صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار - ج ١

السيّد محمّد بيرم الخامس التونسي

صفوة الإعتبار بمستودع الأمصار و الأقطار - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد بيرم الخامس التونسي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٨
الجزء ١ الجزء ٢

بمرسى على أحد شطوطها ولا أقل من أن تكون مجرّد حليفة لها حتى يخشى الفرانساويون عند عقدهم الحرب مع ألمانيا من هجوم المغرب على الجزائر ، وبقية الدول لا أرب لهم هناك ولذلك يظن أن لا يحصل ضرر على هاته الدولة من ذلك المؤتمر لأن إسبانيا وحدها لا تقدر على جلب مساعدة الدول إليها ، وهي بنفسها ولئن كانت قادرة على التسلط على المغرب لكن الدول السابقين الذكر اللاتي لها منافع هناك تعارض إسبانيا في قصدها. ومع هذا كله فإنهم لا بد أن يظهروا شيئا لتلك المملكة حتى تراعي الإتحاد الأروباوي ، ويا ليتهم تجنبوا ما نهى عنه الشرع ولم يعملوا مع أهل الذمّة إلا ما أمر به الشرع لأن مجاوزة الحدود تقضي بالإنقلاب ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ثم إن صناعة النقش في الجص على ظواهر الحيطان المسماة في العرف بنقش حديدة لها إتقان عظيم بهاته المملكة وكذلك دبغ الجلود ، وأما القوة الحربية فإن لهم قبائل مخصوصين معفون من جميع الأداء للدولة وهم القائمون بحمايتها مع إعطاء الدولة إليهم المعاشات والسلاح والخيل ، وعلى بقية القبائل زيادة على الزكاة والعشر أن يدفعوا للدولة مقادير معينة من الخيل ، أما عند حدوث الحرب فيلزم جميع المملكة أداء ما يحتاج إليه من الكراع والذخيرة ، ولا زال سلاحهم على الطرز القديم وكذلك حركاتهم العسكرية ، لكن منذ نحو ثلاثين سنة ابتدأوا بتنظيم العسكر على الطرز الجديد وألفوا جيشا يحتوي على ستة عشر ألفا ، ومعلموه من عساكر تونس ولكنه انخرم وهرب أغلبه ، ولكن قد أخذ السلطان المتولي الآن وهو مولاي حسن في تنظيم الجيوش على مقتضى الطرز الجديد وأرسل تلامذة إلى مدارس فرنسا وألمانيا لتعلم الفنون الرياضية ، والله ينجح سعيه ويحرس المملكة.

الفصل الحادي والأربعون المملكة الثانية

هي مملكة الجزائر ، وهي شرقي السابقة. ويحدها شرقا تونس ، وجنوبا الصحراء ، وغربا المغرب ، وشمالا البحر الأبيض ، وهي تابعة لفرنسا منذ سنة ١٢٢٧ ه‍ ، وسيأتي تفصيل الكلام عليها في المقصد. وإنما نقول هنا أن عدد سكانها نحو مليونين ونصف وأكثرهم مسلمون ، وقاعدة المملكة هي بلد الجزائر والأحكام السياسية والضبط مثل فرنسا ، والأحكام الشخصية بين شرعية إسلامية وبين قانونية فرنساوية.

الفصل الثاني والأربعون

المملكة الثالثة

هي مملكة تونس : ويأتي تفصيل الكلام عليها في المقصد إن شاء الله تعالى ، والإجمال أنها مملكة إسلامية تابعة للدولة العثمانية مستقلة بالإدارة وحكمها استبدادي محض ، وسكانها نحو مليون ونصف ، وقاعدتها مدينة تونس ، ويحدها شرقا وشمالا البحر

١٢١

الأبيض ، وغربا الجزائر ، وجنوبا الصحراء الكبيرة وطرابلس.

الفصل الثالث والأربعون

المملكة الرابعة هي طرابلس الغرب

وهي مملكة إسلامية من عهد سيدنا عمر رضي‌الله‌عنه ، وكانت في أيام دولة الرومان والقرطاجنين في غاية العمران والخصب وإن كانت المياه بها قليلة لكن الآثار القديمة دالة على إخراج منابع الماء بها من العيون والآبار وحفظ ماء المطر غير أنها الآن قليلة الخصب والسكان ، فسكانها لا يتجاوزون المليون والمعمور منها أودية خاصة وقاعدتها طرابلس ويتبعها ولايات مثل برقة وغدامس وفزان وبنغازي ، وهاته الأخيرة تارة تفرد بالإدارة وتارة تتبع طرابلس ، وقد استولت الدولة العثمانية على هاته المملكة في المائة العاشرة من الهجرة سنة ٩٥٨ ، وذلك أن الدولة الحفصية التي قاعدتها تونس لما ضعف أمرها واستبدّ عليها الولات في الأطراف كان من جملة من عصى عليها والي طرابلس التي كانت تابعة لها ، وجار في الأهالي فتجهز إليه السلطان الناصر الحفصي وغلبه وأولى على طرابلس أبا محمد عبد الواحد ابن حفص فقبل الولاية بعد امتناع طويل على شروط.

أوّلها : إبقاءه واليا إلى أن يعيد البلاد إلى أعزّ ما كانت عليه من الغناء والراحة.

الثاني : أن يستقل بالإدارة مدّة ولايته بحيث لا يعارض ولا يرد أمره في شيء.

الثالث : أن ينتخب مقدارا من العساكر حسب إرادته لإبقائهم في إعانته ، فأجيز له ذلك وبقي في الولاية إلى أن مات وولى ابنه الذي هو على شاكلته فاستقرّ العدل والغناء في المملكة حتى بلغ النهاية ، وأخلدت الأهالي إلى الراحة وترك السلاح لما ضجروا منه سابقا حتى كان ذلك سببا لطمع العدوّ فيهم ، وذلك أنه قدمت إلى ثغر طرابلس سفينتان مشحونتان تجارة فاشترى جميع ما فيهما رجل واحد ونقد الثمن حالا واستدعى من فيهما لوليمة أعدّها لهم ، وبعد إحضار الطعام أخذ لؤلؤة فاخرة ذات قيمة عظيمة ودقها في الهاون بمرأى منهم وذرها على الطعام قائلا هذا لكم مقام الفلفل ، ثم أحضر بطيخة خضراء وأراد قطعها فلم يجد سكينا فسأل منهم سكينا ولما سئل عن سبب عدم السكين عنده ، قال : إن الأهالي كانوا ضجروا من حمل السلاح ليلا ونهارا أيام الظلم والعدوان ، ولما استقرّ الأمن والعدل صار السلاح بيننا حمله معيبا ومن حمله أهين بين الأهالي. فتعجب المدعوون الذين هم من الإسبنيول القائم في ذلك الوقت كما يرد خبره في تاريخ تونس ، فأخبر أصحاب السفن دولتهم بما رأوا فطمعت في طرابلس وكان عندها ابن السلطان الحفصي مستنجدا بها على أبيه ، فحملت بجيش قليل على طرابلس وامتلكتها بإسم أحمد الحفصي الابن المذكور وجار في البلاد أشدّ الجور هو والإسبنيول ، ولما رأى ذلك النابلطان الذي هو أحد ممالك إيطاليا تداخل بين الأهالي بالإفساد ووعدهم بالحماية من الظلم وأنهم إذا أطاعوه حماهم من المظالم ولا يتداخل في أمورهم وإنما يستولي على الحصون فقط ، فكان ما كان وأجرى

١٢٢

فيهم الأمر أوّلا على نحو ما وعد ثم ابتدأ بالتداخل في أمرهم فامتنع بعض أعيان الأهالي وتحصنوا في «تاجوري».

وكانت الحرب بينهم قائمة غير أنهم علموا بضعفهم عن امتداد المقاومة فأرسلوا وفدا منهم إلى الأستانة مستنجدين بالدولة العثمانية في إنقاذهم ودعوها للإستيلاء على جميع البلاد حيث كانت هي إذ ذاك أقوى دول الإسلام وجمعت تحت رايتها أغلب الممالك الإسلامية كمصر والشام والعراقين ، ولما وصل الوفد إلى الأستانة تعجب من شكلهم كل من رآهم ولم يجدوا أحدا يفهم لغتهم حتى صادف أحد الطواشيين في القصر السلطاني الجمع المحتبك للتفرّج فيهم وكان عالما باللغة العربية فعلم القصد وكان هو الواسطة في إبلاغ مطالبهم للدولة ، فأولته هو على تلك البلدة وأرسلته معهم مع حامية ضعيفة لأنهم سهلوا الأمر على الدولة ، لكنه لما أن وصل ذلك الوالي وعلم حقيقة الأمر أرسل بتفصيل الأخبار إلى الدولة وكان إذ ذاك أسطولها الموجه إلى الإستيلاء على تونس على أهبة السفر تحت رياسة سنان باشا فأمر بالتعريج على طرابلس أوّلا فافتكها من أيدي النابلطان وبقيت مستقلة بالإدارة وليس للدولة عليها إلا هدايا وإعانات في وقت الحرب ، إلى أن عصى يوسف باشا قره منلى وحاربته الدولة في أواسط هذا القرن أي سنة ١٢٥١ ه‍ واستولت استيلاء باتا على المملكة وصارت إدارتها مثل إدارة سائر الولايات العثمانية ، ومركز الولاية مدينة طرابلس الغرب وسكانها يميلون للبداوة ولو أهل المدن ، ويحدها شرقا مصر ، وشمالا البحر الأبيض وتونس ، وغربا تونس ، وجنوبا الصحراء الكبيرة.

الفصل الرابع والأربعون

المملكة الخامسة : هي مصر ، وإجمال الكلام عليها أنها مملكة إسلامية مستقلة بالإدارة تابعة للدولة العثمانية ، وقاعدتها مصر ويتبعها ممالك مثل النوبة ودارفور وكردفان وزيلع وغيرها من ممالك السوادن ، وجميع سكانها مختلف في عددهم من الثلاثة عشر مليونا إلى الستة عشر مليونا والأخير باعتبار الإضافات اللاحقة بها أقرب ، وحكمها ظاهرا قانوني بين شرعي وسياسي ، ويحدها شمالا البحر الأبيض والصحراء ، وغربا طرابلس ، وشرقا الشام وجزيرة العرب والبحر الأحمر ، وجنوبا الحبش والسودان والصحراء الكبيرة ، وتفصيل الكلام عليها يأتي في المقصد إن شاء الله تعالى.

الفصل الخامس والأربعون

المملكة السادسة : هي الحبشة ، ويحدّها من جميع جهاتها السودان المصري وعدد أهلها نحو خمسة ملايين على التوحش والبربرية ، والديانة عندهم الغالبة نوع بين النصرانية واليهودية والوثنية ، أعني أنها كانت نصرانية ثم امتزجت بفروع من تلك. والحكم إستبدادي متوحش ولا يعرفون حقائق العلوم ولا التمدّن ، ولذا لا يعلم كم دخلها ولا خرجها ، وهي لا تزال في ضعف من الحروب الأهلية ، وبين أهلها كثير من المسلمين دخلهم الإسلام من عهد البعثة.

١٢٣

الفصل السادس والأربعون

المملكة السابعة : هي مملكة الزنجبار ، وموقعها على شطوط أفريقية الشرقية على المحيط الشرقي ، وقاعدتها في جزيرة أمام القارة. وهاته المملكة هي إسلامية عربية من قديم ، وتارة تكون تابعة لغيرها من ملوك جزيرة العرب وتارة تستقل ، وفي أوائل هذا القرن استفحل ملك أحد أئمة مسقط بجزيرة العرب وهو المسمى بالسيد سعيد من أعيان ملوك الإسلام المتأخرين ، فعبر السيد سعيد البحر واستولى على زنجبار وجعلها مقر ملكه ، وأشاد فيها الحصون ورتب فيها الإدارة الملكية مع انتحال شعائر الدين الإسلامي وكان من أتباع المذهب الوهابي ، كما أنشأ أسطولا بحريا يتألف من أربع سفن كبار حربية ذات طبقتين ، ومن عمل مداركه السياسية أنه لما علم إزدياد القوّات الأوروباوية وطموح أنظارهم إلى الجهات الشرقية وغيرها كما حصل بالفعل في شطوط أفريقية والهند ، راكن حينئذ دولة الإنكليز وجعل معها عهدا حتى تكون كافلة بحماية ممالكه من تسلط الغير لأنها أقوى دولة أوروباوية لها شوكة في تلك الأقطار ، وفي آخر حياته أولى على مسقط أحد ولديه وهو المسمى السيد تويني مستقلا بها ، كما أولى على الزنجبار ولده الآخر المسمى السيد ماجدي ، وبعد وفاته حصلت نفرة بين الأخوين وعزما على الحرب فتداخلت بينهما دولة الإنكليز وتصالحا على أداء ملك الزنجبار إلى إمام مسقط مقدارا سنويا حيث أن المملكة الأولى أغنى من الثانية والثانية أقوى. وكانت مالكة للأولى. ثم (ازداد غناء مملكة الزنجبار واعتبارها بعد فتح خليج السويس لاعتناء سلطانها السيد برغش ، وإجراءه للعدل.

ولأهلها تمدن وفطانة عربية ، وقد زار سلطانها السيد برغش ممالك أوروبا في أوائل عشرة التسعين بعد المائتين وألف وأخذ ينحوا منحى التمدن الأوروباوي في بعض أشياء ، سالكا مسلك الإستشارة الذي هو أساس العدل ، ودخل هاته المملكة يأتي إن شاء الله تعالى في جدول دخل الدول ، وأما عدد السكان فهو نحو مليونين تقريبا.

الفصل السابع والأربعون

المملكة الثامنة : هي مملكة برنو ، وهي في دواخل القارة في الجهة الشمالية الشرقية ، ويحدّها شرقا واداي ، وجنوبا الأراضي المجهولة ، وشمالا الصحراء الكبيرة ، وغربا قبائل بنبرا. وهي مملكة سودانية إسلامية يقال في صفتها وأحوالها ما يشبه مملكة مراكش. وملكها من نسل العرب ويقال من الأشراف ، وتخته كوكا أو كوكو قرب بحيرة أتشأت أكبر بحيرات دواخل أفريقية ، وهذا التخت منقسم إلى قسمين كل قسم له سور وفيها بلدان للتجارة ، منها ما به معامل للصبغ وأخرى لنسيج الثياب القطنية.

وسلطانها مستقل ويلقب في عرفهم بالشيخ ومن دونه يلقبون سلاطين ، وله اقتدار ويوسم بالعلم بل يقال عنه أنه يقرأ درسا من تفسير البيضاوي ودرسا من صحيح البخاري. ولمملكته قبائل تؤدّي خراجا له وهي مركى ، وتختها دورا ومندرا ولوكون ، ولهم صنائع في

١٢٤

النسيج وغيره ولسلطان برنو جيش من السودان على أنواع غير نظامية ، وله معسكر خاص يقدمه بين يديه على أحسن صورة وأكمل خلقة أشدّاء لهم رماح وأقواس من الحديد ولكل في ذراعيه حلق من حديد ماسكة لزنديه علامة على القوة ، ولا لبس لهم إلا ما يستر العورة وبأصابعهم خواتم من حديد تعين على جذب القوس لصلابته ليبعد رميه ، ولا يلبس العمامة إلا السلطان وهي عمامة كبرى بيضاء. ولدولة ألمانيا معه مواصلة ومهادات لإعانة جمعية الجغرافيا على الاكتشاف ، ويقال إنه يقدر أن يعسكر من الفرسان أزيد من مائة ألف من عموم الأهالي ويستعمل عندهم الأسلحة النارية ، ولغة الدولة هي العربية وفيها العلماء وعدد السكان باعتبار الإضافات نحو ثمانية ملايين تقريبا.

الفصل الثامن والأربعون

لا يخفى أن بقية أفريقيا لما كانت غير مكتشفة حق الإكتشاف لجميعها وليس لأهلها من التقدّم ما يماثل بقية الممالك ، قد قسمها الجغرافيون إلى أحد عشر قسما كبرى ، فأوّلها : سمّوه بالسودان ، ويحدّه شرقا ولايات مصر السودانية مثل دارفور ، ويحدّه شمالا الصحراء الكبيرة ، ويحدّه غربا سانيغال ، ويحدّه جنوبا كينيا العليا وبلاد الكفر. وهذا القسم يشمل عدة ممالك وقبائل مستقلة.

(تنبيه) لما كان غالب أسماء هاته الجهات والقبائل منقولة من لسان أعجمي إلى الفرنساوي ، ومنه نقلنا أغلبها ، فربما وقع تحريف في الإسم ، ولكن على كل حال يفيد تقريبا المقصود بالمادّة ، ومن ممالك هذا القسم سلطنة برنو المتقدّمة وأكثر الممالك التي فيه أهلها مسلمون وفيهم علماء أجلة لهم تآليف إلى هذا العهد ، ولكن الإطلاع على تفاصيل أحوالهم بالنسبة إلينا لما كان عسرا اكتفينا بالذكر الإجمالي.

الفصل التاسع والأربعون

مملكة واداي : وهي مملكة إسلامية لها ملك مستقل ولها تجارة واسعة مع مصر وطرابلس الغرب ، ولأهلها وفاء عظيم بالعهد. «ذكر لي ثقة أن أحد أهالي واداي قضي عليه بالأسر فبيع في طرابلس والحال أنه حر» ـ وبذلك يعلم إصابة منع التملك الذي هو مباح للخوف من الوقوع في الحرام حسبما يشهد لذلك ما كتبه عالم أفريقية سيدي إبراهيم الرياحي من المالكية وشيخ الإسلام بيرم الرابع لأحمد باشا عند أمره بعتق العبيد ، فكتب إليه كل من العالمين المذكورين كتابة جيدة في إصابة رأيه ـ ثم أن ذلك الأسير بعد أن أقام مدّة وصل فيها إلى سنّ الشيخوخة بطرابلس أعتقه مالكه ورجع إلى بلده وكان غنيا ، وبعد نحو ثمان سنين قدم على معتقه ومعه هدية ثمينة وفاء بحق الصحبة ومعه تجارة وقضى أمره ورجع إلى بلاده ، وعدد أهالي هاته المملكة نحوا من مليونين ونصف ، وتختها مدينة «وره» وعادات هاته المملكة وأحكامها على نحو مملكة برنو تقريبا.

١٢٥

الفصل الخمسون

في بقية ممالك القسم المسمى بالسودان.

فأوّلها : قبيلة كانم بو ، وهي في الجهة الشمالية من برنو وقد كانت سابقا مستقلة ثم صارت الآن تابعة إلى واداي المتقدّمة مع امتياز ، وقاعدتها ماو ثم قبيلة باكرمي وهم تابعون إلى واداي أيضا بامتياز وقاعدتهم ماسنا وهي غربي السابقة ، ومن غريب ما فيها أن عندهم نوع من النمل يحفر بيوته كبيرة جدا بحيث يكون ارتفاعها نحو عشرين ذراعا واتساعها نحو مائة وعشرين ذراعا ، وهاته الممالك والتي قبلها هي حول أعظم بحيرة في قسم السودان المسماة اتشاد فواداي من شرقها ، وكانم من شمالها ، وباكرمي من جنوبها ويليها قبيلة موزكو. ومن غريب عاداتهم أن الرجل والمرأة إذا تشاجرا فإذا ابتدأ أحدهما بالكلام خيط الآخر فمه بالخيط حتى إذا انتهى صاحبه فتح هو فاه وفعل صاحبه مثل فعله لكي لا يقطع عنه الكلام ، ولذلك ترى أفواههم مثقوبة من الصغر لأجل ذلك ويدعى أنهم يأكلون الأسرى بل وإن من تفطنوا به منهم أنه أصابه مرض أكلوه قبل أن ينحف فلا يصرح أحد بمرض للخوف على نفسه.

الفصل الحادي والخمسون

مملكة «فلاتا» : ومركز قوتهم بلد هوسا التي بها شبان أقوياء من السودان ويسمون بإسم بلدهم ، وهم خاضعون إلى فلاتا وهؤلاء جلهم مسلمون حسن السيرة على ما هم عليه ، وتختهم بلد سا كاتو ولهم سلطان مستقل مسلم ومسكنه بلدة ورنو ، وأعظم بلاد للتجارة عندهم بلد كانو ، وأهلها مسلمون ولهم بعض صنائع جيدة كالدبغ والصبغ والنسج ، ولهاته القبيلة السيادة على جميع القبائل المجاورة لها إلا نحو ثلاثة قبائل جوار الصحراء ، وهي : كوبر ، ومريادي ، وكاغو ، ولذلك كانت فلاتا مملكة وموقعها غربي الممالك السابقة على نهر ينجر الذي هو أعظم أنهر قسم السودان ، ولهم عليه قوة عظيمة.

الفصل الثاني والخمسون

القبائل المتحدة المسماة بركو المتألفة من تنبكتو وكورما ولتباكو ، وقد كان الجميع تحت سلطنة واحدة جمعهم عليها أحد علماء فوت المسمى عمر الفوتي ، وهو من العلماء الأجلاء من كبار تلاميذ سيدي أحمد التجاني (١) رضي‌الله‌عنه ، وتوصل باجتماع التلامذة عليه إلى أن صار ملكا وجمع هاتيك القبائل والتي يأتي ذكرها تحت سلطنته ، لكن في آخر الأمر وقعت حروب معه إلى أن قتل بلغم يقال : إنه أثاره على نفسه لما أيس من الحرب

__________________

(١) هو أحمد بن محمد بن المختار بن أحمد الشريف التجاني أبو العباس (١١٥٠ ـ ١٢٣٠ ه‍) شيخ الطائفة التجانية في المغرب فقيه مالكي عالما بالفروع والأصول ملما بالأدب. توفي بفاس الأعلام ، ١ / ٢٤٥ شجرة النور الزكية ٢٥٨ و ٣٧٨.

١٢٦

وكان ذلك في حدود سنة ١٢٨٣ ه‍ وله عدة تآليف ، وجميع هاته القبائل مسلمون وفيهم الصالحون ولهم تجارة مع المغرب لكنهم الآن حكمهم كأنه حكمهم جمهوري تحت عدة رؤوساء متعاضدين على دفع مهاجمات الفلاتا من الجنوب والتوارك من الشمال ، ثم يلي هاته المملكة من غربيها قبائل (بنبره) وقاعدتهم سان سان دنك ، وهاته القبيلة مستقلة تحت رياسة حاكم منهم وبقربها مكان كان يسكن به قبيلة يربا والآن لا يعلم من به.

القسم الثاني :

هو أراضي سانيغال أو سانيغانبي ، وهو يشتمل على عدة أمم ، ويحده شمالا الصحراء ، وشرقا قسم السودان ، وجنوبا مملكة جبال الأسد وكينيا العليا ، وغربا وبعض الجنوب المحيط الغربي ، وفيها جبال كثيرة ونهران عظيمان ، وعدد جميع سكانها نحو إثني عشر مليونا ، وقد استولى الفرانسيس والإنكليز والبرتغال على أكثر شطوطها.

الفصل الثالث والخمسون

في المستقل من سانيغال قد بقيت دواخلها منقسمة إلى عدة حكومات أكبرها ثلاثة ، الأولى : بالس. الثانية : ماندنيك. الثالثة : كيولوفس ، ثم البقية صغار متفرقون.

الفصل الرابع والخمسون

ممالك تيماني وسوليمانه ، وموقعها في جنوب السابقة بينها وبين كينيا العليا ، وتختها فالابا وبإزاء هاته قبائل كورانكو وتختها كورا كونكا.

القسم الثالث :

هو كينيا العليا ، وفيها قبائل وأقسام وهذا القسم ممتد مع شاطىء البحر الغربي معرج معه إلى الشرق ثم إلى الجنوب إلى مبدأ خط الإستواء القاسم للقارة ، ويحده جنوبا كينيا السفلى عند خط الإستواء والمحيط الغربي ، وغربا المحيط ، وشرقا بلاد الكفر ، وشمالا قسم السودان في الأغلب وفي الأقل سانيغال.

الفصل الخامس والخمسون

أوّل أراضي هذا القسم هي المسماة : كرومان ، وهي قبيلة من الأصليين هناك ذات أخلاق حسان وهم أقوياء تألفهم الغرباء ويوفون بالعهد ، وهم في شمال كينيا العليا ، وعلى الاجمال فجميع سكان كينيا العليا متوحشون من السودان وبينهم مسلمون ونصارى ارتحلوا إلى هناك ومنهم من صار لهم فيها مستعمرات.

الفصل السادس والخمسون

في مستعمرات الإنكليز بهذا القسم وهي الأراضي المسماة : جبال الأسد ، وسكانها من السودان وتختها فريتوفن.

١٢٧

الفصل السابع والخمسون

في مملكة ليبريا هي مملكة جمهورية مستقلة تسمى : ليبريا سكانها من السودان المعتوقين من أمريكا ، وتعرّفت بها دول أوروبا من سنة ١٢٥٦ ه‍ ـ ١٨٧٤ م. وسكانها نحو خمسمائة ألف من السودان ، ولها مجلس نواب إلى غير ذلك من سمات الدول المتمدنة ولغتهم إنكليزية ، ونهاية مساعيهم تحرير العبيد السود في الدنيا وموقعها على الشاطىء الغربي المذكور ، وتختها مدينة مرنوفيا وتحت هاته الجمهورية ولاية أخرى أنشأتها الجمعية الحرّة المذكورة ، ومن قانونها أن لا يدخلها إلا السودان الذين يقسمون أيمانا على أن لا يشربوا مسكرا ، وإسم تختها هدبر.

الفصل الثامن والخمسون

في أرض شاطىء الفيل ، وهي تلي المملكة المتقدمة ، وهي من أراضي كينيا ، يحدها المحيط المذكور جنوبا بقرب خط الإستواء ولم يمكن للسواح التوغل والإقامة بها لفساد هوائها وإن أصلح الفرنساويون أماكن أقاموا بها ، وشرقي الأرض المذكورة الأرض المسماة بشاطىء الذهب سميت بذلك لغنائها به واستعمرها الإنكليزيون ببلدان كثيرة.

الفصل التاسع والخمسون

في دواخل كينيا العليا وفي دواخل كينيا عدة ممالك سودانية منها : قبائل فانكى ، كأنهم عصبة ضد حرب قبائل إسهانتي التي هي في الدواخل المذكورة ، وهم مثل أمّة قوية مخوفة لسفكهم الدماء حتى أنهم يضحون الآدمين في جنائز كبرائهم وعند انتصارهم ، وتختهم يسمى كوماسي.

الفصل الستون

في بقية شطوط كينيا العليا ودواخلها ثم شرقي الشاطىء الذهب شاطىء المماليك سمي بإسم التجارة الرائجة هناك ، ثم في دواخله ممالك داهوميه سكانها نحو ثمانمائة ألف من السودان ولها ملك له عشرون ألفا من العسكر منهم خمسة آلاف نساء ويضحون المئات من الآدمين في أفراحهم ، وتختهم أبو ميخ. ثم في شرقي ما ذكر ممالك هاونكلا وأتاكلا وهوى وبالي وشرقيها ممالك يربا تمتدّ إلى أن تصل إلى قرب ممالك برنو وما جاورها وقد تقدم ذكرها ، وبإزائها قبيلة أكياس الذين التجأوا من كثرة الحرب معهم إلى جبال صخرية وأنشأوا هناك بلدا متحصنين بها ، وعددهم نحو مائة ألف تحت رياسة رئيس بانتخابهم ، ولهم رئيس حرب وأسلم منهم كثير وأمّنوا سبلا إلى مملكة تنبكتو ، وشرقي السابقة مملكة بنين وشرقي هاته شاطىء كالآبار ، ثم جنوبي هاته محادّا لها على الشاطىء مستعمر فرنساوي يسمى كابون وهو نهاية ممالك كينيا العليا.

القسم الرابع : من الأقسام الكبرى قسم أفريقية الجنوبية.

١٢٨

الفصل الحادي والستون

في ممالك رأس الرجاء الصالح في نهاية الجنوب على الشاطىء من المحيط الجنوبي رأس الرجاء الصالح وهو مستعمر للإنكليز ، وتختها بلد الرأس سكانها سبعمائة ألف ويليها شمالا في داخل القارة ولايات صغار ، وهي تاماكاس وكوراناس وبوشمس.

القسم الخامس : من الأقسام الكبرى بلاد الكفر وهو شمالي الرأس وهو أراض واسعة عظيمة تنتهي إلى الشاطىء الغربي ، والشاطىء الشرقي. وتتوغل في القارة وتسمى بلاد الكفر ، ومنهم قبائل الزلوس وقبائل ناتال وجمهورية نهر أورنج ، وجمهورية ترانزفال ، وبلاد البتجو أناس وبلاد أوتانتو.

الفصل الثاني والستون

فأما الزلوس فهم أقوياء أشدّاء أهل حرب ، وقد حاربوا الإنكليز سنة ١٢٩٦ ه‍ كما هي عادتهم معه ، ومات في هاته الحرب ابن نابليون الثالث إمبراطور الفرانسيس لترؤسه على عسكر إنكليزي ، ثم قهر الإنكليز الزلوس وأسروا ملكهم الذي يعتقد نفسه كنابليون الأول وخضعوا إلى الإنكليز على شروط استقلال إدارتهم.

الفصل الثالث والستون

وأما أراضي ناتال فسكانها إنكليز وهلانديز وزلوس وباستوس بربريس وهنود ، وجميعهم نحو أربعمائة ألف نسمة ، وتختها ماريس بورك.

الفصل الرابع والستون

وأما جمهورية نهر أورانج وهي شمال رأس الرجاء ، وسكانها من الكفر المسمون بوتجوانس وهلانديز ، وتختها بلويم فنتين ، ولهم رئيس ومجلس شورى ومجلس نواب ، وديانتهم برتستانت وهناك قبيلة من الكفار مستقلة تسكن بالجبل الأزرق.

الفصل الخامس والستون

وأما جمهورية ترانسفال فهي واقعة في بلاد الزلوس وعددهم نحو ثلاثمائة ألف وثلاثين ألفا ، وتنقسم الحكومة إلى أربعة أقسام ، لكل : مجلس ورئيس ومنفذ وكاتب وتختها بوتش شيفستروم ، ومن قوانينهم أن رئيس الجمهورية معه إثنا عشر عضوا لإدارة الحكومة يبقون ثلاث سنين.

الفصل السادس والستون

وأما مملكة بادجوانه فتختها كورومان وبجوارها مملكة أوتانتو وهم فاسدوا الأخلاق حتى يشبهونهم بالمنغول ، وعقولهم رديئة حتى أنهم يدخلون منازلهم يمشون على أيديهم وأرجلهم كالحيوانات ، وفي كلامهم يلصقون لسانهم بلهاتهم. وفي شمالي نهر أورنج

١٢٩

صحراء تسمى كالاهاري لا ماء فيها ولا نبات إلا إذا صب المطر فتنبت عروقا وبطيخا بكثرة ، ويوجد الفيل هناك بكثرة والجاموس والزرافة والنعام والكركدان وهناك نوع من البشر وحشي يصطادونه كما تصطاد السباع. ثم أراضي الزنبير يسكنها نوع من السودان يسمى ماتيونا وانتتفي وكولولو وغيرهم.

القسم السادس : من الأقسام الكبرى : كينيا السفلى ، وهي على شاطىء المحيط الغربي يحدّها شمالا كينيا العليا ، وغربا المحيط ، وشرقا بلاد الكفر ، وجنوبا قسم الرأس.

وهي أرض غنية بها نوع من القصب عجيب يسمى بانبو ، يدوم من الأربعة إلى الخمسة آلاف سنة وساق شجرته محيطه نحو ستين ذراعا ، وبها نوع من القردة أكثر شبها بالإنسان ، لكن بها نوع من الذباب قتال لمن يلسعه ، وأغلب السكان من السودان وحشيون ومنقسمة إلى عدة عمالات.

الفصل السابع والستون

في ممالك كينيا السفلى فالأولى : تسمى لونقور وتختها بوالي ، ثم عمالة كاكونكو وتختها كين كلى ، ثم عمالة نكويو وتختها كانبدا ، ثم عمالة كونكو تختها بنزا كونكا ، ثم عمالة أنكلا تحت استعمار البرتغال وتختها لوواند ، ثم عمالة بنكلا للبرتغال أيضا تختها صان فليب ، وهذان سكانهما نحو ستمائة ألف من السودان ولكل حاكم ، وفي جنوبيها صحراء سيم ببازي.

القسم السابع : من الأقسام الكبرى : هو المسمى موزن بيك ، وهو شمالي بلاد الكفر على الشاطىء الشرقي للمحيط ، ولا يعرف منه إلا الشط ، وهو مستعمر للبرتغال ومنقسم إلى سبع حكومات.

الفصل الثامن والستون

في ممالك هذا القسم وهي مركز وأنها نباني وسوفالا وسينا وكيليماني وموزنبيك وديلكاد ، ويحد هذا القسم شمالا مملكة الزنجبار التي تقدم ذكرها.

القسم الثامن : من الأقسام الكبرى : قسم سوموليس وهو في الشرق الشمالي من زنجبار ، ويحده شمالا جون عدن ، وشرقا المحيط ، وجنوبا المحيط وزنجبار ، وغربا زنجبار.

الفصل التاسع والستون

في ممالك هذا القسم فسكانه من بربر أفريقية الشمالية والعرب والسودان وهاته المملكة هي المسماة بزيلع ، وكانت شطوطها للدولة العلية ، ثم سلمتها إلى مصر بالزيادة في خراجها وفي نهاية شماليها بلاد عدل وأغلب سكانها مسلمون ولهم إمام من العرب ، وفي الشمال الغربي منها بلاد هرر وقاعدتها مدينة هرر سكانها نحو الثمانين ألفا كلهم

١٣٠

مسلمون على أوصاف حميدة ، وبلادهم حصينة ذات أسوار ، والتجار آمنون ولهم تجارة واسعة مع اليمن وغيره مع خصب الأرض وسلامة الهواء في أغلب الجهات وهي داخلة في الممالك التابعة لمصر.

القسم التاسع : من الأقسام الكبرى هو القسم المجهول ، وهذا القسم الكبير الأوسط من أفريقية الجنوبية مجهول ، ويحده شرقا زنجبار وما حولها ، وغربا كينيا السفلى وما حولها ، وشمالا برنو وما والاها ، وجنوبا بلاد الكفر ، ويخرقها خط الإستواء ، وتمتدّ منه جنوبا نحو عشرة درجات وكذلك شمالا ولا يعرف منها عند الجغرافيين إلا ثلاث عمالات ، أوّلها : عمالة كازمب وتختها لوسندا. وثانيها : أونيام وزى وتختها كزخ. وثالثها : وجيجي وتختها كأولى.

القسم العاشر : هو الجزائر البحرية ، وأما الجزائر التابعة لأفريقية وهي في المحيط كلها لا اعتبار لها إلا جزيرة سنتيلين المقابلة لجون كينيا في دواخل المحيط ، وإنما اشتهرت لكونها مات بها نابليون الأول منفيا في أسر الإنكليز ، وأغلب تلك الجزائر في تملك دول أوروبا إلا ما يتبع الزنجبار ، وكذلك ما يتبع جزيرة ماداغسكار التي هي الجزيرة الوحيدة في أفريقية في المحيط الشرقي تجاه شاطىء موزنبيك كما سيأتي.

الفصل السبعون

في مملكة ماداغسكار أو كسكار وهي من الجزائر الكبيرة المعتبرة في الدنيا وهي غنية وفيها نوع من السباع إسمه ماكيز وهاي هاي وغيرها من الحيوانات الغير المعروفة. وسكانها نحو خمسة ملايين وكلهم من السودان ونوع يسمى هو واس يظن أنهم من نوع سكان الهند ، وعددهم نحو ثمانمائة ألف والدين الغالب هو الكفر من عباد الأوثان ، والجميع تحت حكم واحد وعليهم ملكة أنثى إسمها رانافولو الثانية ، وقد أمرت بإحراق جميع آلهتهم وهدم جميع معابدهم وأمرتهم بالديانة البروتيستانت فأطاعوها وهم على ذلك الآن ، لكنهم بالإسم فقط إذ لا يعتقدون شيئا وكان ذلك الأمر في سنة ١٨٦٨ ، وتخت المملكة بلدة تناناريفو ، وقد اكتشف هاته الجزيرة العرب قبل البعثة وعرفها أهل الصين وأهل همالاي.

القسم الحادي عشر : من الأقسام الكبرى : قسم الصحراء فتنقسم إلى ثلاثة أقسام :

أوّلها : صحراء المغرب.

وثانيها : الوسطى أو بلاد التوارك.

وثالثها : الشرقية أو بلاد التيبوس.

فالأولى : هي بين مراكش وسنيغال على شاطىء المحيط الغربي ، والشاطىء في البحر مملوء صخرا والريح الغربية تخرج من البحر رمالا تحدث فيه جزرا منتقلة ، وقد تحقق أن وسط هاته الصحراء يكون الرمل دائما منتقلا إلى الجهة الجنوبية الغربية ، وكان ذلك أحد

١٣١

أسباب عدم النبات بها وتسمى هاته الصحراء بالساحل ، ويوجد بها عدة جزائر بالنبات على خط واحد إمّا لوجود ماء جار على منحاها تحت الأرض أوندى ، والقوافل تمرّ دائما على سمتها للسقي من آبارها والتزوّد من عشبها.

الفصل الحادي والسبعون

في ممالك الصحراء الغربية : ويسكن بهاته الجزائر في بعض الأوقات نوع من البشر يسمون زنقا ، وكذلك التوارك والعرب يجذبهم إلى هناك ربح تجارة العبيد وكلهم يتمعشون من القوافل المارة عليهم وتارة يسرقونهم وتارة يسافرون معهم هداة للطريق ، والأصليون من سكان الصحراء المذكورة مسلمون وهم مركبون من عرب بني حسن الذين يقال إنهم رحلوا من اليمن في القرن الحادي عشر ميلاديا ، وفيها عمالة تسمى تيريس في الشمال الغربي على الشاطىء تأتيها الحيوانات من المغرب وسانيغال والرعاة لرعي حيواناتهم زمن الربيع لكثرة الخصب ، وسكانها أولاد دليم وهم أقوياء شداد متسلحون ويخترقون الصحراء بالهجائن السريعة ويتمعشون بالنهب ، وفي جنوبها بلاد بها كثرة سباخ يتزود منها الملح جميع أهالي الصحراء إلى بلاد تنبكتو ، كما أن في صحراء المغرب جزائر نباتية تسمى إدرار على نحو ثلاثين ميلا من سانيغال وبها جبال كثيرة وبلدان وقرى وتختها يسمى وادان وسكانها بين عرب وبربر ، ثم جزائر تاغانيت كان يسكنها قبائل زاغانا وتختها تيشيت ، ثم جزائر والاتا في الجنوب الغربي وبلاد الهث ضاربة في الجنوب تختها كسانبرا ، وبقرب سانيغال بلاد ترارزاس وبراكناس وبلاد سيدي هاشم الذي كان دخل إلى مراكش.

الفصل الثاني والسبعون

في ممالك الصحراء الوسطى : وأما الصحراء الوسطى فيسكنها العرب المنتقلون إلى هناك بالإستيطان والتوارك ، ويمتدون من حدود فزان ببلاد طرابلس إلى بحيرة تشاد ، ومركز قوتهم في ربا على شكل مثلث وبها جبال كثيرة ونهيرات وثلاثة جبال كبرى بمحل يسمى نمات ، وخارج المثلث المذكور جهة الجنوب الغربي بلاد أزاود وبقية الجهات قفراء والتوارك يسمون أنفسهم إيموشاك بمعنى مستقلين وأشراف ، وإسم التوارك أطلقه عليهم العرب وهو بمعنى التاركين لتركهم الحق في الصدر الأول ، وأما الآن فهم مسلمون ولغتهم تسمى تاماشك وينقسمون إلى عدة قبائل : توارك هرر في جبال هكار ، وتوارك أزقر في جبال غات ، وتوارك مويدير في جبال سكمارن ، وتوارك الفوقاس ، وفي الجنوب جهة تنبكتو توارك الفراج ، وتوارك أنّ هو وأولاد أحمد والقبائل وتالغوى وجميع هؤلاء القبائل ينقسمون إلى أربعة أقسام كبرى وهي : توارك هكار وتوارك أزقر في غات وتوارك كلوى وتوارك والي منيدن في شرق تنبكتو ، والقسمان الأوّلان معروفان لكثرة التجارة معهم من الجزائر ويدعون بأنهم أشراف البربر ، وهم بيض حسان الخلقة شجعان يحملون الرماح والسيف والميكحلة أي البندقة والسكين ، ويركبون الهجين السريع للغاية مع قوته ، ويلبسون

١٣٢

قميصا أبيض أو أسود وعلى رؤوسهم شواشي طوال ولثام بحيث لا تظهر إلا أعينهم ، ولهم ملك يحكم مع كبار القبائل وولد أخت الملك هو وريث الملك.

هكذا قانونهم وحكمهم ليس بقهري مطلق بل لهم نوع من الحرّية ، ومن عاداتهم أن لا يتزوّج الرجل إلا امرأة واحدة شرعية وله غيرها ، وديانتهم الآن الإسلام ليسوا بمتغالين فيها كما هي حالة مجاوريهم ، ولهم غنم أصوافها قصيرة وألياها كبيرة للغاية ولهم معز وابل لحمل الأثقال وهجائن للركوب ، ولهم نوع من الخيل من أجود الجياد ، وفي جزائر الصحراء لهم نخيل كثير ، والقبائل الرحالة هم الحارسون للقوافل المارة في بلادهم بين شواطىء أفريقية الشمالية والسودان بأجرة مقوننة معروفة والقادم من فزان يجد غات على مسيرة ثلاث وثلاثين يوما من لغوات ، والأمطار هناك قليلة جدّا ومرض الأعين كثير وهو أصعب طريق بين السودان وطرابلس ، ومن شهر سبتمبر إلى غاية شهر ننبر يجتمع في بلاد غات أزيد من ثلاثين ألف جمل بأحمالها ، وفي الجنوب الغربي هضاب على جبال هقر تكاد أن تسمى سفيسرة أفريقية لأنها بها جبال ذات آجام وغابات ووهادات تسقى من عيون غزيرة ويدوم فيها الثلج من دجنبر إلى مارس ، ومن هاته الجبال منبع أعظم أنهر الصحراء المسمى ايغرغر ويذهب جهة الشمال وينقطع قرب تكررت في حدود الجزائر ، وهي مسكن التوارك الخالصين المخيفين لمن جاورهم بقوتهم وشجاعتهم.

وأكبر بلدانهم تسمى «أدلى» وفي الشمال الغربي جهة مملكة مراكش عمالة توات المكونة من عدة جزائر نباتية متقاربة ، وبها نوع من الشجر يسمى كروك هو أحسن فحم للبارود. وأرضهم خصبة لجميع النبات ولهم حيوانات كثيرة والسكان أناس طيبون مسلمون متصلبون ويتجرون مع المغاربة. والجزائريين ومع غات والسودان ، وأكبر مدنها يتميموم وادرار وتامنتيت وتجتمع الطرق في بلد أولف ولذلك كانت موقعا مهما للحرب ، وفي الجنوب عمالة اير في طريق السودان وهي متكونة من جبال صخرية وفي الأودية ينبت كل نبات وفي شهر استمبر تنزل أمطار غزيرة والسكان يسمون كلوى ، أصلهم ما بين التوارك والسودان ، وتختهم يسمى أوكاديس ولهم ملك يسكن بها. وفي حدود السودان بتوغل في الجنوب إيالة دامركو ، وفي الغرب منها قرب نهر دوريبا إيالة والي مانيدن وبها بلدة مبروك الواقعة على الطريق بين تنبكتو وغات.

الفصل الثالث والسبعون

في مملكة الصحراء الشرقية : وأما الصحراء الشرقية المحادة لمصر من غربيها فهي ليست كبقية الصحراء ، لأنها بها الطفل نوع من الطين بكثرة وبها جبال لونها رصاصي أو أصفر وبها ربا من الرمل رحالة إلى جهة الجنوب وجهة الغرب وسكانها يسمون تيبوس من السودان من نوع القانوري التابع لبرنو ومنقسمون إلى عدة قبائل ، وهي :

«الرشاد وقران وبركو وباتلين» وغيرها ، والطريق ما بين مرزوق إلى كوكامارة على

١٣٣

سلسلة من الجزر النباتية طويلة جدّا ، وأكبرها تسمى كوار وهو حقيقة إسمها وإن سموها بامّما ، ويوجد في هذا القسم جزائر أخر وهي تيبستي وبركو موقعها بين مرزوق وواداي ثم جزيرة كوفارا التي بها بلدة كبابو الواقعة في الشمال. وجهة الشرق من هذا القسم تسمى ليبيا بها بعض جزر تابعة الآن لمصر وهاته الأماكن التي عبرنا عنها بالجزر تسمى في العرف بالواحات.

والخلاصة في أفريقية : إن جميع سكانها عدا الممالك الشمالية والممالك التي على الشطوط نحو مائة مليون ، وأهم الشطوط بيد ممالك أوروبا ولهم فيها حكم إستبدادي بمراعاة للعوائد ، غير أنهم يستعملون القوة القاهرة لتوحش السكان. وبقية السكان غير الممالك التي مرّ ذكرها بتفصيل حالتها هم أناس متوحشون كالحيوانات العجم ودأبهم غزو بعضهم بعضا ولبعضهم رؤوساء يلقبون بألقاب الملك ويجرون الحكم القهري ، ولهم عادات مبنية على خرافات وجلهم أشدّ الناس تعلقا بالسحر ورعبا منه ويعتقدون له من التأثير أمورا عجيبة يكاد السامع أن لا يفهمها ، حتى أن بعضهم يستعمل السحرة في الحرب بل ويعتقدون فيهم الإحياء والإمانة.

ومن هذا القبيل في حكاية ما يعتقدونه ما أخبرني به ثقة عدل راويا عن والده الذي هو مثله : «أنه رأى من عجائب سحرهم أن قبيلة ونقره من عادتهم التجارة ويرحلون لأجلها إلى بلد جني من بلاد قسم السودان ، فيتهيأ لذلك كل عام نحو ثمانية أو عشرة من كبرائهم أهل السحر ويعلنون بذلك فلا يزال الناس يأتونهم بأقربائهم ووكلائهم المريدين للسفر ويستودعونهم عندهم إلى أن يجتمع منهم آلاف كل منهم يحمل بضاعته على عاتقه ، ويسافرون هكذا مشاة ، فإذا مات أحد المستودعين اجتمع السحرة وطلوه بأشياء من نوع شجر عندهم لكي لا يفسد جسمه ثم يأخذون ذنب بقرة مستودع فيه السحر على زعمهم ويمسكونه بيده ثم يوقفوه ولا يزال سائرا معهم إلى الليل فيمدّ ميتا وهكذا ذهابا وإيابا وبضاعته على عاتقه وهو ميت إلى أن يرجع إلى صاحبه». ولو لا تواتر الأخبار بمثل ذلك في أنواع سحرهم لما أثبتنا هذا هنا للعلم بأحوال ما يعتقدونه ، وديانتهم شتى من أنواع الكفر وبعضهم يعتقد الألوهية في ثعابين أو عقارب أو حيات أو أصنام أو ملوك ، حتى اعتقد قوم منهم في سائح أبيض أنه ابن الشمس وعبدوه ولما أراد الرجوع خاف على نفسه منهم من غصبه على البقاء بين أظهرهم إلى أن اختفى ونجا.

وهكذا يعتقدون الألوهية في كثير من الحيوانات وبعضهم له لباس وبعضهم عراة بالمرة ، والنساء كإناث الحيوانات المشتركة وبعضهم يتستر على العورة الغليظة وبعضهم يلبس شيئا من الثياب ، وبعضهم يسكن تحت السماء ويتقي البرد والحر بظل الأشجار ، وبعضهم يتخذ بيوتا من الهشيم أو أغصان الشجر ، وبعضهم له قرى وهم يتفاوتون في هاتيك الخلال شدة وضعفا ، وفي هؤلاء الأقوام قبائل من المسلمين وهم على توحشهم

١٣٤

أحسن حالا من غيرهم لأن الديانة هذبت من أخلاقهم نوعا ما وإن كان بعضهم لا يعلم من الديانة إلا الإنتساب إليها وبعضهم يعلم الكليات الخمس الواجبة إجمالا من غير معرفة تفصيلها ، وإذا قام أحدهم إلى الصلاة يصير يركع ويسجد من غير عدد مخصوص لأنهم إنما يعلمون وجوب الصلاة التي هي قيام وركوع وسجود من غير تفصيل ولا عدد ولا ترتيب ، وهكذا يوجد في أفريقية أقوام ينتسبون إلى الديانة النصرانية واليهودية وليست على قواعدها المعروفة ، ولا زال الأوروباويون يرسلون دعاة لإدخالهم في النصرانية هم وغيرهم من أمم تلك القارة ، كما يرسلون سواحا للكشف عنها وتحقيق ما فيها وكأنها لا تلبث أن تصير مطمح الأنظار ومحطا للتقدم ، فقد اعتنوا من كل الجهات بالبحث عن ذلك رغبة في ازدياد التجارة والربح ، ونجح كثير من سواحهم في الحصول على اكتشافات نافعة من خصب أقطار وكثرة سكان ووفور معادن وغير ذلك من حيوانات وحشية وأهلية لها فائدة في التجارة. وألفوا في صفات البلدان التي شاهدوها كتبا مفيدة ، وعلى الإجمال يقال إن قارة أفريقية لا زالت غير معروفة حق المعرفة إلا ما بيناه منها منفردا ، وقد رأيت أبياتا للشيخ أحمد بابا التونبكتي (١) وهو عالم مشهور من علماء السودان في أوائل هذا القرن ، قدم من بلده تنبكتو قافلا للحج مارا على المغرب وتونس ، وهاته الأبيات تفيد معرفة أسماء قبائل من السودان ومعرفة ديانتهم وهي :

كل الذي من صنف متش قدما

عليك بالكفر عليه فاحكما

كذلك كرم كثد كل ويربا

تنبع ويركبس وبوبا كنبا

فهم يجوز فيهم السباء

وبيعهم يجوز والشراء

واحكم بإسلام بلاد برنو

كشنكاغ وكنو وعفنو

مولى وكوبر وصفى كذلك

وجل فلات وبعض زكزكا

القسم الرابع من الأرض

هي قارة أمريكا يدعي غالب أهل العصر أن هاته القارة كانت مجهولة عند القدماء إلى سنة ١٤٩٢ مسيحية الموافقة لأوائل القرن العاشر من الهجرة ، فاكتشفها رجل إسمه كريستوف كلمبوس وهو من أهالي جنوه متخذا صناعة الملاحة ، وهي إذ ذاك تستلزم معرفة الحروب لكثرة الحروب البحرية سيما في شطوط أوروبا ، وكان الفتى في فكره وجود أرض وراء المحيط الغربي والجزائر الخالدات لمعرفته بالجغرافيا ورسم الخارطات ، فسعى إلى ذلك مع ملك البرتغال ، ثم مع ملك جنوه وخاب أمله وبعد المحاولات الطويلة مع إيزابلا

__________________

(١) هو أحمد بابا بن أحمد بن أحمد بن عمر التكروري التنبكتي السوداني أبو العباس (٩٦٣ ـ ١٠٣٦ ه‍) مؤرخ عالم بالحديث والفقه. توفي في تنبكت. الاعلام ١ / ١٠٢ دائرة المعارف الإسلامية ١ / ٤٥٨ الاعلام بمن حل مراكش من الاعلام ٢ / ٩٩ فهرس الفهارس ١ / ٧٦.

١٣٥

ملكة إسبانيا في مدة ثمان سنين حصل على المساعدة بثلاث سفن والعهد إليه بأن يكون خليفة الملك عما يكتشفه ويأخذ العشر من المداخيل لنفسه ، ثم بعد مقاسات شديدة له من الملاحين الذين أرادوا قتله ليأسهم من النجاح كلل سعيه بالنجاح بعد سبعة وعشرين يوما من شطوط إسبانيا إلى جهة الغرب ، وأول جزيرة اكتشفوها سماها سان سلفدوري ، ولا زال يكتشف فيها جزيرة بعد أخرى كلها في غاية النضارة وسذاجة الأهالي وسلامتهم حتى أنهم عراة نساء ورجالا ولونهم ذهبي ويبنون بيوتا من أغصان الشجر ، وبعض الجزر يبنون القرى من الحجارة والطين واكتشف فيها على البطاطس والتبغ اللذين لم يكونا معروفين من قبل ، وهكذا اكتشف بها على الطماطم التي يقال إنها هي السبب في حدوث المواد الطيرية في القارات لأنه لم يكن معروفا ذلك المرض من قبل حتى سمي بالحب الإفرنجي نسبة إلى الإفرنج لأنه عرف منهم بجلبهم للطماطم وسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى على وجه تسمية أهل أوروبا بالإفرنج.

ثم إن كلمبوس رجع إلى إسبانيا وعاد بأسطول وعساكر أكثر مما كان أتى به سابقا فلم يبق هناك ، ثم قدم بعد مدة رجل يقال له أمريكوس وهو الذي اكتشف على أمريكا الجنوبية وبه سميت جميع القارة ، والحق أنها كانت معروفة سابقا وكذلك طريقها من جهة المحيط الغربي ، ودليله أنهم أثبتوا أن أهالي النورويج كانت لهم تجارة ومعاملة مع أهالي كرنيلاندا من أمريكا الشمالية منذ القرن الثالث والرابع من الهجرة ، حيث ذكروا أن رجلا من أهالي اسكتلانده التي هي الآن من ممالك إنكلترا وكانت إذ ذاك تحت حماية النورويج ، قذفته الرياح في ذلك الزمان في البحار الشمالية إلى أن وصل إلى كرنيلاندا ثم رجع إلى بلاده وصار لهم اتصال معهم ، غير أنهم لم يثبتوا زيادة اكتشاف عما عدا ذلك مع أن القارة كبيرة جدا ، وكذلك رأيت في جغرافية ابن الوردي (١) أنه قال ما معناه : «إن وراء الجزائر الخالدات وبحر الظلمات جزائر عظيمة جدا وفيها خلق كثير وقد وصل إليها أحد النوتية عن غير قصد بمطاردة الرياح ثم رجع منها بعد أن أيس من الحياة ووصفها بأوصاف جميلة مطابقة لما اكتشف من بعد». وإنما قال في المحيط الغربي بحر الظلمات لأنه تتكاثف فيه جهة الشمال الأبخرة حتى يصير ظلاما الليل والنهار كما هو مشاهد الآن لجميع المسافرين بين أوروبا وأمريكا حتى تضطر البواخر مدة سفرها أن تصرخ بعد كل دقيقة ببوق البخار كي لا يقع لها تصادم مع غيرها ، لأن نور الشمس محجوب ونور المصابيح لا يخرق تكاثف الأبخرة.

__________________

(١) هو عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس ، أبو حفص ، زين الدين ابن الوردي المعري الكندي (٦٩١ ـ ٧٤٩ ه‍) شاعر أديب مؤرخ. ولد في معرة النعمان بسورية وتوفي بحلب. الأعلام ٥ / ٦٧ ، بغية الوعاة ٣٦٥ ، الدرر الكامنة ٣ / ١٩٥ رقم الترجمة (٤٧٢) ، فوات الوفيات ٣ / ١٥٧ رقم الترجمة (٣٨٣).

١٣٦

وكذلك نقل لي ثقة أنه رأى في بعض كتب الشيخ محيي الدين بن العربي (١) : أن وراء المحيط أمما من بني آدم وعمرانا وهو في القرن السادس رضي‌الله‌عنه ، فدل هذا على معرفة تلك القارة من قديم وإنما الإنتفاع التام بها لأهالي هاته القارات لم يعرف إلا منذ قريب ، ثم إن هاته القارة العظيمة التي تعد نحو نصف الأرض المكشوفة هي يحيط بها البحر من جميع جهاتها ويفصلها عن غيرها من القارات إلا جهة القطب الشمالي أزيد من درجة نيف وثمانين فهي مجهولة ، كما أن القليل من الجهات الشمالية وسط القارة لم يعرف بالتحقيق ، وهكذا الوسطى من الجنوبية وجميع القارة تقسم إلى شمالي وجنوبي ، ويوصل بينهما برزخ من الأرض ضيق يبلغ في بعض الجهات إلى أربعة وعشرين ميلا يسمى برزخ بناما ، وقد أرادت في هاته المدة جمعية فرنساوية خرقه حتى يتوصل من المحيط الشرقي إلى المحيط الغربي بقصر في المسافة وكأنه يتم عن قريب ، وسكان جميع هاته القارة يبلغون إلى نحو الستين مليونا ولو أضيف إليهم أربعمائة مليون لوسعتهم الأرض وقامت بجميع ثروتهم ، وأكثر أولئك السكان من أهالي أوروبا وآسيا وأفريقيا والأصليون قليلون ثم تنقسم القارة إلى عدة دول.

الفصل الرابع والسبعون

المملكة الأولى : دولة أمريكا المتحدة ، وموقعها في أمريكا الشمالية وتمتد من الشرق إلى الغرب على جميع القارة ، فيحدها شرقا المحيط الغربي ، ويحدها غربا المحيط الشرقي ، ويحدها جنوبا خليج مكسكو ومكسكو وخليج كاليفورنيا ، ويحدها شمالا الأملاك الإنكليزية والبحيرات الشمالية. وسكان هاته المملكة نحو إثنين وأربعين مليونا منقسمون إلى ستة وثلاثين حكومة كل حكومة مستقلة بإدارتها الداخلية ومجتمعون في الأحوال العامة مما يعود إلى مصلحة الجميع ، وتخت الجميع بلاد واشنطون يتركب فيها مجلس من جميع الحكومات وينظر في مصلحة الجميع ، ورئيس هاته البلاد هو رئيس جميع الدول التي هي جمهورية وهي التي لها المعاملة السياسية مع الدول الأجنبية ورياسة العساكر والبحرية وسيرة الدولة وقوانينها مثل سيرة الدول الأوروباوية الأكثر حرية وتقدما ، ولا زالت تتقدم في الحضارة والمعارف والقوة حتى كان لها الشأن العظيم وصار لها الإعتبار التام عند جميع الدول ، وكانت سابقا من مستعمرات الإنكليز ثم استقلت سنة ١٧٨٩ أوائل القرن الثالث عشر هجريا ، وهاته في أسماء الحكومات المركبة منها العصبة ، وهي : نيوهمشير ومساشوست ورد إيسلند وكنكتيكوت ونيويورك ونيوجرسي وفنسلوانيا ودلاوار ومريلاند

__________________

(١) هو محمد بن علي بن محمد ابن عربي ، أبو بكر الحاتمي الطائي الأندلسي المعروف بمحيي الدين بن عربي الملقب بالشيخ الأكبر (٥٦٠ ـ ٦٣٨ ه‍). من أئمة المتكلمين. ولد في مرسية وتوفي بدمشق.

الأعلام ٦ / ٢٨١ ، مرآة الجنان ٤ / ١٠٠ التكملة لابن الأبار ١ / ٣٥٦ ، دائرة المعارف الإسلامية ١ / ٢٣١ نفح الطيب ١ / ٤٠٤ ، شذرات الذهب ٥ / ١٩٠ وفوات الوفيات ٣ / ٤٣٥ رقم الترجمة (٤٨٤).

١٣٧

ورجينيا وكرولينا الشمالية وكرولينا الجنوبية وجاورجيا وماين وفرمونت ومشيغان وأوهيو وأنديانا والينوى وكنتوكي وتنيسي والأباما وفلوريدا ومسسبي ولوسيانا ووسكونسن وأيووا ومسورى وأركانساس وكانساس ونبراسكا وأرجون ومنيسونا وتكساس وكليفورنيا وواشنطون.

وهاته الأقسام تكونت شيئا فشيئا وأول ما تم منها الثلاثة عشر الأولى فاستقلت كما تقدم ثم مهما أتم قسم شروط العمران والدخول في العصبة قبل ، ولهذا بقيت بعض أقسام إلى الآن تتمم في استعدادها لكي تدخل في العصبة.

وسكان هاته الممالك من الغرباء وأطردوا السكان الأصليين إلى شمالي القارة ، والأصليون يسمون بالهنود لشبههم بهم في اللون والخلقة وقد تهذب منهم أفواج ولا زال أغلبهم على التوحش يسكنون مع الوحوش ، أما الغرباء فقد بلغوا الغاية في التمدن والحرّية ، فمن حريتهم أن وليّ رئيس الجمهورية عندهم رجل صناعته الأحذية حيث كان مستكملا لشروط الإنسانية ووقع عليه الإنتخاب وذلك في عشرة الثمانين ومائتين وألف ، كما تقدموا في فنون المعارف الرياضية والسياسية واخترعوا أشياء عجيبة من الكهرباء والبخار ، فأول ما عرف استعمال البلون أي القبة الهوائية للإطلاع على أحوال العدو في الحرب في هاته المملكة عند ما كانت الحرب مستعرة بين الحكومات على أحوال العدو في الحرب في هاته المملكة عندما كانت الحرب مستعرة بين الحكومات الشمالية من الدولة المذكورة والحكومات الجنوبية منها التي نشأت بسبب منع العبودية فإن الجنوبيين أصروا على إبقاء ملك العبيد وبقيت الحرب بينهم عدة سنين وذلك في عشرة الثمانين من القرن الثالث عشر من الهجرة. فمن الإختراعات في ذلك الحرب أن أصعدوا ركابا في قبة الهواء مستصحبين بأسلاك كهربائية ليخبروا مراكز الجيش بأحوال جيوش العدو المستتر وراء جبال أوروبا ، ومن ثمرات قوة الاجتماع التي ظهرت عندهم الطريق الحديدية التي وصلت بها شطوط المحيط الشرقي بشطوط المحيط الغربي وكان يوم تمامها يوما مشهودا فاحتفلت له جميع البلاد ، وآخر مسمار انتهت به صناعة الطريق صنع من ذهب ودق بمطرقة من فضة وربطت به عند آخر دقة أسلاك الكهرباء إلى جميع البلاد فعند آخر دقة على المسمار حصل العلم لجميعهم بذلك في آن واحد ، ولهم ثروة عظيمة بالمعادن جميعا سيما معدن الذهب في كليفورنيا الذي ينحت منه الذهب صخرا عظيمة ، وهكذا الصنائع والتجارة مع الأمن العظيم والإطمئنان التام وقد استملكت هاته الدولة بالشراء من الروسيا أملاكها جهة الشطوط الشمالية من جهة غربي القارة.

الفصل الخامس والسبعون

في بقية ممالك أمريكا الشمالية.

فأولها : مستعمرات الإنكليز ، ففي القسم الشمالي حادا للممالك السابقة الأملاك

١٣٨

الإنكليزية ، وهي يجري فيها الحكم الإنكليزي بنوع امتياز.

وثانيها : ما يلي ما ذكر شرقا ، وهو قسم المتوحشين الأصليين وبقية الأقسام المريدة للدخول في العصبة السابقة.

الفصل السادس والسبعون

وثالثها : مكسكو ، وهي تلي البلاد المتحدة جنوبا ، واستقلت أواسط هذا القرن من تسلط إسبانيا عليها ولكنها لم تزل متأخرة في جميع أنواع العمران حتى الأمن لاختلاف سكانها ، وحكمها الآن جمهوري وعند اكتشاف الإسبنيول عليها وجد فيها أمما فيهم بقايا التمدن ولهم ملك والموجود فيها من آثار المدن يدل على تقدم أهلها وقوتهم قديما وعدد سكانها نحو تسعة ملايين وقاعدتها مكسيكو.

الفصل السابع والسبعون

ورابعها : أمريكا الوسطى ، وهي تلي السابقة جنوبا وحكمها جمهوري وهي أقرب إلى الخراب لتعاظم الفتنة بين أهلها واستقلت أيضا عن إسبانيا في أواسط هذا القرن.

الفصل الثامن والسبعون

وخامسها : الجزائر الكثيرة المتفرقة ، وهي تابعة إما تماما أو تحت الحماية لدول متفرقة من أوروبا كإنكلتره وإسبانيا وفرنسا وهولاندا والدانيمرك والسويد ، كما أن لهؤلاء الدول أملاكا في القارة الجنوبية وأكثرهم تملكا إسبانيا وإنكلتره ، وحقيقة عدد السكان مجهولة لكثرة التوحش وعدم الفائدة الكبرى للدول بتهذيبهم ، وقد جربوا أن كل من تمدن هناك حاز الإستقلال بإدارة نفسه مع أن عدد السكان قليل في نفسه ، ثم إن بقية القارة الجنوبية تشتمل على دول شتى.

الفصل التاسع والسبعون

فالدولة السادسة : كلومبيا المنقسمة إلى ثلاثة أقسام كل منها مستقل تحت الحكم الجمهوري ، وعدد جميعهم نحو ثلاثة ملايين وهم على حالة التأخر ، وموقعها من مبدأ البرزخ الموصل بين القارة الجنوبية والشمالية يقسمها خط الإستواء متصلة بالشاطىء الغربي والشمالي والشرقي.

الفصل الثمانون

والسابعة : دولة بيرو وسكانها نحو مليون ونصف ، وحكمها جمهوري وموقعها على الشاطىء الغربي جنوبي المملكة السابقة.

الفصل الحادي والثمانون

ثم يليها شرقا [و] تمتد إلى الشطوط الشرقية وعلى جميع دواخل القارة ، الدولة

١٣٩

الثامنة : وهي برازيل وسكانها نحو ستة ملايين ونصف وحكمها ملكي مقيد بالقوانين ، ويوجد فيها عدة آلاف من المسلمين أصلهم من سودان أفريقية ولكنهم لا يعلمون إلّا كليات الديانة على سبيل الإجمال ، كما يستفاد ذلك من رحلة عبد الرحمن بن عبد الله البغدادي الذي كان إماما في بعض السفن المدرعة العثمانية ، وسافرت إلى البصرة على طريق البحر المحيط الغربي على بغاز طارق وصادفتهم زوابع اضطرتهم عن غير قصد إلى شطوط برازيل ، ولما خرجوا إلى التفسح في البرّ أقبل عليهم أقوام مسلمون وطلبوا إبقاء الإمام عندهم لتعليم الديانة فبقي هناك مدة ، وألف رحلته المختصرة المترجمة إلى التركي المسماة «مسلية الغريب» وكان سفره سنة ١٢٨٢ ه‍ ولا يبعد أن يكون في جميع أمريكا أمم كثيرة من المسلمين ولا يجدون من يهديهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الفصل الثاني والثمانون

وبين بيرو وبرازيل الدولة التاسعة : وهي بوليفا سكانها لا يبلغون نصف مليون وحكمهم جمهوري.

الفصل الثالث والثمانون

والدولة العاشرة : هي الشيلي سكانها نحو مليون وربع وحكمها جمهوري وموقعها على بقية الشطوط الغربية إلى نهاية القارة في الجنوب.

الفصل الرابع والثمانون

والدولة الحادية عشرة : دولة سيونس أيرس ، ويقال لها لابلاتا وهي وسط القارة الجنوبية تحدّها شيلي من الغرب والمحيط الشرقي وبرازيل من الشرق ، وسكانها مجهولوا العدد وحكمها جمهوري.

الفصل الخامس والثمانون

الدولة الثانية عشرة : أوروكواي ، هي جنوب برازيل سكانها نحو مائة وخمسين ألفا تحت الحكم الجمهوري المستقل وهي على الشاطىء الشرقي الجنوبي.

الفصل السادس والثمانون

والدولة الثالثة عشرة : هي بقية أمريكا الجنوبية المعروفة بتاكوني ، وأهلها من الأصليين هناك طوال شداد متوحشون ، يقال تقريب عددهم مائة وخمسون ألفا في تلك الأراضي الواسعة ، وموقعها على الشاطىء الشرقي في نهاية القارة جنوبا وغربها الشيلي ، والحاصل أن غير الدولة المتحدة لم يكن في أمريكا من الدول ما يعتبر إذ أغلب الأقسام المذكورة ولئن كانت تحت أحكام منتظمة لكنها لم يتسع فيها نطاق المعارف والتقدم وألهتهم الحروب الأهلية عما يصلح شأنهم ، سيما وأغلبهم حديثوا عهد بالعتق من تسلط

١٤٠