صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار - ج ٢

السيّد محمّد بيرم الخامس التونسي

صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد بيرم الخامس التونسي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

ويوظفون فيهم من قضاتهم ويغيرون عوائدهم وشرائعهم ، لما يلزم لذلك من مصاريف تكثير القوات وكمون الحقد في المستعبدين حتى ينتهزوا الفرصة لفك قيودهم متى ما سنحت الفرصة ، وبمثل هاته السياسة ومجاراة الأهالي في مقاصدهم وعاداتهم وأحكامهم وكبرائهم وديانتهم تيسر لها امتداد المستعمرات واتساعها وطول بقائها هانية بدون كثرة مصاريف ، فإن الهند الذي هو أعظم المستعمرات وفيه من السكان ما ينيف عن مائة وستين مليونا إنما تضبطه دولة الإنكليز بعشرين ألف عسكري إنكليزي فقط وإن كانت حكومة الهند لها نحو ثلاثمائة ألف من العساكر تحت السلاح لكنهم كلهم من الأهالي ما عدا العشرين ألفا المذكورة ، وذلك ما خلا ما للملوك والأمراء المستقلين بالإدارة في الهند من العساكر والقوات ، وما ذاك إلا لمجاراة الأهالي بما لا ينفرهم مع إجراء العدل فيهم وإلزام أمرائهم وملوكهم بذلك وحريتهم في سائر أطوارهم ، حتى أنها تعظم لهم شعائرهم الدينية كما يعظمونها في أنفسهم ، فالمسلمون مثلا تطلق لهم المدافع في أعيادهم وتعفيهم من الأشغال في المواسم وتعزف الموسيقى العسكرية في أعيادهم ، وكذلك تفعل مع المجوس وتصرف على الجميع أموالا باهظة في المعابد وأهل الديانة من دخل الهند ، وفي عيد إلقاء جوز الكوكو في نهر الهند يحضر أهل الأمر والحكم من الانكليز ويأخذون ذلك الجوز من أيدي الكهنة ويلقونه في النهر مجاراة للأهالي.

(وحينئذ) تنشر الرايات وتطلق المدافع من الأبراج والسفن هذا فالبلاد التي تحت إدارتها بتا فضلا عن البلاد المستقلة بالإدارة فالأهالي يوازنون بينما فاتهم من حالة الاستقلال وما هم عليه من المنافع التي لم تكن حاصلة إليهم مع موازنة المشقات والأهوال الحاصلة من إعلان الثورة ، لأن الإنكليز أيضا قساة وقلوبهم فظة غليظة عند الثورة يجازون بالفظائع التي تقشعر منها جلود السامعين ، ويقول القائل : أين التمدن ورحمة الإنسانية والشفقة التي تمتلىء صحفهم بالتنويه بها؟ وما هي إلّا سواد على بياض يأمرون بها غيرهم ولا يرون منها شيئا ، سيما بما يستعملونه من الغدر بإغراء أقسام الأهالي للانقسام وبذل الأموال العظيمة في ذلك فإذا حصل الانقسام وقع الانتقام من الكل على التدريج وربما يحصل من بعض الأقسام لبعض أشدّ مما يحصل من نفس الإنكليز ، فلذلك آثرت أهالي المستعمرات السكون والرضى بما هو عليه مستغنمي ثمرة ذلك بقدر الإمكان بل أن بعضهم مكنتهم دولة الانكليز من الاستقلال وأعلنت لهم بذلك ورفضوا هم قبوله خوفا من تسلط غيرها عليهم لضعفهم ، وربما يعاملهم المتسلط بما لم يعاملهم به الإنكليزيون مثل ما وقع في جهة من أستراليا منذ نحو من خمس سنين ومع ما مر فقل ما يخلو وقت عن حدوث ثورة في إحدى الجهات من المستعمرات المذكورة وفي الأغلب بعد حصول الراحة بالقوّة أو باللين وهو الأغلب تزيح الدولة البواعث على الثورة حتى تعود المصافاة مع الأهالي على وجه كأنه راسخ وإنما قلنا أن اللين هو الأغلب لأنا رأيناها لا تستعمل القوّة لأبعد انفلال حدود اللين ، حتى إنها في نفس حروبها مع الثائرين لا توجه عليهم قوّة كبيرة من أول وهلة بل

٢٠١

ترسل مقدارا غير كاف لإخماد النار إذا كانت مستعمرة بهيجان قوي وكثيرا ما تنكسر قوّتها أوّلا وثانيا وثالثا لكنها لا تنكص على عقبيها إلا بعد بلوغ أربها إما بمداومة الحرب على النحو السابق مع تزييد القوّة شيئا فشيئا إلى أن تغلب أو بوقوع الصلح على ما يرضيها وترضى به الثائر على نوع ما كان ذلك لعدم وجود قوة عسكرية تحت السلاح ولا حاضرة للدعوى متى أرادت الدولة لما مر من أن الإنكليز لا يدخلون العساكر إلا بالرضى وليس لهم إلا مقدار حفظ الراحة فإذا ثارت جهة لزم الدولة إحضار العساكر برضاهم وذلك لا يتأتى عاجلا مثل ما يأتي للدول المرتبة العساكر ، وأيضا بعد حضورهم تلزمهم مدة التدريب ثم أن العساكر عندهم تلزمهم المصاريف أكثر من عساكر بقية الدول لأن من قانونهم أن العسكري لا يخدم شيئا سوى الحركات الحربية فيلزمهم من الخدمة وحمل الأثقال ما هو أضعاف عددهم ولا يخفى ما في ذلك من المصاريف والكلفة المحوجة إلى الوقت ، حتى أن عساكرها الذين وجهتهم على الحبشة منذ نحو عشرين سنة لزمها أن تجعل لهم طريقا حديدية وقنوات لجلب الماء كلها موقتة ، وكان خادمو العسكر ضعفي عدد العساكر وهكذا دأبها في حروبها.

وبناء على اتساع المستعمرات وافتراقها وبعدها عن مركز الدولة وكون الطرق إليها بحرية مع أن نفس مركز المملكة جزيرة لزم أن تكون دولة الإنكليز هي أقوى دولة في البحر من حيث السفن الحربية ومن حيث كثرة السفن التجارية ووجود البواخر والعارفين بفن البحر.

مطلب في السياسة الخارجية للإنكليز

اعلم أن ما تقدم من الأحوال العامة في الخارجية للدول العظيمة مما تقدم ذكره في إيطاليا وفرنسا وهو أيضا جار في انكلاتيره مثل وجود السفراء والمراقبة لجهات المنافع الخ ، فالذي يخص إنكلاتيره هنا هو بيان محلات إهتمامها في الخارج وحيث قد تقدم أن لها مستعمرات في جميع أقسام الكرة المعروفة ، كانت عنايتها في الخارج أوسع من غيرها من بقية دول أوروبا لكن ليست الجهات كلها سواء في الرتبة بل هي متدرجة ، ففي أوروبا ليس لها من النفوذ في داخلية دولها شيء سواء كانت الدول كبيرة أو صغيرة لابتناء إداراتهم على قواعد راسخة مسلمة بين جميعهم مقررة بمعاهدات ، فلن ترى حاكما إنكليزيا ذا سلطة في برلين قاعدة ألمانيا ولا في مونكو التي هي دولة مستقلة في بلدة محاطة بإيطاليا عدد سكانها نحو أربعة آلاف نسمة والكل في الدخول تحت أحكامهم من رعية الإنكليز سواء ، وإنما نواب الدولة يراقبون الأحوال السياسية لا الأحكام الشخصية ، نعم لدولة الإنكليز زيادة اعتبار في خصوص مملكة البلجيك لما اقتضته معاهدة سنة ١٨١٥ من استقلال هاته المملكة عند سقوط نابليون الأول وجعلها تحت حماية كبار الدول ، غير أن المراقب لتلك الحماية هي دولة الإنكليز فهذا هو وجه زيادة اعتبارها هناك ومثل ذلك حاصل في دولة

٢٠٢

البرتغال لما تسبب عن حروب سالفة مع إسبانيا وفرنسا ، وأما بقية الدول فلا فضل عندهم لانكلاتيره على مونكو في أحوالهم سوى ما تجر إليه السياسة الآتي إيضاحها ، وأما أمريكا فهي أيضا على ذلك المنوال ، وأما آسيا وأفريقية فعلى وجه آخر مع دولها من حيثيتين.

الأولى : سوء المعاهدات القديمة معهم التي لم يراع فيها إلا الحالة الراهنة إذ ذاك مع عدم تقييد المعاهدات بمدّة محدودة ، فتغير الزمان وتغيرت الحالات وبقيت أحكام المعاهدات على ما هي عليه ، فلزم منها أن تكون لدولة الإنكليز شبه دولة مستقلة في كل من هاته الممالك بحيث أن رعاياها غير داخلين تحت الأحكام مثل الأهالي ، بل يحكم في الشخصيات قناسلهم وحدهم أو بحضورهم أو حضور أحد من سفارتهم مع حاكم البلد وله الإعتراض على الحاكم في الحكم ، وفي بعض الممالك إذ كان الحكم في جناية فإنما ينفذ في إحدى ممالك الإنكليز إلى غير ذلك مما يتعسر معه للأهالي الوصول إلى الحق ، ويحصل منه شبه حكومة مستقلة في وسط المملكة وليس ذلك بخاص بالإنكليز بل عام في جميع دول أوروبا مع تلك الممالك ، وغاية الخلاف هو زيادة التظاهر والتظلم من أحكام البلاد من الدول القوية ذات الغرض في النفوذ في تلك المملكة وفقد ذلك ممن ليس له قوة أو ليس له غرض.

وثانية الحيثيتين : هو أن مستعمرات الإنكليز قد مر أن أهمها هو الهند فكانت متحفظة خاشية من كل ما يوهن قوتها فيه إما بواسطة أو قصدا حتى صارت تحافظ على الطرق الموصلة إليه ، فكانت قبل فتح خليج السويس تتوصل إليه من المحيط الجنوبي وراء أفريقية فاستملكت عدة مراكز في أفريقية الغربية والجنوبية والشرقية مع عدن في آسيا ، كل ذلك لتكون لها قوات ومراكز تلجأ إليها عند الحاجة وبه يعلم أن ثمرة المستعمرات ليست خاصة بالأوجه التي أشرنا إليها ، بل منها أيضا أهمية المستعمرة من جهة كونه مركزا حربيا فقط وذلك مثل جبل الطارق ومثل مالطة وغير ذلك.

فبناء على ما شرحناه صارت سياستها الخارجية مع كل الدول القريبة من الهند والتي هي في طريقه والتي لها مصالح أو مطمح نظر إليه على نوع آخر من المشاحنة مع القوى والنفوذ مع الضعيف ، وتستعمل لذلك كلا من الترغيب والترهيب فالدول التي لها معهم دائما زيادة محاورات سياسية هي دولة الروسيا من حيث أنها امتدت في دواخل آسيا حتى اقتربت من الأفغانستان الذي هو في حدود الهند ومن حيث طموح نظرها إلى الإستيلاء على الممالك العثمانية التي يهمها بقاؤها كما يأتي إيضاحه ، والدولة الثانية التي لها معها زيادة عناية سياسية هي الدولة العثمانية وذلك من وجهين.

أولهما : أنها لا تريد زيادة نخوتها وقوتها خوفا من امتدادها إلى المشرق وارتباط المسلمين هناك بها حتى يلتحم بها مسلمو الهند ويعود الهند لما كان عليه من اللحاق بالخلافة الإسلامية.

٢٠٣

وثانيهما : الخوف عليها من الضعف المفرط حتى تلتقمها الدول المجاورة لها فيكون لمن يجوز موقعها الجغرافي النفوذ والسطوة التي تخشى منها إنكلاتيرة على فقد قوتها واعتبارها المادي والمعنوي ، وبناء على هذا صار لها تداخل كلي في سياسة الدولة العثمانية الخارجية وحملها على ذلك التداخل مع بقية الدول الكبيرة الستة لما لهم من المساس بتلك السياسة سواء كانت قصدا أو بواسطة ، واضطر ذلك انكلاتيره إلى جلب ملاينة فرنسا لأنها دولة بحرية قوية فمسالمتها وموالاتها أولى لها بمقاصدها سيما مع ابتناء سياستها على مجانبة الحرب مهما أمكن كما تقدم ، وذلك تستعمله حتى في الحرب مع الخارج حتى تستعين بكل الوسائل لقطع أسبابه مع التحفظ على حقوقها كما وقع منها أخيرا سنة ١٢٩٤ ه‍ من التوسل بالسلطان العثماني لأمير أفغانستان بإرساله له رسولا لكي يلاين إنكلاتيره ويقطع معها المشاحنة الداعية للحرب من عدم قبوله لسفير مقيم عنده في كابل وغير ذلك مما بعث عليه إغراء الروسيا ولم يقبل التوسط حتى وقع في الحرب كما تقدمت الإشارة إليه في محله ، فذلك الباعث دعاها إلى ملاينة فرنسا كما تقدم في سياستها الخارجية طمعا في التسليم لها في السلطة على مصر أو في الأقل على تعاضدهما معا على إزدياد نفوذهما في مصر ، حتى تسنح الفرصة لإنكلاتيره في إلحاقها بها حيث كانت الآن هي أقرب الطرق إلى الهند بعد فتح خليج السويس مع ما في ذات مصر من الأهمية الكبرى ، فتبين حينئذ وجه زيادة اشتغال إنكلاتيره بأحوال الدولة العثمانية وعلى الخصوص أحوال مصر وما يجرها من ذلك إلى بقية الدول الكبيرة ومع بقية الدول التي تجاور مستعمراتها على حسبها في القوة والضعف ، ثم إعلم أن سياسة الإنكليز لما كانت مبنية في التصرف على مذهب الحزبين اللذين مر ذكرهما في السياسة الداخلية ، وهما : حزب المحافظة وحزب إطلاق الحرية. كانت تخلف في الخارج على حسب مقاصد الحرب الذي يتولى إدارة المملكة فيؤثر ذلك في السياسة الخارجية أيضا تأثيرا بيّنا فترى تغير السياسة يتعاقب على توالي الحزبين حتى يكاد أن لا تثق دولة بالإعتماد على سياسة الإنكليز في موالاتها ، لأنه بينما يكون حزب المحافظة جائلا في الإحتراس على مملكة يهمهم بقاؤها وتعتمد هي على معاضدتهم وإذا بحزب الإطلاق قد جلب أفكار العامة إليه فيصعد إلى تخت الإدارة وينقض غزل سابقه ويخذل من اعتمد عليه ، وسياسة كل من الحزبين وإن لم تكن مباينة دفعة واحدة لسياسة الآخر حتى لا يتسر له إبطال حرب معقودة أو نقض صلح انبرم ، لكنه يسعى بقدر الطاقة في إنهاء كل ما وجده وعدم إثماره حتى يبرهن الخارج على فساد ما سعى فيه سلفه من غير أن يثبت عليه أنه هو الذي كان سببا في الفساد ، ولهذا صار كل من الحزبين يجهد مستطاعه في عدم الدخول في حرب مهمة لكي لا يجد ضدّه بابا للتشنيع به عليه لأن عاقبة الحرب مع الدول الكبيرة مجهولة ، وانبنى على هذا وسم دولة الإنكليز من سائر الأمم المستقلة أنها دولة تجارية إنما تبحث على زيادة غنى أهاليها من غير بحث عن الشرف والجاه لدى الأمم الكبيرة القوية.

٢٠٤

وعند دخولي إلى إنكلاتيره وجدت رئيس الوزارة هو رئيس حزب المحافظين وهو اللورد بكنسفليد وإنما حاز ذلك اللقب عند معاهدة برلين سنة ١٢٩٥ ه‍ حيث نجح سعيه في تغيير معاهدة صان استيفانوس بتلك المعاهدة ، واستولت انكلاتيره على قبرس ، وكان هذا الرجل من نسل اليهود فلما ترقى في السياسة غير دينه لدين الدولة حتى يمكن له الترقي للمناصب العالية واشتهر بتأليفه وأفكاره وخطبه حتى سلمت له رياسة حزب المحافظين وولي الوزارة مرارا. وأما رئيس حزب الإطلاق حينئذ فهو مستر إكلادستون وليس له لقب شرف لكنه باتساع معارفه حاز تلك الرتبة واستولى الوزارة مرارا.

فصل في بعض عوائد الإنكليز وصفاتهم

اعلم أن كتاب كشف المخبا عن فنون أوروبا للبليغ اللغوي أحمد فارس (١) قد اشتمل على تفاصيل في عوائد القوم يعز وجودها في غيره فمن رام الإطلاع على جزئياتها فليرجع إليه وإنما نلم هنا بشيء كاف في التعريف بذلك. وحاصله أن أصل الأهالي كما تقدّم من قبيلة من قدماء الفرنسيس اختلطت مع قوم قدماء في الشمال وتناسل منهم هذا الجيل وهم أقوياء بيض نصع حمر من الدم ، يغلب فيهم الطول وشقورة الشعر نساؤهم جميلات طباعهم رزينة فمع إطلاق الحرية فيهم لا يطيشون عن حدود الإستقامة والإنقياد إلى الحكم حتى إذا تجمع منهم الجم الغفير البالغ لعدة مئات من الألوف وتكلموا في السياسة وهاجوا واضطربوا ووقع بينهم خلاف في تلك المجامع أحوجت إلى الخروج من القول إلى الفعل فما هو إلا أن يصعد حاكم ذلك الصقع على مكان مرتفع ويقول سيدنا وحاكمنا الملك يأمر كل فرد منكم أيها المجتمعون بالتفرق حالا وأن يدخل كل منكم مسكنه أو محل صناعته تحت قيد الحكم الصادر في أول سنة في دولة الملك جورج في قطع الهرج والغوغاء والله يحرس الملك ، فحينئذ يتفرق الجمع إلا ما ندر فيحتاج إلى أعمال القوة من الضابطية والحرس والعساكر بل وعلى كل مار إعانة الحرس إلا أصحاب رتبة اللورد فإنهم غير مكلفين بذلك ، ومن النادر القليل وجود حالة مثل تلك بل الأفراد الجناة يخضعون للحكم وينقادون إلى أمر أعوان الحكم بمجرد القول ، وعلى فرض الإمتناع فيخرج له العون عصية على رأسها صورة تاج الملك فيطاطي رأسه وينقاد وإن لم يفعل وجب على كل من رآه إعانة العون على جبره فأعانت هاتيك الخلة على إطلاق الحرية واطمئنان الدولة من الهرج.

__________________

(١) هو أحمد فارس بن يوسف بن منصور الشدياق (١٢١٩ ـ ١٣٠٤ ه‍) عالم باللغة والأدب ولد في قرية عشقوت بلبنان ـ رحل إلى مصر فتلقى الأدب عن علمائها ورحل إلى تونس فاعتنق فيها الدين الإسلامي وتسمى أحمد فارس ، دعي إلى الآستانة فأنشأ بها جريدة الجوائب سنة (١٢٧٧ ه‍) توفي بالآستانة ونقل جثمانه إلى لبنان عملا بوصيته ودفن في الحازمية. على مقربة من الحدث وطن آل الشدياق. الأعلام ١ / ١٩٣ أعيان البيان (١١١) دائرة المعارف الإسلامية ١ / ٤٩٠ أعلام اللبنانيين (٧٥) تاريخ الصحافة العربية ١ / ٩٦ معجم المطبوعات (١١٠٤).

٢٠٥

وقد تقدم أن عدد السكان نحو إثنين وثلاثين مليونا وديانتهم الغالبة برتيستانت وقليل من الكاتوليك ثم اليهود ثم الدهرية ثم الموحدين ، أي الذين يوحدون الله ويعترفون بالرسالة والعبودية والبشرية لعيسى ويصدقون بالكتب فهم أقرب إلى الإسلام ولا زال يكثر عددهم سيما في ألمانيا وأماريكا ، كما يوجد النادر من المسلمين ، ثم أن عوائد الأهالي لا يمكن إطلاقها على الجميع سواء بل بين طبقاتهم البون البعيد فهم على خمسة أصناف.

الأولى : العلية ولهم امتيازات تقدم بعضها في السياسة ومن خاصيتهم أن لا يدخلوا في الأعمال البدنية التي تجب على العموم ويتنزهون عن مخالطة غيرهم بحيث يكون كل منهم في داره عنده سائر ما يحتاج إليه ولا يحتاج في الخارج إلا لمجرد المشي في الطريق لمكان نزهته أو لصاحبه الذي هو من نوعه وعلى نحوهم نساؤهم ، وهؤلاء هم أصحاب لقب اللورد وغيره من ألقاب الشرف كالمركيز والسير وغيره من الألقاب الوراثية ، والتي يعطيها الملك بموافقة مجلسه الخاص ، ومثل هؤلاء الأمراء والوزراء وأصحاب المناصب السامية والأساقفة الكبار.

الثانية : هم الأعيان الذين لهم أملاك تغنيهم عن معاطاة شغل أو حرفة مع تنعم العيش والرفاهية والإسراف لكنهم ليس لهم لقب مثل الأولى.

الثالثة : العلماء والمتشرعون والقسوس والتجار الكبار.

الرابعة : التجار وأصحاب العمل النبيه مثل الكتبة.

الخامسة : بقية الناس المتعيشين من كد أبدانهم.

فالأولى والأخيرة بينهما التباين والثلاثة الباقية لكل منها جهة تناسب بها من فوقها وجهة تناسب بها من تحتها ، ويمكن على حسب التقريب أن يقال أن الثلاثة الوسطى في عادتهم وأطوارهم على نحو ما تقدم في فرنسا وإيطاليا ، وأما الطبقة العليا فليس لها مثيل في تينك المملكتين ، ومحصل حالهم أنهم على نوع من صفات ملوك الإستبداد في العظمة والكبرياء والفخر والمباهاة باللعب واللهو والتكاثر في الأموال والأولاد والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث (١) ، فترى للواحد من ملك الأرض مسيرة يوم للراجل ويملك الفرس بأربعمائة ألف فرنك ويعد دخله بالدقيقة فيكون له في الدقيقة ألف ليرة أو ليرة أو نحو ذلك ، ويفرش بيته بصنائع أهل المشرق والمغرب والمنسوجات التي قيمة ذراعها بخمسمائة فرنك ونحوها إلى غير ذلك من الأطوار التي لا [ينعم] بها إلا هو وعائلته أو من كان من طبقته وبينهم مودة أو من يتفضلون عليه بالمعرفة ، وهي إنما تحصل للغريب إذا كانت له وصاية من أحد قرابة أولئك العلية قد تعرف به في

__________________

(١) أخذه من قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) [آل عمران : ١٤].

٢٠٦

أحد الأقاليم ، وحينئذ يرى من إكرامهم وتنعيمهم له بإشتراكه معهم فيما هم عليه ما يقربه عينا من القنص واللهو واللعب والمراكب والمآكل والمشارب والمنازه حتى يكون لبعض هؤلاء العلية مراكب خاصة في طريق الحديد محتوية على سائر اللوازم يسيرون بها إلى حيث أرادوا ، ويولونه أي الضيف من ملاطفة نسائهم وإكرامهن له بإعطاء قدح الشاي من يد العناء ما هو عنه في غناء من المحافظة على الآداب والقواعد المعروفة لديهم كعدم التهوع ولا حك جهة من بدنه ولا التدخين ، ومن عجيب أطوارهم فيه التناقض التام فبعض نسوتهم يكرهون شم أثره على الثياب وبعضهن يدخن كالرجال ولن ترى من واحد من هؤلاء ذوي الملايين أو آلاف الملايين يتكرم بشيء ذي قيمة ونهاية التوادد بالهدية هي صورته أو ما شاكلها مما قيمته إذا تناهت تبلغ ألف فرنك ، بل كاد أن لا يوجد من يتصدق منهم على الفقراء إلا أن يكون لرياء أو سمعة ، فلو مر أحدهم على فقير يتضوع جوعا لما رأى له من داع إلى مرحمته حيث أنه يعلم أنه يعطى سنويا إلى ديار الفقراء مقدارا من المال ، فلا يهمه أن يكون ذلك الفقير الذي يراه في حالة النزع من البرد أو الحر أو الجوع أنه لم يمكن له الوصول إلى تلك الدار أو أنها لم يكن فيها سعة لقبوله.

وأقول أن هاته الخلة كادت أن تكون عامة في أوروبا إلا قليلا منهم فإنهم يجرون على حسب مكارم الأخلاق ، وأما أطوار الطبقة السفلى فهي أشنع مما مر ذكره في همج الفرنسيس ، سواء كان من جهة الإعتقاد أو من جهة السيرة والحركات فيتطيرون من أشياء كادت أن لا تحصى وينقادون إلى السحرة والدجالين بما يخرج عن حد المعقول ، وكاد التعلم أن يكون عندهم مجهول لإسم فضلا عن المسمى سوى ما يرطن لهم القسوس في الكنائس ، ومن هذا القبيل اعتقاد عامة أهل أرلانده أن انقطاع الحيات من جزيرتهم بسبب قسيس مع أنها أفقدها الثلج والبرد مع عدم الإتصال بالقارة حتى يخلفها غيرها ولهم في ذلك خرافات ، والحاصل أن صفة الإنكليز على الإجمال هي السكون والرزانة والتجافي عن الغريب إلا بواسطة في التعرف حتى لو بقي بين أظهرهم سنين لا يكاد أن يقول له واحد أسعد الله صباحك ، كما أن من طبعهم الإقبال على الشغل والجد فيه وعدم الإيمان بالقدر حتى إذا يئس أحدهم من المال قتل نفسه ، فكثيرا ما تسمع بذلك وبقتل الآباء لأولادهم وكذلك الأمهات والعكس ، ومما يحصل عندهم من الوقاحة أحيانا مضاجعة الأب إبنته والأخ أخته لكنه لم يسمع بمضاجعة الابن أمه ، ومنها أيضا بيع الزوج زوجته لمن يحبها ويمضي لهم الحكم ذلك فأعجب لقوم يحتسبون على بيع الرقيق في الآفاق ويحكمون بصحة بيع الزوجة بفلس أو فلسين لأن الطلاق عندهم له شروط ، وهي ثبوت الفاحشة من الزوجة لدى الحكم.

ومن غريب الوقائع في هذا الصدد ما وقع منذ عهد قريب ونشر في سائر صحفهم وغيرها ، من أن زوجة أحد اللوردات ولدت وعندما بشرت بأنها ولدت ذكرا قالت من

٢٠٧

الفرح هو ابن ولي العهد وكانت قرابة زوجها يسمعن ذلك ، فثار عجاج النازلة إلى أن رفعت لدى مجلس الحكم لكي يستطيع الرجل طلاقها ، وادعى وكيلها أنها اعتراها جنون من النفاس حتى صارت تقول ما لا أصل له ، وادعى وكيل الزوج أن الخلطة حاصلة من قبل مع ولي العهد وكانوا يتزاورون ويتنزهون معا ، فقضى الحال باستدعاء الشهود ومنهم ولي العهد وعند حضورهم في المجلس الذي هو علني وحاضر فيه كتاب الأخبار وغيرهم ، قال القاضي علنا : ينبغي أن لا يسأل الإنسان عما يستهجن أو يشين العرض وينبغي للشاهد أن لا يجيب إذا سئل عما يشين عرضه ، ثم دعي بولي العهد فسأله عن معرفة المرأة؟ فأجاب بمعرفتها ، ثم سئل عن اجتماعه بها؟ فأجاب إلى أن قال : إنهما اجتمعا في منزل من المنتزهات للطعام فشربا وأكلا وبقيا حصة بعد الأكل في محل خاص ثم رجع كل منهما إلى محله بعد قضاء التنزه ، فقال له القاضي الذي نبه بما سمعته أسألك : هل واقعت هاته المرأة عند الخلوة؟ فرفع ولي العهد صوته قائلا : لا ، فضج المجلس له بالتصفيق وحكم القاضي ببراءة المرأة وبقاء الزوجية ، وإنما الأعيان يتحاشون عن بيع الزوجات لكنه شائع في السوقة وصحفهم تنشر منه شيئا كثيرا.

ومن عاداتهم اللكام وهو أنه كلما عرض لأحدهم حنق على صاحبه ألا تبادر بضرب جمع الكف وعندما يغلب أحدهما كثيرا ما يصافح صاحبه ويتراضيا ولا حكم في ذلك ولا يحصل هذا بين الأعيان وإنما يتعاوضون عنه بالمقاتلة كما هو جار في الممالك الأخرى من أوروبا ، وهي أنه إذا اشتدّ الغضب بين إثنين على شرط التكافىء في العرض يرمي أحدهما لصاحبه بقفازيه أو شيء من متاعه ، ثم يرسل له شاهدين يطلب منه التقاتل فيعين الآخر شاهدين ويتفق الشهود على آلة التقاتل ومكانه وزمانه بعد أعمال ووجوه للتراضي وإسقاط الطلب فإن لم يجد أحضروا طبيبا وحضر المتقاتلان والشهود والطبيب وتقاتلوا على الصفة المتفق بها فإما أن يموت أحدهما أو يسلما أو يحصل عطب فيعالجه الطبيب وينفصل الأمر ، فإن لم يجب أحدهما للقتال صار ذليلا أمام الناس وصاحبه وقدر صاحبه مهما لاقاه أن يهينه بما بدا له ، وهذا التقاتل وإن لم يكن مباحا بالأحكام لكن الحكومات غاضة النظر عنه بمعنى أنها لا تحتسب عليه وإن أضاع واحد شرفه بالشكاية فيه حكم له لكنه يهان ، فهو وإن كان فيه ما ينبىء عن علو الهمة والشجاعة غير أنه من أعمال الهمج لأن الحكومات إنما أقيمت لدفع التعديات وإلغاء الأغراض الشخصية المضرة بالغير فعجبا لبقاء هاته العادة في أوروبا بل والعجب من إزديادها تدريجا.

ومن عادة الإنكليز التطير بأشياء كثيرة منها صباح المرأة الحولاء ما لم تتكلم ، ومن الجهل العام لا سيما في عامتهم إلى أقوال المتكهنين وأصحاب الحدثان وإنزعاجهم من أخبارهم حتى يقتلون أنفسهم وكثيرا ما يقتلون أنفسهم وأولادهم خشية الإملاق ، وكثيرا ما تلد المرأة أربعة أولاد في بطن واحد وتكاثر الخلق عندهم في ازدياد حتى لا يجدون شغلا في بلادهم فترى مئات الألوف يهاجرون سنويا إلى الآفاق لتحصيل الكسب ، ومع ذلك

٢٠٨

فعددهم في مملكتهم لا زال يزداد ودونك برهانا على ذلك في أقرب وقت. وهو أن عدد أهل إنكلاتيره أي المملكة الأصلية من الجزيرة الكبيرة وحدها كان في سنة ١٨٥١ لا يصل إلى سبعة عشر مليونا ونصف ، والآن هو سنة ١٨٨٢ أعني في ثلاثين سنة صار عددهم يناهز ثلاثة وعشرين مليونا فازدادوا خمسة ملايين ، أو تزيد مع كثرة من هاجر منهم إلى ممالك أخر مما يقرب من ذلك العدد ، ولمجموعهم تغال في عقائدهم فمن ذلك محافظتهم على يوم الأحد بحيث لا يفتح فيه محل عمل سوى الأكل والشرب ومن فتح حانوته عوقب ولو لم يكن من مذهبهم ، وهو غاية التناقض مع ما يطلقونه من الحرية ولملكتهم الحالية زيادة توغل في ذلك حتى حكى عنها الشيخ أحمد فارس : «أنها عرض عليها أحد وزرائها أوراقا مهمة للإمضاء في ليلة الأحد لكنه تلف لها بإمكان تأخيرها للصباح فقالت : كيف وهو يوم الأحد؟ فقال هي مهمة للحكم ، فقالت : إذا بعد الكنيسة ، فقال : نعم ، ولما رجعت من الكنيسة وكان الوزير مصاحبا لها أعلمته بأن الخطبة التي أعجبته هي بإيعازها إلى القسيس في المحافظة على يوم الأحد وبناء على ذلك فليأتها صبيحة يوم الإثنين ولو في الساعة الثالثة قبل الظهر لتمضي له أوراقه ، وتلك الساعة عندهم من العجيب مباشرة الأشغال فيها لأنها مبكرة جدا حسب عوائدهم.

ومن عاداتهم التزحلق على الجليد ولهم مهارة في ذلك وقلدهم الفرنسيس وكثيرا ما يحصل العطب بانكسار الجليد وتغرق من عليه في النهر أو البركة أو البحيرة ، والحاصل أن أخلاق الإنكليز عبوسة ولا يلتحمون بالأجنبي مثل ما يقع من الفرنسيس ، غير أنهم إذا ود أحدهم أحدا سيما من عيلتهم فإنه يحافظ عهده ويدوم على ولائه ويحمون ذماره. ولهم ولوع بالخيل وتربيتها وتنسيلها وغناءهم بالنسبة للطليان والفرنسيس رديء لتقطع أصواتهم وحصرها وبقية الصفات هم فيها مثل من تقدم ذكره من الممالك ، ثم يوجد في إنكلاتيره نوع من البشر يسمون عند أهل تونس بالزمازية وفي الأستانة جينكا له وبالفرنساوي بالبوهيمية ، وهم في الحقيقة موجودون في أغلب الأقطار شراذم وفي كل جهة محافظون على عوائدهم ، وأهمها الجهل وعدم مخالطة النسل وتعاطي علم الغيب وسكنى الخيام وتعاطي الصنائع البسيطة الرذيلة مع الفقر ، ولهم لغة تخصهم. ومن عادات أواسط الإنكليز وعليتهم حسن تربية الأم لأولادها بحيث ينشؤن على التهذيب والتفطن إلى التعليم من غير تعب ، حتى أنهم كثيرا ما يتعلمون الأحرف ومبدأ القراءة لمجرد التربية فيما تدمجه الأم أو المربية للصغير مع النظافة والإبعاد عن الأخلاق الذميمة ، وكل أوربا على هذا النحو لما لهم في النساء من التعليم الحسن.

مطلب في التجارة بإنكلاتيره

اعلم أن الأصول المتجرية التي مر ذكرها في الممالك السابقة هي جارية كذلك في انكلاتيره لكن لهؤلاء زيادة بسطة وغنى على سائر الممالك بما يروج من تجارتهم في

٢٠٩

مستعمراتهم وغيرها ، حتى أحصى سنة ١٢٩٨ ه‍ ١٨٨١ م ملك الإنكليز من المنقولات التي لها دخل مثل إسهام سكك الحديد وديون الدول وغيرها ، فكان سبعة وثمانين مليارد فرنك والمليارد ألف مليون ، ودخل ذلك في السنة أربعة ملياردات فلو قسم على نسبة عدد أنفسهم لصح لكل انكليزي (١١٠) فرنك منها ٥٠ من خارج المملكة ، وذلك كاف في بيان مقدار غنى هؤلاء القوم وحركة تجارتهم فإن بريدهم يصل إلى جميع جهات المسكونة وبواخرهم مالئة للبحر ، وأعظم البضائع الخارجية من مملكتهم هو الفحم الحجري فقد أخرج من مقاطعة سنة ١٨٦٦ ما يزيد على ألفي مليون قنطارا والمقاطع الموجودة في إنكلاتيره من هذا الفحم ثلاثة آلاف ومائتان وإحدى وثلاثون مقطعا ، وهو سبب عظيم لثروتهم من حيث البيع منه للخارج واستعماله في الداخل ومن حيث توقف الأشغال الصناعية عليه لكثرة المعامل البخارية ، ولذلك اشتدّت عنايتهم به حتى أنه كان كثير من علماء الإقتصاد عندهم يبحث عن أحوال فراغ ذلك المعدن وما يتسبب عنه من الرزيئة للإنكليز ، وفي سنة ١٢٨٨ ه‍ ١٨٧١ م اشتدّ البحث في هذا الأمر وعينت الدولة لجنة لتحقيق الأمر ، وبعد مدّة وأبحاث استقر رأيهم على أنه يمكن بقاء هذا المعدن عندهم إلى مدة ثلاثمائة وخمسين سنة ثم يفرغ نظر الكمية ما يستخرج منه سنويا ونظر الصعوبة استخراجه فيما سفل من طبقات الأرض وكثرة المصاريف عليه حينئذ ، ومن تلك السنة ارتفع ثمنه نظرا للإقتصاد في استخراجه ولا زال البحث عما يعوضهم عنه من القوات أو وجود غيره في مستعمراتهم ومن موارد تجارتهم الواسعة أيضا ما يخرج منهم من الحديد ، وأغلب المجلوب لهم الحبوب لأن ما يخرج منها عندهم غير كاف لهم وتجد في أفراد الإنكليز الغنى الذي لا يوجد في غيرهم كما يوجد فيهم الفقر المدقع بكثرته ، وقد انعقدت في خصوص لندره شركات للتجارة والزراعة ٢١٢٥ شركة أفلس منها ٤١٢ شركة رأس مالها ٥٠٠ مليون فرنك ، وذلك في خصوص سنة واحدة وهي سنة ١٨٨١.

مطلب في الأحكام بإنكلاتيره

قد مرت أصول الأحكام الشخصية عندهم في مبحث السياسة الداخلية ، وإنما نقول هنا أن قضاة الإنكليز يضرب بهم المثل في أوروبا في العفة وعدم الميل إلى الأغراض ولو في متعلقات دولتهم ، وهناك مدن يقيم فيها القاضي ومدن تذهب إليها القضاة في أوقات معلومة من السنة فتعرض عليهم النوازل المهيآت لهم من حكام الجهات ، والأحكام الثقيلة إنما تصدر من القضاة بمحضر الجوري وقد تقدم الكلام عليه غير أن جوري الإنكليز يختص بأنه على قسمين : فالأحكام الخطيرة جوريها يتألف من فقهائهم وأعيانهم ولكل منهم ليرة على كل نازلة ، والأحكام الحقيرة جوريها من السوقة وأصحاب الحرف مثل فرنسا ، ويزيد جوري الإنكليز بجور عظيم على نفس الجوري فإن للقاضي توقيفهم في محل منفرد بمكان الحكم حتى يقع إجماعهم على رأي واحد من غير أكل ولا شرب ، وإذا وجد مع

٢١٠

أحدهم شيئا من مواد المعاش غرم مالا وهذا من عجائب الأحكام ، إذ كيف يلزم إتفاق أراء عديدة على قول واحد دائما أو يغصبون على ذلك فعوضا أن يكون ذلك وسيلة للعدل ربما كان واسطة للجور ، كما أنهم صاروا يستحسنون تعويض الحكم بالأعمال الشاقة عن القتل مهما أمكن وذلك جالب لزيادة الشر كما صرحت به صحفهم المنصفة ، وكذلك صاروا لا يحكمون بحبس المدين وإنما على الدائن إثبات مال له والحكم يوصله به ، ومن أحكامهم المبنية على العادات القديمة تغريقهم للوطي في وعاء من العذرة إلى أن يموت وهو من أشدّ الشناعات عندهم ومع ذلك فهو فاش في كثير منهم سرا سيما العساكر البحرية ، وقد وقع عندهم منذ عهد قريب أن أحد الملاهي وجد فيه لاعبات جميلات جدّا فدعاهن مترفوهم واختلوا بهن وبعد مدة مديدة اكتشفت الحرس على أنهن في الواقع غلمان ، وشدّد البحث عن حالهم فوجدوا بحكم الأطباء أنهم مفعول بهم كثيرا لكن حكم فيهم أشد حكم ولم تتبع الجزئيات لكي لا يقع الإفتضاح لبعض العلية ، وقد ابتنى على عدم حصر أحكامهم في مرجع واحد طول مدة الحكم وكثرة المصاريف عليها أزيد مما يوجد من الطول في محاكم أوربا التي تطول فيها النوازل جدا ، ومن أحكامهم إباحة الزنى بالتراضي مثل ما في غيرهم لكن يمكن أن يقال نساء عليتهم أعف من غيرهن في الممالك الأخرى ونساء أواسط الفرنسيس على ذلك النحو وما عدا هؤلاء فلا ترد إحداهن تعريضا لا ما قل بل وربما فاتحت هي الرجل.

مطلب في المعارف بإنكلاتيره

لا خفاء أن امتداد الثروة مبني على كل من العدل والعلم فعلى قدر ارتقاء ذلك تنمو الثروة ، وما تقدم من إجمال حال ثروتهم دال على حالة المعارف عندهم وأصول المعارف هي الموجودة بغيرها من الممالك السابقة وتنقسم تعاليمها إلى التقاسيم الموجودة في فرنسا ، وأعظم المدن التي توقد إليها مزجيات الأرتال لإقامة التلامذة بمدارسها هي مدينة كمبريج واكسفورد ، وأكثر أبناء الأغنياء يقيمون بهاته المدارس ولهذا كان كل من البلدين غالي الأسعار إذ أغلب التلامذة يقضون أوقاتهم في التلهي والتفاخر والوسيلة إسم التعلم وقل ما يبرع أبناء الأغنياء في العلوم ، لكن على كل حال لا يوجد فيهم الجهل المطبق ، ومما اختصت به إنكلاتيره وجود جمعية ديانية لنشر مذهبهم البرتيستانتي وإنفاق النفقات الباهظة على إرسال الرسل لتنصير الناس في أقسام الأرض وحماية دولتهم وراءهم فيغرون الناس بالمال وبالمباحثات الدينية وبفتح المدارس لتعليم العلوم ودرس العقائد فيها ، وقد بذلوا مستطاعهم في الهند لتبديل عقائد أهله وحصلت مع المسلمين مباحثات شهيرة وكان الانتصار فيها ولله الحمد للمسلمين ، حتى أنه أسلم بسببها كثير من المجوس ، بل في هاته المدة أسلم أربعة قسوس من الذين تصدوا للنزاع والجدل بسبب صدق الديانة الإسلامية ورسوخ العلماء هناك وتبحرهم في العلوم ، ثم أن أسباب تيسير نشر المعارف في إنكلاتيره

٢١١

كثيرة سهلة المناولة فقد حرروا في سنة ١٢٩٨ ه‍ ١٨٨١ م أنه يوجد بلندره وحدها ٨٧١ مطبعة و ١٦ معملا لصنع المكابس التي تشغلها الأيدي فضلا عن معامل مكابس البخار ، وتسعة معامل لآلات إعطاء الحبر للحروف و ٢٢ معملا لصنع مكابس المطابع الحجرية و ٢٢ معملا لسبك الأحرف ولوازمها ، وكل مدينة فيها من المطابع والمكاتب ما يناسبها ، وعدد المكتبات التي بإنكلاتيره ٢٠٠ مكتبة فيها من الكتب المطبوعة ٢٨٧١٤٨٣ ومن الكتب التي بالخط ٢٦٠٠٠ وأعظم هاته المكاتب مكتبة لندره الكبرى وهي ثانية لمكتبة الأمة في باريس.

ومن أهم وسائط المعارف والتجارة والحرية عندهم الصحف الخبرية وهي على أنواع في الموضوع فمنها الخاص ببعض فنون علمية كالطب والكيميا وغيرها ، والبعض عام في الفنون ، والبعض جامع للسياسة والفنون والتجارة ، وأهم صحيفة من هذا النوع صحيفة «التيمس» وكان أول انتشائها غرة كانون ثاني سنة ١٢٠٣ ه‍ ١٧٨٨ م وكانت لرجل خاص ثم صارت ذا أسهم للمشتركين ولم يزل حفيد منشيها له حصص منها وصارت لها آلة تطبع منها ستين ألف نسخة في الساعة الواحدة مع طيها لها على نحو كتاب ذي ثمان صفحات أو ستة عشرة صفحة ، والورق الذي تطبع عليه يؤتى به ملفوفا على نحو إسطوانة فتلقمها الآلة وتخرجه مطبوعا مطويا وطول كل قطعة من الكاغد قدر ثلاثة أميال إنكليزية ويوضع لها من تلك القطع من الثلاثين إلى الأربعين قطعة بحيث لو وصلت ببعضها ممتدة تبلغ مسافة مائة وعشرين ميلا هذا في طبعة الصباح وحدها وتارة تطبع ثانيا وثالثا ورابعا إذا تكاثرت الأخبار ، ولها خدمة للطبع والإنشاء وغيره أربعمائة عامل نصفهم لخدمة النهار والنصف لخدمة الليل ، ورئيس المنشئين مرتبه مائة ألف فرنك في السنة وزيادة على المنشئين الرسميين بالمرتبات كل من أتى بمقالة في أي موضوع كان وحسنت عند المدير فإنه يعطي صاحبها أجرا عليها يبلغ إلى الألفي فرنك على المقالة الواحدة ، وله في سائر الأقطار مكاتبون بمرتبات وافرة ولهم أعوان وكتاب وإدارة مثل سفارة لدولة من الدول ولهم إذن في صرف كل ما يلزمهم لأخذ الأخبار وإيصالها للإدارة زيادة على مصاريفهم الخاصة ، فيصرفون أحيانا على مجرد خبر واحد بسلك الكهرباء ثلاثة ألاف فرنك وأزيد بل ويرشون من يرتشي من متوظفي الدول لإعطائهم الأخبار السرية ، وقد حصلوا في بعض الدول المهملة على لوائح رسمية قبل وصولها إلى السفراء برشوة آلاف من الفرنك ، وهؤلاء المكاتبون تقتبلهم الوزراء والأمراء مثل متوظفين ويحاورونهم في المواد السياسية ، وعند وقوع حرب فلإدارة الصحيفة مكاتبون حاضرون ترسلهم إلى ميادين الحرب في المعسكرين حتى يخبروا بما يكون وتقبلهم رؤساء الحرب بالرحب ، غير أنهم يشترطون عليهم أن لا يخبروا إلا بما يوافقهم فيحصل من الأخبار من الشقين ما يستنتج منه صحة الخبر وينال هؤلاء المكاتبين من الأخطار ما هو معلوم في الحرب ، غير أنهم يتباعدون عن مواقع الرمي وكثيرا ما يكونون بقرب رئيس المعسكر ، ومن المعلوم أن لا يخاطر أحدهم بذلك إلا

٢١٢

لكثرة المال ، فإدارة «التيمس» لها من الدخل والخرج السنوي ما يضاهي دولة من الدول الثانوية مع أن كل نسخة منه لا تباع إلا بثلاثين صانتيما أي ثلاثين من مائة من الفرنك الواحد ، ولو اشتري الورق وحده أبيض لكان أغلى من ذلك لأن ورقه هو من معمل خاص به فالربح العظيم إنما هو من كثرة الخرج مع كثرة الإعلانات ، وعدد نسخ كل دفعة نحو من السبعين ألف نسخة وعلى نحو منه في أصول الإدارة صحف أوروبا الشهيرة كلها.

مطلب في الصنائع في انكلاتيره

أما الفلاحة فهي مترقية للغاية وأكثر ما يستنبت هو القمح والشعير والبطاطس وشجرة الدينار التي تستعمل منها السكركة أي البيرة ، وكل المستنبتات لا تكفي حاجة الأهالي فيجلبون من الخارج كثيرا إلا شجرة الدينار ، وبقية الصنائع فأعظمها عمل آلات الحديد بأنواعها والسفن والمنسوجات القطنية ولهم فيها مهارة على سائر الممالك حتى صارت أرخص عندهم من غيرهم ، ثم المنسوجات الصوفية لا سيما المستخرجة من صوفهم الرفيعة المشابهة للحرير ، وبقية الصنائع هي دون ما في فرنسا في الحسن والرونق لكن جميع مصنوعاتهم متينة.

مطلب في هيئة المساكن في إنكلاتيره

المساكن في إنكلاتيره على خلاف الممالك المتقدم ذكرها فإن هيئة البناء من خارج على نحو ما في الاستانة من خروج جهات من الدار ودخول أخرى ، وكذلك الطواقي تنفتح أبوابها بالرفع إلى فوق مع كونها غير كبيرة مثل ما في بقية أوروبا ، وكذلك الديار كل منها لا يسكن إلا عائلة واحدة ولا تزيد طبقاتها على ثلاث والبناء كله من الآجر والسقوف والدرج من خشب متقن الصنعة والإلصاق ببعضه ، ومن أحسن ما عندهم هيئة الكنف واتساعها ونظافتها وإن كانوا يجلسون عليها جلوسا ، فما تقدم في الأبنية هو الغالب والقليل مثل بقية أبنية الممالك السابقة ، ثم أن منازل المسافرين هي أيضا مثل الممالك السابقة غير أن أكثر الواردين إنما يسكنون في ديار منفردة يجدها الإنسان حاضرة بجميع لوازمها وينفق في أكله على حسب إرادته ، والذي يقوم له بلوازمه هو صاحب المحل فيسأله عن مقدار ما يريد يصرف يوميا وعن إجمال وقت أكله وما هو مشتهاه منه فيصرف له على نحو ما يريد ، وتخدمه خوادم المحل الذين هم في الأغلب من البنات الجميلات ، ومن أراد كراء بيت واحد فله ذلك وهذا الطريق أرفق بكثير من السكنى في منازل المسافرين لأنها في إنكلاتيره غالية جدا كأنها معدة لأرباب الترف خاصة ، ثم أن حارات السكنى لا تجد فيها حوانيت للسلع أو غيرها من اللوازم بل ذلك من عيب المسكن عندهم ، والطرق التي بها الأسواق وحوانيت البياعة لا تسكن إلا للأراذل بحيث يصح أن يقال أن عاداتهم في المسكن قريبة كثيرا من عادات المسلمين في انفراد العائلات وحماية الديار من التطرق وشدة النظافة ، في داخل الديار تنظيمها كل على قدر سعته.

٢١٣

أما الفرش والأثاث : فهو على نحو ما تقدم في الممالك السابقة من أوروبا ، ومواقد الإنكليز في البيوت أتقن من غيرهم وتلزمهم نفقة تضاهي نفقات المعيشة لشدة البرد وطول مدته ، ولما رأيت أن بلدانهم كادت أن تكون كلها من الآجر زال تعجبي مما رأيته من كثرة معامله في الطريق.

أما الطرق : في إنكلاتيره فهي دون غيرها من ممالك أوروبا المتقدمة في الذكر من جهة النظافة والإعتناء بتنظيمها ، حتى إني رأيت في ذات لندره طريقا لا يسع إلا عجلة واحدة لا تكاد العجلة تتحرك فيه من كثرة ما فيه من الوحل والطين مع كونه كثير المرور فيه ، وهكذا سائر الطرقات كثيرة الوحل قليلة النظافة سيما وقت نزول المطر الذي لا يكاد ينقطع ، ولهذا شرعوا في عمل تبليط الطرق بقطع الخشب لأنها أنظف.

وأما تنوير الطرق : فهو على نحو ما في سائر أوروبا ، لكن القرى الصغيرة في بلاد الإنكليز هي أسوأ حالا من غيرها إذ كثير منها لا تجد فيه حانوتا لبيع شيء إلا ما ندر من بيع ما لا يسد من عوز ، وكفى بما ذكره الشيخ أحمد فارس في صفتهم في هذا الصدد ، حتى يكادوا يلحقوا بالوحشيين ، نعم أن طرق الحديد والترع والسفن هي هنا أكثر وأمتن من غيرها ، ومن الأبنية المعتنى بها السجن فهو عندهم بل وعند سائر أوروبا مقسم على أنواع على حسب الجنايات وحسب الإيقاف والحكم ، فمحل الإيقاف للمتهم حتى يثبت عليه الحكم أشبه بمنزه منه بسجن ، ثم يتدرج الأمر إلى الجنايات الشديدة فيحبس الجاني في بيت منفرد يدخل له الضوء من أعلى ويتجدد به الهواء ويعطي شغلا عمليا وفراشا نظيفا يدفع الحر والبرد وأكلا سليما من طعام واحد ، ويخرج في وقت معلوم للتمشي في البستان الذي حول السجن لكنه يمنع من الكلام مع غيره مطلقا فإن خالف الأوامر سجن في محل مظلم بطال ، وإذا مرض عولج بالطبيب والدواء فسجونهم سجن لا مقتل.

مطلب في اللبس في إنكلاتيره

لبس الإنكليز مثل لبس الفرنسيس بل والشابات المترفات عيال في التقليد على الفرنساويات وهم يؤثرون مصنوعات الفرنساويين عن مصنوعاتهم في اللبس ، ولبس العساكر أحسن من لبس عساكر غيرهم نظافة وشكلا وإن كان على نحو واحد ، ولما كانت الأبخرة والدخان والضباب في إنكلاتيره يتكاثر جدّا كانت الثياب البيض كالقمصان تحتاج إلى التغيير بكثرة تخفظا على النظافة ، فاحتاجوا إلى جعل رقبة القميص ورؤس يديه وصدره مفصولة عن القميص وتمسك به بواسطة زرر حتى لا يلزم تغيير جميع القميص لمجرد وسخ ما يظهر منه عدّة مرار في اليوم ، وهذا وإن كان موجودا في سائر أوروبا على السواء عند أواسط الناس لكن الذي خصت به إنكلاتيره هو جعل تلك القطع من ورق ثخين أبيض ، حيث وجدوا ثمنه وإن كان لا يصلح لأزيد من لبسة واحدة أرفق من ثمن الكتان مع دوامه لما يحتاج إليه من كثرة غسل الصابون والنشاء والتمليس بالحديد المحمى.

٢١٤

مطلب في الأكل في إنكلاتيره

الإنكليز أكثر أكلا من غيرهم حتى أن المقلل منهم لعددها يأكل أربع مرات في اليوم صباحا وقبل الظهر وفي الساعة السادسة بعد الظهر وقبل النوم والأخيرة هي الخالية عن المطبوخ ، ومنهم من يأكل ثمان مرات في اليوم ، وأكلهم على العموم بسيط إذ هو شوربة ولحم خالص مقلي أو مشوي أو مسلوق وبطاطس مسلوقة في الماء ليس إلا ولا يضعون في الطعام شيئا من التوابل ، بل يأتون بها في أواني أمام الآكل يأخذ منها غضة بدون طبخ بل حتى الملح كذلك عند بعضهم ، ومن هاته التوابل الحريفة كثيرا كالفلفل وغيره مما يستعمله الهنود ، ويأتون إلى موائدهم بقطع كبيرة من الجبن وهو ألذ جبن رأيته ، كما أن اللحم أيضا يأتون به قطعا كبيرة جدا بحيث يأتون بفخذ بقرة صغيرة كله قطعة واحدة ، كما أنهم أكثر أكلا للخنزير من غيرهم ممن رأيت والمترفون منهم والمطاعم الشهيرة العامة يأتون بطباخين فرنساويين ، وقد رأيت بإحدى المطاعم بلندره قسما لأكل الإنكليز وقسما لأكل المشرقيين وقسما لأكل الفرنساويين ، فيختار الآكل الجهة التي يريدها وكان الداعي لبساطة أكلهم ولو عند الأغنياء كثرة الغش في المأكولات بحيث لا تكاد تجد خبزا من دقيق الحنطة حقيقة بل هو فيه أنواع شتى تركب بإتقان حتى لا يفرق بينها وبين الأصل إلا بعمليات كيمياوية ، وكذلك الزبدة فما هي إلا شحم حيوانات تركب مع أجزاء بأعمال كيمياوية حتى تصير مثل الزبدة وهكذا سائر الأشياء إلا اللحم ، وقد ذكر في كشف المخبا (١) ما يتعجب منه من خلط المأكولات وغشها وجهل العموم بأنواع الطبخ ، وهم كثيرو الشرب للمسكرات الروحية وكذلك السكركة أي البيرة لشدّة البرد وقلة الخمر وغلائه حيث لا ينبت بأرضهم العنب ، ويخلطون البيرة بورق التبغ حتى تصير شديدة التأثير ويكثرون منها حتى يغمى عليهم ، بل أن أيام الأحد ترى النساء والرجال سكرى على الطرق ملقون ويتفوهون بالفحش وبعضهم أحيانا يموت من كثرة السكر ، وأهل اليسار يشربون الشاي بكثرة سيما في السمر ليلا ويدعو الأحبة بعضهم إليه ويختلفون لشربه ويجعلون في أقداح الشرب قطعا من الليمون الحامض أو يخلطونه بشيء من اللبن ويأكلون معه شيئا من الخبز والزبدة وغير ذلك من المآكل الخفيفة ، لكنهم لا يضعون فيه العنبر أو غيره مما تصنعه المغاربة والمشارقة ، وأكثر طبخهم في الأواني من الحديد لا النحاس لأنه إذا لم يبيض دائما ينشأ منه الصدء القتال ، ولذا صار أغلب أوروبا إنما يطبخ في أواني الحديد أو النحاس التي يجعل داخلها مطليا بنوع من الخزف بحيث لا يمس النحاس الطعام.

ومن عاداتهم في الأكل أكل اللحم النتن سيما في بعض الطيور حتى يصير الطير يكاد يتحرك من الدود الذي نشأ فيه ، وإذا أدخل إلى بيت الأكل زكمت أنوف حتى الكلاب من قبح نتن رائحته وهم يستلذونه على ذلك مثل سودان أفريقية ، ومن القواعد الجارية في

__________________

(١) هو كتاب كشف المخبأ عن فنون أوروبا المار ذكره. أنظر معجم المطبوعات (١١٠٦).

٢١٥

عموم أوروبا أن لحم البقر لا يؤكل إلا بعد يوم من ذبحه في الأقل ومثله الطيور ، ولعمري أن هذا لحسن من جهة تليين اللحم وقابليته للطبخ واللذة سيما في البلاد الباردة ، لكن لا يصل الحد به إلى حدوث أدنى رائحة به فإن هذا مضر بالصحة فضلا عن استقذاره.

أما لحم الغنم وما شاكله فيؤكل في يومه وهو لذيذ لكنهم ممنوعون من لذة أكل الخروف الصغير ، إذ الحكم يمنع ذبح الشاة دون سن العامين لأجل الإقتصاد بكثرة اللحم لأن الشاة إذا كبر حجمها كفت أضعاف أضعافها وهي صغيرة ، نعم من أراد ذلك فله ذبح خروف لخصوصه ويؤدي عليه أداء زائدا للحكومة بحيث لا يوجد إلا بالإعتناء.

مطلب في المواكب في إنكلاتيره

المواكب عند الإنكليز هي رأس السنة والأعياد الدينية وإجمالها مثل ما تقدم في غيرهم ، غير أنهم عند تهنئتهم للملكة يلبس الكبراء ذلك الشعر الأبيض العارية ويقبلون يدها على ظهر الكف ومنهم من يقعد عند ذلك على ركبة ورجل وتقبيل يد الملكات جار عند غيرهم أيضا ، وزوجة الملك تعامل معاملة الملكة في ذلك بل وبعض الممالك مثل ألمانيا العساكر فيها يقبلون يد الملك أيضا ، ومن المواكب الشهيرة في لندره يوم دخول صاحب الملك المدينة رسميا متوجها لكنيسة مار بولس متشكرا على ظفر أو لافتتاح بناء مهم عام ، فحينئذ يأتي راكبا إلى البلاد ولا يدخل إلا من باب تنبل بار وهو في أول طريق السيتي الشهير ، فيغلق الباب في وجهه شيخ المدينة فيقدم الملك إلى أن يصل للباب فينفخ أحد كبراء أتباعه في بوق ويدق آخر الباب ، وتقع مخاطبة بينه وبين شيخ المدينة ثم يفتح الشيخ الباب ويقدم للملك سيف البلاد فيأخذه منه ثم يرجعه عليه ثم يسير الشيخ في ركابه إلى أن يصل إلى مقصده مع الإحتفال التام وكمال الإزدحام.

ومن المواكب المشهورة يوم تولية شيخ المدينة في كل سنة في شهر تشرين ثاني فإنه يجعل في الطرق حواجز لمنع مرور العجلات وتغص الطرق بالخلق ، فيخرج الشيخ من قصر كلدهال في موكب حافل ويركب عجلة مؤنقة ذات قيمة بليغة تجرها أفراس ويركب معه قاضي القضاة والكل باللباس الرسمي ، وتوضع أمامه آلات الحرث على عجلة مزينة بما تنبته الأرض وعلى عجلة أخرى سفينة ذات شراع تجرها ستة أفراس أيضا ، وتنتشر في الطرق الشرط وتمشي أمامه وتقف حول طريقه فرق عديدة منهم بعضها يعزف بآلات الطرب وبعضها ينفخ في أبواق وبعضها يحمل رايات مختلفة الألوان وبعضهم متدرع بالدروع العتيقة ، وفي موكبه جميع أصحاب الرتب العالية وشيخ المدينة المعزول ويلاقيه في الطريق وزراء الدولة وأعضاء المجالس والندوة وسفراء الدول ، وعند استقراره بالقصر الخاص به يدعو جميع الأعيان لوليمة فاخرة تشتمل على ٢٦٣٧ صحن مع زينة المائدة بأواني الذهب والفضة ويجعل أمامه صحن به سمك صغير من سمك نهر التيمس ، ويكون ذلك اليوم يوما مشهودا وذلك الشيخ من أعظم رجال الدولة مع أنه يمكن أن يكون سوقيا

٢١٦

أو نفرا عسكريا على حسب ما ينتخبه المجلس البلدي وبقاؤه سنة فقط ومرتبه نحو عشرة آلاف ليرة ، لا يستنفع منها لذاته بشيء إذ كلها تصرف في أهبة المنصب وولائمه.

مطلب في اللغة في إنكلاتيره

اللغة الإنكليزية مستحدثة متولدة من اللسان التودسكي القديم وهي لغة ضيقة سهلة التعلم يؤدون المعاني كلها بها بالتركيب ، وقد اشتهرت جدا في أمريكا والهند حتى صار عدد من يتكلم بها ثمانون مليونا عدا من يعرفها وليس بمستعمل لها لغة له ، وكأنها لغة حلقية لأن أغلب أحرفها حلقي ولا تساعد على إنشاد الشعر والغنا إلا بكلفة كبيرة.

مطلب في القوة الحربية والبحرية والمالية والتجارية

فرنك

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٧٥٠ ، ٢

دخل الدولة الإنكليزية عدا حكومة الهند والخرج مثله سنة ١٨٨١ نحو

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٦٣٠ ، ١

 دخل حكومة الهند والخرج مثله

٠٠٠ ، ١٦٠ ، ٠

عساكر برية تحت السلاح

٠٠٠ ، ٣٥٠ ،

٠ عساكر الهند تحت السلاح

٠٠٠ ، ٠٦٥ ، ٠٠٦

 عساكر بحرية وليس للهند منها شيء في وقت الحرب في الخارج تحضر بالأجرة كلما تريد وعند الهجوم عليها فأهلها كلهم محاربون

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٠

قوة التجارة المالية نحوا

٥٣٨ ، ٠٢٠

 عدد السفن الشراعية الحاملة للراية الإنكليزية

٠٢٧ ، ٠٠٥

 عدد البواخر الحاملة للراية الإنكليزية

٢٩٤ ، ٠٠٧

عدد المعامل ذوات الآلات لسائر المصنوعات في برنيطانية

٠٠٠ ، ٠١٨

امتداد سكك الحديد أميالا حملت من الركاب في سنة واحدة ستة ملايين

٠٦١ ، ٠٠٠

 عدد البواخر المدرعة العاملة والإحتياطية

٢١٧

الباب السابع

في جزيرة مالطه

الفصل الأول : في سفري إليها

لما رجعت من فرنسا إلى تونس في أواسط رمضان سنة ١٢٩٦ ه‍ ووجدت انقلاب الأحوال فيها باستيلاء فرنسا عليها قد نشم ولم تفد نصائحي إلى وزير تونس مصطفى بن إسماعيل ، بل رأيته أضمر لي الشر حتى أوعز إليّ بعض الصادقين بعزمه على البطش بي ولو أفضى إلى القتل معتضد أبرستان قنسل فرنسا إذ ذاك ، خشية من فشو ما اطلعت عليه من عزمهم وحصول التعطيل لهم حسبما سبقت الإشارة إلى طرف منه في ذيل تسلط فرنسا على تونس وفي أسباب سفري ، ولم نجد مخلصا إلا التخلص برأسي وطلبت من ذلك الوزير كتابة إعفائي من الوظيف متعللا بحالة بدني فأجابني كتابة بالمنع ، فطلبت الإذن بالتوجه إلى الحج فمنعني أولا فاستئجرت إليه بمن لم يسعه إلا قبول جاهه فأذن لي قانعا بالإستراحة مني وشافهني الوالي عند وداعه بما يشف عن غيظه الذي ملأ به وزيره صدره فأنقذني الله من شرهم ، وأخذت ورقة الجواز وسافرت أواسط شوال من تلك السنة إلى الحج على طريق مالطة بحرا فوصلت إليها بعد سير الباخرة البريدية نحوا من يوم ، فإذا هي جبال قحلة ترى فيها حيطان من الحجر مرصوفا منتشرة على تلك الجبال ومرساها من أعظم مراسي البحر الأبيض إتقانا وصناعة وتحصينا ، واقعة على الجهة الشرقية من شاطىء بلاد فاليتا التي هي قاعدة الجزيرة ، فصعد إلى الباخرة السماسرة لمنازل المسافرين واتفقت مع سمسار المنزل المسمى أوتيل دي باريس على أن يكون سعر اليوم والليلة فيه عشرة فرنكات سكنا وأكلا لي ولتابعي والسكنى في حجرتين والأكل مرتين لأنهم يسألون عن كمية الأكلات لما تأنسوا به من كثرة أكلات الإنكليز ، فدخلنا إلى البلاد ولم يطلب الكمرك إلا الأداء على المأكولات وذلك لأن السفر إلى الحرمين يلزم فيه قطع براري ليس فيه مرافق ، فأحضرت معي من المأكولات التي تدخر ما لا نجده في البلدان التي نمر عليها ، ومع ذلك كنت خففت ما استطعت ولم نعمل بإشارة بعض الأحباء من جمل كثير من اللوازم ظنا مني إني أجدها في البلدان القريبة هناك وكان الأمر على ما قالوا كما سيأتي في محله إن شاء الله.

ولما كانت مالطة مرسى حرة لما يأتي في سياستها لم يكن فيها أداء على شيء سوى المأكولات التي تؤدى إلى المجلس البلدي لمصالح البلاد وحيث كنت لا احتاج إلى تلك الأشياء في مالطة أبقيتها مؤمنة في الكمرك وأخذت فيها حجة لكي لا نؤدي عليها شيئا ،

٢١٨

وبعد الإستراحة بالمنزل نظرت فإذا بالطبقة السفلى ملآنة بصناديق مكسوّة بالجلد الجميل ومسامير النحاس ومعها بعض خدم وحشم ، والطبقة العليا فيها عائلة من المسلمين ومعهم رجل ممن اتخذ السخرية صناعة له فقدم إليّ وحادثني بكلمات بعضها عربي وبعضها تركي ولم أكن إذ ذاك أفهم التركي فأعلمته بأني لم أفهم فعدل إلى العربي ، وأعلمني أنه من حاشية أحد الكتبة بطرابلس الغرب من متوظفي الترك ، وأنه أرسل إلى الإتيان بعائلته من الأستانة فصحبها هو مع بقية الخدم ، وذكر في حديثه مقدار مرتب متبوعه فظننت أنه هازل فحقق لي المقدار فإذا هو لا يبلغ مائتي فرنك في الشهر ، فتعجبت من الأمر كيف يكون صاحب تلك البذخة مكتفيا بذلك المرتب ويتعب لأجله من الأستانة إلى طرابلس الغرب مع شدة التباين في الهواء بالحر والبرد مع خلو الوظيفة عن مقام عال حتى يتحمل لصاحبها برغبته في الصيت ، فدل على وجود ربح آخر على غير الوجه الرسمي مما يضر بالمملكة والله لطيف حفيظ.

وهاته البلاد أعني فاليتا قاعدة مالطة متصاعدة في جبل حتى أن أغلب طرقها يصعد فيها بدرج ، وبها طرق رحيبة للعجلات أحسنها واحد يمر من الشمال إلى الجنوب خارق البلد إلى طرفيها وبعضه مبلط بالخشب لمجرد تقليد بلاد لندره ، وإلا فلا باعث عليه لا من جهة الوسخ المتسبب عن عدم انقطاع الأمطار ولا من جهة قرقعة العجلات المتكاثرة ولا من جهة رخص الأخشاب ، إذ مالطة على خلاف ذلك كله وهي على نوع البلاد الأوروباوية المتوسطة في الكبر والحسن غير أنها متقنة نظافة الطرقات وإن كان أهلها يبولون ليلا في الطرقات لكنهم يغسلون محلات البول كل يوم ، وبها قصر الحاكم وفيه آثار عتيقة على قدر حالة البلاد ، وليس منها ما يذكر إلا مدافع من أول نوع اخترع وهي ورقات من نحاس معصبة بحبال ثم ملفوف عليها جلد غليظ مطلي بالقطران طول كل مدفع ثمانية أشبار وقطر داخله سبع عقد ، وبقية ما في البلاد ليس منه ما يفرد بالذكر غير أنها حاوية لأنموذج ما في المدن الحسنة مما يرجع إلى التحسين على نحو ما في أوروبا فلا نطيل بإعادته.

أما في التحصين فهي من أول أقسام المراسي والبلدان الحصينة بما حولها من الحصون المعمرة بالمدافع الضخام جدا مع الكثرة وجعلها طبقة فوق أخرى لما ساعد على ذلك من الجبل ، فهي حصون منحوتة فيه لا تخربها القنابر ولو من أعظم المدافع بحيث يصح أن يقال أنها لا يمكن للهاجم اقتحامها أو أخذها إلا بالحصار لاحتياجها إلى القوت من خارج ، نعم يلزم طول مدة الحصار لأنها مركز متوسط في البحر الأبيض ، فتجيء إليها التجارة من البحر الأسود وغيره ويخزن فيها من الحبوب وغيرها ما يكفي أهلها عدة سنين ، كما أنها تشتمل مرساها على معمل مهم للسفن وإصلاحها محتوية خزائنه على كل المواد اللازمة لها ، وبها مرسى أخرى تسمى مرسى موشيطو كأنها محرفة عن مرسى الشط وهي مرسى الكرنتينة أي مكان إقامة الواردين من البلاد المصابة بالأمراض المستوبية ، وهي دون الأولى وحولها مساكن مقسمة على أقسام على وجه يمكن به الإحتراس من مخالطة السكان

٢١٩

بعضهم ببعض ، وهي مساكن لا بأس بها.

كما يوجد خارج البلد مقبرة إسلامية محوطة بسور ولها باب مغلق مفتاحه عند إمام الجامع وهو جامع ظريف ، والإمام يقيم هناك ، والقائم بالجميع الدولة العثمانية لكثرة ورود المسلمين إلى هناك حجاجا وتجارا من المشرق والمغرب ، فأقيم ذلك الإمام للصلاة بالجامع وعلى من يموت لكنه عوضا عن سلوكه مسلك الديانة كان مقيما على الخنا والجامع معطل ولله عاقبة الأمور.

وعند مروري على حوانيتها وجدت بها أسرة من حديد صغارا خفيفة تفلق حتى يصير الواحد في طول ذراع وغلظ سبع عقد ويلف في الكتان الثخين الذي يفرش على ظهره للنوم عليه فأخذت منها إثنين للرحلة في الحجاز. وفتشت على معمل صغير يمكن حمله بسهولة للثلج فلم أجده هناك ولا وجدت شيئا يحتمل أني لا أجده في غيرها فاكتفيت بذلك وسافرت منها بعد الإقامة بها ثلاثة أيام راكبا باخرة تجارية إنكليزية متوجها إلى إسكندرية.

الفصل الثاني : في التعريف بمالطة

مسمى هذا الإسم ثلاث جزر واقعة في البحر الأبيض على دقيقة ٤٥ درجة ٢٥ من العرض الشمالي دقيقة ٤٤ درجة ٢٢ من الطول الشرقي.

الجزيرة الأولى : تسمى فاليتا ، وبها خمسة عشر قرية أكبرها فاليتا التي هي القاعدة.

والجزيرة الثانية : تسمى أدوج بها ستة عشر قرية.

والجزيرة الثالثة : تسمى كمونة وبقربها أخرى تسمى فلفلة صغيرتان ليس بهما سكان وإنما يقدم إليهما أهل الجزيرتين الأخريين للفلاحة بهما ، واختلف الجغرافيون في إلحاق مالطة فمنهم من جعلها من أفريقية ومنهم من جعلها من أوروبا لقربها لكل منهما.

وكل هاته الجزائر جبال صخرية غير أن حجرها لين سهل النحت فإذا جف بالشمس تصلب نوعا ما فأرضها غير جيدة لكن لشدة العمل والمعالجة صارت صالحة لزراعة كل النباتات التي بالبلاد الحارة.

وأما جبالها : فليست بمرتفعة وليس بها بالكاني وليس بها نهر إلا ما يحدث عند المطر من السيول وليس بها بحيرة.

وأما عيونها : فتوجد بها عينان ضعيفتان : إحداهما : بالجزيرة الأولى. والثانية : بالثانية ماؤهما عذب مشوب بشيء يسير من الملوحة ، وأكثر شرب أهلها من ماء المطر المخزون في دهاليز وجرار.

وأما هواؤها : فهو أميل للحر لقربها من المنطقة الحارة وتحدث فيها الأسحبة فجأة بأمطار كأفواه القرب مع رعود وبروق هائلة وتنكشف بسرعة ويحدث ذلك بها ولو صيفا إلا أنه بقلة فيه ، وأما في الخريف والشتاء فهو كثير والهواء خريف مضر بالصدر كثير الندى حتى يفسد المأكولات وغيرها المخزونة في أماكن قليلة تغير الهواء.

٢٢٠