صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار - ج ٢

السيّد محمّد بيرم الخامس التونسي

صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد بيرم الخامس التونسي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

بالقوة الجبرية ، غير أن فرنسا تطلب أن تكون قوتها وقوة إنكلاتيره هي الفعالة ولا تسمح للدولة العثمانية بذلك ، وإنكلاتيره على ضدها فتطلب مبادرة عساكر الدولة العثمانية لذلك ، فرأت الدولة العثمانية أن فصل النازلة يتم بدون احتياج إلى قوة وأرسلت درويش باشا ومن معه لذلك ، وحصل من قدومه ما أغلظ كثيرا من الأوروباويين لانقياد العساكر المصرية والأهالي للسلطان وامتثال أمره ، وابتدأ السكون والتوافق والرضى بالحصول شيئا فشيئا لكنه حدث في إسكندرية التي كانت إذ ذاك مرساها غاصة بأساطيل الدول الأوروباوية حادثة شنيعة ، وهي قتال بين المسلمين والنصارى السكان بسبب مشاجرة عادية ، فطبل الأوروباويون بذلك وزمروا حتى توجه الخديوي ودرويش باشا وعرابي إلى الإسكندرية لإقرار الراحة ، وأقر الدول أن الواقعة عادية لا دخل لها في السياسة.

غير أن أصل المسألة من إصرار الدولتين على مطلبهم وامتناع أهالي مصر لا زال على ما كان ، وفرنسا أشد إقداما وتهديدا بإعلان الحرب ، وطلبت إنكلاتيره عقد مؤتمر في الآستانة لما يجب من العمل فامتنعت الدولة العثمانية من التداخل فيه لما لها من حق السيادة وحدها على مصر ، فرأت أن ذلك من باب تداخل الدول في داخليتها لكنهم عقدوه ودخلت فيه الدولة العثمانية أخيرا ، وبينما هو في التفاوض كانت العساكر المصرية تصلح في حصون الإسكندرية حيث أنها خربة ولا استعداد فيها ، لأن الدولة العثمانية كانت حجرت على إسماعيل باشا تحصينها عندما أحكم حصن أبو قير جوار الإسكندرية وحصون دمياط وغيرها لما سبقت الإشارة إليه في أخبار إسماعيل باشا ، ولما رأت أساطيل الدولتين ذلك التحصين ادعوا أنه تهديد لهم وطلبوا الإقلاع عنه فأمرت الدولة العثمانية بالكف عن التحصين وادعى المصريون الإمتثال وادعى رئيس أسطول الإنكليز عدمه ، وطلب دخول عساكره إلى الحصون فتفاقم الخلاف وأطلقت النيران من الاسطول الإنكليزي على الإسكندرية فخربتها في نحو عشر ساعات وتضررت بعض مدرعاته ، وانحازت العساكر المصرية إلى مكان يسمى كفر الدوار وجيشوا هناك واستولت العساكر الإنكليزية على الإسكندرية وبقي الخديوي فيها وانكشف الغطاء على مخالفة العساكر للخديوي وكان معه درويش باشا المذكور ، فرجع إلى الآستانة وبقي مع الخديوي الكاتب الثاني للسلطان.

واشتد إلحاح إنكلاتيره على الدولة في إرسال العسكر ولم ترسل الدولة إلى أن وقعت عدّة محاربات برية كان النصر فيها للمصرين ، واستولت إنكلاتيره على برت سعيد وسائر خليج السويس ، وكان أكبر المعسكرات المصرية في التل الكبير بين القاهرة والإسماعيلية ، وتضايق الإنكليز في لزوم قوة كبيرة لهم لإتمام قصدهم لأن فرنسا لما فتح مجلس نوابها لاستشارته في حرب مصر أنكر ذلك أشد الإنكار فسحبت أسطولها وبقيت على الحيادة والدولة العثمانية وإن وافقت أخيرا على إرسال عسكرها لكن تشدّد الإنكليز في جعله تحت أمرهم وأن لا يتصرف إلا على نحو إشارتهم وأن يخرج متى ما أمروه بالخروج ألزم تأخر إرساله ، وكان تصرف العساكر المصرية بغاية الإحتراز من الأفعال البربرية سوى ما صدر من

٢٦١

أفراد من العربان والفلاحين في جهات قليلة ، وبينما الأمر على ذلك وإذا بالدولة العثمانية نشرت إعلانا حسب طلب إنكلاتيره بأن عرابي وكل من انحاز إلى حزبه عصاة فلم يمض على ذلك بضع أيام إلا وقد انحلت عرى التعصب المصري ودخلت العساكر الإنكليزية إلى القاهرة راكبة في الرتل بدون أدنى حرب ولا معارضة ، مع أن الجيش المصري ومن انضم إليه من العربان وغيرهم المتجاوزون المائة ألف والخمسين ألف محارب بأتم قوات الإستعداد فتفرقوا جميعا أيدي سبا في بضع ساعات ، وسلم عرابي نفسه أسيرا إلى الإنكليز فرجع الخديوي إلى مصر وأقيم وكيل مدافع إنكليزي عن رؤساء العساكر المصرية وآل الآمر حسب إرادة انكلاتيره أن حكم بعقاب عرابي ، لكن الخديوي عفا عنه لأنه لم يفعل شيئا إلا عن وفاق من يتبع وأبقى له مرتبا للقيام بنفسه ونفى هو وكبراء الرؤساء إلى جزيرة سيلان في الهند ، وذاك هو التعليل الباطني مع أن حزبا عظيما من الإنكليز يرون أن جناية أولئك العساكر سياسية لا توجب القتل فلذلك حكم عليهم المجلس الحربي بالقتل لكن الخديوي عفا عنهم وأبدل القتل بالنفي ، ولم تزل العساكر الإنكليزية مقيمة بمصر ورجالهم السياسيون هم مرجع الأمر والنهي والوزارة تحت رئاسة شريف باشا وناظر الداخلية الذي له كمال النفوذ رياض باشا ، وإنكلاتيره بصدد ترتيب حالة جديدة للسيرة السياسية داخلية وخارجية لمصر مع إعلانها بأن مصر تحت سيادة الدولة العثمانية على امتيازاتها المقررة بالفرامانات السلطانية ، وأن التراتيب التي هي بصددها لا تمس شيئا من حقوق الدولة ولا معاهدات الدول الأجنبية ، وتقلص نفوذ فرنسا في مصر ولم تزل غير مسلمة رسميا لانكلاتيره بمرادها ، وللروسية ميل إلى معاضدة فرنسا هذا ما وقع إلى الآن وهو المحرم سنة ١٣٠٠ ه‍ وبه يعلم صحة ما كنا ذكرناه في استيلاء فرنسا على تونس وكتبناه سنة ١٢٩٨ ه‍ والله يفعل ما يشاء ويختار وله عاقبة الأمور.

مطلب في السياسة الداخلية المصرية

اعلم أن مصر مملكة عثمانية لها امتيازات خاصة بينها الفرمان الصادر في ولاية الخديوي محمد توفيق باشا وهذا نصه :

الدستور الأكرم المعظم الخديوي الأفخم المحترم نظام العالم وناظم مناظم الأمم مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب ، متم مهام الأنام بالرأي الصائب ، ممهد بنيان الدولة والإقبال ، مشيد أركان السعادة والإجلال ، مرتب مراتب الخلافة الكبرى مكمل ناموس السلطنة العظمى ، المحفوف بصنوف عواطف الملك الأعلى خديوي مصر الحائز لرتبة الصدارة الجليلة فعلا ، والحامل لنيشاننا الهمايوني المرصع العثماني ولنيشاننا المرصع المجيدي وزيري سمير المعالي توفيق باشا أدام الله تعالى إجلاله وضاعف بالتأييد اقتداره وإقباله ، أنه لدى وصول توقيعنا الهمايوني الرفيع يكون معلوما لكم أنه بناء على انفصال إسماعيل باشا خديوي مصر في اليوم السادس من شهر رجب سنة ١٢٩٦ ه‍ وحسن

٢٦٢

خدمتكم وصداقتكم واستقامتكم لذاتنا الشاهانية ولمنافع دولتنا العلية ، ولما هو معلوم لدينا بأن لكم وقوفا ومعلومات تامة في خصوص الأحوال المصرية ، وأنكم كفؤ لتسوية بعض الأحوال الغير المرضية التي ظهرت بمصر منذ مدة ، ولإصلاحها وجهنا إلى عهدتكم الخديوية المصرية المحدودة بالحدود القديمة المعلومة مع الأراضي المنضمة إليها المعطاة إلى إدارة مصر ، توفيقا للقاعدة المتحدة بالفرمان العالي الصادر في ١٣ محرم سنة ١٢٨٣ ه‍ المتضمن توجيه الخديوية المصرية إلى أكبر الأولاد ، وحيث أنكم أكبر أولاد الباشا المشار إليه وجهت إلى عهدتكم الخديوية المصرية ، ولما كان تزايد عمران الخديوية المصرية وسعادتها وتأمين راحة كافة أهاليها وسكانها ورفاهيتهم هي من المواد المهمة لدينا ومن أجمل مرغوبنا ومطلوبنا ، وقد ظهر أن بعض أحكام الفرمان العالي الشأن المبني على تسهيل هذه المقاصد الخيرية المبين فيه الإمتيازات الحائزة لها الخديوية المصرية قديما ، نشأ منه الأحوال المشكلة الحاضرة المعلومة صار تثبيت المواد التي لا يلزم تعديلها من هذه الامتيازات وتأكيدها ، وصار تبديل المواد المقتضى تبديلها وتعديلها وإصلاحها فما تقرر إجراؤه الآن هو المواد الآتية وهي : أن كافة واردات الخطة المذكورة يكون تحصيلها واستيفاؤها باسمنا الشاهاني ، وحيث أن أهالي مصر أيضا من تبعة دولتنا العلية والخديوية المصرية ملزومة بإدارة أمور المملكة الملكية والمالية والعدلية بشرط أن لا يقع في حقهم أدنى ظلم ولا تعد في وقت من الأوقات ، فخديوي مصر يكون مأذونا بوضع النظامات اللازمة للداخلية المتعلقة بهم وتأسيسها بصورة عادلة ، وأيضا يكون مأذونا بعقد وتجديد المشارطات مع مأموري الدول الأجنبية في خصوص الكمرك والتجارة وكافة أمور المملكة الداخلية ، لأجل ترقي الحرف والصنائع والتجارة واتساعها ، ولأجل تسوية المعاملات السائرة التي بين الحكومة والأجانب أو الأهالي والأجانب مع أمور ضابطة الأجانب بشرط عدم وقوع خلل في معاهدات دولتنا العلية السياسية وفي حقوق متبوعية مصر إليها ، وإنما قبل إعلان الخديوية المشارطات التي تعقد مع الأجانب بهذه الصورة يصير تقديمها إلى بابنا العالي وأيضا يكون حائزا للتصرفات الكاملة في أمور المالية لكنه لا يكون مأذونا بعقد استقراض من الآن فصاعدا بوجه من الوجوه ، وإنما يكون مأذونا بعقد استقراض بالإتفاق مع المداينين الحاضرين أو وكلائهم الذين يعينون رسميا ، وهذا الإستقراض يكون منحصرا في تسوية أحوال المالية الحاضرة ومخصوصا بها ، وحيث أن الإمتيازات التي أعطيت إلى مصر هي جزء من حقوق دولتنا العلية الطبيعية التي خصت بها الخديوية وأودعت لديها ، لا يجوز لأي سبب أو وسيلة ترك هذه الإمتيازات جميعها أو بعضها أو ترك قطعة أرض من الأراضي المصرية إلى الغير مطلقا ، ويلزم تأدية مبلغ ٧٥٠ ألف ليرة عثمانية الذي هو الويركو المقرر دفعه في كل سنة في أوانه ، كذلك جميع النقود التي تضرب في مصر تكون باسمنا الشاهاني ولا يجوز جمع عساكر زيادة عن ١٨ ألف لأن هذا القدر كاف لمحافظة أمينة إيالة مصر الداخلية في وقت الصلح ، وإنما حيث أن قوة مصر البرية والبحرية هي

٢٦٣

مرتبة من أجل دولتنا العلية يجوز أن يزاد مقدار عساكر بالصورة التي تستنسب حالة كون دولتنا العلية محاربة ، وتكون رايات العساكر البحرية والبرية والعلامة المميزة لرتب ضباطهم كرايات عساكرنا الشاهانية ونياشينهم ، ويباح لخديوي مصر أن يعطي الضباط البرية والبحرية رتبا إلى غاية رتبة أمير الآلاي والملكية إلى الرتبة الثانية ، ولا يرخص لخديوي مصر أن ينشىء سفنا مدرعة إلا بعد الأذن وحصول رخصة صريحة قطعية إليه من دولتنا العلية ، ومن اللزوم وقاية كافة الشروط السالفة الذكر والإجتناب من وقوع حركة تخالفها ، وحيث صدرت إرادتنا السنية بإجراء المواد السابق ذكرها قد أصدرنا أمرنا هذا جليل القدر الموشح أعلاه بخطنا الهمايوني ، وهو مرسل صحبة افتخار الأعالي والأعاظم ومختار الأكابر والأفاخم ، علي فؤاد بك باشكاتب المابين الهمايوني ، ومن أعاظم رجال دولتنا العلية الحائز والحامل للنياشين العثمانية والمجيدية ذات الشأن والشرف ، حرر في تاسع عشر شهر شعبان المعظم سنة ١٢٩٦ ه‍ من هجرة صاحب العز والشرف.

وبهذا تعلم أصول الحالة التي عليها حكومة مصر أما كيفية الإدارة فلما قدمناه في التاريخ لا يتيسر لنا التصريح بالحقيقة التي يرسى عليها الحال لأنها غير مستقرة كما علمت وإنما نقول إنها الآن لها خديوي يتصرف بواسطة الوزراء على نحو القاعدة الأوروباوية وما عدا هذا فهو موقوف إلى الآن وهو سنة ١٣٠٠ ه‍ ، ومن العجب أن بقي الحال هكذا على غير استقرار وكل حين يسمع أنهم يريدون أن ينشئوا أساسات للإدارة ولم تظهر للوجود مع شدة التشكي من الأهالي من الحالة الراهنة التي مآلها عدم العلم بمرجع الأمر وعدم تعين المتصرف رسما وفعلا ، فإن القوة الحربية بيد الإنكليز وهم أصحاب النفوذ لكنهم مصرحون بأنهم لا يتصرفون في الإدارة وأنها راجعة إلى الخديوي وحكومته وهؤلاء أيديهم قصيرة إذ كل شيء مرجعه صاحب القوة لا سيما بعد أن استعفت وزارة شريف باشا ، وتولية وزارة نوبار باشا الذي علم أن لا مناص عن مجاراة القوى مع تفاقم الثورة في السودان التي كانت ابتدأت أواخر مدة إسماعيل باشا بسبب تعدي المأمورين على رجل منسوب للصلاح يسمى محمد أحمد كان شيخ طريقة وله اتباع ، فغارت منهم أتباع طريقة أخرى فأغروا بهم عامل تلك الجهة وهي دارفور فأرسل إليهم بعض اتباعه فخالفوهم وقهروهم وتكرر ذلك ، وكلما أرسل إليهم قوة كسروها فحصل لمحمد أحمد شهرة إلى أن ادعى المهدوية وكانت الأعيان والأمراء من السودان في حرج من إدارة المصريين ، فانضموا إليه بتدبيرهم وأموالهم إلى أن استولوا على أغلب السودان المصري وكسر والمصر عدّة جيوش عظام أحدها : يشمل أزيد من عشرة آلاف قتلوهم عن آخرهم واستولوا على مهماتهم ، وفي أثناء ذلك دخل عسكر الإنكليز إلى مصر فأعلنت إنكلاتيره بفصل السودان عن مصر واستقلالهم بأمرهم متعللة بأنهم لا نفع فيهم للحكومة مع ضيق ما لها عن الوفاء بحربهم ، وكان ذلك سبب استعفاء وزارة شريف باشا متمسكا بأن ذلك لا يصح بدون أمر الدولة العثمانية المسلم لها السيادة ولضره بمصر أيضا ، لكن إنكلاتيره أصرت على رأيها وأولت نوبار باشا وفائدتها من ذلك

٢٦٤

هي تضعيف مصر واستمالة السودان بموافقتهم إليها ، لكنهم كانوا أشد عليها مما كانوا مع المصريين فأرسلت إليهم إنكليزيا كان معاشرا لهم يسمى غردون كان متوليا حاكما عاما عليهم مدة إسماعيل باشا ، فحاول تسكين ثورتهم فلم يقبلوا منه صرفا ولا عدلا فتحصن ببلد الخرطوم وطلب القوة من دولته ، وكانت الوزارة إذ ذاك بيد حزب الحرية فأظهروا من التناقض في القول والعمل ما يتعجب منه في إرسال القوة وأمرها بالتقدم تارة وبالتأخر أخرى ، إلى أن فتح السودانيون الخرطوم وتم لهم جميع أمر السودان وحصل من مجموع الأمور الحالة الراهنة في تخضرم الأمور وكثرة التشكي من الإدارة التي هي على غير أساس ، فعقدت إنكلاتيره التي زمامها حينئذ بيد حزب المحافظين اتفاقا مع الدولة العثمانية هذا نص تعريبه.

أولا : ترسل كل من الدولة العثمانية وانكلترا مندوبا عاليا إلى مصر.

ثانيا : يتدبر المندوب العالي العثماني متفقا مع جناب الخديوي أو مع من يعينه هو لهذا الغرض المبين في الوسائط النافعة لتسكين السودان ، ويتفاوض المأموران والخديوي في جميع التدبرات التي يمكن بها تعديل الأحوال المصرية عموما ويكون إجراؤها برضاء الجميع.

ثالثا : يباشر المندوبان العاليان ومعهما الخديوي إصلاح وترتيب العساكر المصرية.

رابعا : ينظر المندوبان العاليان مع الخديوي في جميع فروع الحكومة المصرية ويمكن لهم أن يدخلوا التعديلات التي يرونها لازمة في كل ما هو داخل في دائرة الفرامين السلطانية.

خامسا : يقع الإعتراف من طرف السلطنة العثمانية بجميع المعاهدات العمومية الأجنبية التي عقدت مع الحضرة الخديوية وذلك إذا لم تكن مخالفة للإمتيازات المضمنة في الفرامين السلطانية.

سادسا : عندما يرى المندوبان العاليان أن هناء الحدود استقر وصارت سيرة الحكومة المصرية مستحسنة وأمرها راسخا ، يقدم كل منهما تقريرا إلى دولته لعقد الإتفاق بإخلاء العساكر الإنكليزية البلاد المصرية في وقت مرضي.

سابعا : يقع إمضاء هاته المعاهدة في ظرف خمسة عشر يوما ، وتكون مبادلتها ممضية في القسطنطينية. اه.

وقدم المرخصان المشار إليهما في الإتفاق ، وعند وصول المرخص العثماني وهو مختار باشا احتفلت به الحكومة أزيد من احتفالها بالمرخص الإنكليزي الذي كان سبق صاحبه ، وأما الأهالي فاحتفلوا بالثاني فقط وعند ملاقاتي معه للسلام مع جمع من الأعيان ، أنشدته هذين التاريخين أولهما :

٢٦٥

إلى الخليفة ننهي دام منتصرا

قد احتفلنا هنا أرخ بمختاركم

وثانيهما :

بشرى الهنا لعموم أهل المصر إذ

إصلاحها أرخ بمختار نجز

وبقي المرخصان بمصر وهما مباشران الآن للنظر في الإصلاح وتأسيس الإدارة على أصول راسخة ، فهذا ما وقع إلى تاريخ طبع هذا المحل وهو ربيع الثاني سنة ١٣٠٣ ه‍.

مطلب في السياسة الخارجية

الأسباب التي بيّناها في إبهام الداخلية هي بعينها جارية في الخارجية والأمور بيد الإنكليز وجميع الدول مسلمة بذلك إلا فرنسا فمصرحة بالإعتراض ، وبمقتضى ما ذكرنا في سلطة فرنسا على تونس يظهر أن رجحان الإنكليز يتم في مصر سيما وهم متخذون طريقتهم في جلب الأهالي إليهم قلبا وقالبا بمراعاتهم لحريتهم وسائر عوائدهم وأصولهم كما هو دينهم في الممالك التي لهم فيها النفوذ ، لكن الأهالي مصرون على النفور لأن التصرف الإنكليزي كان في مصر على صورة لم تعهد من أحد قط ، لأنهم في الرسم معلنون بأنهم لا يأخذون مصر ولا يجعلونها تحت حمايتهم وفي نفس الأمر القوة بيدهم ولا يصدر شيء إلا عن إرادتهم ، إلى أن حصلوا على الإتفاق المار ذكره في المطلب السابق مع الدولة العلية ، فحينئذ صار لهم حق المداخلة برضاء صاحب الحق إقناعا للدول ، لأن بعضهم وهي ألمانيا أشارت بالتعريض سرا على إنكلتيره بتصريحها بالإستيلاء على مصر والنمسا موافقة لها وإيطاليا كذلك مع مزيد التحام بإنكلتيره في المساعدة ، حتى أدخلت عساكرها إلى مرسى مصوع وأعلنت بالإستيلاء عليها لكنها لا تمس حقوق الدولة العثمانية ، وهو كلام لا يعقل ولا مفهوم له إلا عدم التصريح بالإستخفاف ، وأغرب من ذلك أن الدول أجابوا الدولة العثمانية لما طلبت منهم التداخل مع إيطاليا في خرقها حقوق الدول بأنهم لا يتداخلون حيث صرحت إيطاليا بمراعاة حقوق الدولة.

وأما الروسيا فلم تبد ممانعة ولا موافقة وأما فرنسا فكانت ممانعة للإنكليز لكنها منذ رأت الدول الكبيرة موافقة على نحو ما رأيت وقد تكلفوا بأن تكون عليهم جميعا كفالة قرض إلى مصر قدره تسعة ملايين ليرة ومع ذلك كله فإن الإنكليز امتنعوا من الإستيلاء الرسمي أو وضع الحماية كذلك ، بل حتى من كفالة القرض المذكور وحدهم لخوفهم من كونهم إذا فعلوا ذلك فتحوا بابا للدول في إضرار بالدولة العثمانية ويرجع ذلك إلى عدم معرفة ما تأخذه كل دولة ويترجح به ميزانها ، فربما رجحوا على إنكلتيره ، ولذلك مالت إلى ذلك الوجه من التراضي مع صاحب البلاد وكان لها وحدها حق برضاه لعلها تتخلص من إضرار الدول بالدولة العثمانية الآيل عليها بالضرر أيضا ، لكن الإساغة إلى الطليان في الإستيلاء على مصوع مع تلك الدعوى التي أقرت الدول بأنها كافية في إقناع الدولة العثمانية هل يبقى معه الدواء الذي أرادته إنكلتيره وهو أن تداخلها لم يكن إلا بالرضى الظاهري ،

٢٦٦

فإن كل دولة يسوغ لها أن تستولي على بلاد الأخرى وتقول لها إنها لا تمس حقوقها والكلام وحده سهل ، فالحاصل أن السياسة التي وقعت من الدول في مصر وبالخصوص من الإنكليز أمرها عجيب واختراعها غريب ، ولله فيهم علم غيب هم صائرون إليه.

مطلب في بعض صفات وعوائد المصريين

أما أهل مصر الأصلية فهم مختلطون من العرب الفاتحين وأبناء القدماء المعروفين بالقبط وأبناء الروم الذين امتلكوا مصر نحو الستمائة سنة ولون الجميع أسمر إلا قليلا من أبناء الترك والمغاربة وغيرهم من الوافدين إلى هناك ، ولهم حسن أخلاق وظرافة وبشاشة في الخطاب وإذا احتدت نفوس الرعاع للخصام تراهم بذئي اللسان لهم مهارة في أصناف السب ، حتى إذا بلغوا إلى حد التضارب قال أحدهما لصاحبه : ما عليهشي فتسامحا وعادا إلى المصافاة ، ومن أخلاقهم حب السماع لكنهم اختصوا بكثرة إظهار استحسانه بالتأوه مع رفع الصوت ولا يتحاشى من ذلك حتى بعض أعيانهم ، بل أنهم يستأجرون أناسا معدين لذلك لكي يصرخوا بالتأوه حتى تحجب أصواتهم صوت الموسيقى والمغنين وتمضي الحصة كلها هكذا ، ومن عاداتهم إحضار قراءة القرآن في بيوتهم ليلا للتلاوة بالأنغام ويعطونهم أجورا على ذلك ، بل من الغريب أن بعض القبط أيضا يفعلون ذلك ، ومن عاداتهم في السلام أنه إذا دخل الداخل يقف له جميع الحاضرين فيشير بيده للسلام هاويا بها نحو الأرض ويرفعها إلى رأسه فيجيبونه بنحو ذلك ، ولا يقع منهم التقبيل إلا ليد العالم على ظهرها أو القادم من سفر يقبل في كتفيه ، وسلامهم مع الأمراء والكبراء هو بالإشارة أيضا لكنه فيه تعظيم كبير بأن يدخل الداخل قابضا يديه إلى صدره ويقرب خطاه منكسا رأسه معجلا بالخطا حتى إذا لصق بالرئيس هوى إلى الأرض كأنه يريد تقبيل رجله أو ذيل سترته ويمسك الذيل ثم يجعل يده على فيه ثم جبينه ، والمتواضع من الكبراء المسلم عليهم يضم ذيله إليه كأنه ممتنع من ذلك ويقول أستغفر الله أستغفر الله وغيرهم لا يفعل ذلك لكن أكثرهم متواضع ، وكلهم يقفون للداخل كبيرا كان أو صغيرا إلا الحقير بالمرة مع العظيم جدا ، ويتكرر الوقوف إلى الداخل مهما تكرر دخوله إلا إذا كان خادما أو صاحب شغل ، وأكثر ركوب المصريين على الحمير إلا العرب فالخيل ، وتوجد في المدن العجلات للركوب على أنواع شتى وسائقوها أسوء أخلاقا من أمثالهم في سائر البلاد وإن كانوا في الجميع غير مستقيمين ، وإذا ركب أحد الأعيان عجلته جعل أمامه رجلا يركض وهو لابس لباسا مزركشا وبيده عصا طويلة وهو حافي الرجل ويصيح بالمارين ليستيقظوا للعجلة وما أصبرهم على الجري وما أجراهم ، حتى إذا خرجوا من البلاد وقفوا وذهبت العجلة فإذا رجعت إلى البلاد رجع جاريا أمامها ، والمصريون أهل جد وكد في أشغالهم لا يميلون إلى البطالة بل يقبلون على أشغالهم من غير فتور ، ويوجد عندهم السؤال الملحون الملحفون حتى أنهم إذا رأوا من أعطى سائلا يكادون أن يسلبوه ثيابه غصبا من الإلحاح بل ربما أضروه في بدنه ، فالأصلح بالإنسان أن لا يعطي إلا سرا لمن يعلمه حقيقة محتاجا ، إذ

٢٦٧

السؤال صار صناعة لتلك الفرقة ولهم رؤساء وعليهم أداء مقدر ، ولهم وقائع عجيبة في الغنى وكتمانه فقد ذكر لي ثقة أنه في حدود عشرة السبعين من القرن الثالث عشر ، كان أحد الشحاتين مارا في الطريق فسقط منه كيس وكان بمرأى من أحد الضابطة فأيقظه لذلك فلما علم به أنه ضابطي أنكر أن يكون الكيس له ، فألح عليه الضابطي وآل الأمر إلى المشاحنة حتى بلغ إلى رئيس الضابطية فأمر الشحات بأخذ كيسه الذي وجد به عدد كثير من الليرات الذهب ، فامتنع وأنكر أن يكون له حتى جلده رئيس الضابطية جلدا وجيعا وهو مصر على إنكاره فأطلق سبيله وحمله شيخ الشحاتين وداواه من ضربه وشكر صنعه كل بني جنسه وأدوا له جميع ما خسره في الكيس وزيادة ، لأنه لم يظهر عليهم أثر الغنى لكي لا يحصل عليهم ضرر ولكي لا تقسى عليهم القلوب ، ولهم وقائع كثيرة من هذا القبيل مع أياد وصنوف في الإلحاح والتضرع تفتت القلوب ولم أر في البلاد مثلهم قط ، ويغلب على الجميع الوسخ في الثياب وفي البيوت والديار إلا بعض الأعيان ومن نحا النحو الإفرنجي وأكثر ذلك في الفلاحين وأصحاب القرى ، بل أن هؤلاء لا يستحيون من كشف العورة نساء ورجالا.

وأما أهل النوبة وبقية السودان والعرب فقد تقدم في التاريخ أصلهم ، وأما عاداتهم فالسودان وإن كانوا قريبي الطبع من الهمج لكنهم أحذق أنواع السودان وأقربهم للتمدن سيما من خالطوا العرب فكانوا مثلهم ، وأما العرب فهم على نحو الصفات التي ذكناها في عرب تونس ومن عادات الجميع أن مبدأ توقيت الساعات عند الغروب فيجعلون إذ ذاك عقارب الساعات في الساعة الثانية عشرة وهي مبدأ الحساب عندهم وما يقابلها من الإثني عشر ليس لها وقت معين ، بل هي على حسب ما يصادف وهذا أول رؤيتي لذلك وعليه عمل جميع الجهات الشرقية.

أما جميع الأقطار التي مر ذكرها كلها فإنها تعدل على الزوال أي الزوال هو الساعة الثانية عشرة وتنتهي إلى نصف الليل ، فتبتدىء الساعات الإثنتا عشرة التي هي تمام الأربعة والعشرين ساعة المقسم عليها الليل والنهار ، ولا شك أن اعتبار الزوال أصح في التأقيت لأنه لا يختلف عن زمنه سواء طال النهار أو قصر بخلاف الغروب ، وذلك لأن الزوال عبارة عن توسط الشمس في قوس النهار ، وخط نصف النهار يقسم جميع أقواس النهار بالسواء ، أعني أقواس طوله وقصره فلا يختلف الزوال عن وقته بخلاف الشروق والغروب لأن الشمس تنتقل عن محلاتها كل يوم وبذلك يكبر قوس النهار أو يصغر فتجد الغروب دائما أما متقدما عن زمنه بالأمس أو متأخرا عنه حسب سير الشمس في طول النهار وقصره بحيث أنك إذا حررت الحساب تجد من زوال يومك إلى زوال غده أربعة وعشرين ساعة تامة وإذا حررته من الغروب إلى الغروب القادم تجدها أربعة وعشرين ساعة إلا دقائق في أوقات زيادة النهار في القصر أو أربعة وعشرين ساعة ودقائق زائدة في وقت زيادة طوله ، لكن كان عدول المشرقيين عن التأقيت الذي لا يختلف هو محاذاة الشرع في اعتبار مبدأ اليوم من الغروب وإن لم يكن بينهما تلازم.

٢٦٨

مطلب في الأحكام بمصر

الأحكام بها الآن على ثلاثة أنواع :

النوع الأول : الشرعي الإسلامي ، وهو في كل ما يرجع إلى الزواج والطلاق والوقف وغيره مما يرجع إلى أحوال الديانة في المعاملات ، وهذا له قضاة ومفتون على المنهاج الشرعي وإن أحدث فيه مصاريف يأخذها القاضي على الدعاوي مع بعض عوائد تجحف بالخصوم مما أوجب التشكي من ذلك ، والنوع الثاني : بقية المعاملات بين سائر الأهالي ولها مجالس سياسية ، ومنها : الضابطة تحكم بحسب قوانين سياسية موافقة للشرع غالبا ، وتارة يحكم الحاكم باجتهاده كما في سائر الأقطار السودانية ، والنوع الثالث : المعاملات التي بين الأهالي والأجانب فلها مجالس مختلطة من سائر الأجانب يحكمون بقانون عقلي ملائم لعادات القطر ، وعلى الإجمال فأهل مصر لهم الحرية الشخصية فيما يرجع إلى الديانة وشعائرها حتى صارت المنكرات جهرا ولا يقدر الأب على منع إبنته من مثل ذلك بالحكم إذا بلغت سنا معلوما ، أما بقية الحرية الشخصية وهي أمن الإنسان على نفسه وماله وعرضه إلا بحق فهذا كأنه موجود في العموم ، لكن إذا أراد الحاكم المخالفة فالحيل ممكنة ، وأما الحرية السياسية وهي مشاركة العامة للحكومة في الرأي فالتحقيق أنه غير موجود وإن كانت الصحف تتكلم في السياسة لكنها مخصوصة بالسياسة الأجنبية ، أما القدح في تصرفات الحكومة فهو ممنوع نعم لبعض الصحف المستند أصحابها على خصوصيات عينية القدح في سيرة بعض أفراد لمنفعة خاصة ، والأمر موقوف على ما يستقر عليه الحال من الترتيب السابق ذكره في أحوال السياسة.

مطلب في تجارة مصر

التجارة بابها متسع جدا في السلع الوطنية والهندية والسودانية والأوروباوية وأغلب الأوروباوية في يد الأجانب ، فأما غيرها فبيد الأهالي ولهم براعة في الإكتساب ولكنهم قليلوا الأسفار فلا تكاد تجد منهم خارج ممالكهم إلا النادر ، وكل من أقام بمصر من الغربا ربح الربح الحسن من التجارة لأن محصولات الأقطار كثيرة فيخرج منها أنواع : كالقمح والشعير والفول والتمر والعدس والذرة والأرز والسكر ، وهو جيد كثيرا وقصبه ، والصمغ وفيه أنواع شتى ، والنطرون والصوف والأفيون والعصفر والجلود والحصر والقطن وهو الغالب وفيه أنواع جيدة وبزره ، وكذلك سن الفيل وريش النعام والمنسوجات الكتانية وغيرها ، وهذا كله يصدر منها ، أما الداخل إليها فأهمه الجوخ أي الملف والحرير والشاشية والزرابي على أنواع والأخشاب للبناء والوقد والعنبر والنقل كالفزدق والجوز والأشربة والبن والصابون والدخان والورق والشمع والزجاج والنحاس وغيره من المعادن مصنوع وغير مصنوع ، والفرش الصوفية وغيرها بحيث أن مصر مسابقة لأوروبا في الغنى بالتجارة وأنواعها مختلفة منها ما هو على النحو الأوروباوي كالتجارة في الرقاع الدولية والتجارية ، ولها مرسح عظيم في الإسكندرية وكذلك البريد فيها على غاية الإنتظام برا وبحرا خاص

٢٦٩

بالحكومة ، وتأتي إليها أيضا برد أجنبية بحيث لا يخلو يوم من ورود بريد إليها من الأقطار مع السفن التجارية الكثيرة ، ومنها ما هو على النحو البربري من التجارة في القوافل إلى دواخل السودان والصحراء وأهمها القوافل السنوية وهي قافلة دارفور وقافلة الحبش وقافلة فزان ، ولكل منها عند وروده يوم حافل ، وكل منها تأتي بتجارة ما والاها من دواخل أفريقية ولو زاد تسهيل الطرق والإعتناء بما في السودان لاستغنت عن الخارج وزادت ثروتها للنهاية ، فإن في السودان كنوزا مكتومة ودونك قيمة قوة التجارة مع الممالك الخارجية لتعلم منه ما يفضل سنويا من المال في المملكة.

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٦٠

 قيمة السلع الخارجة فيها

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٦٠

 قيمة السلع الداخلة سنة ١٢٨٩ نحو فرنك

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٠٠

 الفاضل

فلولا فائض الدين الأجنبي الذي يخرج سنويا إلى أوروبا ، حيث كان أغلبه بيد الأجانب ، لكان يبقى سنويا في مصر مائتا مليون فرنكا ولكن مع ذلك أيضا فلا أقل أن يبقى فيها خمسون مليونا كل سنة ، هذا فضلا عن حركة التجارة في داخل المملكة وبين أقسامها.

مطلب في الصنائع بمصر

عنصر الصنائع منحط بها نسبة لتقدمها وإن كان بها بعض المنسوجات الحريرية والقطنية وغيرها كالفخار والنجارة حتى في السودان ، لكنها متأخرة عما يجب لها ، نعم إن الفلاحة من الصعيد إلى نهاية بحر الروم هي في غاية التقدم ، وللفلاحين معرفة جيدة بكيفية ري الأرض حتى بالآلات البخارية الرافعة للماء من النيل والترع ، وبكيفية إثارة الأرض وتعميرها فلهم اليد الطولى في ذلك ، وترى الفلاح بنسائه وبناته يشتغل آناء الليل وأطراف النهار ، وأصحاب الفلاحة من الأعيان لهم منازل في أراضيهم لمباشرتهم الأعمال ولهم ثروة عظيمة من ذلك ، أما أنواع الفلاحة فهي زراعة القمح والشعير والفول والعدس والحمص والترمس ، الذي يتخذ منه الإشنان والكتان وخس الزيت والسلجم لما فيهما من الزيت ، والبرسيم والجلجلان والبلة والحلبة والقرطم وهو حب العصفر ، والخشخاش والخردل وغير ذلك من الخضروات ، والحبوب والقطن على أنواع لذاته ولبزره ليخرج منه الزيت للصابون والتسريج ، وكذلك قصب السكر الرفيع ، ويزرع أيضا التبغ المستعمل للتدخين والفول السناري في كل من السودان ومصر وهو صالح للأكل ، ويستخرج منه زيت جيد لذيذ لا رائحة له ولا طعم وإذا شعل ليس له دخان مثل غيره.

وأما الأشجار فلا يكثر عندهم إلا النخل في جميع الجهات ، والزيتون استنبت لكنه رديء الزيت ، لكنهم لهم حبوب أخرى زيتية كالسمسم والخروع غنية جدا.

وأما البردقان والليمون فهو قليل ، والموز كثير غير لذيذ ، وعندهم شجر الدوم الشبيه بالنخل وكذلك الأهليلج ويزرعون الزهور الطيبة مثل الورد والياسمين وغيرها والأشجار الغير المثمرة قليلة كما تقدم تفصيله في التعريف بمصر.

٢٧٠

وأيضا قد وجد اعتناء بأنواع من الصنائع سيما التي تمس إليها حاجة الحكومة فتقدم فيها الأهالي كصناعة الأسلحة والبواخر ، وتوجد معامل للحكومة منها نحو عشرين للسكر متقنة ، ومعمل آخر لسبك أحرف الطبع وتجليد الكتب ومعمل للسلاح وآخر للسفن وحوض لها وآخر للجوخ وآخر للدبغ وآخر للورق وكلها على النحو الأوروباوي المتقن ، ويمكن أن تقوم بنفسها من الأهالي حتى في صنع المدافع والبنادق من الطرز الجديد ، وللأهالي أيضا عدة معامل في صنوف شتى وأما الجهات السودانية فكثير من أراضيها وإن كانت صالحة للزراعة لكنهم جاهلون بها ، فلا يوجد منها إلا القليل حول المدن واشتغالهم إنما هو برعي الغنم والخيل والإبل وصيد الوحوش النافعة للتجارة كسن الفيل وريش النعام وجلد الأسد والنمر ، وتحصيل الذهب من معدنه الملقى بالطبع كالتبر من سنار والصحراء وغيرها.

مطلب في المعارف بمصر

العلوم الشرعية كلها نافقة في القاهرة وكفى بالجامع الأزهر مدرسة للعلوم عامة ، فقد دخلت إليه ووجدته يزار ويموج بالدروس والتلامذة ولهم طريقة حسنة في سرعة ختم الكتب إقراء بحيث أن كل كتاب لهم فيه مدة معينة لا يسوغ مجاوزتها ولا يخرجون في التقرير عن الشارح والحاشية المعينة للقراءة ووجدت عندهم اعتناء في الإقراء بالحواشي بحيث لا يقرأ كتاب بلا حاشية معينة يتفق عليها الشيخ والطلبة ، ولهم إصطلاح في الأوقات للعلوم مثلا الصباح كله إلى الزوال للعلوم النقلية كالفقه والحديث الخ ، والمساء للعلوم العقلية كالنحو والبيان الخ ، ويقرأ فقه المذاهب الأربعة وللأزهر شيخ هو مثل شيخ الإسلام له النظر على سائر العلماء وتوظيفهم وكثير من التلامذة يقيمون بالأزهر في رواقات خاصة ، وتجد صحن المسجد ملآن بالتلامذة المطالعين والحافظين للمتون وغيرها ، وفي كل من الإسكندرية ودمياط وطنطا جوامع حافلة بالعلوم الشرعية ، وفي بعض مدن السودان أيضا مثل سنار وهرر كذلك ، ومن عاداتهم جميعا في الدروس التطويل حتى يبلغ الدرس إلى ثلاث ساعات ولا أقل من ساعة ، ولذلك كان للتلامذة الإطلاق في هيئة الجلوس بل حتى يتكئون على جنبهم ووجوههم ويأكلون وينامون وهم في الدرس.

وأما العلوم الرياضية فلها مدارس عديدة منها للإبتدائيين ومنها للإنتهائيين جامعة لتعلم اللغات كالتركية والفارسية والإنكليزية والفرنساوية ، ولتعلم الطبيعيات والفلاحة والهندسة والحساب والجبر والهيئة والفلك والطب والتشريح العلمي والعملي والكيمياء وتركيب الأدوية وسائر العلوم ومعلموهم من الأجانب والأهالي ، وفي المدارس سائر الآلات والكتب المحتاج إليها ومنها وما هو مجانا ومنها ما هو بالأجر من التلميذ ومنهم المقيم ومنهم المتعلم فقط ، وكذلك المدارس الحربية وهذا كله خاص بالقاهرة وتليها إسكندرية أما بقية البلدان فلا يوجد بها إلا المدارس الإبتدائية في بعض مدن ، والبقية إنما يوجد بها

٢٧١

مكاتب للقرآن والخط وبعض من العلوم الشرعية في بعض من الجوامع ، لكن لا توجد بلدة ولو قرية صغيرة بدون مكتب ، وقد أخذت هاته المكاتب الإبتدائية في التحسين حتى شملت تعلم مبادىء الحساب والعبادات والعقائد ، ورأيت في جغرافية فكري إحصاء في سنة ١٢٩٢ ه‍ لأحوال المعارف دونك خلاصته :

تلامذة

مكاتب ومدارس

معلمين

٩٧٧ ، ١٤٠

٤٨١٧

٦٠٤٦

ولا شك أن العدد تزايد من ذلك التاريخ فلا شك أنها في غنى عظيم بالمعارف والعلوم النهائية الرياضية يكملون تحصيلها في الممالك الأوروباوية ، ورأيت من تلامذتهم في باريس ولندره وجنيف وغيرها ، ورأيت في مصر وبواخرها سائر العاملين والرؤساء من الأهالي والأجنبيون متوظفون لا للضرورة بل لدواع أخر ، ولهذا وقع التشكي المشار إليه في مبحث التاريخ ، وقد كثرت المطابع وطبعت فيها الكتب بما جعل سائر المسلمين ممنونين لهم ، وكذلك كثرت الصحف الخبرية يومية وأسبوعية لكنها في الحرية على حسب حالة الحكومة.

مطلب في هيئة المساكن

البناء الجديد كله على النحو الأوروباوي ظاهرا وباطنا سيما محلات الحكومة ورجالها وأما الأبنية القديمة والمعتادة للأهالي فليست بجميلة الظاهر بل أنه لما كان الطين الذي يبنون به مسودا من أصل لون التراب ولا يضعون فيه الجير إلا قليلا حيث كان غاليا ولا حاجة إليه لقلة المطر أو انعدامها عندهم ، ثم أنهم لا يطلون ظاهر البناء على الطرق ولا يبيضونه فصار منظره بشعا وإن كانوا يتأنقون في الرواشن الخشب بالنقش والهيئة لكنهم أيضا لا يصبغونه فيكون لونه مكدرا ، وصورة عموم الديار أن يكون فيها دهليز ووسط غير مسقوف يحتوي على بعض بيوت لجلوس الرجال والضيوف ووضع بعض المرافق ومحل لغسل الثياب والطبخ محجوز للنساء كل ذلك في الطبقة السفلية ، ثم باب ودرج في الغالب غير حسنة يتوصل منها للطبقة العليا فتجد فيها عدة بيوت أغلبها مائل إلى التربيع ، وبكل منها طواقي للضوء والنظر وتشمل أيضا كنيفا بالوعته مكشوفة وغالبا تحصل منه رايحة كريهة وغالبا تكون البيوت والدرج غير مبلطة ويستعوضون عن ذلك بفرش الحصر ، والزرابي في البيوت ويجعلون عليها للجلوس أما مساطب من خشب أو تبن وعليها مقاعد محشوة قطنا وعلى الأبواب ستارات ليست بأنيقة وإنما هي من منسوجات القطن ، وحول المقاعد متكئات يابسة محشوة تبنا وعليها أخر ظريفة من القطن ، ولا يزيد البناء على طبقتين غالبا.

وأما الأعيان فتكون ديارهم على ذلك النحو لكنها أكبر وأنظم وأنظف وربما زادت طبقة ثالثة إلى السابعة في القديم ، والمفروشات تكون حريرية وصوفية جميلة مع تزيين

٢٧٢

البيوت بالمرايات والساعات والأدوات الصدفية والذهبية والفضية على حسب الرفاهية ، ويكون في الطبقة السفلى التي للرجال دواوين كبرى وفي أطرافها دكة من البناء عريضة للجلوس عليها والجميع مبلط بنحو الرخام والكذال ، وعند الجميع فرش النوم عدة فرش محشوة قطنا أو صوفا خفيفة يوضع بعضها فوق بعض من إثنين إلى ثلاثة توضع ليلا عند النوم وتسوى بالوسادات واللحف ، وتارة يوضع عليها ناموسية ثم يرفع جميع ذلك صباحا ويوضع في خزائن في البيت معدة لذلك ويبقى البيت للجلوس فليس لهم فرش دائمة ولا مكان خاص بالنوم ، وخدمتهم من ذلك في تعب كبير وتلك العادة جارية عند جميع المشرقيين فيما رأيت من البلدان ، لكن من اتخذ تقليد الأوروباويين صارت بيوتهم وديارهم ومفروشاتهم ونومهم كله على نحو ما ذكرنا في بلاد أوروبا ، ومما تعجبت منه في مصر رؤيتي للزرابي مفروشة وغير ذلك مما ذكرناه مما يزيد في الحر مع أن قطرهم حار وكان الأولى به الرخام والزليز وغير ذلك مما يبرد المكان ويروق هواءه ، لكني لما تذكرت قاعدة الناس على مذهب أمرائهم زال عني التعجب ، وذلك أن أمراء مصر منذ مدة طويلة وهم من الترك وهؤلاء بلادهم باردة فجروا في مفروشاتهم على ما اعتادوه في بلادهم وقلدتهم الأهالي وحتى العائلة الخديوية الآن لم تزل ناهجة منهج شاة الترك وإصطلاحهم بحيث لا يشك الرائي أنها قسم من الدولة التركية لما يرى من أسلوب جميع حركاتهم وهيئتهم هذا.

وأما الطرقات فالجديد منها متسع تمر فيه العجلات والقديم في ضيق عظيم لا يكاد يتخلله الهواء وكلها غير مبلطة إلا إسكندرية ، لأن المطر قليل النزول عندهم أو مفقود إلا في إسكندرية ، وفي كل بلد نظارة لنظافة الطرق والتنوير ليلا ولتحسين البلاد على حسب التيسير ، إذ لم يزل العمل متماديا في توسيع الطرق ومصيبة ضيق الطريق عامة في سائر بلدان المشرق التي رأيتها ، وكان ذلك في الأقاليم الحارة لشدة الحر فإذا ضاق الطريق لا تنزل الشمس إلى الأرض لارتفاع الأبنية فيقل الحر نوعا ما ، لكن ذلك مضر بالصحة لصعوبة تخلل الهواء وكثرة الندى ومخالف للشرع أيضا ، لأن المشروع في الطرق أن يكون عرض المعتاد منها سبعة أذرع والطريق العام إثني عشر ذراعا والبطحاآت التي من المشروع أيضا أن تكون أمام المسجد تكون ستين في ستين كما نص على ذلك في الفقه والسير وصرح به مكتوب الخليفة الثاني سيدنا عمر رضي‌الله‌عنه الآمر برسم الكوفة.

ومما ذكره أن لا تزيد طبقات دورها عن طبقتين ، والوجه في ذلك هو أن الدار إذا اشتملت على أكثر من طبقتين سكن بها أزيد ممن يسكن في طبقتين فتصغر البلد مع أنها بلاد إسلامية منشأة في وجه العدو فالأصلح تكبيرها وأيضا فساد الهواء من كثرة الإجتماع في محل واحد ضيق المساحة إذا كان ذا طبقات كثيرة وأيضا تعب الساكن بكثرة الصعود وأيضا كثرة التعب والإسراف في مصروف البناء إذا علت الطبقات لأن المصروف في الطبقات العليا أزيد بكثير من الطبقة السفلى لما يحتاج إليه من كثرة العملية وأيضا فيه نوع من الكبرياء والتجبر المنهى عنه شرعا ، وعلى هذا فضيق الطريق قبيح شرعا وعقلا ، وحر

٢٧٣

الشمس يدفع بما يجعل من المظلات والسقوف كما هو واقع في عدة جهات من مصر في الأسواق ، بل وفي الطرقات أيضا من سقوف خشبية بعضها محسن وبعضها ليس فيه إلا دفع إذاية الشمس ، والطرقات في القاهرة ترش بالماء عدة مرار في اليوم حتى يحصل فيها نوع طين ، والطرق الجديدة العامة كلها محصبة الأرض وحواليها الأشجار المظلة ، والقليل من الديار بها جنينات وبها ماء النيل جار في القنوات ، والغالب أن يأتي السقاؤن بقرب أو براميل من ماء النيل غير المصفى ويخزن في الديار في جرار كبيرة ، وكل دار لها عدد معلوم يأتي لها به السقاء بثمن معين.

مطلب في اللبس بمصر

أما لبس رجال الحكومة العادي والرسمي فهو على النحو الإفرنجي ، غير أن الشارات والعلامات هي تركية صرفة حتى الشاشية والسترة والنياشين هي ذات العثمانية بأسمائها ، وأما لبس الرجال فأهل المدن الأعيان يلبسون قميصا وسراويل واسعة يربطونها تحت القميص ويسدلون القميص عليها وهو طويل إلى نحو نصف الساق ، ويلبسون عليه صدرية مقفولة الوسط بعقد وفوقها قفطان طويل إلى الكعبين ويداه تصل إلى أصابع اليد ويطبقونه على صدورهم ثم يتحزمون عليه بحزام ويلبسون فوق جميع ذلك جبة طويلة أيضا إلى حد القفطان ومقدمها مفتوح إلى الأسفل ويداها ضيقتان إلى أسفل المرفق ، والجميع من الحرير من منسوجات رفيعة وعلى رؤسهم شاشية تونسية وعمامة قليلة الطول ملفوفة على نحو العمامة التونسية وهو لباس العلماء ، وكبراؤهم يزيدون فوق الكل جبة واسعة جدا وواسعة الأكمام أيضا ، وبعضهم يلبس العباءة عوضا عن الجوخة والقفطان.

وأما الأواسط وبعض التجار فيلبسون القميص من أسفل وفوقه صدرية مثل السابقة وفرملة أي صدرية غير مقفولة ومنتان يصل إلى الحزام وسروالا واسعا جدا طويل الألية إلى الأرض أسود اللون ويتحزمون به فوق القميص وعليه حزام ، والجميع من المنسوجات الرفيعة المخيطة والمزينة بخيوط من الحرير حتى تصير كلها مزينة ، وفي الشتاء يلبسون فوق ذلك كبوطا من الجوخ يصل إلى الركبة ، وعلى رؤوسهم شواشي تركية وحدها أو معها عمائم هندية مطرزة بالحرير.

وأما الأسافل والخدمة فيلبسون من الشكل الأول إلى القفطان وفي الأكثر يكون من قطن أبيض وعليه بنطلون إفرنجي وشاشية تركية أو تونسية ، والفلاحون وأهل القرى يلبسون قمصا زرقا وعراقية ليس إلا ، ولا يلبسون في أرجلهم شيئا. وأما بقية الأصناف فيلبسون الأحذية على أنواع شتى من الأنواع الإفرنجية أو نوع من الحذاء أحمر بلا قدم عال ، ومن جهة الأصابع يكون مخروطا منحنيا مخروطه إلى أعلى.

وأما النساء فالصنف الأسفل يقتصر على القميص ولا يتستر في الطريق بل رأيتهن يخدمن في آلات البناء ويناولن الحجر والطين وغير ذلك مثل الرجال وهن مشوهات الوجوه.

٢٧٤

وأما الأواسط والأعالي فبعضهن صرن يلبسن مثل نساء الإفرنج نصا سواء ، غير أنهن إذا خرجن في الطريق يلبسن رداء من حرير ويتنقبن بصفيق من الحرير أو القطن على أنوفهن فما دونها وفي الحقيقة وجههن كله مكشوف ، وإذا ركبن في العجلات تكون طواقيها مفتوحة غير أنهن يسدلن ستاراتها نحو النصف من الطاقة ، والبعض الآخر الذي لم يزل على العادة القديمة فيلبسن على القميص فرملة مزركشة بالفضة وعليها عباءة رفيعة ، وعلى رؤسهن نحو طاسة من ذهب أو فضة أو نسج رفيع وكل ثيابهن يصل إلى الكعب ، وإذا خرجن التحفن في رداء ثخين وعلى وجوههن نقاب ثخين ويجعلن على الأنف شيئا مثل الأصبع ممسوكا في النقاب ليبعد النقاب عن الأعين والأنف للنظر والتنفس ، والنساء لهن صولة على الرجال في البيوت.

مطلب في الأكل بمصر

أما الخبز فالعام عند الجميع هو نوع مستدير في ارتفاع إصبع قليل النضج قطره أزيد من شبر ، ويوجد بقية أنواع الخبز الإفرنجي ، وأما الأطعمة فلها أنواع عديدة والغالب في الأسواق نوع من الفول مطبوخ في الماء وعليه شيء من السمن ، وكذلك نوع من السمك مقدد عفن الرائحة ، وسائر طعامهم فيه الأدام بكثرة وأدامهم السمن ، وأما الزيت فلا استعمال له إلا في السلاطة وزيتهم رديء لأنه مجلوب من أكريد والشام ، وكل لا يحسنون عصر الزيتون والحسن عندهم هو المجلوب من إيطاليا ولا يستعمل إلا فيما ذكرناه ، كما أنهم لا يأكلون من النعم إلا الغنم ولحم البقر لا يأكله إلا الفقراء وهو معيب كما أنه في نفسه رديء والإفرنج يأكلونه ، والفقراء يأكلون الجاموس والإبل وفي القرى والعرب والسودان يكثر أكل الإبل ، وكذلك الذرة والدخن أي الدرع أما هيئة الأكل فهي على نحو الأنواع التي ذكرناها في تونس ، وأما وقته فهم يأكلون مرتين غالبا إحداهما صباحا بعد الشروق ويخرجون إلى أشغالهم ثم يعودون إلى ديارهم قرب الغروب فيتعشون.

مطلب في المواكب

أما المواكب الرسمية فهي في العيدين ، أي الفطر والأضحى ، فيجلس الخديوي في إيوان كبير بقصره بعد الإعلان من قبل بوقت المعايدة ويكون لابسا لباسه المزركش الرسمي متقلدا بنياشينه ، فيدخل عليه رجال دولته والعلماء الأعيان واحدا أثر الآخر مسلمين عليه بتقبيل ذيله ، ويقف هو للكبراء ثم ينصرفون ، ويكثر تزاور الناس فيما بينهم ، وأما الأعراس والختان فيحتفلون لها بزينة الدار ، ويدعون طباخين معدين لذلك فيأتي الطباخ بسائر أدوات الطعام والموائد والمناديل والخدمة ويطبخ كفاية كل المدعوين الذين يعين لهم الوقت للدعوة من بعد الظهر إلى قرب الغروب ، ومهما حضر إثنان أو أزيد أدخلوا إلى بيت كبير وتقدم لهم مائدة على قدرهم فيها أنواع شتى من الطعام المطبوخ والحلو ويكثرون من الأصناف إلى نحو العشرين لونا والمترفون يزيدون إلى نحو الأربعين لونا وهكذا الكل

٢٧٥

جماعة بحيث يأكلون أكل شبع ، ولا يوضع أناء يظهر عليه أنه به أثر أكل سابق وعادة تكثير الطعام موجودة حتى للضيوف بل حتى في الأكل العادي يوميا ، بحيث أن أواسط الناس لا يكون في مائدتهم أقل من ستة ألوان فطورا وعشاء ، ولهم عادة التطوف بالمختون على نحو ما ذكرنا في تونس ، بل ويزيدون بالتطوف به ليلا والشموع والمنائر موقودة والمغنون رافعون أصواتهم بالشعر والمدايح ، وكذلك الأعراس يطوفون بالعروسة ومعها الموكب والطبول والمزامير تعزف ، ولهم أيام لبعض المنتسبين للصالحين يخرجون فيها تلامذتهم بالألبسة الرفيعة والأعلام والمباخر وغيرها وينبطح بعض الناس على الأرض في الطريق ويأتي شيخهم راكبا فرسه ويمر فوق أولئك الملقون ولا يضرهم بوطىء أرجل فرسه يدعون ذلك كرامة ، وأعظم المواكب يوم خروج ركب الحاج وكسوة الكعبة فيحضره الخديوي والعساكر وخلائق لا تحصى وتحمل الكسوة في محمل على جمل مزين ويحاذيها الخديوي وكبار الدولة ، بل قد فعل ذلك أمراء الإنكليز مع الخديوي بغاية التوقير والمدافع تطلق إلى أن يخرج الركب عن البلاد وينزل هناك حتى يجتمع المسافرون ، ويتوجه برا إلى الحجاز ويحمل ذلك الركب أيضا أموالا عديدة لمرتبات وعوائد لأهل الحرمين مع صدقات ومحصول وقف الحرمين ، ومن المواكب مولد السيد البدوي (١) في بلد طنطا ويعقد فيها سوق عظيم تأوي إليه التجار من سائر أطراف القطر المصري ولهم حكايات في كراماته رضي‌الله‌عنه في نفاق السلع لكل قادم ، غير أن ذلك السوق يشمل من منكرات الزنى ما يستقبح ذكره وشهرته.

وأما الجنائز عندهم ففيها من عادات الجاهلية أمر فظيع جدا ، وذلك أنه إذا مات الميت تأتي النائحات الصايحات وتبقى تنوح أسابيع ليلا ونهارا بما يزعج أهل الحارة ، بحيث أني سئمت المكث بدار صديقي في الإسكندرية لموت جار له ولم أستطع النوم ليلا ولا نهارا ، وأقبح من ذلك أن النايحات والنسوة يخرجن مع الجنازة في الطريق إلى أن تدفن ويرجعن هكذا نايحات ، والغريب أن ذلك يقع ولو في محلات العلماء مع أنه منكر شرعا وفيه وعيد شديد وكذلك إنكاره عقلا وعادة ، ولهم إتباع للسنة عند دفن الميت فيطلب قائل الشهادة فيه من الحاضرين فيشهدون فيه بالخير عملا بحديث «من أثنيتم عليه شرا وجبت له النار ومن أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة» (٢) أو كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) هو أحمد بن علي بن إبراهيم الحسيني ، أبو العباس البدوي (٥٩٦ ـ ٦٧٥ ه‍) متصوف صاحب شهرة في الديار المصرية. أصله في المغرب ، ولد بفاس. ودخل مصر في أيام الملك الظاهر بيبرس. انتسب إلى طريقته جمهور كبير. توفي ودفن في طنطا. الأعلام ١ / ١٧٥ شذرات الذهب ٥ / ٣٤٥ ، النجوم الزاهرة ٧ / ٢٥٢ ودائرة المعارف الإسلامية ١ / ٤٦٥.

(٢) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز برقم (٦٠) والنسائي في الجنائز باب (٤٩) والإمام أحمد بن حنبل في المسند ٣ / ١٨٦ والمنذري في الترغيب والترهيب ٤ / ٣٤٦ والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٧ / ٥٧٢ و ١٠ / ٣٧٥ والسيوطي في الدر المنثور ١ / ١٤٥ والمتقي الهندي في كنز العمال (٤٢٧٠٥).

٢٧٦

مطلب في اللغة بمصر

اللغة هي العربية ولو في السودان ، غير أن بعض جهاته لهم لغات أخرى بربرية لكن اللغة العربية حرفت هناك كثيرا سواء في تغيير الحروف أو في ذات الكلمات فإن الجيم لا يكادون ينطقون به وكذلك الذال يبدلونها زايا إلى غير ذلك ، وإذا سألك أحد عما تريد قال (تعوزايه) وأشباه ذلك ، بل أن ذلك جرى حتى عند بعض أصحاب الصحف فيكتبون كتابة مختلطة بين أصل العربية والاعتيادية مع أن الأصل في الكتابة هو الرجوع إلى حقيقة العربية وهو الجاري عند العلماء والكتاب ، نعم إن الكتاب الرسميين صاروا يستعملون بعض ألفاظ إصطلاحية أو فرنساوية ، وكذلك نفس إصطلاح الكتابة كاد بعضهم أن يخرجه عن الإصطلاح والأسلوب العربي ، غير أن هذا ليس بعام بل المهرة تسحر الألباب بلاغتهم في الصحف وغيرها من المكاتبات ، ومع ما ذكرنا من صعوبة النطق عندهم ببعض الحروف تجدهم أتقن خلق الله أداء لقراءة القرآن وتجويده ولهم نحلة فيه تخشع لها القلوب ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

مطلب في الإحصائيات بمصر

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٥

 عدد أهالي مصر

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٥

 عدد أهالي دارفور

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٦

عدد أهالي النوبة وزيلع وغيرها

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٦

 المجموع

٠١١٠٠

طول سكك الحديد أميال

١١٤٧٢

 طول أسلاك التلغراف أميال

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٦٠

قيمة التجارة الداخلة فرنك

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٦٠

الخارجة

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٤٣

دخل الحكومة فرنكا

وكان دخلها في ولاية سيدنا عمرو بن العاص من خصوص الدخل الشرعي مائة وثمانين مليونا فرنكا خصص منها الثلث لتكثير الترع والزراعة حتى أوصل ترعة تسير فيها السفن من الفسطاط إلى مراسي الحجاز.

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢١٦

 ٢١٦ خرجها

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢

 الدين الذي عليها ألفا مليون فرنكا

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠١٦٢

 فائضه

٠٠٠ ، ٦٠٠ ، ٠٠١٧

خراج الدولة العثمانية

٠٠٠ ، ٠١٨ ، ٠٠٠

عدد العساكر وقت السلم

٠١٣ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠

عدد السفن ليس منها مدرعة وهذا عدا بواخر البريد والنهر.

٢٧٧

الباب التاسع

في الحجاز

الفصل الأول : في سفري إليه

بعد أن أقمت في السويس بعض أيام منتظرا لسفر باخرة إلى جدة وجدت عدة بواخر أجنبية ومصرية فآثرت المصرية وكان رئيسها مسلما وسائر متوظفيها أيضا مسلمون ، ولا يركب أحدا إلا بعد أخذ إذن مرسوم على ورقة جوازه من محافظ البلدة ويؤدي على ذلك أداء نسيت قدره وأظنه نحو سبعة فرنكات ، وعند ركوبي في الباخرة وجدت الإزدحام من الركاب والمشيعين فوق الحد ، فالتزمت أن أضم إلى أتباعي ورحلي إلى استقرار الحال في السفر وجلسنا في حجرتي بالطبقة الأولى لأن بيتها صغيرة ليس بها إلا حجرتان إحداهما سكنها أحد المصريين بعياله والأخرى سكنتها أنا ، ورأيت من ازدحام الركاب وتراكمهم على بعضهم مع الوسخ وسوء الحالة وعدم احترامهم للطبقة الأولى وكثرة السكان على سطحها من النساء والرجال بحيث لا يجد الإنسان محلا فسيحا يرتاح به ما أسفت منه على الركوب هناك ، ولكني تسليت بما رأيت من انشراح جميع الركاب وعدم إكتراثهم بما هم فيه من المشقة والكدر ، كما تسليت برفقة الحال مني محل البنوّة أحمد ظافر النجيب النسيب ، وبحسن أخلاق رئيس الباخرة والركاب على السطح من الطبقة الأولى وهم من أعيان قرى المصريين وعربانها وبعضهم له إطلاع على مسائل الفقه ، وكان أيضا راكبا معنا ناظر بواخر البوسطة الخديوية في الحجاز وهو محمد موسى لطفي رتبته العسكرية بين باشي ، وهو كامل الأخلاق والمعارف وله مشاركة حسنة في العقائد والفقه والعربية مع محافظته على شعائر الدين من الصلاة وغيرها ، وله إطلاع كامل على أحوال فن البحر لأنه كان رئيسا للباخرة التي نحن بها المسماة بالزقازيق ، ورأيته يشير على رئيسها بعدة أمور وهو ينقاد إليه ، وله إطلاع أيضا على الجغرافية والعلوم الرياضية وبعض الألسن مع تفطن للأحوال السياسية ، فآنستني رفقته مع بقية الركاب وكثيرا ما يقضي الوقت في مداعبات مع بعض العربان الموسومين بالشح ، وكنت أجد الباخرة كأنها بلد إسلامي بإقامة الأذان في الأوقات كلها والصلاة جماعة في عدة جهات ، لكن الكثير لم يصل ولا يستطيع الصلاة سيما عند إضطراب البحر وإن كان لم يقع منه شيء شديد ، لكن حصل في الباخرة تعفن الرائحة سيما في اليوم الأخير لأن أكثر

٢٧٨

الركاب لا يغسل يديه من الطعام مع كثرة إدامه فضلا عن غير ذلك ، حتى كانت بيت الطبقة الأولى عفنة لإزدحام خدمة سكانها وكثرة أكلهم المؤدم وعدم توقيهم الوسخ ، لكنهم يقضون أغلب الأوقات بالتلاوة الحسنة أو إنشاد الشعر ، وقد وجدوا عند تفقدهم الركاب وأوراق ركوبهم أن أحدهم ركب في الإزدحام بدون أداء الكراء وهو فقير وأحجمت أصحابه عن الأداء عليه ، فسجن في سجن الباخرة وبعد عدة ساعات انتدب أحد أصحاب الخير إلى أن دعا رفيقا لذلك المسجون خيرا وأذنه بالتطوف على جميع الركاب البالغين ستمائة شخص وإعلامهم بحالة رفيقه وطلب إعانتهم له في أجر الركوب فحصل له مقدار ذلك وزيادة ، وعند حضور المال أحضر المسجون وأطلقه نائب البوسطة محمد لطفي المشار إليه مجانا ودفعت له الدراهم والدنانير المجتمعة له ليستعين بها في حجه ، ورأيت من بعض الأغنياء الشح المطاع في هاته الواقعة ومن بعضهم الإقتصاد ومن بعضهم الكرم ، ولما بلغنا سمت رابغ أعلم الرئيس الحجاج بذلك ليحرموا ، فاغتسلوا وأحرموا بنزع ثيابهم والله أعلم بكيفية غسلهم وأدائهم فرض الإحرام ، لأن حالة الضيق والوسخ فوق ما أقدر أن أعبر عنه ولا يعلم مقدار ذلك التعب إلا من شاهده ، وأضف إلى ذلك أن الباخرة لا تعطي الأكل ولو لأصحاب الطبقة الأولى فلزم كلا أن يطبخ لنفسه ، وأغلب الركاب كان معهم زادهم مما يصبر من الطعام من لحم وغيره ، وكنت أخذت زادنا من السويس لحما ودجاجا وخبزا وغيره فكان طباخي يطبخ لي ولمن معي في مطبخ الباخرة وفي ذلك من المشقة لمن لم يعتد البحر ما لا يخفى ، فكان ذلك من عجيب أمر الباخرة مع أنها بريدية وذاك خلاف معهود صفتها ، ولما سألت نائب البوسطة عن سبب ذلك قال : إن الركاب إلى جهات البحر الأحمر لا يوجد منهم من يأكل من الباخرة فرأينا ترتيب ذلك عبثا ولهذا تجد بواخر البريد في البحر الأبيض على نحو غيرها وأما هنا فلا.

ثم عند غروب اليوم الثالث من ركوبنا قل سير الباخرة وأعلمني الرئيس بذلك لأنها إن دامت في سيرها نصل إلى جدة ليلا ولا يتيسر الدخول إليها إلا نهارا فكان تقليل السير أولى من الوقوف قربها ، وبعد شروق اليوم الرابع ، وصلنا إلى جدة فتلقانا دليل المرسى وهو أعرابي لابس قميصا أزرق وعلى رأسه عمامة حمراء راكب قاربا ، فصعد إلى الباخرة وصار يأمر بالسير يمينا وشمالا لكثرة شعاب الحجر المغطاة بالماء حتى دخلنا حوض المرسى ، فإذا هو حوض وسيع أمين طبيعي بما حوله من الأحجار الخلقية وفيه عدة بواخر أجنبية وباخرة حربية صغيرة للدولة العثمانية وعدة سفن شراعية صغيرة ، وبعد الإرساء وأخذ الإذن في النزول من مأموري الصحة ونزول أغلب الركاب ، نزلت مع رفقائي ودفعت على كل واحد منا نحو أربعة فرنكات لأخذ ورقة على أن المدفوع لنظافة أماكن الحج ، فكان نمرة ورقتي ٧٦ ألف ونيف من المئات والآحاد ونسيت الآن تحرير كل الأعداد ، ولقيت أحد مطوفي التونسيين وهو جميل الأخلاق على خلاف غيره فأدينا رحلنا للقمرق وتعسف

٢٧٩

المأمورون إلى أن أخذوا عشرة فرنكات ، وأقل مكرهم بمن لا يعطيهم تركهم لحوائجه أياما بدعوى كثرة شغلهم فهم من أخس المأمورين وأكثرهم سرقة كما علمت ذلك من التجار وغيرهم ، ثم دلني المطوف على دار اكتريت إحدى طبقاتها وأقمت هناك ثلاثة أيام ، وجدة بلدة على ساحل البحر هي مرسى الحجاز العظيمة للحجاج والتجارة من سائر الجهات ، وسكانها أغلبهم من العرب والهنود ثم المغاربة والأفارقيون حتى الإفرنج ، ولها أسواق رحيبة مسقفة وتكنس البلد وترش يوميا وتنور ليلا بزيت النفط ، وبها جوامع حسنة وماء شربها يؤتى به من بعد في قرب من مصانع وفساقي ، وهواؤها حار جدا رديء لأن أرضها مسبخة وبها بعض ديار جميلة المنظر لنواب الدول وبعض التجار ، وأغلب المباني الكبيرة للكراء فيها ملك للاشراف ، وبعد أن أتممت فيها لوازم السفر من الفرش والبسط وأحرمت منها حيث كنت قاصدا لها لمآرب لي فيها غير أني لم أنزع ثيابي وفديت عن لبسها بدم اكتريت جمالا لي ولأصحابي ، فركبت الهودج الذي اشتريته من هناك وهو مثل مهدين من عيدان مسمرة ومشدودة في بعضها على نصفين كل نصف طوله نحو ذراعين وعرضه ذراع أسفله الذي هو محل الجلوس ، حصير من عزف النخل مشدود في تلك العيدان وفي زواياه الأربع عيدان صاعدة نحو ذراعين ونصف ، ثم تقوس إلى أن تتصل ببعضها فيحصل منها شكل أربعة أقواس متقابلة ويشبك على نحو الربع الأسفل منها شباك من حبال جيدة من الحلفاء لتحمى الراكب من السقوط ، وذاك في جهة واحدة وهي جهة الجنب المقابل لظهر الجمل ، ثم يوصل كل من النصفين بصاحبه فيتألف من ذلك مهدان متلاصقان ممسوكان مع بعضهما بحبال متينة ولكل منهما أربعة أرجل تستند بها على الأرض إذا برك الجمل ، ثم يوضع على الجميع من فوق زربية أو كليم أو منسوج قطني على حسب إرادة صاحبه ويدلى ذلك مع الجنبين الخارجين ويخاط على تلك الأعواد ، ثم يجعل من فوق جلد بقر أو جمل ويخاط أيضا ليمنع نزول المطر إن وقع ، ثم يفرش كل من الشقين بزربية على عدة طبقات ومعها لحاف محشو قطنا ، ثم توضع عليه ستة أو ثمانية وسادات محشوة قطنا أيضا من جهاته الأربع ويشق بالقطع في الغطاء الشامل من الجهة الخارجية نحو طاقة لها ستارة من ذاتها ترفع وتنزل وتمسك بخيوط ، ويربط في قوائم الأقواس عدة جيوب من سعف النخل لوضع إناء الماء وغيره مما خف من ضروريات المسافر وزاده ، بحيث يصير كل من القسمين فراشا مريحا يضطجع به الراكب ويكون أمامه وخلفه مفتوحا وجنبه الذي من جهة رفيقه مفتوحا أيضا وجنبه الآخر به طاقة إن أراد فتحها وإلا أغلقها ، ثم يوضع الجميع على الجمل ويربط به ربطا محكما ويوضع سلم من خشب رقيق في مقدم الهودج المسمى بالشقدف ليصعد منه الراكب إلى شقه ويمسك الجمال الشق الآخر إلى أن يصعد إليه صاحبه أيضا ويعدلان في الثقل ويسير بهما الجمل ويلزم أن يكون جملا مؤنسا بذلك.

وكان ركوبنا بعد صلاة العصر خارج البلد ومع كون ذلك المركب متوسط الراحة وجدت في نفسي تعبا من سير الجمل المهين حتى حصل لي نوع من الدوار ، لكن إذا تأنس

٢٨٠