صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار - ج ٢

السيّد محمّد بيرم الخامس التونسي

صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد بيرم الخامس التونسي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

الحجارة والمرمر متقاربة الشكل الحسن منها حسن الظاهر والباطن ، وصورتها أن يدخل من الباب إلى دهليز فيه درج قليلة يصعد منها إلى الطبقة الأولى التي هي إيوان مثل وسط الدار مسقوف مع بقيّة بيوتها وفيه أبواب هاتيك البيوت التي هي مربعة أو مستطيلة وفيه أيضا نحو المقعدين يمينا وشمالا في الغالب ، ثم تلك الدرج تنبعث صاعدة إلى الطبقة العليا التي هي على نحو التي تحتها وتختلف أشكال الدرج في كونها ذات فرع واحد إلى آخرها أو ذات فرع وفرعين ، وكل دار تشتمل على عدة مراحيض جميلة الوضع نظيفة كل منها به محل للوضوء ومحل لمنديله بحيث أن الوضوء في هاته البلاد أيسر شيء على صاحبه مع نظافة المكان ، والحق أن جميع الديار بل وجميع أحوال السكان نظيفة للغاية كل على حسب حاله عسرا ويسرا.

وقصور السلطنة ومساكن السلاطين قد اشتملت على أشكال البناآت المستحسنة في أكثر البلدان ، وأعظمها بهجة ورونقا قصر «دولما بختشه» الذي هو الآن قصر السلطنة الرسمي ، فإنه له باب عظيم ذو إتقان وتزويق بالذهب لم أر مثله قط ضخامة وزخرفة في جميع أوروبا وغيرها ، وهو يفتح إلى بطحاء عظيمة أمامه وفي مقابلته جامع أنيق له باب مقابل ذو بهجة وقريب من باب القصر في الحسن باب ثان يفتح إلى طريق بشكطاش ، وكلا البابين يدخل الى بطحاء عظيمة بها باب القصر الذي هو منقسم إلى ثلاثة أقسام في الحجم متصلة ببعضها ، أوسطها ارتفاعه يوازي ارتفاع القسمين الآخرين مرتين ، وهذا القسم الوسط كله ديوان واحد هو مجلس السلطان في المواكب ، فانظر إلى هذا البيت الذي اتساعه قدر اتساع قصر تام سلطاني ، فإن القسم الأول هو قصر ذو طبقتين وطبقة ثالثة سفليّة نصفها تحت الأرض ونصفها فوقها وتشتمل كل طبقة على دواوين وأواوين وحجرات مزخرفة مكللة مزوقة بالذهب والفرش الفاخرة والثريات المتكاثرة وغير ذلك من الزخرفة والأبهة التي تأنق فيها السلاطين للمباهاة ، وهذا القسم خاص بجلوس السلطان للرجال ، والقسم الثالث مثل هذا القسم وربما زاد عليه رونقا في الفرش وهو مسكن حرم السلطان ، ثم عند الباب الأول في الذكر قصران يمينا وشمالا لحاشية السلطان وخاصته وبطانته ، ووراء قسم الحريم قصر آخر مفصول عن السابق مثل أحد القسمين السابقين هو مسكن ولي العهد لكنه لا يلقب بهذا اللقب وإنما يقال فيه أكبر أبناء السلاطين بعد السلطان المستولي ، وهاته القصور أنشأها السلطان المنعم عبد المجيد رحمه‌الله وتسمى «دولما بختشه» وقريب منه قصر آخر أنشأه السلطان عبد العزيز يسمى تشارغان ، هو أشد رونقا وزخرفة في داخله من الأول لكن الأول أبهج منظرا والجميع على شاطىء الخليج تفتح إليه رواشينها المتكاثرة كما هو شأن جميع الديار هناك ، فلا تجد بين الشباكين أزيد من نصف ذراع أو ذراع وعلى نحو

__________________

(١) هو محمود بن سبكتكين الغزنوي ، السلطان يمين الدولة أبو القاسم ابن الأمير ناصر الدولة أبي منصور (٣٦١ ـ ٤٢١ ه‍) فاتح الهند كانت عاصمته غزنة وفيها ولادته ووفاته. الأعلام ٧ / ١٧١ الكامل في التاريخ ٩ / ١٣٩ وفيات الأعيان ٢ / ٨٤ الجواهر المضيئة ٢ / ١٥٨ البداية والنهاية ٢ / ٢٧.

٣٤١

من هذين القصرين في قسم إسكودار قصر بناه السلطان محمود (١) رحمه‌الله يسمى بكلر بك ، وهو أصغر من الكل ، ثم قصر آخر بديع للغاية يسمى بيقوز حجارته كلها داخلا وخارجا من المرمر الأحمر والأخضر فنصفه الأعلى أخضر والأسفل أحمر وهناك قصور أخرى عديدة صغيرة دون هاته إلّا القصر السلطاني الآن المسمى «بيلدز» ، الذي هو في الأصل مثل هاتيك الصغيرة لكنه لما رجحه السلطان المعظم عبد الحميد للإنفراد فيه والسكنى به دائما ، تزايدت قصوره شيئا فشيئا حتى صار أبهى في الداخل من الكل وإن كان من خارج لا يظهر منه إلّا القليل لوقوعه في وسط بستان متسع ملتف بالأشجار ومحيط به أسوار ومساكن للعساكر على جميع محيطه.

فصل في مجمل تاريخ الدولة العثمانيّة

اعلم أن الدولة العثمانيّة كانت تأسست عندما تفرقت الملوك الإسلاميّة واستبد كل منهم بجهة مع الخروج عن العمل بالشرع بل اتبعوا الشهوات واسترقوا الرعيّة وتصرفوا في الأموال بحسب الأغراض ، فضعفت شوكة الإسلام وصارت ممالكهم طعمة للأجانب فرحل من وراء النهر أي نهر سيحون ويعنون بما وراءه ما كان على عدوته الشرقيّة قبيلة من مسلمي الترك تحت رئاسة سليمان شاه جد عثمان خان ملتجئين إلى السلطان السلجوقي لما شملهم من ظلم التتر فأظلهم بالأمن وأسكنهم أرضا بالأناضول وأذن لرئيسهم أرطغرل بعد وفاة أبيه سليمان شاه بالغزو حيث كانوا قوما شدادا متمرنين على الحرب ، فافتتح بسيفه الباتر أراضي وبلدانا وفوض أمرها إليه السلطان السلجوقي وإلى إبنه عثمان من بعده ، فتلقب بالسلطان عثمان وذلك في سنة ٦٩٩ ، وقد نظم الجد الشيخ محمّد بيرم الثاني قصيدة تشتمل على أنموذج من تاريخ هاته الدولة مع أسماء سلاطينها ذكرناها هنا لإيفائها بالمقصود وسماها «عقد الدر والمرجان في سلاطين آل عثمان» وهي :

أقدم قبل القصد شكرا لمنعم

علينا بما أربى على كل أنعم

على عز هذا الدين والملة التي

وإن لحقت فازت بفضل التقدم

وأتبعه أزكى الصلاة مسلما

على أشرف المخلوق قدرا وأعظم

نبي له وصف النبوة ثابت

وآدم بين الماء والطين فاعلم

محمّد من قد أظهر الله دينه

بمكة ذي البيت العتيق المعظم

وأعلاه بالأنصار إذ حل طيبة

فحيا بوجه مشرق ذي تبسم

وما زال محروس الجناب مؤيدا

بكل إمام بالعلا ذي تهمم

محوطا إلى أن آل تدبير أمره

وحفظ حماه بالخميس العرمرم

لحي حلال يعصم الناس أمرهم

إذا طرقت إحدى الليالي بمعظم

كرام فلا ذو الضغن يدرك تبله

لديهم ولا الجاني عليهم بمسلم

ملوك بني عثمان سلسلة العلا

غصون نمت إذ فرعت عن غطمطم

٣٤٢

فلله ما قد شيدوا من بنائه

وما هدموا للكفر من كل معلم

لقد أحكموا أمر الجهاد بما أتوا

بأعظم صنع فيه من بعد أعظم

فكان لهم والله يكلأ مجدهم

بما فعلوا حق على كل مسلم

وقد رمت في ذا النظم جمع ملوكهم

وبعض مزاياهم لتروى فتعلم

فأولهم عثمان باكورة العلا

مذيق الردا من يأسه كل مجرم

سنة ٦٩٩

له فتحت برصا فاضحت سريرهم

فكان لها في ذاك فضل التقدم

وثانيهم أرخان من قد أتت به

كريمة من صلب الولي المعظم

سنة ٧٢٦

شجاعته قد أظهرتها حروبه

فعنه بما تختار فيها تكلم

وثالثهم من نال فضل شهادة

مراد محلى القرن حمرة عندم

سنة ٧٦١

فذاك الذي قد فض ختم أدرنة

فذاقت به برد الهنا والتنعم

ورابعهم شمس العلا بايزيد هم

مواقفه في الحرب مرة مطعم

سنة ٧٩١

لئن كان مع تيمور ما أنفذ القضا

فإن ارتكاب الغدر منشأ التثلم

ولا عجب للأسد إن ظفرت بها

كلاب الأعادي من فصيح وأعجم

فحربة وحشي سقت حمزة الردا

وحتف عليّ من حسام ابن ملجم

وخامسهم فخر الملوك محمّد

مجدد هذا الملك بعد التصرم

سنة ٨١٦

وسادسهم ثاني المرادين من رقى

من العز مرقى لا ينال بسلم

سنة ٨٢٤

تخلى عن الأمر اختيارا لشبله

وعاد لجبر الحال خوف تألم

وسابعهم فحل الفحول محمّد

له فتح اسطنبول أشرف مغنم

سنة ٨٥٥

عقيلة عن صيد الملوك تمنعت

وكلهم في وصلها ذو تهمم

لقد جاءها يختال في العز مودعا

خبايا المنايا بين جيش عرمرم

لدى أسد شاكي السلاح مقذف

له لبد أظفاره لم تقلم

فدحرج عنها سيد الروم خاسئا

لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم

وحل بها لما تنادت جنوده

بتكبير منشي العالمين ومعدم

وقد وسم السيف العدافي رؤوسهم

كأنهم قد خضبوها بعظلم

فما الحرب إلّا ما رأوا من بلائه

وما هو عنها بالحديث المترجم

وثامنهم فرع له بايزيد هم

أبو الجود ماذا سد خلة معدم

سنة ٨٨٦

وتاسعهم مفتاح فتح ممالك

غدت في جبين الدهر غرة أدهم

سليم الذي قد حل بالشاه بأسه

فأدبر يطوي الأرض من قرب جهضم

سنة ٩١٨

ولاح بتبريز سناه فأصبحت

عروسا تجلت في وشاح منمنم

ومذ برقت بالشام أنوار برقه

دعته دعاء البائس المتظلم

٣٤٣

فسكن منها روعة بقدومه

وضمت عليه سورها ضم معصم

وواجه مصرا بالأذى إذ تلكأت

فأجرى بها نيلا تدفق بالدم

وقد غرها الغوري فغار بدابق

وأقبل طومان كذيب لضيغم

فأصبح مصلوبا بباب زويلة

يداس بأقدام ويوطا بمنسم

ولم يبق من أبناء شركس ناعق

كأنهم قد لامسوا عطر منشم

وأضحى سليم للمقامين خادما

بذاك ينادي للسلاطين خدم

وعاشرهم ذو الرأي والبأس والندا

سليمان جراع العدا كاس علقم

سنة ٩٢٦

قد انتظمت بغداد في سلك ملكه

فصار له أمر العراقيين ينتمي

وقد ظهرت آثاره فحديثها

حداة الورى تحدو بها كل موسم

فمنها ويا لله غزوة رودس

تغنى بها طير الفلا بترنم

وفي سكتوار بعد أن فتحت له

أجاب إلى المولى بقلب مسلم

فلاحت بأفق الملك طلعة شبله

سليم عظيم الملك فرع معظم

سنة ٩٧٤

لهمته العلياء قبرص أذعنت

تقابل مسعاه بوجه مقسم

وفي يمن من بعد بدء فتوحه

لوالده الأرضى أتى بالمتمم

وأحيا به الرحمن تونس عندما

غدت بعد عزّ شامخ في تحطم

فشدّ بضبعي سعدها فأقامه

وكان بقهر الأسر صاحب مجثم

ومن بعده قد بايع الناس فرعه

مرادا كريم النفس وابن مكرم

سنة ٩٨٣

ويتلوه في دست الإمامة شبله

محمّد مغضي الطرف عن فعل مأثم

سنة ١٠٠٣

أقام على أغرى فأبدى بأفقها

سحائب حرب أمطرت كل لهذم

وعقر للرحمن في الأرض وجهه

فآب بفتح للطواغيت مرغم

وقام ابنه ذو الحسن أحمد بعده

يحيى ببدر تحت تاج منظم

سنة ١٠١٢

ومن بعد هذا مصطفى بن محمّد

أقيم ولكن عقده غير مبرم

سنة ١٠٢٦

فبويع عثمان بن أحمد بعده

وأنزل عن قرب لأمر محتم

سنة ١٠٢٨

وقد عاد بعد الخلع خاقان مصطفى

وأنزل بعد العود مثل المقدم

سنة ١٠٣١

فجاء مراد نجل أحمد بعده

فكان كعلم لاح أثر توهم

سنة ١٠٣٢

أطل على دار السلام بجيشه

فأنقذها من رافضيّ مذمم

وقد لبست ما زانها لمسرة

وألقت بما قد شان من ثوب مأتم

وعادت إلى عاداتها دار سنة

تجرّر أذيال الهنا والتنعم

وقد قام إبراهيم وهو ابن أحمد

فلله من حزم وحسن توسم

سنة ١٠٤٩

بكندية منه وقد جاس أرضها

بأسياف أجناد لها نهش أرقم

٣٤٤

أقاموه عن كرسيه وتقدموا

لمن هو في عهد الصبا والتعلم

محمّد فرع منه فانصدع البنا

وهبّ من الكفار كل تضرم

سنة ١٠٥٨

ولكنه لما تكامل واستوى

بدا منه حزم فاضح كل أحزم

فتمم فتحا سنه والد له

بكندية أعظم به من متمم

وناهيك من فتح يضيق بيانه

عن النظم فانظر في التواريخ تعلم

ومن بعد هذا تمّ بالخلع أمره

فيا لك من فعل قبيح مذمم

فقام سليمان أخوه مقامه

ولم يأل جهدا في صلاح المحطم

سنة ١٠٩٩

ومن بعده قد قام أحمد صنوه

فبانت جراح لا تداوى بمرهم

سنة ١١٠٢

وأعقب هذا مصطفى بن محمّد

وأخر عما ناله من تقدم

سنة ١١٠٦

فقام أخوه أحمد بعد خلعه

وسلم لما شام برق التألم

سنة ١١١٥

وقد فتحت تبريز قهرا ومورة

بأيامه وجه الزمان المطهم

فبويع للسلطان محمود بعده

هو ابن أخيه مصطفى المتقدم

سنة ١١٤٣ سنة ١١٦٨

ومن بعده قد قام عثمان صنوه

ومن بعد هذا مصطفى ذو التقدم

سنة ١١٧١

إلى الموسقو إذ وجه العزم نحوه

وجرد في حرب له كل أصرم

ومن بعده عبد الحميد إمامنا

أخوه عظيم من عظيم مفخم

سنة ١١٨٧

أبان له الله الهدى وأناله

رشادا وتسديدا لدى كل مبهم

فهاك سلاطين الزمان جمعتهم

بنظم كسمط باللآلي منظم

وعدتهم سبع وعشرون قد غدت

سماء العلا منهم تضيء بأنجم

ودولتهم خمس الهنيدات عمرت

وفي طول هذا العمر لم تك تهرم

وذا في ثمان بعد تسعين ضمها

إلى مائة من بعدها الألف نعلم

وناظمها العبد الفقير محمّد

أقل الورى المشهور فيهم ببيرم

يقول تناديني المعالي بقولها

إليك الذي قد قلت فيهم به أختم

أيا دولة أربت على كل سابق

عليها لعز الدين والملة أسلم

وقد سلمت حتى رأت في سريرها

هماما به الدين الحنيفي يحتمي

سليم ابن خاقان الخواقين مصطفى

لدينك يا مولاي صنه وسلم

سنة ١٢٠٣

فلا زال منها قائم أثر قائم

إلى زمن المهدي وعيسى بن مريم

يقول حفيد الشيخ قدس‌سره

موافقه في الإسم لا في التعلم

لقد أنجح الدعوى بفضل نواله

كريم له النعمى على كل مسلم

بتسليم هذا الأمر لليث مصطفى

لعبد الحميد الفرد لقب بابنم

سنة ١٢٢٢

ولما قضى نحبا قتيلا من الأولى

أضاعوا التقى واستبدلوا الأمن بالدم

٣٤٥

تعالى إلى دست الخلافة حازما

أخوه الرضي محمود خير ميمم

سنة ١٢٢٣

له صولة في الروسيا مع بغاته

فأرواهم ماء الردى والتقسم

ومن بعده قام إبنه من لمجدهم

غدى ينشر الأعلام في كل معلم

ألا أنه عبد المجيد وحيدهم

له النصرة الغراء في كل معظم

سنة ١٢٥٥

بحرب القريم الخطب دام مصابرا

فنال المنى من بعد طول تجهم

ونظم قانونا إلى الخير راشدا

وتمم ما أبداه رأي المقدم

فأصبح وجه للبسيطة مبهجا

بما نالها من فرط عدل متمم

ومن بعد ذا وافى إلى الدست ضيغم

له مفخر أربى على كل ضيغم

فذاك الذي عم البسيطة عزه

وسلطانه فاق السوى بالتنظم

وإن رمت عدّا للمآثر تكتفي

بذكر إسمه عبد العزيز مترجم

لقد خضعت سود الجبال لعزمه

فأضحت لعز بالخلافة يأتمي

ومذ ارتقى فوق السرير تتوجت

بأفعاله هام الزمان بأنعم

لذاك تباشير الولاية أرخت

حسيب به الإسلام ما زال يحتمي

سنة ١٢٧٧

ولكنما قد حل ما جلّ أمره

فخيف من الخطب العظيم المطهم

فتم بأهل الحل والعقد خلعه

ونادوا بنجل للهمام المقدم

مراد ولكن لم يطق عبء حملها

لإخلال شرط بالإمامة مخرم

سنة ١٢٩٣

فنادوا سراعا مجمعين بأسرهم

بمن يحسم الأهوال في كل معظم

ألا أنه عبد الحميد أمامنا

عماد الورى والدين نجل المكرم

فأربى على كل الملوك مفاخرا

تحلى بها الآفاق في كل موسم

تلافى بحسن الرأي ما جل خطبه

بدس العدو الموسقو المذمم

فأرجع قهرا طاعة الصرب بوسنا

وهرسك بلغارا بنصر متمم

كذا الجبل المسود لأن عريكة

بفتك وحلم ثم عاد لأعظم

فكان إلى الروس الطغاة معاضدا

وحل القضا أعظم به من محتم

وأبقى إله العرش حوط الخلافة

بإبقاء جل للممالك محتمي

فأسدى لها سلطاننا فيض عدله

بإجرائه تأسيس عدل منظم

ولا زال يبدي كل يوم فضائلا

تترجم عن شد النهى والتقدم

فنسأل من فيض الكريم له حمى

بنصر لإعلام الخلافة مبرم

ودونك بشرى للولاية أرخت

مفتح أبواب الصفا والتقدم

سنة ١٢٩٣

وإن رمت بشرى الحال تاريخها إذا

لعبد الحميد العيد أسعد موسم

سنة ١٢٩٧ فتضمنت قصيدة الجد المشار إليه عليه سحائب الرحمة تاريخ السلاطين الذين أولهم

٣٤٦

السلطان عثمان وآخرهم السلطان سليم ابن السلطان مصطفى ، كما تضمن تذييلنا تاريخهم من السلطان مصطفى إلى سلطاننا الخاقان عبد الحميد أيده الله ، وتبين مما سبق أن الدولة العليّة لم تزل منذ ستمائة سنة ولله الحمد قائمة معتبرة بين الأمم غير أنها منذ نحو مائتي سنة تناقصت سطوتها عما كانت عليه لا سيما في حروبها مع الروسيا ، لأن الدولة الروسيّة مند وليها بطرس الأكبر (١) في سنة ١٦٨٢ جعلت مطمح نظرها توهين شوكة الدولة العليّة والإستيلاء على ما يسمح لها من ممالكها ثم الإستيلاء على بقيّة المعمور اقتداء بدولة الرومان في استيلائها في عنفوانها على سائر المعروف من الكرة إذ ذاك ، ويبرهن لهذا صريح الوصيّة المنسوبة إلى ذلك القيصر وأول من أشهرها في أوروبا هو فريدريك كياردي سنة ١٨٣٦ وهذا تعريبها :

«من بطرس الأول الخ ـ إلى كل من يخلفني على تخت الروسيا التحيّة. فإن الله سبحانه لم يزل منذ بداية الأبد في إعانتنا وأسدل فضله علينا بما حملني على الإعتقاد بأن الأمة المسكويّة تتسلط إن شاء الله على الممالك الأوروباويّة لا قدر الله ، والدليل على ذلك أن الأمم الأورباويّة قد هرم أكثرهم وأخذ البعض منهم في التلاشي فإن أدركت الروسيا تمام قوتها لا شك أنها تتغلب على سائر الممالك لما لها من شوكة الصغر ، وعندي أن هجوم الأمم الشماليّة على أوربا من أحكام القدرة الإلهيّة التي لا بد من نفوذها كما وقع سابقا عند هجوم الأمم المذكورة على مملكة الرومانيين فأحيتها بعد اضمحلالها ، وأنا وجدت الروسيا جدولا صغيرا فتركتها نهرا وأرجو أنه باعتناء من يخلفني تصير بحرا عظيما يغطي بمياهه أوربا بأسرها ولا يتعرض لسيلانه عرمرم ، فحملني هذا الإعتقاد على أن أقرر هنا الأصول التي لا بد من اتباعها نظرا إلى إدراك هذا المقصود المعتبر وهي :

أولا : على ملوك الروسيا ملازمة الحرب لتكون جيوشهم دائما على حال الرياضة والإستعداد فلا يكفوا عن الحرب إلّا لإصلاح شأن الماليّة وجبر ما نقص من العساكر وتربص فرصة الهجوم على الأعداء ، فالحرب والصلح يتناوبان حسبما تقتضيه الحاجة نظرا إلى توسيع دائرة شوكتنا وفلاح البلاد.

ثانيا : عليهم أن يجلبوا من سائر الأقطار الأورباويّة العارفين بالفنون الحربيّة مدة الحرب ، وأما مدة الصلح فعليهم جلب من اشتهر من العلماء لتنفيع الروسيا بما يلائم الأخرى من دون خسارة ما لها طبيعة.

ثالثا : عليهم التداخل في سائر أحوال الممالك الأورباويّة وخصوصا ألمانيا لقربها إلينا.

رابعا : التداخل في أحوال بولونيا وفي انتخاب ملوكها حتى لا ينتخب إلّا المحب

__________________

(١) هو بطرس الكبير (١٦٧٢ ـ ١٧٢٥) قيصر روسيا امتاز ببطولته. نظم الجيش والملاك الإداري. وحرر المرأة. نقل عاصمته إلى سان بطرسبورغ وأسس أكاديمية العلوم. المنجد صفحة (١٣٥).

٣٤٧

للروسيا وإدخال جيوشنا بها لحماية هؤلاء الملوك إلى أن يتيسر التسلط على البلاد راسا ، فإن تعرضت الدول الأخرى تجب الإجابة إلى مطالبهم إلى أن نقدر على استرجاع ما سلمناه.

خامسا : نأخذ من مملكة السويد ما يمكن أخذه ونجعل بينهم وبين الدانمرك عدوانا دائما.

سادسا : لا يتزوج أهل بيتنا إلّا بنات ملوك ألمانيا لتأكد المحبة بين الروسيا وألمانيا وتكثير وسائل المواصلة بينهما.

سابعا : يجب الإعتناء بمحالفة إنكلترا لما لها من الحاجة إلى أشجارنا لسفنها ولما نستفيده منها نظرا إلى إصلاح شأن أسطولنا فضلا عن تبديل فائدة تبديل ما لنا من الخشب وغيره من النتائج بذهب إنكلترا وما ينشأ منه من كثرة المواصلة بين تجارها وتجارنا.

ثامنا : نمتد بقدر الإمكان من جهة الشمال وعلى شواطىء البالتيك كما يجب السعي بالإمتداد من جهة المغرب وعلى شواطىء البحر الأسود.

تاسعا : نقرب من القسطنطينيّة والهنود بقدر الإمكان ، فمن ملك القسطنطينيّة فقد ملك الدنيا فبناء على ذلك ينبغي ملازمة الحرب مع الترك ومملكة الفرس وجعل ترسخانات بشواطىء البالتيك والبحر الأسود وهذا من اللازم لنجاح ما قصدناه ، وينبغي أيضا تعجيل مملكة الفرس من الإضمحلال وتنشيط التجارة التي كانت بين الشام وجبل قاف فنتقدم إلى الهند التي هي مخازن الدنيا وإن حصلنا على ذلك لا حاجة لنا بذهب إنكلترا.

عاشرا : يجب السعي في تأكيد المحبة مع دولة النسما بإسعافها ظاهرا على ما قصدته من التسلط على ألمانيا مع أننا نحرض عليها ملوك ألمانيا سرا.

حادي عشر : نشارك النمسا فيما قصدناه من إخراج الترك من أوروبا فإن ظفرنا بالإستيلاء على القسطنطينيّة وأظهرت دولة النمسا شيئا من الغيرة لأجل ذلك فإننا نحث دولة من دول أوربا على محاربتها أو نسلم لها جانبا مما حصلنا عليه ونسترجعه في أول فرصة.

ثاني عشر : نجمع سائر الإغريق ببولونيا وبممالك النمسا ونسعفهم بقدر الإمكان بالحماية والدفاع عنهم حتى يكونوا لنا أحباء ما بين الأعداء.

ثالث عشر : بعد الإستيلاء على مملكة السويد وغلبة الفرس وبولونيا والتسلط على الممالك العثمانيّة وجمع جيوشنا ودخول أساطيلنا بالبالتيك والبحر الأسود نشرع في المفاوضة السريّة مع فرنسا ودولة النسما في قسمة الدنيا بيننا ، فإن ارتضت إحدى الدولتين ما نعرضه عليها نستعين بها على قهر الأخرى ثم نهجم عليها ونغلبها ولا يصعب علينا ذلك حينئذ حيث يكون بيدنا ملك المشرق ومعظم أوروبا.

رابع عشر : إن امتنعت كلا الدولتين المذكورتين مما نعرضه عليها وهذا مما يبعد

٣٤٨

وقوعه يجب السعي بتحريض إحداهما على الأخرى فنتربص الفرصة ونهجم على ألمانيا بجيش عظيم ونوجه اسطولين إلى البحر المحيط والبحر الأوسط للإستيلاء على فرنسا وبعد قهر فرنسا وألمانيا لا يصعب الإستيلاء على بقيّة ممالك أوربا. اه.

وهاته الوصيّة وإن أنكرتها رجال الدولة الروسيّة لكن السيرة السياسيّة والعسكريّة الموجودة في الخارج من ذلك التاريخ إلى الآن تصدق وجودها إذ هي مطابقة لها مطابقة النعل للرجل ، فلا زالت تمد سطوتها في آسيا وأوروبا ولما كانت الدولة العليّة هي الدولة ذات الشأن المجاورة لها في كل من القارتين مع مخالفة الديانة جعلتها مطمح نظرها ، ووجدت سبيلا لمخادعة الدول الأورباويّة بالانتصار للمسيحيين الموافقين لهم في الديانة لما تدعيه من التعدي عليهم فتريد تحريرهم من استيلاء الدولة العليّة عليهم على ما سيرد بسطه في الفصل الأول من الخاتمة ، فجعلت تثير ثورات في أحد الأقسام ثم تنتصر له بأن يجعل له إدارة مستقلة في داخليته وبعد مدة تغريه بالإستقلال وتنتصر له فإذا تمّ استقلاله لا تلبث أن تبتلعه ثم تنتقل إلى قسم آخر يواليه وهكذا ، ولما تفطنت الدولة العليّة إلى هذا المقصد تداركت الأمر بإصلاح الإدارة على حسب ما تقتضيه الأصول الشرعيّة ويزيل تلك الإعتراضات حتى تتقوّى وتمنع نفسها وتستميل بقيّة الدول الأورباويّة إلى إنصافها من مشاحنها ، فتعاطى المرحوم السلطان محمود مبادي الإنتظام بعد أن لاقى متاعب شديدة مع العساكر إلينكشاريّة الذين كانوا أعظم أسباب التخضرم في الممالك العثمانيّة العليّة حيث عاثوا في الأرض بظلم الرعيّة والإستيلاء على الأحكام السياسيّة في القاعدة وأنحاء الممالك ، وخروجهم عن طاعة السلاطين وتلاعبهم بهم هذا بعد أن كانوا هم عدة الإسلام وناشري أعلام انتصاره عندما نظمتهم الدولة إلى خلال القرن الحادي عشر ، فابتدأوا بما سبق ذكره وتمادوا عليه إلى أن وهنت الشوكة وتداركها السلطان محمود فأزال ذلك الصنف بالمرة بعد حرب ذريعة ونظم عوضهم العساكر النظاميّة على نحو انتظام العساكر الأوروباويّة في الممالك المتمدنة ، مع أنه كان إذ ذاك في تعب عظيم من حرب الروسيا التي كانت خاتمتها معاهدة «أدرنة» الموهنة لتمام استقلال الدولة العليّة والجاعلة للروسيا اليد في أحوال الممالك العليّة ، وكذلك كان السلطان في مهم من ثورة الإغريق في جزيرة مورا وأضيف إليه غدر الأسطول الإنكليزي بأسطوله وأساطيل الولايات التابعة للخلافة كمصر وتونس والجزائر ، إذ بينما تلك الأساطيل العظام راسية في بحر الجرز للإحتراس في شأن ثورة مورة وإذا بالأسطول الإنكليزي وارد عليها في صورة المعاضد ، لأن السلم متأكد بين الدولتين ولم تكن بينهما شائبة حرب بالمرة ، وأشارت الأساطيل إلى بعضها بعلامات السلم فلم تلبث أن تخللت بين الأساطيل العثمانيّة حتى إذا تم تمكنها منها أطلقت عليها النيران من جميع الجهات في آن واحد مع شدة الإلتحام والتداخل والمسلمون في حال الدعة اعتمادا على السلم المحقق فهلكت جميع تلك الأساطيل وغرقت في لجة البحر دفعة واحدة بمن فيها ، فكانت حادثة لا تنسى ولا تنمحي من صفحات التواريخ حتى أن أعضاء مجلس

٣٤٩

الأعيان ومجلس النواب من الإنكليز أنفسهم هاجوا وماجوا على دولتهم من تلك الفعلة وألزموا الوزراء بالمحاكمة والقصاص فأنكر وزير البحريّة أذنه بذلك وقال : إن فعل رئيس الأسطول لما فعل هو افتيات منه ولا علم للدولة به فألزموا إحضاره والحكم عليه بالقتل وعند ما أحضر وروفع في مجلس الحكم وصدر الحكم بقتله وعلم أنه لم يبق له مفر أقبل على وزير البحريّة وسارّه في أذنه بقوله : «أيها الوزير إن تلك البطاقة التي بخطك قد نسيت أن أحرقها وها هي الآن في جيبي» ، فبهت وجهه وأطرق صامتا ، ثم عقد جلسة سريّة وأطلق سبيل الرجل ويقال إن الحامل على ذلك ما هو مركوز في طباع الدول سيما إذا كان القصد هو أركاس المسطو عليه لما يأتمر به الساطي ، بيد أن الدولة الإنكليزّية لم تزل من ذلك الوقت إلى الآن تعاضد الدولة العليّة وتنصح لها وتظاهرها متى استطاعت كما يأتي ، ومع هاته الشدائد التي تقدمت الإشارة إلى بعضها فالسلطان محمود رحمه‌الله ونعمه لم يزل جلدا مقداما ، حتى أنه لما بلغه خبر الأسطول وهو يحادث أحد كبراء دولته لم يزد على سؤاله عن تحقق الأمر من غير انزعاج ثم عاد لحديثه الذي كان فيه وشمر عن ساعد الجد في تجديد الأسطول وإقرار الراحة بانتظام العساكر النظاميّة والأحكام السياسيّة والشرعيّة فاخترمته المنيّة قبل الاستتباب ، وتسلطن ولده السلطان عبد المجيد فأخذ في السعي في الإنتظام وتغيير السيرة القديمة إلى التهذيب الوقتي الذي هو موافق للشرع العزيز كما يأتي في الفصل الرابع من الخاتمة ، وأصدر الفرمان العالي المحدث للتنظيمات وتعريبه هو :

من المعلوم عند الجميع أن دولتنا العليّة لم تزل من مبدأ ظهور أمرها معتنيّة بكمال الرعاية للأحكام القرآنيّة الشريفة والقوانين الشرعيّة المنيفة وإن سلطنتنا السنيّة قد وصلت بذلك إلى الدرجة القصوى من القوة والمكانة ورفاهيّة الرعايا وعمارة المدن والقرى ، إلّا أنها منذ مائة وخمسين سنة تناقصت قوتها ومعموريّة ممالكها وأخذت في التأخر والضعف وذلك لغوائل متعاقبة وأسباب متنوعة نشأ منها تجاوز الحدود الشرعيّة والقوانين المرعيّة ، ولا يخفى أن الممالك التي لا تنسج إدارتها على منوال القوانين الشرعيّة لا تدوم استقامتها ، فلذلك لم تزل أفكارنا منذ جلوسنا على سرير الملك مصروفة إلى تدبير وسائل عمارة الممالك ورفاهيّة الأهالي مما يحصل به المطلوب في مدة يسيرة بعون الله تعالى نظرا إلى حسن الموقع الجغرافي المحتوي على ممالك دولتنا العليّة ذات الأراضي الخصبة والأهالي ذوي الإستعداد وتمام القابليّة ، إلى أن رأينا من المهم وضع قوانين جديدة مؤسسة على القواعد الشرعيّة المشيدة واعتمادنا في وضع ذلك على العناية الربانيّة متوسلين بحرمة سيد البريّة صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومدار القوانين المشار إليها على وجوب حفظ النفس والعرض والمال ، وعلى بيان المرجع في تعيين الأداء وجلب العساكر اللازمة. أما وجوب حفظ النفس والعرض فلكونهما أعز الأمور الدنيويّة فإذا خشي الإنسان عليهما اضطر إلى التشبث بمن يرجو به وقايتهما كائنا من كان ، وإن لم يكن في أصل فطرته مجبولا على الخيانة ولا يخفى أن ذلك مما يضر بالدولة والمملكة بخلاف ما إذا كان آمنا على نفسه وعرضه فإنه لا يحيد عن طريق

٣٥٠

الصدق والإستقامة وصرف الهمة إلى حسن الخدمة لدولته وملته.

وأما المال فإن من نقد الأمن عليه لا يتأتى له القيام بحقوق دولته إذ لا يخلو دائما من شغل بال واضطراب حال بخلاف ما إذا كان آمنا على ماله فانه يشغل نفسه بما يعينه في دينه ودنياه وينظر في توسيع دائرة معارفه وعيشه وبذلك يتمكن من قلبه حب الوطن وتشتد غيرته عليه وعلى دولته ويكون سعيه على حسب ذلك ، وأما تعيين الأداء المرجع فيه أن كل دولة تحتاج في حفظ ممالكها إلى القوة العسكرية كما تحتاج في ضبط تصرفاتها إلى مصاريف لازمة ، فلا بد لها من مبلغ وافر من المال بحسب احتياجها ، وإنما يتحصل ذلك بما يضرب على اتباع تلك الدولة فلزم أن يوضع للأداء المشار إليه طريقة مستحسنة وذلك أن الإستبداد وإن بقيت معه ممالكنا سالمة والحمد لله على ذلك لكن ظهرت آثاره من الإختلال والخراب ، وذلك لأن جعل زمام مصالح المملكة السياسيّة وأمورها الماليّة بيد شخص واحد موكولة إلى اختياره بل لا مانع أن يقال موكولة إلى قهره وجبره يتسبب عنه ما ذكر خصوصا إذا لم يكن ذلك الشخص من أهل الخير فإنه يؤثر منفعته على منفعة الغير وتكون تصرفاته مبنيّة على الظلم والضير فوجب لذلك أن نبادر بترتيب معيار مضبوط يعتبر في توزيع الإداء على الأهالي مراعي فيه قدر المكاسب واليسار بحيث لا يؤخذ من أحد ما فوق مقدوره بعد أن يجعل لمصاريف الدولة اللازمة للعساكر وغيرها حد محدود بقوانين لا تتعداها ، وأما جلب العساكر فهو من أهم ما يتوقف عليه حفظ الدين والوطن والذب عنهما ، فيلزم الأهالي أن يقدموا أشخاصا منهم للخدمة العسكريّة لكن الطريقة الجارية في ذلك إلى الآن مع ما فيها من عدم الإنتظام تؤدي إلى اختلال أصول الزراعة والتجارة وإلى قلة التناسل : فيقع النقص في الأموال والأنفس والثمرات (١) ومنشأ ذلك عدم اعتبار عدد النفوس الموجودة ببلدان المملكة فيؤخذ من بعضها أكثر من المقدور ومن بعضها أقل من الميسور ، واستمرار الجندي في الخدمة العسكريّة مدة حياته وبذلك يقل النسل ويحصل الضجر المخل بفوائد الخدمة المذكورة ، فبناء على ذلك نرى من اللازم إذا مست الحاجة لأخذ العسكر من الممالك أن يوضع لذلك أصول مناسبة جارية على منهج المساواة المطلوبة ثم يسلك في الإستخدام العسكري طريقة المناوبة بحيث لا يبقى الشخص في الخدمة المذكورة أكثر من خمسة أعوام مثلا ، فبهذه الأصول التي عليها مدار القوانين والتنظيمات يحصل بمعونة الله نمو العمران والقوة والأمن والراحة ، فلذلك نقول : يلزم من الآن فصاعدا أن لا يعامل أحد من أرباب الجرائم والجنايات بما يفضي إلى إتلاف نفسه من سم ونحوه بدون مبالاة ، بل لا يحكم عليهم إلّا بما تقتضيه القوانين الشرعيّة ، وأن لا يسلط أحد على الوقوع في عرض آخر وهتك حرمته وأن يتصرف كل إنسان في أمواله وأملاكه ،

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة : ١٥٥].

٣٥١

بغاية الحريّة وعدم المعارضة ، وإن من جنى جناية لا يحرم ورثته من حق وراثته بالإستيلاء على أمواله للجناية التي هم براء منها وهذه المساعدة منا جارية في حق المسلمين وغيرهم من أهل الملل التابعين لسلطنتنا بدون استثناء أحد منهم ، ولإتمام الأمان وتعميم الإطمئنان يزاد في أعضاء مجلس الأحكام العدليّة قدر ما يلزم للنظر في سائر اللوازم وفصلها بما يتفق عليه الأكثر ، وعلى وكلاء دولتنا العليّة أن يحضروا المجلس المذكور في بعض الأيام ويبدي كل واحد ما يستصوبه دون تحاش ولا مداراة ، وأما المفاوضة في شأن التنظيمات العسكريّة فإنها تكون بدار الشورى الكائنة بمحل السر عسكر وكل ما يستقر عليه الرأي من القوانين يعرض علينا لنوشحه بالخط الميمون ويكون دستور العمل إلى ما شاء الله ، وحيث كان وضع القوانين الشرعيّة المشار إليها إنما هو لإحياء الدين والدولة والملك والملة أكدنا ذلك بالعهد والميثاق من طرفنا الملكي على أن لا يصدر منا شيء يخالفها وأقسمنا على ذلك في بيت الخرقة الشريفة بمحضر جميع العلماء والوكلاء وسيحلف كل منهم على ذلك ، فإذا صدر بعد ذلك من أحد الوزراء والعلماء ما يخالف تلك القوانين الشرعيّة فإنه يجازى بالتأديب المناسب لجريمته الثابتة بدون التفات لرتبته ولا مراعاة لذاته ، وحيث أن مأموري الدولة لهم مرتبات كافية ومن ليس له ذلك الآن سيرتب له ما يكفيه وجب أن نشدّد في قطع مواد الرشوة المستبشعة طبعا وشرعا بوضع قانون بخص عقوبتها ولاستبقاء التنظيمات المشار إليها والأصول المبنيّة هي عليها المغيرة للعوائد الجورية القديمة ، وجب أن ننشر هذه الأوراق السلطانيّة إلى سفارء الدول المتحابة المقيمين بالاستانة العليّة ليكونوا شاهدين على إمضائها ، كما ننشرها إلى أهالي الاستانة وسائر ممالكنا المحميّة ، فمن سعى في حل عرى هاته القوانين الموضوعة على أساس شرعي متين فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا ينال فلاحا إلى يوم الدين ، ونسأل الله تعالى إن يوفقنا لإجراء هذا الخير العميم آمين. اه.

ثم أن الجهلاء وأصحاب الفوائد الشخصيّة من المنتسبين للعلم أو من أهل السياسة كادوا أن يحدثوا تحييرا في الممالك بإشاعة أن التنظيمات تضادد الديانة الإسلاميّة ، فاضطر المرحوم السلطان عبد المجيد إلى إزالة هذا الوهم من الأفكار بإرساله شيخ الإسلام أحمد عارف (١) إلى الممالك فقام فيهم خطيبا يشرح أن الشرع المحمدي لا يخالف التنظيمات بل يقتضيها ولما كان هذا العالم معروفا بالرسوخ في العلم والورع انقادت العامة لمواعظه ، أما ذوو الغايات الخصوصيّة من ذوي الرياسات فلم يألوا جهدا في تعطيل إجراء التنظيمات بالفعل إلى أن وجدت الروسيا سبيلا إلى المداخلة سنة ١٢٧٠ ه‍ فاضطرت الدولة العليّة إلى حربها المعروفة بحرب القريم ، وظاهرها كل من دولتي فرنسا وإنكلترة وسردانيا حيث

__________________

(١) هو أحمد عارف حكمت بن إبراهيم بن عصمت بن إسماعيل رائف باشا (١٢٠٠ ـ ١٢٧٥ ه‍) ينتهي نسبه إلى بيت النبوة ، من نسل الحسين. قاض تركي المنشأ مستعرب. انتهى بن الصعود في القضاء إلى أن ولي مشيخة الإسلام في الاستانة وبقي هناك إلى أن توفي. الأعلام ١ / ١٤١ إيضاح المكنون ١ / ٣٧ هدية العارفين ١ / ١٨٨.

٣٥٢

توجه نامق باشا إلى فرنسا وألقى على مسامع الإمبراطور نابليون الثالث بإعانة وزيره دوروان دولويز ، أن غض النظر عن تطاول الروسيا لا تأمن بوائقه الدول الغربيّة لأن الروسيا لا سمح الله لو تسلطت على الاستانة أما حسّا أو معنى لملكت التسلط على البحر المتوسط وحجرت التجارة عن سائر الممالك الشرقيّة من الممالك الغربيّة وأيضا تحصل على النفوذ السياسي الذي تخضرم به الدول الغربيّة إذا لم نقل أنها تستولي عليها ، وحيث كانت فرنسا ناشرة راية الفخر في المعمور لا يسوغ لها إغضاء النظر عن هذا الحادث وترك الدولة العليّة منفردة مع خصمها الألد وبسط هذا المعنى بحرارة نفس حركت النخوة الفرنسوية في الإمبراطور فأجابه إلى معاضدة الدولة العليّة وأشار عليه بأن يستوثق من إنكلترا محالفتها ومعاضدتها ، فما وصل إلى لندرة حتى وجد القوم في قلق من انتظاره وكادوا أن يحملوه على الأعناق وفتحت دار الندوة لمطلبه وتلقاه أهلها بالرحب والقبول وحماية الذمار فلم تلبث الحرب بضع أشهر حتى أعلنت فرنسا وإنكلترا حربهما للروسيا وانضمت إليهما دولة سردنيا إذ كان ذلك تسببا منها لاتحاد إيطاليا ودخولها في زمرة الدول العظام ، وامتدت الحرب واستعرت نيرانها إلى أن سلمت الروسيا للصلح على شروط معاهدة باريس ومضمونها هو :

إبقاء استقلال الدولة العليّة في جميع أجزاء ممالكها واستقلالها في سائر تصرفاتها الداخليّة التي يشترط فيها الحرية والأمن التام لرعاياها على اختلاف أصنافهم.

وأما الممالك التي لها استقلال في إدارتها وهم من النصارى كالصرب والجبل الأسود والأفلاق والبغدان فتبقى ممتازة تؤدي الخراج للدولة تحت حمايتها.

وأما البحر الأسود فيكون حائدا حتى لا يسوغ لإحدى الدولتين المالكتين لشطوطه جعل سفن حربيّة فيه سوى عدد يسير لمجرد حفظ الراحة الداخليّة وكذلك نهر الطونة يكون نهرا تجاريّا فقط تحت مناظرة جمعيّة أورباوية.

ومن ذاك الوقت تخلصت الدولة العليّة من أثقال الروسيا السابقة ودخلت في سلك الدول الأورباويّة العظام وتكفلت الدول باستقلالها ، ومن سوء البخت لم يزل أغلب المتوظفين في غفلاتهم مصرين على السيرة الإستبداديّة والعدو منهم بالمرصاد ، فألف جمعيات سريّة في قواعد مملكته وأرسلت عمالها إلى الولايات العثمانيّة التي أغلب سكانها نصارى والقواد سائسهم بتعليم الثوران وإلقاء العداوة بين الراعي والرعيّة ، هذا وسفير الروسيا في قاعدة الخلافة يحسن أوجه التودد إلى الروسيا والاستماع إلى نصائحها الملائمة لطباع من استماله من الرجال ، من الاستمساك بالسيرة الإستبداديّة التي هي سيرة الروسيا لكن على شرط التسليم في الولايات التي يسكنها الصقالبة ، وبذلك تعقد دولة الروسيا مع الدولة العليّة معاهدة على الذب والإقدام وتعوضها بمعاضدتها ممالك إسلاميّة عوضا عمّا يخرج من عندها ، وتساعدها أيضا على الحط من ديونها إلى المقدار الذي يظهر لها ، فأثرت هذه الوساوس وأعلنت الدولة العليّة بعدم اقتدارها على دفع فائدة ديونها حتى اغتاظت منها

٣٥٣

سكان أوربا واستعمل الإهمال في شأن تلك الجمعيات السريّة حتى ثارت ولايتا بوسنه وهرسك ثم البلغار ثم الجبل الأسود ثم الصرب ، وتدارك رجال الدولة الصادقين الخطب بتفطنهم إلى الدسائس الباطلة التي ليس القصد منها إلّا إضعاف الدولة بيدها وجعلها في قبضة عدوها وإفرادها عن الدول الناصحة لها مع أنها استقرضت من رعاياهم منذ سنة ١٢٧٠ ه‍ نحو خمسة الآف مليون فرنك ولم يحصل منها ومن مداخيل الدولة التي هي نحو عشرين مليونا ليرة في السنة على ممر تلك السنين التي هي نيف وعشرون سنة ممّا يصح أن يعد إلّا ما تضمنه التقرير الذي قراه الصدر الأعظم بمحضر السلطان عبد العزيز في الباب العالي ، وهذا مضمونه.

«أنه قد اتخذ جميع الوسائل اللازمة لإصلاح شأن المجالس الحكميّة وإتقان تنظيمها وترتيب خدمتها على أعدل وجه ممكن حتى ينال جميع رعايا الدولة منها غاية مأمولهم من حسن المعاملة والإنصاف من غير مراعاة الجنسيّة ولا المذهب ، وأنه بذل جهده في إصلاح قوى الدولة وتنظيمها على ما يعادل تنظيمات الدول الأخرى ، وأن جملة العساكر مع الرديف تبلغ الآن ثمانمائة ألف نفر مجهزة الجهاز التام ومصحوبة بما يلزمها من المدافع المتقنة حسب الإختراعات الجديدة ، وأن الأساطيل اعتني بإصلاحها غاية الإعتناء حتى أصبحت الدولة العثمانيّة الآن عندها منها ما يجعلها بمنزلة الدول البحريّة الكبار ، وأنه متى نجزت السفن المشروع الآن في إنشائها في الترسانة العليّة يكون للدولة من الفرقاطات المدرعة والمونيتور (وهي سفن ذات أبراج) سبعة عشر فلكا ، وأنه أبرز الأوامر اللازمة لتحصين سائر حدود السلطنة بالأبراج والحصون حسبما تقتضيه ضروريات الوقت ، وأنه جهز ترسانات الدولة بالأدوات والماكينات والمهمات اللازمة حتى صارت الآن تستطيع أن تجاري ترسانات أوربا في إنشاء السفن الحربيّة أو إصلاحها ، وأنه يفرغ عما قريب من إنشاء المصنع الجديد الذي شرع في إنشائه منذ مدة في الطوبخانة ، وهو مصنع يستطيع أن يصب ثلاثمائة مدفع في كل عام من أحسن مدافع الشيشخان ، وأن اهتمامه الآن بمساعدة وزير المعارف وأقرانه الوزراء الأخر موجه إلى تكثير عدد المكاتب والمدارس توفيرا لأسباب التعليم وترتيبها على وجه يمكن سائر الناس من الإنتفاع بها الإنتفاع المطلوب ، وأن الأعمال المتعلقة بالسكك الحديديّة والطرق المعدة لسير العجلات واقع الإهتمام بها من غير انقطاع ولا توان وأن في أواخر أغسطس الآتي تكمل سكة الحديد المشروع في إنشائها بين اسكودار وأزميد ، وأن الحراثة لا يزال موجها إليها كل ما تستحقه من عظيم اعتنائه واهتمامه وتنال يوميا من التسهيلات سائر ما تحتاج إليه منها دوام إعفاء الأدوات والآلات اللازمة لها على اختلاف أنواعها من أداء رسوم الكمرك على الإطلاق في سائر أقاليم السلطنة ، وهذا كله لزيادة ترغيب الناس في الإشتغال بها حالة كونها هي أعظم ينابيع الثروة في الممالك.

وختم الصدر الأعظم تقريره بقوله : إن ماليّة الدولة باقية على ما كانت عليه». هذا وبعض التقرير لم يكن في الخارج طبق ما ذكر ، ولهذا تفاقم الأمر فيما بعد إلى أن استندت

٣٥٤

رجال السياسة والعساكر إلى فتوى من شيخ الإسلام في اختلال فكر السلطان وأولوا السلطان مرادا وحيث كان ضعيف المراج وانزعج بكيفيّة ولايته وبموت عمه وبالثورة على الوزراء من بعض المعينين لم يطق تحمل عبء الخلافة فاستند أهل الحل والعقد إلى فتوى أيضا وأولوا سلطاننا عبد الحميد أيده الله فتدارك أمر الإدارة بإصداره الخط الهمايوني عند تقلده البيعة ، وهذا تعريبه :

«أنه لما اعتزل أخي الأكرم حضرة السلطان مراد الخامس عن مشاغل السلطنة والخلافة وفرغ منها ، جلسنا بموجب القانون العثماني على تخت أجدادنا العظام وقد وجهنا لعهدتكم مسند الصدارة العظمى ورياسة مجلس الوكلاء إبقاء وتجديدا بناء على ما لذاتكم من الرؤيّة المسلم بها والحمية المجربة وما لكم من الوقوف والإطلاع على مهم أمور الدولة ، وكذلك أقررنا جميع الوكلاء على مناصبهم وأنني شديد الإتكال في جميع الأحوال على تسهيلات جناب موفق الأمور هو الله سبحانه وتعالى وتوفيقاته الصمدانيّة ، وقصارى آمالي ومقاصدي معطوفة بالحصر لتأييد أساس شوكة دولتنا ومكنتها بحيث تنال صنوف تبعتنا بلا استثناء الحريّة ويتنعمون جميعا بنعمة العدالة والرفاهيّة ، فاؤمل بثقة تامة أن جميع وكلاء دولتنا وعمالها يشاركوننا في هذا الأثر ويعاونوننا عليه ، وقد عرف الناس أجمع بأن حال البحران والاغتشاش الملم بدولتنا له جهات وأسباب متنوعة وصور وأشكال متعددة فإذا أمعنا النظر في ذلك من أي جهة كانت تجتمع مباديه وأسبابه في نقطة واحدة ، وهي عدم جريان القوانين والنظامات المؤسسة على الأحكام الجليلة الشرعيّة التي هي المسند الأساسي في دولتنا على حقها وتمامها واتباع كل فرد أهواء نفسه في إدارة الأمور ، أما اتساع ميدان عدم الإنتظام الطارىء على إدارة دولتنا ملكا ومالا وما حصلت عليه أمور ماليتنا من عدم الأمنية في الأفكار العموميّة وتعذر وصول المحاكم إلى الدرجة المتكفلة بتأمين حقوق الناس وتأخر استفادة مملكتنا حالة كونها قابلة لأنواع وسائل العمران كالحرف والصنائع والتجارة والزراعة كما هو مسلم فهو من عدم الثبات الذي وقع على كل ما شرع به من الإجراءات وكل ما حصل من التشبثات الصادرة عن نيّة خالصة لمقصد إعمار مملكتنا ورفاهيّة حال رعايانا وتبعتنا وسعادة حالهم ونوالهم بدون استثناء الحريّة الشخصيّة ، وكون ذلك بأجمعه صار عرضة لتغييرات متنوعة منعت إنتاج المقصد الأصلي فلا ريب في أنه تولد ونشأ عن عدم الثبات باتباع القانون والنظام ، ولذا كان من أهم ما يلزم أن التدابير الواجب وضعها أولا فأولا في مطلب قوانين المملكة المقتضى وضعها وتنظيمها في صورة تتكفل بأمنية العموم وثقتهم ينبغي أن يبتدأ بها من هذه النقطة المهمة ، وهي أن يترتب مجلس عمومي تكون أفعاله وآثاره مستوجبة لثقة العموم واعتمادهم ويكون موافقا لقابليّة مملكتنا وأخلاق أهاليها كافلا بإتمام تأمين إجراء القوانين حرفا بحرف ، سواء كانت القوانين الموجودة أو التي تتأسس من الآن فصاعدا توفيقا موافقة لأحكام الشرع الشريف المقدسة ولما هو بالحقيقة ضروري ومشروع لمملكتنا وملتنا وناظرا في موازنة واردات الدولة

٣٥٥

ومصاريفها فليبحث الوكلاء في هذا المطلب ويتذاكروا فيه بتدقيق وتأمل ويعرضوا قرارهم لدينا ويستأذنوا عنه ، ثم لما كانت مسألة توديع المأموريات إلى غير أهلها من المأمورين وتبدلاتهم المتوالية من غير سبب مشروع هي من جملة الأمور الباعثة على إيقاع جريان القوانين والنظامات كما ينبغي في حين الإشكال ، وهذا ممّا يأتي بكبر المضرة ملكا ومصلحة فينبغي أن يتعين من الآن فصاعدا مسلك مخصوص لكل نوع من الخدم والمأموريات ، وتتخذ قاعدة ثابتة يستخدم بمقتضاها في كل عمل من يكون أهلا له ولا يعزل أحد أو يبدل من مأموريته بلا موجب على وجه أن تكون كافة الوكلاء ومأموري الدولة كبارا وصغارا مسؤولين عن الوظائف الموكولة لهم كل بحسب درجته ، وكما هو معلوم لدى الخافقين أن ترقيات ملل أوربا الماديّة والمعنويّة إنما هي حاصلة بقوة الفنون والمعارف ، ولما كان استعداد كافة صنوف تبعتنا وما فطروا عليه من الذكاء والحمد لله يؤهلهم من كل وجه للترقيات وأهم ما لدينا من الأمور الإسراع بتعميم المعارف فأخص ما نتمناه والحالة هذه أن يحصل الاجتهاد بإبلاغ تخصيصات المعارف إلى الدرجة الكافية حسبما يساعد الإمكان وأن تستحصل الوسائل الموصلة لتعميم نشر أصول المعارف على الفور ويبادر عاجلا لإصلاح الأصول الملكيّة والماليّة والضبط في الولايات بحيث توضع ضمن دائرة الإنتظام في صورة مناسبة للقاعدة التي تتخذ في المركز ، وحيث أن الحادثة التي ظهرت في العام الماضي في أطراف هرسك وبوسنة بإغراء أرباب الأغراض قد انضم لها أيضا مسألة عصيان الصرب والدم المهرق من الطرفين إنما هو دم أولاد وطن واحد ، وكان دوام هذه الحال التي يرثى لها موجب لكدرنا وتأثرنا الشديد يلزم التشبث بالتدابير المؤثرة المفضية لاستئصالها ، وفيما نؤيد مجددا كافة أحكام المعاهدات المنعقدة مع الدول المتحابة نؤثر رعايتها على الوجه الحسن ، فينبغي المثابرة بالاجتهاد على إزدياد روابط الحب والمسالمة المتبادلين بيننا وبين الدول ، ونسأل حضرة الرب المتعال أن يقرن مساعينا جميعا بتوفيقاته السبحانيّة في كافة الأحوال آمين. يوم الأحد في ٢٢ شعبان سنة ١٢٩٣ ه‍.

ثم أعمل الحزم في الثورة وقهر جميع العصاة في سائر الأنحاء وعندما رأت الروسيا تهلهل الوسائل التي أعدتها لم تطق صبرا حتى جيشت الجيوش ووقفت على قدم الحرب بدعوى أن تعهدات الدولة العلية في حق النصارى لم تجر وأنهم لا زالوا في الظلم من الولاة والتعدي من المسلمين وأن تعهداتها الجديدة الموافقة للائحة الكونت إندراسي وزير النمسا التي قدمها على وجه المودة والنصح والمساعدة للدولة العليّة للإصلاحات المطلوبة للولايات الثائرة هي غير كافية ولم ترضهم ، فتريد إذا الدولة الروسيّة أن تطلب الإستقلال في الإدارة لتلك الولايات على أن تكون تحت حمايتها وأنها تنفذ هذا بقوة السلاح لولا أن إنكلترا جاشت في حلقها وصرحت لها عندما كانت تمد الثائرين حسّا ومعنى أنها إن لم تكف عن هذا الحرب السري فإنها تدخل معها في الحرب الجهري وكذلك دولة النمسا أظهرت التحرش من جهتها خوفا من كل منهما على مصالحهما ، إذ دولة الإنكليز تخاف من

٣٥٦

تملك الروسيا لخليج فارس وخليج السويس وبذلك تسقط من يدها مستعمراتها في الهند ، ودولة النمسا تخشى علو كعب الصقالبة بجوارها فيظهرون عليها وتتلاشى فيما بينهم مع سابقيّة التآلف بين العثمانيين والهنكاريين الذين هم قسم مستقل من مملكة النمسا ، حتى أن رئيس الدولة يلقب بإمبراطور النمسا وملك هنكاريا وهذا التآلف جاء من مساعدة العثمانيين لهم عندما كان قسم النمسا قاهرا لهنكاريا ومستبدّا عليها في التصرفات السياسيّة ، غير أنه منع كل من الدولتين مانع من إنفاذ قصدها بالفعل.

فأما دولة إنكلتره فإنها لما كانت دولة حريّة بحتة لم يكن في قدرتها التصرف إلّا على طبق إرادة الأمة ، وأمتها منقسمة إلى حزبين أحدهما : يسمى حزب المحافظين ، والثاني : يسمى حزب الأحرار ، وتقدم بسط هذه التسمية في الكلام على إنكلترا ، وكان الحزب الثاني مضادّا لإنتصار دولته للدولة العليّة حتى أنه لما كان بيده زمام التصرف في سنة ١٢٨٨ ه‍ وانتهزت الروسيا الفرصة من حرب جرمانيا وفرنسا فطلبت تغيير معاهدة باريس فيما يتعلق بتقوية شأنها في البحر الأسود ساعدت إذ ذاك دولة إنكلترا على ذلك المطلب وغير شرطه ، وفي هاته النازلة المتكلم عليها كان التصرف بيد حزب المحافظين لكن الحزب الآخر مضاد لهم وكاد أن يجذب إليه الحزب الآخر فلم يكن في وسع زعماء هذا الحزب الذين بيدهم زمام تصرف الدولة أن يخالفوهم بالمرة ، سيما والباعث على إنفاذ سياستهم مع المخالفة لم يحصل في هاته المسألة كما يفقهه البصير ، وأضف إلى ذلك عدم تحقق محالف ذي قوة بريّة معتبرة يمكن لإنكلترا أن تتعاضد معه للإنتصار للدولة العليّة لأن فرنسا الوحيدة لمثل ذلك لم يكن في وسعها الإرتباك في الحرب لما تقدم في الفصل الثالث من المقصد في الكلام على فرنسا ، وهذا السبب المتعلق بفرنسا ذاته هو الذي نكص دولة النمسا عن إنفاذ قصد الهنكاريين في معاضدة الدولة العليّة ، حيث أن الموازنة الأوروباوية تغيرت وتحالف الأباطرة الثلاثة أي إمبراطور ألمانيا والروسيا والنمسا ، إمّا حقيقة وإما حكما على مساعدة بعضهم ونفعهم كما بينته الحوادث ، فلأجل الجواذب المتباينة المشار إليها غاية ما استطاعته كل من إنكلترا والنمسا لكبح الروسيا أن عقدوا مؤتمرا في الاستانة للإتفاق ما بين الدول الموقعين على معاهدة باريس على ما ينصلح به الحال ويرجع السلم بين الدولتين المتنافرتين ، فأرسى أمرهم فيه على أن طلبوا من الدولة العليّة ما يأتي :

أولا : تغيير حدود الجبل الأسود بإعطائه بعض أراضي من المملكة العثمانيّة.

ثانيا : تشكيل لجنة من مرخصي الدول الأورباويّة لتعيين تلك الحدود الجديدة.

ثالثا : إبقاء حكومة الصرب على الحالة السالفة بأن تكون لا لها ولا عليها ، وتتقرر حدودها من جهة بوسنة عملا بمقتضى الخط السلطاني الصادر سنة ١٢٣٢ ه‍.

رابعا : الولاة الذين يتعينون إلى بوسنة وهرسك والبلغار ينتخبون من جانب الباب العالي مع موافقة دول أوربا في ذلك وإبقائهم في مأمورياتهم مدة خمس سنين.

٣٥٧

خامسا : نظرا إلى الموقع الجغرافي تقسم تلك الولايات إلى ألوية ويتعين لها متصرفون من جانب الباب العالي بعد انتخاب أولئك الولاة لهم.

سادسا : إنشاء مجلس مركب من ثلاثة أعضاء بكل من الولايات تنتخبهم مجالس الولايات لتحرير دخل الولاية وخرجها وانتخاب أعضاء مجالس الإدارة وتوزيع الضرائب السلطانيّة على الأهالي ما عدا رسوم الكمرك والدخان الراجعة للدولة العليّة.

سابعا : إبطال طريقة التزام مداخيل الدولة وإسقاط البقايا السابقة بكل من الولايات الثلاث.

ثامنا : دخل الولايات المذكورة عدا ما هو راجع للدولة كالدخان والكمرك يعطى منه قسط لخزينة الدولة العليّة والقسط الباقي يصرف في مصالح الولايات المذكورة وينظم لكل منها دستور للعمل بذلك.

تاسعا : ترتيب المحاكم النظاميّة.

عاشرا : إعطاء حريّة الأديان.

حادي عشر : تنظيم الحرس الأهلي.

ثاني عشر : العفو العمومي عما سبق من الجنايات السياسية.

ثالث عشر : إعطاء رخصة للأهالي في شراء الأراضي السلطانية.

رابع عشر : الشروع في تنفيذ تلك الشروط قبل مضي ثلاثة أشهر.

خامس عشر : تعيين لجنتان من طرف دول أوروبا للإحتساب على إجراء تلك الشروط. غير أن الدولة العلية امتنعت من قبول الإقتراحات المذكورة محتجة بأنها صارت دولة قانونية حريّة لجميع أصناف رعاياها على السواء بالقانون الأساسي الذي أحاط به المملكة السلطان الغازي عبد الحميد أيد الله ملكه ، وقد سبقت الإشارة إليه في الفرمان الذي أصدره عند البيعة العامة وأبرزه للعمل بالفعل عندما كان المؤتمر في مفاوضاته وأصحبه بالخط الشريف الآتي نص تعريبه في موكب مشهود ، وكانت تلاوته في يوم كأنّه يوم عيد وهو :

«وزيري سمير المعالي مدحت باشا»

«إن سطوة سلطتنا كانت في حالة القهقرة في الأيام السالفة وأسباب ذلك التقهقر لم تكن ناشئة عن المشاق الخارجية فقط بل إنما وقعت لأجل الإنحراف عن الطريقة المستقيمة في الإدارة الداخلية ، حتى ضعفت أماني وثوق الرعايا بالدولة ولذلك كان المرحوم والدنا الماجد السلطان عبد المجيد منح بعض أصول في تحسين الإدارة معروفة بالتنظيمات الخيريّة اشتملت على تأمين جميع الرعايا في أنفسهم ومالهم وعرضهم وشرفهم طبقا لقواعد الشريعة المطهرة ، والتنظيمات المذكورة هي التي كانت سببا لإبقاء السلطنة محافظة على لوازم الأمنيّة إلى الآن ، ومن آثارها المشكورة أنها سهلت لنا نجاح مساعينا في تأسيس هذا

٣٥٨

القانون الجديد الذي اقتضته أراء رجال دولتنا التي نتجت عنهم بحريتهم ، حيث استندوا إلى تلك الأمنيّة وقد تيسر لنا في هذا اليوم الإعلان به. ولما كان هذا اليوم من الأيام السعيدة فإنه يلزمني أن نذكر الآن المقدس المرحوم والدنا ونصفه بعنوان محيي الدولة ، وأن نذكر مقاصده الحسنة ولا شك أنه كان سعى بنفسه في إدخال السلطنة في العهد القانوني الذي سنستظل به الآن ، ولو توفرت مدة تأسيس التنظيمات الخيريّة الأسباب المتوفرة الآن لكان والدنا المرحوم أسس إذ ذاك أحكام هذا القانون الأساسي ، ولكن العزة الإلهيّة قدرت أن يكون هذا التبديل السعيد الذي هو الكفالة العظمى لخير رعايانا في مدة ولايتنا ولله المنة على ذلك.

ومن المعلوم المقرر أن أصول إدارة الدولة صارت مغايرة للتبديلات المتتابعة التي وقعت شيئا فشيئا في تصرفاتنا الداخليّة وفي زيادة خلطتنا مع الدول الأحباب وغاية مرغوبا إزالة جميع الأسباب المانعة للأمة وللبلاد من الإنتفاع بالنتائج الطبيعيّة التي لهم حق فيها كما يلزم ، وأن نرى جميع رعايانا قد جاوزوا الحقوق التي من علائق الأمم المهذبة بحيث يكون كلهم متعاضدين بنيّة سالمة في التقدم والألفة والإتحاد ، فكان من الواجب اتخاذ طريقة نافعة مستقيمة للحصول على المقصد المذكور ووقاية حقوق الدولة ومحو الخطيئات والغلطات الناتجة من الأعمال الغير المباحة الناشئة من وجود التصرف الإستبدادي بيد نفر واحد أو بعض أنفار ، وأن نمنح حقوقا متساوية لجميع الطوائف المركبة منهم الأمة وأن نجعلهم في حالة يمكنهم معها الإنتفاع بخير الحرية والعدل والتسوية ولا فرق بينهم في ذلك ، وهذا هو الوجه الوحيد الصالح لحماية جميع المصالح وضماناتها وهذه القواعد الكليّة أنتجت وجوب عمل آخر مفيد للغاية وهو وجوب تقييد أساس إدارتنا بصورة شوريّة قانونيّة ولذلك لما أصدرنا خطنا عند صعودنا على كرسي السلطنة قررنا لزوم إحداث مجلس للأمة (١) وقد اشتغلت جمعيّة خاصة مشكلة من رجال دولتنا وأهل العلم والمتوظفين الأعيان في تأسيس أصول هذا القانون بغاية التدقيق ، ثم وقع التأمل منها بمجلس وزرائنا والموافقة عليها وهذا القانون اشتمل على إثبات الحقوق الراجعة للذات السلطانيّة وحريّة جميع الرعايا العثمانيين السياسيّة والعرفيّة وتسويتهم لدى الأحكام السياسيّة والعرفيّة أيضا ، وبيان مسؤوليّة الوزراء والمتوظفين ومتعلقات وظيفتهم وحق مجلس الأمة في الإحتساب على أعمالهم ، واستقلال المجالس الحكميّة في خدمتها والمعادلة بين دخل الدولة وخرجها معادلة حقيقيّة وقسمة التصرفات الحكميّة بالأوطان مع بقاء النظر الأعلى فيها للدولة ، وجميع هذه الأصول المطابقة لأحكام الشريعة المطهرة ولضروريات الوقت ولمرغوبنا قابلت النيّة الحسنة التي شأنها تحقيق خير الجميع ، حيث أن ذلك غاية المراد وقد جعلت إتكالي على الله وعلى أمداد رسوله في ذلك وأنطت لعهدتهم هذا القانون بعد أن وافقت عليه بإمضائي السلطاني ويقع العمل به حالا بحول الله في جميع جهات السلطنة ، فالآن إرادتنا أنكم تعلنوا بهذا

__________________

(١) في الأصل «برلمنتو».

٣٥٩

القانون وتجروا العمل بمقتضاه من هذا اليوم ، كما يجب عليكم إيضا اتخاذ جميع الوسائل اللازمة المتأكدة للإشتغال في تهيئة التراتيب التي تضمن ذكرها القانون المذكور والله تعالى المسؤول أن يقارن بالنجاح سعي كل من اشتغل فيما يؤول إلى نجاة السلطنة والأمة ، وكتب في ٧ ذي الحجة الحرام سنة ١٢٩٣ ه‍».

غير أن أعضاء المؤتمر لم يقنعهم ذلك وسافروا جميعا من الاستانة دفعة واحدة مظهرين الضديّة للدولة العليّة ، والدولة لم تكترث بذلك حيث أن ما فعلته من الرفض لمطلبهم كان عن رأي الأمة لأنها عقدت مجلسا عامّا من جميع وجوه أصناف رعيتها ، حتى أنه حضره المعروف بالدراية والديانة أمير الأمراء الفريق رستم باشا وزير الحربيّة إذ ذاك في المملكة التونسيّة حيث كان رسولا عن أميرنا في تهنئة حضرة السلطان بالولاية وأجمع جميع أولئك الأعيان على اختلاف ديانتهم على رفض تلك المطالب بل أن النصارى واليهود منهم قالوا نؤثر إراقة آخر نقطة من دمنا وصرف آخر درهم من مالنا على حفظ شرف مملكتنا من الإهانة بالتجزئة وإن كان هذا لم يبد فيما بعد حقيقة إلّا من البعض دون البعض ، هذا بعد أن كان عرف جميعهم الرجل الوحيد مدحت باشا صاحب الصدارة إذ ذاك بعواقب الإنفراد عن الدول واحتمال تعصبهم جميعا لكي يتبصروا وليعلم حقيقة ضميرهم فلم يتزحزحوا شيئا فأنفذ السلطان ووزيره هذا الرفض ولله درهم من رجال ، إذ لم يسع سائر الأمم إلّا إنصافهم والإذعان بأن لهم الحق في رفض ذلك الإقتراح ، بل أن اللورد صالسبوري أشد المخاصمين في المؤتمر قال عندما استقرّ بمجلس الوزراء في إنكلترا : لقد أنصف القوم في رفضهم للمطالب ، نعم أن الخصم زاد تألبا وأعلن بأن الدولة العليّة أهانت أوربا لكي يموه أحقاقه في إشهار الحرب ، بيد أن إنكلترا مع ذلك لم تسمح له بما أراد وألحت على التعلل للدولة العليّة ، واجتمع سفراء الدول في إنكلترا واستقرّ أمرهم على لائحة هذا نص تعريبها :

«أن الدول التي تعاطت عموما أسباب سلم المشرق واشتركت لهذا المقصود في مؤتمر الاستانة قد رأت أن الطريقة الوحيدة في بلوغ المقصد الذي اعتمدت عليه هي المحافظة على التوافق الذي وقع من حسن البخت بينهم ومع ذلك يجددون تقرير أمر يهمهم ، وهو من مصالح العموم أعني تحسين حالة أمم النصارى بالممالك العثمانية وإجراء الإصلاحات في بوسنه وهرسك والبلغار حسبما قبله الباب العالي ، على أن يجريها من عند نفسه ، ولذلك اعتبر عقد الصلح مع الصرب حجة.

أما ما يتعلق بالجبل الأسود فإن الدول تعتبر عقد الصلح معه أمرا مرغوبا فيه ولا بد له من توطيد به يقع تعديل الحدود وتعطى حريّة الجولان في نهر البويانة لأن الدول تعتبر التأويلات التي تقع أو ستقع بين الباب العالي وهاتين الولايتين كأنها تقدمت خطوة إلى السكون الذي هو الداعي لرغبتهم العموميّة ولهذا يستدعون الباب العالي لتوكيده بترجيع العساكر على قدم السلم ولا يبقى منها هنالك غير عدد العساكر اللازمة لتقرير الراحة ويبادر إلى إجراء الإصلاحات اللازمة للراحة وخير الولايات في أقرب وقت حتى يقع ما اشتغل به

٣٦٠