تاريخ مدينة دمشق - ج ٥٠

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٥٠

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٨٤
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

إلّا خوالد في المحلة بيتها

كالطيلسان من الرماد الأورق (١)

ومتبجحا ترك الولائد رأسه

مثل السّواك ودمه كالمهرق

دار التي تركتك غير ملومة

[دنا](٢) فارع بها عليك واشفق

قد كنت قبل تتوق من هجرانها

فاليوم إذ شحط (٣) المزار بها تق

والحبّ فيه حلاوة ومرارة

سائل بذلك من تطعّم أو ذق

ما ذاق بؤس معيشة ونعيمها

فيما مضى أحد إذا لم يعشق

من قال رب (٤) أخا الهموم ومن يبت

غرض الهموم ونصبهنّ يؤرّق

حتى بلغ إلى قوله :

بشّرت نفسي إذ رأيتك بالغنى

ووثقت حين سمعت قولك لي : ثق

فأمر بالخلع عليه ، فخلع عليه حتى استغاث ، فقال : أتاك الغوث ، ارفعوا عنه.

أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، وأبو الوحش المقرئ ، عن رشأ بن نظيف ، أنبأنا أبو الفتح إبراهيم بن علي بن سيبخت (٥) البغدادي ، حدّثنا أبو بكر محمّد بن القاسم بن الأنباري ، حدّثنا أبي ، حدّثنا أبو حاتم ، حدّثنا أبو عبيدة قال :

خرج الكميت إلى أبان بن عبد الله البجلي وهو على خراسان ، فأدخله في سمّاره وكان في الكميت حسد ، فبينا هو ليلة يسمر معه فأغفى البجلي وتناظر القوم في الجود فرفع أحدهم صوته فقال : مات والله الجود يوم مات الفياض ، وانتبه أبان بصوته فقال : فيم كنتم ، فقال الكميت (٦) :

زعم النضر ، والمغيرة ، والنعم

ان ، والبحتري ، وابن عياض

قال : زعموا ما ذا يا أبا المستهل؟ فقال :

إنّ جود الأنام مات جميعا

يوم راحوا بطلحة الفيّاض (٧)

__________________

(١) الأصل : الأود ، والمثبت عن م والجليس الصالح.

(٢) زيادة عن الجليس الصالح ، وفي م : دنفا.

(٣) بدون إعجام بالأصل ، وفي م : «سخط» والمثبت عن الجليس الصالح.

(٤) الأصل : «من» وفي م : «بت» والمثبت عن الجليس الصالح.

(٥) في م : يسبخت ، تصحيف.

(٦) شعر الكميت ١ / ١ / ٢٤٩.

(٧) في شعر الكميت :

إن جود الأنام كان جميعا

يوم راحوا منية الفياض

٢٤١

كذبوا والذي يلبي له الركب

سراعا بالمفضيات العراض

لا يموت الندى ولا الجود ما

عاش أبان غياث ذي الأنقاض

فإذا ما دعا الإله أبانا

آذن الجود بعده بانقراض

قال : سلني ، قال : لكلّ بيت عشرة آلاف ، قال : لك ذلك ، فأمر له بخمسين ألفا.

كتب إليّ أبو نصر بن القشيري ، أنبأنا أبو بكر البيهقي ، أنبأنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا الحسن المزني يقول : وهو محمّد بن محمّد بن عبد الله بن بشر الهروي قال : سمعت أبا محمّد الديناري يقول : خرج الكميت إلى أصبهان وعليها رجل من بني تميم يقال له مجاشع ، فامتدحه الكميت فقال :

ألا يا دهر إن تك دهر سوء

فإن مجاشعا لي منك جار

وكان مجاشع بباله ، فقال : الله جارك ، الله جارك ، فما لبث عنده إلّا أياما يسيرة حتى جاءه عزله ، وقدم عليها رجل من عكل ، فقال الكميت :

إذا كان الزمان زمان عكل

وليتم فالسلام على الزمان

زمان صار فيه العز ذلّا

وصار الزج قدام السنان

لعل زماننا سيعود يوما

كما عاد الزمان على بطان

قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف ، وأنبأنيه أبو القاسم النّسيب ، وأبو الوحش المقرئ عنه ، أنبأنا أبو الحسن محمّد بن جعفر النحوي ، أنبأنا أحمد بن السّري ، حدّثنا إبراهيم جدي ، حدّثنا أبو عكرمة عن أبيه قال :

أدركت الناس بالكوفة من لم يرو :

ألا حبينا عنا يا مدينا (١)

فليس بعد من العرب ، ومن لم يرو : (٢)

ذكر القلب إلفه المهجورا (٣)

وتلافى من الشباب أخيرا

__________________

(١) البيت للكميت وعجزه : وهل بأس بقول مسلّمينا.

الأغاني ١٧ / ٣ والخزانة ١ / ٨٦.

(٢) البيت للكميت قاله يودع هشاما ، شعر الكميت ١ / ١ / ٢١٠.

(٣) في شعر الكميت : المذكورا.

٢٤٢

فليس بأموي ، ومن لم يرو :

طربت وما شوقا إلى البيض أطرب (١)

فليس بهاشمي ، ومن لم يرو :

أتصرم الحبل حبل البيض لم تصل

ومن لم يرو :

هلّا عرفت منازلا بالأبرق (٢)

فليس بمهلبي ، ومن لم يرو :

طربت وهاجك الشوق الحبيب (٣)

فليس بثقفي ، ومن لم يرو :

يا رب عيني بعد وهن سهودها

فليس بأسدي ، ومن لم يرو :

ألا أبلغ جماعة أهل مرو

على ما كان من نأي وبعد

فليس بمروزي ، ولا خراساني.

قال : وكانوا يقولون : إنه ما جمع أحد من علم العرب ومناقبها ، ومعرفة أنسابها ما جمع الكميت ، فمن صحح نسبه الكميت صح ، ومن طعن فيه وهن.

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنبأنا رشأ بن نظيف ، أنبأنا الحسن بن إسماعيل ، أنبأنا أحمد بن مروان ، حدّثنا المبرّد قال :

وقف الكميت على الفرزدق وهو صبي ، والفرزدق ينشد ، فلما فرغ قال له : يا غلام أيسرك أنّي أبوك؟ فقال الكميت : أما أبي فلا أبغي به بدلا ، ولكن يسّرني أن تكون أمي ، فحصر الفرزدق وقال : ما مرّ بي مثلها.

أنبأنا أبو القاسم العلوي ، وأبو الوحش المقرئ ، عن رشأ بن نظيف ونقلته من خطه ،

__________________

(١) شرح هاشميات الكميت ، مطلع قصيدة بائية ص ٤٣ وعجزه : ولا لعبا مني أذو الشيب يلعب.

(٢) للكميت ، قاله في مخلد بن يزيد بن المهلب ، وعجزه : درست وكيف سؤال من لم ينطق.

(٣) مطلع قصيدته التي يمدح فيها الحكم بن الصلت ، راجع الأغاني ١٧ / ٣٨.

٢٤٣

أنبأنا أبو الحسن محمّد بن جعفر النجار ، أنبأنا أبو علي الحسن بن داود النقار ، حدّثنا غسان الوضاحي ، حدّثنا إبراهيم بن عبد الله الخصّاف عن محمّد بن أنس عن محمّد بن سهل قال :

أتى الفرزدق وجرير الكميت يتنافران إليه فجعل الكميت يخلو بجرير فيقول له : أتفاخر الفرزدق؟ ألك مثل أبي الفرزدق نهشل؟ ألك مثل حاجب ابن زرارة ، ألك مثل لقيط بن معبد ، ألك كذا؟ ألك كذا؟ ويخلو بالفرزدق فيقول له : ألم تعرف ما في بني يربوع من الشرف؟ هل في بني تميم كلها مثل عيينة بن الحارث بن شهاب؟ أين مثل فرسانها؟ أين مثل وقفاتها؟ فجعل يكسر هذا مرة وهذا مرة ، ويعدّ شرف هذا وشرف هذا حتى افترقا على ذلك ، فجعلا يتوعدانه ، فبلغه ذلك ، فقال :

سأقضي بين كلب بني كليب

وبين القين قين بني عقال

بأنّ الكلب مطمعه خبيث

وأن القين يعمل في سفال

فما بقيا عليّ تركتماني

ولكن خفتما صرد النّبال

وقال النجار : وقد رويت هذه الأبيات (١) لغيره إلّا أن النقار رواها لنا.

قال رشأ : وحدّثنا أبو أحمد عبيد الله بن محمّد الفرضي ، حدّثنا محمّد بن يحيى الصولي ، حدّثنا القاسم بن إسماعيل ، حدّثنا قعنب بن محرر الباهلي ، قال :

لقي الكميت نصيبا فقال : يا عمّ أريد أن أعرض عليك شيئا من شعري فقال : هات يا بني ، فأنشده (٢) :

هل أنت عن طلب الإيفاع (٣) منقلب

أم هل يحسّن بعد الشيبة اللّعب

وهل (٤) ظعائن بالخلصاء بائعة

وإن تكامل فيها الذّلّ والشنب

فعقد نصيب بيده فقال : ما هذا العقد يا عم؟ قال : أعقد خطأك ؛ قال : وفي أي شيء؟ قال : في قولك الذل والشنب ، وما يشبه الذل من الشنب ، والشنب من برد الدين ، وما بينهما من المقاربة؟ ألا قلت كما قال ذو الرمة :

__________________

(١) البيت الأخير في تاج العروس «صرر» ونسبة للّعين المنقري يخاطب جريرا والفرزدق.

(٢) البيتان في شعر الكميت ١ / ١ / ٩٣.

(٣) الايفاع يريد بها الكواعب التي شارفت البلوغ.

(٤) روايته في شعر الكميت :

وهل رأينا بها حورا منعمة

بيضا تكامل فيها الدل والشنب

وفي الأغاني ١ / ٣٤٨ :

أم هل ظعائن بالعلياء نافعة

وإن تكامل فيها الأنس والشنب

٢٤٤

حواء (١) في شفتيها حوّة (٢) لعس (٣)

وفي اللثات وفي أنيابها شنب

ألا ترى يا بني قرب اللثة وتناسبها. قال ثم أنشده قصيدته (٤) :

أبت هذه النفس إلا ادكارا

وإلا رجاء وإلا اصطبارا

إلى أن بلغ :

إذا ما الهجارس (٥) غنّينها

تجاوب (٦) بالفلوات الوبارا (٧)

فعقد نصيب ، فقال : ما عقدت يا عم؟ قال : خطأك ، الوبار ، لا يسكن الفلوات.

قال الصولي : والهجارى أولاد الثعالب ، الواحد هجرس. قال : ثم مرّ في القصيدة ، إلى أن بلغ :

كأن الغطامط من غليها (٨)

أراجيز أسلم يهجو غفار (٩)

فقال : يا بني هذا أقبح مما مضى ، ما هجت أسلم غفارا قط ، ولا هجت غفار أسلم قط (١٠).

أنبأنا أبو محمّد بن صابر ، أنبأنا سهل بن بشر ، أنبأنا علي بن بقاء الورّاق ـ إجازة ـ أنبأنا يحيى بن علي بن محمّد الطحّان ، أنبأنا الحسن بن رشيق ، حدّثنا يموت بن المزرّع ، حدّثنا ابن نفيع (١١) بن سلمة ، حدّثنا أبو عبيدة قال :

كان أبو عمرو بن العلاء إذا ذكر عنده الكميت وكثيّر قال : مرتعين مهتدمين أغر بهما عنك.

أنبأنا أبو غالب بن البنّا ، عن محمّد بن علي بن الفتح ، أنبأنا محمّد بن عبد الرّحمن المخلّص ، حدّثنا عبيد الله بن عبد الرّحمن السكري ، حدّثنا عبد الله بن محمّد بن أبي الدنيا ، حدّثنا (١٢).

__________________

(١) في الأغاني : لمياء.

(٢) الحوة : سمرة الشفة.

(٣) اللعس : سواد اللثة والشفة في حمرة.

(٤) قصيدته قالها في وصف القدر ، شعر الكميت ١ / ١ / ١٩٥.

(٥) الهجارس جمع هجرس وهو القرد والثعلب أو ولده.

(٦) في شعر الكميت والأغاني ١ / ٣٤٩ : تجاوبن.

(٧) والوبار جمع وبر وهو دويبة على قدر السنور.

(٨) الأصل وم : «عليها» والمثبت عن شعر الكميت والأغاني.

(٩) الغطامط بضم الغين صوت غليان القدر.

(١٠) الخبر والشعر في الأغاني ١ / ٣٤٨ ـ ٣٤٩ في ترجمة نصيب وزيد في آخره : فالكسر الكميت ، وأمسك.

(١١) كذا بالأصل : ابن نفيع ، وفي م : نفيع.

(١٢) في م : حدثني.

٢٤٥

ح وأنبأنا أبو الحسن علي بن المسلّم الفرضي ، أنبأنا محمّد بن علي بن أحمد الفرّاء ، وأبو السرايا غنائم بن أحمد بن أبي الوبر ، قالا : أنبأنا رشأ بن نظيف ـ قراءة ـ أنبأنا أحمد بن محمّد بن يوسف ، أنبأنا الحسين (١) بن صفوان ، حدّثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدّثنا عبد الله ابن أشهب التميمي ، حدّثني بعض أهل العلم عن أبان بن تغلب قال :

قال لي الكميت وأنا أحادثه : يا أبان لا تخبر الناس فقرأ وإن مت هزلا ، فإن الفقير تريكة من الترائك لا يعبأ بها ولا يلتفت إليها ، وأنشدني قوله :

وما أنتم يا كلب إلّا تريكة

كما تركت في دمنة خلق النعل

أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن الفضل ، أنبأنا أبو الحسين الفارسي ، أنبأنا أبو سليمان الخطابي (٢) ، أخبرني أبو رجاء الغنوي ، حدّثنا أبي ، حدّثني أبو أيوب سليمان بن أيوب قال : قيل للكميت لم لم ترث أخاك؟ قال : إنّ مرثيته لا تردّ مرزيته.

قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف ، وأنبأنيه أبو القاسم العلوي ، وأبو الوحش المقرئ عنه ، أنبأنا أبو الحسن محمّد بن جعفر بن النجار ، أنبأنا أبو جعفر محمّد بن جعفر بن التيّان الشيخ الصالح ، حدّثنا علي بن محمّد الزهري ، حدّثني الحسن بن محمّد الرازي ، حدّثني أحمد بن محمّد القزويني ، حدّثني داود ـ وكان ينزل خوار (٣) الري ـ حدّثنا محمّد بن الأصم ، عن سليمان بن الحكم ، حدّثنا ثور بن يزيد الشامي (٤) قال :

رأيت الكميت بن زيد في النوم فقلت : ما فعل الله بك؟ قال : غفر لي ، قال : بما ذا؟ قال : نصب لي كرسيا وأجلسني عليه وأمرت بإنشاد : «طربت» فلما بلغت إلى قولي (٥) :

حنانيك رب الناس من أن يغرّني

كما غرّهم شرب الحياة المنضب (٦)

قال : صدقت يا كميت ، إنه ما غرّك ما غرّهم ، فقد غفرت لك بصدقك في صفوتي من بريتي ، وخيرتي من خليقتي ، وجعلت لك بكلّ منشد أنشد بيتا من مدحك آل محمّد رتبة أرفعها لك في الآخرة إلى يوم القيامة.

قال : وأنبأنا أبو الحسن بن النجار قال : سمعت أبا عبد الله المفجع يقول :

__________________

(١) في م : الحسن.

(٢) غريب الحديث للخطابي ١ / ٦٩٩.

(٣) خوار : بضم أوله مدينة كبيرة من أعمال الري ، بينها وبين الري نحو عشرين فرسخا (معجم البلدان).

(٤) في م : السامي.

(٥) شرح الهاشميات ص ٧٢ البيت ٦٩.

(٦) الأصل وم : المصرد ، والقصيدة بائية ، والمثبت عن شرح الهاشميات.

٢٤٦

كان سبب قول الشعر في آل البيت أنّي كنت قد نظرت في شيء من شعر الكميت ، فلمّا كان تلك الليلة التي قرأت في نومها الكتاب ، رأيت أمير المؤمنين عليه‌السلام في النوم فقلت : أشتهي أقول الشعر في أهل البيت ، فقال : عليك بالكميت ، فاقتف أثره ، فإنه إمام شعرائنا أهل البيت ، وبيده لواؤهم يوم القيامة حتى يقودهم إلينا.

[قال ابن عساكر :](١) بلغني أن مبلغ شعر الكميت خمسة آلاف ومائتان وتسعة وثمان بيتا وانه ولد أيام قتل الحسين بن علي سنة ستين ومات سنة ست وعشرين ومائة في خلافة مروان بن محمّد.

[ذكر من اسمه] كميل

٥٨٢٩ ـ كميل بن زياد ابن نهيك بن هيثم بن سعد بن مالك بن الحارث بن صهبان

 بن سعد بن مالك بن النّخع بن مذحج النخعي الصّهباني الكوفي (٢)

حدّث عن عمر ، وعلي ، وعثمان ، وابن مسعود ، وأبي هريرة.

روى عنه : عبد الرّحمن بن عابس ، وعباس بن ذريح ، وأبو إسحاق الهمداني ، وعبد الله بن يزيد الصّهباني ، والأعمش ، وعبد الرّحمن بن جندب ، وأبو راشد رشيد.

وقدم دمشق في خلافة عثمان في جملة المنشرين (٣) فيما رواه المدائني عن علي بن مجاهد ، عن محمّد بن إسحاق عن الشعبي.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين ، حدّثنا أبو الحسين بن المهتدي.

ح وأخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأنا أبو الحسين بن النقور ، قالا : أنبأنا عيسى ابن علي ، أنبأنا عبد الله بن محمّد ، حدّثنا خلف ـ يعني ـ ابن هشام البزار ، حدّثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن كميل ، عن أبي هريرة قال :

__________________

(١) زيادة منا للإيضاح.

(٢) ترجمته في تهذيب الكمال ١٥ / ٤١٦ الترجمة : (٥٥٨٢) ط دار الفكر وميزان الاعتدال ٣ / ٤١٥ وتهذيب التهذيب : (٦ / ٥٨٩ ـ ٥٨٦٠) ط دار الفكر والتقريب الترجمة (٥٨٦٠) أيضا وقال : ثقة رمي بالتشيع. والتاريخ الكبير ٧ / ٢٤٣ والجرح والتعديل ٧ / ١٧٤.

(٣) تقرأ بالأصل وم : المشيرين ، والمثبت عن المختصر.

٢٤٧

كنت أمشي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بعض حيطان المدينة فقال : «يا أبا هريرة» ، فقلت : لبّيك يا رسول الله ، فقال : «إن المكثرين هم الأقلّون [إلّا](١) ، قال : بالمال هكذا أو هكذا أو هكذا وأومأ عن يمينه وعن يساره وقليل ما هم» ثم قال : «يا أبا هريرة ألا أدلّك على كنز من كنوز الجنّة؟» قلت : بلى يا رسول الله ، قال : «تقول : لا حول ولا قوّة إلّا بالله ، ولا ملجأ ولا منجا من الله إلّا إليه» ، ثم قال : «يا أبا هريرة ، هل تدري ما حقّ الله على العباد ، وما حقّ العباد على الله؟» قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : «حقّ الله على العباد أن يعبدوه ، ولا يشركوا به شيئا ، وحقّ العباد على الله أن لا يعذّب من لا يشرك به» [١٠٦٦٠].

أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنبأنا أبو سعد محمّد بن عبد الرّحمن ، أنبأنا أبو بكر محمّد بن الحسين بن مهران الأصبهاني المقرئ بانتخاب أبي عبد الله الحاكم ، حدّثنا أبو الوفاء المؤمّل بن الحسن بن عيسى ، حدّثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدّثنا أبو أحمد الزّبيري محمّد بن عبد الله بن الزبير ، حدّثنا جابر بن الحر النخعي ، عن عبد الرّحمن بن عابس ، عن كميل بن زياد ، عن أبي هريرة قال :

خرجت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حائط فقال : «يا أبا هريرة هم الأكثرون إلّا من قال بالمال هكذا أو هكذا ، وقليل ما هم» فمشيت معه ، فقال : «ألا أدلّك على كنز من كنوز الجنّة ، لا حول ولا قوّة إلّا بالله» ، ثم قال : «يا أبا هريرة ، تدري ما حقّ الله على العباد؟» قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : «حقّه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» ثم قال : «أتدري ما حقّ العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ أن لا يعذّبهم» قلت : ألا أخبرهم؟ قال : «دعهم فليعملوا».

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، وأبو العزّ الكيلي ، قالا : أنبأنا أبو طاهر أحمد بن الحسن ـ زاد الأنماطي : وأحمد بن الحسن بن خيرون ، قالا : ـ أنبأنا محمّد بن أحمد بن إسحاق ، حدّثنا خليفة قال (٢) :

كميل بن زياد بن نهيك بن هيثم بن سعد بن مالك بن الحارث بن صهبان بن سعد بن مالك بن النّخع ، قتله الحجّاج سنة اثنتين وثمانين.

أخبرنا أبو البركات بن المبارك ، أنبأنا أحمد بن الحسن بن أحمد ، أنبأنا يوسف بن رباح ، أنبأنا أبو بكر المهندس ، حدّثنا أبو بشر الدولابي ، حدّثنا معاوية بن صالح قال : سمعت

__________________

(١) زيادة عن م.

(٢) طبقات خليفة بن خيّاط ص ٢٤٩ رقم ١٠٥٨.

٢٤٨

يحيى بن معين يقول في تسمية أهل الكوفة : كميل بن زياد النّخعي ، قتله الحجّاج أيام ابن الأشعث ، أدرك عثمان.

قرأت على أبي غالب بن البنّا ، عن أبي محمّد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيّوية ، أنبأنا أحمد بن معروف ، حدّثنا الحسين بن الفهم ، حدّثنا محمّد بن سعد قال (١) :

في الطبقة الأولى من أهل الكوفة : كميل بن زياد بن نهيك بن هيثم بن سعد بن مالك ابن الحارث بن صهبان بن سعد بن مالك بن النّخع من مذحج ، روى عن عثمان ، وعلي ، وعبد الله ، وشهد مع علي صفّين ، وكان شريفا مطاعا في قومه ، فلمّا قدم الحجّاج بن يوسف الكوفة دعا به فقتله ، قال غير ابن حيوية : وكان ثقة ، قليل الحديث.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنبأنا ثابت بن بندار ، أنبأنا محمّد بن علي بن يعقوب ، أنبأنا محمّد بن أحمد بن محمّد ، أنبأنا الأحوص بن المفضّل بن غسّان الغلّابي ، قال : قال أبي : كميل بن زياد بن نهيك نخعي.

أنبأنا أبو الغنائم محمّد بن علي ، ثم حدّثنا أبو الفضل بن ناصر ، أنبأنا أحمد بن الحسن ، والمبارك بن عبد الجبّار ، ومحمّد بن علي ـ واللفظ له ـ قالوا : أنبأنا أبو أحمد ـ زاد أحمد : ومحمّد بن الحسن قالا : ـ أنبأنا أحمد بن عبدان ، أنبأنا محمّد بن سهل ، أنبأنا محمّد ابن إسماعيل قال (٢) : كميل بن زياد النّخعي الكوفي عن أبي هريرة ، روى عنه عبد الرّحمن بن عابس ، وقال أبو أسامة عن إسحاق بن سليمان عن أبيه عن عباس بن ذريح (٣) عن كميل بن عبد الله النّخعي ، سمع عليا.

أخبرنا أبو الحسين (٤) القاضي ، وأبو عبد الله الأديب ـ إذنا ـ قالا : أنبأنا أبو القاسم بن مندة ، أنبأنا أبو علي ـ إجازة ـ. ح قال : وأنبأنا أبو طاهر ، أنبأنا علي. قالا : أنبأنا ابن أبي حاتم قال (٥) : كميل بن زياد النّخعي الكوفي ، روى عن عمر ، وعثمان ، وعلي ، وأبي هريرة ، وابن مسعود ، روى عنه أبو إسحاق الهمداني ، وعبد الرّحمن بن عابس ، وعبد الله بن يزيد الصّهباني ، والأعمش ، وعباس بن ذريح غير أنه يقول : كميل بن عبد الرّحمن ، سمعت أبي يقول ذلك.

__________________

(١) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٦ / ١٧٩.

(٢) رواه البخاري في التاريخ الكبير ٧ / ٢٤٣.

(٣) ذريح بفتح المعجمة وكسر الراء وآخره مهملة عن تقريب التهذيب.

(٤) في م : الحسن ، تصحيف.

(٥) رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ٧ / ١٧٤.

٢٤٩

قرأت على أبي غالب بن البنّا ، عن أبي الفتح بن المحاملي ، أنبأنا أبو الحسن الدارقطني قال :

وأمّا كميل بالميم فهو كميل بن زياد ، يروي عن علي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وأبي هريرة ، حديثه مشهور ، روى عنه عبد الرّحمن بن جندب ، [وأبو إسحاق السبيعي](١) وعبد الرّحمن بن عابس ، وعبد الله بن يزيد الصّهباني.

قرأت على أبي محمّد السّلمي ، عن أبي نصر بن ماكولا قال (٢) :

أما كميل بالميم فهو كميل بن زياد عن علي ، وابن مسعود ، وأبي هريرة ، روى عنه عبد الرّحمن بن جندب (٣) ، والسّبيعي (٤) ، وعبد الرّحمن بن عابس ، وعبد الله بن يزيد الصّهباني.

قرأنا على أبي غالب ، وأبي (٥) عبد الله ابني البنّا ، عن أبي تمام علي بن محمّد الواسطي عن أبي عمر بن حيّوية ، أنبأنا محمّد بن القاسم بن جعفر ، حدّثنا ابن أبي خيثمة قال : قال علي بن محمّد بن أبي سيف المدائني :

وفيهم ـ يعني ـ أهل الكوفة من العبّاد أويس القرني ، وعمرو بن عتبة بن فرقد ، ويزيد بن معاوية النّخعي ، وربيع بن خثيم ، وهمّام بن الحارث ، ومعضد الشيباني ، وجندب بن عبد الله ، وكميل بن زياد النخعي.

أنبأنا أبو الحسين هبة الله بن الحسن ، وأبو عبد الله الحسين بن عبد الملك ، قالا : أنبأنا أبو القاسم عبد الرّحمن بن محمّد ، أنبأنا حمد (٦) ـ إجازة ـ. ح قال : وأنبأنا ابن سلمة ، أنبأنا علي بن الفأفاء. قالا : أنبأنا ابن أبي حاتم قال (٧) : ذكره أبي عن إسحاق بن منصور ، عن يحيى بن معين ، قال : كميل بن زياد ثقة.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنبأنا أبو الحسين بن الطّيّوري ، أنبأنا أبو الحسن العتيقي. ح وأخبرنا أبو عبد الله البلخي ، أنبأنا ثابت بن بندار ، أنبأنا الحسين بن جعفر.

قالا : أنبأنا الوليد بن بكر ، أنبأنا علي بن أحمد ، أنبأنا صالح بن أحمد ، حدّثني أبي

__________________

(١) ما بين معكوفتين سقط من الأصل ومكانه فيه : والشعبي.

(٢) الاكمال لابن ماكولا ٧ / ١٣٧.

(٣) في م : «حزب» تصحيف.

(٤) بالأصل وم : والشعبي ، تصحيف.

(٥) في م : «وأبو».

(٦) في م : أحمد.

(٧) رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ٧ / ١٧٥.

٢٥٠

قال (١) : كميل بن زياد ، كوفي ، تابعي ، ثقة.

قرأت على أبي محمّد السلمي ، عن أبي بكر الخطيب ، أنبأنا أبو بكر البرقاني ، أنبأنا محمّد بن عبد الله بن خميرويه ، حدّثنا الحسين بن إدريس ، أنبأنا محمّد بن عبد الله بن عمّار قال : كميل بن زياد رافضي ، وهو ثقة ، من أصحاب علي.

وقال في موضع آخر : كميل بن زياد هو من رؤساء الشيعة ، كان بلاء من البلاء.

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنبأنا رشأ بن نظيف ، أنبأنا الحسن بن إسماعيل ، أنبأنا أحمد بن مروان ، حدّثنا محمّد بن علي بن خلف البغدادي سنة ثمان وسبعين ، حدّثنا عمرو بن عبد الغفّار ، عن الحسن بن عمرو الفقيمي ، عن رشيد أبي راشد ، عن كميل بن زياد قال : خرجت مع علي بن أبي طالب ، فلمّا أن أشرف على الجبّان التفت إلى المقبرة فقال : يا أهل القبور ، يا أهل البلاء ، يا أهل الوحشة ، ما الخبر عندكم ، فإنّ الخبر عندنا : قد قسمت الأموال ، وأيتمت الأولاد ، واستبدل بالأزواج ، فهذا الخبر عندنا ، فما الخبر عندكم؟ ثم التفت إليّ فقال : يا كميل لو أذن لهم في الجواب لقالوا : إنّ خير الزاد التقوى ، ثم بكى ، وقال لي : يا كميل القبر صندوق العمل ، وعند الموت يأتيك الخبر.

أخبرنا (٢) أبو الحسن علي بن أحمد الفقيه ، وأبو (٣) منصور محمّد بن عبد الملك المقرئ ، قالا (٤) : أبو بكر أحمد بن علي الحافظ (٥) ، أخبرني محمّد بن أحمد بن رزق ، حدّثنا محمّد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، حدّثنا بشر بن موسى ، حدّثنا عبيد بن الهيثم ، حدّثنا إسحاق بن محمّد بن أحمد ـ أبو يعقوب النّخعي ـ حدّثنا عبد الله بن الفضل بن عبد الله ابن أبي الهياج بن محمّد بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب ، حدّثنا هشام بن محمّد بن السائب ـ أبو المنذر الكلبي ـ عن أبي مخنف لوط بن يحيى [عن](٦) فضيل (٧) بن حديج عن كميل بن زياد النخعي قال :

أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالكوفة فخرجنا حتى انتهينا إلى الجبّان (٨) ،

__________________

(١) تاريخ الثقات للعجلي ص ٣٩٨ رقم ١٤٢٣.

(٢) كتب فوقها بالأصل : ملحق.

(٣) بالأصل وم : «حدثنا» والصواب ما أثبت.

(٤) بعدها بالأصل فراغ مقدار كلمة ، والكلام متصل في م.

(٥) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٦ / ٣٧٩ في ترجمة إسحاق بن محمد النخعي.

(٦) سقطت من الأصل واستدركت عن م وتاريخ بغداد.

(٧) رسمها بالأصل : «بصبر» وفي م : «نصير» والمثبت عن تاريخ بغداد.

(٨) في تاريخ بغداد : الجبانة.

٢٥١

فلمّا أصحر (١) تنفس صعداء ثم قال لي : يا كميل بن زياد ، إنّ هذه القلوب أوعية ، وخيرها أوعاها للعلم ، احفظ عني ما أقول لك ، الناس ثلاثة : عالم ربّاني ، ومتعلّم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق ، يا كميل بن زياد ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، المال ينقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق ، يا كميل بن زياد ، محبد العالم دين يدان تكسبه الطاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد وفاته ، ومنفعة المال تزول بزواله ، العلم حاكم والمال محكوم عليه ، يا كميل مات خزّان المال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة ، وإن هاهنا ـ وأشار إلى صدره ـ لعلما جما ، لو أصبت حملة بلى أصبت لقنا غير مأمون يستعمل آلة الدين (٢) بالدنيا ، وذكر الحديث (٣).

كذا (٤) [في أصل](٥) ابن رزق (٦) ، وذكر لنا أن الشافعي قطعه من هاهنا فلم يتمه.

[قال ابن عساكر :](٧) هذا طريق غريب والمعروف :

ما أخبرنا أبو محمّد هبة الله بن سهل بن عمر ، وأبو القاسم تميم بن أبي سعيد بن أبي العبّاس (٨) ، قالا : أنبأنا أبو سعد محمّد بن عبد الرّحمن بن محمّد ، أنبأنا أبو أحمد محمّد بن محمّد بن أحمد بن إسحاق ، أنبأنا أبو جعفر محمّد بن الحسين الخثعمي بالكوفة ، حدّثنا إسماعيل بن موسى الفزاري ، أنبأنا عاصم بن حميد الحنّاط (٩) ، أو رجل عنه ، حدّثنا ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثّمالي ، عن عبد الرّحمن بن جندب ، عن كميل بن زياد النخعي ، قال :

 أخذ علي بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبّان ، فلما أصحرنا ، جلس ثم تنفس ، ثم قال : يا كميل بن زياد القلوب أربعة : فخيرها أوعاها ، احفظ ما أقول لك ، الناس ثلاثة : فعالم ربّاني ، وعالم متعلّم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت

__________________

(١) أصحر القوم إذا برزوا إلى الفضاء ، لا يواريهم فيه شيء.

(٢) بالأصل : الدنيا ، والمثبت عن م وتاريخ بغداد.

(٣) كتب بعدها في م : إلى.

(٤) كتب فوقها في م : ملحق.

(٥) بالأصل : ذكر ، ثم شطبت وكتب على هامشه «في أصل» وبعده صح ، وهو ما أثبت ، ويوافق م.

(٦) بالأصل وم : رزيق ، والمثبت عن تاريخ بغداد.

(٧) زيادة منا للإيضاح.

(٨) من طريقه رواه المزي في تهذيب الكمال ١٥ / ٤١٧.

(٩) بالأصل : الخياط ، والمثبت عن م وتهذيب الكمال.

٢٥٢

تحرس المال ، العلم يزكو على العمل ، والمال تنقصه النفقة ، ومحبة العالم دين يدان بها باكتساب الطاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد موته وصنعه (١) ، يفنى المال بزوال صاحبه ، مات خزّان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة ، ها إن هاهنا ـ وأشار بيده إلى صدره ـ علما لو أصبت له حملة. بلى أصبته لقنا غير مأمون عليه ، يستعمل آلة الدين للدنيا (٢) يستظهر بحجج الله على كتابه ، وبنعمه على عباده ، أو منقاد لأهل الحق لا بصيرة له في أحنائه ، يقتدح الشك في قلبه بأوّل عارض من شبهة لا ذا ، ولا ذاك ، أو منهوم باللذة سلس القياد للشهوات ، أو مغريّ يجمع الأموال والإدخار ، ليسا من دعاة الدين ، أقرب شبههما بهما الأنعام السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه ، اللهم بلى لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة ، لكي لا تبطل حجج الله وبيّناته (٣) أولئك الأقلون عددا ، الأعظمون عند الله قدرا ، بهم يدفع الله من حججه ، حتى يودوها إلى نظرائهم ، فيزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم به العلم على حقيقة الأمر ، تلك أبدان أرواحها معلّقة بالمحل الأعلى ، أولئك خلفاء الله في بلاده ، والدعاة إلى دينه ، هاه هاه ، شوقا إلى رؤيتهم ، وأستغفر الله لي ولك ، إذا شئت فقم.

رواه أبو نعيم ضرار بن صرد (٤) عن عاصم بن حميد فزاد فيه ألفاظا.

أخبرناه أبو القاسم علي بن إبراهيم ـ قراءة ـ أنبأنا عمّي الشريف الأمير النقيب عماد الدولة أبو البركات عقيل بن العبّاس الحسيني (٥) ، أنبأنا الحسين بن عبد الله بن محمّد بن أبي كامل الأطرابلسي ـ قراءة عليه بدمشق ـ أنبأنا خال أبي أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي ، حدّثنا نجيح بن إبراهيم الزهري ، حدّثنا ضرار بن صرد ، حدّثنا عاصم بن حميد الحنّاط ، حدّثنا ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي ، عن عبد الرّحمن بن جندب ، عن كميل ابن زياد قال :

أخذ ـ عليه‌السلام ـ بيدي فأخرجني ناحية الجبّان فلما أصحر جعل يتنفس ثم قال : يا كميل بن زياد ، القلوب أوعية ، فخيرها أوعاها ، احفظ عني ما أقول لك ، الناس ثلاثة : فعالم ربّاني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم

__________________

(١) كذا بالأصل وم ، وفي تهذيب الكمال : وصنيعه.

(٢) الأصل : والدنيا. والمثبت عن م وتهذيب الكمال.

(٣) بدون إعجام بالأصل وم ورسمها : «وسانه» والمثبت عن تهذيب الكمال.

(٤) كذا ضبطت عن الأصل ، ضبط قلم.

(٥) في م : الحسني.

٢٥٣

يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم يزكو على العمل ، والمال تنقصه النفقة ، ومحبة العالم دين يدان بها فتكسبه الطاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد موته ، العلم حاكم والمال محكوم عليه ، وصنيعة المال تزول بزواله ، مات خزّان المال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة ، ها إن هاهنا لعلما لو أصبت له حملة بل أصبت لقنا غير مأمون عليه ، يستعمل آلة الدين للدنيا ، يستظهر بحجج الله على كتابه ، وبنعمه على عباده ، أو منقاد (١) لأهل الحقّ لا بصيرة له في إحيائه ، يقتدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهه ، فلاذا ولا ذاك ، أو من هو منهوم باللذة ، سلس القياد للشهوات ، أو مغريّ بجمع الأموال والادخار ، ليس من دعاة الدين أقربهما شبههما الأنعام السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه ، اللهم بل لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة كيلا تبطل آيات الله وبيّناته ، أولئك الأقلون عددا ، الأعظمون عند الله قدرا ، بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدّوها إلى نظرائهم ، أو يزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر ، فاستلانوا ما استوعر منه المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحل الأعلى ، أولئك خلفاء الله في بلاده ، والدعاة إلى دينه ، هاه شوقا إلى رؤيتهم ، وأستغفر الله لي ولك ، إذا شئت فقم.

أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله ـ إذنا ومناولة وقرأ عليّ إسناده ـ أنبأنا محمّد بن الحسين ، أنبأنا المعافى بن زكريا القاضي (٢) ، حدّثنا محمّد بن أحمد المقدّمي ، حدّثنا عبد الله ابن عمر بن عبد الرّحمن الورّاق ، حدّثنا ابن عائشة ، حدّثني أبي عن عمه عن كميل.

ح قال : وحدّثني أبي ، حدّثنا أحمد بن عبيد ، حدّثنا المدائني ـ والألفاظ في الروايتين مختلطة ـ قالا : قال كميل بن زياد النّخعي (٣) :

__________________

(١) بالأصل وم : منقادا.

(٢) الخبر رواه المعافى بن زكريا في الجليس الصالح الكافي في ٣ / ٣٣١ وفي ٤ / ١٣٥ وما بعدها.

(٣) السند في الجليس الصالح ٤ / ٣٣١ مختلف عما ورد هنا بالأصل وم ، وفيه : قال المعافى بن زكريا :

حدثني محمد بن عمر بن نصير الحربي سنة ست عشرة وثلاثمائة إملاء من حفظه قال ، حدّثني نجيح بن إبراهيم الزماني ، قال حدثنا ضرار بن صرد عن ثابت عن أبي قتيبة ، عن عبد الرحمن بن جندب ، عن كميل بن زياد قال : وبنفس السند كما في الأصل وم في الجليس الصالح ٣ / ٣٣١.

٢٥٤

أخذ علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبّان ، فلما أصحر تنفس ، ثم (١) قال : يا كميل ، إن هذه القلوب أوعية ، فخيرها أوعاها ، احفظ عني ما أقول لك ، الناس ثلاثة : عالم ربّاني ، ومتعلّم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق غاو ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق ، يا كميل العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والعلم يزكو على الانفاق والمال تنقصه النفقة ، يا كميل محبة العالم دين يدان به في كسبه العلم لذته في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته ، ونفقة المال تزول بزواله ، والعلم حاكم والمال محكوم عليه ، يا كميل مات خزّان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة ، إنّ هاهنا لعلما ـ وأشار إلى صدره ـ لو أصبت له حملة ، ثم قال : اللهم بل أصبته لقنا غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين في الدنيا ، ويستظهر بحجج الله على أوليائه ، وبنعمه على كتابه ، أو منقادا لجملة الحق على أن لا بصيرة له في إحيائه (٢) يقدح الزيغ في قلبه بأول عارض من شبهة ، اللهم لا ذا ولا ذاك أو منهوما باللذّات ، سلس القياد في الشهوات ، ومغرما بالجمع والادخار ، وليسا من دعاة (٣) الدين أقرب شبها بهما الأنعام السائمة ، وكذلك يموت العلم بموت حملته ، ثم قال : اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم بحجة ، إما ظاهر مستور (٤) ، وإما خائف مغمور ، لأن لا تبطل حجج الله وبيناته فيكم ، وأين أولئك؟ الأقلّون عددا ، الأعظمون قدرا ، بهم يحفظ الله حججه حتى يودعوها نظراءهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر ، فباشروا روح اليقين ، واستسهلوا ما استوعر المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأرواح معلّقة بالمحل (٥) الأعلى ، يا كميل ، أولئك خلفاء الله في أرضه ، الدعاة إلى دينه ، هاه شوقا إلى رؤيتهم ، أستغفر الله لي ولك.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن شجاع ، أنبأنا أبو عمرو بن مندة ، أنبأنا أبو محمّد بن يوة ، أنبأنا أبو الحسن اللنباني (٦) ، حدّثنا ابن أبي الدنيا ، حدّثني عبد الرّحمن بن صالح ، حدّثنا أبو بكر بن عيّاش عن الأعمش قال :

__________________

(١) موعظة الإمام علي بن أبي طالب لكميل في نهج البلاغة ٤٩٥ وحلية الأولياء ١ / ٧٩ وصفة الصفوة ١ / ١٢٧ وبعضه في عيون الأخبار ٢ / ١٢٠.

(٢) في نهج البلاغة : أحنائه.

(٣) في نهج البلاغة : رعاة ، وفي الجليس الصالح ٣ / ٣٣٢ : رعاة وفي الجليس الصالح ٤ / ١٣٦ دعائم الدين.

(٤) في الجليس الصالح : مشهور.

(٥) في الجليس الصالح ٤ / ١٣٧ بالملكوت الأعلى.

(٦) الأصل وم : اللبناني بتقديم الباء ، تصحيف.

٢٥٥

دخل الهيثم بن الأسود النّخعي على الحجّاج فقال له : ما فعل كميل بن زياد؟ قال : شيخ كبير ، مطروح في البيت ، قال : بلغني أنه فارق (١) الجماجم ، قال : ذاك شيخ كبير خرف ، قال : لتخلن عني لسانك أو لتنكري قال : قد خلفته حتى بلغ أنفي ، ولئن شئت لأبلغن به المآقي ، قال : فأعطى العطاء بعد ، فدعا كميلا فقال له : أنت صاحب عثمان؟ قال : ما صنعت بعثمان؟ لطمني ، فأقادني فعفوت ، فأمر بقتله.

أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلّم الفقيه ، أنبأنا نصر بن إبراهيم الزاهد ، وعبد الله بن عبد الرزّاق بن عبد الله ، قالا : أنبأنا أبو الحسن محمّد بن عوف بن أحمد المزني (٢) ، أنبأنا أبو علي الحسن بن منير بن محمّد التنوخي ، أنبأنا أبو بكر محمّد بن خريم ، حدّثنا هشام بن عمّار ، حدّثنا أيوب بن حسّان ، حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن قال :

منع الحجّاج النّخع أعطياتهم وعيالهم حتى يأتون بكميل بن زياد ، فلما رأى ذلك كميل أقبل إلى قومه فقال : أبلغوني الحجّاج ، فأبلغوه ، فقال الحجّاج : يا أهل الشام ، أتعرفون هذا ، هذا كميل بن زياد الذي قال لعثمان : أقدني من نفسك ، فقال كميل : فعرف حقي ، فقلت : أما إذا قدتني ، فهو لك هبة ، فمن كان أحسن قولا أنا أو عثمان؟ فذكر الحجّاج علي بن أبي طالب فصلّى عليه كميل ، فقال الحجّاج : والله لأبعثن إليك إنسانا أشدا بغضا لعلي من حبك أنت له ، فبعث إلى أدهم (٣) القيسي من أهل حمص ، فضرب عنق كميل بن زياد.

أنبأنا أبو القاسم تمام بن عبد الله بن المظفّر الظني ، أنبأنا أبو محمّد عبد الله بن الحسن بن حمزة العطّار ، أنبأنا أبو نصر عبد الوهّاب بن عبد الله بن عمر المرّي ـ إجازة ـ أنبأنا أبو سليمان محمّد بن عبد الله بن زبر ، أخبرني أبي عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن زبر ، حدّثنا أحمد بن عبيد بن ناصح ، حدّثنا الأصمعي ، عن [ابن] أبي زناد (٤) ، عن أبيه قال :

طلب الحجّاج كميل بن زياد النخعي طلبا شديدا فلم يقدر عليه ، فقيل له : إن أردته فامنع قومه العطاء ، قال : فمنع النّخع ، وقال : لا أعطيكم حتى تأتوني به ، فبلغ ذلك كميل بن زياد في موضعه الذي هو مستتر فيه ، فأرسل إلى قومه : أنا أظهر له فلا تمنعون عطاءكم ، فخرج إليه ، فلما رآه قال : أنت الطالب من أمير المؤمنين عثمان القصاص ، فقال له كميل :

__________________

(١) في م : قارف الجماجم.

(٢) بالأصل وم : المدني.

(٣) في م : ابن أدهم.

(٤) بالأصل وم : «عن أبي زياد» والمثبت والزيادة عن تهذيب الكمال ١٢ / ٧٩ ترجمة عبد الملك بن قريب الأصمعي.

٢٥٦

فمن أي ذلك عجبت؟ منه حين لطمني؟ أو مني حين طلبت القصاص؟ أو منه حين أقصني من نفسه (١) ، أو مني حين عفوت عنه؟ فقال : والله لأدعنّك وأنت لا تطلب القصاص من خليفة أبدا ، فقدّمه ، وأمر أبا الجهم بن كنانة فضرب عنقه.

قال : وأبلى أبو الجهم بين يدي الحجّاج يوم الزّاوية فقال له الحجّاج : من أنت؟ قال : أنا أبو الجهم بن كنانة فقال له الحجّاج : قد زدناك في عطائك ألفا وفي كنيتك ألفا ، ولا ما أنت أبو الجهم.

قرأنا على أبي عبد الله يحيى بن الحسن ، عن أبي الحسين بن الآبنوسي ، أنبأنا أحمد ابن عبيد بن الفضل ـ قراءة. ح وعن أبي الحسن محمّد بن محمّد بن مخلد ، أنبأنا علي بن محمّد بن خزفة ، أنبأنا محمّد بن الحسين بن محمّد ، حدّثنا ابن أبي خيثمة قال : سمعت يحيى بن معين يقول : مات كميل بن زياد سنة اثنتين وثمانين أو أربع وثمانين ، وهو ابن تسعين سنة (٢).

أخبرنا أبو غالب محمّد بن الحسن ، أنبأنا محمّد بن علي السيرافي ، أنبأنا أبو عبد الله أحمد بن إسحاق ، حدّثنا أحمد بن عمران ، حدّثنا موسى ، حدّثنا خليفة قال (٣) :

وفيها ـ يعني ـ سنة اثنتين وثمانين قتل الحجّاج كميل بن زياد النّخعي.

قرأت (٤) على أبي محمّد السّلمي ، عن عبد العزيز بن أحمد ، أنبأنا مكي بن محمّد بن الغمر ، أنبأنا أبو سليمان بن زبر قال : قال المدائني : مات كميل بن زياد سنة اثنتين وثمانين ، وهو ابن سبعين سنة (٥).

[ذكر من اسمه](٦) كنانة

٥٨٣٠ ـ كنانة بن بشر بن سلمان ويقال : بن بشر بن عتاب ـ التّجيبي الأيدعاني (٧)

أحد من سار إلى حصر عثمان بن عفّان ، وممن تولى قتله.

__________________

(١) في م : نفسي.

(٢) تهذيب الكمال ١٥ / ٤١٨.

(٣) تاريخ خليفة بن خيّاط ص ٢٨٨ (ت. العمري) وعنه في تهذيب الكمال ١٥ / ٤١٨.

(٤) كتب فوقها بالأصل وم : ملحق.

(٥) تهذيب الكمال ١٥ / ٤١٨.

(٦) زيادة منا للإيضاح.

(٧) كذا بالأصل وم ، وفي المختصر : الأيداعي ، تصحيف. والأيدعاني نسبة إلى أيدعان وهو بطن من تجيب.

٢٥٧

روى عنه : حيّان بن الأعين بن نمير بن سليع الحضرمي.

وقيل : إنه كان في الرّهن التي أخذها معاوية من أهل مصر ، وسجنهم بلدّ (١) ، وقيل : بدمشق ، وقيل : إنه قتل يوم الدار ، وقيل : إنه قتل قبل دخول جيش معاوية مصر.

كتب إليّ أبو محمّد حمزة بن العبّاس بن علي ، وأبو الفضل أحمد بن محمّد بن الحسن ، وحدّثني أبو بكر اللفتواني عنهما قالا : أنبأنا أبو بكر الباطرقاني ، أنبأنا أبو عبد الله بن مندة ، قال : قال لنا أبو سعيد بن يونس :

كنانة بن بشر بن سلمان التّجيبي ثم الأيدعاني شهد فتح مصر ، قتل بفلسطين سنة ست وثلاثين ، وكان ممن أخرجه معاوية من مصر في الرّهن ، وكان أحد قتلة عثمان بن عفّان ، روى عنه حيّان بن الأعين بن نمير الحضرمي.

أخبرنا أبو محمّد هبة الله بن أحمد ، وعبد الله بن أحمد بن عمر ـ إذنا ـ قالا : حدّثنا أبو محمّد عبد العزيز بن أحمد ، أنبأنا أبو محمّد عبد الرّحمن بن عثمان بن القاسم ، أنبأنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبيد الله ، أنبأنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم ، حدّثنا محمّد ابن عائذ قال : فحدّثنا الوليد بن مسلم ، حدّثنا عبد الله بن لهيعة الحضرمي ، عن يزيد بن أبي حبيب قال :

ثم ترافع معاوية بن حديج (٢) وجيش بعثهم إليه محمّد بن أبي حذيفة عليهم قيس بن حرمل اللخمي ـ ويقول آخرون : كان عليهم يومئذ رجل من بليّ يقال له : ابن الحثما ـ فاقتتلوا بخربتا (٣) في أوّل يوم من شهر رمضان سنة ست وثلاثين ، فقتل قيس بن الحرمل وابن الجثما وأصحابهما ، وخرج أصحاب ابن حديج وابن حديج حتى صرع في القتلى ، فجنح عليه ابن أخيه عبيد الله بن عبد الله بن حديح ، فأكبّ عليه يقول : لحمي يحمي لحمك ، وتناول الراية قيس بن سفيان الأزدي ، فقال : أنا معاوية بن حديج ، وكان على مجنبة معاوية يومئذ خيار بن مرثد الأبدوي ، ودرع بن الحارث الخولاني ، وكان عدة من مع معاوية بن حديج يومئذ ممن تابعه في ... (٤) قيس بن حبشي ألف ومائة سوى أهل خربتا من بني مدلج ، كانوا معه لما

__________________

(١) لدّ : بالضم والتشديد ، قرية قرب بيت المقدس ، من نواحي فلسطين (معجم البلدان).

(٢) الأصل : خديج ، تصحيف ، والتصويب عن م. وقد صوبت في كل مواضع الخبر.

(٣) إعجامها ناقص في الأصل وم ، والمثبت والضبط عن معجم البلدان ، من كور مصر.

(٤) كلمة غير مقروءة ، ورسمها : «حنان».

٢٥٨

غشيهم معاوية بن حديج حين خرج إليهم من ناحية الصعيد ، فقال : إن كنتم تريدون نصرة بني مدلح فألصقوا برحالهم عند حلولكم بهم ، ففعلوا ذلك ، فقالت بنو مدلج : تزحزحوا عنا ، فإن أيدينا مع أيديكم ، فأبوا عليهم ثم انهم ساروا إلى أنطابلس (١) ، قال : وقدم معاوية بن أبي سفيان في سنة ست وثلاثين فنزل عين شمس ، وكان على مجنبة محمّد بن أبي حذيفة أبو عريب البلوي ، وعلى اليسرى عزيز بن فارع الأصبحي ، فمنعوا معاوية وأصحابه أن يدخلوا الفسطاط ، فلما رأى معاوية أنه لا يستطيع الدخول كتب إلى محمّد بن أبي حذيفة : إنّا لا نريد قتال أحد من المسلمين ، إنّما جئنا نسأل القود بعثمان ادفعوا إلينا قاتله ابن عديس ، وكنانة بن بشر ، وهما رأس القوم ، وأمر معاوية عمرا أن يكتب إلى ابن أبي حذيفة بمثل (٢) ذلك ، فكتب عمرو ، فكتب محمّد بن أبي حذيفة : إنّي لم أكن لأقيد بعثمان جديا أرطب السّرّة ، وأمر بصحيفة أخرى فطويت ليس في جوفها شيء وكتب عنوانها : من محمد بن أبي حذيفة إلى عمرو بن العاص. فلما فضّها عمرو بن العاص لم ير فيها شيئا ، فقال له معاوية : ما كتب إليك ابن أبي حذيفة؟ قال : زعم أني لست شيئا. سيعلم أينا يدحض في بول أمه. فقال معاوية لابن أبي حذيفة : اجعلوا بيننا وبينكم رهنا منا ومنكم ، لا يكون بيننا وبينكم حرب حتى يستخلف الله ويجمع الأمة على من يشاء. فقال ابن أبي حذيفة : فإني أرضى بذلك على أني أستخلف على جندي وانطلق مع الرهن وكان ذلك منه جبنا ، فقال معاوية عند ذلك ـ واغتنم قول ابن أبي حذيفة ـ : فمن تستخلف؟ قال : أستخلف أمية بن شييم ، قال معاوية : كلا ، قال : فإذ كرهت ، فإني أستخلف الحكم بن الصلت. فقال معاوية : نعم ، فانطلق ابن أبي حذيفة مع معاوية حتى دخل بهم الشام ، ففرقهم نصفين ، فسجن ابن أبي حذيفة ومن معه في سجن دمشق ، وسجن ابن عديس والنصف الثاني في سجن بعلبك. قال : فبينا معاوية في مسيره ذلك جاءه بريد ، فأخبره أن قيس بن عدي اللخمي ثم الراشدي صاحب مصر قد أغار على خيل حتى بلغ فلسطين ، ثم جاءه آخر فأخبره أن محمد بن أبي حذيفة قد خرج من السجن ، ثم جاءه آخر ، فأخبره أن ابن عديس وأصحابه قد خرجوا من السجن ، فكان رأس القوم بعد ابن أبي حذيفة عبد الرحمن بن عديس ، وكنانة بن بشر ، ثم جاءه بريد آخر ، فأخبره أن ابن هرقل قد نزل الدرب ، ثم جاءه بريد آخر فأخبره أن علي بن أبي طالب قد شارق ، جاءته

__________________

(١) انطابلس : بعد الألف باء موحدة مضمومة ولام مضمومة وهي مدينة بين الاسكندرية وبرقة. (معجم البلدان).

(٢) من هنا إلى قوله : «إلى عمرو بن العاص» سقط من م.

٢٥٩

خمسة برد في ليلة واحدة ، فأرسل معاوية إلى عمرو بن العاص : ما ترى في خمسة أمور شتى في ليلة واحدة ، ما منها أمر إلّا يهد المرى ذا القوى؟ فقال : وما هن؟ فأخبره الخبر ، فقال : أما قيس بن عدي فإنما هو سارق ، ولن يضر أحدا ، وأما ابن عديس وأصحابه فإنهم قد خرجوا من سجن الناس إلى سجن الله ، فابعث إليّ سفيان الأزدي صاحب بعلبك ، فيبعث لمن خرج منهم من سجن بعلبك الرصد ، فإنهم لن يعجزوا الله ، وابعث إلى أبي راشد صاحب فلسطين يبعث بمن عرج منهم إلى أرضه. فبعث أبو راشد عمرو بن عبد الله الخثعمي في طلب الرهن. قال : فخرجت نبطية من أنباط فلسطين تطلب حمارا ، فاتبعت الحمار حتى صل إلى غار. فرأت محمد بن أبي حذيفة وأصحابه في الغار ـ وكانوا يسيرون الليل ويكمنون النهار ـ فدلت النبطية عليهم عمرو بن العاص. فزعم من زعم أن ابن أبي حذيفة وكنانة بن بشر عرض عليهما أن يستبقيا ، فكرها ذلك. فقتلوا.

وخرج سفيان بن محبب (١) في أثر عبد الرحمن بن عديس بالفرس وبخيل له سواهم فأدركوهم وذكر الحديث.

وذكر أبو مخنف : إن كنانة بن بشر قتله جيش معاوية الذي أنقذه (٢) لافتتاح مصر.

وذكر أبو عمر محمد بن يوسف المصري قال (٣) : كان قتل كنانة بن بشر في ذي الحجة سنة ست وثلاثين.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنبأنا أبو محمّد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيّوية ، أنبأنا أحمد بن معروف ، حدّثنا الحسين بن فهم ، حدّثنا محمّد بن سعد (٤) ، أنبأنا محمّد بن عمر الواقدي ، حدّثني عبد الله بن جعفر ، عن ابن أبي عون ، عن الزهري قال : قتل عثمان عند صلاة العصر ، وشدّ عبد لعثمان أسود على كنانة بن بشر فقتله.

[ذكر من اسمه](٥) كنجور

٥٨٣١ ـ كنجور بن عيسى أبو محمّد الفرغاني

سمع بدمشق : أبا علي بن قيراط العذري ، وحدّث بدمشق.

__________________

(١) كذا رسمها بالأصل وم.

(٢) بالأصل وم : «تفده».

(٣) ولاة مصر للكندي ص ٤٣.

(٤) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٣ / ٧٤ في أخبار عثمان بن عفان.

(٥) زيادة منا للإيضاح.

٢٦٠