صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار - ج ١

السيّد محمّد بيرم الخامس التونسي

صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد بيرم الخامس التونسي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٨
الجزء ١ الجزء ٢

لدعوته لرهبة أو انخفاض صوته ، فيبلغ باش حانبه للوالي معنى كلام المشتكي ، وهاته الوظيفة لها كبيران : أحدهما من العرب ، والآخر من أبناء الترك ، وللأول تقدم على الثاني ، فالمشتكي إن كان من المالكية يمسكه الأول وهو الذي يتولى الوساطة في أمره ، وإن كان من الحنفية رجع إلى الثاني ، ولكن لهؤلاء هيئة أخرى في إلقاء الشكاية فإن باش حانبه لا يمسكه ويقدمه إلى قريب من الوالي وبعد استقرار باش حانبه بنوعيه أمام الوالي يرفع صوته بقوله : «باش بواب شكاية» أي يا كبير أصحاب الباب أدخل المشتكين فيرفع صوته هذا خارج باب المحل بقوله : يا سعد ، ثم يدخل المشتكون فردا ففردا على حسب الصدفة ، وتقدم المشتكي بالإزدحام وربما صار التقديم بإعطاء شيء من المال لكنه لا يتجاوز عشرة ريالات فما دونها ، وكل مشتك في حال شكايته في ذلك الموكب الهائل زيادة عن باش حانبه المقيض به تكون محدقة به الحوانب والأوظاباشية ، وإذا كانت له حجة مكتوبة قدمها وأخذها من يده باش حانبه ومكنها الباشكاتب ويؤخر إذ ذاك المشتكي ويؤتي بغيره ، وبعد قراءة باشكاتب للحجة يقول مضمونها للوالي مع الإشارة إلى صحتها أو فسادها ، فيأمر الوالي بما يراه وتنفصل بذلك النحو عدة خصومات في نحو ساعة أو ساعتين إذا طال المجلس وربما أنهيت في ساعة واحدة ستون نازلة بلا تعقيب للحكم.

وكثيرا ما يستشير الوالي وزيره سرا في النوازل أو يسأله عما يعلم فيها كما أن الوزير كثيرا ما يشير عليه في بعض النوازل ابتداء وكثيرا ما يأمر الوالي بإرجاع بعض النوازل إلى الشرع أو الوزارة ، وإذا كان هناك بعض من يحكم عليه بالقتل فإنه يؤخر دخوله إلى آخر المجلس والغالب أن يكون هذا النوع إما حكم عليه في مجلس الشريعة ورفع للوالي لينفذ الحكم المكتتب بعد إجراء جميع اللوازم الشرعية وطول مدة المناضلة والمدافعة لدى المجلس الشرعي ، أو يكون قد حررت نازلته في الوزارة وفي النادر أن يؤتى بالمشتكي به من ذلك النوع بديهة للمحكمة ، ويصدر الحكم بقتله في الحين فيخرج في أثر المحكوم عليه بالقتل أحد الشطار أي الجلادين ويقطع رأسه قدام باب باردو أو باب البلدة التي فيها الوالي ، أو يشنق هناك في مشنقة من خشب وهو أن يربط عنقه في حبل وتكتف يداه ويعلق من عنقه فيختنق ، وتارة يعلق كذلك في سور المدينة القديم قرب باب سويقة وعند انتهاء المشتكين أو ملل الوالي يقول يا باش حانبه عافية ، فيرفع صوته بها باش حانبه فيرفع صوته بها باش بواب ويقوم الوالي وينفصل الموطن ، فيجري إذ ذاك باش حانبه ما أمره به الوالي من إرسال الأعوان لجلب المدعى عليهم أو خلاصهم ، وكذلك باشكاتب يحضر المكاتيب التي صدر بها الإذن ولا تحضر إلا من غد فيختمها الوالي على نحو ما سيأتي.

وجميع من حضر في ذلك الموكب من المتوظفين يكون بلباسه الإعتيادي إلا من له رتبة عسكرية ، فإنه يتقلد سيفا في منطقته وقبل دخول الوالي للمحكمة يجلس في بيت أنيق في سراية الحكومة على كرسي أصغر مما سبق ، ويدخل عليه الوزير وحده أو أنه يأتي معه من قصر سكناه ، ثم يجلس الوزير عن يمينه وأهل بيت الوالي عن شماله وقوفا ، ثم يأذن

٣٢١

للمتوظفين بالدخول فيدخل أولا : الوزراء وبعض مشيخة المتوظفين الكبار المتقاعدين ، وكل من وصل منهم إلى الوالي قبل يده وأذنه بالجلوس فيجلسون يمينا وشمالا وأعلاهم شمالا باش كاتب وأصحاب اليمين يجلسون دون الوزير ، ثم يدخل كبار المتوظفين على صف واحد وكل من انتهى إلى الوالي قبل يده ورجع خارجا ثم الذين يلونهم ثم وثم ، إلى أن يصلوا إلى أصغر المتوظفين كالأعوان الذين يرسلون لجلب المدعى عليهم ، والهيئة المتقدمة في المحكمة هي الهيئة في سائر المواكب الكبار كالأعياد غير أن هاته تكون فيها الناس باللباس الرسمي المزركش بالفضة والنياشين ، وتكون أيضا في محل آخر أكبر من المحكمة وهو بيت عظيم يصعد إليه بدرج كثيرة مكسوة بالحلف نوع من المنسوج الصوفي الأحمر ، والبيت مفروش بالزرابي والستائر الحريرية الرفيعة وكرسي الوالي أكبر وأضخم من السابق والكتاب لا يجلسون في هذا الموكب والناس كلهم وقوف ، ومتولي إدارته هو أمير لواء العسة وعوضا عن دخول المشتكين يدخل المعيدون أفواجا أفواجا على نحو ما تقدم في تقبيل يد الوالي من المتوظفين ، ويجري ذلك على كل القادمين من جميع المتوظفين وأصحاب الرتب العسكرية النظامية وغيرها والأهالي والتجار إلا أهل المجلس الشرعي ، وخواص السادات الأشراف والمدرسين ، فإن الوالي يجلس لهم مجلسا خاصا بعد الموكب العام بحصة يسيرة في بيت أنيق أسفل الأول ، وتدخل عليه كل فرقة من الفرق الثلاث وحدها ، وأولها : أهل المجلس الشرعي معا الأول فالأول ، فيقف إليهم ويتقدم لهم خطوات ويتعانقوا ويقبل كل منهم كتف الآخر ثم يجلس ويجلسون الحنفية عن اليمين والمالكية عن الشمال ويؤتى إليهم بأطباق من الفضة فيها شيء من الحلو ويطعمه الوالي معهم ، ثم يرشون بالطيب ويقرؤون الفاتحة ويقوم الوالي لوداعهم ويقبلونه أيضا مثل ما صار عند دخولهم وينصرفون ، وهكذا غيرهم ، غير أنهم لا يقوم لهم الوالي ويقبلون ذراعه إلا بعضا من السادة الأشراف فإنهم يقبلونه مثل أهل المجلس الشرعي وبعض المدرسين من الطبقة الثانية يقبلون كفه كسائر الناس ، وكذلك لا يجلسون ولا يأكلون وإنما بعد فراغ آخرهم من التقبيل وأولهم وقوف يمينا وشمالا يقرؤون الفاتحة وينصرفون ، وهكذا كل فرقة دخلت عليه في الموكب الأول إلا المتوظفين فإنهم يقفون ويزدحم بهم الموكب لأنه يجتمع فيه أغلب المتوظفين ولو من جميع جهات القطر ، والذين يقفون هم أصحاب الرتب من العسكرية أو الكبار من غيرهم.

وموكب المعايدة يدوم يومان أولها أعظم من الثاني وكلاهما صباحا ، وفي اليوم الثاني يقدم عليه قناسل الدول ويدخلون عليه على حسب أسبقيتهم في الوظيفة ، وكل منهم معه متوظفو قنسلاته فيجدونه واقفا ويصافح القنسل ويتخاطبون بالترجمان بكلمات في التهنئة والموكب محتبك كما سبق ذكره إلى أن يتموا فيجلس الوالي على كرسيه ، ويتمم بقية الأهالي على نحو ما سبق ، ولا يختص هذا الموكب بأعيان الأهالي بل حتى أصحاب الصناعات ، وفي بقية أيام يكون الوالي في قصره لا يجتمع به إلا الوزير الأكبر يوميا بل هو

٣٢٢

الآن ساكن معه في قصر واحد ، وفي يوم الإثنين قرب الزوال يقدم عليه الوزير ومن كان في الوزارة من المتوظفين ، وإذا كانت هناك نوازل تلزم فيها المذاكرة أمام الوالي تكون في أحد ذينك اليومين أعني يوم السبت والإثنين ، أو يدعوهم الوزير بالخصوص ليوم معين. وجميع الولايات إنما تكون بإذن الوالي وكتبه لرقعة في ذلك تسمى أمرا ، وأما كيفية إدارة الوزارة فقد سبق ذكرها في الكلام على وزارة خير الدين باشا ولا زالت على تلك الهيئة والمتوظفون يأتون في بكرة النهار إليها يوميا إلا يومي الخميس والجمعة ، وينفصلون منها عند الزوال وعندما يأتي الوزير ويجلس في البيت الخاص به يقدم إلى السلام عليه جميع كبراء الأقسام ، ثم يتوجه كل إلى محل مأموريته وكل في بيت خاص يجمعها قصر واحد في ناحية من قصر الوالي لإدارة الحكومة ، ولكل من أقسام الوزارة كتاب وأعوان وتكتب في النوازل سجلات ويمضي الوزير على الرأي فيها ، ثم تعرض على الوالي وهو يمضي على ما يراه الوزير ، وتسمى تلك السجلات معاريض وتجري على مقتضاها الأمور وكثيرا ما تجري بأمر الوزير شفاهيا ، وترسل تلك المعاريض مع بطاقات الأوامر في ظرف مختوم ليمضيها الوالي بخطه في المعاريض وختمه في الأوامر ، ولكل عمل من الأعمال التي مر ذكرها عامل خاص إلا الحاضرة فحاكمها يلقب رئيس الضابطية ، والغالب أن يسكن العامل في محل عمله وله نائب يلقب بالخليفة وتحته مشايخ على عدد أفخاذ القبائل ولكل عامل أعوان على حسب كبر عمله وصغره وترفع إليه الشكايات فيحكم فيها برأيه وكذلك خليفته والشيخ عند مغيب العامل ، ولا يختص حكمهم بنوع من أنواع الخصومات وإنما الغالب أن نوازل صحة التملك في غير المنقول والزواج والأوقاف والمواريث يرجعونها للحكام الشرعيين ، وهؤلاء لهم مجلس في الحاضرة فيه قاض حنفي ومثله مالكي ومفتيان حنفيان وخمسة مالكية ورئيس للحنفية يلقب شيخ الإسلام ومثله للمالكية يلقب أحيانا أيضا بذلك ، وقد يزاد أو ينقص من عدد المفتيين ولهم محل خاص يسمى دار الشريعة يجلس به يوميا صباحا القاضيان ومفتيان من المذهبين على التناوب ، وفي يوم الخميس يجتمع جميع المجلس ببيت كبير وينضم إليهم رئيس الضابطية للمشورة في النوازل التي يريد الخصم فيها العرض على المجلس ولا يرضى بحكم القاضي أو المفتي وحده ورئيس الضابطية ينفذ ما يلزم فيه قوة الغصب إلا القتل ، فإنه يرفع إلى الوالي.

وفي كل من بلدان القيروان وسوسة والمستير وصفاقس والأعراض وتوزر ونفطة والكاف وباجة مجلس شرعي ، أقل ائتلافه من قاض ومفتي ورئيس فتوى يجري به العمل مثل ما هو في الحاضرة لإجراء التحقيق فيها من مجلس الشريعة ، والمنفذ هو العامل. كما؟؟؟ ف نابل والمهدية وجربة وقفصة مفتي مع القاضي ، وبقية الأعمال إن كانت كبيرة ففيها؟؟؟ اض فقط وللوالي التصرف في جميع النوازل نقضا أو إبراما وكذلك الوزير ، وأما القابض لأموال الحكومة أو العمال فهو من اليهود إلا قليلا من العمال لمجرد عادة في ذلك ويتوظف منهم مترجمون ونظار على الصاغة ودار السكة ، كما يتوظف من النصارى في

٣٢٣

الترجمة وغيرها إلا العمال والوظائف الدينية ، ثم إن جميع العقود التي تحتاج إلى الشهادة وكذلك كتب الحجج وصكوك الأملاك لها طائفة من العلماء والمنتسبين إلى العلم يوليهم الوالي ويسمون الشهود أو العدول ، وهم بالخصوص الذين يباشرون ما ذكر ولأغلبهم حوانيت مفتوحة لهاته الصناعة في سائر البلدان ، وكذلك قبائل الأعراب ، ويوجد في خصوص الحاضرة مجلس بلدي لمصالح الطرقات والبناآت ومجلس مختلط للأحكام بين أغلب الأجانب والأهالي فيما دون الألف ريال ، وجمعية للأوقاف ، ولها نواب في سائر القطر ومجلس تجارة ومجلس لحفظ الصحة أعضاؤه القناسل ومستشار الخارجية ورئيس المجلس البلدي وشيخ المدينة ، ولكل من المدينة والربضين شيخ لبعض النوازل العرفية وحفظ الأمن ليلا ، وأما الضابطية فهي موجودة غير منتظمة وأمور المعاش يقومها القاضي المالكي ولها أمناء يطوفون عليها لحراستها من الغش ، وأما بقية المملكة فليس فيها إلا الحكام المار ذكرهم أو بعض أمناء على الصنائع أو المعاش.

مطلب في المعارف

الموجودة الآن ومناخها جامع الزيتونة من الحاضرة هي العلوم الدينية ووسائلها ، وهي القرآن والتفسير والمصطلح والحديث رواية ودراية ، والعقائد وأصول الفقه حنفية ومالكية وشافعية ، والفقه الحنفي والمالكي والمنطق والمعاني والبيان ، والنحو والصرف والإشتقاق والعروض والأدب ، والتاريخ والحساب والهيئة والفلك واللغة ، ولكل كتب معينة لللإقراء بما لها من الحواشي كما هو معين في قانونها الذي أحدث في وزارة خير الدين باشا ، ومنها فنون وكتب لا بد من وجود أقرائها ، كما أن مواد المطالعة والتحصيل سهلة بخزائن الكتب المعروفة في الإسلام إلا ما ندر مما هو في اللسان العربي وقليل جدا بالتركي والفارسي والفرنساوي ، ومشايخ جامع الزيتونة الموظفون ولهم مرتب مائة وخمسون ريالا شهريا عددهم ثلاثون مدرسا ، والطبقة الثانية مرتبها تسعون ريالا شهريا وعددها إثنا عشر مدرسا ، والذين لا مرتب لهم وإنما لهم إعانات سنوية مما يحصل من تخلف المدرسين والخصم عليهم من مرتباتهم عددهم نحو ستين ، وهم يزيدون وينقصون. وعدد التلامذة بالجامع المذكور نحو الثمانمائة ويزيدون وينقصون أيضا ، وكيفية الدرس حسنة الإلقاء والسؤال والجواب ولا يطول الدرس أكثر من ساعة كما توجد مدارس نحو الخمسة عشر مدرسة يقرأ بكل منها درس أو درسان من الفنون المذكورة ، وكذلك بعض جوامع بها قليل من الدروس ، وتوجد المدرسة الصادقية تقرىء مبادىء فنون الديانة واللغة مما مر ذكره ، وتقرىء الفنون الرياضية واللغات التركية والفرنساوية والطليانية ، ومن الرياضيات الحساب والجبر والهندسة والهيئة والفلك والجغرافية ومبادىء الطبيعيات. وهي تعلم مجانا لمائة وخمسين تلميذا وتقوم بأكلهم نهارا ومنهم خمسون تقوم بهم حتى في السكنى واللباس ، وكذلك يوجد مكتب أنشأه قسيسو الفرنسيس في صان لويس يعلم العلوم الرياضية واللسان العربي والفرنساوي والطلياني وتلامذته لا يبلغون الخمسين الآن ، ويوجد مكتبان

٣٢٤

للفرنساويين أيضا بالحاضرة يسميان مكتبا الفرير تلامذتهما نحو أربعمائة ، وكذلك مكتب للطليان به نحو مائتي تلميذ ، وكذلك مكتب لجمعية اليهود به نحو تسعمائة تلميذ ، كلها تعلم مبادىء الرياضيات واللغة الفرنساوية والطليانية والعربية ، ويعلم بعضا من الصنائع كشيء من الفلاحة والموسيقى ، ويعلم اللغة العبرانية وكلها تعلم الأغنياء بالمال وبعضها يعلم الفقراء مجانا ، كما يوجد فيها مكتب للبرتستنت من الإنكليزية نحو مائتي تلميذ ، كما يوجد بالحاضرة نحو مائة وإحدى عشر مكتبا للقرآن العظيم وللكتابة العربية نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة تلميذ.

وأما جهات القطر فلا يوجد إلا في قليل من البلدان شيء من العلوم الدينية كالفقه والعقائد على قلة والنحو ، وأشهر البلدان بذلك القيروان وصفاقس والمستير وسوسة وجربة والأعراض والكاف وباجة وابن زرت ، وبعضها يزيد بشيء من الأدب والحديث ، كما يوجد في بعض زوايا الصالحين بالقبائل شيء من القراءة والكتابة والفقه ، وجميع الجهات إنما يقرأ فيها الفقه المالكي إلا المهدية والمستير فيوجد أحيانا الفقه الحنفي ، أما غير ذلك فلا نعم توجد مكاتب للقرآن ومبادىء الكتابة العربية في جميع البلدان والقرى بحيث لا تخلو قرية عن ذلك فضلا عن بلد ، ويقرب جميع تلامذتها بنحو إثني عشر ألف تلميذ لكن هيئة التعليم قاصرة للغاية في هاته المكاتب الإبتدائية ولو في الحاضرة بحيث يمكن أن يبقى التلميذ فيها عشرة سنين ولا يحصل على حسن القراءة والكتابة وإنما النجيب منهم يخرج حافظا للقرآن المجيد فقط ، وأما بقية التعاليم المار ذكرها فهي جيدة سيما العلوم الدينية بجامع الزيتونة نتجت منه فحول تزين المسلمين ، ولهم براعة في كل الفنون سيما الإنشاء بالعربية الذي كاد أن يشبه أسلوب الأعجام في عدة جهات ، فإن علماء تونس لهم براعة في ذلك وهم محافظون على الأسلوب العربي ومحترزون عن اللحن وإن وجد في الكتبة أو الشهود من يلحن فذاك من تقليد الوظيف لغير المستحق ، كما أن أصحاب الأقلام أو الشهود مطلقا محافظون على الشعائر الدينية في كتابتهم بحيث يفتتحون كتبهم بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وآله ومن ولاه.

مطلب في الصنائع

أهم صنائع الأهالي هي الفلاحة وما زالت آلاتها على الطرز القديم ويأخذونها عن بعضهم بالمشاهدة مع أنها فيها كتب عديدة بخزائن الكتب لا يلتفت إليها أحد ، ولذلك انحطت رتبة هذه الصناعة عما كانت وقل العمران مع انضمام أسباب سياسية كما تقدم شرحه ، وصناعة التلقيح في الأشجار لا يعلمها إلا قليل ولذلك حصل الأروباويون على تقدم عظيم في القطر في هاته الصناعة ولو في زرع الحبوب ، وكانوا فيها أكثر ربحا من الأهالي. وكذلك من أعظم مكاسب أهل القطر زيت الزيتون فأما جمعه واستخراج زيته فهو بيد الأهالي ثم يبيعونه إما للأهالي أو للتجار الأجانب ، وأما التجارة فيه لخارج القطر فهي

٣٢٥

بيد الأجانب إلا قليلا من الأهالي كما أنه دخل في جمعه واستخراج زيته قليل من الأجانب عندما استخدمت المعامل بالبخار لإخراج الزيت ، وهي قليلة بل ليس منها إلا واحدة في الحاضرة ، وهناك قليل من المعاصر على النحو المخترع في أوروبا والأكثر على النحو القديم الذي صنعه الأندلس أو نوع آخر أقدم منه وكلاهما لا يتقن إخراج الزيت من زيتونه ، وأما صناعة الشاشية فإنها كانت هي عيال أكثر أهل الحاضرة ومنذ صنعت الشاشية بالمعامل في أوروبا رخصت ولا زال صناعها في تونس متمسكين بالآلات القديمة وهي تكلفها غالية فلا زالت في تناقص إلى أن كادت أن تكون مقصورة على أهالي القطر وقليل من غيرهم ، وبقي من حوانيتها نحو ثلاثين أعني الذين يخدمون حقيقة بعد أن كانت حوانيت هاته الصناعة تبلغ نحو الألف ، وبسبب ذلك بقي أكثر الناس في الحاضرة بلا صناعة ويوجد من الصنائع في الحاضرة صنعة البلغة وهي نوع من الأحذية وهي رائجة ، وصناعة الكنترة نوع مما ذكر وهي رائجة وهي بيد اليهود والإفرنج ، وأصحاب صناعة السبابط التي هي نوع مما ذكر أفلسوا لأنهم لا زالوا متمسكين بخياطتها على الهيئة القديمة والناس تركوها وأنفوا من جعلها على أسلوب الكنترة لمجرد الإعتياد إلى أن أفلسوا ولم يجدوا هاديا يحملهم على مصلحتهم ، وكذلك توجد صناعة العطارين أي الطيب والحرائرية أي نساجي الحرير وصناعتهم متقنة وفيها بعض رواج ، ويصنعون أشياء مخلوطة من الحرير وخيوط الفضة ونوعا من الحرير الصرف المسمى بالمختم وفي بعض أنواعها رغبة في حواضر أوروبا لو يوجد لها مروج سيما الطيلسانات ، ويوجد أيضا صناعة التوارزية أي الخياطين ولهم براعة في خياطة الإبرسيم على أشكال من النوار بديعة في سراويل النساء وغيرها ، وكذلك صناعة الحياكة للمنسوجات الصوفية ، وفيها رواج كبير لأوروبا وغيرها ، ولو تجد المروج لكانت من أعظم أسباب الرفاهية للقطر ، وتوجد صناعة الصاغة وصناعة السروج ولأصحابها براعة في الطرز في الحرير والفضة والعدس ، أي قطع من الفضة مموهة بالذهب مثقوبة الوسط ليمسكها خيط الطرز ، وكذلك صناعة الحدادة وهي قاصرة ولمن وفد من الأوروباويين التقدم التام على الأهالي ، وكذلك صناعة النجارة أي نحت الأخشاب ولأهلها براعة فيها ، وكذلك البناية وكذلك النقاشة أي نحت الأحجار ، وكذلك صناعة طرز الحرير والصوف والخيط والقطن والفضة والعدس على المنسوجات ، وهي خاصة في النساء وزدن في هاته المدة تقدما فيها بما تعلمن من الأوروباويين حتى صارت تقوم بعائلات ، وتوجد صنائع للسلاح بأنواعه لكنها متأخرة ، ويوجد معمل للمدافع وآخر للسفن وكلاهما معطل ، وتوجد معامل كثيرة للكراريس ، وكذلك توجد صناعة النسج للقطن وهي ضعيفة رديئة ، وكذلك صناعة تجليد الكتب وهي حسناء ، وصناعة النسخ وهي قليلة وكذلك صناعة نقش حديدة أي النقش في الجص التي هي من أبدع الصناعات التحسينية على الجدران ، وكذلك صناعة الدهن أي التلوين وصناعة الفخارين أي صنع الأواني من الطين ، وكذلك نوع يسمى بالجلميز مما يلصق على الجدران وعلى أراضي البيوت ولكن نوعه رديء ولأهله اقتدار على

٣٢٦

إيصاله للحسن المعهود في أوروبا إذ كان عندهم قديما أحسن منه وإنما يحتاجون إلى الإعانة.

وأما الموسيقى فلهم مهرة في معرفة الألحان يأخذونها على قواعد وإنما هي بالسماع من بعضهم ، ويعتنون لأخذها في بعض الزوايا التي تعقد فيها جمعيات لأجل الذكر كسرد البردة (١) ومدائح قادرية ، وهذا العمل اختلف في جوازه لكن الراجح جوازه شرعا إن لم يكن فيه تشويق لمحرم ، فالتحريم على كل حال ليس لذاته وإنما هو لما يتوصل به إليه ، ثم بعد الجواز ليس هو بطاعة كما يظن العوام وسيأتي للمسألة بسط في الخاتمة إن شاء الله تعالى. كما أن لهم معرفة في فن الموسيقى أي دق آلاتها ويأخذونها عن بعضهم ، والآلات هي : الرباب والعود والجرانة ، وكلها من ذات الأوتار ، والطار والدف والدربوكة وهي أكبر منه والطبل والجميع من نوعه ، والكرنيطة والناي والغيطة والشبابة والصفارة والفحل وكلها من آلات النفخ ، ويضربونها بدون أوراق أمامهم بل من حفظهم ، وفيهم المهرة وهاته الصناعة في الموسيقى قد ذكر في الأغاني أنها كانت محفوظة على نمط واحد ، بحيث لا يخرجون عما كان مسموعا من الطرق يأخذها الخلف عن السلف ، إلى أن دخل فيهم إبراهيم ابن المهدي (٢) عندما أراد الأمن على نفسه بتنصله من سمات الخلافة فزاد فيها ونقص على حسب ما يستلذه هو ثم جعل من اتبعه يسلك ما يستلذه السامع ولو خالف الطرق الأصلية وتمادى الأمر على ذلك إلى أن فقد الآن ما يعرف به الألحان التي كانت تستعمل في تلك الأعصار ، ولهذا لا يمكن فهم ما يشير إليه في كتابه الأغاني من الطرق والألحان ثم أن حكم سماع آلات اللهو هو عندنا حرام إلا الدف وما كان على شاكلته مما لا وتر فيه إذا ضرب في الأفراح الجائزة ، لكن رأيت رسالة لسيدي عبد الغني النابلسي (٣) مال فيها للجواز إن لم تؤد إلى محرم مقطوع به كما رأيت سؤالا لليوسي (٤) في : أيما أشد

__________________

(١) وهي القصيدة المسماة «الكواكب الدرية في مدح خير البرية» لمحمد بن سعيد بن حماد البوصيري المصري شرف الدين أبو عبد الله المتوفي سنة (٦٩٦ ه‍). انظر الأعلام ٦ / ١٣٩ وكشف الظنون (١٣٣١) والوافي بالوفيات ٣ / ١٠٥ ومعجم المطبوعات العربية (٦٠٣) وفوات الوفيات ٢ / ٢٠٥.

ومطلعها :

أمن تذكر جيران بذي سلم

مزجت دمعا من مقلة بدم

(٢) هو إبراهيم بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور العباسي الهاشمي ، أبو إسحاق ، ويقال له ابن شكلة (١٦٢ ـ ٢٢٤ ه‍). أمير ، أخو هارون الرشيد. ولد ونشأ في بغداد. مات في سر من رأى. الأعلام ١ / ٥٩ ، وفيات الأعيان ١ / ٨ ، تاريخ بغداد ٦ / ١٤٢ لسان الميزان ١ / ٩٨ الأغاني ١٠ / ٦٩.

(٣) هو عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسي. (١٠٥٠ ـ ١١٤٣ ه‍). شاعر ، عالم بالدين والأدب. متصوف. ولد ونشأ في دمشق ووفاته فيها. الأعلام ٤ / ٣٢ معجم المطبوعات (١٨٣٢) والفهرس التمهيدي (١٤٩).

(٤) هو الحسن بن مسعود بن محمد ، أبو علي نور الدين اليوسي (١٠٤٠ ـ ١١٠٢ ه‍). فقيه مالكي ، أديب ينعت بغزالي عصره. توفي في قبيلته في بادية المغرب ودفن في «تمزرنت». الأعلام ٢ / ٢٢٣ ، الاستقصاء ٤ / ٥١ ، شجرة النور (٣٢٨) ومعجم المطبوعات (١٩٥٩).

٣٢٧

حرمة الغيبة أو السماع لآلات اللهو؟ أجاب عنه : بأن لا مقايسة بين الأمرين فإن الغيبة محرمة بإجماع بخلاف سماع آلات الطرب فإنه مختلف فيه وللمقلد سعة بالتمسك بقول أحد المجتهدين.

ثم توجد بقية الصنائع الضرورية ، كالبقالين والجزارين والقصابين والفحامين والحلاقين وغيرها ، بحيث يقال إن أغلب الصنائع الحاجية معروفة ولكنها غير موفية بالإستغناء عن جلب المصنوعات من خارج القطر ، بحيث من نظر إلى لباس أهل المدن ومسكنهم وفرشهم يجد أغلبها من مصنوعات الأجانب وذلك موجب لفقر المملكة ، وأما خارج الحاضرة فالمدن يوجد فيها ما يقرب مما تقدم بأقل بدرجات إلا بعض صنائع فلها فيها التقدم على الحاضرة ، فمن ذلك منسوجات الفرش في الجريد ، فإن ما يصنع منه في طوزر هو من أرفع ما يوجد في العالم ، وكذلك يصنع في جربة ، ولها نوع يسمى بالسوسني من الصوف والحرير صفيق من أرفع المنسوجات ، وكذلك يصنع في القيروان الأواني النحاس ، وفي نابل أنواع من الطين الرفيع المرغوب في كثير من الجهات ، وكذلك يصنع في الكاف نوع من البرنس رفيع ، وأما أهل البوادي فلا يعرفون إلا صناعة الفلاحة المتداولة والرعي للحيوان والفروسية والصيد ، ولأهل جبل باجة وماطر معرفة بصناعة البارود ، وسائر القبائل تعرف نساءهم صناعة نسج الصوف لفرشهم ولباسهم ونسج بيوت الخيام من شعر المعز والإبل والعدل ، كما أن لبعضهم إتقانا في صناعة البسط من الصوف كقبائل دريد وجلاص ، ومثلهم القيروان ولخصوص أهل الجريد إتقان كلي في الأردية التي تتردى بها الرجال من الحرير والصوف.

مطلب في المساكن والطرقات

الحاضرة ذات بطحاوات وطرق صناعية محصبة أو محجرة بحجارة منحوتة لا تعب فيها على الماشي ولا الراكب حسنة المنظر ، ولقليل من طرقها المتسعة أشجار يمينا وشمالا ، وجميع البناآت من حجر مبني بطين الرمل والجير وتارة يبنى بالآجر والقرميد وهو أقل من الأول وتارة يعوض الطين بالجص وهو أيضا أقل. ثم إن دورها إما ذات طبقة واحدة أو طبقتين وقليل ما يزيد على ذلك ، وصورة الداران تدخل من الباب الذي على الطريق فتجد محلا مسقفا إن كان كبيرا سمي ذريبة أي دهليزا وإلا سمي سقيفة ، ثم آخر أصغر منه ثم وسط الدار ، والأغلب أن تكون الأبواب المدخول منها إليه غير متقابلة لكي لا يكون مكشوفا لمن بالسقيفة وهو محل مربع الشكل مكشوف إلى السماء وبه أبواب وشبابيك إلى البيوت وهو مفروش الأرض إما بالرخام أي المرمر الأبيض أو الكذال ، والجميع على شكل مربع متقن الإثبات في الأرض حتى يصير كأنه قطعة واحدة مخطط في المنظر بخطوط الحدود ، وحيوطه مكسوّة بالزليز إما إلى نهايتها وأما إلى النصف ، والنصف الأعلى مطلي بالجص الأبيض وبه نقش حديدة ، ونهاية الحيطان عليها قرميد أخضر ،

٣٢٨

والأبواب التي به من الأربعة إلى الإثني عشر يدخل منها إلى بيوت ومرافق ، والبيوت غالبا بعضها أحسن من بعض فأكبرها على شكلين :

فالشكل الأوّل : أن يكون إذا دخلت من الباب تجد البيت طويلا يمينا وشمالا وقبالة الباب بهو ذو قوس مرتفع وفي نهاية أرجل القوس تجد مرفعا ، أي شيئا من الخشب المتقن النقش المزوّق بالألوان دائرا مع حيطان البهو توضع عليه أواني رفيعة من الخزف والصيني والبلور ، وفي نهاية البيت يمينا وشمالا تجد أسرة عليها فرش النوم مسواة بإتقان وأمامها مساطب ومتكئات ، وجميع الحيطان على نحو ما مر في وسط الدار مع زيادة إتقان النقش ، والأبواب كلها ذات زواية كاملة ليست بمقوسة إلا باب الذريبة ، ثم لكل باب أو شباك عواضل من الأربع جهات من الرخام أو الكذال أو الخشب ، كل جهة في قطعة واحدة غالبا ، وعرض العاضدة من شبر ونصف إلا العواضل السفلى في الأبواب فإنها تكون منخفضة لا ترتفع على الأرض أكثر من إصبعين ، وأغلب ارتفاع السقف من الستة إلى إثني عشر ذراعا ، وهي أي السقوف ما بين بناء بالأجر أو الحجر المعقود أو أعمدة من حديد وآجر أو قرميد أو أنها خشب مما يجلب من السويد ، المسمى باللوح الطرطوشي والبندقي من النمسا ، وعلى أي نوع كانت فإنها إن كانت من الخشب نقشت وزوّقت وإلا طليت بالجص ونقشت وزوّقت ، وتارة يطلى النوعان بالفضة الممّوهة بالذهب على أشكال بديعة مع التزويق بالألوان ، والأغلب في سقوف الخشب أن تكون على هيئة خشبات ممدودة على عرض البيت وعمقها نحو شبرين أو شبر ونصف وعرضها نحو ثمانية أصابع ، وكل الأبواب ذو دفتين وتارة يكون ذا أربع دفف وهذا في خصوص أبواب البيوت ، وأما غيرها فلا أكثر من دفتين. ثم عن يمين البهو وشماله مقاصير إثنان فما فوق إما للنوم أو الجلوس أو المرافق ، وعلى الأبواب جميعا ستارات متعددة على حسب الرفاهية ، ويوضع في البيت أيضا مرايات كبيرة على المرفع وراء قطع البلور والخزف وكذلك حول أسطوانتي البهو وهذان يوضع أمامهما خزنتان من خشب الجوز المتقنة الصنعة وعليها ساعتان وفوانيس بأواني من الزهور المصنوعة وغير ذلك من التحف ، وفي الشتاء تفرش أرض البيت بحصير وعليها بسط صوفية.

وأما الشكل الثاني : في البيوت فإنه يكون براحا واحدا إما مربع أو به استطالة ، والحيوط والسقف والفرش كلها على نوع واحد ، غير أنه يغلب في هذا الشكل أن يكون السقف من خشب وعيدانه مغطاة من أسفل مما يلي البيت بألواح من خشب مزوّقة أيضا حتى ترى كأنها قطعة واحدة ، والأغلب لحسن المنظر وعدم ظهور القطع بين الألواح أن تغطى الألواح من أسفل بمنسوج من الكتان أو القطن على عكس امتداد الألواح وتدق بمسامير ثم تلون وتزوّق كما مر ، وفي وسط هاته السقوف على أي نوع كانت توضع قطع من خشب مرتفعة منقوشة بأشكال بديعة مذهبة وتمسك في السقف بقضيب حديد مناسب ويعلق فيها ثريات من البلور ، وما دون ذلك من البيوت يكون أقل إتقانا في طلي الحيطان

٣٢٩

ومفروش الأرض والستائر فقط ، أما أصل الطلي وتبليط الأرض بنوع صلب فلا بد منه ، وفي قليل من الديار الكبرى للأغنياء يوجد بيت واحد ذو ثلاث بهوات أو أربع ووسطه مربع والجميع في أعلى نوع من إتقان المواد والصناعة ، وكذلك يوجد بقلة جنائن في الديار وإنما كثرت بعد وجود ماء زغوان في الحاضرة ، وكل دار لا بد فيها من بئر ومأجل ومطبخ وبيوت لخزن القوت وأدواته ، ولا بد أن يكون خارجها مخزن للدواب أو بعض الضروريات ولا أقل أن يكون أسفل وسط الدار أو السقيفة دهليز لذلك إن لم يكن لها مخزن ، وقليل أن يكون لها علو بابه في السقيفة الخارجية أو الذريبة خاص بالرجال والواردين على أصحاب الدار ، والأغلب أن يكون ذلك للأعيان ويكون العلو تام المرافق والفرش وأكثر من ذلك أن يكون في عوضه بيت واحد يجلس به صاحب المحل ومن يفد عليه من الرجال ، وإذا كانت الدار ذات طبقتين فإن الهيئة المار ذكرها هي هي ، ولا يزاد فيها سوى رواقين أو أربعة أمام البيوت في صحن الدار تكون مرفوعة السقوف على حيطان وجوه البيوت من جهة ، ومن الجهة الثانية على أقواس مستندة على أسطوانات من الرخام الأبيض المتقن أو من حجارة الكذال ، والأقواس مطلية بالجص المنقوش بالنقش حديدة وفوق هاته الرواقات رواشن للطبقة العليا ولها درابزين من الجهة المطلة على صحن الدار ، ومن تلك الرواشن يدخل للبيوت التي في الطبقة العليا وهي مبنية على البيوت السفلى وهيئة البناء والفرش على النحو الأسفل سواء ، ويصعد إلى هاتيك الطبقة بدرج في أحد الأبواب التي بوسط الدار والأغلب في الدرج القديمة أن تكون على هيئة غير مناسبة لبقية بناء الدار لأنهم لا يعتنون بها سوى كونها موصلة للأعلى فتارة تكون ضيقة وتارة تكون مرتفعة تتعب الصاعد لكن في الأبنية الجديدة صارت الدرج متقنة الهيئة من الإتساع والإرتفاع المناسب بحيث لا يكون ارتفاع الدرجة أزيد من شبر وعرضها قدم ونصف وطولها ستة أقدام فما فوق ، وعلى أي هيئة كانت فلا بد لها من التبليط بالزليز أو الرخام وكثيرا ما تكون كل درجة من قطعة واحدة من الرخام الأبيض أو الأسود أو الكذال أو الصوان ، وجميع الحيطان إما مكسوة بالجليز أو مطلية بالجص ولا يكون في السفلى ولا شباك واحد على الطريق وإن احتيج إلى الضوء ولا بد ، تجعل له منافذ قرب السقف لكي لا يسمع صوت النساء ، نعم في الطبقات العليا توجد شبابيك على الطرق ولها أبواب غير منفكة من المقصب الخشب وجميع الشاببيك سواء كانت لوسط الدار أو للطريق لا بد لها من قطع من الحديد على أشكال مرونقة ، وفي القديم كانت جميع الأشكال مربعة هذا في أماكن النساء وأما أماكن جلوس الرجال فليس في شبابيكها مقصب الخشب نعم للشبابيك مطلقا أبواب من الخشب وأبواب بمساطر من خشب وطيقانها من البلور أو الزجاج.

والحاصل أن الديار من داخلها في غاية الإتقان والنظافة على حسب الرفاهية لكن خارجها لا يعتنى بإتقانه فوجه الحيوط مما يلي الطرق كثيرا ما يكون غير مجصص وإنما يبيضونها بالجير والسطوح كلها مستوية وتبيض سنويا بالجير ، فلذلك لم يكن منظر البلاد

٣٣٠

في الطرق جميلا مثل ما هو في الدار هذا كله في غير حارات الإفرنج ، أما هي فإنها على النحو الأروباوي الذي سيأتي شرحه ، ولذلك كانت أنظر ، ونظافة الطرقات متوسطة بحيث أنها ليست بعفنة ولا أنها متقنة النظافة وفي الشتاء يحصل في بعض الطرق التي لم تبلط كثير من الوحل والطين وهذه لم تبق إلا نادرا في المدينة ، وأما في الربظين فهي لا زالت كثيرة وبواسطة المجلس البلدي لا زال يتدارك في تبليطها وتحصيبها وقد تمت الطرق الأكثر مرورا سيما للعجلات ، والطرق خارج الحاضرة ليس منها طرق صناعة سوى طريق بين تونس وحمام الأنف وأخرى إلى باردو ومنوبة وأخرى إلى جهة العونية ، وطريق حديدية إلى حلق الوادي وأخرى إلى الجزائر ويراد مد أخرى إلى الساحل وأخرى إلى ابن زرت ، وأما في الحاضرة فالطرق منقسمة إلى مناهج وهي متسعة أقلها تمر فيه عجلتان متحاذيتان وهي قليلة ، وإلى طرق وهي لا تمر فيها إلا عجلة واحدة وهي أكثر من الأولى ، وكثيرا ما تتعارض فيها العجلات ويوجد بها بعض جهات متسعة لرفع ذلك التعارض وإلى زناقي هي التي لا تمر فيها العجلة بل بعضها لا يمر فيها إلا إنسان واحد ، وأغلب هاته في وسط الحارات. ولا زال المجلس البلدي يوسع في الكل مهما خرب حائط على الطريق إلا أخذ من محله توسعة للطريق ، وأغلب أنواع الطرق غير مستقيم بل فيها تعاريج وانعطافات وتحت الطرق خنادق تجري فيها القذورات والمياه الخارجة من الديار تحت الأرض وأكثرها غير متقن البناء والتسقيف ولذلك يكثر في الشتاء خرابها فتتعطل الطرق عن مرور الحيوانات والعجلات ، وتلك الخنادق تصب في البحيرة التي هي في الجهة الشرقية من الحاضرة هذا.

وأما قصور الوالي وعائلته والوزراء والأعيان فإنها وإن كانت بعضها على نحو ما تقدم وبعضها على النحو الأروباوي لكنها تفوق غيرها في إتقان البناء والكبر وحسن الفرش والتزويق والتزيين وكذلك بساتينهم ، وأما الحوانيت والأسواق فليست بجميلة المنظر لأن أغلب الأسواق ضيق الطريق ومسقف بالخشب الغير المنظم وبعضها مسقف بالآجر وهو أحسن منظرا ، لكن الجميع لا يتأنقون في نظافة الحوانيت وحسن هيئتها ، وأغلبها صغير نحو أربعة أذرع في مثلها وأرضها مرتفعة على أرض الطريق في البناء نحو ذراع ، وبعضها أبوابه من خشب غير منحوت وهي قطع مفرقة يضع صاحبها لوحة حذو أخرى إلى أن يمتلىء عرض الباب فيجعل قفلا على الوسطى من تلك الألواح يمسكها بالعواضد في الفرض التي تدخل منها الألواح ويكون المسك بواسطة حلق صغيرة بعضها في ألواح وبعضها في العتبة بالتخالف في الوضع ويدخل القفل في تلك الحلق ثم يقفل بالمفتاح ، وصورة القفل في الأغلب على الشكل العتيق وهو قضيب من حديد فارغ الوسط به لولب ينجذب ويندفع بواسطة إدارة المفتاح الذي يدخل في فراغ ذلك القضيب ، وهناك في خارج القضيب قوس يدخل في تلك الحلق ويدخل طرفه في ثقب في طرف ذلك القضيب ، ثم يدار المفتاح إلى أن ينجذب اللولب ويدخل في ثقب في طرف القوس الذي أدخل في

٣٣١

القضيب ثم ينزع المفتاح ، ولكن لا زال هذا الشكل يتناقص ويجعل على النحو المتعارف في أغلب المدن في الأبواب وبسبب ذلك مع وجود الخراب في عدة جهات ، وعدم تبييض جميع الحيطان كل عام لم يكن منظر البلاد إجمالا جميلا لمن رأى المدن الجميلة ، والأقواس أغلبها نصف دائرة والسقوف البنائية لا بد فيها من شيء من الإنحداب ثم في المدة الأخيرة حدثت الأقواس والسقوف المبنية المبسوطة هذا.

وأما منازل المسافرين ففي حارة الإفرنج منازل مثل ما هو في أوروبا وقل أن يسكنها أحد المسلمين وإنما يسكنون في خانات وفنادق وسخة فيها بيوت لا فرش لها ولا مطابخ فيلقى المسافر العناء من ذلك إلا إذا تعود على السفر لبلاد المسلمين فإن الجميع فيها متماثل ، وكان السبب في هذا مع كثرة أسفار المسلمين هو خصلة دينية وهي أن الكرم والضيافة مندوب إليها فمهما دخل المسافر بلدا للمسلمين إلا كان حقا على إخوانه أن يستضيفوه فلم يكن من داع لإتقان محلات المسافرين إذ غايتها هو وضع الدواب والسلع التجارية وكان ذلك هو سبب عدم وجود لفظ مفرد عربي دال على نزل المسافر لما جبلت عليه العرب من الكرم والضيافة ، ولكن حيث تغيرت الطباع اليوم فينبغي الإعتناء بمثل تلك المنازل وما ذكر جار في سائر أنحاء القطر.

وعلى نحو ما تقدم في هيئة الحاضرة بقية المدن والقرى لكنها على حسبها في التمصير والغنى غير أن الطرق الصناعية لا توجد في غير الحاضرة ، نعم إن البلدان التي أحدثها الأندلسيون هي أنظم طرقات من غيرها إذ طرقاتها مستقيمة متسعة متقابلة بل بعضها يراعى فيها حتى تقابل أبواب الديار ، وفي غير المدن لا تجد البناء إلا من طبقة واحدة بل وهو الأغلب ، حتى في المدن وكثرة الخرابات في بعض البلدان سيما القرى ، وعدم تبييض وتجصيص الحيطان من خارج تجعل الرائي يحسب الجميع خرابا وكثيرا ما تكون ديار القرى غير مبلطة وإنما تمهد بالطين والجير المسوى.

وأما البطروى فمساكنهم خيام من شعر المعز والإبل تنسجها الأهالي وتارة تجلب من طرابلس ، وللأغنياء خيام من ذلك النوع في غاية الإتساع والإرتفاع بحيث يقدر أن يدخلها الراكب على فرسه ويقسم البيت لأقسام بأردية وستارات ، قسم للنوم ، وآخر للمؤنة ، وآخر لأولادهم ، وآخر لأولاد بعض حيواناتهم ، وأهل الغنى يجعل لكل نوع من ذلك بيوتا خاصة كما أن للضيوف وجلوس صاحب المكان بيتا خاصا ، ويفرشون بيوتهم بنحو ما يفرشه أهالي الحاضرة الأعيان من المرايات والساعات والتحف الخزفية والمفروشات الحريرية والأسرة المذهبة والفوانيس والشموع إلى غير ذلك من أنواع الحضارات ، لكن العموم يفرشون في أرض البيت حصيرا وفراشهم أردية من الصوف مثل ما يلبسونها ووسادات وغطاء ، وبيات الرجل وزوجته وأولاده كلهم في فراش واحد ويطبخون في فم البيت أو أمامه وكثير منهم من لا ينور في الليل إلا بما يوقد من الحطب وبعض القبائل يسكن في خصوص أو بناء شبهها.

٣٣٢

مطلب في اللبس

لباس الحكومة والعساكر النظامية هو اللباس الإفرنجي ، غير أن للعساكر علامات على الرتب وهي صورة نجم من فضة خالصة لرتبة الفريق ويجعل ستة نجوم في رقبة سترته ثلاثة من كل جهة وهو نهاية رتبة يعطيها الوالي ، ثم أمير اللواء له أربعة ولأمير الآلاي إثنان وللقائم مقام والأمين آلاي ستة من طرز خيط الفضة المذهبة ، وللبينباشي أربعة وللقلاسي إثنان ، ثم للرتب التي تليه ثلاثة من الفضة الغير المذهبة وهكذا من يليه على النحو السابق. وهاته الرتب تعطى أيضا بعينها لغير العسكر من ذوي الوظائف السياسية إذ ليس هناك رتب ملكية وفي المواكب يلبسون اللباس الرسمي المطروز بقصب الفضة المذهبة إلا الضابطية فطرزهم من غير المذهبة وتعلق في صدورهم النياشين التي هي من الفضة المزوقة بالمينا ، وللصنف الأكبر منها له شريط أخضر ولنيشان العهد شريط أبيض على نحو ما سبق ذكره في الكلام على أحمد باشا والصادق باشا. والوالي يلبس بشاشيته ثلاثة نياشين كبار أحدها كانت الدولة العلية أعطته لأحمد باشا عندما كان ذلك من رسوم المشير ثم زاد هو ثانيا مثله ثم زاد الصادق باشا ثالثا مثله وهي نياشين من ذهب على صورة أوراق من النبات وبوسطها ترصيع بالياقوت الأبيض ، كما يلبس نيشان المشير المرصع الذي كان أيضا من رسوم الدولة العلية ، ويلبس نيشان أل بيته المرصع والعهد المرصع والصنف الأكبر المرصع والغير المرصع وجميع نياشين الدول التي أهدتها له مع شرطانها. وكذلك جميع المتوظفين كل منهم يلبس ما عنده من النياشين ثم كل من له رتبة أمير آلاي فما دون له علامة تلصق بشاشيته من نحاس على صورة شارة الحكومة مكتوب بها إسم الوالي الصادق باشا إذ هو مخترعها ، وأما أهل المجلس الشرعي بالحاضرة فيلبسون قلانس بيضا مكورة غير أن المالكية قلانسهم مفلطحة والحنفية مرتفعة ويلبسون عليها طيلسانا من الكشمير ويلبسون جبائب أكمامها واسعة وهي طويلة إلى الكعب أو قربه وهناك فرق بين جبائب الحنفية والمالكية ، فالأول : جبائبهم مشقوقة الجيوب إلى أسفل والآخر مشقوقة إلى السرة فقط ، ويزيد المالكية برنسا واسعا من الجوخ الصوفي له حواشي وشرابات من الحرير ، وفي أرجل الجميع حذاء من النوع المسمى بشمق وريحية لونه أصفر وهو لبس لا يتحمل المشي به في الطين ولو قليلا إذ هو أشبه شيء بالنعل لكن له وجه على أصابع القدم ويلزم للمشي به تعلم وتعود لكي تمسكه أصابع الرجل إذا رفعت الرجل سيما إذا كان مع الريحية فيقع الإزدلاق بين ملوسة جلد البشمق وجلدها نعم أن منظره جميل.

وأما أهالي الحاضرة فيلبس الرجال قميصا وصدرية وأخرى تسمى فرملة غير أنها بلا صدر ومنتان أي صدرية بلا صدر ولها أيدي ضيقة إلى الرسغ وتارة يكون في هاته الأيدي فتح من أسفل قرب الرسغ وتارة لا وتارة تكون قصيرة إلى أسفل المرفق فقط وتسمى كنبرة ، وسراويل رجلاها أسفل الركبة بيسير ووسطها غير متدل كثيرا ولا مرتفع كثيرا وهي عريضة بحيث إذا لبست كان فيها إنكماشات بين الرجلين ولا يبلغ تدليها إلى الركبتين ،

٣٣٣

وأحذيتهم من أنواع فمنها : الكنترة وهو من لباس الإفرنج على أنواع شتى ، ومنها : البلغة ولونها أصفر ، ومنها. السباط الأحمر أو الأسود لبعضها شرابات من الجلد ، وبعض الأعيان يلبسون البشمق والريحية وعلى رؤوسهم شواشي حمر لها شرابات من الحرير الأسود وعليها عمائم ملوية أما بيض أو مطرزة بطرز الهند أو بطرز البلاد ، وعلى الجميع برنس شتاء وصيفا غير أن كيفية استعماله كأنه حمل لا لبس إذ يلقونه على أكتافهم بميل لأحد الشقين فقط ، وهيئة البرنس هو رداء متسع طويل إلى القدمين وله رأس يسمى بالطربوش وكله في قطعة واحدة وأسفله مقصوص معرج على هيئة نصف الدائرة ، ثم إن الأعيان والأواسط يزيدون تحت البرنس جبة مشقوقة إلى السرة فقط وليس لها أكمام بل إنها مشقوقة من أعلى الجنبين لإخراج اليدين منها فهي عباءة غير مشقوقة الأسفل ، ويلبسون أيضا الجورب من القطن فقط أو مع الصوف من تحته وبعض قليل يلبس الجوخة والقفطان ، وهما جبتان ضيقتان مشقوقتان إلى أسفل ولا فرق بينهما غير أن ما تلبس من أعلى أكمامها مدورة قصيرة إلى قرب المرفقين وأسفلهما يتحزم عليها بالحزام الذي لا بد منه لكل أحد ، كما أن البرنس لا يمكن خروج الإنسان في الطريق بدونه وغاية الفرق بين لباس الأغنياء وغيرهم هو رفعة المنسوجات وحسنها وكلاهما مع مفروشات الديار من الصنائع الأجنبية إلا البرانس والشاشية وبعض أنواع حريرية ، كما يحمل الأعيان والأواسط ساعات بسلاسلها من الذهب أو الفضة أو النحاس ، وأما التختم فقليل جدا وكثيرا ما يعد أنه من سمات ذوي الدناءة إلا لبعض أعيان الأعيان ومع ذلك كثير منهم يتحاشا عنه ، ومثل هذا اللباس لباس أغلب المدن والقرى أو قريب منهم وبعضهم يلبس جبة من الصوف وسراويل منها كلها من صناعة الأهالي وعوضا عن البرنس يلبسون كبوطا وهو شبه البرنس غير أنه ضيق وله أيدي وقصير إلى الحزام فقط ، وهو أيضا لا بد من لبسه لسائقي العجلات للأعيان في الحاضرة غير أنه من نوع الجوخ المطرز بخيوط الفضة وله منظر جميل.

وأما البوادي فلباسهم قميص ورداء من الصوف يسمى بالحرام وبرنس من الصوف ، غير أنه يلبس لبسا بأن يدخل الرجل رأسه في الطربوشة وتارة يبغيها على رأسه وتارة يلقيها إلى ورائه على كتفيه ، وهما من مصنوعاتهم ، وعلى رؤوسهم شواشي وعمائم من خيوط من وبر الإبل أو صوف الغنم الأسود أو الأحمر وفي أرجلهم البلغة ، والأعيان منهم يلبسون فوق القميص مثل لباس أهل الحواضر وحرامهم يكون من الصوف الجيد الرفيع والحرير وكذلك عمائمهم مثل الحواضر ومثلهم أهالي بعض البلدان كبلدان الجريد والكاف وباجة وتبرسق.

وأما لباس النساء ففي الحاضرة يلبسون القميص لكنه قصير إلى أعلى الفخذ وفوقه مثل الصدرية بلا صدر ويتأنقن في إتقانها وتحليتها بالفضة أو الحرير أو العدس وتسمى فرملة ، وفوقها جبة ضيقة بعض الضيق بلا أكمام وقصيرة مثل القميص المذكور ، وسراويل ضيقة جدا مثل سراويل رجال الإفرنج لكنها مخروطة الرجلين مع إتقان تحليتها والتغالي

٣٣٤

فيها ، وعلى رؤوسهن على الشعر منديل حرير أسود يسمى تقريطة ، وفوقه قوفية أي نوع من العراقية محلاة ولها جبين مرتفع من أصبعين إلى الثمانية أصابع صلب بالطرز الحرير الأسود على خيطان من الكتان الصلب ، وفي مؤخرها ذيل من الحرير مدلى إلى قرب ذيل الجبة ويطرز بأنواع جميلة من الفضة والحرير ، ثم تلف رأسها ورقبتها بلثام من أنواع الحرير والقطن ويطرز أيضا كما مر على هيئة متقنة ، وتعصب على الجميع بتقريطة ملونة أو مزوقة بالفضة بعد طيها على عرض أربعة أصابع ، بحيث يكون ما فوق القحف من غطاء الرأس مكشوفا من تلك التقريطة ، وتربط أطرافها من جهة الجبهة على هيئة تكون بصورة التاج ممسوكة بمساسك من النحاس دقيقة صغيرة ويكن أذرعهن مكشوفات ، ويلبسن في أرجلهن أنواع الأحذية الإفرنجية والأعيان يلبسن الجوارب والخادمات يلبسن على نصفهن الأسفل فوق جميع الثياب إزارا من القطن أو مخلوطا بالحرير أو الحرير الصرف ملون أغلب ألوانه مائلة إلى السواد لتحمل الوسخ. ولما تقدم لم يكن شكل النسوة جميلا من لبسهن وإذا خرجن للطريق فالأعيان يلتحفن برداء أو طيلسان واسع ثم يدخلن في الكروسة وتدخل أي الكروسة إلى داخل الدهليز لتركب المرأة فيها ثم تسدل ستارات الكروسة بحيث لا يرى من ركب فيها ، ونسوة الأواسط يلبسن عند الخروج رداء عريضا بالغا قرب القدم ومغط للرأس على هيئة ساترة لجميع أجزائها ، وعلى وجهها عجار من الحرير الأسود وأطرافه مزوقة مغروز في غطاء رأسها بمساسك وتمسك طرفيه بيدها مع لفهما في ردائها وعلى رجليها ساقان عريضان من منسوج ثخين مطرز ونعلها خاص بالخروج.

وأما الأسافل فهن مثل ذلك أيضا سوى العجار فيعوض بلثام أسود ملفوف على الوجه ثخين لا تظهر منه البشرة ولا تبان إلا عيناها ، ونسوة اليهود مثل ذلك إلا ستر الوجه فهن مكشوفات.

وأما لباس نسوة البلدان فهو على ذلك النحو غير أنه ساتر أكثر لأنه متدلي إلى قرب الكعب والجبة أوسع وبعضهن يتمنطقن بحزام.

وأما نسوة الأعراب فهن مثل ذلك أيضا سوى الجبة فعوضها رداء واسع تمسكه المرأة بمساسك كبار من فضة أو ذهب أو نحاس حذو كتفيها مما يلي الصدر ، وتتمنطق عليه بحزام ويكون ساترا حتى إلى القدمين مع الإتساع غير أنهن لا يلبسن السراويل ولا يتقنعن على رقابهن فغطاء رؤوسهن أجمل من نسوة الحواضر وكثير من نسوة القرى مثلهن ، والجميع يلبسن من الحلى أنواعا شتى من القرط في الأذنين بعد ثقبهما منذ صغر البنت والأساور والخواتم والتيجان وغير ذلك من المجوهرات الثمينة والمكللة بالياقوت والزمرد واللؤلؤ ، وبعض الحواضر والقرى والأعراب يتخلخن في أرجلهن أيضا كل على حسب الثروة واليسار.

مطلب في الأكل

أما أهل الحاضرة فأكلهم جامع بين أنواع أكل أهل المشرق والمغرب والأورباويين ،

٣٣٥

بحيث لهم من كل أحسنه سيما الأعيان ، والغالب في البلد وأعرابها وسائر بلدانها هو طعام الكسكوس أو العصيدة ، وتزيد البلدان بالشكشوكة : طعام من زيت وقديد وبصل وطماطم وفلفل ، وأغلب السكان يأكلون الطعام الحريف المسمى عندهم بالحار من الفلفل ويكثرون من الأبزار إلا البوادي فأغلب طعامهم بسيط من دقيق القمح أو الشعير أو الذرة واللبن واللحم المشوي ، وفي ولائم الأعراس بالحواضر يكثرون أنواع الحلويات. وهيئة الأكل عموما هي الجلوس على الأرض أما على متكاآت أو بسط أو حصير ويوضع الطعام جملة ويأكلون من إناء واحد ثم غيره وهكذا ، والغالب طعام واحد ، وأهل البلدان يصنعون مائدة يوضع الطعام عليها وهي من خشب مدورة ارتفاعها عن الأرض نحو شبر وبعضهم يجعل عليها أو على كرسي مثلها طبق من النحاس ، وفي بعض الأعيان ومتوظفي الحكومة صارت هيئة الأكل كما هي عند الإفرنج وبعضهم صيرها بين بين بحيث يؤكل من إناء واحد لكن بالشوكات والسكاكين ، والخبز له أنواع : ففي العربان إما أن يكون منضجا في فرن يسمى الطابونة وهو حسن جدا سيما السميذ منه ، وإما أن يكون العجين غير مخمر ويشوى في إناء من الطين وهو رديء لقلة نضجه وعدم تخميره وكلا النوعين موجود في البلدان إلا الحواضر فيوجد الأول بقلة عند الأعيان على وجه التفكه. والخبز الغالب في المدن هو خبز مرتفع صغير قليل النضج مخمر لذيذ ينضج في الفرن المعتاد ونوع آخر كبير وهو الذي يصنع في الديار أنضج من الأول ، والأول لا يأكله إلا من لا عائلة له أو الفقراء ذوو العيال.

وأما خصوص الحاضرة ففيها إثنا عشر نوعا من الخبز كلها جيدة سليمة ناضجة على النحو الذي يعرف في المشرق بالإفرنجي ، وعادة الجميع في الطبخ أن النسوة هن المكلفات به ويطبخن في اليوم مرتين فطورا وهو عند الزوال وعشاء وهو بعد الغروب ، كما توجد مطابخ في الأسواق يطبخ بها الرجال لمن لا عائلة له أو داره بعيدة عن محل صناعته وأغلب طبخها رديء إلا قليلا ، ومن طعام السوق الجيد القليل النظير بريك البيض فيشتريه حتى الأعيان في ديارهم للذة أكله ، والغالب أن الأهالي زمن الصيف يدخرون مؤنة السنة من الكسكسو ونوع مثله يسمى المحمص والقديد والإبزار. وأما الحطب فإنما يخزن في أواخر الشتاء عند تنقية شجر الزيتون لأنه هو أغلب الحطب ، والفحم لا يطبخ به إلا قليلا ، وبقية المأكولات تشترى يوميا كاللحم والخضراوات ومنها شهريا أو أسبوعيا كالزيت والسكر والقهوة.

مطلب في الأعراس والمواكب

أول المواكب في عيد الأضحى والفطر وقد مر كيفية التعييد على الوالي ، وأما الأهالي فيتزاورون لبعضهم أربعة أيام ويحصل من ذلك تعب كثير سيما إذا لم يجد الزائر المزور فإنه يعود إليه ولو مرارا ، ويعطى للزائر قهوة والأقارب يعطى لهم أنواع من

٣٣٦

الحلويات ، وفي جميع المواكب التحية بالتقبيل فالعظماء بتقبيل أكفهم ثم من دونهم بتقبيل المرافق ثم المتساويان في الأكتاف وقليلا في الأفواء وبعض الأعراب يقبل كل يد صاحبه وتارة رأسه ، وكذلك يحصل موكب في المولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام على نحو ما مر تفصيله في الكلام على السياسة. وأما بقية المواسم فلا موكب فيها وإنما فيها الصدقات والقراآت والتوسع على العيال ، وفي عاشوراء تطلق النيران والبارود اعتقادا أنها من تفريح الصبيان وكأنها نغزة باقية من آثار الخوارج الذين كانوا بالقطر ، وفي رمضان تتأنق أهل الحواضر سيما القاعدة في الأكل وكل يدعو أحباءه للعشاء عنده ولا أقل أن يتعشى ولو إنسان واحد مع صاحب الدار ويصرفون في ذلك زيادة على العادة. وأما الختان فإنهم يجعلون له وليمة مثل العرس وسيأتي بيانها وفي هذا زيادة ، وهي : أن الطفل المختون يؤتى به قبل الختن من مكتبه وهو لابس لأجمل لباسه الذي كثيرا ما يكون مقصبا بالفضة أو مطرزا بطراز السراجين ومعه تلاميذ المكتب بملابس جميلة أو نظيفة ، ويرفع رجل على رأس المختون لوحا مزوّقا ويطوفون في حوالي حارتهم وأمامهم أو خلفهم فرقة من الرجال يذكرون قصائد في مدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتجيبهم التلامذة ببيت القصيد على ألحان جيدة رافعين أصواتهم إلى أن يصلوا إلى دار المختون ، فيقدم لهم موائد من الحلويات ثم يختن الولد أحد الحلاقين المجاز لهم في ذلك بمقص من حديد ثم يوضع في فراشه المرونق ثم يهدى إليه من أقاربه وأوداء أبيه أما مال أو مصوغ ، وأعلى الهدية قدر أربعمائة ريال فما دون وقد قلت هاته العادة فصار الختان أكثره مخفيا بدون هدية ولا غيرها ويتناقلون في إخفائه روايات منها قولهم : «أعلنوا النكاح وأخفوا الختان» ولم توجد في كتب الصحيح ولم نر نصا لأصحابنا في المسألة سوى أني رأيت في الأحياء للغزالي الذي هو شافعي أنه عد في أنواع السماع الجائز : «السماع عند الختان وعند حفظ القرآن» (١) الخ فهو دال على أن إشهار الختان غير منهي عنه كما أنه غير مندوب لقوله : «وهو أي السماع مباح إن كان ذلك السرور مباحا كالغناء في العيد وفي العرس وفي وقت قدوم الغائب وفي وقت الوليمة والعقيقة وعند ولادة المولود وعند ختانه الخ فهو دال على عدم النهي عن إشهاره فقط.

__________________

(١) انظر احياء علوم الدين ٢ / ٢٤٤ «بيان الدليل على إباحة السماع» وفيه قوله : السماع في أوقات السرور تأكيدا للسرور وتهيجا له وهو مباح إن كان ذلك السرور مباحا كالغناء في أيام العيد وفي العرس وفي وقت قدوم الغائب وفي وقت الوليمة والعقيقة وعند ولادة المولود وعند ختانه وعند حفظه القرآن العزيز وكل ذلك مباح لأجل إظهار السرور به. ووجه جوازه أن من الألحان ما يثير الفرح والسرور والطرب فكل ما جاز السرور به جاز إثارة السرور فيه ، ويدل على هذا من النقل إنشاد النساء على السطوح بالدف والألحان عند قدوم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم :

طلع البدر علينا

من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا

ما دعا لله داع

وهو سرور محمود فإظهاره بالشعر والنغمات والرقص والحركات أيضا محمود.

٣٣٧

وما الأعراس فإن الزوج بعد الخطبة يرسل المهر وأعلاه ألفا ريال إلا الأمراء والوزراء فيزيدون على ذلك إلى العشرين ألفا ، ثم يرسل مع المهر هدية تسمى الملاك وهو صندوق صغير مجلد بصفائح الفضة أو خشب مرصع بالصدف وفيه المهر مصرور في مناديل من حرير مخلط بالفضة ، ثم صندوق آخر أصغر من الأول من فضة أو ذهب أحيانا مقسم الوسط به قنينات مملوءة أعطارا وأسفلها أنواع من طيب البخور العنبر والقماري ، ثم حقة من ذهب أو فضة فيها قطعة كبيرة من سكة الذهب إما دبلون من سكة الإسبنيول أو قطعة مائة ريال ذهبا لتوضع في كف العروس عند وضع الحناء ، ثم حصير أو أزيد مملوءة بالحناء الورق مخيطة على شكل مدور لكي تحفظ وتلف الحصير في ملاحف من قطن أو حرير ، ثم صحن من الزجاج أو الفضة به شكل كالعصيدة من الحناء موضوع في طبق من الزعف مكسو بمنسوج من الحرير أو الفضة مغطى بمنديل مثل ذلك ، ثم قطعة من مصوغ مكلل بالأحجار ثم حزم من الشمع الأبيض كل معصبة بالتقارط الحريرية أو الفضة من ثلاثة حزم إلى العشرين ، ثم شمعتان أو أكثر كبيرتان نحو الإسطوانة معصبة أيضا مثل ما ذكر ثم خمسة أي شمعة صورة كف آدمي كبيرة طولها نحو ذراعين فما فوق وتارة تكون أزيد من واحدة كلها من الشمع معصبة كما ذكر بأشكال حسنة ، ثم أطباق كبار من الزعف بها قنطار فما فوق من السكر الأبيض ويرسل ذلك إلى دار العروس مع أقارب الزوج من النساء عشية ، وفي الليل تسرج دار العروس التي قد زينت ودعي إليها النسوة من الأقارب والأحبة وتزين العروس بأجمل لباس ويوضع على رأسها رداء من منسوج الفضة الثخينة وعلى وجهها برقع من الحرير الصفيق ، وتوقد تلك الشموع المهداة لها وتجلس في بيت أبيها على مسطبة ومتكئات من الحرير أو الفضة ثم يهدى إليها ممن حضر مال لا أزيد فيه من مائة ريال ، ثم تحنى يداها بالحنة المهداة بعد وضع قطعة الذهب في كفها الأيمن وينفصل الموكب بعد أن تعشي النسوة الضيوف ويفطرن صباحا ، ويتهيأ أبو العروس إلى إنفاق الأموال فيجعل لابنته ملبوسات لا تلبس إلا يوما كالقمجة الكبرى وما والاها ، وهي : جبة كبرى من نوع من الفضة المنسوجة ثخينة ثقيلة تتكلف بنحو ألف ريال ، ويتبعها سراويل مثلها وهكذا مما لا يلبس إلا يوما أو يومين مع ألبسة أخرى معتادة للتجمل ، والعادة مما يكفيها سنة أو أزيد مع كسوة لبيت زوجها من فرش الصوف والأردية والستائر للأبواب والأسرة والمتكاآت كلها من نوع القمجة من الفضة والعدس الذي لا تكسى به البيت إلا إسبوعا واحدا ، فيصرف أبوها أضعاف أضعاف من المهر وبعد أسبوع من عرسها تباع تلك الأشياء بمالا يبلغ الربع من ثمنها الأصلي وعند العرس يحضر الزوج داره ويبقى بيته فارغا إلا أحد مقاصيره مثلا يجعل فيه ما لا تأتي به المرأة كما يجعل الأسرة في البيت والساعات والمرايات والبساط.

وقبل ليلة العرس بيومين تستدعى الأحباب من كل على أن تكون الملاقاة في أحد المساجد عند صلاة العصر لمن دعاه الزوج ، وأما المدعوون من أب الزوجة فيقدمون إلى داره توا ، ثم يقدم أب الزوج أو وكيله مع من دعاه لدار الزوجة وبعد الجلوس والدار مزينة

٣٣٨

وبوسطها جميع الجهاز الذي أحضر للعروس ليرفع لداره على هيئة منظمة يخطب الخطيب وهو أحد الشهود المتخذين الشهادة صناعة وتارة لبعض الأعيان يخطب أحد أهل المجلس الشرعي أو غيرهم من العلماء ويقع الإيجاب والقبول ، ولا يكون من الزوج والزوجة بأنفسهما بل إن كان لهما أب فهو أولى أو ولي آخر أو وكيل ، وبعد ذلك تقرأ الفاتحة من الحاضرين الذين يبلغون أحيانا إلى ألف فما دونها وتضيق بهم دار الزوجة وربما لا تتحملهم الدار لأنه كثيرا ما لا يتفاهم الأصهار على عدد المدعوين ، وإن وقع التفاهم وكانت الدار لا تحملهم جعل العقد في أحد المساجد ليسع الجميع ثم يسقى الحاضرون ماء محلى بالسكر فيه أنواع الطيب ثم يرشون بمياه الطيب وينصرفون إلا الخواص من الأحباء فيرفعون الجهاز على حيوانات ويطاف به في البلاد ليرى مبصر ويسمع واع ، وتفرش به بيت الزوج. وقبل ليلة العرس بيوم تصنع وليمة بالحلويات الخفيفة على مائدة مستطيلة كبيرة في إحدى البيوت حولها كراسي ويدعى إليها مئات من الناس من أوّل النهار إلى ما بعد نصفه ، كلما جاء فوج أدخل أعيانه ليرى بيت الزوج ثم أدخلوا جميعا إلى المائدة فيأكل كل شيئا يسيرا من الحلو ويشرب قليلا من المشروبات الملونة الحلوة ويقرؤن الفاتحة وينصرفون ، ثم ترفع المأكولات والمشروبات لتعود كأصلها ويدخل إليها فوج آخر وهكذا إلى الختام وقد يعوض عنها بعشاء في النصف الثاني من النهار ، وهو محتو على مطبوخ من اللحم والطير والسمك والحلويات على مائدة واحدة وتدخل عليه الناس أيضا كما مر ، غير أن الأكل منه أكثر من السابق وإن لم يكن حقيقيا للشبع وقد يعوض عن الجميع بوليمة ليلة العرس لمجرد أحباء الزوج وأقربائه ، ثم يؤتى بالعروس بعد الغروب هي وقرابتها في كراريس يرسلها الزوج أو وليه ويذهب للإتيان بها أحد قرابات الزوج ويهدى إلى العروس في ليلة العرس ما يسمى «قصان الدلال» ، والهدية على أقرباء الزوج وكذلك في ليلة الوطئة الكبرى وهي قبل العرس بثلاثة أيام للحنة للعروس والمهدي قرابة العروس ، كما تهدي العروس للزوج وبعض الرجال من قرابته كأبيه وأخيه شيئا من الملبوس ، وبعد خروج العروس من دار أبيها تجتمع حثالة النسوة اللاتي يرون الذهاب لدار الزوج ويوقدون تلك الشموع ويذهب معهن أقرباء العروس من الرجال ومن أتى لمصاحبتهم من أقارب الزوج لكن هؤلاء يمشون في مقدم الموكب والآخرون في آخره والنسوة في الوسط ويصرن يولولن في الطريق ويدققن الأبواب ويصرخن يا سعد يا سعد ، ثم يدخل الزوج على عروسه ويعمل الخلوة الصحيحة ويخرج ولا يبات. ولا يعرسون إلا ليلة الجمعة والإثنين والخميس ولا يعرسون في المحرم تشاؤما وبسبب ما تقدم من كثرة المصاريف عضلت بنات من يخشى على عرضه وتفقرت أقوام ولا حول ولا قوّة إلا بالله.

وقريب مما مر ما يقع في البلدان والقرى يخرج فيه ذلك بعادات العربان وهي : أن بعد الخطبة والعقد يرسل المهر ومعه شيء من الملبوس أو المصوغ والطيب ، ثم أبو الزوجة يكسو ابنته وعليه شيء من لباس الزوج ، ثم يأتي بالعروس لبيت زوجها

٣٣٩

في محفل على ظهر جمل مزين بالثياب الرفيعة والحلى وحوله أفواج من قرابة الزوجين بأحسن لباسهم والطبل يعزف والبارود يصرخ وتارة الخيل والفرسان تلعب إلى أن تصل لبيت زوجها ، ويجعل لهم أبو الزوج وليمة قسم للرجال وقسم للنساء فيعطي لكل شخص لحمة في يده من رجل أو امرأة واللحم موضوع في قفة ثم تقدم قصع الكسكسو ولمن أخذ لحمة فوجدها عظما أن يردها ويأخذ غيرها ، ثم يدخل الزوج على عروسه ويتزوجها وإذ ذاك يطلق البارود وتعلن النسوة بالولولة ثم يبقون بين غناء وسرور والغناء من الغنائين ، والرجال تمدهم بالمال شيئا فشيئا لكن يعطون قطعا من النحاس فلا يصرفون كثيرا غالبا ، والنسوة ضاربات خمورهن على جيوبهنّ وهن منصتات وتارة يغنين والرجال يسمعون ، كما أن أهل الحاضرة يحضرون أهل الموسيقى في ليلة العرس وعند الوليمة وتحضر معهم عاهرات مغنيات إذ مطلق النسوة لا تغنين أبدا ولو بين أيدي أزواجهن ، والغالب على أصحاب الموسيقى أن يكونوا من اليهود لأن أكثر المسلمين يتحاشون منها لما تقدم في مطلب الصنائع ، وذلك كله في غير الموسيقى العسكرية فإنها على النحو الأروباوي ومثلها موسيقى الأروباويين في تونس. ويصنع مثل ما تقدم أيضا ليلة السابع من العرس وهي ختامه وتارة تجعل ولائم للولادة ومتى حضر أحد كبار العلماء أسكنت الموسيقى لكن وقع التساهل في ذلك الآن.

وأما المآتم فإذا مات إنسان بكى عليه النسوة برفع صوت وتارة ينحن عليه وقد قل ذلك ولله الحمد والمنة ، وعند خروج الجنازة يفعلن مثل ذلك ثم عند الإتيان بما يغطى به النعش بعد الدفن يفعلن ذلك وعند الموت يفرغ بيت الرجل مما بها من الأثاث وأما المرأة فلا ، ثم يحضر قراء يقرأون القرآن حوله وهو مكروه شرعا للإجتماع على صوت واحد ولأنه قبل غسل الميت ثم عند الغسل يؤتى بخواجات يكبرون ويهللون بصوت عال وهو من البدع ، ثم يؤتى بالقراء والمنتسبين إلى زوايا الصالحين بعد التكفين وكل يقرأ إما القرآن أو أورادا للشيخ المنتسبين إليه وهو من البدع ، ثم يحمل على نعش وتارة يوضع في تابوت من خشب ويحمل على النعش ويصير كل من أولئك الفرق يصيحون بالقراءة والتكبير وغير ذلك وهو حرام أو مكروه إذ قراءة القرآن في الطريق لا تجوز لما فيه من النجاسة المحققة سيما بعض الطرق في الحاضرة ، ثم يصلى عليه في صحن المسجد أو عند القبر وهو الأفضل ثم يدفن وتقف أقرباؤه للعزاء فيتعبون ويتعبون من تقبيل كل من قدم للجنازة وقيم المحلة يصيح بقوله أثابكم الله كل خطوة بحسنة الخ من البدع ، ثم في اليوم الثالث والسادس والخامس عشر والأربعين والعام يجعل في دار الميت موكب تجمع فيه النسوة للبكاء سرا وتارة جهرا ، وتجتمع الرجال بالإستدعاء إلا في اليومين الأولين لمشاهدة قراءة القرآن والبردة وتارة تكون بتغن ، والحاصل أن جميع ما يفعل في ذلك هو من البدع

٣٤٠