ وكان ذلك في سن شيخوخته.

واشتهر بعده ولداه الكبيران هما عبد الله أفندي (١) ، وقد وقف كلاهما عقارات ألحقاها بوقف ابنيهما في سنة ١٢٠١ ، وقد كانا في هذا التاريخ كهلين.

أما عبد الله أفندي فقد كان ذا وجاهة وكلمة نافذة في هذه البلاد ، تولى إفتاء حلب ، وله شعر رقيق ، فمنه قوله :

سأغمض أجفاني على مضض القذى

وإن حسب الجهال أني جاهل

إلى أن يتيح الله للناس دولة

تكون سوى الأرذال فيها الوسائل

ومنه قوله :

ولما صفا وقتي مع الحب ساعة

حنانيك لو شاهدتني وخضوعي

وأدركنا لا كان صاح رقيبنا

رجعت بحال لا رجعت رجوعي

ومنه قوله مضمنا :

إذا كنت مرتاحا إلى الراح دائما

ترى عيبه حسنا وترضاه مشربا

فصبرا على خير الخمار وضره

بما قلت أهلا للكؤوس ومرحبا

__________________

(١) وعبد القادر أفندي ، كما سيرد بعد قليل.

١٥٦

وأما عبد القادر أفندي فقد كان يلقب بحاجي أفندي ، وإنما دعي بذلك تعظيما له كما هي العادة المرعية عند الأتراك إلى الآن إذا كان صاحب الاسم وجيها مشهورا ، وهو الذي يتصل به نسب جميع الموجودين من الجابريين. وقد نبغ من أولاده أربعة هم محمد أسعد أفندي وعبد الحميد أفندي ومراد أفندي وعارف أفندي.

١١٦٨ ـ الشيخ إسماعيل المواهبي المتوفى سنة ١٢١٨

الشيخ إسماعيل أبو المواهب بن محمد بن صالح بن رجب بن يوسف ، الحلبي الحنفي الشهير بالمواهبي ، العالم الفقيه الفاضل المحدث الواعظ الأديب الكامل ، حجة العلماء وكعبة الفضلاء ، وبقية السلف ونخبة الخلف.

ولد ثالث عشر ذي الحجة سنة ستين وماية وألف ، ونشأ بكنف والده وقرأ عليه العلوم وانتفع به ولازمه وسمع منه الأحاديث الكثيرة وتأدب بآدابه وأجاز له غير مرة. وقرأ بقية الفنون وأخذها ببحث وإتقان عن أبي محمد عبد الكريم بن أحمد الشراباتي الحلبي الشافعي وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم الطرابلسي الحنفي وغيرهم ، وانتفع بهم ولازمهم وأخذ عنهم واستجازهم فأجازوه إجازة عامة. ولما قدم حلب المحدث الكبير والعالم الشهير أبو عبد الله محمد بن محمد الطيب المغربي الفاسي المالكي نزيل المدينة المنورة عقد مجلس حديث في الجامع الأموي بحلب ، وسمع منه المترجم ولازمه ، وسمع منه أيضا حديث الرحمة المسلسل بالأولية مع والده وأجازه غير مرة ، وسمع الحديث المذكور من أبي محمد عبد القادر بن خليل الكدك المدني لما قدم حلب وأجازه برواياته بعد أن قرأ عليه أوائل الكتب وبعض المسانيد ، وسمع حديث الأولية أيضا من أبي عبد الله الحسين بن علي بن عبد الله الشكور الطائفي المكي وأجازه بخطه ، وكذلك الشهاب أحمد بن الحسن الخالدي الجوهري وأحمد بن عبد الفتاح اللدّي وغيرهم.

ومهر ونبل وتفوق. وأخذ عن والده الطريقة القادرية ، وجلس بعد موته على سجادة المشيخة وأقام الأذكار وأجاز في الإرشاد وانتفع به الحاضر والباد. وكان يختلي في الصالحية كل سنة أربعين يوما ومعه جماعة كثيرون.

وكان كثير الإفادة والوعظ والتدريس في الجامع الأموي بحلب مكان والده وجده على

١٥٧

الكرسي الموضوع تجاه مقام سيدنا زكريا ، وسمع منه الجم الغفير ، وحضره كثير من الناس وأفاد ، واشتغل عليه الناس بالأخذ في داره ، وأخذ عنه الطريق كثير من الناس من حلب وأطرافها وانتفعوا به. وعلا قدره عند الحكام والأعيان وأظهروا له الانقياد والإذعان ، ونفذت كلمته وقبلت شفاعته ، وفاق فضله على أبيه وجده.

وكان لطيفا مهابا لين العشرة حسن المذاكرة قوي الحافظة في الآثار والسنن وافر العبادة والتنفل والذكر.

ومن جملة من أخذ عنه محمد خليل أفندي المرادي مفتي دمشق الشام ، وأجازه إجازة عامة في حلب سنة ألف ومائتين وخمس.

وفي سنتها خرج المترجم إلى الحجاز ورجع إلى بلده ، ولم يزل على ما كان عليه من الدأب على العلم والعبادة والذكر والإرشاد إلى أن توفي خامس شهر رمضان سنة ثماني عشرة ومائتين وألف رحمه‌الله تعالى. ا ه. (حلية البشر).

١١٦٩ ـ الشيخ أحمد البابلّي المتوفى في حدود ١٢١٨

الشيخ أحمد بن عبد الله بن منصور ، الحلبي البابلّي الشافعي الأشعري ، الفقيه الصوفي العالم العامل ، الورع الزاهد ، العابد الفاضل الكامل.

ولد سنة إحدى وثلاثين وماية وألف ، ونشأ في طلب العلم ، وكان جيد القريحة سريع الفهم. أخذ الفضائل عن جملة من الأفاضل ، منهم أبو محمد عبد القادر المخملجي (١) ومحمد ابن حسين الزمار والبدر حسن السرميني والنور علي الألطونجي وصالح بن رجب المواهبي وولده محمد وأبو الثناء محمود بن شعبان البزستاني وقاسم بن محمد البكرجي وأبو اليمن محمد العقاد وعلي بن إبراهيم العطار وأبو السعادات طه بن مهنا الجبريني وأبو الطيب المغربي المالكي وقاسم بن محمد النجار وأبو محمد عبد الكريم بن أحمد الشراباتي ومصطفى بن عبد القادر الملقي ولازمه إحدى عشرة سنة وأنفع به ، وسمع على الجميع ، وحضر مجالس التحديث والاستماع ولازم دروسهم ووعظهم وأذكارهم وأحسن معاملتهم وتباعد عن مخالفتهم إلى أن ألفته الطباع وانعقد على فضله الإجماع.

__________________

(١) في «حلية البشر» : المخلي.

١٥٨

وكان حسن الأخلاق متحملا في أمور الناس من تلطيفهم وحسن معاشرتهم ما لا يطاق ، مرضي الأفعال كثير التودد مع البشر والكمال. وقد انتقل إلى قريته بابلّى فيزورونه مع قيامه بإكرامهم وتقديم ما يحتاجونه من واجب المعروف إليهم.

وما زال على حاله مع ازدياده في كماله وجماله ، ينتفع الناس بعلومه ودعائه ويقصدونه لمشاورته في الحوادث وأخذ آرائه إلى أن دعته المنية إلى الدار الأخروية ، فلبى وأجاب ، متزودا لآخرته من كل ما لذ وطاب ، وذلك في سنة ألف ومائتين ودون العشرين. ا ه. (حلية البشر).

١١٧٠ ـ محمد بن عمر بن شاهين الرفاعي المتوفى سنة ١٢١٩

محمد بن عمر بن شاهين الحنفي الرفاعي العقيلي نسبا ، القادري الخلوتي الشاذلي الأحمدي الحافظ المتقن القاري.

قرأ القرآن على الشيخ يحيى وحفظه على والده المرحوم مع أخويه عبد القادر وعبد الله.

مولده سنة ست وثلاثين وماية وألف ، ونشأ في حجر والده ، ولازم أخاه عبد القادر وتدرج عليه وأخذ عنه الطريقة القادرية. وكان أخوه المذكور يقيم الذكر القادري في مسجد خير الله المجاور لدور بني يحيى بك في حارة الأكراد ، فلما كان طاعون سنة خمس وخمسين وماية وألف توفي أخوه المومى إليه عن تلامذة وإخوان ومريدين ، فأهرع إليه إخوان أخيه وبايعوه وصار يقيم الذكر القادري في المسجد المذكور بإذن والده ، فانشرح صدره أن يضرب النوبة الرفاعية طريقة جده سيدي أحمد الرفاعي لأن له نسبة لحضرة الاستاذ المومى إليه من أم والده عمر أفندي على ما هو مذكور في ترجمته في تاريخ عبد الله آغا الميري. وله نسبة أيضا للأستاذ سيدي عقيل المنبجي من والدته الست رقية بنت أحمد آغا يحيى بك زاده العقيلي كما هو مذكور في أنسابهم ، فسمع بذلك قريبه السيد خير الله الصيادي الرفاعي ، وكان إذ ذاك شيخ مشايخ الرفاعية بحلب ، فأرسل إلى الوالد أن ائت البيوت من أبوابها وخذ الطريقة الرفاعية عني ونحن من شجرة واحدة ، فإذا ضربت النوبة وأقمت التوحيد على أسلوب السادة القادرية فلا مانع ، فبسبب الصباوة وعنفوانها ثقل ذلك على الوالد ولم يوافق ، وانفعل شيخ المشايخ منه ، وبقي الأمر على حاله يدق النوبة الرفاعية من غير إذن.

١٥٩

ثم إن الشيخ خير الله المذكور كان يوما في قرية (كفر حمرا) وكان له بها علاقة ، فأراد القيلولة فقال ، فرأى في منامه حضرة الأستاذ ، قال الراوي : إما الرفاعي أو الصياد قدست أسرارهم ، وقال له قم هذه الساعة وتوجه إلى حلب وأعط الخلافة في الطريقة الرفاعية للسيد محمد ، فقام منزعجا وبادر إلى حلب ، وكان يوما حرورا ، فوصل من القرية إلى حلب في حصة قليلة لأن المسافة قريبة بعيد الظهر ، وطرق الباب على الوالد وأخرجه إلى الزاوية وأعطاه الخلافة وأهداه ثوبا من القماش القطني الشامي ، وتوجه في الحال إلى القرية ولم يخبر الوالد بشيء مما صار ، فعجب الوالد من ذلك وتحقق أن هذا أمر خفي. ثم بعد ذلك اجتمعا وأخبره بما جرى فأقام الوالد على خدمة الطريقتين القادرية والرفاعية يقيم الذكر القادري يوم الأربعاء والذكر الرفاعي يوم الأحد مع الملازمة على تلاوة القرآن مع الحفظة من الأخوان ، وكثر أخوانه ومريدوه. وزار الاستاذ أحمد الصياد في جماعة كثيرة من المريدين وجرى له هناك في الحضرة من القبول وعلاماته والإقبال وأماراته من السادة الأسلاف ما رفع بين المنكرين الخلاف.

ثم قدم هذه البلدة العالم الجليل والأستاذ الكبير الشيخ عبد الوهاب المصري الأزهري الشافعي رحمه‌الله تعالى ، فأخذ عنه الطريقة الشاذلية خلافة بعد ملازمة طويلة وانتفع به كثيرا ، وأخذ عنه طرقا عديدة ولازم دروسه تجاه الحضرة في أموي حلب واختلى معه الخلوة الشاذلية ثلاثة أيام بإحياء لياليها كجاري العادة في الخلوة الشاذلية ولازمه إلى آخر عمره. وبعد وفاته اتفق كبار إخوانه على أن يخلفه في قراءة الأوراد الشاذلية في أموي حلب مع الإخوان وأن يكون شيخهم ، وبايعوه على ذلك ، فانشرح صدره لذلك واستمر على تلاوة الأوراد المذكورة في المحل المومى إليه ، وبايعه جماعة كثيرة في هذه الطريقة وزاد انتشارها وظهرت بركاتها عليه وعلى من انتمى إليه.

ثم قدم حلب شيخان من الغرب جليلان عريقان أحدهما من ذرية سيدي عبد السلام ابن مشيش ، والثاني من ذرية سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، ونزل في دار عبد الله الميري رحمه‌الله تعالى ، فأنزلهما في داره في محل مخصوص اعتناء بشأنهما وطلبا منه أن يولي خدمتهما لرجل مجرب الأطوار قليل الكلام مستور الحال ، فاتفق أن عين لهما رجلا متصفا بهذه الأوصاف ، وكان من إخوان الوالد ، فسألا يوما عن الطرق التي تقام شعائرها في البلدة ، فعدها لهم وذكر الطريقة الشاذلية من الجملة وأن شيخ السجادة

١٦٠