صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار - ج ١

السيّد محمّد بيرم الخامس التونسي

صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد بيرم الخامس التونسي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٨
الجزء ١ الجزء ٢

هم فيه من الفقر ، وضاق الخناق بسبب ذلك بين جذب ودفع لما في طبع هذا الأمير من النفرة عن تلك السيرة وكان ذلك سببا للوشاية به لأخيه واتهم مستشاره المقرب محمد الطاهر الزاوش بأذية الأهالي ، ونسب إليه بعض ما صدر من إبراهيم بن عباس المذكور ، والحال أني رأيت بخط كاتب أسرارهم الوزير أحمد بن أبي الضياف المذكور في وصف المستشار المشار إليه ما نصه :

«واعتمده باي المحلة في الوساطة بينه وبين الناس وحمدت بذلك سيرته الخ» ، وذلك هو المعروف عند السكان في الثناء على أعمال المستشار ، وتوصل الوزير خزنه دار بما تقدم إلى إبطال سفر الأمير المذكور بالمعسكر على عادة أسلافهم واستعوض عن ذلك بسفر أحمد زروق المذكور ، ثم أن ما وقعه كل من الأمير علي باي والوزير رستم قد خرقته أيدي العمال والبعوث التي وجهها الوزير خزنه دار ، وأتى بأعيان من قبائل الجهات الغربية والشمالية يبلغون نحو المائتين وأغلبهم كان في خدمة الطاعة وأبلوا في قود الأهالي وإرجاعهم للسكون البلاء الحسن ، ولا ذنب لهم إلا كسبهم ، وأوقفوا في صحن البرج من قصر الحكومة بباردو وخرج لهم الوالي وخاطبهم بأنه لو لا شفاعة الوزير لأمر بقتلهم ، وليته لم يشفع لأنه أي القتل أهون الموتتين ، ثم حكم عليهم بالجلد بالعصا. ورأيت بخط الوزير الكاتب المذكور في قصة هؤلاء الرهط الذين منهم الشيخ الهرم المنسوب إلى الصلاح الحاج مبارك صاحب زاوية تاله ما نصه :

«فتقدمت مردة العذاب إلى ما كرم الله من أبدان بني آدم يكبون الواحد على وجهه ويسحبونه على الأرض موثوق اليدين والرجلين ، ودام الضرب في أولئك المساكين يومين أو ثلاثة بمرأى ومسمع ، وفي خلال أيام الضرب قدم ابن ملكة الإنكليز سائحا فلم يقع الضرب يوم قدومه خشية وقوع الشفاعة منه عند مشاهدته تلك الحالة اللظيعة الشنعاء ، ولما تم الضرب بإعداده وإتقانه سجنوا بسلاسلهم وأغلالهم ومات منهم بسبب الضرب الذي لا تتحمله القوى الحيوانية علي بن عباس شيخ تاله وخرجت روحه قبل كمال عدد الضرب فكملوا العدد بضرب شلوه وهو ميت ، ومات بعد الضرب الحاج مبارك شيخ الطريقة بتاله المار ذكره ولم يسمع منه حالة الضرب إلا قوله يا ربي يا ربي إلى أن أغمى عليه ، والحاج صالح بن التليلي من بيوت الفراشيش وغيرهم ، وعدد من مات بالضرب في أقل من عشرة أيام ستة عشر رجلا». ا ه كلامه باختصار. وسجنت خلائق مع الأعمال الشاقة ومنهم علي ابن غذاهم بعد تأكيد الأمان إليه وقدومه مع ابن القطب الصالح سيدي أحمد التجاني رضي‌الله‌عنه وبقي في حبس مظلم ندي إلى أن مات ، وكذلك كثير ممن سجن ولا يمكن إحصاؤهم وفشا الخبر في الآفاق واستفظعه من سمعه ، حتى أن نابليون الثالث إمبراطور الفرانسيس أثر رجوعه من الجزائر لثورة وقعت فيها ومهدها بلطف وتحبب للأهالي بسعيه بنفسه ، وكان ذلك في أثناء الهرج بتونس خطب عند رجوعه وذكر أسباب ثورتهم من جهلهم بما يراد منهم وعدم سلوك الطريقة المناسبة لوصولهم ، وأثنى على عساكره ثم قال وبعد الحرب وإطفاء

٢٤١

الثورة لم يقع منا انتقام ولا شدة ولا ما ينقص فخر النصر الخ ، وكأنّ الدولة الإسلامية لم يبلغها الحال الذي لم يزل شبهه إلى الآن مع نص الفرمان المخالف لذلك ، ومع هذا التعذيب في الأبدان فقد أتى على أموال الأهالي عن آخرها ولم يبق للبلدان والقرى وقبائل العرب شيء مما يسد العوز ، ومن كان له أدنى شيء من القوت كان يخفيه ويرسل نسوانه لالتقاط العشب وعروق الأشجار لقوتهم ، ولقد ذكر لي أحد يبتوتات دريد أنه كان يرسل نسوته اللائي لم يعهدن التطوف في البراري لجلب عروق الترفاس وينشره على ظهر بيته ليراه أعوان العامل ويطبخ ليلا القمح في الماء من غير طحن لكي لا يسمع الناس حس الرحا فيتهم بالمال ، وذكر لي أحد الثقات من التجار أنه كان يوما جالسا عند إبراهيم العامل المذكور وهو يوصي نائبه العازم على السفر إلى القبيلة ويحرضه على خلاص المال ، فأجابه النائب بأنه يعمل غاية جهده بحيث يبيع كل ما يجد فمن وجد عنده نعجة باعها ومن وجد عنده عنزا باعها ومن ومن إلى أن قال : وفي أقرب وقت نخلص مال الدولة ونرجع.

فحنق عليه إبراهيم ووبخه ، وقال : إن مال الدولة لا يضيع وإنما القصد مال الوزير ، فقال له : الحق معك ، هو مقدم! وذهب على ذلك العزم هذا كله بعد تأكيد الأمن الذي خدع الرعية بالكتابة والكلام ، فزيادة عن الظلم هو شين على الخائن ، وقد ذكر الوزير حسين قبل خروجه من القطر الوالي بأمانه عند قدوم أهل الساحل طائعين فحنق عليه وأجابه بما يكره ، مع وجوب الوفاء بالعهد عقلا وشرعا وما كفى الناس ما هم عليه من الفقر المدقع أو المظالم التي لم تعهد ، إذ دهمهم الجوع والقحط المتسببان عن حبس المطر لكثرة الظلم ، وعن فناء الأموال التي تعمر بها الأرض في الفلاحة واشترك في العسر حتى أهل الحاضرة لإتباع مكاسبهم لمكاسب بقية أهل القطر فاقبلت أفواج الأقوام تراهم من كل حدب ينسلون متوجهين إلى الحاضرة والمدن وما وصل إليها لا القليل لفشو مرض الحمى الخبيثة فيهم ، وكان مرضا مستوبيا أفنى خلائق لا تحصى وبقيت أكثر جثثهم في الفلاة للوحوش بعد أن أفنت منهم الكوليرا عددا وافرا ، فمن ساعده الأجل ووصل إلى الحاضرة مات منهم أكثرهم في الطرقات ، ثم ابتدر أفراد من أهل الحاضرة لإغاثة أولئك المساكين وعقدت لهم جمعية يرأسها المقدس سيدي حسين الشريف (١) نعمه الله وأذن الوالي في عقدها ، وجعلوا يجمعون المال من الأهالي كل على حسب استطاعته على حالة ضعفهم الحالي الشديد التي كادت أن تلحق كثيرا منهم بأولئك الوافدين المساكين ، وشمرت الجمعية عن ساعد الجد وخففت بعض الضر بالقوت والمسكن ، وإن كان المرض تمكن منهم وصاروا إلى حالة ضعف لا توصف وفشا فيهم الموت إلى أن صاروا يرفعون خمسة

__________________

(١) هو حسن بن عبد الكبير الشريف أبو محمد فقيه نحوي مفتي تونس هندي الأصل تولى الخطابة بجامع الزيتونة وكانت خطبة من إنشائه ثم ولي الفتيا سنة (١٢٣٠ ه‍) واستمر عليها إلى أن توفي بالطاعون (في تونس) سنة (١٢٣٤ ه‍) الأعلام ٢ / ١٩٥ شجرة النور الزكية (٣٦٧) هدية العارفين ١ / ٣٠٠ إيضاح المكنون ٢ / ٥١٨ اليواقيت الثمينة ١ / ١٢٤ معجم المؤلفين ٣ / ٢٣٧.

٢٤٢

فما دون في نعش واحد رحمهم‌الله ، وقد كنت كتبت لصديقي وهو غائب بوصف الحالة في القطر عندما طلب مني أن أرسل إليه نسخة من ضرب مثل للحالة المذكورة في القطر التونسي ، وأصور ذلك بصورة واقعة تاريخية مما ينسب لرؤيا رآها بعض ملوك ألمانيا في القرون المتوسطة ، ونصها :

رأى بعض ملوك ألمانيا في القرون المتوسطة من تاريخ المسيح عليه‌السلام رؤيا فهاله أمرها فبحث عن معبر يعبرها له ـ وهو عندهم المنجم لأن أصحاب التنجيم هم الذي كانوا يدعون معرفة علوم الحدثان ـ فحضر المعبر بين يديه وقال له الملك : إني رأيت البارحة في المنام ما هالني أمره ولا يبعد شأنه عندي من منام فرعون في مصر في أيام يوسف الصديق عليه‌السلام ، وذلك أني رأيت ثلاثة جرذان مجتمعة فانتبهت أولا قبل استكشاف حالها ثم نمت ثانية فرأيت جرذة من تلك الجرذان على غاية من العجب والهزال بحيث أن سائر ضلوعها بادية ولا تستطيع الثبات على رجليها ، ورأيت الجرذ الثاني على غاية من السمن يترعرع في مشيه ترعرع القنفذ ، ثم تأملت الجرذ الثالث فرأيته أعمى من كلتي عينيه ، لا يبصر بها شيئا فانتبهت ، ثم نمت الثالثة فرأيت الجرذان الثلاثة معا على تلك الحالة فالسمين يقود الأعمى والأعمى يقود الهزيلة فانتبهت وهم يتقاودون فأفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون؟ فأجابه المعبر بقوله : سيدي إن رؤياك أشهر من أن تعبر ولكنها تكتب وتسطر ، أما الجرذة الهزيلة فهي مملكتك والسمين هو وزيرك والأعمى هو أنت أيها الملك يقودك وزيرك إلى ما فيه صلاح نفسه وتقود أنت رعيتك إلى ما فيه هلاكك وهلاكهم. انتهى.

وكتبت إلى صديقي في ذيلها ما نصه : هذه حال رؤيا القرون المتوسطة أما رؤية حال القرون الأخيرة ، في هاته الحضيرة ، مما دهاها من النفوس الشريرة ، فهي سنو يوسف عليه‌السلام التي كانت تعبيرا لتلك الرؤيا ، على ما فيها من البلاء ، فلو رأيت ما عليه القرار ، لملئت رعبا ولوليت منه الفرار ، من ذئاب تغتال ، وثعالب تحتال ، مجتهدة في قلب الرحال ، وتشتيت الرجال ، وثعبان شاغر فاه لابتلاع الأموال ، فيا لها من حال يرثى لها من رام النزل ، وتخر لشدتها شامخات الجبال ، افتضحت فيها ربات الحجال وهوت الإيالة إلى الزوال ، وتمكن من القلوب الزلزال ، وتقاربت الآجال وانقطعت الآمال ، وعد الصلاح من المحال ، فقد فاز من نهض بنفسه ، واستراح من فتنة باطنه وحسه ، إذ الآيات وردت على ذلك ناصة ، فقال تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥]. ففاز المخففون ، وابتلى المتأهلون وو الله العظيم ، ونبيه الكريم ، طالما نهضت عزائمي إلى الترحال ، فأثقلتني قيود العيال ، مع ما أنا عليه من الوحدة عن أخ شقيق ، أو قريب يخلفني فيهم عند الضيق ولم أستطع التخلص بكلي ، لما يخفى مما يثقل كلي ، وأقسم بالقرآن ، وصفات الرحمن ، أنني عرضت للبيع أملاكي ، لأتخلص بها من إشراكي ، وأستعين منها بالأثمان فلم أجد من يصرف لهذا الوجه عنان ، ولو من أعيان الأعيان ، فالناس حيارى في الأقوات ، تائهين في جلب الضروريات ، يكادون من القحط أن يأكلوا الحديد ، ويقولون هل من مزيد. (وَتَرَى

٢٤٣

النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) [الحج : ٢] إلى غير ذلك من زفرات تتصعد ، وجمرات تتوقد ، وأنين بقوارع الطريق ، وصياح على الأبواب ونعيق ، وضجيج بالأسواق ، حتى تخالها قد التفت الساق بالساق ، فلا تسأل عن القلوب ، وما دهاها من الخطوب ، وقد فوضنا الأمر إلى علام الغيوب. اه.

ومع تلك الحالة في الأهالي فغاية ما رحمهم به الوالي من الخزنة خمس عشرة ألف ريال وله العذر لأنه كثيرا ما باتت أتباعه ، بل قيل عائلته طاوية إلى بعد نصف الليل حتى يرسل وزيره أحد أعوانه إلى حميدة بن عياد المكلف بمعمل الخبز ، ليستقرض ما يمكن أن تتعشى به عائلة الوالي والوزير غاية ما تكرم به على أولئك المساكين سبعة آلاف ريال ، وإن كان سيدي حسن الشريف ألح عليه في إعانة المصابين مرارا ، فيعطيه من خزنة الحكومة ، كما أنه في هاته الشدة أبلى البلاء الحسن كثير من الأهالي والأجانب سرا وعلنا ، وقاموا بكثيرين قوتا وكسوة وسكنا ودواء وأطباء جزى الله الجميع بفضله ، وفي أثناء المدة هرب العادل باي أخو الوالي إلى جبل باجه حيث كان أهله إذ ذاك ثائرين بعد أن نسي مثل ذلك في البيت الحسيني منذ نحو مائة سنة ، وسبب ثورته الضيق الحالي الذي حصل له من تعطيل مرتبه ومثله سائر آل بيته ، وإذ ذاك اضطروا لإعادة سفر ولي العهد بالمعسكر فأرجع أخاه وقاد الطاعة ثم أعيد ترك سفره ، هذا وبينما كان القطر على هذا الحال فالأموال المستخلصة لم تكف وجعلت الحكومة تستقرض من أوروبا قرضا بعد قرض فأول استقراض كان خمسة وثلاثين مليونا لاستهلاك الدين السابق الذي قدره تسعة عشر مليونا ، ولم يزل باقيه لم يستخلص إلى أن تشكل الكومسيون الآتي بيانه.

وهكذا كل قرض يدعى فيه مثل ذلك ويبقى الأصل على ما كان واشترى من تلك الديون بواخر حربية بأضعاف قيمتها بلغت أكثر من سبعة سفن منها فرقاطه سميت بالصادقية أصلها كرويت فزيدت فيه طبقة وصار شكلا مضحكا لأرباب ذلك الفن ، وقد شاع عند الخاصة والعامة أن القصد من شراء تلك السفن وغيرها مقاسمة الأرباح من الوزير مع أصحابها ثم بما يستفاد من القرض وقد بيع بعض ذلك الأسطول بثمن مؤجل واكترى بعضه بإصلاحه وذلك عند عجز الحكومة عن القيام به بعد شرائه بنحو أربع سنين فأفلس المشتري والمكتري وذهبت السفن وثمنها المتجاوز خمسة عشر مليونا فرنكا سدى ، مع أن أصل شرائها لا حاجة إليه سوى تحصيل الربح من ثمنها والربح من الإستقراض لدفع الثمن ، وشاهد مما وقع في شراء مائة مدفع مسدسة بمليون فرنك فلما أري السمسار صك الإتفاق الرسمي للبائع الذي باع تلك المدافع بثلاثمائة ألف فرنك تعجب البائع من فحش التباين بين الثمنين فأجابه السمسار بأن وزير تونس أراد أن يربح خمسمائة ألف في هذا البيع وأنا لا نقدر على منعه ولست مكلفا بمصالح حكومة تونس فربحت أنا أيضا ما زاد على ذلك ، هكذا فشا الخبر.

ولما قدم ضابط فرنساوي باستدعاء للتأمل في سلامة تلك المدافع قومها بدون المائتين ألف فرنك لأنها غير سليمة وبقيت ملقاة على الأرض بلا فائدة ، وبأمثال ذلك ربح

٢٤٤

السماسرة في الإستقراضات وفي الشراء ما صاروا به أغنياء ، حتى أن أحد أهالي الشام المسمى برشيد الدحداح الذي انتقل إلى فرنسا وصار فرنساويا توسط بوسائل لأن يخدم في حكومة تونس راضيا بمرتب قدره ثلاثة آلاف وخمسمائة فرنك أي ستة آلاف ريال في السنة قد رجع إلى باريس بعد ثلاث سنين أو أقل وبنى بها قصرا بهيا شامخا ورأيته في أعز حارات البلدة ، وهي قرب شانزي لزي وأخبرني أحد الثقات هناك أن تجارة الرجل التي يخوض فيها بكسبه الخاص نحو خمسة ملايين فرنك ، حتى تصدق على إحدى معابد النصارى بستين [ألف فرنك] كل ذلك من تعاطيه السمسرة للوزير المذكور ، ومثل ذلك القائد نسيم المار ذكره مع زيادة ربح ما يسقطه الطالبون من الحكومة لأنه يسوف أصحاب المرتبات وغيرهم ممن يطلب المال ، حتى يسقط له مقدارا مما يطلبه ويصحح في الحجة أنه قبضها كاملة ، وتفاقم الأمر أواخر المدة إلى أن بلغ الإسقاط أحيانا إلى ثلاثة أرباع المطلوب والوزير لا يقبل فيه الشكاية ولما خشي القائد نسيم في أثناء الثورة العامة على نفسه سرحه الوزير إلى أوروبا من غير أن تعمل معه الحكومة حسابا ، ومات في بلد قرنه من إيطاليا وأرادت الحكومة التونسية بواسطة الكومسيون الآتي ذكره فصل مطالبها من ورثة المذكور بالتراضي من غير خصام وجنحوا هم أيضا إلى ذلك ، وبينما العمل جار في ذلك فإذا بالوزير خزنه دار جلب أعيان الورثة إلى بستانه وهم مومو شمامه وناتان شمامه ويوسف شمامه وعرض على كل منهم كتابين :

أحدهما : يتضمن إعطاء خمسة في المائة للوزير خزنه دار مما يصح لهم من الإرث.

والثاني : يتضمن إبراء عاما للوزير المذكور مما عساه أن يطلب من جهة نسيم فامتنعوا من الإمضاء على ذلك وتخلصوا بطلب مهلة للتروي.

وهرب مومو إلى قنسلات فرنسا ويوسف وناتان إلى قنسلات إيطاليا ، وأرسلت الحكومة محمد البكوش مستشار الخارجية والمترجم الأول بها كونتي والقابض لياه شمامه إلى سؤال المذكورين عن سبب هروبهم فأجابوا بما ذكر من مطلب الوزير خزنه دار وكان ذلك بمحضر من القناسل وكتب التقارير في ذلك موجودة بالوزارة والقنسلاتوا ولذلك سافر الورثة قبل فصل النازلة ، ووجهت الحكومة لتحرير الحساب والخصام معهم الوزير حسين ودامت الخصومة نحو تسع سنين ولا زالت إلى الآن منشورة ، ولما تفاقمت الديون في أوروبا وعلموا أن الفائض يستقرض أضعافه كل مرة لأجل خلاصه امتنعوا من الأقراض ، حتى جعلت رسل الوزير يرددون كل باب لذلك ولم يحصلوا على شيء حتى أن الياس مصلى المستشار الثاني بوزارة الخارجية ذهب لمثل ذلك وأخذ لمصاريفه تذاكر وسندات على المالية بإسم الحامل وطفق يبيع منها المائة بخمسة فرنكات ، وترتب على الحكومة بذلك أزيد من المليونين فرنكا لاجتناب أصحاب الأموال من ضياع أموالهم ، فلذاك عدل الوزير إلى الإقتراض من الأجانب المقيمين بالحاضرة على أخذ كل منهم رهنا في يده يتصرف فيه من مداخيل الحكومة وهي المسماة باستقراض الكونفرسيونات ، واستعان في

٢٤٥

تصرفاته فيما يرجع إلى ذاته ولو من وظائف الحكومة بولده الأكبر واستغنى به عن السماسرة ، وخالطه بل واشتهر إنه شاركه في استلزام بعض مداخيل الحكومة ، وفي التجارة في رقاع أموالها ورقاع الدول الأجنبية حاي الصباغ أحد تجار اليهود ، كما داخله وقيل أنه شاركه في معمل الخبز وقبض أعشار الحبوب وصرفها وغير ذلك من موارد مصاريف الحكومة أميرا للوا حميدة بن عياد ، وولاه على عمل ابن زرت وأطلق له التصرف بعد أن كان الوالي وأخوه من قبله يتجنبونه في الولاية لما استقر في النفوس من مظالم محمود بن عياد وأغلب عائلته ، ولأن حميدة المذكور محتم بالإنكليز فلا تناله الأحكام ومع ذلك فإن حميدة المذكور لم يضر بالرعية وفيه جهة للرفق ، وأعان أهالي ابن زرت على مساعيهم بإقراضهم المال والحبوب ولم يجحف بدافعي الأعشار ولا بقابض الحبوب ، وعامل أهل العلم معاملة حسنة واقتصر في الأرباح الوافرة على ما يربحه من الحكومة مثل الربح من معمل الخبز فإنه تبين بمقتضى الحساب الذي جعله الكومسيون أي اللجنة المالية في السنين التالية بعد خروج المعمل من يد المذكور أن أرباحه كانت تقرب من الخمسين في المائة ، ثم لما رأى الوزير عسر خلاص أموال الحكومة لفقر الأهالي وتكاثر الطلب من الأجانب لأموالهم نقل وزارة المال بالإسم إلى الوزير الشيخ محمد العزيز بوعتورباش كاتب لكي يتحمل المصاعب ويبقى متحملا للقضاء بلا كره ولا رضا ، والأموال يرسل إليها ابن الوزير أعوانه ليخلصها من العمال بأسماء مختلفة.

منها : شراء مطالب من له مطلب على الحكومة مالي سواء كان من الطوارىء أو المرتبات.

ومنها : إخراج تذاكر بأعداد من المال يؤمر فيها وزير المال بدفع ذلك القدر إلى محمد بن الوزير في مصالح على يده من غير بيان ، وكانت ترد تلك التذاكر مكتتبة إلى وزير المال ليصحح على جريدتها لترسل لإمضاء الوالي ، فلم يكن في وسعه إلا الإمضاء من غير أن يعلم شيئا من تلك المصاريف ، وذلك معلوم عند الجميع ولذلك لم يعرج على طلب وزير المال بشيء الكومسيون المالي ، على أن ما يمكن أن يرسله العمال إلى الحكومة ليسكت به الأجانب أصحاب الديون كانت تتخطفه أعوان الوزير خزنه دار من الطرقات ، حتى وقعت خصومات شديدة من الأجانب في مثل ذلك ، ولما كثر القيل والقال من الأجانب في خراب القطر ووقوف حاله وأنه تلزم مساعدة الحكومة للأهالي لرجوع شيء من رمقه ، كان الوزير خزنة دار يقول لخواصه : عجبا لهؤلاء القوم أفأنا المطلوب بإبطال العرب للفلاحة ، أليسوا بعارفين بكيفية الحرث والأرض موجودة فما منعهم عن ذلك ، كأنه لا يعلم السبب لكنه أراد إسكات الأجانب فأعطى إلى الكنت صانس الفرنساوي أربعمائة ماشية أرضا أي نحو أربعين ألف وستمائة هكتار بحساب كل ماشية مائة وإثنان وتسعون حبلا والحبل خمسون ذراعا ، ويكون إعطاء المواشي مدرجة على أربعة أقساط ومن شرطها أن تكون قابلة للزرع والسقي وأن تعفى من جميع الآداءات التي بواسطة والتي بدون واسطة في جميع ما ينبت فيها وما يربى من الحيوانات ونتائجها ، ولزم بسبب ذلك الحكومة مشاق سيرد تفصيل بعضها.

٢٤٦

كما منح لجنة إنكليزية إحداث طريق حديدية من تونس إلى حلق الوادي ، ومنح لجنة طليانية صيد نوع من السمك كبير يسمى التن في مصيده بالمنستير ومنحها أيضا معدن جبل الرصاص واكترى لها أرضه المسماة بالجديدة التي حصلت فيها الخصومة المشار إليها عند الكلام على سياسة القطر الخارجية ، ونشأ من كل منحة ما يناسبها من الصعوبات القاضي بها عدم الفائدة وعدم إتحاد الحكم وزادت المشاكل بكثرة الديون وعدم المال وروج في القطر سكة من النحاس كل قطعة منها بنصف ريال ، وكان مقدار ما روّجها فيه يبلغ إثني عشر مليونا ريالا ، وعظم الخطب لامتناع الأجانب من قبولها في أثمان سلعهم وديونهم العامة لأهل القطر وبلغ سعر الصرف إلى أن المائة ريال فضة تصرف بنحو ثلثمائة ريال ، وبلغ سعر الويبة من القمح إلى السبعين ريالا بتلك السكة ، وبعد إنفاق ما ضربته الحكومة منها واشتداد الحال أنزل قيمة السكة النحاسية إلى أصلها حقيقة وهو الربع مما نفقت به فصار نصف الريال ثمن الريال وضاعت على الأهالي تسعة ملايين سدى مع ما زاد على ذلك مما جلب من نوع تلك السكة خفية ، وأكثر ما أصيب بالخسارة أهل الحاضرة فكانت قسطهم من غرم المال ، ولما بلغ الحزام الطبيين شدّد الأجانب في طلب ديونهم وفائضها وقطع القنسل الفرنساوي الخلطة مع الحكومة ثم استرضته ، واستقر القرار على تشكيل لجنة مختلطة من الأهالي والأجانب وسميت بالكومسيون المالي ونص الأمر الصادر في ترتيبه.

أما بعد : فقد اقتضى نظرنا لمصلحة مال مملكتنا والرعية والمتجر أن ترتب كومسيونا ماليا على صورة الأمر الصادر في الرابع من إبريل من العام الفارط ، المؤكد بأمرنا المؤرخ في التاسع والعشرين من مايه الموالي للشهر المذكور على الكيفية الآتية :

الفصل الأول : الكمسيون الذي صدر به أمرنا المؤرخ في الرابع من إبريل سنة ١٨٦٨ يجتمع بحاضرتنا في مدّة شهر التاريخ.

الفصل الثاني : يقسم الكومسيون المذكور إلى قسمين متميزين قسم : للعمل ، وقسم : للنظر والتصحيح.

الفصل الثالث : قسم العمل يركب على الصورة الآتي بيانها وهي عضوان من متوظفي دولتنا نسميهما نحن أنفسنا ، وناظر مالي فرنسيس نسميه نحن أنفسنا أيضا بعد تعيينه من طرف دولة جناب الإمبراطور.

الفصل الرابع : قسم العمل هو المكلف بحصر المداخيل التي يتيسر للدولة أن تخلص بها ذلك.

الفصل الخامس : قسم العمل يجعل دفترا فيه يقيد جميع الديون المنعقدة خارج المملكة وداخلها ، وهي التذاكر المالية ورقاع سلفى عام ١٨٦٣ وعام ١٨٦٥ ، وأما الديون الغير المحصورة بكنتراتوات فعلى حاملي تذاكرها أن يأتوا بها في خلال مدة شهرين ،

٢٤٧

وكذلك يسعى قسم العمل في الإعلان عن ذلك في جرنالات تونس وأوروبا.

الفصل السادس : مهما أراد قسم العمل الإطلاع على جميع الحجج الصحيحة المتعلقة بالداخل والمصاريف فإن وزارة المال تجيبه إلى ذلك حق الإيجاب.

الفصل السابع : بعد أن يقع حصر مداخيل الدولة ومقابلتها بجامعة المصاريف مزادا عليها مبلغ الدين يبحث قسم العمل عن توزيع المداخيل العمومية على وجه الإنصاف باعتبار جميع الحقوق على طريق العدل ، وكذلك يجعل تجريدة المداخل التي يمكن زيادتها على جميع الضمانات السابق تعينها لأرباب الديون.

الفصل الثامن : لقسم العمل أن يجعل جميع التأويلات والتراتيب المتعلقة بالدين العمومي ونمده بكل ما يلزم من الإعانة لإنفاذ ذلك الإنفاذ التام.

الفصل التاسع : قسم العمل يتولى قبض جميع مداخيل المملكة من غير استثناء ولا يسوغ إخراج تذاكر مالية من أي نوع كان إلا بموافقة القسم المذكور على ذلك بعد التفويض إليه في ذلك من قسم النظر والتصحيح ، وإذا اضطرت الدولة لعمل سلف فلا يسوغ لها ذلك إلا بموافقة القسمين ، وجميع التذاكر التي تخرج في مقابلة المبلغ الذي يعينه الكومسيون لمصاريف الدولة تكتب بإسم الكومسيون ، ويعلم عليها قسم العمل وقدر هذه التذاكر يلزم أن لا يتجاوز المبلغ المحدد في قائمة المصاريف.

الفصل العاشر : قسم النظر والتصحيح يتركب على الكيفية الآتي بيانها ، يعني من عضوين فرنساويين ينوبان عن حاملي رقاع سلفى عام ٦٣ وعام ٦٥ ، ومن عضوين إنكليزيين وعضوين طليانيين ينوبان عن حاملي رقاع الدين الداخلي ، وهؤلاء الأعضاء يكونون بوكالات مخصوصة من قبل حاملي رقاع السلفين وحاملي كونفرسيونات مملكتنا ، ويصدر لهم إعلان في ذلك منا تحت نظر قسم العمل.

الفصل الحادي عشر : قسم النظر والتصحيح له الحكم في جميع تصرفات قسم العمل وهو المكلف بتحقيقها وبالموافقة عليها عند الإقتضاء وموافقته ضرورية ، حتى أن الذي يستقر عليه رأي قسم العمل مما يتعلق بالمصلحة العمومية يصير بذلك واجب العمل به.

الفصل الثاني عشر : إذنا وزيرنا الأكبر بالعمل بما تضمنته الفصول الأحد عشر المذكورة أعلاه ونعين العضوين ونطلب الناظر المالي الفرنساوي المذكورين بالفصل الثالث في أقرب وقت ممكن ، كتبت الإثنا عشر فصلا أعلاه بسراية حلق الوادي في السادس والعشرين من ربيع الأول سنة ١٢٨٦ ه‍ ستة وثمانين ومائتين وألف ، فانتظم هذا الكومسيون واستولى رياسته الوزير خير الدين ، والعضو الأول في قسم العمل هو صاحب رتبة الوزارة في فرنسا فيليت ، والعضو الثاني الوزير محمد خزنة دار وسيأتي تفصيل ما نشأ عن هذا الكومسيون ، وجمع ديون الحكومة فكانت ما يأتي :

٢٤٨

جملة الجوامع

فرنكات

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٥

الإستقراض من دار ارلانجي بباريس لإيفاء الدين السابق الذي لم يخلص بتمامه وقدره نحو تسعة عشر مليونا كما تقدم.

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٩

الإستقراض من بينار بباريس سنة ١٨٦٣

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٥

الإستقراض من دار ارلانجي وغيره سنة ١٨٦٥.

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٦٩

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٦٩

الجملة تسعة وستون مليونا

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٦٩

الاستقراضات الداخلية المعروفة بالكونفرسيونات.

جملة الجوامع

فرنكات

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٦٩

٠٠٠ ، ١٣٥٠٠

الأول

٠٠٠ ، ٠٩٦٧٠

الثاني

٠٠٠ ، ١٧٨٥٠

الثالث

٠٠٠ ، ٧٨٠٠

الرابع

٠٠٠ ، ٤٨٨٢٠

٠٠٠ ، ٤٨٨٢٠

٠٠٠ ، ٣٦٨٠٠

جملة الدين الغير المنضبط بالتذاكر الرائجة

٠٠٠ ، ١٥٤٦٢٠

٠٠٠ ، ٠٢٠٣٨٠

جملة الفوائد المتأخرة تقريبا

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٧٥

ريالات

٢٨٠٤٣٧٥٠٠

جملة صرف تلك الديون بالريالات التونسية فإذا أضفنا إلى ذلك مداخيل الحكومة من وقت تعطيل القانون إلى انتصاب الكومسيون الذي هو سنة ١٢٨٦ بحساب كل سنة

٠٠٠ ، ٠٥٨٤٥٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٩٥

خمسة عشر مليونا ريالا الذي هو أقل ما يمكن نظرا إلى ما تركها عليه الوالي السابق محمد باشا ونظرا لدخلها فيما بعد فيكون المجموع للستة سنين.

٠٠٠ ، ٢٣٣٤٥٠

٣٧٥٤٣٧٥٠٠

تقريب الغرم الذي دفعه السكان على مصاريف الثورة لأنه ثبت بالحساب أن أهل الساحل وحدهم

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٤٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٦٥

دفعوا من ذلك عشرين مليونا

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠١

٠٠٠ ، ٠٠١٦٢٥

ما أعانت به الدولة العلية الحكومة وقت الهرج. ما أهداه صاحب القرض الأول بإسم المارستان وأخذته الحكومة.

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠١

٠٠٠ ، ٠٠١٦٢٥

٠٠٠ ، ٢٧٥٤٥٠

٤٤٢٦٨٧٥٠٠

٢٤٩

فكانت جملة الأموال التي خاضت فيها الحكومة في مدة نحو سبع سنين مائتين وخمسة وسبعين مليونا فرنكا وصرفها ريالات ما هو مرقوم بآزائها مع مزيد التضايق المالي بتعطيل الجرايات ، حتى امتدت الأيدي إلى الأوقاف وعطل إرسال مال الحرمين الشريفين من أوقافهما عدة سنين ، وكذلك عطل مرتب المدرسين والعلماء من بيت المال الذي أسسه أحمد باشا لاستيلاء الحكومة على ما فيها من المال ، ولم يحصل من تلك الأموال في القطر ما يمكن أن يذكر أو يعد سوى ما تقدم ذكره من السفن والمدافع البالغ مجموع ثمنها إلى ثمانية عشر مليونا ، وإن أضفت إلى ذلك ما خسره القطر والحكومة مما ضاع عند ابن عياد ونسيم وكله بواسطة الوزير المذكور كان مجموعه مع ما بين يزيد على خمسمائة مليون ريالا ، وحيث كان الحال مما لا يمكن إخفاؤه على الوالي بالمرة ذكر له وزيره خزنه دار أنه خزن له في بعض بانكات أوروبا عشرين مليونا فرنكا احتياطا لما عساه أن يقع ، لأن الثورة العامة أنذرت مما يخشى من مثله فلا بد أن يكون له ذخر خارج المملكة ، وذكر ذلك له مرة بمحضر أحد قناسل الدول ثم طلب هذا القنسل إسقاط الطلب عنه بتلك الملايين عند عزله.

ومن وقت انتصاب الكومسيون المالي قصرت يد الوزير خزنه دار عن التصرف وكاد أن يكون إسناد الوزارة إليه إسما بلا مسمى ، وحنق من ذلك أشد الحنق ورام أن يغير الحال فلم يوافقه الوالي لاطلاعه على حقائق الأمور وعلمه أن رجال الحكومة لم يبقوا على ما كانوا عليه من الإلتفاف على الوزير ، وبقي على ذلك إلى أن ظهرت نازلة أرلانجي البنكير بمطلب مالي وادعى أنه إبروسياني وكان ذلك في خلال محاربة فرنسا مع ألمانيا ، وشدد القنسل البروسياني في مطلبه ولم يكن للحكومة مال وظهر للوالي أن يستقرض من وزيره المال المطلوبة فيه الحكومة فأقرضها بالربا ورهن آجام وغابات طبرقه بفائدة عشرين في المائة في السنة ثم ظهرت نازلة الألفي رقعة وحاصلها أن الكومسيون المالي لما حصر جميع الديون ووحدها في دين واحد جعل له رقاعا جديدة وشرع في إبدال القديمة بالجديدة ، فعند ذلك تبين أن الرقاع الجديدة المقدرة على ما ضبط من مقدار الدين لا تفي بالرقاع القديمة التي جاء بها أصحابها للتبديل ، فاستقرى الكومسيون أسباب ذلك وتبين أنه لما انتصب الكومسيون المالي وجهت له الحكومة حسابا رسميا فيه بيان حساب الرقاع الرائجة من سلفى سنة ١٨٦٣ وسنة ١٨٦٥ بعد طرح الرقاع التي رجعت بالخلاص للحكومة في الإقتراعات ، وبعد طرح ألفي رقعة اشتريت على يد البنكير أرلانجي للحكومة من ديونها ، فلم يعتبر الكومسيون في ديون الحكومة إلا ما بقي من رقاع السلفين بعد طرح القسمين المذكورين ، لأن كلا منهما هو خلاص لمقداره من الدين وأذن الكومسيون بطبع عدد من الرقاع جديد بمقدار ما بقي من الدين ولما شرع في تبديل الرقاع وجد في رقاع سلف سنة ١٨٦٣ أكثر مما كان قدره على مقتضى الحساب الرسمي المشار إليه ، فظن أوّل الأمر أنّ الزائد مزوّر فتأمل في جميعها ولم يجد فيها مجالا للزور فحاول حينئذ الكشف عن منشأ هاته الزيادة واستفسر من الوزير خزنه دار عن الألفي رقعة المشتراة على يد أرلانجي وما كان فيها ، فلم يجب وأصر على السكوت مدة أكثر من سنة مع تكرر السؤال له كما

٢٥٠

يتبين ذلك من تقرير الجلستين المنعقدتين من الكومسيون في ١٥ أغشت سنة ١٨٧٢ وفي غاية سنة ١٨٧٣.

ولما ألح الكومسيون على الوزير في طلب الجواب زعم : أن الحكومة لم تتصل بالرقاع المذكورة وأن دار أرلانجي هي المطالبة بذلك ، لكن الكومسيون قبل أن يطلب من أرلانجي البيان تحرى فيما يلزم من الإطلاع على الحساب مع الدار المذكورة ، وعلى الرسائل الواردة منها لكي يعتمد في المخاطبة ما هو الواجب ، فأذن الوالي في ذلك وأطلع عليه الكومسيون وثبت عنده أن الدار المذكورة سلمت تلك الرقاع للحكومة وكان من المعلوم لدى الكومسيون أنه كان بين الوزير خزنه دار وبين رشيد الدحداح المتقدم ذكره معاملة خصوصية ، وأن الوزير رهن سبعة آلاف رقعة من سلف سنة ١٨٦٣ فظهر للكومسيون أن يطلب بواسطة ثاني الرائس وهو قنسلات الحائز رتبة الوزارة من رشيد الدحداح المذكور جريدة أرقام الرقاع المذكورة ، كما يطلب من دار أرلانجي جريدة أرقام الألفين رقعة التي استرجعتها الحكومة ، فاتصل بالجريدتين وكشف الحال أن الألفي رقعة روجها الوزير خزنه دار على يد الدحداح بعد خلاصها ، فعرض ثاني رائس الكومسيون على الكومسيون تقريرا مفصلا فيما ثبت لديه في النازلة وتضمنه تقرير جلسة الكومسيون المؤرخ في ٤ يونيه سنة ١٨٧٢ وملخص تقرير الجلسة أن الرقاع المذكورة سلمت في ١ فبراير سنة ١٨٦٤ للحكومة التونسية على يد شميت النائب عن دار أرلانجي ، وقيد ثمنها في الحساب الواقع بين الحكومة والدار المذكورة ، المؤرخ في ١٧ مايه سنة ١٨٦٧. ثم روجها الوزير مصطفى على يد الدحداح القاطن في باريس ، وأن استعمال الرقاع المذكورة على الوجه المذكور أضر بالحكومة وأرباب الديون ، وأن رأي كل الكومسيون أجمع على طلب التعويض والخسائر من الوزير مصطفى المذكور. ا ه.

وعلم الوزير بما وقع ونصحه الوزير خير الدين بفصل النازلة عن عجل فأبى ظنا أنه لا تناله الأحكام ، وبلغ ذلك للوالي سرا بواسطة مصطفى بن إسماعيل أقرب المقربين لديه لتعصب الوزير خير الدين له في إنهاء فظائع خزنه دار إليه وإفهامه أن الوزير خير الدين مضاد حقيقة لذلك الوزير وإن كانت له عليه يد المنة والمصاهرة لما ذكر من سيرته ، فامتلأ وطاب الولي من إنكاره أعمال وزيره ولم يزل الوزير مصرا على الامتناع من بيان الوجه في رواج تلك الرقاع ثانيا إلى أن واجه الوالي ثاني رائس الكومسيون بمحضر المذكور وعرض على الوالي ملخص النازلة ، وطلب منه إمضاء الحكم فباشر الوزير ثاني رائس الكومسيون بكلام شديد إلى أن انتهره الوالي وقال له : إن جوابك له إما أن يكون بالحجة في تبرئة نفسك أو تدفع الحق الذي عليك ، وانفصل الموطن وتيقن الوزير تغير الوالي معه لكنه لم يكن يظن أنه يعزل فكاتب الوالي بالإقرار بأخذه للألفي رقعة وطلب عفوه وأدى للكومسيون ما طلبه ، ولما تيقن الوالي فظاعة النازلة وتيقن عدم الخوف من عزل الوزير بعد أن جس جميع الجهات أبرم عزله في غرة رمضان سنة ١٢٩٠ ه‍ وكان مبدء تقلده منصب الوزارة في

٢٥١

سنة ١٢٥٥ ه‍ ، وارتجت البلاد عند سماع عزله فرحا وكاد أن لا يصدق بعضهم بذلك لشدة تمكنه من الولاة ، حتى ينقلون عن بعض الصالحين أنه يقول له : إنه يخدم ثلاثة أمراء يكون مع أولهم بمنزلة الإبن ، ومع الثاني بمنزلة الأخ ، ومع الثالث بمنزلة الوالد ، سمعنا ذلك من آخر مدة أحمد باشا.

وزينت البلاد عند عزله ولم يسمع بمثل ذلك في هذا القطر واتبع عمل الأفراح جميع البلدان والقبائل وحزن على عزله أفراد من خواص حاشيته ومن توفرت أرباحهم على يديه وأفراد قليلون من الأجانب ، ورام من له وجاهة منهم أن يتداخل في إرجاعه لمنصبه أو في الأقل أن يواجه الوالي كآحاد المتوظفين ، فامتنع الوالي وجعل أتباعه يرودون كل وجه لإرجاعه حتى سافر أحدهم إلى أوروبا وإلى الأستانة واجتمع برجال الدول وبذل في التوصل أموالا فلم يجد من يتداخل في توليته وزيرا في حكومة مختارة في إدارتها ، وحيث تيقن الوالي كثرة الأموال التي توصل إليها الوزير المذكور من أموال الأهالي والحكومة سيما الأموال التي أخذها إبنه الأكبر بتذاكر على المالية مكتوب بها يدفع فلان وزير المال مقدار كذا من المال لأمير الأمراء إبننا محمد في مصالح على يده الخ ، ويقبض الإبن المال ويمضي بخطه على القبض مع أنه لا وظيفة له رسمية تقتضي صرف تلك الأموال ، ومع عدم بيان الجهة المصروف فيها المال فأراد محاسبته ومحاسبة إبنه على أموال الحكومة فتبرأ الوزير خير الدين من مباشرة ذلك على ما جرت به العادة ، من أن صاحب الوزارة يباشر مثل ذلك مع كل المتوظفين وعقد لذلك مجلسا مخصوصا يرأسه ولي عهد الولاية الأمير أبو الحسن علي باي ، وأعضاؤه : المفتي الحنفي الشيخ أحمد بن الخواجة ، والقاضي المالكي الشيخ محمد الطاهر النيفر ، والوزير محمد ورشيد كاهية.

ووكلت الحكومة على طلب حقوقها الشيخ عمر بن الشيخ ، أحد كبار المدرسين بالجامع الأعظم ، وأرسل المجلس يدعو المطلوبين لسماع الدعوى كما أرسل الوزير خير الدين مكتوبا إلى الوزير السابق يعلمه فيه بعقد المجلس للتأمل في نازلة المطالب المتوجهة عليه وعلى إبنه وجوابه عنها ، فامتنع من الحضور ولما ألح عليه بالحضور أرسل إلى قنسل فرنسا يطلب حمايته وتوجيه أحد أعوانه ليحميه عند ذهابه للمجلس ، فتعجب القنسل من الطلب وأجابه بأنه لا يتداخل في أحكام البلاد سيما ولم يجر عليه ظلم يقتضي مثل ذلك ، ثم أرسل وكيلا عنه من أحد رعايا الأجانب فلما دخل إلى المجلس سأله الرائس : هل هو داخل تحت أحكام البلاد أم لا؟ فأجابه : بلا وتفاوض المجلس في قبوله وعدمه على تلك الصفة فظهر لهم أنه يجب أن يكون الوكيل داخلا تحت أحكام البلاد ، ليؤاخذ بأعماله وأقواله فيما يتعلق بموكله وفيما يعود إليه ، ولما علم الوزير خزنه دار بذلك أرسل إبنه الثاني محمد المنجي الذي هو بريء من جميع الأعمال السابقة وجعله وكيلا عن والده وأخيه ، وعلم ما هي مطالب الحكومة منهما وحيث علم أن الحجة قائمة عليهما ركن إلى طلب الصلح ، فصالحته الحكومة.

٢٥٢

وقال بعض الأعيان : إن الصلح كان لا ينبغي وقوعه لأن المال مال بيت المال ، فإما أن يتحقق مقداره ويؤخذ بتمامه وعلى فرض لدده يجبر بالحبس ولا مقالة لقائل إذا كان يصدر الحكم عليه من ذلك المجلس ، وأما أن تثبت براءته ولا يؤخذ منه شيء ، وأجاب الوزير خير الدين بأن إجباره يحصل منه القيل والقال سيما وشيعته يشيعون أن أصل المطالب غير صحيحة لقصد تداخل الأجانب في أمره ، وحيث طلب الصلح فالصلح خير ، ووقع هذا الصلح بخمسة وعشرين مليونا فرنكا وملخص صورة الصلح هو ما يأتي بيانه :

فكان الباقي على النحو المار ذكره : «خمسة ملايين ونصفا فرنكا» ولم يدفع الأقساط التي حلت عليه منها لدعوى الإفلاس ، وذكر الأعيان أن المقادير التي دفعها لم يكن فيها شيء من العين إلا مائتي ألف فرنك وما بقي من الأملاك كلها إلا ما ندر أخذها بهبات من الولاة كما تشهد به رسومها أو اشتراها من الحكومة بأثمان ضعيفة دفع فيها أملاكا كانت الحكومة وهبتها له ، مثل قرنباليا التي اشتراها من الحكومة بنحو ثلاثمائة ألف ريال تونسية ، ودفع في ثمنها أرض سبخة أمام حمام الأنف مع الحمام المذكور الذي كان أخذ جميعه هبة من الوالي الحالي ، ثم بعد أربع سنين عند الصلح المشار إليه عرض أن تكون قيمة قرنبالية المذكورة أربعة ملايين ونصف فرنكا ، ومما ينافي دعوى الإفلاس أيضا أن كثيرين ممن لهم علقة بالكومسيون المالي وبمجلس إدارة المداخيل علموا أن الوزير المذكور كان قبل عزله يرسل من يستخلص له فوائض أربعة وعشرين مليونا فرنكا من خصوص الدين التونسي ، ثم

٢٥٣

بعد انبرام الصلح صدر له إذن الوالي بأن يخالط من شاء ويذهب أين شاء داخل القطر وخارجه والعود إليه متى شاء هو وأبناؤه إلا زوجه وزوج إبنه الأكبر لكونهما من عائلة الوالي ، ولم تكن عادتهم تسمح بخروج أحد عائلتهم خارج القطر ، ولم يستثن عليه إلا الإجتماع بالوالي وكان يظن ذلك بسعي الوزير خير الدين المتولى بعده ، لكنه كشف الحال أنه من ذات الوالي لأنه دام على الامتناع من مواجهته حتى بعد انفصال الوزير خير الدين عن الوزارة ، وبقي الوزير المذكور على حالة إنفراده في قصره بالحاضرة يتردد عليه قليل من أتباعه والأجانب إلى أن توفي سنة ١٢٩٥ ه‍ رحمه‌الله.

المطلب السادس : في وزارة الوزير خير الدين (١)

هذا الوزير أصله من أبناء الجراكسة القاطنين في جبال القوقاز ، ونشأ بالقسطنطينية ثم شب في تونس بقصر الوالي أحمد باشا ، واستكمل القراءة والكتابة والتجويد والفروض العينية ، ولحدة ذهنه أقبل بها على تحصيل الفنون العسكرية والسياسية والتاريخ ، ومشاركة في الفنون الشرعية حصلها بمثافنة أهلها ومطالعة الكتب ، وتعلم اللسان الفرنساوي فكان فصيحا في العربية عارفا بالتركية والفرنساوية ، شديد التوقير للشريعة والعلماء محافظا على شعائر الدين عالي الهمة وقورا حتى يخاله من لم يخالطه متكبرا ، فإذا ثافنه رآه حسن القبول عفيفا عن الرشا راسخ الطبع ثابت الفكر لا يتزلزل عن رأيه ، حازما في العمل ترقى في الخطط العسكرية في مدة أحمد باشا مع استنجابه إليه ، وقربه الوزير مصطفى خزنه دار حتى صاهره على ابنته ، ثم ولاه أحمد باشا أميرا للواء الخيالة سنة ١٢٦٦ ه‍.

ولما وقعت حرب القريم أرسله أحمد باشا المذكور إلى باريس ليبيع مجوهرات للحكومة يستعين بثمنها في مصاريف العسكر المرسل لإعانة الدولة العثمانية ، وناضل هناك على التعرض في إرسال العسكر بما تقدم شرحه ولم يبع المجوهرات إلا بعد عرضه لأثمانها على الوالي أحمد باشا ، مع أنه فوض إليه وأنكر عليه التأخير بسبب الإستشارة وكتب له تفويضا تاما ، كما كلفه في تلك الوجهة بعقد قرض مع إحدى ديار المال فباع المجوهرات وأرسل ثمنها وحاسب عليه وقدره نحو مليونين فرنكا ، وأخذ حجة تامة من محمد باشا في الحساب وبراءة ذمته وماطل في العقد للقرض وكيفية شروطه لما يراه من المضرة على القطر وراجع الوالي مرارا إلى أن توفي الوالي المذكور ووافقه خلفه محمد باشا على عدم القرض ، وقد رأيت بخط كاتب أسرار الولاة الوزير أحمد بن أبي الضياف في هذا الغرض ما نصه :

«وشكر أي محمد باشا خير الدين في عدم الإستعجال وأنقذ بها البلاد من هاوية

__________________

(١) هو خير الدين باشا التونسي (١٢٢٥ ـ ١٣٠٨ ه‍). وزير مؤرخ شركسي الأصل. تقلد مناصب عالية آخرها الوزارة. توفي في الأستانة. الأعلام ٢ / ٣٢٧ ، إيضاح المكنون ١ / ١١٤. معجم المطبوعات (٨٥٤) ومعجم المؤلفين ٤ / ١٣٣.

٢٥٤

الخ». ثم عرض للوزير المذكور في أثناء سفرته المذكورة هروب ابن عياد وتكليف الوالي أحمد باشا الوزير المذكور بخصامه ، فدام في خصامه سنين مبدأها من سنة ١٢٦٩ ه‍ ومنتهاها سنة ١٢٧٣ ه‍. ونجح في عمله بما تقدم شرحه عند الكلام على ولاية أحمد باشا ، ورأيت بخط الوزير أحمد بن أبي الضياف في ذلك ما نصه : «ولو تم مراد ابن عياد ووجد من خير الدين إذنا صاغية لمواعيده لكانت المملكة في أسره لوقتنا هذا لكثرة ما بيده من الأوامر والرسوم إلى أن قال لو لا تدارك لطف الله على يد خير الدين الخ».

ثم في سنة ١٢٧٢ ه‍ قدم الوزير خير الدين من فرنسا لتهنئة الوالي محمد باشا ، فأكرم مقدمه وعرف له نصحه في النوازل المذكورة ، ورقاه إلى رتبة الفريق وعاد لإتمام الخصومة المذكورة ، فولاه محمد باشا وهو غائب وزارة البحر لموت صاحبها محمود كاهية سنة ١٢٧٣ ه‍ ، وعند انبرام الحكم على ابن عياد رجع الوزير خير الدين إلى تونس واعتنى بمباشرة وزارته مع اعتماد الوالي عليه في الإستشارة ، فحسن حالة حلق الوادي التي هي أعظم مرسى في القطر بما استطاع ، ورتب هيئة خدمة الوزارة بتقييد المكاتيب الصادرة ، وضبط جميع الحركات اليومية في دفتر ، وكان أول من عرف ذلك في القطر ، وكانت الأمور تجري بلا ضبط وجعل إتفاقا مع الأجانب الذين استولوا على أكثر أراضي تلك البلاد بلا وجه ، فجعل معهم الاتفاق على ثلاثة أوجه فمن كانت بيده حجة من الوالي في الإذن بالبناء جعل له قيمة كراء الأرض خاوية سنويا على حسب الكراء المؤبد ولورثته ميراثها من بعده ، ومن كانت بيده حجة في البناء من خصوص وزير البحر فقط فله إبقاء البناء مدة حياته لخصوص ذاته ومن بعده ترجع للحكومة وإن امتنع قلع بناؤه أو تراضى مع الحكومة في شراء الأرض أو كرائها ، ومن لم تكن بيده حجة لزمه التوافق مع الحكومة أو قلع بنائه ، ووافقه على ذلك قناسل الدول وحصل من ذلك نفع كثير ، وتحصل من الكراء المؤبد ما هو وقف الآن على جامع حلق الوادي وقائم به أحسن قيام ، ثم أحدث معملا بخاريا لما تحتاج إليه السفن من الأدوات الحديدية والخشبية وأبدل الجسر الذي كان على الخليج بجسر حسن متين ، وأوسع الطرق ونظمها وبنى مجلا لإدارة الوزارة حسنا وجعل أمامه بطحاء وحسن لباس العساكر البحرية ، ثم لما أنشأ عهد الأمان كان الوزير المذكور فارس ميادين أنشأ القوانين لميله للحرية والعدل ، وكان المجلى في مضمارها بتدابيره وفصاحته وعدم استحيائه من الحق ، حتى أن الوالي المذكور لما أراد جلب ماء زغوان وجمع رجال حكومته واستشارهم وكان أغلبهم ذاهبا إلى عدم الموافقة ، فأجابهم الوالي : بأني أعطيت كلمتي للقنسل بالموافقة على جلبه ، فتنفس الوزير خير الدين وقال : أي فائدة لجمعنا حيث أعطيت كلمتك وحسبنا سماع هذا الخبر من سيادتكم ، كذا رأيته بخط كاتب أسرارهم الوزير أحمد ابن أبي الضياف.

ولما ولي على القطر محمد الصادق باشا أرسل الوزير خير الدين المذكور إلى الدولة العلية لطلب فرمان الولاية على العادة واستقبله استقبالا حسنا وقضى مأموريته ، ولما أنجز

٢٥٥

الوالي المذكور القوانين كما مر ولى الوزير خير الدين عضوا في مجلسه الخاص الذي يرأسه بنفسه ، كما ولاه رياسة المجلس الأكبر أي مجلس النواب ، وكان في مبدأ الأمر رئيسا ثانيا للوزير مصطفى صاحب الطابع وهذا هو الرائس الأول ، غير أنه أخذ لقب الوظيفة فقط مراعاة لمقامه وسنه وعجزه سنا ومعارفا عن الوفاء بتلك الخطة ، ومن إنصافه رحمه‌الله كان يصرح للوزير خير الدين بذلك ويقدمه ، حتى أن القانون بعد إتمام تأليفه عين الوالي أعضاء المجالس حسب الإنتخاب وأمرهم بقراءة القانون وفهم معناه قبل العمل به ، فلم يحضر الرائس الأول وقام مقامه الوزير خير الدين ، وقال في شأن ذلك الوزير أحمد بن أبي الضياف ما نصه :

وأبدى في تقريره أي القانون وبسطه وتفسيره من حسن البيان وفصاحة اللسان ما أعجب السامع وشنف المسامع : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) [المائدة : ٥٤ والحديد : ٢١ والجمعة : ٤] ا ه». واعترف له بالفضل كل من حضر من العلماء وغيرهم ، ثم توفي الرئيس الأول وصار الوزير خير الدين هو الرئيس بالإسم والرسم والعمل ، وقد كان على غره ظانا أن القانون مراد لذاته حقيقة فشمر عن ساعد الجد وطفق يبرهن على المصالح ويفتح البصائر إلى مغزاها ، وتنقاد الأعضاء لسد أبواب المفاسد إلى أن نشبت مخالب التضاد بينه وبين الوزير السابق كما تقدم شرحه ، واضطربت أعضاء المجلس ورأى أن المآل إلى جعل المجلس صوريا لإنفاذ الأغراض على عاتقه ، فاستعفى من الرياسة وبقي عضوا في كل من المجلسين ، وقال في ذلك الوزير أحمد بن أبي الضياف : «وانتفع المجلس بإعانته أي انتفاع مترديا بحية نبله وعفافه وإنصافه الخ».

ثم أرسله الوالي سفيرا عنه إلى دولة السويد والبروسيا والبلجيك والدانمرك وهلاندا مكافأة بإرسال نياشين إلى ملوكهم عما أرسلوا به إليه من النياشين إكراما له على إنشائه القوانين ، وكذلك فعلت غالب دول أوروبا ، وفي أثناء عضويته عرض على الملجس الخاص أن فواضل الأوقاف تصرف للقيام بالعسكر بموافقة أحد العلماء المالكية معتمدا الفتوى بما جرى عليه العمل من غير المشهور من مذهب إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي‌الله‌عنه ، من أن فواضل الأوقاف تصرف في طرق البر ورأوا أن القيام بالعساكر من طرقها فخالفهم الوزير خير الدين محتجا بأن القيام بالعساكر له نصيب معلوم شرعا من بيت المال ، فإن كان النصيب المعين شرعا صرف جميعه على العسكر ولم يف بذلك فحينئذ ينطبق النص ونوافق على ما ذكرتم ، وأما إذا كان دخل بيت المال يصرف في غير وجهه الشرعي كما يعلمه الجميع فلا أرى انطباق النص على ما ذكرتم ، ولعمري أنه لهو صميم الحق فثمرة العلم تحقيق المناط وإن ذهبوا إلى العمل بما رأوا وكان ذلك من أسباب إيغار صدور الخاصة والعامة كما تقدم ، ولما راموا أن يضاعفوا الأداء المسمى بالإثنين وسبعين الذي كان سببا في الطامة الكبرى كما مر قال الوزير المذكور للوالي حسبما رأيته بخط الوزير ابن أبي الضياف : «الحاضر في المجلس يا سيدي إن أخفيت ما ظهر لي من نصح

٢٥٦

سيدي وبلادي أكون خائنا لأمانة الإستشارة ، نرى أن هذه الزيادة في مال الإعانة تؤدي إلى زوالها بالمرة أو تلجىء إلى مال أكثر منها لتجهيز الجيوش لغصب الناس ، ولا نجد في السنة التي بعدها ما يقارب الإعانة الأولى هذا باعتبار القدرة على الغصب ، ولعمري أنها مقالة دين ونصح تجد ثوابها يوم تجد كل نفس ما عملت» الخ كلامه.

وصرح بمثل ذلك في المجلس الأكبر أيضا ولما سأله بعض أعضائه سرا عما أوجب تسليمه قال : إني رأيت السقف يريد أن ينقض ولم أستطع استدراكه ولا وجدت أذنا صاغية فخرجت من تحته وعلي بخويصة نفسي ، ثم لما أبطل القانون بقي الوزير خير الدين في بستانه مقبلا على شؤون نفسه لا يختلط بالحكومة إلا نحو يومين في الشهر يتوجه إلى الوالي للسلام عليه أو عندما يدعوه لأمر ما ، كما وقع عند قتل الشهيدين إسماعيل السني ورشيد لان الوالي جمع بعد ذلك جميع رجال حكومته وأعلمهم بالقتل ، ورأيت في صفة المواطن بخط الوزير ابن أبي الضياف الذي كان حاضرا فيه ما نصه :

وقال له الوزير المنصف أبو محمد خير الدين : «نرجو الله أن يكون هذا حد البأس وأن لا تقع ندامة على هذا الاستعجال بعد وصولهما إلى محبسهما لأن طبع الزمان ينافي هذا الإستعجال فاغتاظ الوالي وكاد أن يستهويه الغضب لو لا لطف الله بخير الدين الخ». وله في أمثال ذلك من النصح والإقدام كثير ، وفي أثناء استعفائه كان التزاور بينه وبين الوزير مصطفى خزنه دار مستمرا لقرابة المصاهرة ولا يتداخل معه في رأي من تصرفاته ، كما أن الأعيان من المتوظفين والأهالي يزورونه ولا يخوض معهم في شيء من أحوال سياسة البلاد متجنبا القيل والقال مستكفيا في التأنس وإراحة البال بخواص من أصحابه مقبلا على مطالعة الكتب والتأليف ، فألف كتابه «أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك» (١) وهو أول كتاب مبتدع في السياسة التي يقتضيها الحال والشرع ، وكفى بتقاريظ العلماء فيه مع أن الرجل إذ ذاك بعيد عن شائبة التملق إليه ، ثم لما شددت الأجانب في طلب أموالهم وأنشىء الكومسيون المالي باتفاق الدول دعاه الوالي إلى رياسة ذلك الكومسيون فامتنع ولما ألح عليه الوزير السابق ، قال له ما معناه : إن الحال قد بين التباين بين مهيعي ومهيعك في طريق السياسة وأنت رجل مثل والدي لك التقدم عليّ فإن وافقتك خنت ديني وأمانتي وإن خالفتك صرت إلى العداوة معك فالأولى بقائي على ما أنا عليه.

فأجابه بترك جميع ما مضى وأن الحال قد بلغ النهاية وأنه لا يريد في المستقبل إلا الإصلاح وموافقة الرأي ، فأعاد الوزير خير الدين مقاله وأنّ طبع الوزير مصطفى خزنه دار لا يوافق السيرة التي يراها هو ، فأكد له مزيد الموافقة في عدة مواطن وقبل إذ ذاك الوزير خير الدين رياسة الكومسيون ، ومن هذا الوقت وهو سنة ١٢٨٦ ه‍ تنسب التصرفات إليه وإن

__________________

(١) انظر معجم المطبوعات العربية صفحة (٨٥٤).

٢٥٧

رجع الوزير السابق عن وعده ، وتحمل الوزير خير الدين بسبب ذلك مشاقا صعابا لكنه لم ينتج للوزير مصطفى خزنه دار مراده إلى أن انفصل عن الوزارة بالمرة كما تقدم شرحه.

فأول ما ابتدأ به الوزير خير الدين من الأعمال أنه رأى تداخل الكومسيون المالي في مالية الحكومة يتسع نطاقه إلى التداخل في السياسة ، كما يقتضيه صريح فصول تركب ذلك الكومسيون ، ودليله أنه بعيد انتصابه وجه تقريرا للوالي في أمور تقتضيها وظيفته من مباشرة العمال في استخلاص الأموال وغير ذلك ، وتوقف عن إمضائها الوزير السابق لأنها تؤل إلى خروج التصرف عنه بل وعن الحكومة أيضا ، فاشتكى أعضاء الكومسيون الأجانب إلى قناسلهم بأن أعمال الكومسيون توقفت ، لأن أساسها توقفت الحكومة في إمضائه ، فكتبت القناسل للوالي بالتسجيل والحث على إجراء ما التزم به للدول الثلاثة وهي فرنسا وإيطاليا وانكلترا ، فجمع الوالي جميع رجال الحكومة وعرض عليهم الأمر ، وكان من الحاضرين الوزير أحمد بن أبي الضياف وكتب حسبما رأيته بخطه فيما وقع في المجلس ما نصه : «وتكلم الوزير خير الدين بالمجلس بما يكتب على صفحات الأيام ، إلى أن قال : إنكم دفعتموني إلى هذه الخدمة وأنا عبد لخدمة سيدنا وبلادنا ، على كل حال ، ونطلب الإعانة من جمعكم فإن أعنتموني فلكم الفضل وإن أسلمتموني لا أجنح للهروب ، وإنما أقول أخدم برهة من الزمان وأتأخر ليقدم غيري من أمثالي يخدم مثل مدتي وهلم جرا ، فضمن الجميع له الإعانة كل على حسبه وانفصل الموطن. الخ». وأمضى الوالي مطلب الكومسيون وخاطب القناسل بذلك ، وكان ذلك مما يجر إلى إبقاء الحكومة صورية لأن استخلاص الأموال يستدعي تحسين الإدارة وهو يستدعي العدل فيتداخل الكومسيون في جميع ذلك وتهرع إليه الأهالي ولا يبقى للحكومة إلا النزر ، فلذلك أشار الوزير خير الدين على الوالي بوجه تمضى معه حقوق الكومسيون وتحفظ به حقوق الحكومة وناموسها ، وهو توظيف رئيس الكومسيون بوظيفة وزير للوالي في رتبة الوزير الأكبر بحيث يشاركه عند حضوره وينفرد عند غيابه وتنقل خدمة الكومسيون إلى محل الوزارة ، ويكون مصدر جميع الأعمال واحدا فاستحسن الجميع ذلك الرأي. ووظف الوالي الوزير خير الدين وظيفة سماها بالوزير المباشر ، فرتب أشغال الوزارة على الصورة الآتية وهي الوزارة الكبرى وتنحصر فيها جميع شعب الإدارة إلا الوزارتين الآتيتين ، بمعنى أن الوزير الأكبر ثم الوزير المباشر هما اللذان يباشران جميع المصالح إما بواسطة أو بدونها ، ثم قسم إدارة هاته الوزارة إلى أربعة أقسام :

فالقسم الأول : تحت رياسة مستشار ويرجع إليه جميع الأمور السياسية العامة وأحوال المالية الخاصة بدخل الحكومة وخرجها دون ما يتعلق بالكومسيون المالي.

والقسم الثاني : تحت رياسة مستشار ويرجع إليه ما يتعلق بشكايات الرعية من المتوظفين والعكس.

٢٥٨

والقسم الثالث : تحت رياسة مستشار ويرجع إليه ما يتعلق بالحقوق الشخصية ثم اتحد هذا القسم بالقسم الثاني.

والقسم الرابع : تحت رياسة مستشار ويرجع إليه ما يتعلق بالخارجية.

كما جعل كلا من وزارتي الحرب والبحر مستقلا بنفسه كل منهما لها وزير خاص ، غير أنه تحت نظارة الوزارة الكبرى فهذا ما يتعلق بكيفية الإدارة.

وأما ما يتعلق بما حصل من الإدارة فإن ديون الحكومة حصرت فكانت مائة مليون وخمسة وسبعين مليونا فرنكا كما تقدم تقريبه آنفا ، وكان الفائض الذي يدفع سنويا نحو العشرين مليونا فرنكا ، فأسقط من الأصل نحو مليون فرنكا ثم طرحت العشرون مليونا التي هي الفائدة التي لم تدفع وجعلت دينا بلا فائض يستهلك من الدخل المضروب جديدا على البضائع الداخلة للقطر ، وبقي المقدار الذي يؤدي الفائض نحو مائة مليونا وخمسة وعشرين مليونا فقط ، فجعل له فائضا خمسة في المائة وصار مقدار الفائض السنوي نحو ستة ملايين فرنكا وخمسمائة ألف فرنك ، الذي هو نحو الثلث مما كان جاريا وخصص له أنواع مخصوصة من مداخيل الحكومة لأن نواب أصحاب الديون وهم قسم النظر من الكومسيون المالي ، لم يرضوا بأن الحكومة تتعهد لهم بدفع الفائض بل أرادوا أن تكون إدارة المال الراجع إليهم تحت أيديهم ، فجعل لذلك مجلسا يسمى مجلس الإدارة أعضاؤه أجانب منتخبون من قسم النظر من الكومسيون وعددهم خمسة ، وعضو تونسي ينتخبه قسم العمل وفوض إليهم قبض المداخيل الراجعة إلى الفائض تحت احتساب قسم العمل ثم قسمت مداخيل الحكومة إلى قسمين :

القسم الأول : يتولى قبضه ذلك المجلس والأنواع التي سلمت إلى ذلك هي ما يأتي بيانه مع بيان تقريب دخله حسب الميزانية المسلمة من الوزارة السابقة.

فرنكات

٠٠٠ ، ٠٣٥٠

لزمه فندق الغلة أي الاداء على الخضراوات والفواكه المباعة في الحاضرة

٠٠٠ ، ٠٤١٢

محصولات سوسه والمستير أي الأداء المرتب على نحو ما ذكر وعلى بيع الحيوانات وغيره.

٠٠٠ ، ٠٠٩٧

الرحب أي الأداء على بيع حبوب القمح والشعير وشبهه.

٠٠٠ ، ٠٥٠٠

القمرق أي الأداء على السلع الداخلة والخارجة للحاضرة من الممالك.

٠٠٠ ، ٠١٠٠

خروبة الأكرية بالحاضرة أي أنه يؤدي على كل ريال المنقسم إلى ستة عشر خروبه خروبة واحدة أي جزء من ستة عشر على كل مكان يكرى.

٠٠٠ ، ٠٠٤٥

قمرق صفاقس.

٠٠٠ ، ٠٠٠٨

قمرق وادي قابس.

٠٠٠ ، ٠٠٢٥

قمرق سوسه والمستير والمهدية.

٢٥٩

٠٠٠ ، ٠٢٢٠

قمرق الدخان أي انحصار بيع الورق المدخن به والمستنشق في الحكومة.

٠٠٠ ، ٠٠٥٥

قمرق الخل أي ما يؤدى على المسكرات.

٠٠٠ ، ١٨١٢

نقلت

٠٠٠ ، ٠٠٤٥

فندق البياض أي ما يؤدى على بيع الفحم.

٠٠٠ ، ٠٠٦٠

الجبس أي إنحصار بيع الجص في الحكومة.

٠٠٠ ، ٠٠١٠

صيد الحوت أي الأداء على صيد السمك وانحصار أماكن البحر في صيد الحكومة.

٠٠٠ ، ٠١١٠

الملح أي انحصار بيعه أيضا فيها.

٠٠٠ ، ٠٠٥٥

الأداء على النشاف والقرنيط أي الإسفنج ونوع السمك المسمى بالقرنيط.

٠٨٥٠٦٠٠

قانون الزيتون في سوسة والمستير والمهدية وصفاقس أي الخراج على شجرة الزيتون عوضا عن الشعر.

٠٠٠ ، ٣٠٣٢

٠٠٠ ، ٠١٥٠

قانون زيتون الوطن القبلي.

٠٠٠ ، ٠١٠٠

محصولات صفاقس مثل ما بينا سابقا.

٠٠٠ ، ٠٠٩٠

محصولات جربه وقمرقها.

٠٠٠ ، ٠٠٨٠

محصولات بن زرت.

٠٠٠ ، ٠٠٢٠

محصولات حلق الوادي.

٠٠٠ ، ٠٠٠٨

لزمة صيد المرجان أي المقدار الذي يؤدى على ذلك من الفرنسيس.

٠٠٠ ، ٠٠٨٥

محصولات الوطن القبلي.

٠٠٠ ، ٠٣٠٠

التنبراي الأوراق المختوم عليها من الحكومة ليكتب فيها الإحتجاجات بحيث لا تقبل حجة في غير ورقة مختومة.

٠٠٠ ، ٢٦٤٠

السراحات أي الأداء على ما يخرج من القطر من الحبوب والزيت والتمر والصوف والصابون.

٠٠٠ ، ٢٥٠٥

وقد أقيم الحساب على مقتضى هاته الميزانية فلم توف في أغلب السنين للغلط الذي وقع في تقدير فصل السراحات وهو الأخير ، لأن ذلك غير صحيح كما أبانه الواقع ، وسبب ذلك عدم إمكان ضبطه في الوزارة السابقة فقرب تقريبا بالقياس على سنة كانت خصبة مع الطلب في الثمن إلى أوروبا ، ولذلك لزم الحكومة أن تكمل من دخلها الخاص ما ينقص من ذلك الدخل عن الوفاء بالفائض حسبما هو مشروط في اللائحة التي جعلها الكومسيون المالي أساسا لأعماله ، فإن منها أن فائض الدين الذي هو ستة ملايين ونصف فرنكا كما تقدم إن وفت بها المداخيل المعطاة لمجلس الإدارة فبها ونعمت ، وإلا فالحكومة ملزومة بأن تكمل من باقي مداخيلها ما يوفي بذلك المقدار ، غير أنها في السنة

٢٦٠