تحقيق الأصول - ج ٤

السيّد علي الحسيني الميلاني

تحقيق الأصول - ج ٤

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 964-2501-54-6
ISBN الدورة:
964-2501-52-X

الصفحات: ٤٧٩

والثاني : الحمل. ذهب إليه في (المحاضرات) وادّعى الضرورة عليه.

دليل القول الأول

هو أن المفروض تعلّق الحكم بالوجودات المتعدّدة لا صرف الوجود ، وقد تقدّم أنّ مناط الحمل هو التنافي ، ولا تنافي بين أكرم العالم وأكرم العالم العادل ، بل المطلق قد تعلَّق بمطلق العالم ، والمقيَّد قد تعلّق بحصّةٍ لخصوصية فيها.

دليل القول الثاني

وفي (المحاضرات) ما حاصله : إن الأصل في القيود هو الاحترازيّة ، فالتقييد ب «العادل» احتراز عن غيره ، والوصف وإنْ لم يكن له مفهوم كالشرط ، إلاّ أنه يُوجد التقييد في أصل الطبيعة وإلاّ لزم لغويّة القيد ، فلا بدّ من حمل المطلق عليه.

توضيحه : لقد ذهب السيد الخوئي في الوصف إلى أنّه لا مفهوم له ، فلو قال أكرم العالم العادل ، لم يكن نافياً لوجوب إكرام الهاشمي ، ولا تقع بينه وبين : «أكرم العالم الهاشمي» منافاة ، لكنَّ أثر التقييد بالعادل هو نفي وجوب الإكرام عن طبيعي العالم ، لئلاّ يلزم لغوية التقييد به. وعلى هذا ، فإنّ وجود هذا القيد يمنع من تعلّق وجوب الإكرام بطبيعي العالم بل لا بدّ من حمله عليه.

إشكال الأُستاذ

وأورد عليه الأُستاذ : بأنّ الأمر في الإطلاق البدلي كذلك ، فلما ذا قال هناك بتقدّم المقيَّد على المطلق من باب القرينية ـ تبعاً لاستاذه ـ وهنا يقول بالتقدّم من باب المفهوم فراراً من لزوم اللغويّة؟

(قال) لكنّ الإشكال العمدة هو النقض بمسألة تبعيّة الأداء للقضاء وعدمها ، وذلك : إن القائلين بعدم التبعيّة لمّا استدلّوا بأنّ الصّلاة كانت مقيَّدة

٤٤١

بالوقت ، فلما انقضى انتفى وجوب الصّلاة بانتفاء القيد ، فيحتاج وجوبها في خارج الوقت إلى دليلٍ جديد.

فأشكل السيد الخوئي رحمه‌الله عليهم : بأنكم تقولون بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، والمسألة من صغرياتها ، لأنّه لمّا خرج الوقت يقع الشكّ في أنه كان دخيلاً في وجوب الصّلاة بنحو وحدة المطلوب أو تعدّده ، وحيث أنّ الوجوب قد تعلَّق بالصّلاة الجامع بين المطلق والمقيَّد ، ومتعلَّق الشك بعد الوقت هو وجوب الصّلاة ، فإنّه يستصحب الوجوب ، ولا حاجة إلى أمرٍ جديد.

فيرد على السيّد الخوئي : إنكم تقولون بمفهوم الوصف ـ على الحدّ المذكور ـ والمفهوم من الأدلّة اللفظيّة ، فلمّا قُيد وجوب الصّلاة بالوقت كان مفهوم ذلك انتفاء الوجوب عن طبيعي الصّلاة بخروج الوقت ، ومع وجود هذا الدليل اللّفظي على انتفاء وجوب الصّلاة واحتياج القضاء إلى أمر جديدٍ ، لا تصل النوبة إلى التمسّك بالأصل العملي.

أقول :

السيّد الخوئي يقول بمفهوم الوصف كما تقدم ، والمشهور لا يقولون به.

والمشهور يقولون بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة ، والسيد الخوئي لا يقول به.

فإشكاله على المشهور ـ في مسألة تبعيّة القضاء للأداء ـ ردٌّ عليهم بناءً على ما ذهبوا إليه ، فما ذكره شيخنا غير وارد عليه.

(قال) وأمّا حلّ المطلب ، فإنّ المهمّ فيه فهم أنّ المقيّد إذا قيّد الطبيعة فهل يقيّدها بجميع مراتبها أو على حدّ القيد؟

٤٤٢

لا ريب أنّ كلّ ظاهر حجّة ، وأنّه لا بدّ من التحفّظ على الظهور بقدر الإمكان ، فلمّا قال أكرم العالم ، فإنّه ظاهر في وجوب إكرام مطلق العالم ، والحكم انحلاليّ يجري على كلّ أفراد العالم وينحلّ ويتحقّق هناك إطاعات ومعاصي على عدد العالم ، ثم لمّا قال : أكرم العالم العادل ، فقد ورد عنه حكم وله ظهوره ويجب التحفّظ عليه كذلك ، ولمّا لم يكن الحكم متّحداً ـ بخلاف صورة صرف الوجود ـ والأصل في القيود هو الاحترازية ، يحتمل أنْ يكون قيد العدالة نافياً للحكم من أصله ، فلا وجوب للإكرام بالنسبة إلى طبيعة العالم ، ويحتمل أنْ يكون لإكرام طبيعي العالم مصلحة لكنْ في إكرام العادل مصلحة اخرى ، ومع وجود الاحتمال الثاني لا وجه لانتفاء الإكرام من أصله ، بل العقل حاكم ببقاء الحكم بالنسبة إلى الطبيعة ، وبذلك حصل التحفّظ على الظهور في الدليلين ، والتحفّظ على أصالة الاحترازية في القيود ، ولم تلزم اللغويّة في أخذ القيد ، لأنّه قد أثّر في مرتبة الطلب ... فكان قول المشهور هو مقتضى القاعدة ، وأنّ الصحيح حمل المقيَّد مع الإطلاق الشمولي على المرتبة الأكيدة من الطلب ، لا حمل المطلق على المقيَّد ، كما كان وجوب قضاء الصّلاة كاشفاً عن كون القيد ـ وهو الوقت ـ دخيلاً في مرتبة الطلب لا في أصله ، سواء قلنا بأن القضاء بأمرٍ جديد أو هو بالأمر الأول.

٤٤٣

الكلام في المستحبات

وهل يطرح بحث حمل المطلق على المقيَّد في المستحبات كذلك؟

مقتضى القاعدة هو الحمل إن كان المطلق بنحو صرف الوجود ، بمناط القرينيّة وغيره من المباني المذكورة.

لكنَّ الفقهاء يحملون الأدلّة المقيَّدة في المستحبّات على الأفضلية. وقد ذكروا في توجيه ذلك وجوهاً :

الأول : إن الغالب في المستحبّات هو تفاوت الأفراد بحسب مراتب المحبوبيّة. قاله في (الكفاية) ثم أمر بالتأمّل (١).

ووجهه واضح ، لأنّ غاية ما تفيده الغلبة هو الظن ، لكنّ رفع اليد عن الظهور بمثل هذا الظن مشكل ....

الثاني : إنه مقتضى قاعدة التسامح في أدلّة السنن في أدلّة المستحبّات ، فلا ترفع اليد عن دليل استحباب المطلق بعد مجيء دليل المقيَّد ، بل يحمل على تأكّد استحبابه. قاله في (الكفاية).

إلاّ أنه أشكل عليه في (التعليقة) بقوله : لا يخفى أنه لو كان حمل المطلق على المقيد جمعاً عرفياً ، كان قضيته عدم الاستحباب إلاّ للمقيّد ، وحينئذٍ إنْ كان بلوغ الثواب صادقاً على المطلق ، كان استحبابه تسامحيّاً وإلاّ فلا استحباب له أصلاً. كما لا وجه ـ بناءً على هذا الحمل وبلوغ الثواب ـ يؤكّد الاستحباب في المقيّد.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٥١.

٤٤٤

وقد اختار الأُستاذ هذا الجواب. مضافاً إلى أن المستفاد من أخبار (من بلغ) (١) هو الإرشاد إلى حكم العقل بأنّ الإتيان بالعمل بقصد الرجاء محقق لموضوع الانقياد ، وكلّ من يكون منقاداً فهو مستحق للثواب عقلاً.

وأمّا جواب (المحاضرات) ، من أنه بناءً على تماميّة قاعدة التسامح وفرض صدق البلوغ ، فقد تعلّق الأمر بالمطلق وبالمقيَّد ، وكلّ منهما مستحب ، ولا وجه للحمل على الأفضليّة.

ففيه : إن المفروض كون المطلق بنحو صرف الوجود ، فهو منطبق على المقيَّد ، وحينئذٍ يحصل الاندكاك وهو المرتبة الأكيدة من الطلب.

الثالث : إن الدليل الدالّ على التقييد يتصوّر على أربعة وجوه :

(الأول) أن يكون ذا مفهومٍ ، بمعنى أن يكون لسانه لسان القضيّة الشرطية ، كما لو قال : صلاة الليل مستحبة وهي احدى عشرة ركعة ، ثم قال : إن استحبابها في الإتيان بها بعد نصف الليل. ففي مثل ذلك ، لا مناص من الحمل ، نظراً إلى أن المقيّد ينفي الاستحباب في غير الوقت من جهة دلالته على المفهوم.

(الثاني) أن يكون المقيد مخالفاً للمطلق في الحكم ، كما لو قال : الإقامة للصّلاة مستحبة ، ثمّ نهى عن الإقامة في حال الجلوس. ففي مثل ذلك ، لا مناص من الحمل كذلك ، لكون النهي المذكور إرشاداً إلى المانعيّة.

(الثالث) أن يكون الأمر في المقيَّد متعلِّقاً بالتقييد لا القيد ، كما لو دلّ الدليل على استحباب الإقامة للصّلاة ، ثم ورد دليل آخر يأمر أنْ يكون الإقامة في حال القيام. وفي مثله لا بدّ من الحمل أيضاً ، لأن هذا الأمر إرشاد إلى شرطية القيام في الإقامة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ٨٠ ، الباب ١٨.

٤٤٥

فظهر : وجوب الحمل في هذه الصور ، وأن القول بعدم الحمل في المستحبّات لا أصل له.

(الرابع) أن يكون الأمر في المقيَّد متعلّقاً بالقيد بما هو ، وهو الغالب في المستحبات ، كما إذا قال : زر الحسين عليه‌السلام. وقال : زر الحسين عليه‌السلام في كلّ ليلة جمعة.

والظاهر أنه لا يحمل المطلق على المقيّد في هذا القسم ، لأن ملاك الحمل ـ كما تقدم ـ هو التنافي بين الدليلين ، وإنما يقع بينهما إن كانا إلزاميين ... بل يحمل المقيَّد على تأكّد الاستحباب والأفضلية.

ذكره في (المحاضرات) ، قال : وهو الجواب الصحيح (١).

إشكال الأُستاذ

قال الأُستاذ : وفيه وجوه من النظر :

أمّا أولاً : فإنّ تعلّق الأمر بالقيد بما هو ، غير معقول ، بل التقيّد داخل تحت الطلب كما في المثال الذي ذكره ، حيث أن المستحب زيارته عليه‌السلام مطلقاً ثم جاء الأمر بالحصّة ، كالمطلق والمقيَّد الواجبين ، مثل أعتق رقبةً وأعتق رقبةً مؤمنة.

وأمّا ثانياً : لقد نصَّ على أنّ الأوامر والنواهي في المركّبات ـ سواء في العبادات أو المعاملات ـ إرشادية ، وفي هذا القسم كذلك ، فلما ذا لم يقل بالحمل؟

وأمّا ثالثاً : إن الأساس في تقدّم المقيَّد ـ عنده ـ هو القرينيّة من جهة حكومة القرينة على ذيها ، وهذا الملاك موجودٌ في المستحبات كذلك ، لأن المطلق لا بشرط عن الخصوصيات ، وفي المقيَّد أُخذت الخصوصية ، فوقع البحث في المستحبات عن الحمل وعدمه كما وقع في الواجبات.

__________________

(١) محاضرات في اصول الفقه ٤ / ٥٥٢.

٤٤٦

وبعبارة اخرى : إن مدار البحث هو القرينيّة ، وأن الأصل في القيود الاحترازية من غير فرق بين الوجوب والاستحباب ، وقد ذكرتم في الواجبات لزوم الحمل حفظاً لما ذكر وفراراً عن لزوم اللغويّة في أخذ القيد ، فلما ذا لا تقولون بذلك في المستحبات مع جريان كلّ ذلك فيها؟

رأي الأُستاذ

والصحيح عند الأُستاذ ـ في كلتا الدورتين ـ هو النظر في الدليل ، فإنّه إذا كان المتعلَّق مطلق الوجود لا صرف الوجود ، وفي المقيَّد هو الحصّة ، فالحكم متعدّد ، ومقتضى القاعدة عدم الحمل. وإن كان المطلق بنحو صرف الوجود ، فإنْ ثبت بدليل أو قرينة من الخارج تعدّد المطلوب ، كمثال زيارة الحسين عليه‌السلام ، فلا حمل بل يحمل على الأفضلية ، وإنْ احرز وحدة المطلوب أو لم تقم قرينة على تعدّده ، فالمرجع هو الأصل العملي على ما سيأتي في مباحث دوران الأمر بين الأقل والأكثر.

٤٤٧

تنبيه

إن جميع البحوث المذكورة في (باب العام والخاص) من جواز تخصيص العام بخبر الواحد وعدمه ، ومسائل إجمال المخصّص مفهوماً أو مصداقاً ، وأنه هل يجوز التمسّك بالعام مع إجمال المخصص أوْ لا ، وكلّ ما تقدّم في تردّد المخصّص بين الأقل والأكثر وبين المتباينين ، وأنه هل يجوز تخصيص العام بالمفهوم موافقاً أو مخالفاً ... كلّ ذلك جارٍ في (باب المطلق والمقيَّد) فيقال : هل يجوز تقييد المطلق الكتابي بخبر الواحد المقيّد؟ وهكذا ...

وكلّ ما اخترناه هناك فهو المختار هنا ... لوحدة المناط ... وحتى بحث استصحاب العدم الأزلي ، فإنّه غير مختص بباب (العموم والخصوص).

اللهم إلاّ مسألة واحدة ، قال الشيخ فيها بالفرق بين البابين ، فذكر أنّ التخصيص محدودٌ بحدّ عدم لزوم تخصيص الأكثر أو عدم التساوي بين الباقي تحت العام والخارج بالتخصيص عنه ... أمّا تقييد المطلق فغير محدود أصلاً.

وأشكل عليه الأُستاذ : بأنّ المطلقات ـ سواء كانت في مقام التعليم أو الإفتاء ـ قوانين ، وتقييدها بغير حدٍّ يخرجها عن القانونية ، وهذا تهافت.

وهذا تمام الكلام في المطلق والمقيَّد.

٤٤٨

المقصد السادس

المجمل والمبيّن

٤٤٩
٤٥٠

تعريف المبيَّن والمجمل

قال في الكفاية :

الظاهر أن المراد من المبيَّن في موارد إطلاقه : الكلام الذي له ظاهر ، ويكون بحسب متفاهم العرف قالباً لمعنىً مخصوص ، والمجمل بخلافه.

يعني : ليس للمجمل والمبيَّن اصطلاح خاص ، بل المراد هو المعنى اللّغوي ، والملاك هو الظهور وعدمه.

ووافقه المحقق العراقي. وذكر تعريفاً آخر هو : إن المجمل عبارة عمّا لا يكون بحجّة ولا يستطرق به إلى الواقع ، فيقابله المبيَّن وهو الذي يستطرق به إلى الواقع.

يعني : أنّ كلّ لفظ له حكاية عن المراد الجدّي فهو مبيَّن ، وكلّ ما ليس كذلك فهو مجمل. وعليه : فلو ورد على العام مخصّص مردّد بين المتباينين كان مجملاً ، لعدم وضوح المراد الجدّي.

وقد ذكر في (نهاية الأفكار) الفرق بين التعريفين ، ثم قال : لكنّ الذي يسهّل الخطب عدم ترتّب ثمرة مهمّة على النزاع.

وذكر الأُستاذ : إن التعريف الأول للمجمل ناظر إلى الإجمال الحكمي والثاني ناظر إلى الإجمال الحقيقي ... لأنّ اللّفظ تارةً : يكون فاقداً للظهور

٤٥١

والكاشفية عن المعنى ، كاللّفظ المشترك مثل «القرء» وهذا هو الإجمال الحقيقي. واخرى : يكون ظاهراً في معناه الموضوع له ، إلاّ أن المراد الجدّي منه غير معلوم ، كما لو ورد المخصص المردّد بين المتباينين على العام ، فلا يعلم المراد الجدّي منه مع وضوح المعنى الموضوع له. وهذا هو الإجمال الحكمي.

قال في الكفاية :

ولكلٍّ منهما في الآيات والروايات وإنْ كان أفراد كثيرة لا تكاد تخفى ، إلاّ أن لهما أفراداً مشتبهة وقعت محلّ البحث والكلام للأعلام في أنها من أفراد أيّها؟ كآية السرقة (١) ، ومثل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) (٢) و (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهيمَةُ اْلأَنْعامِ) (٣) ممّا اضيف التحليل إلى الأعيان ، ومثل : «لا صلاة إلاّ بطهور».

قال الأُستاذ : لعلّ أوّل اصولي بحث عن ذلك هو السيّد في الذريعة ثم الشيخ في العدّة ثم المحقق في المعارج ، حتى وصل إلى الشيخ الأنصاري ... فبحثوا عن لفظ «اليد» في آية السرقة ، ولفظ «القطع» فيها ، وكذا فيما اضيف إلى الأعيان مثل الآيتين المذكورتين ، إذْ لا بدّ من التقدير ، فما هو المقدّر؟ وفي مثل «لا صلاة إلا بطهور» «لا» نافية للصحّة أو الكمال أو الحقيقة؟

ثمّ قال : الحق عندنا أنْ لا إجمال في هذه الموارد ، فإنّ «اليد» ظاهرة في معناها بحسب متفاهم العرف ، إلاّ أن القرينة الخارجية قامت على أنّ القطع من الأصابع ، وكذا الآيات ، فإن الظهور العرفي في آية الامّهات هو تحريم الوطي ولا إطلاق فيها ليشمل النظر ، وفي آية الميتة هو حرمة الأكل ، وفي الحديث نفي الحقيقة إلاّ إذا قامت قرينة.

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ٣٨.

(٢) سورة النساء : الآية ٢٣.

(٣) سورة المائدة : الآية ١.

٤٥٢

أقول :

ذكر في (الكفاية) : إن ما ليس له ظهور مجمل وإنْ علم بقرينة خارجية ما أريد منه ، كما أنّ ما له الظهور مبيّن وإنْ علم بالقرينة الخارجية أنه ما اريد ظهوره وأنه مؤوّل.

وعلى الجملة ، فإنّ هذه الموارد الجزئيّة وإنْ خرجت عن الإجمال للظهور العرفي فيها ، لكنّ البحث كبروي ، وقد ذكرت هذه الموارد من باب المثال.

قال في الكفاية

ثم لا يخفى أنهما وصفان إضافيّان ، ربّما يكون مجملاً عند واحد ، لعدم معرفته بالوضع أو لتصادم ظهوره بما حفّ به لديه ، ومبيّناً لدى الآخر ، لمعرفته وعدم التصادم بنظره ، فلا يهمّنا التعرض لموارد الخلاف والكلام والنقض والإبرام (١).

ووافقه المحقق العراقي (٢).

وقيل : بل هما أمران واقعيّان ، فالعبرة بنظر أهل العرف ، فكلّ لفظ كان ظاهراً في معناه وكاشفاً عنه عندهم فهو مبيّن ، وكلّ لفظٍ لا يكون كذلك ـ سواء بالذات أو بالعرض ـ فهو مجمل ، فلا واسطة بينهما. قاله في (المحاضرات) (٣).

(قال) : فما أفاده صاحب (الكفاية) خاطئ جدّاً ، لأنّ الجهل بالوضع والعلم به لا يوجبان الاختلاف في معنى الإجمال والبيان ، ولا يوجب الجهل بالمعنى كون اللّفظ من المجمل ، وإلاّ يلزم أن تكون اللّغات العربية مجملةً عند الفرس وبالعكس ، مع أن الأمر ليس كذلك. نعم ، قد يقع الاختلاف في لفظٍ بين

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٥٣.

(٢) نهاية الأفكار (١ ـ ٢) ٥٨٤.

(٣) محاضرات في اصول الفقه ٤ / ٥٥٦.

٤٥٣

أهل اللّسان ، فيقول أحدهم هذا مجمل ويقول الآخر بكونه مبيّناً ، لكنّه اختلاف في مقام الإثبات ، وهو مما يشهد بكون الإجمال والبيان من الامور الواقعيّة ، وإلاّ فلا معنى لوقوع النزاع في لفظٍ لو كانا من الامور الإضافية التي تختلف باختلاف أنظار الأشخاص.

رأي الأُستاذ

وفصّل الأُستاذ في هذه الجهة ، فقال : بأنّ من الألفاظ ما هو مبيَّن ، فهو ظاهر أو نصّ في معناه ، ومنها ما هو مجمل بأصل الوضع كالألفاظ المشتركة ، وقد يكون لفظٌ مبيّناً بالإضافة إلى شخص ومجملاً بالإضافة إلى غيره ، كلفظ «الكر» حيث أنه ليس بمجملٍ عند ابن أبي عمير الذي سأل الإمام عنه وأجاب بأنه ألف ومائتا رطل ، لكنه بالنسبة إلينا مجمل.

ثم إنّ الإجمال ـ كما تقدّم ـ إما حقيقي وامّا حكمي ، فإنْ كان حقيقياً فلا كاشفية له عن المراد الاستعمالي ، ولا حجيّة له بالنسبة إلى المراد الجدّي ، وإن كان حكميّاً ، سقطت كاشفيته عن المراد الجدّي وإنْ كان ظاهراً في المراد الاستعمالي.

وقد يكون لفظ مجملاً من جهةٍ ومبيّناً من جهة اخرى ، فكلّما كان مبيّناً فإنه يؤخذ به ، وكلّما كان مجملاً فلا كاشفية له عن المعنى. ومثال ذلك هو : إنه قد سأل ابن أبي عمير عن الكرّ فأجاب الامام بأنه ألف ومائتا رطل (١).

ومرسلات ابن أبي عمير معتبرة.

وسأل محمّد بن مسلم ـ في خبر صحيح ـ فأجاب الإمام عليه‌السلام بأنه ستمائة رطل (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٦٧ ، الباب ١١ من أبواب الماء المطلق ، رقم : ١.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ١٦٨ ، الباب ١١ من أبواب الماء المطلق ، رقم ٣.

٤٥٤

فوقع التعارض بين الخبرين.

لكنّ «الرطل» مجمل ، فمنه العراقي ومنه المدني والمكي ، والأكثر وزناً هو المكي والأقل هو العراقي ، لكنّ المرسلة تنفي أنْ يكون الكرّ أقل من الألف والمائتين رطلاً عراقياً ، فهي نصٌّ في ذلك ، والصحيحة تفيد أنه ليس بأكثر من الستمائة رطلاً مكّياً ، فارتفع بنصوصيّة كلٍّ منهما الإجمال الموجود في الآخر ، وبذلك ارتفع التعارض بين الخبرين ، وكانت النتيجة في حدّ الكرّ أنه الألف والمائتين رطل عراقي.

وتلك قاعدة جارية في الفقه في نظائر هذا الموارد.

وهذا آخر الكلام في المجمل والمبين.

وتمّ الجزء الرابع وبه ينتهي البحث عن مباحث الألفاظ ويليه الجزء الخامس وأوّله : المقصد السابع في القطع.

والحمد لله ربّ العالمين ، والصّلاة والسّلام على خير خلقه محمّد وآله الطّاهرين.

٤٥٥
٤٥٦

المحتويات

٤٥٧
٤٥٨

النواهي

الجهة الاولى (في معنى مادّة النهي وصيغته)........................................ ٧

كلام الكفاية............................................................... ٧

ما يرد على مختار الكفاية..................................................... ٨

الأقوال الأُخرى............................................................. ٩

الرأي المختار............................................................. ١٠

الجهة الثاني (في الفرق بين الأمر والنهي من جهة الاقتضاء)........................ ١٣

رأي المحقق الخراساني....................................................... ١٤

بيان السيد الحكيم........................................................ ١٤

إشكال الأُستاذ........................................................... ١٥

رأي المحقق الأصفهاني...................................................... ١٥

إشكال المحاضرات......................................................... ١٦

نظر الأُستاذ في الرأي والإشكال عليه........................................ ١٦

رأي المحاضرات............................................................ ١٧

الإشكال عليه............................................................ ١٧

٤٥٩

منشأ الفرق هو الارتكاز العرفي.............................................. ١٨

الجهة الثالثة (هل يسقط النهي بالمعصية؟)....................................... ١٩

قال في الكفاية............................................................ ١٩

تقريب الميرزا.............................................................. ٢٠

بيان المحاضرات ومناقشته................................................... ٢١

رأي الأستاذ.............................................................. ٢٢

اجتماع الأمر والنّهي......................................................... ٢٦

تحرير محلّ البحث............................................................ ٢٦

مقدّمات البحث............................................................. ٢٩

المقدمة الأُولى (في المراد بالواحد)............................................... ٢٩

التعريض بصاحب الفصول................................................. ٣٠

إشكال السيد البروجردي................................................... ٣١

موافقة الإيرواني مع الفصول................................................. ٣١

جواب الأُستاذ............................................................ ٣٢

الأمر الثاني (في الفرق بين هذه المسألة ومسألة النهي في العبادة)................... ٣٢

الأمر الثالث (هذا البحث من مسائل أيّ علمٍ من العلوم؟)........................ ٣٤

الأمر الرابع (هل هذه المسألة عقلية؟).......................................... ٣٦

الأمر الخامس (في سعة دائر البحث)........................................... ٣٧

تحقيق الأُستاذ............................................................ ٣٨

الأمر السادس (في اعتبار المندوحة وعدم اعتبارها)................................ ٣٩

٤٦٠