صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار - ج ١

السيّد محمّد بيرم الخامس التونسي

صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد بيرم الخامس التونسي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٨
الجزء ١ الجزء ٢

الدول الأوروباوية عليهم الذين كانوا يجرون فيهم الحكم الإستبدادي الظالم ، وأما أقلهم فإنهم من الأهالي الأصليين الذين : إما أنهم تناسوا التمدن أو لم يعرف فيهم ولم يحسن الغرباء معاشرتهم وإنما عاملوهم معاملة الوحوش وأطردوهم أو أفنوهم من ديارهم فبقوا على الجهل والتوحش ، وفي بعض الأماكن لا تساعدهم طبيعة الإقليم على شيء ، فقد ذكروا أن في الجهات الضاربة لأقاصي الشمال قوم ينحتون من الجليد بيوتا ويجعلون لها مضاوي نحتا ويسدونها بطبقات من الجليد الصفيق ليمنع مرور الهواء ولا يمنع الضوء ، ويبقون في تلك الدهاليز ليالي الشتاء الطويلة التي هي أغلب أيام السنة عندهم ويكتسون بجلد عجل البحر ويأكلون لحمه ويوقدون عظمه ، ومن أغرب ما يحكى عنهم أنهم يطبخون اللحم المذكور في قدور من الخشب ، وصورة طبخهم أنهم يتخذون من بعض الأشجار التي تنبت في الأرض الجليدية قدورا يضعون فيما تجوف منها اللحم ويصبون عليه الماء ثم يأخذون الحجارة ويحمونها في النار إلى أن تصير حامية جدا فيلقونها في القدر فتطفأ ويسخن الماء بحرارتها ثم غيرها وغيرها إلى أن يصل الطبخ إلى الإعتدال الذي اعتادوه ، وربك يخلق ما يشاء ويختار وهو القادر الفعال.

القسم الخامس من الأرض أستراليا

هي مجموع جزائر جهة الجنوب من المحيط الشرقي قبالة الهند ، والظن أنها كانت متصلة بشبه جزيرة سمطرا قديما وفصلتها زلازل هائلة قديما كما يتبين من النظر إلى الخريطة ، ويدعى أن أعظمها اكتشف منذ أقل من مائة سنة ، والحال أن بها سكانا نحو مليونين من البشر وفي لونهم السوداني أشكال من جهة التعليل بأن سواد اللون من كثرة الحرّ تحت خط الإستواء مع أن عرض أعظم جزيرة هناك يبتدىء من عرض خمسة وثلاثين جنوبيا وذلك العرض من المناطق المعتدلة ، مع أن الأهالي الأصليين سود وكلهم متوحشون وإنما يفترقون في شدّة التوحش وضعفه ، وقد أخذت بعض الجهات في التمدن شيئا ما ، وكل هاته الجزائر تحت تسلط دول أوروبا وأغلبها تملكا الدولة الإنكليزية ، وقد جعلت أوستراليا منفى لأصحاب الجرائم العظيمة ، فبالتغرب والحكم المشدد هناك تهذبوا وتقدموا شيئا فشيئا إلى أن أنكروا على الدولة الإنكليزية نفي المجرمين إليهم لأنهم ليسوا بأهل لمعاشرتهم ، ثم أخذوا استقلال إدارتهم برضاء الدولة الإنكليزية ولا زالوا تحت حمايتها.

وبقية دواخل الجزر مجهولة إلى الآن وهكذا جهة القطب الجنوبي ، واكتشف النوتية منذ أربعين سنة على أرض في تلك الجهات واسعة ولم يروا فيها سكانا ، وإلى الآن لم يزل البحث على ما فيها وما ورائها ، وكذلك سنة ١٢٩١ ه‍ اكتشف نوتية من النمسا أرسلتهم دولتهم للإكتشاف على أحوال القطب الشمالي في باخرة تامة التجهيز فرجعوا بعد عامين بعد أن خلصتهم باخرة روسية عندما كادوا أن يهلكوا لانكسار باخرتهم بالجليد ورجوعهم في قوارب صغيرة ، فأخبروا باكتشافهم لأرض واسعة في درجة ثلاثة وثمانين وأنهم لما

١٤١

انتهوا إلى رأس فيها سموه رأس أوستريا وجدوا بحرا جهة الشمال مائعا عليه يسير من الجمد لا يتحمل حمل المراكب الجليدية وحدس بذلك علماء هذا الفن على أن الحرارة من الكهرباء جهة القطب يمكن معها الحياة والسكنى أزيد من المناطق المتجمدة ، وهو يؤيد ما قلناه في بحث السد عند الكلام على الصين والله أعلم بما خلق وذرأ وهو الحكيم الخبير.

الفصل السابع والثمانون

وحيث قد تبين في هذا الباب إجمال حالات الممالك وما هي عليه من الأحكام والأمن ، ناسب أن نذكر هنا خلاصة في أسماء الممالك وقواعد بلدانها وعدد سكانها وكمية عساكرها وعدد سفنها الحربية ومقدار دخل حكومتها ومقدار خرجها ، وكذلك قيمة السلع الداخلة والخارجة بمتجر تلك المملكة ، وكم على حكومتها من الدين وكمية ما مد من طرق الحديد فيها لتتبين بذلك قوة الممالك ومراتبها في الإعتبار ، وهاتيك التفاصيل جمعناها من عدة مواد وتقويمات كلها في سنين متقاربة ، من سنة ١٢٨٨ إلى سنة ١٢٩٧ ه‍ بحيث لا تتجاوز العشر سنين ، وإنما نبهنا على هذا لأن الأعداد المذكورة في الأغلب يتغير بعضها بطول السنين ، لكنها في الأغلب لا تتغير في أقل من عشر سنين إلا بأمور جزئية ، إلا أن يطرأ على مملكة من الممالك حادث غير اعتيادي بحرب هائلة أو غيرها ، كما أنا لم نعتبر فيما نقلناه الأعداد القليلة بالنسبة إلى ما يقتضيه كل نوع من الأنواع المذكورة لعدم الجدوى فيه بالنسبة لما نحن بصدده ، سيما وكثير من تلك الأنواع هو من أصله غير محرر بالتدقيق إلا في بعض مواد في بعض الممالك.

١٤٢

جدول الإحصاءات

التجارة

سكك الحديد

الديون

الخرج

الديانة

فرنك

أميال

فرنك

فرنك

إسلام

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥٠٠

١٣٨٦

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥٠٠٠

٠٠٠، ٠٠٠ ، ٣٦٨

إسلام

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥٠٠

١٢٠٥

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠، ٢

٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٠٩

إسلام

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٤٠

٢٠٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٢٧

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٤

إسلام

م (١)

لا (٢)

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٤٠

م

إسلام

م

لا

لا

٠٠٠ ، ٥٤٥٠٠

إسلام

م

لا

لا

م

إسلام

م

لا

لا

م

إسلام

م

لا

لا

م

إسلام

م

لا

لا

م

إسلام

م

لا

لا

م

إسلام

م

لا

لا

م

إسلام

م

لا

لا

م

إسلام

م

لا

لا

م

إسلام

م

لا

لا

م

إسلام

م

لا

لا

م

إسلام

م

لا

لا

م

إسلام

٠٠٠ ، ٣٥٠ ، ٢١

لا

لا

٠٠٠ ، ٧٥٠ ، ١

إسلام

م

لا

لا

م

إسلام

م

لا

لا

م

إسلام

م

لا

لا

م

إسلام

م

لا

لا

م

إسلام

م

لا

لا

م

إسلام

م

لا

لا

م

__________________

(١) الميم المفردة هي علامة على مجهول.

(٢) اللام علامة تدل على معدوم أي لا وجود له.

١٤٣

السكان

الدخل

السفن

العساكر

عدد النفوس

فرنك

حربية

وقت الحرب

مليون

التخوت

الدول

٠٠٠ ، ٠٠٠، ٣٦٨

٧٨

٠٠٠ ، ٦٠٠

٠٠٠ ، ٠٠٠، ٢٢

القسطنطينية

العثمانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢١٦

١٣

٠٠٠ ، ٦٠

٠٠٠، ٠٠٠ ، ١٦

مصر

تابع لها

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٤

٢

٠٠٠ ، ٣٠

٠٠٠ ، ٥٠٠ ، ١

تونس

تونس مثلها

م

لا

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٧

فاس

الغرب

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٦٢

لا

٠٠٠ ، ٦٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥

طهران

الفرس

م

لا

٠٠٠ ، ٢٠٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٦

كابل

أفغانستان

م

لا

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢

كيلات

بلوجستان

م

م

م

٠٠٠ ، ٧٥٠

براك

ملقا

م

لا

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢

هرات

هرات

م

لا

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢

خوقند

خوقند

م

لا

م

٠٠٠ ، ٥٠٠ ، ٢

مرو

التركمان

م

م

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢

مسقط

مسقط

م

لا

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢

رياض

رياض وغيرها

م

لا

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢

عرب الجزيرة

م

لا

٠٠٠ ، ٢٠

٠٠٠ ، ١٠٠٠

كشمير

كشمير

م

م

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣

أجسين

أتشين

٠٠٠ ، ٧٥٠ ، ١

م

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢

زنجبار

الزنجبار

م

لا

٠٠٠ ، ٢٠٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٨

كوكوا

برنو

م

لا

م

٠٠٠ ، ٥٠٠ ، ٤

وره

واداي توابعها

م

لا

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٦

ساكاتو

فلاتا

م

لا

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٤

سان سان

تنبكتو وتوابعها

م

م

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٨

هرر

عادل وجوارها

م

لا

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢

كنبرا وغيرها

الصحراء الغربية

١٤٤

إسلام

م

لا

لا

م

إسلام

م

لا

لا

م

نصرانية

م

لا

لا

م

مشركون

م

لا

لا

م

مشركون

م

لا

لا

م

مشركون

م

لا

لا

م

مشركون

م

لا

لا

م

مشركون

م

م

لا

١،٨٠٠،٠٠٠،٠٠٠

مشركون

م

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٧٠٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٩٠

مشركون

م

لا

لا

م

مشركون

م

لا

لا

م

نصرانية

مشركون

م

لا

٠٠٠ ، ٢٠٠

نصرانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٦٥٤ ،١

٠٠١٢

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٠٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٦

نصرانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٨٣٥ ، ٢

٠٠٠ ، ٩

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٨٤ ، ١

نصرانية

م

٠٠٠ ، ٥

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٧٠٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٦٢٤

نصرانية

م

٠٨٠٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٠٠٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٣٠

نصرانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٨

٠٠٠، ٢٥

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٩٣ ، ٢٤

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٦٦٧

نصرانية

م

٠٠٠ ، ٢

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٥

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٧

نصرانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٤

٤٠٠ ، ٢

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٦٠ ، ١

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٠٠

نصرانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣

٠٠٠، ١٦

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥٠٠ ، ٨

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥٩٠ ، ١

نصرانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٨٠

لا

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٠٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٤

نصرانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٦٢

٠٠٠، ٢

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٥

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٠٠

نصرانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٦

٠٠٠، ٧٢

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٤٨٠ ، ١٩

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٨٠٠ ، ١

مختلطة

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣

٠٠٠، ١١

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٨٠٠ ، ٢

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٠٠ ، ١

مختلطة

تابع

تابع

تابع

نصرانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥٠٠ ٢

٠٠٨ ، ١

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٥٠ ، ٢

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٢٠

١٤٥

م

لا

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٤

أدلى وغيرها

التورك

م

لا

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١

صحراء تيبوس

م

م

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥

أدواح

الحبشة

م

لا

م

٠٠٠ ، ٠٠٠، ٥٠٠ ، ٣

مندلاي

بورما

م

م

٠٠٠ ، ٤٠

٠٠٠ ، ٥٠٠ ، ٦

بان جوش

سيام

م

م

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٩

نوشواشين

كوشين الصين

م

م

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١

بنوم بنه

كمبوديا

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٨٠٠ ، ١

٣٧

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥٣٧

باكين

الصين

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٩٠

١٣

٢٣٠ ، ٥٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٣

جدو

الجابون

م

لا

م

٠٠٠ ، ٢٥٠٠

نيبول

م

لا

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١

بوتان

٠٠٠ ، ١٥٠

م

٠٠٠ ، ١٥

٠٠٠ ، ٣٠٠

حينين

الجبل الأسود

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٦

٣٠

٠٠٠ ، ١٠٠

٠٠٠٠٠٠ ، ٢

أتنه

اليونان

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٩٠

٨٧

٨٢٩٨٢٧

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٧

روميه

إيطاليا

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥٨٨

١٨٢

٠٠٠ ، ٢١٦

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٦

مدريد

إسبانيا وملحقاتها

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٣٠

٥٠

٠٠٠ ، ٧٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٨

لزبون

البرتغال وملحقاتها

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٦٦٧ ، ٢

١٥٤

١٦٤ ، ٤٢٣ ، ٢

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٤١

باريس

فرنسا وملحقاتها

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٧

لا

٠٠٠ ، ٢٠٠

٠٠٠ ، ٥٠٠ ، ٢

باري

سفيسرة

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٠٠

م

٠٠٠ ، ٢٠٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥٠

بروكسل

بلجيك

٠٠٠ ، ٧٥٠٠ ، ١٥٨

٧٠

٠٠٠ ، ٠٩٤ ، ١

٠٠٠ ، ٥٠٠ ، ٣٨

فيينا

النمسا وتابعها

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٤

لا

٠٠٠ ، ٢٢٥

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢

بلغراد

الصرب

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٠٠

م

٠٠٠ ، ١٤٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥

بخارست

الرومانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٨٠٠ ، ١

٣٨٣

٢٣٥ ، ٥٤١

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٠

لوندره

انكلترا

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٠٠ ، ١

لا

٠٠٠ ، ٤٩١

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٧٥

كلكوته

الهند التابع لها

تابع

لا

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٥

بقية مستعمراتها

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٢٠

١١٨

٠٠٠ ، ١٤٠

٠٠٠ ، ٨٠٠ ، ٢٣

هاك

هلانده وتوابعها

١٤٦

نصرانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢

٠٠٠ ، ٢٥

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥٠٠ ، ٣

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٠٠ ، ١

نصرانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٠٠ ، ١

٧٧٠ ، ١

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢١٢

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٣

نصرانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٠٠

٠٠٠، ٥٤٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٠٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٦٣

نصرانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٠٠

٠٠٠ ، ٩

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥٠٠ ، ٩

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢

مختلطة

م

لا

لا

م

مختلطة

م

لا

لا

م

نصرانية

م

لا

لا

م

مختلطة

م

لا

لا

م

مختلطة

م

لا

لا

م

مختلطة

م

لا

لا

م

مختلطة

م

لا

لا

م

مختلطة

م

لا

لا

م

مختلطة

م

لا

لا

م

مختلطة

م

لا

لا

م

نصرانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٦

٠٠٠ ، ٧٤

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٧٥

نصرانية

م

٥٧٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٢٥

نصرانية

٠٠٠ ، ٧٧٥ ، ٣٨

لا

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٨

نصرانية

م

لا

م

م

نصرانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٤٠٠

٧٠٠ ، ٣

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٠٠ ، ١

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٠٠

نصرانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٠٠٠

٢٠٠ ، ١

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٨٠٠ ، ١

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٨١

نصرانية

م

م

م

م

نصرانية

م

٤٠٠ ، ١

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٠٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٨٥

نصرانية

م

م

م

م

نصرانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٠٠

م

م

م

نصرانية

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥٢٥

٠٠٠ ، ٢

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٤٠٠

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١١٥

١٤٧

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٢١ ، ١

٧٢

٠٠٠ ، ٥٠٠ ، ١

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٤١

برلين

المانيا

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٣٦

١٢٨

٠٠٠ ، ١٤٠

٠٠٠ ، ٥٠٠ ، ٥

استكهولم

السويد والنورويج

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٧٠

٣٧

٠٠٠ ، ٤١

٠٠٠ ، ٨٠٠ ، ١

كوبنهاغ

الدانيمرك

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢

٢٥٥

٠٠٠ ، ٥٠٠ ، ١

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٨٢

سان بترسبوروغ

الروسيا

م

لا

م

م

أسفار

بالس وما جاورها

م

لا

م

م

كوران كوكا

تيماني

م

لا

م

م

كرومان

م

لا

م

٠٠٠ ، ٥٠٠

برنوفيا

ليبريا

م

لا

م

م

فانكي وما معها

م

لا

٠٠٠ ، ٢٠

٠٠٠ ، ٨٠٠

أنوميخ

داهوميه

م

لا

م

م

أكياس وما معها

م

لا

م

م

أورنج وما جاورها

م

لا

م

م

كرومان

بادجوان

م

لا

م

٠٠٠ ،٠٠٠ ، ١٠٠

المجهول من أفريقيا

م

لا

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥

تناناريفو

مادغسكار

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢

١٧٨

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٤٢

واشنطون

أمريكا المتحدة

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٢٥

٩

٤٠٠ ، ٢٢

٠٠٠ ، ١٣٤ ، ٩

مكسيكو

المسكيك

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٨

لا

م

٠٠٠ ، ٥٨٠ ، ٢

لسكوني مالا

أمريكا الوسطى

م

م

م

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣

سانتني ديبوكوتا

كلمبويا

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٠٠

٣٥

٠٠٠ ، ٣٠

٠٠٠ ، ٥٠٠ ، ١

ليما

بتره

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٢٨١

٨٧

٢٤١ ، ٦١١

٠٠٠ ، ٥٠٠ ، ٦

ريبودوخسرو

برازيل

م

لا

م

٠٠٠ ، ٥٠٠ ، ٢

شوكيزك

بوليفيا

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٨٥

م

م

٠٠٠ ، ٢٥٠ ، ٢

سانتياكو

الشيلي

م

م

م

٠٠٠ ، ٢٥٠

لنسبون

اروكواي

م

م

م

٠٠٠ ، ٢٥٠

متيفيتبو

تاكونيا

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١١٥

م

م

٤٩٠ ، ٨٧٧ ، ١

وينوس اير

أرجانتي

١٤٨

ملاحظات

كل ما هنا اعتبار لما هو واقع في سنة ١٢٩٧ ه

٠٠٠ ، ٢٥٠ ، ١١٦ عدد نفوس المسلمين المستقلين بأحكامهم

يضم عليهم عدد نفوس المسلمين الداخلين تحت أحكام غيرهم

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٦٠ في الصين

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٤٠ في الهند

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٨ في الروسيا

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣ في فرنسا

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٠ في بقية الممالك

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٢١

٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ١٢١

٠٠٠ ، ٢٥٠ ، ٢٣٧

٤٩٠ ، ٧٤١ ، ٣٩٧ عدد نفوس النصارى

٠٠٠ ، ٣٠٠ ، ٧٨٩ عدد نفوس الباقي من المشركين وغيرهم

٤٩٠ ، ٢٩١ ، ٤٢٤ ، ١

١٤٩

المقصد الأول

الباب الأول

في سبب سفري

فصل : قد عرض للعبد الحقير السفر إلى أوروبا ثلاث مرار إلى هذا التاريخ وهو سنة ١٢٩٧ ه‍ ، فأما في مرتين وهما الأوّليتان فكان السفر لأجل التداوي فقط على ما سيأتي بيانه ، وأما المرة الثالثة فكانت لما ذكر أيضا ولأشغال سياسية أوعز إليّ بها الوزير ، ثم عند رجوعي من هاته الثالثة نقض المذكور غزله وحملني على مفارقة الوطن حفظا لما يوجب الله عليّ حفظه ، فوجهت القصد إلى أداء الحج المفروض والتشرف بزيارة أعظم الرسل ـ عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام وعلى آله الكرام وخلفائه الأعلام وأصحابه الفخام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ ثم استقررت بالقسطنطينية العظمى ثم سافرت إلى أوروبا رابعا سنة ١٢٩٨ ه‍ ، وعدت إلى الأستانة وسنفرد كل مملكة شاهدتها بباب خاص نذكر فيه أحوالها وما شاهدته فيها ، كما أني أبين في هذا الباب المرض الذي حملني على السفر وما قيل في التداوي شرعا وما عولجت به ، وحيث كان لأصل النشأة والإقليم دخل عظيم في العلاج كما قرره الأطباء المتقدمون والمتأخرون ، لزم أن نذكر طرفا من حال نشأتي ونفرد كل قسم من هاته الأمور بفصل خاص ، والله المستعان.

فصل في نشأتي

اعلم أن نهاية ما نعلم من نسبي هو ما يذكر وهو : أنني محمد بن مصطفى بن محمد الثالث ابن محمد الثاني ابن محمد الأول ابن حسين بن أحمد بن محمد بن حسين بن بيرم وهذا الجد الأعلى قدم إلى تونس عند قدوم سنان باشا وزير الدولة العلية مع العساكر العثمانية لفتح تونس من يد الإسبنيول سنة إحدى وثمانين وتسعمائة ، ثم أقام بها وتزوج بابنة ابن الأبار (١) أحد وزراء الأندلس وعلمائها ، صاحب القصيدة التي يستغيث بها على لسان

__________________

(١) هو محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي البلنسي أبو عبد الله ابن الأبار. (٥٩٥ ـ ٦٥٨ ه‍) مؤرخ أديب قتل في تونس قعصا بالرماح. الأعلام ٦ / ٢٣٣ نفح الطيب ١ / ٦٣٠ الوافي بالوفيات ٣ / ٣٥٥ فوات الوفيات ٣ / ٤٠٤ رقم الترجمة (٤٧١) شذرات الذهب ٥ / ٢٧٥.

١٥٠

صاحب الأندلس سلطان المغرب للأندلس عند قدومه عليه سفيرا عن مخدومه ، ومطلعها :

أدرك بخيلك خيل الله أندلسا

إن السبيل إلى منجاتها درسا

ثم تناسل نسله إلى حسين الأخير منخرطين في سلك الوظائف العسكرية أو الملكية مع التحلي بالآداب العلمية ، فتزوج حسين هذا إبنة طاهرة من ذرية المولى الشريف سيدي حسن الشريف الهندي الشهير رضي‌الله‌عنه وبارك في آل بيته العامر السعيد إلى قيام الساعة ، فولدت له محمد بيرم الأول ومنه دخل النسل إلى سلك العلماء إلى الآن والمرجو من كرم الله أن يديم ذلك في أعقابنا ما قدر لهم بالوجود ، واستفحل العلم في هذا البيت ولله الحمد حتى سمعت من شيخنا العلامة شيخ الإسلام محمد ابن الخوجة يعرّف جدي محمد الثاني بقوله أبو يوسف الثاني ، ومؤلفات هذا الجد تشهد لشيخنا بصدقه وكذلك لبقية علماء بيتنا تآليف عديدة عظيمة مفيدة ، وتقلبوا في الوظائف العلمية إلى رياسة الفتوى وتلقب منهم أربعة بشيخ الإسلام.

ولما تأهل والدي قدس الله روحه للزواج ، زوجه أبوه بابنة وزير البحر محمود بن محمد خوجه ووالدتها من بيت الغماد ذي الشرف المعروف ، وقد ألف الجد محمد بيرم الثاني تأليفا خاصا في التعريف بنسبه الجثماني والروحاني بلغ فيه إلى نفسه والعبد مذيل عليه بذكر من لم يحوه ذلك التأليف من فروع هذا البيت وما ذكر في هذا الفصل أنموذج منه ، وكانت ولادتي في سنة ١٢٥٥ ه‍.

ثم اشتغلت بالقراءة والتعلم متفرغا إلى ذلك إلى أن وليت خطة التدريس سنة ١٢٧٨ ه‍ وكذلك مشيخة المدرسة العنقية ، ولم يكن لي هم بشيء من أحوال الدنيا إلا مطالعات الحوادث السياسية الداخلية والخارجية إلى أن توفي والدي رحمه‌الله ونعمه سنة (١٢٨٠ ه‍) ، فاضطررت إلى إدارة مخلفاته ولم يكن لي إلا محض الوداد مع سائر السكان لبعدي عن مواقع التحاسد بينهم وتجنبي للخطط ، حتى أن خطة التدريس والمشيخة المذكورتين إنما قبلتهما بعد الإلحاح عند وفاة عمي شيخ الإسلام محمد بيرم الرابع ، وانحلال الخطتين المذكورتين بسبب موته حيث كانت مشيخة المدرسة إليه ، وانحلت وظيفة التدريس بسبب انتقال صاحبها لما فوقها وصاحب ما فوقها ترقى إلى مشيخة الإسلام وهو شيخنا العلامة محمد ابن الخوجه المشار إليه آنفا ، وبقيت على ذلك مرتاح البال سليم الوداد إلى أن ولي الوزارة الكبرى بتونس الناصح الأمين خير الدين باشا (١) ونحا منحى الحكومة الشوروية في إجراء العدل ، فرأى اجتهادا منه في انتقاء المتأهل للخطط أن يستعين بالعبد في بعض الخطط حسن ظن منه ، فلم يسعني إلا مساعفته لما كنت منه على علم من توغله في حب العدل والميل إلى القوانين والشورى ، حتى كان أول ناشر لمفاخرها في

__________________

(١) هو خير الدين باشا التونسي (١٢٢٥ ـ ١٣٠٨ ه‍) وزير مؤرخ. شركسي الأصل. توفي بالآستانة.

الأعلام ٢ / ٣٢٧ معجم سركيس (٨٥٤).

١٥١

قطرنا بتأليفه «أقوم المسالك». مع امتناعي سابقا عن كل وظيفة لما أعلم من خمول الإنصاف وظهور الإعتساف ، وعندما غلب على الظن حصول الجدوى بولاية الشهم المذكور أجبت استدعاءه وقلدت رياسة جمعية الأوقاف التي هي من مبتكرات الوزير المذكور في تونس ، إذ رتب قانونا لها يحفظ الأوقاف وينميها بضبط لم يسبق إليه ، فاستعنت الله وبذلت مقدوري للوفاء بما عهد إلي ثم ضم إلى ذلك نظارة المطبعة وهكذا بذلت فيها مستطاعي غير أني في ذاتي تحملت من الأتعاب الفكرية والبدنية ما لم تتحمله نشأتي ، بل وكذلك الخسائر المالية لأن المرتب الذي جعل لي وإن كان في نفسه نظرا للبلاد وافرا لكنه كان غير واف بما اعتدته من المصاريف التي كنت أحصل على الوفاء بها من دخل أملاكي ومعاطاة تجارتي ، ولما استغرقت الوظيفية الأوقات للقيام بها حق القيام تعطل الدخل السابق فعوضا عن الإستغناء بالوظائف صرت أبيع من كسبي شيئا بعد شيء للوفاء بحاجات المعاش ، ولا أعد ذلك شيئا في جنب القيام بحق الوطن بل إني أحمد الله تعالى على ما أنعم.

فصل في مرضي وما عولجت به

حيث كان نسل بيتنا متوارثا فيه ضعف الأبدان وكثرة الأسقام حتى قال الجد الثاني في تأليف نسبه المشار إليه آنفا عند الكلام على أقرائه شرح صدر الشريعة على الوقاية والسبب في طول مدة أقرائه له كثرة ما كتب على مباحثه المهمة من التعاليق المختصرة والمطولة ، مع الشغل بخطة القضاء والضعف البدني إلى أن قال : «فإنا أهل بيت باض السقم في بيتنا وفرخ وشوى وطبخ نسأله سبحانه أن يجعل ما فاتنا من القوة في أبداننا قوة في ديننا وأن يعافينا ويعف عنا ويميتنا على الإسلام بلا محنة إنه جواد كريم». وقد كان الجد المذكور مبتلى بمرض عصبي أعيا علاجه أطباء زمانه إلى أن حصل له إنكماش في أصابع يديه وهو مع ذلك يطالع ويؤلف إلى أن توفي سنة ١٢٤٧ ه‍ وهو ابن أربع وثمانين سنة لا يفتر عن التحرير والمطالعة قدس الله ثراه ، كما أن والدتي رحمها الله ونعمها كان بها مرض الأعيا يعتريها بكثرة في ركبتيها وهو من الأمراض العصبية ، وكذلك كان بها مرض عصبي في معدتها.

فلما تقدم ، كان مزاجي منهشا للمرض العصبي لأنه من الأمراض التي يعتريها التوارث ، ولما شقت عليّ الأشغال الفكرية والبدنية وكانت طبيعية إقليمي مائلة إلى الحرارة واشتد الحرّ في الصيف كنت أستحم بالماء البارد بعد التعب بالشغل نحو سبع ساعات تطلبا للنشاط والإرتياح للإستعانة بذلك على الأشغال عشية ، فارتكبت ذلك مرتين أو ثلاثا وعند آخرها حصل لي وجع شديد يكاد لا يطاق يبتدىء من فم المعدة ثم يمتد للجنبين مع مصاحبة الإسهال وتطول حصته من الساعة إلى الساعتين ، وتكرر ذلك مع شدته ولم ينجح فيه شيء من علاج أطباء بلادنا مع تنوعه وكثرة اجتماع الأطباء إليه بحيث لم أبق واحدا من مشاهيرهم لم أحضره فرادى ومجتمعين ، وغاية ما أرسى عليه حالهم هو استعمال المسكن

١٥٢

المسمى «بكلوراتو مرفينا» الذي يستخرج من روح الأفيون ، ويستعملونه محلولا في الماء المقطر وزن نصف قمحة من العلاج المذكور ، أي عشرة من مائة من غرام واحد في ستة غرامات من الماء المذكور ، ثم يملؤون منه حقنة صغيرة تحمل غراما واحدا إلا ربعا من الماء المدبر المذكور ، ويحكمون إدخال أنبوبها في رأس إبرة خاوية الوسط وسنها في غاية الحدة ، ثم يمسكون الجلد من المريض بأصابع اليد ويجذبونه إلى أن يبعد شيئا ما عن اللحم ثم يدخلون الإبرة هناك ويجذبونها إلى خارج إلى أن لا يبقى إلا آخرها داخل الجلد ، ويبقى محلها هناك متمددا وحينئذ يحقن الماء المذكور تحت الجلد ثم يزيلون الإبرة وقد تم حينئذ عمل العلاج ، فبعد دقيقة أو دقيقتين أو أقل يسكن الألم بفضل الله.

وتمادى الحال على ذلك مع كثرة تردد المرض كل يوم مرة أو بعد يومين مرة وبعد كل نوبة يتركني في غاية التعب ويورث ارتخاء وضعفا سيما وقد كنا لا نعلم كيفية استعمال ذلك المسكن فيلزم الصبر على شدائد الألم الفادح إلى أن يأتي الطبيب فما يأتي إلا وقد وجدني أخذ مني الألم مأخذا عظيما ، فلذلك نحل جسمي وصار يعتريني في بعض الأحيان دوار وتارة يعتري تخضرم في النبض مع شد ضعفه ، وامتد ذلك نحو ثمانية أشهر وحينئذ ألح عليّ الحكيم الماهر النصوح «منيايني» بالسفر إلى أوروبا ، وقد كان أشار عليّ بذلك من أوّل الأمر غير أن غيره من الأطباء خالفوه فإنهم قالوا لا يلزم السفر ويمكن العلاج في البلاد ، لكني لما رأيت من طول الأمر وزيادة الضعف ما رجح لي كلام «منيايني» أعدت استشارة الأطباء فوافقوه وكان قصده من السفر :

أولا : ذات السفر فإنها من أسباب الصحة طبا ، وقد علمنا من الفصل الثاني من المقدمة أن السفر من أسباب الصحة شرعا أيضا.

وثانيا : الإرتياح لي من الأشغال الفكرية التي لم يمكن لي التجنب عنها في البلد.

وثالثا : لملاقاة مشاهير الأطباء الذين لا يوجدون عندنا كما سيعرف في محله ، وهذا الأخير هو الذي أوجب تعيين الوجهة إلى خصوص أوروبا.

فسافرت حينئذ وكان ذلك في دجنير واجتمعت بمشاهير من أطباء إيطاليا وفرنسا واستقرّ رأي أغلبهم وأعلمهم على أن المرض عصبي مع ضعف شديد في الدم ومركزه ما بين أعصاب المعدة والقلب ، وعالجوني بالمياه الباردة جدا المنبعثة بقوة وذلك بأن يضرب بها كفي القدمين ، ثم المعقلين ، ثم فقرات الظهر ، ثم فم المعدة ، ثم الوجه والرأس ، ويتم جميع ذلك في دقيقتين أو ثلاث ثم ينشف البدن بخرق من الكتان مع عنف وضرب خفيف واستعجال ، ثم تلبس الثياب ويداوم المشي العجول نحو نصف ساعة أو أزيد إلى أن يسخن البدن ويحصل شيء من العرق. أو حك حوالي فقرات الظهر بخرقة من الشعر الصلب ثم إمرار إسفنجة مبتلة بالماء البارد على ذلك المحل عند النوم مع تكبيس الأعضاء والظهر بالأيدي.

وظهر لهذا العلاج بعض النفع غير أن شدّة البرد هناك الخارقة لمعتادنا في إقليمنا

١٥٣

المعتدل أوجبت على الأطباء الإشارة بالعود إلى الإقليم مع التوصية بالتحذير من الأسباب المحيرة للمرض ، ككثرة الشغل والمآكل العسيرة الهضم ، ثم تعاهد المعالجة بالماء البارد وشرب أدوية عديدة منها شيء قليل من روح الزئبق وأشباهه من أجزاء يسيرة من عقاقير قتالة مع التحذير من مقاديرها وخف المرض عند الرجوع إلى الوطن حتى أني لم أضطر إلى استعمال المسكن بالحقنة نحو ثمانية أشهر ، لكن المرض لم ينقطع وإنما كان يأتي خفيفا ومع العود إلى الأسباب التي لم أجد عنها مندوحة عاد الألم لما كان واضطررت للسفر ثانيا لخصوص باريس التي وجدت بها أمهر من رأيته من الأطباء وهو الحكيم «شاركو» وقد ورد الخبر باكتشافه لعلاج جديد من المعادن ، ولما عدت إليه عالجني بالكهرباء التي يسرد الكلام عليها إن شاء الله.

وصورة العلاج بآلات على نوعين ، أحدهما : مسكنة للهيجان العصبي وهي آلة مركبة من ثمانين إسطوانة منقسمة إلى قسمين كل قسم يشمل أربعين أسطوانة ويوضع كل قسم فوق القسم الآخر وكل أسطوانة مركبة من طبقات ، إحداها : نحاس والأخرى : روح التوتية المسماة بالزنك ، والثالثة : طبقة من الجوخ ، وفي مركز كل أسطوانة عمود من سلك حديدي يخرقها ويتصل الجميع بطبقة من «الكاوتشو» ويغمس الجميع في ماء مخلوط بالنشادر ، وهذا الغمس لا يلزم في كل مرة بل إذا حصل ضعف في عمل الكهرباء ثم يجفف من التقاطر ويوضع في صندوق من خشب بداخله صفحتان من الفولاذ موصلتان للكهرباء بسطح الطبقة العليا ، وفي هذا السطح بيت إبرة ومسامير من نحاس مسطحة الرأس منقوش عليها أعداد من عشرة إلى أربعين يمينا وهكذا شمالا ، وعمودان قصيران مثقوبان ويدان تداران على مركزهما ويوضع طرفهما على العدد المطلوب من المسامير اليد اليمنى على المسامير اليمين واليسرى على المسامير الشمالية وعلى بيت الإبرة ضلع من خشب ، وعند إرادة العمل بذلك الصندوق المهيأ يلزم وضعه بحيث يكون الضلع الخشبي الممتد على بيت الإبرة متوجها جنوبا وشمالا ، ثم تدار اليدان لتحريك القوة الكهربائية وتوضع إحداهما : على أحد الأعداد المناسبة لقوة الهيجان وقوة المريض أيضا ، وهكذا الأخرى بحيث لا يبلغ بهما معا إلى نهاية العدد من الجهتين التي هي درجة الثمانين في القوة الكهربائية لأن ذلك يخشى منه من الصاعقة على الإنسان ، ثم يؤخذ سلكان من الفولاذ محكم لفهما بخيوط الحرير حتى لا يبدو منهما أقل جزء ويوضع كل منهما في أحد العمودين المثقوبين ، ويحكم إمساكهما هناك بلولب وفي رأس طرفيهما الآخرين شبه ختم من معدن ملفوف في جلد رقيق يبل بالماء لسهولة توصيل الكهرباء وكل من الختمين له يد من خشب يمسكها العامل ويسمى أحد السلكين : بالموجب والآخر : بالسالب تبعا لنوع تسمية الكهرباء ، والموجب هو الذي تكون اليد الدوارة من جهته في درجة أعلى من الجهة الأخرى ، فإذا ألصق الختمان ببعضهما أو اتصلا بجسم يوصل بينهما رأيت الإبرة في بيتها تضطرب يمينا وشمالا ويشتد اضطرابها ويضعف على حسب الدرجة المجعولة فيها قوة

١٥٤

الكهرباء وإذا حصل هيجان في المرض يوضع الختمان على المريض بقرب مجلس الألم على هيئة التقابل بين السلكين ففي بضع ثوان يسكن الهيجان بإذن الله من غير أن يحس المريض بأدنى حركة أو ألم ويسمى هذا النوع من الكهرباء الكهرباء الساكنة وهاته الآلة من اختراع «كستاف طروقية» وعندما كان يعتريني المرض بالدوار وضيق الصدر كان الحكيم يضع الختم الموجب على العنفقة ساكنا والسالب على الجبهة يديره من أحد طرفيها إلى الطرف الآخر ، فكان إذا قرب من الحاجبين أرى كأن البرق يتطاير من عيني متواليا ويلزم إزالة السالب شيئا فشيئا بأن يرفع بعض أطرافه ثم وثم إلى أن ينفصل جميعه وأما الآخر فيفصل دفعة واحدة.

والآلة الثانية الكهربائية : هي آلة لتقوية البدن والأعصاب ، وصورتها مربع من خشب عليه اسطوانتان من البلور مركوزتان على قطع من «الكاوتشو» ، هو نوع غروي يجف ويتصلب مستخرج من صمغ الأشجار غير أن إحداهما يحيط بها «الكاوتشو» إلى نحو الثلثين منها والثانية إلى نحو الربع ، ويمد عليهما أسطوانة عظيمة من النحاس خاوية الوسط ، وفي أواسط كل من الأسطوانتين البلوريتين رباط من نحاس فيه موضع لوضع قطب أحد الدائرتين الآتي بيانهما ، وهذا القطب وسطه فولاذ وظاهره كاوتشو يتصل بدائرة مسطحة جيدة من الكاوتشو أيضا ، وأحد طرفي قطبها خارق للأسطوانة البلورية متصل بدائرة صغيرة من نحاس ، كما أنه في نحو الربع السفلي من الأسطوانتين موضع لقطب دائرة مثل تلك ، لكنها من البلور وإنما مركزها على القطب من الكاوتشو ، وبقية قطبها من النحاس وأحد طرفي قطبها خارق للاسطوانة البلورية متصل بدائرة من خشب لها يد تدار بها وعلى خط نهايتها محل لوضع حبل من جلد مكركب يوصل بينها وبين الدائرة النحاسية التي فوقها المتصلة بقطب دائرة الكاوتشو ، وبدوران هاته الدائرة الخشبية يدور كل من دائرة البلور ودائرة الكاوتشو اللتين وضعهما بين الأسطوانتين.

وتبعد إحداهما عن الأخرى نحو أصبع عرضا ، ومركز الكاوتشو أعلى من مركز البلور ، ثم أن المربع الخشبي تلصق به آلة ذات وسادتين لاصقتين في خشبتين ، وهما جلد محشوتان بالشعر ولهما لولب يقرّبهما من بعضهما أو يبعدهما ، وفائدتهما هي إدخال الدائرة البلورية بينهما بحيث يلتصق بكل من سطحيها إحداهما ، حتى إذا أديرت يحصل حكها بهما ويدلك كل الوسادتين بشيء محجر من الكبريت تقوية لأحداث الكهرباء ، ثم يتصل بإحدى الاسطوانتين البلوريتين عند مركز قطب الدائرة العليا قوس من نحاس ينفتح وينغلق ، بحيث إذا أغلق يتصل طرفه بالاسطوانة الكبرى النحاسية وفي هاته الاسطوانة حلقة من جنسها خارجة عن رأس الاسطوانة البلورية ليوضع فيها رأس قضيب من نحاس وذلك الرأس منحني ليمكن إمساكه في الحلقة ، وهو أي القضيب طويل أزيد من ثلاثة أمتار. وجميع تلك الآلة يوضع على مائدة من خشب مرتفعة على الأرض نحو ذراعين ونصف بأرجل متينة لا تضطرب عند إدارة الآلة ويكون وضعها في محل خالي عن الندا متجدد الهواء بعيدا عن

١٥٥

الأشجار والبحر نحو عشرة أو إثني عشر ذراعا ، ووضعها هي في المحل يكون بعيدا عن الحيطان في الأقل ذراعين ، وإذا كانت الكهربائية ضعيفة يربط برجل القوس عند الاسطوانة البلورية سلسلة من أي معدن وجد ، ويربط طرفها الآخر بالحائط ثم يوضع كرسي أرجله من البلور الثخين بعيدا عن الآلة قدر ذراعين ، ويوضع عليه طرف القضيب الماسك في الاسطوانة النحاسية ، ويجلس على الكرسي المريض وتدار الآلة إما بالبخار أو باليد ، ويفتح القوس النحاسي وعند ذلك يمتلىء الجالس بالكهرباء من غير أن يحس بشيء ، إلا إذا قرب منه جرم ما فإنه يتطاير بينه وبين الجالس شرر يشبه البرق ، ويحس به الجالس ضربا وإحراقا لكنه لا أذية فيه.

ولزيادة الدواء يأخذ الحكيم عصا من نحاس ويدها التي يمسكها من البلور وفيها حلقة تربط بها سلسلة معدنية متصلة بالأرض ، وللحذر من مسها للحكيم يدخلها بحلقة متسعة من النحاس موصولة بيد من البلور يمسكها الحكيم بيده اليسرى ليبعد جرم السلسلة عن نفسه من غير تعطيل لحركتها أو اتصالها بالأرض ، حيث كانت تمر في الحلقة الواسعة ، ثم يصوب رأس القضيب الذي بيده وهو مخروط مذبب صوب المريض الجالس على الكرسي ، على الجهات التي هي مجالس للألم وإذ ذاك ترى شعلة من النار الزرقاء المبيضة خارجة من رأس القضيب ويحس المريض بريح باردة واصلة إليه ، وإن قرب منه القضيب خرج الشرر وتارة يعوض رأس القضيب بكورة نحاسية توصل به وتارة يعوض بكورة خشبية متعددة الأنواع من صلابة الخشب ورخاوته ، لأن الصلب أشد كهربائية فيستعمل من تلك الأنواع على حسب قوة المريض ، ويدام العمل من خمس دقائق إلى عشرين دقيقة تدريجا مع تأنس المريض ونقاهته ، وحصل لي بهذا العلاج مدة أربعين يوما نفع عظيم ولله الحمد ، كاد أن ينقطع به الألم بالمرة إلا بقايا قليلة لا عبرة بها.

وعند الرجوع إلى الوطن أكد عليّ الحكيم الحذر من الأسباب وتفقد العلاج المذكور ، أو شرب قطرات صغيرة من محلول الذهب الذي بان نفعه أيضا من ست قطرات في نصف كأس من ماء إلى خمس عشرة قطرة تدريجا قبل الأكل فطورا وعشاء وعند النوم ، فكنت أستعمل آلة الكهرباء الدوائية التي ظهر نفعها غير أن الأطباء أوصوني على عدم ملازمتها خوفا من تأنس البدن ، ولذلك تركتها مدة مع أني كنت اشتريت آلة واستصحبتها معي ، والفرق بينها وبين الآلة التي عند الحكيم في باريس أن التي أخذتها تدار باليد والأخرى تدار بالبخار لكثرة استعمالها حيث يعالج بها كثيرين ، وأما التي عندي فتكفي فيها يد الآدمي إذ لا يدوم العمل بها أكثر من عشرين دقيقة في اليوم. ثم عند تركي للعلاج بها مدة كنت أخاف من اشتداد الألم الذي تتظاهر مخايله من حدوث بعض الدوار والإرتخاء والحزن ، الذي هو من علامات الهيجان للنوع الثاني من المرض ، وهو اعتراء برد شديد في الأطراف وصغر في النبض مع ألم عام لا أقدر أعبر عنه ولا أعلم مجلسه أين هو ، مع ارتعاش في الأعضاء وجفاف في الريق وصعوبة في ابتلاع الريق والطعام وضيق في النفس ،

١٥٦

وهذا الهيجان لا تنفع فيه الآلة المسكنة إلا إذا كان شديدا ، وأما إذا خفيفا فلا.

ومن عجيب عوارض هذا النوع من الهيجان شدة السمع حتى كنت أسمع الشيء الخفيّ البعيد الذي لا يسمعه الحاضرون معي مع التأذي من شدة صوته عندي ، فضلا عما إذا كان الصوت قريبا مني ، حتى يلتزم من حضر عندي السكوت بل ربما تآذيت من صوتي نفسه وهكذا الشم ، فقبل حصول الهيجان كنت أشم ما لا يدركه أمثالي لكن وقت الهيجان يصيبني زكام مفرط ، وربما هاته الحالة لا يسكنها ولا مسكن الحقنة إلا بعد مدة ، وهي أشد عليّ من هيجان الوجع ، ولذلك كنت أستعمل عند تعطيل التعاهد بالآلة العلاجية شرب ماء الذهب المتقدم ذكره ، وقد قلت للحكيم عند وصفه هذا الدواء وأنه من مخترعات هذا العصر : «إن أكل الذهب للتقوي معلوم عندنا» ، وقد كان الإمام ابن عرفة (١) في المائة الثامنة والتاسعة يبرد كل يوم بندقيا ـ البندقي نوع من سكة الذهب منسوب إلى البندقية وزنه نحو نصف دينار ذهبا ـ على دجاجة ويطبخها جيدا ويأكلها ، فقال البندقي : كثير ، فقلت له : حيث أن الذهب غير محلول فلا يأخذ منه البدن إلا مقدار ما تهضمه المعدة وما عداه يذهب في الفضلة ، فقال : نعم ، وعلى كل حال فلهذا العصر فضل في الإقتصاد فلم يسعني إلا التسليم ، وهذا العلاج بالمعدن كنت أستعمله قبل السفر ثانيا ، لكن على ظاهر الجسد وذلك بأن يؤخذ شيء من أحد المعادن الخالص ويجعل منه نحو سوار ، فإن ظهر في المريض بلبسه نوع ملايم ديم عليه وإلا يبدل بمعدن آخر ، وأوّل من اكتشفه طبيب نمساوي ، ولم يلتفت إلى قوله إلى أن أصغى إليه الحكيم «شاركو» الفرنساوي ، وجرّبه فوجده صادقا فأعلن به من مجلس فن الطب بباريس وصار معمولا به.

غير أني وجدت فرقا بين الكيفية التي جربها لي الطبيب البارون «كستلنوفو» وبين ما فعله الطبيب بباريس ، فإن الأوّل كان يستعمل المعدن ويبقيه إن وافق وكل المعادن التي جربتها لم توافق سيما النحاس فإنه يحدث التحيير إلا الذهب فلما جربته لبسا خف التحير وسخنت أعضائي ، وكان العرق الذي يأتي من الألم حارا على خلاف ما كان من برده ، ولما أعلمت بذلك الحكيم «شاركو» أذن الطبيب المباشر وهو «فغرو» بأن يجرب المعادن ، فأعطاني ميزان القوة وقبضت عليه بجهدي وقيد الدرجة وكذلك علم ميزان النبض ، ثم أوّل ما بدأ به من المعادن معدن المغناطيس ، وهو على هيئة قطعة من حديد موضوع على مائدة فألصقه بذراعي الأيمن وجعل فاصلا بينه وبين البدن قطعة من ورق ، فما لبث نحو دقيقتين إلّا وحصل هيجان عظيم في المرض خشيت منه ، وكان تابعي معجلا باستعمال الحقنة للتسكين فنهاه الطبيب ، واستعمل الآلة الكهربائية الساكنة المار ذكرها فحصل السكون بفضل

__________________

(١) هو محمد بن محمد بن عرفة الورغمي أبو عبد الله (٧١٦ ـ ٨٠٣ ه‍) إمام تونس وعالمها ، مولده ووفاته فيها. الاعلام ٧ / ٤٣ نيل الإبتهاج (٢٧٤) الضوء اللامع ٩ / ٢٤٠ رقم الترجمة (٥٨٦) طبقات القراء للجزري ٢ / ٢٤٣ رقم الترجمة (٣٤٢٢).

١٥٧

الله ، وتبين أن ذلك المعدن غير ملائم وهو نظري ووافقني عليه الحكيم «شاركو» وإن كان الطبيب «فيغرو» يرى أنه موافق ، بمعنى أنه لما أحدث تأثير أدل على تأثير للبدن منه ، لكني أقول : إن البدن يتأثر منه بالضرر لا النفع ولم أعد إليه ولا لغيره ذلك اليوم حذرا على البدن من كثرة الإضطراب ، ثم جربنا النحاس وهو أيضا غير موافق كما تقدم غير أنه لم يحدث هيجانا كبيرا ، ثم جربنا الفضة فلم توافق ولم تضادد بدليل موازنة ميزان القوة والنبض ، ثم جربنا الذهب فكان ملائما بحرارة البدن وزيادة القوة ونشاط النبض ، ولذلك استقرّ الرأي على عمله لكن لا يكتفي فيه بالاستعمال على ظاهر الجلد فقط بل بالشرب أيضا على نحو ما تقدم ، وكل معدن كان تجريبه في يوم خاص.

كما عولجت قبل السفر الثاني بماء «البرمور وبوتاسيوم» بإشارة الطبيب «كستلنوفو» ورأى في كميته وأوقاته كيفية رآها الطبيب «منيايني» كثيرة ، فلما استعملها مع المواظبة أكثرت على النوم حتى كدت أن أكون نائما ثمان وأربعين ساعة تماما ، والمقدار هو قدر ملعقة أكل بعد كل ساعة من الماء المذكور ، وبعد رجوعي من باريس والعلاج بالكهرباء على نحو ما مر ، بقيت على العافية ولله الحمد مدة عام إلّا ستة أيام ، حيث تراكمت الأتعاب الفكرية والبدنية وحوادث في البلد أوجب جميعها السفر ثالثا إلى باريس والإشتغال بغير الدواء في هاته المرة ، مع مصاحبة الأتعاب الفكرية أوجب عدم نجح العلاج السابق وإن خف الألم شيئا ما ، فلما عدت بعد إفراغ المستطاع وجدت الحال في الوطن غير الحال ، وأخلاق الحكومة وإن شئت قلت الوزير بخصوصه غير ما تركته عليه ، كأني أتيت شيئا على غير أمره ، وتحقق لدي ما كنت أتوقعه من السوء لكل ناصح أمين غير مبالي على سوء الأعمال كما سيرد شرحه إن شاء الله تعالى ، فعزمت على التوجه لبيت الله الحرام ملتجأ إلى الرسول عليه الصلاة والسلام لكشف الضر الخاص والعام ، فنلنا بجاهه المرام ولا زلنا نؤمل التمام مما التجأنا إليه فيه ومنه حسن الختام.

فصل في حكم التداوي شرعا

اعلم أن التداوي قد ورد بالهداية إليه القرآن العظيم كما في قوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) [النحل : ٦٩] فدلت الآية الشريفة على أن العسل دواء للآلام يستشفى به منها ، كما بيّنه الحديث الشريف الوارد في صحيح البخاري وغيره من قصة الصحابي الذي قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أخي يشتكي بطنه ، فقال له صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إسقه عسلا ، ثم عاد وأعاد الشكوى وأعاد له صلى‌الله‌عليه‌وسلم صفة الدواء ثانيا ، ثم وقعت الإعادة أيضا ثالثا ، وقال الصحابي : قد سقيته وما زاده إلا انطلاقا! فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إسقه عسلا صدق الله وكذب بطن أخيك ، ففعل الصحابي وشفي المريض» (١).

__________________

(١) الحديث في البخاري برقم (٥٦٨٤ ـ ٥٧١٦) وفي مسلم سلام رقم (٩١) وفي الترمذي برقم (٢٠٨٢) ـ

١٥٨

فإن الحديث قد بين إن شفاء الناس هو تداويهم به من أمراضهم حيث قال : صدق الله أي في قوله فيه شفاء للناس ، ثم يدل الحديث أيضا على أن استعمال الدواء لا بد فيه من مقادير وأوقات ، ولذلك أمره بالتكرار لأنه تعالى كما له إرادة في جعل الشيء سببا في البرء له إرادة في خصوص مقداره وأوقاته ، وأنه لا ينبغي أن يهمل الدواء إذا لم ير منه نفع في المرة الأولى ، إذ لعله لم يكن هو المقدار الكافي لما استعد له بدن المريض ولله سبحانه وتعالى حكم في الأشياء لم تصل عقولنا للإطلاع على تفاصيلها ، فيلزمنا اتباع ما دلت العادة والتجربة على جعله سببا للمسبب بمقتضى الحكمة الأزلية ، ومن ادعى عمل الأشياء بالطبع لا يسعه إلا العجز عندما تجاريه بسؤالك : لماذا كان طبعها كذا؟ وإذا علل تقول له : لماذا كان ذلك التعليل؟ وهكذا ، بل إنهم كثيرا ما يعجزون من أوّل الأمر فيقولون : إن الشيء الفلاني يفعل كذا بالخاصية ، حيث لم يجدوا شيئا يمكن لهم به التعليل الأول ، والحق أن ذلك جميعه بخلق الله وجعل تلك الأشياء أسبابا عادية يخلق عندها ما أراده بسابق حكمته.

ولما تقدم أجمعت الأمّة على جواز استعمال الأدوية ، وإنما وقع الخلاف في جواز استعمال المحرم دواء ووقع الخلاف في الترجيح عند الحنفية ، ومحل الخلاف هو ما إذا تعين الشفاء في خصوص ذلك المحرّم ولم يوجد شيء آخر حلال يقوم مقامه ، أما إذا وجد فلا مبيح حينئذ والقائل بالإباحة يستدل بالضرورة وأنها مبيحة للمحذور ، فيكون كالخائف من الهلاك جوعا في أكل الميتة ، ومقتضى تجويزهم للكتابة بالدم على جبين صاحب الرعاف لكي ينقطع عنه ، هو ترجيح للتداوي بالمحرم ، لأن الكتابة بالدم النجس إهانة للحروف ولا سيما إذا كان فيها إسم الله وذلك محرّم قطعا (١) وإنما جاز للضرورة فلا يكون إذ ذاك حراما ويجيبون من احتج بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لم يجعل الله شفاءكم فيما حرم عليكم» (٢) ، فإن الشيء إذا تعين فيه الشفاء يرتفع عنه التحريم.

وبيان هذا المعنى هو أن يقال : إن الأشياء المحرّمة إنما حرمت لما فيها من المفاسد

__________________

ـ وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل ٣ / ١٩ ، ٩٢ وفي السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ٣٤٤ وفي المستدرك للحاكم ٤ / ٤٠٢ وفي شرح السنة للبغوي ١٢ / ١٤٧ وفي مشكاة المصابيح للتبريزي رقم (٤٥٢١) وفي دلائل النبوة للبيهقي ٦ / ١٦٤ وفي الدر المنثور للسيوطي ٤ / ١٢٣.

(١) إن قطع الإسلام يحصل تارة بالقول الذي هو كفر وتارة بالفعل والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد أو استهزاء بالدين صريح كالسجود لصنم أو للشمس وكذا من يكتب شيئا من القرآن بالبول [أو بالدم] بقصد الاستشفاء من مرض فإنه يكفر. ومن فعل فعل أجمع المسلمون على أنه لا يصدر إلا عن كافر كفر. انظر تهذيب رسالة البدر الرشيد في الألفاظ المكفرات صفحة (٦) وما بعدها.

(٢) الحديث في صحيح البخاري برقم (٥٦١٤) وفي السنن الكبرى للبيهقي ١٠ / ٥ وفي جمع الجوامع برقم (٤٩٦١) وفي مجمع الزوائد ٥ / ٨٦ وفي كشف الخفاء للعجلوني ١ / ٢٧٦ وفي الدرر المنتثرة للسيوطي ٤٥ وفي كنز العمال (٢٨٣١٩ ـ ٢٨٣٢٧) وفي موارد الظمآن للهيثمي برقم (١٣٩٧) وفي تفسير القرطبي ٢ / ٢٣١ وفي فتح الباري ١٠ / ٩٦.

١٥٩

والمضار للمخلوق ، لأنه تعالى منزه عن الإحتياج لشيء ، وكل ما ورد به الشرع فإنما هو لهدايتنا لما ينفعنا فنؤمر به أو لما يضرنا فننهى عنه ، وحيث لم يكن في طوق عقولنا الإحاطة بعلم جميع ذلك لأن بعضها يتوقف على علوم تشيب الغراب ، وهو تعالى خالقنا الرؤوف العالم بنا ورسوله هو الأب الرحيم بخلق الله ونحن على يقين من ذلك ولله الحمد ، فما علينا إلا أن نتبع ما شرع لنا موقنين ومسلمين أن ذلك هو الصالح بنا كتسليم الإبن لأبيه العاقل ، وتسلم الجند لرئيسه الخبير من غير بحث عن موجب تكاليفه مع أن المشبه به يمكن فيه حصول الإعلام بالبواعث ، غير أنه ترك حذرا من فوات الفرص وإطالة الأمر بخلاف المشبه ، فقد علمنا عجز عقولنا عن إدراك جميع مصالحنا بتعاليلها ولذلك ما أمكن إدراكه.

قلنا إنه معقول المعنى وما لم ندركه عملنا به ، وقلنا إنه تعبدي والكل معقول في نفس الأمر ، فالشيء المحرّم إذا اضطر للتداوي به ليس المعنى أنه يرتفع الضرر الذي حرم من أجله ، بل أن الضرر الحاصل الذي يراد دفعه به أعظم من الضرر السابق فيرتكب أخف الضررين كما هي القاعدة الشهيرة ، فالخمر مثلا المحرّم لتوقع جرّه إلى إفساد العقل إذا غض الإنسان وخشي الهلاك ، جاز له شربه لدفع الهلاك الذي هو أعظم ضررا من توقع جرّه لإفساد العقل ، ولا يقال إنه على هذا يلزم التوقف في كل جزئية على علم مفسدة المحرّم الذي أريد استعماله وحرم من أجلها ومقايستها بالمفسدة التي يراد دفعها به ، مع أنك مصرح بعدم علم الجميع ، والقائلون بالجواز لم يخصصوا ما علمت مراتبه وقيس بينها ، لأنا نقول القواعد الكلية في مثل ذلك كافية في حصول المقصود ، وقد علمنا منها أن حفظ النفس هو ثاني مرتبة بعد حفظ الدين وجميع الأشياء المبحوث عنها آيلة إلى حفظ النفس من الهلاك ، والهلاك أعظم مفسدة ومضرة من كل ما يمكن أن يكون في الأشياء المحرمة من أسباب التحريم الراجعة إلى أجزاء خاصة من النفس كالعقل مثلا ، فيقدّم حفظ النفس جميعها عليها ولا يمس ذلك الدين لأن محله القلب أي الروح التي هي محل الإعتقاد ، وذلك لا يخرج منه إلا بما دخل فيه كما هي العبارة المشهورة ، ولذلك صرح الفقهاء بأنه لا يفتى بالردة (١) استعجالا حتى يثبت اضطراب العقيدة والعياذة بالله ، ولو صرح

__________________

(١) الردة : أي الرجوع وارتد فلان عن دينه إذا كفر بعد إسلامه وفي التنزيل (مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) [البقرة : ٢١٧].

واعلم أن العلماء من أهل المذاهب الأربعة قد وضعوا بابا خاصا سموه باب «الردّة» فقسموا الردة أي ما يخرج من الإسلام ثلاثة أقسام : الكفر اللفظي ، والكفر الفعلي ، والكفر الاعتقادي. وذكروا أنه يترتب على كل قسم من الأقسام الثلاثة حبوط ثواب الأعمال الحسنة جميعها وذهاب عصمة النكاح إذا حصلت من أحد الزوجين.

يحصل كثيرا من كثير من الناس الإعتراض على تكفير من يتكلم بكلمة كفر من سب الله وغيره محتجين بدعوى التأويل في الألفاظ الصريحة ، وهؤلاء يجرؤون الناس على التمادي في التورط ولا يدرون أن ـ

١٦٠