تحقيق الأصول - ج ٤

السيّد علي الحسيني الميلاني

تحقيق الأصول - ج ٤

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 964-2501-54-6
ISBN الدورة:
964-2501-52-X

الصفحات: ٤٧٩

بيان المحاضرات

وفي (المحاضرات) بيان طويلٍ ، وملخّصه :

إن للنهي ـ بحسب مقام الثبوت ـ أقساماً أربعة (١) ، ولا يخفى أنّه ينشأ عن المفسدة ، كما أنّ الأمر ينشأ عن المصلحة ، فالملحوظ هو المفسدة والمصلحة ، ولا يلحظ اللّفظ ، فلو قال «أطلب منك ترك شرب الخمر» كان نهياً ، للمفسدة في الشرب ، ولو قال : «لا تترك الصّلاة» كان أمراً بالصّلاة للمصلحة فيها.

فتارةً : المفسدة تكون في صرف الترك.

وأُخرى : في كلّ واحدٍ واحدٍ من التروك بنحو العام الاستغراقي.

وثالثة : في مجموع الأفعال.

ورابعة : في المسبب عن الأفعال.

(قال) وكذلك الحال في طرف الأمر.

(قال) وتظهر الثمرة في موردين (٢) :

(أحدهما) مورد الاضطرار ، فلو اضطرّ إلى الفعل أو الترك ، وكانت المصلحة في صرف الفعل أو الترك ، فإنه بمجرّد حصول فردٍ من الفعل أو الترك ، يسقط الحكم. وأمّا إذا كان المطلوب بنحو العام الاستغراقي فإن الحكم ينحلُّ ، فإذا خولف في مورد بقي بالنسبة إلى غيره من الموارد. أمّا إذا كان المطلوب مجموع الأفعال أو مجموع التروك ، فهذا الطلب شخصي ـ بخلاف الأول ، فإنه ينحلّ بحسب الأفراد ـ والطلب الشخصي يسقط بتركٍ واحد ، لأنه قد كان بنحو العام المجموعي حاملاً للغرض ، فإذا عصي فلا يبقى حكم. وأمّا إذا كان متعلّق

__________________

(١) محاضرات في اصول الفقه ٣ / ٢٨٢.

(٢) محاضرات في اصول الفقه ٣ / ٣١١.

٢١

الغرض هو الشيء المسبب من الأفعال أو التروك ، فإنه بالمخالفة بموردٍ ينتفي حامل الغرض ، وبذلك يسقط الغرض ، فلا يبقى الحكم.

(والثاني) مورد الشك ، فإنه إن كان المطلوب صرف الترك وصدر منه ذلك ، ثم شكّ في مطلوبية الطبيعة وعدمها ، فلا أثر لهذا الشك ، لأنّه حتى لو تيقّن بمطلوبية الطبيعة فإنّها بصرف المخالفة تبقى كما هو واضح.

وإن كان المطلوب كلّ واحدٍ من التروك بنحو العام الاستغراقي ، فإنه مع ارتكاب المخالفة في موردٍ يشك في بقاء التكليف بالنسبة إلى غيره ، فيكون مجرى الأصل ، لأنه من موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر ، والبراءة عقلاً ونقلاً جارية.

وإن كان المطلوب هو العام المجموعي ، وارتكب فرداً وشك في أنه ترك للطبيعة أو لا ، كان من قبيل دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين ـ كأجزاء الصّلاة مثلاً ـ فعلى المبنى ، إذ الأقوال هناك ثلاثة ، الاحتياط ، والبراءة مطلقاً ، والتفصيل بين الشرعية فتجري والعقلية فلا تجري ، وهذا الثالث مختار (الكفاية).

وإن كان المطلوب هو الشيء المحصّل من مجموع التروك ، فلو ارتكب فرداً منها وشك في بقاء التكليف بالنسبة إلى الطبيعة ، قيل : بالاشتغال وهو المشهور.

مناقشة الأُستاذ ورأيه

وخالف الأُستاذ ، فذكر أنّ الصحيح ثبوتاً صورتان فقط ، وهما أن يكون النهي متعلّقاً بالشيء بنحو العام المجموعي ، وبنحو العام الاستغراقي. وأمّا بحسب مقام الإثبات ، فالموانع في الصلاة مأخوذة بنحو العام الاستغراقي ، ولا احتمال آخر.

٢٢

هذا مختاره بعد المناقشة مع (المحاضرات) ، والنظر في الأدلة في مقام الإثبات.

ولقد أورد على كلام (المحاضرات) :

أولاً : قوله بترتب المصلحة على الترك كترتّبها على الفعل.

فيه : إن المصلحة أمرٌ وجودي ، وقيام الأمر الوجودي بالأمر العدمي غير معقول ، فإنّه لا إشكال عقلاً وعقلاء في تعلّق التكليف بالترك ، لكنّ قيام المصلحة بالترك غير معقول ، بل الموارد التي تعلّق فيها الطلب بالترك تحتمل : أن تكون نهياً في صورة الأمر ، فقوله تعالى (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ) (١) يمكن أن يكون من جهة وجود المفسدة في دخول البحر لا وجود المصلحة في ترك الدخول في البحر ... ويحتمل أيضاً : أن تكون المصلحة في شيء ملازمٍ للترك لا في نفس الترك ، وإن كنّا لا ندري ما هو الملازم.

والحاصل : إنه متى قام البرهان على امتناع ترتب الأمر الوجودي على العدم ، فكلّ دليلٍ كان ظاهراً في الترتب لا بدّ من رفع اليد عن ظهوره.

وثانياً : جعله «المسبب من الأفعال أو التروك هو المتعلّق للنهي» من «الأقسام الأربعة».

وفيه نظر ، لأن كون التروك سبباً لوجود شيء غير معقول.

وثالثاً : إنه قد ذكر سابقاً بأن «صرف الترك» لا يقبل تعلّق التكليف ، لأنه ضروري الحصول ، فلو تعلّق به الطلب كان من تحصيل الحاصل ... ولعلّه من هنا جعل الأقسام في (أجود التقريرات) ثلاثة ، فلما ذا عدّ هذا القسم في الأقسام الأربعة؟

__________________

(١) سورة الدخان : الآية ٢٤.

٢٣

ورابعاً : قوله بأنه إن كانت المصلحة في الترك ، فإن الصورة وإن كانت صورة النهي لكنه لبّاً أمر ، وجعله تروك الإحرام من هذا القبيل قائلاً بأن المصلحة في ترك تلك الأشياء ، فكان الواجب ترك الصيد ، ... لبس المخيط للرجال ... وهكذا ... (قال) وإنّ الفقهاء قد تسامحوا حيث عبّروا عنها بمحرّمات الإحرام ....

وفيه : إنّ النصوص ظاهرة في أنها محرّمات ، والحق مع الفقهاء في تعبيرهم بذلك ، ورفع اليد عن الظهور بلا دليل غير صحيح.

قال تعالى : (لا تَقْتُلُوا الصيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ) (١) فإنها هيئة «لا تفعل» وظاهرة في الحرمة.

وقال : (أُحِلَّ لَكُمْ صيْدُ الْبَحْرِ ... وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صيْدُ الْبرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً) (٢) وهذا نصٌّ في الحرمة.

وفي النصوص :

١) عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا فرض على نفسه الحج ثم أتى بالتلبية فقد حرم عليه الصيد وغيره ، ووجب عليه في فعله ما لم يجب على المحرم» (٣).

٢) وعنه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : «لا تأكل شيئاً من الصيد وأنت محرم وإنْ صاده حلال» (٤).

٣) عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديثٍ : «فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتّى تحل» (٥).

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ٩٥.

(٢) سورة المائدة : الآية ٩٦.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ / ٤١٧ ، الباب ١ من أبواب تروك الإحرام ، رقم ٧.

(٤) المصدر ١٢ / ٤١٩ ، الباب ٢ رقم ٢.

(٥) وسائل الشيعة ١٢ / ٤٥٨ ، الباب ٢٩ ، رقم ١.

٢٤

والحاصل : النصوص جاءت بعنوان «الحرمة» وبهيئة «لا تفعل» وبعنوان جعل «الفِداء» وبعبارة «اجتنب» وكلّ ذلك ظاهراً ونصّ في الحرمة.

وتلخّص : إن الصحيح هو حرمة تلك الأفعال ، وأنها محرّمات الإحرام لا تروك الإحرام ، ودعوى أنها نواهي ناشئة من المصلحة في الترك ، لا دليل عليها ... بل مفاد الأدلة كونها ناشئة عن مفسدة في الفعل ... ولهذا البحث ثمرة مهمة في الفقه.

٢٥

اجتماع الأمر والنّهي

اختلفوا في جواز اجتماع الأمر والنهي في الشيء الواحد وامتناعه ، على أقوال ثلاثة :

١ ـ الجواز مطلقاً.

٢ ـ الامتناع مطلقاً.

٣ ـ التفصيل ، وهو القول بالجواز عقلاً والامتناع عرفاً ، لأنّ الحيثيّتين متعدّدان بالنظر العقلي ، وكلٌّ منهما مركب لأحد الحكمين ، لكنّ العرف يرى المجمع بينهما شيئاً واحداً ، وتعلّق الحكمين المختلفين بواحدٍ عرفي ممتنع ... وهذا هو المحكيّ عن المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد.

وقد ذكر المحقق الخراساني قبل الخوض في المقصود عشر مقدمات ، والميرزا ذكر تسعاً ، وقد اشتركا في بعضها ، ولا بدّ قبل التعرّض لها من تحرير محلّ البحث ، فنقول :

تحرير محلّ البحث

إن هنا كبرى مسلّم بها ، هي عبارة عن أنّ الأمر والنهي ـ على اختلاف الأقوال في حقيقتهما ، من البعث والزجر ، أو اعتبار اللابدّية والحرمان ـ ينشآن من الإرادة والكراهيّة ، على مذهب العدليّة والأشاعرة معاً ، ومن المصلحة والمفسدة على مذهب العدليّة ، فبلحاظ مبدإ الحكم ـ وهو الإرادة والكراهيّة ـ يمتنع تعلّق الحكمين ـ الوجوب والحرمة ـ من الحاكم الواحد في الزمان الواحد بالشيء

٢٦

الواحد ... على جميع المسالك ، لأنّ طلب الشيء يستلزم عدم الكراهيّة له ، والنهي عنه يستلزم عدم الإرادة له ، فكان تعلّقهما بالشيء الواحد مستلزماً لاجتماع النقيضين ، وكذا الحال بالنظر إلى مسلك العدليّة من تبعيّة الحكم للمصلحة أو المفسدة ، فإنّ اجتماعهما في الشيء الواحد محال.

وعلى الجملة ، فإنّ القول بالجواز يستلزم المحذور في ناحية منشأ الحكم ومبدئه وهو الحبّ للشيء والبغض له ، أو المصلحة والمفسدة فيه ، وكذا في ناحية المنتهى ، وهو مقام الامتثال ، لأنّ الأمر يقتضي الانبعاث والنهي يقتضي الانزجار أو الترك ... ولا يجتمعان.

هذا بناءً على إنكار التضادّ بين الأحكام الخمسة ، كما عليه المحقق الأصفهاني. وأمّا على القول بوجود التضادّ بينها كما عليه صاحب (الكفاية) ، فإن الاستحالة لازمة في نفس الحكمين أيضاً.

فتلخّص : إنه من الناحية الكبرويّة ، يستحيل أصل التكليف بمثل ذلك ، بالنظر إلى المبدا والمنتهى كما تقدّم ، ويلزم الجمع المحال بين التكليفين. وأمّا بالنظر إلى خصوص مبنى المحقق الخراساني من التضادّ بين الأحكام فالاستحالة تكون بالذات. وعلى كلّ حالٍ ، فإن التكليف كذلك محال ، وليس من التكليف بالمحال ، لأنّ مورد التكليف بالمحال هو ما إذا كان هناك تكليف واحد تعلّق بشيءٍ واحدٍ كالمجموع بين الضدّين ، فلا ينبغي الخلط بين الموردين.

وعلى هذا ، فإنّ النزاع في المسألة صغروي ، لأنه يدور حول لزوم الاجتماع وعدم لزومه ، بعد الوفاق على الكبرى كما تقدّم ، ومرجعه إلى أنّه هل يسري ويتعدّى الأمر من الصّلاة إلى الغصب ، والنهي من الغصب إلى الصّلاة أو لا؟

٢٧

وقد أوضح الميرزا (١) رحمه‌الله أنّ هذا البحث يكون تارةً من صغريات باب التعارض ، وأُخرى من صغريات باب التزاحم ، وذلك لأنّه في صورة تعدّي الحكم عن موضوعه إلى موضوع الحكم الآخر ، يلزم الاجتماع ويقع التنافي بين مدلولي الدليلين بحسب مقام الجعل ، إذ الصّلاة إمّا واجبة وامّا محرّمة ، فأحد الدليلين على خلاف الواقع ، وهذا هو التعارض. وأمّا في صورة عدم التعدّي ، فلا اجتماع ولا مشكلة في مقام الجعل ، بل لكلٍّ من الحكمين مركبه ولا ربط له بالآخر ، وإنّما يقع التنافي في مقام الامتثال ، وهذا هو التزاحم ، إذ لا قدرة على امتثال كلا التكليفين.

وهنا تفصيل ، وذلك : لأنه تارة توجد المندوحة ، أيْ يتمكّن المكلّف من الصّلاة في غير المكان المغصوب ، وأُخرى لا توجد ، فعلى التقدير الأول ، إن قلنا بأنّ اعتبار القدرة على الامتثال في الخطاب هو بحكم العقل كما عليه المحقق الثاني ، خرج المورد عن التزاحم أيضاً ، لأنّه لمّا كان قادراً على الصّلاة في غير هذا المكان ، صحّ تعلّق التكليف بها على نحو الإطلاق ، إذ القدرة على الطبيعة حاصلة بالقدرة على الفرد وهي الصّلاة في غير الغصب ، فلو صلّى في المكان المغصوب والحال هذه ، وقعت صحيحة ، غير أنه فعل المعصية بالتصرّف في ملك الغير. وإن قلنا بأن اعتبار القدرة على الامتثال هو باقتضاء الخطاب ـ كما عليه المحقق النائيني ـ فالتكليف من بدء الأمر موجّهٌ نحو الحصّة المقدورة من الصّلاة ، كان المورد من التزاحم ، لدوران الأمر بين صرف القدرة فيها في المكان المغصوب ، والخروج منه والإتيان بها في غيره ، وحينئذٍ تطبّق قواعد التزاحم ، وتلحظ المباني في الترتّب.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ / ١٢٦.

٢٨

أمّا على التقدير الثاني ـ أعني عدم المندوحة ـ فالمورد من التزاحم ، سواء قلنا بكون القدرة معتبرةً باقتضاء الخطاب أو بحكم العقل.

مقدّمات البحث

ذكر في (الكفاية) لمسألة الاجتماع مقدّماتٍ ، ونحن نتعرّض لها ولما قيل فيها باختصار.

المقدمة الأُولى (في المراد بالواحد)

إنه لمّا قلنا في عنوان المسألة : هل يجوز اجتماع الأمر والنهي في واحدٍ؟ فما هو المراد من «الواحد»؟

قال المحقق الخراساني (١) : المراد بالواحد مطلق ما كان ذا وجهين ومندرجاً تحت عنوانين ، بأحدهما كان مورداً للأمر وبالآخر للنهي ، وإن كان كليّاً مقولاً على كثيرين كالصّلاة في المغصوب.

وإنّما ذكر هذا ، لإخراج ما إذا تعدّد متعلّق الأمر والنهي ولم يجتمعا وجوداً ولو جمعها واحد مفهوماً ، كالسجود لله تعالى والسجود للصنم مثلاً ، لا لإخراج الواحد الجنسي أو النوعي ، كالحركة والسكون الكليّين المعنونين بالصّلاتيّة والغصبيّة.

وتوضيحه :

إن الواحد هنا إمّا هو الواحد الشخصي وامّا الأعم ، فإن كان الأوّل ، خرج الجنسي والنوعي ، والحال أن الحركة المعنونة بعنوان الغصب والصّلاة ليست واحداً شخصيّاً من الحركة بل واحد جنسي ، فلو أُريد الشخصي خرج الفرض من دائرة البحث مع كونه وارداً.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٥٠.

٢٩

وإن كان المراد هو الثاني ، شمل البحث مثل السجود لكونه جامعاً للسجود لله وللصنم ، والحال أنه ليس مورداً لاجتماع الأمر والنهي ، إذ لا مجمع بين السجود لله وللصنم.

وإن كان هو الثالث ، جاء المحذور المذكور في الثاني ، لأن الأعمّ مشتمل على الأخصّ.

فذكر صاحب (الكفاية) : أنه ليس المراد من «الواحد» هو المقابل للكلّي ليكون شخصيّاً ، فيرد إشكال خروج الحركة ، وليس الجنس ليرد إشكال ورود السجود ، بل المراد من الواحد هو المقابل للمتعدّد وجوداً ، والمقصود أنه تارةً : يكون لمتعلّق الأمر والنهي تعدّد وجودي ، فهذا خارج عن البحث ، كما في الصلاة والنظر إلى الاجنبية في أثنائها ، وكما في السجود لله وللصنم ، وأُخرى : يكون لمتعلّقهما وحدة وجودية أعم من الواحد الشخصي أو الجنسي ، فالصلاة في دار مغصوبة كلّي ، لكنْ في مقام الوجود لها وجود واحد.

وعلى الجملة : إن أمكن الإشارة إلى كلٍّ من العنوانين على حدة ، خرج الواحد ذو العنوانين عن البحث ، كالصّلاة والنظر إلى الأجنبية ، وإن كانت الإشارة إلى أحدهما الموجودين بوجود واحد عين الإشارة إلى الآخر ، كان وارداً في البحث ، كالصّلاة في الدار المغصوبة ، وحينئذٍ ، إن كانت وحدة الإشارة موجبةً لوحدة الوجود في الخارج حقيقةً فالامتناع وإلاّ فالجواز.

التعريض بصاحب الفصول

ثم إنّ المقصود من هذا الكلام هو التعريض بصاحب (الفصول) (١) ، حيث أنه قد خصّ الواحد بالواحد الشخصي ، لئلاّ يدخل مثل السجود لله وللصنم ممّا

__________________

(١) الفصول الغرويّة : ١٢٣.

٣٠

اجتمع فيه الأمر والنهي في واحدٍ جنسي أو نوعي في محل البحث ، مع كونه خارجاً عنه قطعاً.

إشكال السيد البروجردي

فقال السيّد البروجردي (١) : وفيما ذكره نظر ، فإنّ ضمّ عنوانٍ كلّي إلى عنوانٍ آخر لا يوجب الوحدة ، إذ الماهيّات والعناوين بأسرها متباينة بالعزلة ، فمفهوم الصّلاة يباين مفهوم الغصب وإن ضممنا أحدهما إلى الآخر ، وما هو الجامع للشتات عبارة عن حقيقة الوجود التي هي عين التشخّص والوحدة.

موافقة الإيرواني مع الفصول

أمّا المحقق الإيرواني ، فقد ذكر أنّ الحق مع صاحب (الفصول) وأنّه لا يتوجّه عليه ما توهّمه صاحب (الكفاية). وأوضح ذلك (٢) بأنه ليس مقصود صاحب (الفصول) من الحمل على الواحد الشخصي أن يكون المجمع منحصراً في الواحد الشخصي والجزئي الحقيقي ، ليخرج مورد كون المجمع عنواناً كليّاً كما في مثال الصّلاة في الدار المغصوبة ، بل مقصوده تلاقي العنوانين في الأشخاص الخارجية ، فيكون البحث في اجتماع الأمر والنهي بعنوانين منحصراً بما إذا كان العنوانان متلازمين في الوجود والتشخّص ، وهذا أعم من أن يكونا متلاقيين قبل الوصول إلى مقام التشخّص وفي مفهوم عام كما في مثل الصّلاة في الأرض المغصوبة ، وما إذا لم يكونا متلاقيين إلاّ في الشخص ابتداءً ، فالصّلاة في الأرض المغصوبة لا تخرج عن العنوان.

__________________

(١) نهاية الاصول : ٢٢٦.

(٢) نهاية النهاية ١ / ٢١٠.

٣١

جواب الأُستاذ

وأجاب الأُستاذ دام بقاه : بأن جواز اجتماع الأمر والنهي في الشيء الواحد ذي العنوانين وامتناعه ، فرع التزاحم والتعارض ، فإن كان التعارض فالامتناع وإن كان التزاحم فالجواز ، ومن الواضح أن التعارض في الأدلّة الشرعية لا يكون إلاّ في القضايا الحقيقيّة ، والموضوع في هذه القضايا ليس الواحد الشخصي الخارجي ، بل إن الحكم فيها متوجّه إلى الطبيعة ، كقوله تعالى (أَقِيمُوا الصلَاةَ) (١) (وَللهِ عَلى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) (٢) لا إلى الفرد من الصّلاة والحج وغيرهما ، فالأوامر والنواهي غير متعلقة بالواحد الشخصي. هذا أولاً.

وثانياً : إن الواحد الشخصي لا يعقل أن يكون متعلّقاً للأمر ، بل إنه مسقط له لكونه مصداق المأمور به.

وأمّا القول بأن ضمّ الكلّي إلى الكلّي لا ينتج الواحد. ففيه : إنه خلط بين الوحدة الشخصية والنوعية ، لأن الوحدة النوعية كما في انضمام الفصل إلى الجنس موجودة مع عدم كونها شخصية ، إذن ، لا ملازمة بين الوحدة والشخصيّة ، والمراد من الوحدة هي الوحدة في مقابل التعدّد.

الأمر الثاني (في الفرق بين هذه المسألة ومسألة النهي في العبادة)

قال في الكفاية (٣) ما ملخّصه : إن الجهة المبحوث عنها هنا هي : هل إن تعدّد العنوان في الواحد ذي العنوانين ، يوجب تعدّد المتعلَّق بحيث ترتفع مشكلة استحالة الاجتماع أو لا؟ (قال) : فالنزاع في سراية كلٍّ من الأمر والنهي إلى متعلّق الآخر لاتّحاد متعلَّقيهما وجوداً وعدم سرايته لتعدّدهما وجهاً.

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ٤٣.

(٢) سورة آل عمران : الآية ٩٧.

(٣) كفاية الاصول : ١٥٠.

٣٢

أمّا في تلك المسألة ، فإن البحث في أن النّهي هل يوجب فساد العبادة أو المعاملة بعد الفراغ عن توجّه النهي إليها أو لا يوجبه؟

(قال) نعم ، لو قيل بالامتناع مع ترجيح جانب النهي في مسألة الاجتماع ، يكون مثل الصّلاة في الدار المغصوبة من صغريات تلك المسألة.

وحاصله كلامه : إن ما به الامتياز بين المسألتين هو الجهة المبحوث عنها في كلٍّ منهما ... وهذا لا ينافي أن يكون مورد البحث في مسألتنا من صغريات المسألة الاخرى ، على بعض التقادير ... فالفرق بين المسألتين في غاية الوضوح.

هذا ، وفي بيان الفرق بين المسألتين أقوال اخرى ، تعرّض في (الكفاية) لاثنين منها:

أحدها : إن البحث هنا عقلي ، وهناك في دلالة النهي لفظاً.

قال في (الكفاية) بفساد هذا القول ، لأنّ البحث هناك أيضاً عقلي ، على أن النهي في العبادة غير مختص باللّفظ.

والثاني : ما ذهب إليه الميرزا القمي (١) من أنّ الموضوع في تلك المسألة هو العام والخاص المطلق ، كالأمر بالصّلاة ، ثم النهي عن الصّلاة في الحمام ، فيبحث عن دلالة هذا النهي على فسادها وعدم دلالته ... أما في مسألتنا ، فالنسبة هي العموم من وجهٍ ، كما هو الحال بين الأمر بالصّلاة والنهي عن الغصب.

والثالث : ما ذهب إليه صاحب (الفصول) (٢) ـ بعد الإشكال في كلام الميرزا القمي ـ وهو إن الموضوع في مسألتنا مغاير تماماً للموضوع في تلك المسألة ، بخلاف مثل الصّلاة والصّلاة في الحمام ، فإن الموضوع متّحد وإنْ كان بينهما عموم مطلق.

__________________

(١) قوانين الاصول ١ / ١٤٠.

(٢) الفصول الغروية : ١٤٠.

٣٣

فأجاب المحقق الخراساني : بأنّ تعدّد الموضوعات أيضاً غير موجب للتمايز بين المسائل ما لم يكن هناك اختلاف الجهات.

والحق معه فيما قال.

الأمر الثالث (هذا البحث من مسائل أيّ علمٍ من العلوم؟)

واختلفت كلماتهم في أنّ هذا البحث من المسائل أو المبادئ ، ومن مسائل أيّ علم؟

قال في الكفاية (١) : إنه حيث كانت نتيجة هذه المسألة ممّا تقع في طريق الاستنباط ، كانت المسألة من المسائل الاصولية ، لا من مبادئها الأحكاميّة ولا التصديقية ، ولا من المسائل الكلاميّة ، ولا من المسائل الفرعيّة ، وإنْ كانت فيها جهاتها ....

نعم ، يمكن تصوير الجهة الفقهيّة ، لأن العمل العبادي إن كان متعلَّقاً للنهي فهو باطل وإلاّ فهو صحيح ، والصحّة والفساد من الأحكام الفقهية. كما يمكن تصوير الجهة الكلاميّة ، بأنْ يبحث فيها عن جواز تكليف الله سبحانه وتعالى بعملٍ اجتمع فيه جهة الأمر وجهة للنهي وعدم جوازه. وتصوير جهة اخرى تجعلها من المبادئ الأحكاميّة ، لأنّه إذا تعلَّق الأمر والنهي بواحدٍ يقع البحث عن وجود التلازم بينهما في المورد وعدم وجوده ، لأنّ المبادي الأحكامية هي لوازم الأحكام وعوارضها وخصوصيّاتها ....

لكنّ المحقق الخراساني يرى أن المسألة من علم الأصول لانطباق تعريف المسألة الاصولية عليها ... خلافاً للشيخ ، حيث جعلها من المبادئ الأحكامية ، كما أن الميرزا خالفه ، فجعلها من المبادئ التصديقيّة للمسألة الاصوليّة.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٥٢.

٣٤

ولكنَّ ذلك كلّه يتوقّف على تغيير عنوان البحث ، حتى يمكن تحقق هذه الجهة أو تلك فيه ، أمّا مع عنوانه كما في (الكفاية) وغيرها من كتب الأعلام ، فلا يصح البحث لأنْ يكون من مسائل هذا العلم أو ذاك ، بل هو من مسائل علم الاصول.

فالحق ما ذهب إليه وإن كان كلامه مخدوشاً كما ذكرنا ، خلافاً للشيخ الأعظم (١) ، حيث جعلها من المبادئ الأحكاميّة ، لأنّا لا نبحث في هذه المسألة عن خواص الأمر والنهي ، وعن أنه هل يوجد بينهما التضادّ أو لا ليكون من المبادي ، وإنما نبحث عن أنّ اجتماع الأمر والنهي في الشيء الواحد ذي العنوانين هل ينتهي إلى اجتماع الضدّين أو لا؟

وللميرزا (٢) القائل بأنها من المبادئ التصديقية للمسألة الاصوليّة ، وذلك لأنّ المبدا التصديقي هو كلّ ما أوجب التصديق بثبوت المحمول للموضوع ، مثلاً : عند ما نقول : هل خبر الثقة حجة أو لا؟ فإنّ ما يعرّف «خبر الثقة» و «الحجيّة» يسمّى ب «المبدا التصوري» (٣) وما يدلّ على ثبوت «الحجية» ل «خبر الثقة» يسمى ب «المبدا التصديقي». ونحن في هذه المسألة نقول : هل يقع التعارض بين دليلي الأمر والنهي فيما إذا تعلَّقا بالواحد ذي العنوانين أو لا؟ وهذا مبدأ تصديقي لتحقق موضوع المسألة الاصولية ، وأمّا المبدا التصديقي للمسألة الاصولية فهو الأدلّة على الترجيح أو التخيير بناءً على التعارض.

__________________

(١) مطارح الأنظار : ١٢٥.

(٢) أجود التقريرات ٢ / ١٢٨.

(٣) كفاية الاصول : ١٥٢.

٣٥

الأمر الرابع (هل هذه المسألة عقلية؟)

قال في الكفاية (١) : قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه أن المسألة عقليّة ....

أقول :

لا يخفى أن المسائل الاصولية منها عقلية ومنها لفظيّة ، ولمّا لم يكن البحث في مسألتنا عن مدلول الأمر والنهي ، فهو ليس من المسائل اللّفظيّة ، فيكون ـ لا محالة ـ من المسائل العقلية.

والأحكام العقليّة تنقسم إلى المستقلة ، غير المستقلة ، والقسم الثاني منه ما يقع في طريق الاستنباط ومنه ما لا يقع.

أمّا ما لا يقع في طريق الاستنباط ، فمثل درك العقل وجود المصلحة أو المفسدة الملزمة في شيء ، ولكنّه يفيد الحكم الشرعي بضميمة قاعدة الملازمة.

وأمّا الحكم العقلي غير المستقل وغير الواقع في طريق الاستنباط ، فكحكم العقل بوجوب إطاعة المولى ، فإنه في مرتبة معلول الحكم الشرعي بوجوب الصّلاة مثلاً ، فإنه يجب إثبات وجوبها شرعاً حتّى يتولّد منه الحكم العقلي بلزوم الإطاعة له.

وأمّا الحكم العقلي غير المستقل الواقع في طريق الاستنباط ، فكحكمه باستحالة اجتماع الضدّين.

وبما ذكرنا يتّضح : أنّ بحث الاجتماع من المباحث الاصولية العقلية من قبيل القسم الأخير ، فإنه إذا ضمّ هذا الحكم العقلي إلى صغرى اجتماع الأمر والنهي الشرعيين في الواحد ذي العنوانين ، حصل الحكم الشرعي بصحّة الصّلاة أو فسادها ....

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٥٢.

٣٦

ثم قال في (الكفاية) :

وذهاب البعض إلى الجواز عقلاً والامتناع عرفاً ، ليس بمعنى دلالة اللّفظ ، بل بدعوى أن الواحد بالنظر الدقيق العقلي اثنين وأنه بالنظر المسامحي العرفي واحد ذو وجهين ، وإلاّ فلا يبقى معنى للامتناع العرفي.

الأمر الخامس (في سعة دائر البحث)

قال في الكفاية (١) : إن ملاك النزاع في الاجتماع والامتناع يعمّ جميع أقسام الإيجاب والتحريم ، كما هو قضية إطلاق لفظ الأمر والنهي ، ودعوى الانصراف إلى النفسيين التعيينيين العينيين في مادّتها غير خالية عن الاعتساف ، وإنْ سلّم في صيغتهما مع أنه فيهما ممنوع.

وعلى الجملة ، فإن هذا البحث يعمّ الأمر والنهي النفسيين والغيريين والتعيينيين والتخييريين والعينيين ... لعموم الملاك.

وقد قصد رحمه‌الله الردّ على الشيخ القائل بعدم وجود ملاك البحث فيما لو كان الوجوب والحرمة تخييريين ، لأن محذور البحث هو لزوم الجمع بين الضدّين ، وهو غير لازم فيما لو أمره بنكاح احدى الاختين ونهاه عن الاخرى ، لعدم اجتماع الحكمين في موردٍ واحد ... فقال صاحب (الكفاية) : إنه لو أمر بالصّلاة والصوم تخييراً بينهما ونهى عن التصرف في الدّار والمجالسة مع الأغيار ، فصلّى في الدار مع مجالستهم ، كان حال الصّلاة فيها حالها كما إذا أمر بها تعييناً ونهى عن التصرف فيها تعييناً في جريان النزاع ، لوضوح أن النسبة بين أحد عدلي الحرام التخييري مع أحد عدلي الواجب التخييري هي العموم من وجه ، لأنّ الصّلاة ممكنة في الدار وغيرها ، والجلوس في الدار يمكن في حال الصّلاة وحال

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٥٢.

٣٧

غيرها ، فإذا اجتمعا لزم المحذور كما لو أمر بهما تعييناً.

تحقيق الأُستاذ

هذا ، وقد أوضح الأُستاذ رأي الشيخ وبيّنه بما يظهر به أن الحق معه ، فقال بأنّ الجامع في الواجب والحرام التخييري هو «الأحد» ، ومن الواضح أنّ هذا العنوان لا يصدق على كلا الفردين معاً ، وإنما يصدق على كلٍّ منهما بشرط عدم الآخر ، وكذلك الحال في جميع موارد العلم الإجمالي ، فإن موضوع الحكم بنجاسة أحد الآنية هو «الأحد» ، ولا ينطبق هذا العنوان على كلّها معاً ، فالنجاسة حكم «أحدها» وإن كان الحكم العقلي بالاجتناب عن جميعها في عرضٍ واحدٍ ، لكنّ هذا أمر آخر ....

وعلى هذا ، ففي طرف الواجب ، جاء الحكم بوجوب هذا أو ذاك ، وفي طرف الحرام قد جاء الحكم بحرمة هذا أو ذاك ، ولا يسري الحكم بالوجوب أو الحرمة إلى كلا الفردين ، وليس كلاهما واجباً أو حراماً ، بل «الأحد».

وإذا كان متعلَّق الحكم في كلا الطرفين هو «الأحد» بشرط لا عن الآخر ، وكان المبعوث إليه في طرف الوجوب هو «الأحد» والمبغوض في طرف الحرمة هو «الأحد» ، لم يعقل حصول التمانع بين الأمر والنهي ، وظهر أن الحق مع الشيخ.

وكلام المحقّق الخراساني لا ربط له بمورد كلام الشيخ ، فقد جاء في (الكفاية) «فصلّى فيها مع مجالستهم» وهذا معناه الجمع بين عدلي الحرام التخييري ، وفي هذه الصورة يلزم محذور الاجتماع بالضرورة ، لكن محطّ نظر الشيخ هو كون متعلَّق النهي أحد الأمرين ، كما أنّ متعلَّق الأمر أحد الأمرين ... ولذا نرى أن كلام صاحب (الكفاية) في حاشية الرسائل في ذكر المثال يختلف عن كلامه فيها ، فليس في الحاشية كلمة «مع مجالستهم».

٣٨

وتلخّص : أن الحق في المقام مع الشيخ خلافاً للكفاية والمحقق الأصفهاني.

الأمر السادس (في اعتبار المندوحة وعدم اعتبارها)

ذهب صاحب (الفصول) (١) إلى اعتبار المندوحة في صحة النزاع في مسألة اجتماع الأمر والنهي ، فلولا وجودها لا يبقى مجال للبحث ... وقد وافقه المحقق الخراساني في حاشية الرسائل. أمّا في (الكفاية) (٢) ، فقد ذهب إلى أن التحقيق عدم اعتبارها فيما هو المهم في محلّ النزاع من لزوم المحال وهو اجتماع الحكمين المتضادّين.

أمّا وجه اعتبار المندوحة فهو : إنه مع عدم تمكّن المكلّف من الصّلاة في غير المكان المغصوب ، يكون تعلّق النهي بها فيه من التكليف بغير المقدور وهو محال ، إذن ، لا بدّ وأنْ يكون متمكناً من منها في غيره حتى نعقل النهي ويصح البحث عن الجواز والامتناع لو صلّى فيه.

وأمّا وجه عدم اعتبارها في صحة البحث : فلأنّا نبحث في مثل الصّلاة في الدار المغصوبة عن أنه يلزم التكليف المحال ، أي اجتماع الضدين ، أو لا يلزم؟ وهذا البحث بهذه الصورة لا علاقة له بوجود المندوحة وعدمها.

والحاصل : إنه اعتبر في حاشية الرسائل ـ تبعاً للفصول ـ عدم المندوحة حتى لا يلزم التكليف بالمحال ، لكنّه في (الكفاية) يقول : بأن البحث ليس في التكليف بالمحال ، وإنما في أنه هل يلزم في مفروض المسألة المحال ـ وهو اجتماع الضدين ـ أو لا؟ ولا دخل للمندوحة فيه.

__________________

(١) الفصول الغرويّة : ١٢٣.

(٢) كفاية الاصول : ١٥٣.

٣٩

وهذا هو الصّحيح ، لأنّا إن قلنا بالامتناع فلا أثر للمندوحة. وإن قلنا بالجواز وعدم لزوم اجتماع الضدّين ، فإن كان له مندوحة فلا مشكلة ، وإنْ لم تكن كان المورد من صغريات باب التزاحم ... فظهر أنّ وجود المندوحة إنّما يؤثر على القول بالجواز ، وأمّا في أصل البحث وطرح المسألة فلا دخل لوجود المندوحة وعدمها.

الأمر السابع (بين هذه المسألة ومسألة تعلّق الأمر بالطبيعة أو الفرد)

ذكر في الكفاية (١) توهّمين بالنظر إلى بحث تعلّق الأمر بالطبيعة أو الفرد وأجاب عنهما. الأول : إنّ النزاع في مسألتنا يبتني على القول بتعلّق الأحكام بالطبائع ، فإنه على هذا القول يقع النزاع في الجواز والامتناع ، وأمّا على القول بتعلّقها بالأفراد فلا مجال للنزاع ، إذ لا يكاد يخفى الامتناع ، ضرورة لزوم تعلّق الحكمين بواحدٍ شخصي ولو كان ذا وجهين ، وهذا محال.

والتوهّم الثاني هو : إنّ القول بجواز الاجتماع هنا مبني على القول هناك بتعلّق الأوامر بالطبائع ، لكون متعلَّق الحكمين متعدداً ذاتاً وإنْ اتّحدا وجوداً ، وأن القول بامتناع الاجتماع مبني على القول بتعلّقها بالأفراد ، لكون متعلَّقهما شخصاً واحداً في الخارج.

ثم قال في الجواب :

وأنت خبير بفساد كلا التوهّمين ، وحاصل كلامه جريان البحث هنا ، سواء قلنا هناك بتعلّق الأمر بالطبيعة أو بالفرد ، لأنه بناءً على الأول لا يتعيّن القول بالجواز ، لأنه وإنْ تعدّدت الطبيعة ، لكون طبيعة الصّلاة غير ذات الغصب ، لكنّ الطبيعتين في مرحلة الوجود واردتان على شيءٍ واحدٍ ، وحينئذٍ ، يتحقّق ملاك

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٥٤.

٤٠