تاريخ مدينة دمشق - ج ٤٩

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٤٩

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٩
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

أيقسم جيراني اليهود وأنتم

ثمانون ألفا حاسرون ودرّعا

فوثبت عك ، عليهم مسروق ، فساروا حتى تنقذوا عيالات الأبناء وقصروا عليهم القرى ، إلى أن رجع فيروز إلى صنعاء. وقال فيروز في ذلك :

ألم تر عكا دافعت عن حريمها

ذوي يمن لما استحلوا حريمها

وكانت لها عدنان تعرف فضلها

قديما وكانت قد ترقب قديمها

وأمدت عقيل وعك فيروزا (١) بالرجال ، فلما أتته أمدادهم ـ فيمن كان اجتمع إليه ـ خرج فيمن كان تأشب إليه ومن أمده ، من عك وعقيل ، فناهد قيسا فالتقوا دون صنعاء ، فاقتتلوا فهزم الله قيسا في قومه ومن أنهضوا ، فخرج هاربا في جنده حتى عاد معهم ، وعادوا إلى المكان الذي كانوا به مبادرين حين هربوا بعد مقتل العنسي وعليهم قيس وقال فيروز في ذلك :

صدمت ذوي يمن صدمة

بقومي وقومي ملوك غرر

سموت لهم قائظا بالخيول

فازعن تنمى إليه مضر

وعك ابن عدنان أهل العلا

وكان لها الدهور الكبر

وقال فيروز منتهيا عند علية :

هاجتك دمنة منزل

بين المراض فمعلم

وكأنما نسج التراب

سفا الرياح بمرجم

ويروح أحيانا يحن (٢)

حنين بحر يكرم (٣)

ترك الطلول كأنها

صحف تبين بمرقم

أو كالبرود العصب

بين مسلسل ومنمنم

يا أيها ذا السائلي

ولطالما لم يسلم

عن معشر عنهم

ستنبأ اليوم إن لم تعلم

فقرومنا منسوبة

أهل واللواء الأقدم

أبناء ضبة إن سالت

بحدثنا المستحكم

فالحي منهم باسل

قومي وذروه محرم

__________________

(١) كذا منونة بالأصل ، وفي ت والطبري : فيروز.

(٢) غير واضحة في «ز» ، وفوقها ضبة.

(٣) في م وز : كرم.

٢١

بالمجد فازوا بالغلا

صم والسنام الأعظم

فأولاكم قومي متى

ترهم لدي بهوّم

وأمن عمال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم باليمن فظهروا وعملوا على أعمالهم وضعت اليمن وكتبوا إلى أبي بكر بالفتح وقال في ذلك فيروز :

ملكت ذوي يمن عنوة

وصاروا إلينا هناك البشر

إذا خندف أجمعت أمرها

وقيس بن عيلان حل الظفر

وعكّ بن عدنان أهل العلا

أعاليها الكتب فيها السور

أنبأنا أبو محمّد بن الأكفاني ، عن سعيد بن محمّد بن الحسن الإدريسي ، أنبأنا أبو محمّد الحسن بن أحمد بن فراس ، أنبأنا أبو محمّد جعفر بن أحمد بن إبراهيم الحذاء ، حدّثنا أبو جعفر بن خالد بن يزيد البردعي [عن](١) الخصيب ، حدّثنا عمر بن سهل بالمصّيصة ، حدّثنا الحرمازي قال :

كتب عمر بن الخطّاب إلى فيروز الدّيلمي : أما بعد ، فقد بلغني أنه قد شغلك أكل الألباب (٢) بالعسل ، فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم على بركة الله ، فاغز في سبيل الله.

فقدم فيروز فاستأذن (٣) على عمر ، فأذن له ، فزاحمه قوم من قريش ، فرفع فيروز يده فلطم أنف (٤) القرشي ، فدخل القرشي على عمر مستدمى ، فقال له عمر : من (٥) بك؟ قال : فيروز وهو على الباب ، فأذن لفيروز بالدخول ، فدخل ، فقال : ما هذا يا فيروز؟ قال : يا أمير المؤمنين إنّا كنا حديث عهد بملك ، وإنّك كتبت إليّ ولم تكتب إليه ، وأذنت لي بالدخول ولم تأذن له ، فأراد أن يدخل في إذني قبلي فكان مني ما قد أخبرك ، قال عمر : القصاص ، قال فيروز : لا بدّ؟ قال : لا بدّ ، قال : فجثا فيروز على ركبتيه وقام الفتى ليقصّ منه ، فقال له عمر : على رسلك أيها الفتى حتى أخبرك بشيء سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات غداة يقول : «قتل الظّيلمة الأسود العنسي الكذّاب ، قتله العبد الصالح فيروز الدّيلمي»

__________________

(١) الزيادة عن م وز ، واللفظة سقطت من الأصل وت.

(٢) كذا بالأصل ، وم ، ت ، وز ، وفي المختصر : أكل النبات بالعسل.

(٣) استدركت على هامش م.

(٤) بالأصل : «ابن القرشي» والمثبت «أنف» عن ت ، وم ، وز.

(٥) كذا بالأصل وت وم ، وفيها فوق : «بك» ضبة ، وفي «ز» : من يك؟.

٢٢

أفتراك مقتصا منه بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ [١٠٤٨٢]

قال الفتى : قد عفوت عنه بعد إذ أخبرتني عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذا ، فقال فيروز لعمر : فترى هذا مخرجي مما صنعت؟ إقراري له وعفوه غير مستكره؟ قال : نعم ، قال فيروز : فأشهدك أنّ سيفي وفرسي وثلاثين ألف من مالي هبة له ، قال : عفوت مأجورا يا أخا قريش ، وأخذت مالا.

قرأت بخط عبد الوهّاب بن عيسى بن عبد الرّحمن ، أنبأنا الحسن بن رشيق ، حدّثني الحسن بن آدم العسقلاني ، حدّثني عبيد بن محمّد الكشوري ، حدّثني عبد الرّحمن بن هشام ، عن أبيه ، عن أبي ثور بن دينار قال :

بعث معاوية على اليمن عتبة بن أبي سفيان فمكث ثلاث سنين ، ثم ارتفع إلى معاوية واستخلف فيروز الدّيلمي ، فمكث فيروز على صنعاء ومخاليفها ثمان سنين ثم مات سنة ثلاث وخمسين (١).

__________________

(١) كذا بالأصل ، وم ، وز ، هنا ، ومرّ أنه مات في خلافة عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه.

انظر الإصابة ٣ / ٢١٠ وأسد الغابة ٤ / ٧٢ والاستيعاب ٣ / ٢٠٦ (هامش الإصابة).

٢٣

ذكر من اسمه فيض

٥٦٤٣ ـ الفيض بن الخضر بن أحمد

 ـ ويقال : الفيض بن محمّد ـ

أبو الحارث التميمي الطّرسوسي الأولاسي (١)

أحد الزهاد المشهورين.

حكى عن عبد الله بن خبيق (٢).

حكى عنه محمّد بن المنذر بن سعيد (٣) ، وعلي السائح ، والحسن بن خلف ، وأبو بكر محمّد بن إسماعيل الفرغاني الصوفي (٤) ، ومحمّد بن أحمد السّنجاري ، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفرايني.

أنبأنا أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل ، أنبأنا أبو بكر محمّد بن يحيى المزكي ، أنبأنا أبو عبد الرّحمن السلمي قال :

الفيض بن الخضر بن أحمد أبو الحارث الأولاسي ، ـ ويقال : الفيض بن محمّد ـ من قدماء المشايخ وجلتهم ، صحب إبراهيم بن سعد العلوي ، وهو تميمي.

قال وأنبأنا السّلمي قال : سمعت الشيخ أبا الوليد يقول : سمعت محمّد بن المنذر

__________________

(١) الأنساب (الأولاسي) ، واللباب (الأولاسي) ، والرسالة القشيرية ص ٣٤٩ والأولاسي هذه النسبة إلى أولاس حصن على ساحل بحر الشام من نواحي طرسوس فيه حصن يسمى حصن الزهاد (معجم البلدان).

وفي الأنساب : بلدة بدل حصن.

(٢) في «ز» : «حنيف وعلي بن محمد بن المنذر».

(٣) ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٤ / ٢٢١.

(٤) ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٩٠.

٢٤

الهروي يقول : حدّثني أبو الحارث الأولاسي الفيض بن الخضر بن أحمد التميمي.

قال : وأنبأنا السّلمي ، سمعت [عبد الله](١) بن علي يقول : سمعت الدقي يقول : سمعت أبا بكر الفرغاني يقول : أبو الحارث الأولاسي اسمه الفيض بن الخضر.

قرأت على أبي الفتح نصر الله بن محمّد الفقيه ، عن سهل بن بشر ، أنبأنا [أبو](٢) عبد الله الحسين (٣) بن عبد الكريم الجزري ـ بمكة ـ حدّثنا علي بن عبد الله بن جهضم الهمذاني (٤).

قال : وحدّثني علي بن أحمد الورّاق ، حدّثني الحسن بن خلف ـ وهو الحسن بن علي ابن خلف ـ عن أبي الحارث الأولاسي قال :

كنت في بعض مساجد دمشق جالسا ، فدخل رجل فقير عليه خلقان رثة ، فركع وجلس ، فدنوت منه وسلّمت عليه ، وكان معي قطيعة (٥) فذهبت فاشتريت بها عنبا وطرحته في زاوية المسجد ، فقلت له عند المغرب : تأكل من هذا العنب ، فقال : دعه الساعة ، فما زال يركع إلى عشاء الآخرة ، فلمّا صلى عشاء الآخرة قلت له : تأكل من هذا العنب ، فقال : وتحبّ (٦) ذلك؟ قلت : نعم ، فأكل حبّات ثم قال : أين تريد؟ قلت : الرملة ، فقال : وتحب أن نكون جميعا؟ قلت : نعم ، قال : فما زال عامة الليل يركع ثم التفت إليّ وقال : قم إن شئت ، فقمت معه ، وخرجنا من دمشق [وسرنا ساعة ، وإذا بسرج وبيوت ، ونحن](٧) نسير بين أحمال تبن ، فقلت لبعض من يسير معنا : أيش هذه السرج والبيوت؟ فقال : أيش حالك ، هذه الرملة ، فالتفتّ أطلب صاحبي فلم أره.

أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، عن أبي علي الأهوازي قال : قرأت على مكي بن محمّد بن الغمر ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن الفرح الحبّال ، حدّثني الحسن بن علي ، حدّثني أستاذي الزّعفراني قال :

__________________

(١) سقطت من الأصل وم ، والزيادة عن «ز».

(٢) سقطت من الأصل ، والزيادة عن م وز.

(٣) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : الحسن.

(٤) بالأصل : الهمداني ، بالدال ، والمثبت عن «ز» ، انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٧ / ٢٧٥.

(٥) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : قطيفة.

(٦) الأصل : «ويجب» تصحيف ، والتصويب عن م وز.

(٧) ما بين معكوفتين سقط من الأصل هنا واستدرك للإيضاح عن «ز» ، وم ، وقد أخرت الجملة بالأصل إلى ما بعد كلمة «السرج» في السطر التالي.

٢٥

قلت لأبي الحارث الأولاسي : أنا أعرفك أمير الحرب بنصيبين فأيش الذي أخرجك إلى الله؟ فقال : غدوت (١) في آخر الليل إلى الحمام وكان على باب داري ، فإذا أنا بأنين في القامين (٢) فعدلت فإذا برجل عليل مطروح في الزبل (٣) عريان ، فقلت له : لك حاجة؟ فقال لي : أريد يزال ما عليّ من وسخ ، وثوب (٤) نظيف ، ورائحة طيّبة ، وطعام (٥) طيب ، فقلت : هات يدك ، فأدخلته معي الحمام فنظّفته وتقلدت أنا خدمته ، وأخرجته إلى ثوب من ثيابي ، وأحضرت طعاما طيّبا وطيبته ، وقلت : لك من حاجة؟ فقال لي : جبرك الله ، ومات ، فكفّنته ودفنته ، فلمّا كان العصر خرجت إلى الله في عباءة.

أنبأنا أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عبد العزيز المكي ، أنبأنا الحسين بن يحيى بن إبراهيم بن الحكاك ، أنبأنا الحسين (٦) بن علي بن محمّد الشيرازي ، أنبأنا علي بن عبد الله بن الحسن الهمذاني (٧) ، حدّثنا أبو محمّد جعفر بن محمّد بن نصير (٨) بن القاسم ، أخبرني محمّد ابن أيوب ، عن أبي الحارث الأولاسي قال :

رأيت في منامي كأني واقف بين يدي الله عزوجل ، فقال لي : يا عبدي ، سل حاجتك ، فقلت : يا ربّ تعلم حاجتي ، فقال : أنا أعلم ، وكيف لا أعلم وأنا كوّنتها وكنيتها (٩) في صدرك؟ ولكن أحبّ أن أسأل والمسارعة في اتّباع محبتي منك أولى بك من التعلّق بمحبتك ، أسرع وأسبق منك إليّ أن بدأت بتركيبها في قلبك من قبل أن تعقلها (١٠) ، وأطلقت لسانك بمسألتها عندي ، اجمع بين مرادي من الأمور كلها وبين مرادك مني ، فإن يكن مخالفا لمرادي فإنك لن تزال في دهرك منقطعا (١١) عني ، فابتغ عندي محابّيّ من الأمور ، وإن حالف منك

__________________

(١) بالأصل وم : «غديت» وفي «ز» : عديت.

(٢) كذا بالأصل ، وفي م وز : العامين ، تصحيف ، والقامين ، وفي القاموس : القمين : أتون الحمام.

(٣) كذا بالأصل والمختصر ، وفي م وز : الرمل.

(٤) كذا بالأصل وم والمختصر ، وفي «ز» : «وثوبا نظيفا» وهو الصواب.

(٥) كذا بالأصل وم والمختصر ، وفي «ز» : «وطعاما طيبا» وهو الصواب.

(٦) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : «الحسن» ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٨ / ٦٨ وفيها : «الحسن».

(٧) بالأصل : الهمداني ، تصحيف ، والتصويب عن م ، وز.

(٨) بالأصل : «منصور» وفي «ز» : «نصر» والتصويب عن م. ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٥ / ٥٥٨.

(٩) كذا بالأصل ، وفي م وز : وكمنتها.

(١٠) الأصل : «تعلقها» تصحيف ، والتصويب عن م ، وز.

(١١) بالأصل وم : منقطع ، تصحيف ، والتصويب عن «ز».

٢٦

المحبة ، اجهد بدنك ، واحذر الخلاف في اتباع الهوى بحبّ دار أبغضتها وحذّرتكها ، وأخرج قلبك منها ، وكن فيها حذرا ، فإنّ متاعها قليل ، والعيش فيها قصير ، وتقرّب إليّ ببغضها وبغض أهلها ، وكن متحرزا منها ومن أهلها ، وقف بين يديّ مقام من أسقط نفسه وحيلته وتعلّق بمالكه.

أخبرنا أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي في كتابه ، أنبأنا أبو بكر المزكي ، أنبأنا أبو عبد الرّحمن السّلمي قال : سمعت أبا بكر محمّد بن عبد الله يقول : سمعت أبا الحارث الأولاسي يقول :

رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في النوم كأنه معرض عني ، فقلت : ما أعرضك عني؟ بأبي وأمي ، فقد فهمت عنك ما أمرتني ولكن أخاف أن أكون قد حرمت التوفيق ، فقال : لا ، ولكن ليس ثم داعية تحركك لطلب ، ولا رهبة تقلقك لهرب ، فأنت بين الآمال الكاذبة متردد حيران قد أطلت الأمل وسوّفت العمل. قلت : فمن الآن فأوصني فقال : عليك بالقلّة ووار (١) شخصك ، وكن حلسا من أحلاس بيتك ، فقد أمسى وأصبح كثير من الناس في أمر مريج (٢) وإنك إن تتبع أهواءهم وتلتمس رضاهم يضلّك عن سبيل ربك ، وهو الخسران المبين.

أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي ، أنبأنا سهل بن بشر ، أنبأنا أبو عبد الله الحسين (٣) بن عبد الكريم الجزري ـ بمكة (٤) ـ أنبأنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن جهضم ، حدّثنا أبو الحسن محمّد بن أحمد الورّاق ، حدّثنا الحسن بن علي بن خلف ، عن أبي الحارث الأولاسي (٥) قال :

رأيت في المنام كأني في صحراء بين جبال وكأن مناديا ينادي : الباب ، الباب ، الباب ـ من وراء تلك الجبال ـ أيها الناس هلمّوا وأسرعوا ، فإنّا نريد غلق الباب ، والناس فيما هم فيه من الشغل والضّجّة ما يشعرون (٦) بالنداء إلّا نفر يسير ، خيل ورجّالة ، فجعلوا يسعون ويركضون نحو النداء ، وقيّض الله تعالى لي فرسا عربيا فركبته ، وجعل يجري بي أشد جري ،

__________________

(١) كذا بالأصل وم وز ، وفي المختصر : ووان.

(٢) بدون إعجام بالأصل ، والإعجام عن م وز. والأمر المريج : المضطرب ، والقلق.

(٣) مرّ قريبا في «ز» : «الحسن» وجاء فيها هنا مثل الأصل وم : الحسين.

(٤) أقحم بعدها بالأصل : «أنبأنا أبو الحسن بن عبد الكريم الجزري بمكة».

(٥) في «ز» : «الأوسي» تصحيف.

(٦) كذا بالأصل ، وم ، وز : «يشعرون» والوجه : يشعر.

٢٧

وأنا أتخوف أن أسقط منه ، حتى أتى بي على وحلة ، فخفت أن يقف بي في تلك الوحلة ، فجعل لا يزداد إلّا شدة الجري في ذلك الوحل حتى خرج منه ، ثم إنه أتى بي إلى عقبة صعبة ، فخفت أن يقوم فرسي ، فما أزداد إلّا سرعة حتى علا بي رأس العقبة ، وأشرفت على المنادي وكأنه جالس على رأس العقبة ، عليه ثياب بياض ، منكس الرأس وهو يقرأ (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ)(١) وجعل ينكث الأرض كأنه حزين ، فقلت له : يا هذا ما لي أراك حزينا؟ فقال : أما ترى ما في الأرض؟ فاطّلعت ، فرأيت سوادا متراكبا وضجّة شديدة ، فقلت : ما هذا السواد؟ وما هذه الضجة؟ فقال : أما السواد فهي الفتن ، وأمّا الضّجة فالهرج الهرج (٢) ، قلت : رحمك الله فالمخرج من ذلك؟ قال : أربعة : لسانك ، وبدنك ، وبطنك ، وفرجك ، فأمّا لسانك فتمسكه عن الكلام إلّا من ثلاثة : ذكر دائم ، ورد سلام ، أو حاجة لا بدّ منها ، فأما يديك فتمسكهما عما ليس لك فيه حق ، وتحذر المعاونة بهما ، وأمّا بطنك فلا تدخله إلّا حلال ، وكذلك فرجك ، فإن لم تجد فالقلّة القلّة ، كل الدون والبس الدون ، وأربع الأخذ بهن : الحزم في زمانك ، لا تقل لأحد اذهب ، ولا قم ، ولا كل ، ولا لا تأكل ، ولا اعمل ، ولا لا تعمل ، ولا هذا حلال ، ولا هذا حرام ، قلت : أما الصمت فإني أجهد نفسي فيه ، وأمّا الناس فأعاهد الله على أن لا أقول شيئا من ذلك إلّا أن أكون ناسيا ، وأمّا القلة فمن المطعم واللباس فإنه يصعب علي ، وأرجو [أن](٣) يعين الله تعالى عليه فجعل يقول : يصعب علي أفلا يصعب عليك طول القيام بين يدي الله وعسر الحساب؟ أم والله لو اتقيت لصدقت ، ولو صدقت لاتقيت ، ولو اتقيت لخفت ، ولو خفت لحذرت ، ولو حذرت لجانبت القلّة القلّة ، الخفّة الخفّة ، الصمت الصمت ، الهرب الهرب ، النجاء النجاء ، الوحاء الوحاء ، الباب الباب ، لجوا فيه قبل أن يغلق دونكم ، فتحل بكم الندامة.

كتب إليّ أبو الحسن الفارسي ، أنبأنا أبو بكر المزكي ، أنبأنا أبو عبد الرّحمن السلمي قال : سمعت علي بن سعيد يقول : سمعت أحمد بن عطاء يقول : سمعت أبا صالح يقول : سمعت أبا الحارث يقول : سمع سري من لساني (٤) ثلاثين سنة ، وسمع لساني من سرّي ثلاثين سنة.

__________________

(١) سورة الأنبياء ، الآية الأولى.

(٢) كذا بالأصل وم وز ، وفي المختصر : فالهرج المرج.

(٣) سقطت من الأصل وم وز.

(٤) كذا بالأصل وز ، وفي م : كيساني ، وفوقها ضبة.

٢٨

قال : وأنبأنا السّلمي قال : سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت سعيد بن حاتم يقول : قال أبو الحارث الأولاسي : من اشتغل بما لم يكن فكان ، فاته من لم يزل ولا يزال.

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن أبي الحسن (١) بن أحمد بن أبي منصور الشاه البامنجي بيامين (٢) ، أنبأنا أبو القاسم هبة الله بن عبد الوارث بن علي بن أحمد الشيرازي الحافظ ، أنبأنا أبو محمّد هيّاج بن عبيد بن الحسن (٣) الشيخ الصالح الفقيه ، أنبأنا أبو أحمد محمّد بن أحمد ابن سهل ، أنبأنا أبو الحسن علي بن محمّد الجلاء ، حدّثنا أبو بكر بن داود (٤) ، حدّثنا أبو الحارث الأولاسي قال :

كتب إلي بعض إخواني : أيش تشتهي من هذه الدنيا؟ فقلت : أشتهي وجها مصفرّا ، وخدّا معفّرا ، ودمعا مقطّرا ، وطمرا مشمّرا ، وعيشا مكدّرا ، وقلبا منورا كالقنديل يزهر ، وقوتا مقتّرا ، قال : فكتب إلي : يا أخي ما أحسن ما اشتهيت من هذه الدنيا ، ولكن ما أحسن الليل على الساجد ، والاتصال بالماجد ، والزهد على الزاهد أحسن من الحلي على الناهد ، ثم قال : يا أخي احفظ الله في خفيّ كلّ نظرة ، وفتّش كلّ لقمة ، وزن كل خطوة ، وانتخب (٥) الأحوال ، وأحبّ كلّ أخ صحيح المودة ، ثم قال : يا أخي من عرف الله عاش ، ومن أحبّ الدنيا طاش ، والأحمق يغدو أو يروح في لاش ، والعاقل لذنوبه فتّاش.

قرأت على أبي يعلى حمزة بن أحمد بن فارس ، عن أبي الفتح نصر بن إبراهيم ، أنبأنا أبو نصر أحمد بن علي بن عبيد الله السلمي ، أنبأنا أبو الحسن بن جهضم ، حدّثنا أبو بكر محمّد بن داود ، حدّثني محمّد بن إسماعيل الفرغاني قال : سمعت أبا الحارث الأولاسي يقول :

دخلت مسجد طرسوس فرأيت فتيّين (٦) يتكلمان في علم الأنفة (٧) وسوء أدب الخلق ، وحسن صنيع الله تعالى إليهم ، ويذمّان نفوسهما في ما يجب لله تعالى عليهما ، فقال أحدهما لصاحبه : يا أخي قد تحدّثنا في العلم فتعال : حتى نعامل الله به ، فيكون لعلمنا فائدة ومنفعة.

__________________

(١) الأصل : الحسين ، تصحيف والتصويب عن م وز ، قارن مع المشيخة ٥ / أ.

(٢) كذا بالأصل وم وز : وكتب في المشيخة أنها من ناحية هراة. وكتب على هامش «ز» : بيامنجين.

(٣) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : الحسين.

(٤) في م وز : يزداد.

(٥) إعجامها مضطرب بالأصل ، والتصويب عن م وز.

(٦) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : اثنين.

(٧) كذا بالأصل وم وز.

٢٩

فعزما على أن لا يتناولا (١) شيئا مسّته أيدي بني آدم ولا ما للخليقة فيه صنع.

قال أبو الحارث الأولاسي : فقلت : وأنا معكما؟ فقالا : إن شئت ، فخرجنا من طرسوس وجئنا إلى جبل لكام (٢) ، فأقمنا فيه ما شاء الله تعالى ، قال أبو الحارث : أما أنا فضعفت نفسي ، وقام العلم بين عيني لئن متّ على ما أنا عليه متّ ميتة جاهلية ، فتركت صاحبي ورجعت إلى طرسوس ولزمت ما كنت أعرفه من صلاح نفسي ، وأقام [صاحباي](٣) باللكام سنة ، فلما كان بعد مدة دخلت المسجد فإذا أنا بأحد الفتيين جالسا في المسجد ، فسلّمت عليه ، فقال : يا أبا الحارث خنت الله تعالى عهدك ، ولم تف به ، أما إنك لو صبرت معنا أعطيت ثلاثة أحوال ، وقد أعطينا ، فقلت : وما الثلاثة؟ قال : طيّ الأرض ، والمشي على الماء ، والحجبة إذا أردنا ، واحتجب عني عقيب كلامه ، فقلت : بالذي أوصلك إلى ما قد رأيت إلّا ظهرت لي حتى أسألك عن مسألة فظهر لي ، وقال : سل يا أبا الحارث وأوجز ، فقلت له : كيف لي بالرجوع إلى هذه الحالة؟ ترى إن رجعت قبلت؟ فقال : هيهات يا أبا الحارث ، بعد الخيانة لا تقبل الأمانة فكوى قلبي بكيّة ، لا تخرج من قلبي حتى ألقى الله عزوجل.

أخبرنا أبو المظفّر بن القشيري ، أنبأنا أبي الأستاذ أبي القاسم (٤) قال : سمعت الشيخ أبا عبد الرّحمن السلمي يقول : سمعت محمّد بن عبد الله بن شاذان يقول : سمعت أبا بكر النهاوندي يقول : سمعت عليا السائح يقول : سمعت أبا الحارث الأولاسي يقول :

رأيت إبليس في المنام على بعض سطوح أولاس ، وأنا على سطح وعلى يمينه جماعة ، وعلى يساره جماعة وعليهم ثياب لطاف (٥) ، فقال لطائفة منهم : قولوا ، فقالوا وغنوا فاستفرغني طيبه ، حتى هممت أن أطرح نفسي من السطح ، ثم قال : ارقصوا فرقصوا أطيب ما يكون ، ثم قال لي : يا أبا الحارث ما أصبت شيئا أدخل به عليكم إلّا هذا.

قال القشيري : وقال أبو الحارث الأولاسي مكثت ثلاثين سنة ما يسمع لساني إلّا من سري ، ثم تغيّرت الحال فمكثت ثلاثين سنة لا يسمع سري إلّا من ربّي.

__________________

(١) بالأصل : «بتا» خطأ ، والتصويب عن «ز» ، وم.

(٢) جبل لكام : هو الجبل المشرف على أنطاكية وبلاد ابن ليون والمصيصة وطرسوس (راجع معجم البلدان).

(٣) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك للإيضاح عن «ز» ، وم.

(٤) الخبر في الرسالة القشيرية ص ٣٤٩ (ط بيروت).

(٥) كذا بالأصل وم وز ، وفي الرسالة القشيرية : ثياب نظيفة.

٣٠

أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عبد العزيز في كتابه ، أنبأنا الحسين بن يحيى بن إبراهيم بن الحكاك ـ بمكة ـ أنبأنا الحسن (١) بن علي بن محمّد الشيرازي ، أنبأنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن جهضم ، حدّثنا أبو الحسن محمّد بن أحمد بن الناقد ، حدّثنا الحسن بن خلف قال : قال لي أبو الحارث الأولاسي فيض بن الحارث :

رأيت إبليس له جمّة شعر ، وعلى حلقه شعر مثل شعر الكلب ، فأقبلت عليه أتملّقه وأقول له : ويحك من أنا في هذا الخلق؟ خلّني وربي ، لا تعترض فيما بيني وبين ربي ، فقال : هيهات ، هيهات كيف أخلّيك ، وفيك وفي أبيك هلكت ، لا أو تهلكوا معي ، قال : فأخذت برأسه فجعلته على حجر ، وأخذت بحلقه أخنقه ، ثم قلت : كيف أقدر على قتله وقد أخره الله إلى يوم القيامة ، ولكن أرفق بك ، فجعلت أتملقه وهو يأبى فقلت له : دلّني على ما ينفعني ، فقال : أدلك على السكر الطّبرزد بالرانج (٢) ، وتمر برني (٣) والأزاز بالزبد ، وأدلك على الجبن الرطب ، والمعقود والبط ، والحملان ، والجوذابات (٤) وأدلك على الدراهم والدنانير تكثر منها. فقلت له : يا ملعون ، أنا أسألك تدلني على شيء ينفعني في أمر آخرتي ، تدلني على الدنيا ، وما أصنع أنا بهذا وما حاجتي إليه؟ فقال : من هاهنا صار رأسي وحلقي في يدك تقلّبه كيف شئت ، وتلعب به. قلت : قد أفدتني علما لا جرم إنّي لأرجو أن لا أنال منها شيئا إلّا ما غناء بي عنه ، فقال : إن تركتك فاصعد العقبة قلت : فأين الله عزوجل؟ قال : في السماء ، هو الذي سلطني عليك ، فيه قويت عليك وعلى غيرك ، وأمّا أنت فأستعين الله عليك بولد جنسك الذي زيّنت في أعينهم ما قبح في عينيك ، فأجابوني إليه ، فبهم أستعين عليك فيأتونك من مأمنك.

أنبأنا (٥) أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل (٦) ، أنبأنا أبو بكر المزكي ، أنبأنا أبو عبد الرّحمن السّلمي ، أخبرني أبو زرعة الطبري ـ إجازة ـ قال :

مات أبو الحارث الأولاسي واسمه الفيض بن الخضر بطرسوس سنة سبع وتسعين ومائتين.

__________________

(١) الأصل وم : الحسين ، والمثبت عن «ز» ، قارن مع ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٨ / ٦٨.

(٢) الرانج : الجوز الهندي ، وقيل نوع من التمر أملس. (راجع تاج العروس : رنج).

(٣) البرني والأزاذ : نوعان من التمر (راجع تاج العروس : برن ـ أزذ).

(٤) الجوذابات : طعام يتخذ من سكر ورز ولحم (تاج العروس).

(٥) كتب فوقها في م : مساواه.

(٦) كذا بالأصل ، وفي م : «ابن أسعد» وفي «ز» : «ابن محمد» قارن مع مشيخة ابن عساكر ١٢٠ / ب.

٣١

٥٦٤٤ ـ فيض بن عنبسة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي

قتل مع من قتل من أهل بيته يوم نهر أبي فطرس.

له ذكر.

٥٦٤٥ ـ فيض بن محمد الثقفي

له ذكر.

أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر ، أنبأنا أبو حامد أحمد بن الحسن ، أنبأنا أبو سعيد بن حمدون ، أنبأنا أبو حامد بن الشّرقي ، حدّثنا محمّد بن يحيى الذهلي ، حدّثنا أبو صالح عن الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب.

في رجل حلّفه السلطان ، بالطلاق (١) فسأله على أمر يخاف فيه على نفسه القتل ، فيحلف ما فعل ، وقد فعل ذلك الأمر؟ قال : يجوز عليه الطلاق ، قد قضى عمر بن عبد العزيز في الفيض بن محمّد الثقفي في امرأته ابنة النعمان بن بشير فرّق بينهما عمر حين حلف الفيض لابن المهلّب وهو يعذبه ليؤدّينّ إليه المال إلى أجل قد سمّاه ، فلم يؤده إليه. قال عمر : ما أنا براجعها إليك بعد أن طلّقتها ، ثم أتى يزيد بن عبد الملك في ذلك ، فحكم فيه بحكم عمر بن عبد العزيز.

٥٦٤٦ ـ فيض بن محمّد بن الفياض الغساني

حكى عن يحيى بن حمزة ، ومنبه بن عثمان.

حكى عنه ابنه محمّد بن الفيض بن محمّد.

أنبأنا أبو محمّد بن الأكفاني ، حدّثنا عبد العزيز الكتاني ، أنبأنا تمام بن محمّد ، حدّثنا محمّد بن سليمان ، حدّثنا محمّد بن الفيض قال : سمعت أبي يقول :

رأيت يحيى بن حمزة الحضرمي وهو جالس في مجلس القضاء عند الدرج ـ درج المسجد ـ وهو يكتب محضرا ومنادي (٢) على الدرج ينادي على متاع : عشرين ودانق ، عشرين ودانق ، فاشتغل ، قلت ؛ يحيى ، فكتب عشرين ودانق ، عشرين ودانق ، في سطرين ، ثم

__________________

(١) كذا بالأصل وم وز ، وفي المختصر : السلطان بالسلطان.

(٢) كذا بالأصل وم وز : ومنادي ، بإثبات الياء.

٣٢

استفاق فقام إليه ، فأخذ بأذنيه ، فجعل يعرك أذنيه (١) ويقول له : عشرين ودانق عشرين ودانق ، وذاك يضج ثم خلّاه.

قال أبو الحسن : فما ينبغي لأحد أن يحدّث إنسانا وهو يكتب ، فيدهشه عن كتابه فيغلط.

__________________

(١) كذا بالأصل ، وز ، وم ، وفي المختصر : فجعل يعركهما.

٣٣

حرف القاف

[ذكر من اسمه](١) قابيل

٥٦٤٧ ـ قابيل ، ويقال : قابن (٢)

ويقال : قاين ، أيضا (٣)

وهو قابيل بن آدم أبي البشر الذي قتل أخاه (٤).

كان يسكن قينية (٥) باب خارج باب الجابية ، وإنه قتل أخاه في جبل قاسيون عند مغارة الدم (٦).

أخبرنا أبو منصور عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الواحد ، أنبأنا أبو بكر الخطيب قال : قاين بياء منقوطة باثنتين من تحتها هو : قاين بن آدم أبي البشر المعروف بقابيل قاتل أخيه هابيل ، وقد ذكر الله قصتهما في كتابه فقال : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِ) الآيات (٧) كلها إلى آخر القصّة.

__________________

(١) زيادة منا للإيضاح.

(٢) كذا بالأصل ، وفي م وز : قابين.

(٣) راجع أخباره في تاريخ الطبري (الفهارس) ، والبداية والنهاية (١ / ١٠٣) والكامل لابن الأثير ١ / ٥٤ والمعارف ص ٩ ، ومروج الذهب ١ / ٣٠.

(٤) اختلف في ابني آدم : قال الحسن البصري ليسا لصلبه ، كانا رجلين من بني إسرائيل ، ورد عليه ابن عطية قال : هذا وهم (التفسير الكبير للرازي ١١ / ٢٠٤) قال القرطبي : الصحيح أنهما ابناه لصلبه ، هذا قول الجمهور من المفسرين ٦ / ١٣٢.

(٥) بالأصل : «قنية» وبدون إعجام في م ، والمثبت عن «ز» ، وقينية : قرية كانت مقابل الباب الصغير من مدينة دمشق (معجم البلدان).

(٦) قال القرطبي في تفسيره ٦ / ١٣٩ قال ابن مسعود وابن عباس : في ثور ـ جبل بمكة ـ وقيل عند عقبة حراء ، حكاه الطبري ، وقال جعفر بن محمد الصادق رضي‌الله‌عنه ، بالبصرة في موضع المسجد الأعظم ، ويقال قتله بأرض الهند ، ثم هرب إلى أرض عدن من اليمن وانظر تفسير الرازي ١١ / ٢٠٨.

(٧) سورة المائدة ، الآيات من ٢٧ إلى ٣١.

٣٤

أخبرنا أبو نصر محمّد بن حمد بن عبد الله الكبريتي ، أنبأنا أبو مسلم محمّد بن علي بن محمّد بن مهرابزد ، أنبأنا أبو بكر بن المقرئ ، حدّثنا أبو عروبة ، حدّثنا سليمان بن سيف ، عن سعيد بن بزيع ، عن محمّد بن إسحاق قال :

كان أكبر ولد آدم قابيل وتؤمه.

قرأت على أبي محمّد عبد الكريم بن حمزة ، عن عبد العزيز بن أحمد ، أنبأنا تمام بن محمّد ، أنبأنا أحمد بن عبد الله بن الفرج ، حدّثنا إبراهيم بن مروان قال : سمعت أحمد بن إبراهيم بن ملاس يقول : سمعت عبد الرّحمن بن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر قال :

كان قابيل في قينية وكان صاحب زرع.

الصواب عبد الرّحمن بن يحيى بن إسماعيل.

أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن محمّد بن الفضل ، أنبأنا المطهّر بن محمّد الصّحّاف ـ إملاء ـ حدّثنا أبو سعيد محمّد بن علي بن عمرو ، حدّثنا أحمد بن الحسين (١) بن أيوب ، حدّثنا عمران بن عبد الرحيم ، حدّثنا عبد السلام بن مطهّر ، حدّثنا هرمز (٢) ، عن أنس بن مالك ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«أوحى الله إلى آدم : أن يا آدم حجّ هذا البيت قبل أن يحدث بك حدث الموت ، قال : وما يحدث عليّ يا ربّ؟ قال : ما [لا](٣) يدرى ، وهو الموت ، قال : وما الموت؟ قال : سوف تذوق ، قال : من أستخلف في أهل الأرض؟ قال : أعرض ذلك على السموات والأرض والجبال ، فعرض على السموات ، فأبت ، وعرض على الأرض فأبت ، وعرض على الجبال فأبت ، وقبله ابنه ، قاتل أخيه ، فخرج آدم من أرض الهند حاجّا فما ترك منزلا أكل فيه وشرب إلّا صار عمرانا بعده. وجرى حتى قدم مكة ، فاستقبلته الملائكة بالبطحاء ، فقالوا : السلام عليك يا آدم ، برّ حجك ، أمّا إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام» قال أنس : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والبيت يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان ، من يطوف يرى من في جوف البيت ، ومن في جوف البيت يرى من يطوف ، فقضى آدم نسكه ، فأوحى الله تعالى إليه : يا آدم قضيت نسكك ، قال : نعم يا ربّ ، قال : فسل حاجتك تعط ، قال : حاجتي أن تغفر لي ذنبي وذنب

__________________

(١) في م ، وز : الحسن.

(٢) في م وز : نا أبو هرمز.

(٣) زيادة عن م وز.

٣٥

ولدي ، قال : أما ذنبك ، يا آدم ، فقد غفرناه حين وقعت بذنبك ، وأما ذنب ولدك فمن عرفني ، وآمن بي ، وصدّق رسلي وكتابي غفرنا له ذنبه» [١٠٤٨٣].

أنبأنا أبو الحسن علي بن بركات بن إبراهيم الخشوعي ، حدّثنا أبو بكر أحمد بن علي ابن ثابت ، أنبأنا محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد ، أنبأنا عثمان بن أحمد بن عبد الله ، وأحمد بن سندي (١) بن الحسن ، قالا : حدّثنا الحسن بن علي القطّان ، حدّثنا إسماعيل بن عيسى ، أنبأنا إسحاق بن بشر قال : وأخبرني مقاتل ومحمّد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد ابن المسيّب.

أن الله أمر آدم أن يفرّق في النكاح من كل بطن هذا لتلك ، وتلك لهذا ، حتى كان أمر هابيل وقابيل.

قال : وأخبرني مقاتل وابن سمعان عن عطاء ، عن ابن عباس.

قال : وأخبرني أبي أيضا عن غير ابن عباس يبلغان به عبد الله بن سلام.

قال : وحدّثني سعيد بن أبي عروبة يبلغ به كعبا قال : كلّ ذكروا حديث هابيل وقابين وزاد بعضهم على بعض قالوا :

ولدت حواء مع قابين جارية يقال لها لوذا (٢) ، أجمل بنات آدم ، وولد مع هابيل جارية يقال لها إقليميا ، فخطبا إلى أبيهما ، فقال : أنكحتك يا هابيل لوذا ، وقال لقابين. ـ ويقال قابيل : والله أعلم ـ زوّجتك إقليميا ، فقال قابين : ما أرضى بهذه ، أختي أجمل (٣) ، فقال آدم : إنّ الله أمرني أن أفرّق بينكما في النكاح ، فإن كنت لا ترضى فقرّبا قربانا ، فقربانكما سيقضي بينكما ، قال : وكيف يقضي بيننا؟ قال : من يقبل قربانه فهي له.

قال إسحاق : وأما ما زاد فيه (٤) مقاتل : قال آدم لجبريل : يا جبريل أليس تاب الله عليّ؟ قال : بلى ، قال : فما لي لا أسمع خفق أجنحة الملائكة كما كنت أسمعها في الجنّة؟ قال : فانطلق جبريل إلى الله وذلك بغيته (٥) فقالت الملائكة : يا ربّ ما فعل عبدك الذي خلقته بيدك

__________________

(١) في «ز» : سيدي.

(٢) في مروج الذهب : «لويذاء» وفي تفسير القرطبي : ليوذا.

(٣) كذا بالأصل وقيل إن كرهه هذا الأمر ، ورغبته بأخته عن هابيل أنه قال : نحن من ولادة الجنّة وهما من ولادة الأرض فأنا أحق بأختي. (راجع الكامل لابن الأثير ١ / ٥٥).

(٤) كتبت تحت الكلام بين السطرين بالأصل.

(٥) إعجامها ناقص بالأصل وم ، والمثبت عن المختصر ، وفي «ز» : بقينية.

٣٦

وأمرتنا له بالسجود وأسكنته الجنة؟ قال : إنّه عصاني فأخرجته من الجنّة ، فاشتاقت الملائكة إلى آدم ، فقال جبريل : يا ربّ ، إن آدم اشتاق إلى الملائكة ، فقال الله : يا جبريل ، إنّ الملائكة قد اشتاقت إلى آدم كما اشتاق آدم إليهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كذلك الأرواح تتعارف» ، قال الله : يا جبريل انطلق بالبيت المعمور فاهبط به إلى الأرض ، وضعه في حرمي ، وقل لآدم يحجّه ، ويوافي ملائكتي هناك ، فجاء جبريل وهما يختصمان ـ قابين وهابيل ـ فأخبر آدم فقال لهما آدم : قرّبا القربان ، قال : وكان قابين صاحب زراعة وهابيل صاحب غنم ، فقرّب هابيل كبشا وكان قائد غنمه ، يقال له رزين (١) ، وهو الكبش الذي فدى الله به إسحاق ، وقرّب قابين من زوان (٢) حرثه. قال : فقرّبا ذلك.

أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنبأنا أبو الحسن بن أبي الحديد ، أنبأنا جدي أبو بكر ، أنبأنا محمّد بن يوسف بن بشر قال : قرئ علي محمّد بن حمّاد ، أنبأنا عبد الرزّاق ، أنبأنا معمر ، عن قتادة في قوله : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ)(٣) قال : هما هابيل وقابيل قال : كان أحدهما صاحب زرع والآخر صاحب ماشية ، فجاء أحدهما بخير ماله ، وجاء الآخر بشرّ ماله ، فجاءت النار فأكلت قربان أحدهما وهو هابيل ، وتركت قربان الآخر ، فحسده فقال : (لَأَقْتُلَنَّكَ)(٤).

وأما قوله : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) فيقول : تبوء بإثم قتلي ، وإثمك ، وأما قوله تعالى : (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ) فإنه قتل غراب غرابا ، فجعل يحثو عليه ، فقال ابن آدم الذي قتل أخاه حين رآه (يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي ، فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)(٥).

أخبرنا أبو الحسن علي بن بركات بن إبراهيم في كتابه ، حدّثنا أبو بكر أحمد بن علي ، أنبأنا أبو الحسن بن رزقوية ، أنبأنا أبو عمرو الدقاق ، وأبو بكر الحداد ، قالا : أنبأنا الحسين (٦)

__________________

(١) كذا رسمها بالأصل وم وز ، وفي المختصر : رذين.

(٢) بدون إعجام في م ، وفي «ز» : ذوان ، وفوقها ضبة والزوان : حب يخالط البر كما في الصحاح ، وفي التاج : هو ما يخرج من الطعام فيرمى به ، وهو الرديء منه.

(٣) سورة المائدة ، الآية : ٢٧ إلى ٣١.

(٤) قال له ذلك حتى لا ينكح أخته ، راجع البداية والنهاية والكامل لابن الأثير.

(٥) سورة المائدة ، الآية : ٢٧ إلى ٣١.

(٦) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : الحسن.

٣٧

بن علي القطان ، حدّثنا إسماعيل العطار ، أنبأنا إسحاق بن بشر قال : وحدّثني غير مقاتل من هؤلاء المسمّين.

أنّ هابيل قرّب مع الكبش زبدا ولبنا ، فكانت النار تجيء من السماء نارا بيضاء ، فإذا أراد الله أن يقبل قربان عبد جاءت النار حتى أحاطت بالقربان وصاحبه ، فتشمّ صاحب القربان ، ثم تعدل إلى القربان فتأكله ، وإذا لم يتقبل الله قربان العبد جاءت النار حتى أحاطت بالقربان فشمّته ، ثم عدلت عنه فلم تأكله ، قال : فجاءت النار ، فأحاطت بهابيل وقربانه فشمّت هابيل ثم عمدت فأكلت قربانه ، ثم جاءت حتى أحاطت بقربان قابين فشمته ثم عدلت عنه فلم تأكله ، قال قابين : قبل قربانك ولم يتقبّل قرباني لأقتلنك أو تعتزل أختي وتدعها ، قال : لا أفعل ، (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ـ يعني ـ الذين يتّقون سفك الدماء الحرام.

قال : فجاءا (١) إلى أبيهما فأخبراه (٢) فقال لهما : إنّ الله قد فصل بينكما ، فلا تشغلاني ، ودعاني حتى انطلق فأقضي نسكي ، فإنّ ربي أمرني أن أوافي الملائكة هناك ، وقد زوّجتكما. فمضى آدم ، فقال قابين : لا أمشي في الناس ، ويقول إخوتي : إنّ هابيل خير منك ، فأراد قتله فخاطبه أخوه يوما إلى أن ذهب أكثر ذلك اليوم ، فقال : اتّق الله يا أخي لا تقتلني ، فقد علمت ما نزل بآدم حين عصا ربّه ، إنّك إن قتلتني ألقى الله عليك الوحشة والذلّة (٣) ، وصرت طريدا لا ترى شيئا إلّا راعك ، ولا تسمع صوتا إلّا خفت ، فأبى إلّا قتله ، فقال له أخوه : (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) ـ يعني ـ تستوجب بإثمي ـ يعني ـ بإثم قتلي ، فإثمك الذي عملت (فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ ، وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) يقول الله عزوجل : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٤).

أخبرنا أبو البركات بن المبارك ، أنبأنا أحمد بن الحسن بن خيرون ، أنبأنا أبو القاسم بن بشران ، أنبأنا أبو علي بن الصّوّاف ، حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، حدّثنا داود العطار ، عن ابن خثيم (٥) ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال :

__________________

(١) بالأصل : فجاء ، والتصويب عن م وز.

(٢) بالأصل : فأخبره ، والتصويب عن م وز.

(٣) كذا بالأصل ، وفي م وز : والمذلة.

(٤) سورة المائدة إلى آخر الآية ٣٠.

(٥) بالأصل وم وز : خيثم ، تصحيف ، والصواب ما أثبت بتقديم الثاء المثلثة ، وهو عبد الله بن عثمان بن خثيم القاري المكي ترجمته في تهذيب الكمال ١٠ / ٣٢٤.

٣٨

الصخرة التي بمنى بأصل ثبير هي الصخرة التي ذبح عليها إبراهيم فداء إسحاق ابنه ، هبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء ، فذبحه قال : وهو الكبش الذي قرّبه ابن آدم فتقبّل منه ، كان مخزونا حتى فدى به إسحاق ، وكان ابن آدم الآخر قرّب حرثا فلم يتقبّل منه.

أنبأنا أبو الحسن الخشوعي ، حدّثنا أبو بكر الخطيب ، أنبأنا أبو الحسن بن رزقوية (١) ، أنبأنا عثمان بن أحمد ، وأحمد بن سندي ، قالا : أنبأنا الحسن بن علي ، حدّثنا إسماعيل بن عيسى ، حدّثنا إسحاق بن بشر ، عن عثمان بن السّاج ، أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم (٢) ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير قال ابن خثيم (٣) : خرجت معه ـ يعني ـ سعيد بن جبير من منزله بأسفل منى ، وسعيد متكئ على يده عامدا إلى الجمرة حتى إذا حاذى منزل بني مضرس من منى قال لي : يا عثمان ـ ووقف ـ إنّ هذا الصفا بأصل ثبير حذاء أبيات بني مضرس فإن ابن عباس أخبرني أن عليه تل إبراهيم إسحاق للجبين ، وأنه أنزلت ذبيحته من رأس ثبير يشتدّ حوله حتى قام عند إبراهيم فذبحه ، وهو كبش أفزع أعين ، وهو قربان ابن آدم تقبّل منه ، وكان عند الله مخزونا حتى فدى به إسحاق ، وكان شأن ابن آدم أنهم كانوا رجلين وامرأتين وكانوا توأمين رجل وامرأة في بطن ، ورجل وامرأة في بطن ، وكان أحد الرجلين حراثا والآخر راعي غنم ، وكانت أخت الحراث امرأة حسناء ، وكانت أخت الراعي امرأة قبيحة ، فقال راعي الغنم : أنكحني أختك وأنكحك أختي ، فقال : لا ، إنّما تريد أن تستأثر بأختي لحسنها ، قال : لو كان ذاك أبعد فيما بيننا كان هو أحسن ، فهلم نقرّب قربانا ، أينا تقبّل قربانه اتّبع الآخر أمره ، فقرّبا قربانهما فصيّر الحراث كومة من طعامه وربط الراعي كبشا من غنمه ، فأصبحا فغدوا على قربانهما فوجدا (٤) الكبش قد تقبّل وهو ذبيحة إسحاق عليه‌السلام الذي فدى به.

أخبرنا أبو المظفّر عبد المنعم بن عبد الكريم القشيري ، أنبأنا أبي الأستاذ الإمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن ، أنبأنا أبو الحسن الأهوازي ، أنبأنا أحمد بن عبيد البصري ، حدّثنا إسماعيل بن الفضل ، حدّثنا يحيى بن مخلد ، حدّثنا معافى بن عمران ، عن الحارث بن شهاب ، عن معبد ، عن أبي قلابة ، عن ابن مسعود قال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

__________________

(١) بالأصل : زرقويه ، بتقديم الزاي تصحيف ، والتصويب عن م ، وز.

(٢) بالأصل وم وز : خيثم ، تصحيف ، والصواب ما أثبت بتقديم الثاء المثلة ، وهو عبد الله بن عثمان بن خثيم القاري المكي ترجمته في تهذيب الكمال ١٠ / ٣٢٤.

(٣) بالأصل وم وز : خيثم ، تصحيف ، والصواب ما أثبت بتقديم الثاء المثلة ، وهو عبد الله بن عثمان بن خثيم القاري المكي ترجمته في تهذيب الكمال ١٠ / ٣٢٤.

(٤) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : فوجدوا.

٣٩

«ثلاث هنّ أصل كلّ خطيئة فاتقوهن واحذروهن : إياكم والكبر فإن إبليس حمله الكبر على أن لا يسجد لآدم عليه‌السلام ، وإيّاكم والحرص ، فإنّ آدم حمله الحرص على أن أكل من الشجرة ، وإيّاكم والحسد فإنّ ابني آدم إنّما قتل أحدهما صاحبه حسدا» [١٠٤٨٤].

الصواب : الحارث بن نبهان ، والنّضر بن معبد أبو قحذم.

أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن محمّد بن الفضل الحافظ ، أنبأنا محمّد بن عبد الواحد الصّحّاف ، أنبأنا محمّد بن محمّد بن سليمان في كتابه ، أنبأنا أبو الشيخ وهو عبد الله بن محمّد بن جعفر (١) ، حدّثنا أبو العباس (٢) الهروي ، حدّثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدّثنا ابن وهب ، حدّثني الحارث بن نبهان ، عن ابن معبد ، عن أبي قلابة ، عن ابن مسعود أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«ثلاث هنّ أصل كلّ خطيئة فاتقوهن واحذروهنّ ، وثلاث إذا ذكرن فأمسكوا ، إياكم والكبر ، فإنّ إبليس إنّما منعه الكبر أن يسجد لآدم عليه‌السلام ، وإيّاكم والحرص فإنّ آدم إنّما حمله الحرص على أن أكل من الشجرة ، وإيّاكم والحسد فإنّ ابني آدم إنّما قتل أحدهما صاحبه حسدا فهو أول كلّ خطيئة فاتقوهنّ ، واحذروهنّ ، والثلاث [الأخرى](٣) إذا ذكر القدر فأمسكوا ، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا ، وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا» [١٠٤٨٥].

أخبرنا أبو الحسن علي بن بركات بن إبراهيم الخشوعي في كتابه ، حدّثنا الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ، أنبأنا أبو الحسن محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن رزقوية ، أنبأنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله ، وأبو بكر أحمد بن سندي الحداد ، قالا : أنبأنا الحسن بن علي القطان ، حدّثنا إسماعيل بن عيسى العطار ، أنبأنا أبو حذيفة إسحاق بن بشر القرشي قال : قال هؤلاء بإسنادهم.

إنه لم يدر (٤) كيف يقتله ، فأتاه إبليس فقال له : كيف أقتله؟ قال : دعه ينام ، فإذا نام دفع (٥) إليه حجرا (٦) فقال : اشدخ (٧) بهذا رأسه ، قال : ففعل ، فشدخ رأسه وابتلعت الأرض

__________________

(١) ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٦ / ٢٧٦.

(٢) بالأصل : الشيخ ، شطبت بخط وكتب فوقها : «العباس» وفي م ، وز : «أبو العباس» أيضا.

(٣) سقطت من الأصل وم وز ، واستدركت عن هامش «ز» ، وبعدها صح.

(٤) في «ز» : «يدري» وفي م : «يدري» وفوقها ضبة ، تنبيها على أنها خطأ.

(٥) كذا بالأصل ، وفي م : «وقع» وفي «ز» : ارفع.

(٦) فوقها في «ز» : ضبة.

(٧) مكانها بياض في م.

٤٠