إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٧

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٧

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٦٤

وسمع صحيح البخاري على أبي عبد الله محمد بن صالح بن رجب المواهبي ، وأخذ عن محمد بن محمد الطيب المغربي الفاسي المالكي عند قدومه إلى حلب ، وسمع منه ومن أبي عبد الله محمد بن محمد التافلاني المغربي ، وأجاز له الأستاذ أبو الإرشاد مصطفى بن كمال الدين البكري الصديقي الدمشقي وجمال الدين محمد بن أحمد عقيلة المكي وأبو البركات عبد الله بن الحسين السويدي البغدادي عند دخولهم حلب ، وسمع منهم حديث الرحمة وأجازوه مع أخيه مصطفى ، وسمع الكثير منهم وحصل الفضل الذي لا ينكر. ودرس وأقرأ الفقه والحديث وغالب الفنون.

وكان يقيم بجامع عبيس بساحة بزه (١). وأفتى مدة سنين ، وصار رئيس الشافعية بحلب وتردد إليه الناس للاستفتاء.

وكان متواضعا صالحا وعالما فاضلا لين الجانب حسن المناقب جميل المعاشرة حسن المحاضرة.

توفي رحمه‌الله يوم السبت خامس عشر شوال سنة ثلاث ومائتين وألف. ا ه (حلية البشر) (٢).

__________________

(١) قال العلامة أبو ذر المتوفى سنة ٨٨٤ في تاريخه كنوز الذهب : في أيامنا جدد جامع عبيس داخل باب المقام ، وكان مسجدا قديما فجدد له منارة وأقيمت فيه الجمعة وسيق إليه الماء من القناة وتساعد أهل الخير في عمارته. ا ه. أقول : لا زال هذا الجامع عامرا تقام فيه الجمعة وهو عامر بالمصلين في الأوقات الخمس ، وقد اعتنى أهل تلك المحلة في ترميمه منذ سنوات فجزاهم الله خيرا.

وذكر أبو ذر هنا جامع أرغون الكاملي وقال : إنه بالقرب من ساحة بزه ، وهو جامع لطيف له منارة لطيفة على بابه ، وتجاه الباب من خارج بئر ماء ومكتوب على بابه : أمر بتجديد هذا الجامع أرغون الكاملي في سنة إحدى وخمسين وسبعمائة. ا ه.

وأرغون هذا هو بأني البيمارستان في محلة باب قنسرين ، وقد تقدم الكلام عليه ، وهذا الجامع لم أعرف أي مسجد هو في هذه المحلة.

(٢) «حلية البشر في أعيان القرن الثالث عشر» مخطوط في ثلاثة مجلدات للعالم الفاضل الشيخ عبد الرزاق بن حسن البيطار الدمشقي المتوفى سنة ١٣٣٥ ، وهو الآن عند حفيده صديقنا الفاضل الشيخ بهجة البيطار أحد أعضاء المجمع العلمي العربي في دمشق ، أطلعني عليه في رحلتي إلى دمشق سنة ١٣٤٠ فنقلت منه ما فيه من تراجم أعيان الشهباء ، وتبين لي أن المؤلف ظفر بذيل للعلامة المرادي على تاريخه «سلك الدرر» ذكر فيه من توفي بعد المائتين ومن كان حيا من الأعيان بعدها.

١٢١

١١٤٠ ـ الشيخ صادق بن صالح البانقوسي المتوفى سنة ١٢٠٣

الشيخ صادق البانقوسي ، ذكره الشيخ محمد كمال الدين الغزي مفتي الشافعية بدمشق في الجزء السابع من «تذكرته الكمالية» فقال :

هو صادق بن صالح بن عبد الرحمن الشريف الحنفي الحلبي البانقوسي ، الشيخ الأديب الكامل ، أحد المشهورين بجودة القريحة والفكر الثاقب.

كان مولده بحلب ، ونشأ بها ، وقرأ القرآن العظيم وحفظ جملة من المقدمات في فنون شتى ، وبرع في صناعة النظم والنثر.

وارتحل إلى دار الخلافة قسطنطينية وإلى دمشق مرارا واجتمع بأعيانها ، وكان من أخص أصحاب شيخ الإسلام الوالد ، فكان كثيرا ما يأتي إلى دارنا ، اجتمعت به مرارا وسمعت من فوائده ونظمه ونثاره.

وكانت وفاته في ثاني عشر ذي القعدة سنة ثلاث ومائتين وألف ، ولما وصل خبر موته لدمشق أنشدني مفتي دمشق سيدنا العلامة المسند أبو الفضل خليل بن علي بن محمد المرادي النقشبندي الحسيني راثيا له من لفظه :

مصاب عظيم ورزء جليل

وحزن كثير وصبر قليل

تركت فؤادي أسير الضنى

وأنى اصطباري وجسمي عليل

وذات العواصم فيك الفخار

لها يا ابن من للنبي السليل

وبعدك ينبو عذار الكمال

وموتك حتما على ذا دليل

فدم في الجنان حليف الأمان

نعيم مقيم وظل ظليل

وتوفي بمعرة مصرين وجيء به إلى حلب في تخت روان ودفن بها.

ومن شعر صاحب الترجمة :

قد آن للشمس أن تجتاز في الشرف

ما بين زهر حليّ الزهو والهيف

برج من المجد لا ما قيل في حمل

من الكواكب بين النطح والكتف

أجل هي الشمس في برج الحياء وإن

رأيت في عينها عيّا من الطرف

وقد سمت في سماء الفضل طالعة

صينت معاطفها من أن يقال قفي

١٢٢

وروضة من سجايا أزهرت ملحا

من تالدات أفانين ومن طرف

تغدو إليها نسيمات الكمال كما

تروح منها كدارين إلى الأنف

(هكذا) (١)

تميل لطفا إليها كل راقصة

غناء من عذبات ميل منعطف

يا صاحبي وبوادي جلّق بزغت

ليلا أسارير ود برق مختطف

فيا رعي دارها بالجبهتين وهل

تدري الأحبة قلبا بات في الرصف

وهل درى القمر الشمسي حين بدا

إليّ منه هلال الشوق والكلف

ويا سقاها من الجود الملثّ كما

جرى البريص له صفق على الجرف

بأنها أفق شمس في مطالعها

كواكب المدح قد علقن كالشنف

يزان مدحي به حتى يقال له

(طير على الغصن أم همز على الألف)

يا درّة في بحار الفضل غامرة

من المكارم لا من معدن الصدف

وراقيا في طريق الحق في رتب

يضيء من نورها الوضاح كل خفي

قرت بك العين مني بعد ما احترقت

مما جرى للنوى بالمدمع الوكف

لازلت في صدر محراب التصوف بل

في منصب الهدي تروي سيرة السلف

ا ه (من روض البشر) (٢).

وترجمه السيد حسن الكواكبي في كتابه «النفائح واللوائح» فقال في حقه :

هو الفاضل الكامل ، والجهبذ العديم المماثل ، ولد بحلب سنة ... ونشأ بها ، له في كل فن قدم راسخ ، وفي كل مجد طود شامخ. أما اللغة فهو عذقها المرجب ، وجديلها المحكك ، بل هو قائد زمامها ، وسائم سوامها ، وفارس ميدانها الرحيب ، وحامي حماها الخصيب ، والمقتنص وحشيها بعد تأنيسه ، والسائق بطيها بعد تعريسه. وأما أخبارياته فسلوة الكئيب إذا فقد الحبيب ، والقند الرطيب إذا ضمخ بطيب ، وسلافة الحان إذا دقت الألحان ، ونسيم الأسحار إذا صافح أيدي النوار ، فينشد لسان الحال إذا ما العيش حال :

__________________

(١) لعله يقصد أن النسيمات ترجع منها محملة بالمسك.

(٢) روض البشر في أعيان القرن الثالث عشر للشيخ محمد جميل الشطي من فضلاء دمشق ، اجتمعت به في رحلتي إليها سنة ١٣٤٠ وأطلعني على مؤلفه هذا في جزء مخطوط ، فنقلت ما فيه من تراجم أعيان الشهباء.

١٢٣

تمتع من شميم عرار نجد

فما بعد العشية من عرار (١)

وأما فوائده التي يلقيها على الجليس ، فكأنها لو لا حلها سكر الخندريس. وأما تصرفه في الأبحاث فتصرف نقاد ، لا يقنع منها دون خرط القتاد. وأما شعره فهو الصعب الذلول ، الذي تلعب معانيه بالعقول ، لا يقاس إلا بشاعر معرة النعمان ، المنتدب إلى نظم الدرر في قلائد الجمان. وأما ابتكاره للمعاني المترمة ، وانتحاله للنكات المخضرمة ، فأمر وقع عليه الإجماع ، ولم يبق في حكايته نزاع ، فلله دره ما أحدّ فهمه وأمض عزمه ، ويكفي برهانا على هذه المقالة ما سنورد له في هذه الرسالة ، فمن ذلك قوله مادحا جناب حضرة الوالد المحترم السيد أحمد أفندي الكواكبي ومهنئا له بالإفتاء وبعيد الفطر :

هي ما حنت فعدها المنحنى

وارعها الصمّان من تلك الأشا

واسقها علا رواء مخمسا

وأرحها من تباريح العنا

فلقد أضنى بها الكدح وما

لبست إلا جلابيب العرى

خرقت خاوي النواحي خافق ال

لمع لا تعلم ما جذب البرى

ترتمي إذ تألف البيد إلى

غير ما مرمى رغت تشكو الونى

أقول : وهي طويلة نكتفي منها بهذه الأبيات ، وقد عارض بها كما ترى المقصورة الدريدية ، وهي ناطقة برسوخ قدم المؤلف في العلوم الأدبية واللغوية.

والشيخ صادق هذا هو أخو الشيخ عبد القادر البانقوسي من أعيان القرن الثاني عشر وقد تقدمت ترجمته.

وخلف المترجم ولدا اسمه الشيخ محمد عاصم ، كان عالما فاضلا ، توفي سنة ١٢٢٩ ودفن في تربة أرض عواد في قاضي عسكر. رأيت من تآليفه رسالة في حكم تكرار الجماعة أولها : الحمد لله وحده ، ثم قال : فقد سئلت عن الصلاة الثانية التي تقام في جامع بني أمية بحلب في الأوقات جماعة على الهيئة الأولى هل لأحد من الحنفية الاقتداء بإمامها ، وهل ذلك مكروه تحريما أو تنزيها .. إلخ ، وهي وريقات. وإليه تنسب الآن عائلة بيت الشيخ عاصم.

__________________

(١) البيت للصمة القشيري.

١٢٤

١١٤١ ـ الشيخ محمد بن عثمان الشمّاع المتوفى سنة ١٢٠٤

الشيخ محمد بن عثمان بن محمد بن عثمان الحلبي الحنفي الشمّاع ، فرد زمانه ، وعالم عصره وأوانه ، زبدة الأفاضل ، وخزانة الفضائل ، الفقيه الفرضي البياني ، والأصولي المنطقي المعاني للمعاني ، والمحدث الخبير ، والناقد الشهير.

ولد بحلب سنة أربع عشرة وماية وألف ، وقرأ غالب الفنون على البرهان إبراهيم بن مصطفى الحلبي المداري وأبي عبد الله جابر بن عودة الحوراني الشافعي وأبي المحاسن يوسف ابن حسين الدمشقي الحسيني المفتي وأبي عبد الله محمد بن الحسن بن همات الدمشقي الحنفي وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم الطرابلسي ثم الحلبي ، وتفقه عليه وتخرج في المسائل الشرعية والعقلية ، وقرأ على غيرهم من الأجلاء ، وروى بالسند العالي عن المعمر المسند الكبير زين الدين بن عبد اللطيف الشعيفي الجلّوصي كاتب الفتوى الحنفي المتوفى سنة سبع وعشرين وماية وألف ، وكتب مسائل الفتوى وراجعه المستفتون واعتمدوه واعتبره العلماء المفتون.

ولم يزل محترم القدر مرفوع الرتبة مشهور الذكر ، عليّ المقام سنّي الاحترام ، حسن الإفادة وافر العبادة ، صادق الزهادة ، لا يشغله هواه عن الإقبال على مولاه إلى أن توفي سنة ألف ومائتين وأربع رحمه‌الله. ا ه. (حلية البشر).

وترجمه في (روض البشر) فقال : قال المؤرخ السيد محمد كمال الدين الغزي العامري مفتي الشافعية بدمشق في الجزء السابع من تذكرته الكمالية : هو محمد بن عثمان الشهير بالشماع ، الشيخ المعمر الكاتب الفاضل البارع الكامل الأوحد أبو الوفا همام الدين.

ولد بحلب سنة إحدى عشرة وماية وألف (هناك قال سنة ١١١٤ والله أعلم أيهما أصح) ونشأ بها ، وأخذ في طلب العلم عن جماعة من علمائها كالبرهان إبراهيم المداري والشيخ محمد الزمار والشيخ طه الجبريني والسيد محمد الطرابلسي وغيرهم ، وصار أمين الفتوى بحلب أكثر من خمسين سنة. توفي في اليوم السابع من صفر سنة أربع ومائتين وألف. ا ه.

١١٤٢ ـ الشيخ محمد بن محمد الريحاوي المتوفى سنة ١٢٠٤

الشيخ محمد بن محمد الأريحاوي الحلبي الشافعي ، العالم المحقق العامل الإمام المدقق الكامل.

١٢٥

مولده بأريحا سنة تسع وثلاثين وماية وألف ، وقرأ بها بعض المقدمات.

وارتحل إلى مصر وأقام بها ولازم الشيوخ وقرأ على الكثير معظم الفنون ، واشتغل بالأخذ والتلقي والسماع والتحصيل ، وأخذ عن كثير منهم النجم الحفناوي والشهاب أحمد بن عبد الفتاح الملوي وأبو علي الحسن بن أحمد المدابغي وأبو مهدي عيسى البراوي وغيرهم. ودأب واجتهد حتى أتقن وفضل ومهر وأذن له شيوخه بالإفتاء والتدريس وأجازوا له.

ثم عاد إلى حلب بفضل وافر ، وأقام بها ينشر الفضائل ويفيد الأفاضل ، وتصدر للإفادة والإقراء ولازمه جماعة كثيرون وانتفعوا به ، ثم ضرب عن ذلك صفحا ، ورام ما هو أعظم ربحا ، واعتزل الناس واشتغل بالعبادة والسكون ، وانزوى في داره مع الورع والزهد التام ، واعتقده الناس وأقبلوا عليه. وكانت فضائله مشهورة وأحواله مذكورة.

ولم يزل على حالته الحسنة حتى مات في صفر سنة أربع ومائتين وألف ودفن بتربة الشيخ نمير خارج باب قنسسرين. ا ه. (حلية البشر).

١١٤٣ ـ الشيخ محمد هلال الهلالي المتوفى سنة ١٢٠٤

الشيخ محمد هلال بن أبي بكر القادري ، شيخ التكية الهلالية الكائنة في محلة الجلّوم.

تلقى العلم والطريقة القادرية على والده الشيخ أبي بكر بن أحمد الهلالي وسلك على يديه ، وبعد وفاة الشيخ أبي بكر جلس هو على السجادة هناك ولازمه مريدو والده وانتفعوا بعلمه وإرشاده.

وكان صالحا ورعا تقيا زاهدا كثير العبادة اعتقده الخاص والعام.

وبقي على السجادة إلى أن توفي سنة ١٢٠٤ ودفن في الزاوية المذكورة ، وبنى الوزير مصطفى باشا ابن عزة باشا ضريحا على قبره ونقش على أحجاره هذه الأبيات :

إن هذا ضريح قطب المعالي

من تسمى محمدا وهلالي

ابن شيخ الشيوخ من كان يدعى

بأبي بكر صاحب الأحوال

قد بناه نجل الوزير المسمى

عزتي راجيا حصول الكمال

إذ توفى الهلال ناديت أرخ

صاح هذا المقام قطب هلال

١٢٦

وجلب مصطفى باشا المذكور الماء إلى الزاوية ، وقد كانت هذه الزاوية صغيرة فوسعها إلى حالتها الحاضرة يوسف آغا عربي كاتبي ابن مصطفى آغا ، وذلك في سنة ١٢٠٥ ، وهو رجل من أهل الموصل كان قيم حج لأهل الموصل ، وكان كلما اجتاز بحلب قاصدا الحجاز يزور الشيخ أبا بكر والد المترجم ، وكان عظيم الاعتقاد فيه ورأى منه عدة كرامات ، وكلما رأى منه كرامة زاد اعتقاده فيه ، فدعاه ذلك إلى توسيع الزاوية ووقف لها وقفا ، وفي آخر الأمر توطن يوسف آغا في حلب وتوفي فيها سنة ١٢١٣ ودفن بالزاوية المذكورة.

١١٤٤ ـ محمد بن إبراهيم العاري المتوفى بعد سنة ١٢٠٠

الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد الأريحاوي الشافعي الشهير كوالده بالعاري ، أبو عبد الرحمن شمس الدين ، العالم الفاضل المفتي الفقيه الشهير النسابة ، خاتمة أجلاء بلدته.

مولده بها سنة ثمان ومائة وألف ، وقرأ على جده ووالده وانتفع بهما ، وأخذ عنهما الكثير وسمع عليهما.

ورحل إلى إدلب وسمع بها الحديث وغيره عن الشهاب أحمد الكاملي المفتي ، وأخذ الطريقة الرفاعية القصيرية عن العماد إسماعيل بن محمد القصيري وحصلت له بركته ، وأفتى بأريحا بعد والده ، وخطب وأم بجامعها قدر ستين سنة. ودخل عام حجه دمشق الشام.

وكان له نظر دقيق وشعر رقيق ، فمن شعره مخمسا قصيدة الشيخ عبد الرحيم البرعي :

على الأحباب قلبي أنّ أنّا

وصرت بهم حليف ضنى معنى

ولما أن بدا ليلي وجنا

سمعت سويجع الأثلات غنى

على مطلولة العذبات رنا

وأجرى دمعه من فوق خدّ

على إلف له يبكي لفقد

ولما بان منه عظيم وجد

أجابته مغردة بنجد

وثنّت بالإجابة حين ثنّى

فزاد بي الهوى وجفوت قومي

ولم أعرف متى أمسي ويومي

١٢٧

وكيف العاذلون يرون لومي

وبرق الأبرقين أطار نومي

وأحرمني طروق الطيف وهنا

وجهز فاتني للحرب جيشا

وعقلي زاده التعنيف طيشا

ذكرت مغانيا جمعت قريشا

وذكرني الصبا النجديّ عيشا

بذات البان ما أحلى وأهنا

وأنعش ذلك التذكار حسي

وطابت بالتهاني منه نفسي

ومذ راق الطلا وأدير كأسي

ذكرت أحبتي وديار أنسي

وراجعت الزمان بهم فضنا

وهي طويلة أوردها في حلية البشر بتمامها نكتفي بهذا المقدار منها ، وختمها بقوله :

وأمتك التي حقا تباهت

على من قد تقدمها وتاهت

وفضلك فيه أقوالي تناهت

عليك صلاة ربي ما تناغت

حمام الأيك أو غصن تثنى

توفي رحمه‌الله تعالى بعد الألف والمائتين ودفن خارج ريحا عند والده.

وكان عالما بأنساب الناس وأصولهم ، حافظا للأخبار والوقايع ، قوي الحافظة ، حسن النادرة ، جميل الأخلاق ، كريم الأعراق ، خاتمة علماء وفضلاء أهل أريحا ونبلائها ، ولم يترك مثله في نواحيه ، رحمة الله عليه. ا ه. (حلية البشر).

١١٤٥ ـ الشيخ عبد الوهاب بن محمد الأزهري المصري المتوفى بعد سنة ١٢٠٠

الشيخ عبد الوهاب ابن الشيخ محمد الأزهري ، العالم الزاهد العابد الفاضل الأديب.

قدم إلى حلب سنة ... (١) وقطن بالجامع الأموي يقرىء الكتب المطولات والمختصرات ، وانتفع به جمع كثير ، وروى عنه جمع غفير ، وأحيا الطريقة الشاذلية ، وقام بتلاوة أورادها على السنة المرضية. وكان دمث الأخلاق حسن المعاشرة معمر القلب مواظبا

__________________

(١) فراغ في الأصل.

١٢٨

على العبادة سالكا سبيل السنة ، مع الإقراء والإفادة والإتيان بالفوائد المستجادة. توفي سنة ... (١) وله شعر لطيف كآثار الكرام ، يتبرك به الخاص والعام. ا ه. (من النفائح واللوائح).

وله شعر لطيف رأيت منه هذا التخميس في بعض المجاميع :

أكرم بأبرار بهم

نلت المنى من قربهم

فازوا بتقوى ربهم

لي سادة من عزهم

أقدامهم فوق الجباه

أرجو من الله العلي

بالمصطفى نعم الولي

كن لي بأعلى منزل

إن لم أكن منهم فلي

في حبهم عز وجاه

١١٤٦ ـ محمد بن حجازي المتوفى بعد سنة ١٢٠٥

الشيخ محمد بن حجازي بن محمد الحلبي الشافعي (المعروف بابن برهان) ، العالم الفاضل المتقن الجهبذ المتفنن النظار الأصولي الفقيه ، والنحوي الصرفي الجدلي النبيه.

ولد سنة إحدى وأربعين ومائة وألف ، واشتغل بالأخذ والقراءة ، فقرأ على أبي الثناء محمود بن شعبان الباذستاني الحنفي وأبي عبد الله محمد بن كمال الدين الكبيسي ، ولازم تاج الدين محمد بن طه العقاد وبه تخرج في أكثر العلوم ، وسمع منه أكثر صحيح البخاري وشيئا من صحيح مسلم وغيرها من كتب الحديث ، وأخذ عنه القراءات من طريق الشاطبية وانتفع به ، وأخذها أيضا عن أبي عبد اللطيف محمد بن مصطفى البصري شيخ القراء بحلب وأبي محمد عبد الرحمن بن إبراهيم المصري ، وقرأ على أبي السعادات طه بن مهنا الجبريني شيئا من أصول الحديث وشيئا من صحيح البخاري وحضره في دروسه الفقهية ، وقرأ المنطق وأخذه عن الشهاب أحمد بن إبراهيم الكردي الشافعي مدرس الأحمدية بحلب ، وقرأ المختصر في المعاني والبيان على أبي الحسن علي بن إبراهيم العطار وألفية الأصول للسيوطي وشرح السراجية ، وقرأ على أبي محمد عبد القادر الديري المنهاج بطرفيه وشرح المنهج للقاضي

__________________

(١) فراغ في الأصل.

١٢٩

زكريا ، وقرأ الكثير على الأجلاء (١) وسمع منهم ، وأتقن وفضل ومهر ونبل ودرس وأفاد وأقرأ جماعة كثيرين وأخذوا عنه ، وما منهم إلا من انتفع به واستفاد.

وكان من العلماء المشهورين والفضلاء المذكورين. وكان يحترف ويأكل من شغله ولا يقبل من أحد إلا ما دعت الضرورة إليه ، يغلب على حاله الزهد والعفاف والرضى برزق الكفاف. وكان قليل الاختلاط بغيره ، لا يألف إلا ما يفوز منه بخيره ، كثير العبادة والتقوى ، شديد الإقبال على عالم السر والنجوى ، دائم التفكر في الله ، لا يشغله عنه سواه. مات بعد سنة خمس ومايتين وألف. ا ه. (حلية البشر).

أقول : وله من المؤلفات منظومة في علم الفرائض سماها «العقود البرهانية» شرحها الشيخ عبد الله الميقاتي المتوفى سنة ١٢٢٣ وشيخ مشايخنا العلامة أحمد الترمانيني المتوفى سنة ١٢٩٣ في أربع كراريس ، وشرحها شيخنا الفاضل الشيخ كامل الهبراوي شرحا حسنا أفاد فيه وأجاد ، وقد قرظت هذا الشرح المفيد في جملة من قرظه.

١١٤٧ ـ محمد مكي بن موسى المتوفى بعد سنة ١٢٠٥

الشيخ محمد مكي بن موسى بن عبد الكريم الحلبي الحنفي ، العالم الفقيه الأصولي المقري الضابط الصالح أبو الإتقان أحد القراء والحفاظ المشهورين والفضلاء البارعين بحلب. مولده بها سنة خمس وأربعين وماية وألف. وكان جده من دمشق ، وارتحل إلى حلب ومات بها.

قرأ القرآن العظيم وهو ابن ثماني عشرة سنة وحفظه على الأجلاء من القراء كالشمس البصري ومحمد بن عمر بن شاهين وعبد الغني المقري بمحلة الجديدة وعلي المصري ، وأتقن الحفظ وضبطه ، وحفظ الشاطبية ، وقرأ السبعة من طريقها على الشمس البصري شيخ القراء المذكور.

وشرع بالأخذ والاشتغال بالعلوم فقرأ الفقه والأصول والعقائد والمنطق والنحو

__________________

(١) من جملتهم المحدث الشيخ إسماعيل ابن الشيخ محمد المواهبي الحلبي ، فقد رأيت إجازة منه للمترجم بخطه بجميع مروياته محررة سنة ١٢٠٥ وذكر فيها أنه قرأ عليه كثيرا ولازمه في دروسه الخاصة والعامة.

١٣٠

والصرف والمعاني والبيان وغالب الفنون على جماعة.

وسمع الحديث على جمع ، منهم أبو عبد القادر محمد بن صالح بن رجب المواهبي ، قرأ عليه الدرر وشرح النخبة في أصول الحديث والتوضيح لابن هشام وشرح الألفية للأشموني والشفاء للقاضي عياض ، وعلى والده عماد الدين إسماعيل أكثر من نصف الهداية وشرح الجوهرة في التوحيد ، وسمع عليهم صحيح البخاري. ومنهم قاسم بن محمد النجار ، قرأ عليه عدة كتب فقهية ، وأبو الحسن علي بن إبراهيم العطار ، قرأ عليه الدر المختار للحصكفي والقدوري وطالع عليه كتبا كثيرة كالبحر والذخيرة وشرح الكنز لابن سلطان والبدائع ، وقرأ عليه النصف الأول من الهداية أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الطرابلسي ، وأخذ الأصول عن محمد حاجي بن علي الكليسي مفتي الحنفية بحلب ، وقرأ على أبي محمد يوسف بن أحمد الجابري وعلى أبي الثناء محمود بن شعبان الباذستاني وأبي محمد عبد الرحمن ابن مصطفى البكفالوني والشيخ رضي الدين بن عثمان الشماع.

ودخل دمشق وسكن المدرسة المرادية في جوار الجامع الأموي ، ولازم زين الدين مصطفى بن محمد بن رحمة الله الأيوبي الدمشقي وحفظ عليه نصف الكنز ، ثم لما عاد إلى حلب أتم حفظه على شيخه محمد المواهبي وأجاز له غالب شيوخه بالإجازة العامة وكتبوا له خطوطهم. وتفوق وضبط القراءة بوجوهها وحفظها وتلا ورتل القرآن العظيم أحسن ترتيل ، وكان من القراء الموصوفين بالتقوى والديانة والفضل.

واجتمع بالسيد خليل أفندي المرادي سنة خمس ومايتين وألف وأخذ كل عن الآخر وأجاز كل للآخر بالإجازة العامة.

ولم يزل على حالة صالحة وعبادة راجحة إلى أن توفي سنة ألف ومائتين ونيف. ا ه. (حلية البشر).

١١٤٨ ـ الشيخ حسين الحسيني السعدي المتوفى بعد سنة ١٢٠٥

الشيخ حسين أبو عبد الله بن أبي بكر بن خالد بن عثمان الحلبي الشافعي الحسيني ، الشريف الفقيه الصالح ، والعفيف النبيه الفالح ، والتقي الزاهد ، والنقي العابد.

مولده سنة ثلاثين وماية وألف. قرأ القرآن العظيم على خال والده الشيخ أبي الضياء

١٣١

هلال بن أحمد القادري وحفظه على غيره ، وتفقه وحفظ بعض المتون العلمية على جماعة ، وسمع الكثير من كتب الحديث وغيره على جمع ، منهم بدر الدين حسن بن شعبان السرميني وأبو عبد الفتاح شمس الدين محمد بن الحسين الزمار وأبو محمد عبد الكريم بن أحمد الشراباتي وأبو السعادات طه بن مهنا الجبريني وفخر الدين عثمان بن عبد الرحمن العقيلي العمري ومحمد علاء الدين بن محمد الطيب الفاسي المغربي المالكي لما قدم حلب وعقد بها مجلس التحديث والسماع ، وتاج الدين محمد بن طه العقاد وغيرهم.

وأخذ الطريقة السعدية عن شهاب الدين أحمد السعدي الجباوي الدمشقي لما قدم دمشق ونزل عنده.

وأخذ الطريقة القادرية وغيرها عن الشيخ تقي الدين أبي بكر بن أحمد الحلبي القادري. وأخذ عن الشيخ أبي الخير سعد بن عبد الله اليماني نزيل حلب وانتفع بهم وأجاز له غالب مشايخه ، وأقام الذكر والتوحيد على عادتهم واعتقده الناس.

وقد أخذ عنه العالم العلامة خليل المرادي واستجازه بجميع ما تجوز له روايته فأجازه إجازة عامة ، وذلك حين رحلة خليل أفندي إلى حلب سنة خمس ومايتين وألف كما رأيت ذلك بخط خليل أفندي. ومات المترجم بعد ذلك ولم أقف على تاريخ موته. ا ه. (حلية البشر).

١١٤٩ ـ الشيخ داود المعري الشاعر المتوفى بعد سنة ١٢٠٥

الشيخ داود بن أحمد بن إسماعيل ، المعري ثم الحلبي الحنفي ، أبو سليمان سيف الدين الأكمه ، العالم الذي تهلل به محيا العالم بهجة وسرورا ، وتجمل به جيد الدهر فكان له فرحة وحبورا ، ذو النجدة والمروّة ، والمجد والفتوّة ، من سجعت بمحاسنه حمائم شمائله ، ولمعت من سماء مكارمه بوارق فضائله ، فبهر الأنام بأخلاقه المرضية ، واشتمل بما لبسه من الكمال على كل منقبة جلية. وله من محاسن الكلام ما تشربه أفواه المسامع ، ومن بديع النثر والنظام ما يزري ببدائه البدائع.

ولد هذا الهمام والجهبذ الإمام بمعرة النعمان ، سنة ثلاث وثلاثين وماية وألف من هجرة سيد ولد عدنان. ثم بعد أن قرأ القرآن وأتمه ، وجوّده على القراء الأئمة ، دخل مدينة

١٣٢

حلب ، وأكب بها على التحصيل والطلب ، وأخذ عن جماعة أفاضل ، قد اشتهروا بالمناقب والفضائل ، منهم العلامة عبد الرحمن بن مصطفى البكفالوني وأبو الثناء محمود بن شعبان الباذستاني والنور علي بن أحمد الدابقي ومحمد الحلبي بن علي الأنطاكي المفتي وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم الطرابلسي المفتي والسيد حسن بن شعبان السرميني وأبو عبد الله محمد أبو محمد الأنطاكي وأبو العدل قاسم بن محمد البكرجي وغيرهم من العلماء الأعلام ، والسادات العظام ، وأجازوه بما تجوز لهم روايته ، وتصح لهم درايته ، ودخل دمشق الشام ، وأخذ أيضا عن علمائها الأعلام ، وأجازوه أيضا إجازة عامة لجميع العلوم ، التي أخذوها عن ساداتهم ذوي المقام المعلوم.

وكان ممن يشار إليه ، ويعول بعويصات المسائل عليه.

وممن اجتمع به في حلب فرد الشام ومفتي الأنام ، خليل أفندي المرادي ، وذلك في سنة ألف ومائتين وخمس ، ولم تكن وفاته بعد ذلك بكثير رحمه‌الله.

وقيل إن هذه الأبيات من كلامه وبديع نظامه :

ذو جمال همت في عشقته

فتن العشاق عربا وعجم

لاح بدر التم من طلعته

وبدا البرق إذا الثغر ابتسم

بات يجلو الراح في راحته

ويدير الكاس في جنح الظلم

غلب النوم على مقلته

قلت والوجد بقلبي قد حكم

أيها الراقد في لذته

نم هنيئا إن عيني لم تنم

يا هلالا قد سبى شمس الضحى

كل ما فيك وعينيك حسن

صل محبا ماله من مسعف

قد جفاه من تجافيك الوسن

يا مريض الجفن يا من لحظه

سل سيفا للمحبين وسنّ

جفنك النعسان من كسرته

كم شجاع منه ولى وانهزم

أيها الراقد في لذته

نم هنيئا إن عيني لم تنم

وله :

ورد الخدود أرق من

ورد الرياض وأنعم

هذا تنشقه الأنو

ف وذاك يلثمه الفم

١٣٣

فإذا عدلت فأفضل ال

وردين ورد يلثم

هذا يشم ولا يضم

وذا يضم ويشمم

وله أبيات كثيرة ، وقصائد بديعة بالمدح جديرة. ا ه. (حلية البشر).

١١٥٠ ـ الشيخ صادق البخشي المتوفى بعد سنة ١٢٠٥

الشيخ صادق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد البخشي ، الحلبي الحنفي الخلوتي ، صلاح الدين أبو النجا شيخ الإخلاصية بحلب ، العالم الخير البركة الصالح الدّين ، العمدة الإمام المرشد.

مولده سنة ثلاث وثلاثين وماية وألف ، ونشأ بكنف والده وأعمامه وأخذ عنهم وقرأ عليهم وانتفع بهم ، وأكثر انتفاعه بعمه أبي الإخلاص حسن بن عبد الله البخشي. وقرأ على أبي عبد الفتاح محمد بن الحسين وأبي السعادات طه بن مهنا بن يوسف الجبريني وأبي العدل قاسم بن محمد النجار ، وقرأ الصحيح للبخاري على أبي محمد عبد الكريم بن أحمد ابن محمد علوان الشراباتي. ولما قدم حلب سنة أربع وأربعين وماية وألف المسند الرّحلة أبو عبد الله جمال الدين محمد بن أحمد عقيلة بن سعيد المكي وزارهم في تكية الإخلاصية الكائنة بمحلة البياضة سمع منه حديث الرحمة المسلسل بالأولية وحديث المصافحة والمشابكة وأجاز له بمروياته وسمع عليه مسلسلاته بقراءة والده وعمه وأجاز لهم جميعا بخطه على ظهر إثباته ، وأجاز له الشهاب أحمد بن محمد المخملي وهو يروي عن عمه البرهان إبراهيم البخشي وغيره وأبو محمد عبد الوهاب بن أحمد الأزهري وآخرون ، وكتبوا له خطوطهم وسمع عليهم الكثير. وأخذ الطريقة الخلوتية وغيرها عن عمه ووالده. ولما مات سنة خمس وسبعين وماية وألف صار شيخا مكانه في تكيتهم الإخلاصية المعروفة بهم ، ولم يعارضه عمه في المشيخة وارتضاه ، وكان يحنو عليه ويحبه ورباه وأحسن تربيته وانتفع به وبآدابه ، وسمع عليه ديوان شعره من لفظه ، فأجازه بمروياته ومسموعاته وكتب له بخطه بعد التلفظ مرارا. ولازم الاستقامة وتصدر للإرشاد والتسليك ، واختلى كعادتهم ولازمه جماعتهم وأخذوا عنه. وكان يقيم الأذكار والتوحيد.

وكان سخيا كريم الأخلاق ، حسن السريرة والسيرة ، كثير الديانة والخير ، من المشايخ الأخيار.

١٣٤

رأيت بخط خليل أفندي المرادي يقول : ولما دخلت حلب المرة الثانية سنة خمس ومائتين وألف اجتمعت به غير مرة وزارني وزرته وتردد إليّ وسمعت من لفظه حديث الرحمة المسلسل بالأولية وهو أول حديث سمعته من لفظه ، وصافحني وشابكني ، كما أسمعه الأولية وصافحه وشابكه ابن عقيلة المكي ، وأجاز لي بما تجوز له روايته لفظا وكتابة على ظهر ثبت شيخه الشراباتي. ولم أقف على تاريخ موته. ا ه. (حلية البشر).

١١٥١ ـ عبد الصمد الأرمنازي المتوفى بعد سنة ١٢٠٥

الشيخ عبد الصمد بن محمد بن محمد الأرمنازي الشافعي الحلبي ، الفقيه الأديب والكامل اللبيب.

مولده بأرمناز سنة ثلاثين وماية وألف ، ونشأ بها في كنف والده ، وقرأ القرآن وحفظه وتلاه مجوّدا على الشيخ المقرىء يحيى بن الحسين الحلبي الزيات ، وتفقه بأبي الحسن علي ابن عبد الكريم الأرمنازي ، وقرأ النحو وغيره من بقية الفنون. وخطب بعد والده في جامع أرمناز كأسلافه ولهم زمان قديم في هذا المكان. ونظم الشعر وتعاناه ، وأقبل على مطالعة الدواوين الشعرية. وكان كريما جوادا صالحا.

ومن شعره يمدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

لست أخشى ولي إليك التجاء

يا نبيا سمت به الأنبياء

كنت نورا وكان آدم طينا

فأضاءت بنورك الأرجاء

جئتنا من إلهنا بكتاب

عربي عنت له البلغاء

أيها المادحون طيبوا نفوسا

إن مدح النبي فيه الشفاء

ما رماني الزمان منه بسهم

أودهتني الخطوب والضراء

وتوسلت بالمشفع إلا

دار كتني الألطاف والسراء

قاب قوسين قد دنا فتدلى

وتجلى لما أتاه النداء

كان جبريل بالبراق دليلا

حين أسرى به فنعم العطاء

وبدت حين وضعه معجزات

ضاق عنها التعداد والإحصاء

وضعته والكون كان ظلاما

وعن الحق في القلوب عماء

١٣٥

فانتفى الغي حينما حل في الأر

ض ونادت أقطارها والسماء

يا رفيع الجناب أنت المرجى

في المهمات إذ يعم البلاء

كن مجيري يا خير هاد لأني

ليس لي في الأمور عنك غناء

وله أشعار كثيرة وقصائد شهيرة. توفي بعد الألف ومائتين وخمس. ا ه. (حلية البشر).

١١٥٢ ـ عبد الغني بن صلاح المتوفى بعد سنة ١٢٠٥

الشيخ عبد الغني أبو محمد عز الدين بن علي بن صلاح بن أحمد ، الحلبي الحنفي الحسيني ، العالم الأستاذ والفاضل الملاذ ، والفقيه الصالح والنبية الفالح.

ولد سنة ألف ومائة وثلاثين ، واجتهد في الطلب والتفت إليه وأقبل بجده واجتهاده عليه ، وسمع وقرا ، وفهم ودرى ، وأخذ عن جماعة ذوي فضالة وبراعة ، منهم أبو عبد القادر صالح بن عبد الرحمن البانقوسي ، فتفقه عليه وأخذ عنه الحديث ، وقرأ على ولده أبي محمد عبد القادر ، وحضر كثيرا من دروس أبي محمد مصطفى بن عبد القادر الملقي ولازمه مدة وانتفع به ، وسمع من أبي العدل قاسم بن محمد النجار الجامع الصغير في الحديث.

وأخذ الطريقة القادرية عن أبي عبد القادر محمد بن صالح بن رجب المواهبي ، والطريقة الرفاعية عن أبي الحسن علي الصعيدي المصري ، والطريقة الشاذلية عن أبي محمد عبد الوهاب ابن المصري البشاري ، والطريقة السعدية عن العماد إسماعيل السعدي.

وكان حريصا على الاستفادة والإفادة ، كثير التقوى والعبادة. وفي آخر أمره انقطع إلى الذكر والإرشاد ، وأقبل عليه المريدون من كثير من البلاد ، فانتفع به كثير من الناس.

ولم يزل على صلاحه وتقواه وعبادته ودعايته إلى الله إلى أن دعته المنية إلى المنازل العلية بعد الألف ومايتين وخمس رحمه‌الله. ا ه. (حلية البشر).

١١٥٣ ـ الشيخ عبد الكريم بن محمد المتوفى بعد سنة ١٢٠٥

الشيخ عبد الكريم بن محمد بن عبد الجبار بن محمد ، الحلبي الحنفي الماتريدي ، أبو

١٣٦

محمد كمال الدين ، العالم الواعظ والإمام الفاضل النبيه.

ولد سنة أربع وعشرين وماية وألف ، وقرأ القرآن العظيم ، واشتغل بالأخذ والتلقي والسماع والقراءة ، فقرأ على والده وسمع عليه الكثير من الأحاديث وكتب المتون والأسانيد وانتفع به ، وعلى أبي الفتوح علي بن مصطفى الميقاتي الدباغ والبدر حسن بن شعبان السرميني وقاسم بن محمد النجار وأبي عبد الفتاح محمد بن حسين الشهاب وأبي محمد عبد الكريم بن أحمد الشراباتي وأبي المحاسن يوسف بن حسين بن درويش الدمشقي الحسيني المفتي والنقيب بحلب وأبي الثناء محمود بن شعبان الباذستاني وأبي محمد عبد السلام بن مصطفى الحريري وآخرين وأجازوه.

وارتحل إلى دمشق وسمع بها على أبي النجاح أحمد بن علي المنيني الخطيب في جامع بني أمية وشرف الدين موسى بن أسعد المحاسني وأبي الفدا العماد إسماعيل بن محمد جراح العجلوني وأبي الحسن علي بن أحمد كزبر وأبي الثناء محمود بن عباس الكردي العبدلاني نزيل دمشق وآخرين ، وسمع منهم غالب المسلسلات كالأولية وغيره ، وأجازوا له وكتبوا له بخطوطهم.

ودخل القدس وأخذ بها عن أبي الإرشاد مصطفى بن كمال الدين بن علي البكري الصديقي الدمشقي الخلوتي وأجاز له بخطه في أواسط سنة ستين وماية وألف وانتفع به وقرأ عليه البعض من تآليفه وسمع عليه الكثير واستقام عنده أياما.

ثم ارتحل إلى مصر بقصد الأخذ والتلقي وقرأ بها على النجم الحفناوي والبدر حسن ابن أحمد المدابغي والشمس محمد بن محمد الدفري والشهاب أحمد بن عبد الفتاح الملوي والزين أبي حفص عمر بن الطحلاوي وسمع عليهم غالب كتب الأحاديث الشريفة والمسلسلات وأولها حديث الرحمة ، فإنه سمعه من جميع شيوخه كما هو مصرح في إجازاتهم ، ولازمهم مدة أشهر وقرأ عليهم ، وكتبوا له بخطوطهم الإجازات المؤرخة سنة أربع وستين وماية وألف.

وحج تلك السنة من مصر وسمع الأولية وبعض المسلسلات من أبي عبد الله محمد بن محمد الطيب المغربي الفاسي المالكي نزيل المدينة المنورة ، وأجاز له بخطه.

ثم عاد إلى حلب ودرس بها ووعظ بجامعها الأموي الكبير.

١٣٧

توفي بعد الخمس والمائتين والألف. ا ه. (حلية البشر).

١١٥٤ ـ الشيخ عبد اللطيف بن عبد السلام المتوفى بعد سنة ١٢٠٥

الشيخ عبد اللطيف بن عبد السلام بن عبد القادر بن محمد الحلبي الشافعي ، الإمام أبو محمد علم الدين ، المسند المعمر البركة التقي الصالح العمدة الهمام.

مولده في حلب سنة عشرين وماية وألف ، وسمع الكثير من الفنون والعلوم على الكثير من الأفاضل السادات كمحمد أبي عبد الفتاح الزمار وأبي الفتوح علي بن مصطفى الدباغ والبدر حسن بن شعبان السرميني وأبي عبد الكريم محمد بن عبد الجبار الواعظ وأبي السعادات طه بن مهنا الجبريني وأبي محمد عبد الكريم بن أحمد الشراباتي وعبد الرحمن البكفالوني وأخوته عبد الوهاب ويس أولاد مصطفى البكفالوني وأبي المحاسن يوسف بن الحسين الدمشقي المفتي والنقيب بحلب. وروى عاليا عن الشمس محمد بن هاشم الديري وأبي داود سليمان بن خالد النحوي وأبي الحياة خضر بن محمد بن عمر العرضي وأبي محمد عبد القادر بن عمر الإمام الحلبي. وقد أخذ عنه واستجازه خليل أفندي المرادي حينما كان في حلب في سنة ألف ومائتين وخمس ، وتوفي بعدها ، ولم أقف على تاريخ وفاته رحمه‌الله. ا ه. (حلية البشر).

١١٥٥ ـ الشيخ منصور السرميني المتوفى سنة ١٢٠٧

الشيخ منصور بن مصطفى بن منصور بن صالح زين الدين ، السرميني الحلبي الحنفي ، العالم المتقن الفاضل المحدث الأصولي الزاهد العابد ، التقي النقي.

مولده سنة ست وثلاثين ومائة وألف بسرمين من أعمال حلب ، ونشأ بحلب ودخلها صغيرا ، وقرأ القرآن العظيم وبعض المقدمات من الفقه والعربية وغيرها على أبي محمد عبد الوهاب بن أحمد المصري نزيل حلب وأبي عبد الله محمد بن محمد التافلاني المغربي. وأخذ الطريقة القادرية عن أبي بكر تقي الدين بن أحمد القادري الحلبي.

وارتحل إلى حماة وقرأ بها على البدر حسن بن كديمة وأبي محمد عبد الله الحواط.

ثم ارتحل إلى مصر واشتغل بالتحصيل والأخذ وقرأ على علمائها في غالب الفنون ،

١٣٨

منهم أبو المكارم محمد نجم الدين بن سالم بن أحمد الحفناوي وجل انتفاعه به وعليه ، وأخوه الجمال يوسف وأبو العباس أحمد بن عبد الفتاح الملوي وأبو محمد الحسن المدابغي والشهاب أحمد الجوهري وعفيف الدين عبد الله بن محمد الشبراوي ونور الدين علي العمروسي وأبو عبد الله محمد بن محمد البليدي المالكي وأبو الصفا خليل المالكي وأبو محمد عبد الكريم الزيات وأبو داود سليمان الزيات وأبو السخاء عطية الله الأجهوري والسراج عمر الشنواني وأبو الحسن علي الصعيدي وأبو الروح عيسى البراوي والشمس محمد الفارسكوري وأبو عبد الله محمد العشماوي وغيرهم.

وحج ولقي هناك عام حجه أبا الإرشاد مصطفى بن كمال الدين بن علي البكري الصديقي الدمشقي وأخذ عنه الطرائق وغيرها وانتفع بدعواته ونفحاته وارتفع بأنظاره ولمحاته. وأخذ بالمدينة المنورة على أبي البقا محمد حياة بن إبراهيم السّندي.

واستقام بمصر عدة سنين ، وتفوق وتنبل ودرس بها وأقرأ بها بعض العلوم ، واشتهر أمره وراج حاله حتى شهد بفضله مشايخه. وبعدها دخل حلب ، ومنها قدم دمشق فرغب أهلها به وصار له حظ عظيم منهم.

ودرس في الأموي بدمشق ، واختلى على عادة مشايخ الطرق ولزم جماعة وأخذوا عنه ، وأقبل عليه الناس واشتهر. واستقام بدمشق بعياله نحو عشرين سنة ، وفي أثناء المدة كان يأتي إلى حلب لزيارة أحبابه وأقاربه.

رأيت بخط خليل أفندي المرادي صاحب التاريخ قال : وكان والدي اشترى المكان المبني تجاه باب جيرون بالجامع الأموي وجعله وقفا على المترجم ومن بعده على من يصير خليفة بعده من المشايخ البكرية الخلوتية ، وكان القاضي بالحكم سليمان بن أحمد الخطيب المحاسني الحنفي.

وألف وهو بدمشق رسالة في البسملة سماها «كشف الستور المسدلة عن أوجه أسرار البسملة» وجعلها باسم والدي وكتب له عليها. وشرح الأبيات الثلاثة التي مطلعها :

عليك بأرباب الصدور فمن غدا

مضافا لأرباب الصدور تصدرا (١)

__________________

(١) هو عندي بخطه ، ورأيت نسخة ثانية في بيت الحسبي.

١٣٩

(وسماه «كشف اللثام والستور عن مخدرات أرباب الصدور») (١).

وفي سنة إحدى ومائتين وألف اشترى دار بني الطيبي بحلب الكائنة بمحلة الفرافرة وجعلها زاوية للأذكار والتوحيد بعد أن وقفها ، وكان يقيم الذكر بها في الأسبوع مرة ، ويقري ويفيد ويدرس ويختلي كل عام أربعين يوما.

ومن جملة من أخذ عنه واستجازه خليل أفندي المرادي سنة ألف ومائتين وخمس وانتفع به وبعلومه.

وكان حسن المحاضرة قوي الحافظة نبوي الأخلاق لطيف المذاكرة. ا ه. (حلية البشر).

وترجمه العلامة ابن عابدين في ثبته المسمى «عقود اللآلي في الأسانيد العوالي» (مطبوع في الشام) الذي جمع فيه إجازات شيخه السيد شاكر العقاد فقال :

ومنهم (أي من مشايخ السيد شاكر) الشيخ الإمام العالم العلامة الدراكة الفهامة والفقيه النحوي الفاضل المعمر السيد منصور بن مصطفى السرميني الحسيني الحلبي الخلوتي النقشبندي القادري الحنفي. ولد سنة ١١٣٤ (في الحلية ١١٣٦ ولعل السهو من النساخ) ، وقرأ في مصر وانتفع بها وأخذ عن أكابر منهم الشيخ أحمد الحلوي والعارف محمد الحنفي ، وأخذ عن الشيخ محمد حياة السندي نزيل المدينة المنورة وعنه أخذ الطريقة النقشبندية ، وأخذ طريق القادرية عن الشيخ أبي بكر بن أحمد الهلالي الحلبي ، وطريق السادة الخلوتية عن سيدي مصطفى البكري وهو أحد خلفائه. هذا وقد قرأ عليه سيدي (أي الشيخ شاكر) حصة من الأشموني والنصف الأول من الخزرجية وحصة من الشفاء ومن شرح الأربعين لابن حجر ، وأخذ عنه الطريقة الخلوتية وأجازه إجازة عامة وكتبها له بخطه. (ثم قال بعد ذكر صورتها) :

وكانت وفاته في حلب سنة سبع ومائتين وألف ودفن في مدرسته التي بناها. ا ه.

أقول : قد اطلعت على كتاب وقفه للدار التي تقدم ذكرها وهو محرر في الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة ١٢٠٣ ، ومما جاء فيه أن الشيخ منصور وقف جميع الدار

__________________

(١) ما بين قوسين ساقط في الأصل.

١٤٠