تحقيق الأصول - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

تحقيق الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 964-2501-39-2
ISBN الدورة:
964-2501-52-X

الصفحات: ٣٩٩

ذو المقدّمة ، فيكون مقدّمة ، فاجتمع في ذي المقدّمة وجوبان : الوجوب النفسي لكونه ذا المقدّمة ، والوجوب الغيري لكونه مقدمةً لحصول المقدّمة الموصلة ، وهذا محال.

اشكال المحاضرات على الكفاية

وأورد في (المحاضرات) (١) على المحقّق الخراساني ـ في قوله : بأنّ الغرض من المقدّمة هو التمكّن من ذي المقدّمة ـ : بأنّ التمكّن منه ليس من آثار وجود المقدّمة ، بل هو من آثار التمكّن منها ، فلا يكون الأثر مترتّباً على مطلق المقدّمة كي يكون وجوبها تابعاً لهذا الأمر. هذا أوّلاً.

وثانياً : إنّه لو كان وجوب المقدّمة من أجل التمكّن من ذيها ، فإنّه تنتفي القدرة على ذي المقدّمة بانتفائها على المقدّمة ، ومع انتفاء القدرة عليه فلا وجوب له ، فلو كان وجوب ذي المقدّمة منوطاً بالتمكّن المترتّب من وجود المقدّمة ، كانت القدرة شرطاً للوجوب ، مع أنّ تحصيل القدرة غير لازم ، فيجوز حينئذٍ تفويت ذي المقدّمة ، وهذا باطل. فالقول بأنّ الغرض من المقدّمة هو التمكّن من ذيها باطل.

قال الأُستاذ

إنّه لمّا كان الأصل في هذا التحقيق هو المحقّق الاصفهاني ، فالأولى التعرّض لكلامه ، فإنّه قال في (نهاية الدراية) (٢) ما حاصله : إنّ المقصود من «المقدّمة» في كلمات القوم لا يخلو عن أحد وجوه ثلاثة :

أحدها : أن يكون المراد ما كان عدمه مستلزماً لعدم ذي المقدّمة ، فيكون

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ / ٢٥٥.

(٢) نهاية الدراية ٢ / ١٣٧.

٨١

وجودها متعلّقاً للغرض.

والثاني : أن يكون الغرض منها ترتّب إمكان ذي المقدّمة على وجودها.

والثالث : إنّ الغرض هو التمكّن من ذي المقدّمة.

(قال) : والاحتمالات كلّها مردودة :

أمّا استلزام عدم المقدّمة لعدم ذيها ، ففيه : إنّ الأمر العدمي لا يمكن أن يكون غرضاً للوجود ، بل الأمر العدمي من لوازم الغرض ، ولازم الغرض غير الغرض ، فلا يصحّ القول بأنّ الغرض من المقدّمة أن لا يلزم من عدمها عدم ذي المقدّمة.

وأمّا أنّ الغرض من المقدّمة إمكان ذي المقدّمة ، ففيه : إنّ الإمكان إمّا ذاتي وامّا وقوعي وامّا استعدادي. أمّا الإمكان الذاتي الثابت لذي المقدّمة ، فإنّه لا يتوقّف على وجود المقدّمة ، لأنّه استواء نسبة الماهيّة إلى الوجود والعدم ، وهذا المعنى حاصل لذي المقدّمة بلا توقّف على المقدّمة.

وأمّا الإمكان الوقوعي ، أي ما لا يلزم من وجوده محال ، فهذا أيضاً حاصل لذي المقدّمة بلا توقّف على وجودها.

وأمّا الإمكان الاستعدادي لذي المقدّمة ، فهو منوط بالقدرة ، فإنْ وجدت عند الإنسان تمكّن وإلاّ فلا ... على أنّ القدرة والقوّة على الفعل مقدّمة لوجوبه لا لوجوده ، وكلامنا في المقدّمة الوجوديّة.

وأمّا أنّ الغرض هو التمكّن من ذي المقدّمة ، بأن يكون التمكّن منه موقوفاً على وجودها ، فهذا أيضاً مردود ، لأن المراد من التمكّن ـ سواء كان العقلي أو العرفي ـ هو القدرة على ذي المقدّمة ، لكنّ القدرة عليه موقوفة على التمكّن من المقدّمة لا على وجودها.

٨٢

وإذا بطلت الاحتمالات ، بطل القول بأنّ الغرض من المقدّمة هو التمكّن من ذي المقدّمة.

تحقيق الأُستاذ

قال الأُستاذ : إنّ المهمّ في كلمات الكفاية قوله بأنّ الغرض من المقدّمة هو التوقّف والمقدميّة ، ومن الواضح أنّ هذا غير التمكّن من ذي المقدّمة ، كي يرد عليه اشكال المحاضرات من أنّ التمكّن منه أثر التمكّن من المقدّمة وليس بأثرٍ لوجودها ... كما أنّ التوقّف ليس بأمرٍ عدمي ، كي يرد عليه إشكال المحقّق الأصفهاني ... وتوضيح مراد المحقّق الخراساني من «المقدميّة» هو أنّ المقدّمة لها دخل في وجود ذي المقدّمة دخل المقتضي في المقتضى أو دخل الشرط بالنسبة إلى المشروط. فالمقدّمة إمّا مقتضٍ أو شرط ، ومن الواضح : إنّ الاقتضاء والشرطيّة من خواصّ وجود المقتضي ووجود الشرط ، فإذا فقد فلا اقتضاء. ثمّ إنّ الاقتضاء أثر لمطلق وجود المقتضي والشرط ، لا خصوص الشرط أو المقتضي الفعليين.

فظهر عدم ورود شيء ممّا ذكر على المحقّق الخراساني ، فهو يرى أنّ المراد من المقدّمة هو الاقتضاء ، وهو يتحقّق بنفس وجودها ـ لا أنّه الاقتضاء الفعلي المنتهى إلى حصول ذي المقدّمة كما يقول صاحب الفصول ـ غير أنّ حصول كلّ واحدة من المقدمات تغلق أحد أبواب عدم ذي المقدّمة ، وإذا حصلت المقدّمات كلّها أوصلت إلى ذي المقدّمة.

وتلخّص : تماميّة مبنى الكفاية ثبوتاً.

الكلام على اشكالات الكفاية على الفصول

ثمّ إنّ الأُستاذ تكلّم على إشكالات الكفاية على الفصول ، (فأمّا الأوّل) وهو انحصار الواجب من المقدّمات بما يكون من قبيل الأسباب التوليديّة ، وأمّا ما

٨٣

يكون الاختيار واسطة بينها وبين ذي المقدّمة فليس بواجب ، لأنّ الإرادة من أجزاء السّبب ، وهي غير قابلة لتعلّق الوجوب (ففيه) :

إنّه إن كانت اختياريّة الشيء بكونه مسبوقاً بالإرادة ، فالإشكال وارد ، لأنّ الإرادة قد لا تتعلّق بها الإرادة فلا تكون اختياريّة ، واستلزام كلّ إرادة لإرادة أُخرى مستلزم للتسلسل كما قال المحقّق الخراساني. ولكنّ المناط في تعلّق التكليف هو اختياريّة المكلّف به ، سواء كانت بالذات أو بالعرض ، والاختيار في الارادة هو بالذات ، واختياريّة الأفعال بالعرض ، أي إنّها اختياريّة بسبب تعلّق الاختيار بها ، وإذا كانت الاختياريّة بالعرض مصحّحة للتكليف ، فالاختياريّة بالذات كذلك بطريقٍ أولى ، فكما يصحّ أن يقال : صلّ ، يصح أن يقال : اختر الصّلاة ، لأنّ الاختيار مقدور بالذات وبه يصحّ تعلّق التكليف.

وعلى الجملة ، فإنّ الاختيار أمر اختياري بالذات ، فيصحُّ تعلّق التكليف به ، كسائر الأجزاء إن كان المكلّف به ذا أجزاء.

(وأمّا الثاني) وهو سقوط الأمر الغيري بالإتيان بالمقدّمة ، ومنشأ السقوط هو الإطاعة فقط ، فدلّ ذلك على أنّ متعلّق الأمر مطلق المقدّمة (ففيه) :

إنّ هذا أشبه بالمصادرة ، لأنّ الواجب إن كان طبيعي المقدّمة فلا محالة يكون وجه سقوط الأمر حصول الإطاعة والامتثال ، لكنّ للقائل بخصوص المقدّمة الموصلة أن يقول : إنّه بعد أن جاء بالمقدّمة إمّا يأتي بذي المقدّمة أو لا يأتي ، فإنْ جاء به ، فقد سقط الأمر بذي المقدّمة بالإتيان به وسقط الأمر بالمقدّمة لكونها أوصلت إليه ، وإنْ لم يأت بذي المقدّمة ، فقد عصى الأمر النفسي المتعلّق به وكان سقوطه بالعصيان ، وكذا الأمر الغيري المتعلّق بالمقدّمة ، فقد عصي ، لأنّ المفروض تعلّقه بالحصّة الموصلة إلى ذي المقدّمة ، والمفروض عدم تحقّق

٨٤

الإيصال إليه.

والحاصل : إنّ سقوط الأمر الغيري لا يكون إلاّ إذا كان المتعلّق مطلق المقدّمة ، وهذا أوّل الكلام.

(وأمّا الثالث) وهو لزوم اجتماع النفسيّة والغيريّة في ذي المقدّمة (ففيه) : إنّه مردود بما يجاب به عن دليل الميرزا على بطلان المقدّمة الموصلة ، ولنتعرّض لذلك ثمّ نذكر الجواب :

اشكالات الميرزا على الفصول

إنّ تخصيص وجوب المقدّمة بخصوص الحصّة الموصلة يستلزم إمّا الدور في الوجود أو الوجوب ، وامّا الخلف أو التسلسل.

وتوضيح ذلك : إنّ المقسّم للشيء تارةً : يكون في رتبة وجود الشيء وأُخرى : في رتبةٍ متأخرة عن وجوده ، فالأوّل مثل تقسيم الأجناس إلى الأنواع ، حيث أنّ الجنس يقسّم إليها بواسطة الفصل وهو في مرتبة الجنس ، وكتقسيم النوع إلى الأصناف كالانسان إلى الزنجي والرومي ... وما نحن فيه من القسم الثاني ، حيث أنّ المقدّمة تنقسم إلى الموصلة وغير الموصلة ، لكنّ عنوان «الموصلة» منتزع من شيء متقدّم وهو «وجود» ذي المقدّمة ، إذ المقدّمة بذاتها لا تنقسم إلى ذلك ، وإنّما تنقسم إلى القسمين المذكورين إذا وُجد ذو المقدّمة بعد وجودها ، فوصف المقدّمة بالموصليّة يكون بعد وجودها ووجود ذي المقدّمة بعدها ، وأمّا قبل وجود ذي المقدّمة فلا يوجد إلاّ ذات المقدّمة.

وعلى هذا ، فلو كان متعلّق الأمر الغيري هو المقدّمة الموصوفة بالموصليّة لزم الدور ، لأنّ وصفها بالموصليّة موقوف على وجود ذي المقدّمة ، ووجوده موقوف على وجود المقدّمة.

٨٥

وهذا هو الدّور في الوجود ، وهو بيانه في الدّورة الأُولى (١).

وأمّا بيان الدور في الوجوب ـ وهو ما يستفاد من كلامه في الدورة الثانية (٢) ـ فهو : إنّه قد تقدّم كون عنوان الموصليّة منتزعاً من وجود ذي المقدّمة ، وعليه ، فذو المقدّمة من قيود المقدّمة الموصلة ومن مقوّماتها ، فيقع الدور في الوجوب ، من جهة أنّ وجوب ذي المقدّمة علة لوجوب المقدّمة ، إلاّ أنّه لو لا وجوب المقدّمة لما وجب ذو المقدّمة ، لكونه من قيودها كما تقدّم.

وأمّا الخلف أو التسلسل ، فلأنّ الواجب لو كان خصوص المقدّمة الموصلة كانت ذات المقدّمة من مقدّمات تحقّق المقدّمة خارجاً ، فإنْ كان الواجب هو الذات فقط بلا تقيّد بالايصال ، لزم الخلف ، وإن كان الذات المقيَّدة بالإيصال هو الواجب ، كان نسبة «الذات» إلى «الإيصال» نسبة «المقدّمة» إلى «ذي المقدّمة» ، وحينئذٍ ، ينتقل إلى الذات وأنّها واجبة مطلقاً أو مقيَّدة بالإيصال. والأوّل خلف والثاني مستلزم للتسلسل.

والجواب :

وقد أجاب السيد الأُستاذ عن هذه المحاذير (٣) وكذا شيخنا دام بقاه ، فأفاد ما ملخّصه :

أمّا عن لزوم الدور في الوجود ، فلأنّ وجود ذي المقدّمة غير متوقّف على المقدّمة بوصف الوجود ، إذ لا دخل لوصفها بالوجود في تحقّق ذيها ، بل إنّه موقوف على ذاتها.

وأمّا عن لزوم الدور في الوجوب ، فلأن الوجوب النفسي لذي المقدّمة

__________________

(١) فوائد الأُصول (١ ـ ٢) ٢٩٠ ط جماعة المدرّسين.

(٢) أجود التقريرات ١ / ٣٤٥ ـ ٣٤٦.

(٣) منتقى الأُصول ٢ / ٢٩٦.

٨٦

يكون منشأً للوجوب الغيري للمقدّمة ، لكن ذا المقدّمة يتّصف بالوجوب الغيري أيضاً من حيث أنّه لولاه لما اتّصفت المقدمة به ، فلا يلزم الدور في الوجوب ، وإنّما اللازم هو اجتماع الوجوب النفسي والغيري في شيء واحد وهو ذو المقدّمة ، وهذا لا مانع منه ، لأنّه يؤول إلى الاندكاك وتحقّق وجوب واحدٍ مؤكّد على مبنى الميرزا ، فلا دور.

وأمّا عن لزوم الخلف أو التسلسل ، فلأنّ هذا المحذور إنّما يترتّب بناءً على وجوب أجزاء المركّب بالوجوب الغيري ... لأنّ المقدّمة الموصلة مركّبة من جزءين هما ذات المقدّمة وتقيّدها بالإيصال ، وحينئذٍ ، فلو قلنا بأنّ الأجزاء متّصفة بالوجوب الغيري لزم المحذور ، لأنّ الذات مقدّمة لهذا المركب ، فتكون واجبةً بالوجوب الغيري أيضاً ، لكن الأجزاء غير واجبة بالوجوب الغيري لذي المقدّمة ، بل المقدّمة هو المركّب ، فأصل الاستدلال باطل.

قال الأُستاذ

لكن يمكن تقريب الاشكال بوجهٍ آخر بأن يقال : إنّ المفروض على مبنى الفصول كون الإيصال منتزعاً من وجود ذي المقدّمة ، فلو كان متعلّق الوجوب الغيري هو المقدّمة الموصلة ، لزم وجود الوجوب الغيري بعد وجود الوجوب النفسي ، لتقدّم منشأ الانتزاع في الوجود على الأمر الانتزاعي ، فيلزم اجتماع التقدّم والتأخّر في الشيء الواحد.

وهنا لا بدّ من التعرّض لكلام المحقّق الاصفهاني في تقريب مبنى الفصول ، وبه تنحلّ المشكلات.

تحقيق المحقّق الاصفهاني

والعمدة هو فهم كيفية أخذ «الإيصال» في المقدّمة ، إذ لا ريب في أن متعلّق

٨٧

الوجوب هو ما دخل تحت الطلب من طرف المولى ، فهل هو عبارة عن المقدّمة بوصف الموصليّة إلى ذي المقدّمة المنتزع من ذي المقدّمة ، أي المقدّمة المقيّدة بوجود ذيها ، أو أنّ المراد منها عبارة عن الحصّة التوأمة مع وجود ذي المقدّمة كما هو المستفاد من كلام المحقّق العراقي ، أو المراد منها العلّة التامّة ، أو الحصّة ـ من المقدّمة ـ الملازمة لوجود ذي المقدّمة ـ لا المقيَّدة بوجوده ـ كما هو المستفاد من كلام المحقّق الأصفهاني؟

والحاصل : إنّ المحقّق الاصفهاني يرى أنّ المراد من المقدّمة هي الحصّة منها الملازمة لوجود ذيها ، هذا في تقريب. وفي تقريب آخر : أنّ المراد هو العلّة التامّة. وعلى كلّ منهما فإشكال الكفاية من اجتماع المثلين ، وكذا ما طرحناه أخيراً من اجتماع المتأخّر والمتقدّم في الشيء الواحد ... يرتفع ....

قال قدّس الله روحه (١) :

إنّ المراد من المقدّمة ما يكون مقدّمةً لذيها بالفعل لا بالقوّة ، فالحطب مقدّمة للطبخ ، لكنه تارةً : مقدّمة بالقوّة وهو ما كان قبل الاشتعال ، وأُخرى : بالفعل وهو ما كان مشتعلاً ، وهاتان حصّتان من وجود الحطب ، وكذا الكلام في اشتراط الشيء بشرطٍ ، فإنّه تارة يكون شرطاً بالقوّة وأُخرى بالفعل ، فإنْ كان المقتضي بالفعل فسيكون الشرط أيضاً فعليّاً ، كما في يبوسة الحطب ومماسّته للنار من أجل الاحتراق ، فلا يمكن تماميّة الاقتضاء إلاّ مع فعليّة الشرط ، وإذا تمّ الأمران ، أصبح المشروط والمقتضى فعليّاً ....

وعلى الجملة ، فإنّه يوجد تلازم بين أجزاء العلّة ، ويوجد تلازم بين أجزاء العلّة ـ المقدّمة ـ مع المعلول ، وهو ذوها.

__________________

(١) نهاية الدراية ٢ / ١٣٨ ـ ١٣٩.

٨٨

ومن الواضح : إنّ التلازم غير التوقّف ... ولذا يكون بين «الابوّة» و «البنوّة» تلازم ، لكنْ لا توقف لأحدهما على الآخر.

وعلى هذا ، فإنّ المراد من المقدّمة الموصلة هو المقدّمة الملازمة ـ أو التوأمة ـ مع وجود ذيها ، لا أنّ وجوده موقوف على وجودها ، بل إنّ فعليّتهما تكون في عرضٍ واحد وليستا في الطول ليرد عليه الإشكال.

وملخّص هذا البيان :

أوّلاً : إنّ المطلوب من المقدّمة هو الحصّة الموجودة بالفعل منها لا بالقوّة.

وثانياً : إنّ بين المقدّمة وذيها تلازماً من قبيل التلازم بين أجزاء المقدّمة والعلّة التامّة ، وليس بينهما توقّف.

وثالثاً : إنّه لمّا كان الغرض قائماً بوجود ذي المقدّمة ، وهو لا يتحقّق إلاّ بالمقدّمة ، فالإرادة تتعلّق بنفس ذي المقدّمة ، ويحصل منها إرادة تبعيّة غيريّة متعلّقة بالمقدّمة ، ولا يمكن أن يكون متعلّقاً بالقوّة كما تقدّم.

فظهر بذلك أنّ المراد من الموصليّة ليس الإناطة والتقييد ، فكلّ الإشكالات المتقدّمة من الميرزا والكفاية وغيرهما مندفعة.

أقول :

هذا البيان في المحقّق الأصفهاني هو أحد التقريبين منه لمبنى صاحب الفصول.

وأمّا التقريب الآخر له ، فهو على أساس كون المراد من المقدّمة هو العلّة التامّة ، وقد تعرّض له شيخنا كذلك ، ثمّ أورد عليه اشكالات ، كلّها ترجع إلى خصوصيّاتٍ وجزئيّات في كلام المحقّق الاصفهاني. أمّا بالنسبة إلى ما يتعلّق بدفع الإشكالات المزبورة ، فقد وافق الأُستاذ على ما ذكره من أنّ : متعلّق الإرادة الغيريّة

٨٩

هو الحصّة الملازمة مع وجود ذي المقدّمة لا الحصّة المقيّدة بالإيصال إليه ... والفرق بين المسلكين واضح ، فإنّه على مسلك المحقّق الأصفهاني تكون المقدّمة هو ما ينتهي إلى وجود ذيها ، وعلى مسلك صاحب الفصول قد يقع التخلّف بينهما ، لأنّه قيد ومقيّد. والصحيح هو الأوّل ، لأن ما ينتهي إلى ذي المقدّمة يكون دائماً متعلّقاً للإرادة الغيريّة والشوق الغيري ، وأمّا على الثاني فالإشكالات ترد ، لأنّ التقيّد بوجوده لا يكون إلاّ بنحو الاشتراط به بنحو الشرط المتأخّر ، فيقع البحث عن كيفيّة هذا الاشتراط ، وأنّه في الواجب أو الوجوب ، بخلاف المسلك الأوّل ، فإنّه لا اشتراط ـ بناءً عليه ـ لا في الواجب ولا في الوجوب ، بل الواجب من المقدّمة عبارة عن الحصّة منها الملازمة مع وجود ذيها ، ووجود أحد المتلازمين ليس مشروطاً بوجوب الملازم الآخر حتّى يبحث فيه عن أنّه شرط للوجوب أو الواجب.

وهذا هو الحق ، وهو تامّ ثبوتاً ، وكذا إثباتاً ، والوجدان قائم على أنّه إذا تعلّق الشوق بشيء ، فكلّ ما يكون في طريقه فهو مشتاق إليه دون ما ليس كذلك.

هذا تمام الكلام في المقام ، ويبقى التحقيق عن ثمرة البحث.

ثمرة النّزاع بين المشهور والفصول

ذكر صاحب الفصول في بيان ترتّب الثمرة على مختاره ما ملخّصه (١) : إنّ الأمر بالشيء يقتضي إيجابه لنفسه وإيجاب ما يتوقّف عليه من المقدّمات للتوصّل إليه ، ومن جملة المقدّمات ترك الأضداد المنافية للفعل ، لأنّ مقدّمة المقدّمة مقدّمة.

وتوضيحه : إنّ هذه الثمرة تترتّب على النزاع فيما لو أُمر ـ مثلاً ـ بإنقاذ

__________________

(١) الفصول الغرويّة : ٨٦.

٩٠

الغريق وتوقّف ذلك على ترك الصّلاة ، بناءً على المقدّمات التالية :

١ ـ أن يكون ترك أحد الضدّين مقدّمة لفعل الضدّ الآخر ، كأن يكون ترك الصّلاة مقدّمة لفعل الإنقاذ.

٢ ـ أن يكون الأمر بالشيء مقتضياً للنهي عن ضدّه ، فإذا وجب الإنقاذ كان الصّلاة مورداً للنهي.

٣ ـ أن يكون النهي عن العبادة مقتضياً للفساد ، فتكون الصّلاة باطلة في المثال.

فبناءً على أنّ الواجب مطلق المقدّمة ـ كما عليه المشهور ـ فالصّلاة باطلة ، للمقدّمات المذكورة ، وأمّا بناءً على أنّه خصوص المقدّمة الموصلة ـ كما عليه صاحب الفصول ـ فصحيحة ، لأنّ الإتيان بالصّلاة ليس نقيضاً لتركها الموصل إلى الإنقاذ حتى تكون مورداً للنهي فتبطل ، بل نقيض ترك الصّلاة الموصل إلى الإنقاذ هو عدم هذا الترك الموصل ، وهو ـ أي ترك الصّلاة كذلك ـ ليس عين الصّلاة ليتوجّه النهي إليها فتبطل ، بل إن عدم تركها يمكن أن يتحقّق بفعلها وأن يتحقّق بفعلٍ آخر كالنوم مثلاً. فهذه هي الثمرة ، ذكرها في الفصول وقرّرها المحقّق الخراساني في الكفاية.

إشكال الشيخ

ثمّ ذكر في (الكفاية) (١) إشكال الشيخ الأعظم على الثمرة ، وأنّ مقتضى القاعدة هو البطلان على كلا القولين ، بتقريب : إن نقيض ترك الصّلاة الموصل إلى الإنقاذ له فردان : فعل الصّلاة أو تركها المجرّد عن الإيصال إلى الإنقاذ ، وبناءً على اقتضاء الأمر بالشيء لحرمة نقيضه ، فإنّه تسري الحرمة إلى كلٍّ من الفردين ،

__________________

(١) كفاية الأُصول : ١٢١.

٩١

فتبطل الصّلاة على القولين.

جواب الكفاية

وأجاب عنه صاحب الكفاية : بالفرق بين نقيض الترك الموصل والترك المطلق ، وحاصله : إنّ نقيض ترك الصّلاة المطلق هو الصّلاة ، فترك الترك هو فعلها ، وإذا كان الانقاذ واجباً والصّلاة نقيضه ، فإنّ الإتيان بها منهيٌّ عنه ، فتبطل ... أمّا بناءً على مسلك الفصول وأنّ المقدّمة لتحقّق الإنقاذ هو ترك الصّلاة الموصل ، فإنّ النقيض عدم هذا الترك ، وعليه ، فيكون فعل الصّلاة مقارناً لهذا الترك ـ إذ أنّه يتحقّق بفعلٍ آخر كالنوم مثلاً ـ وإذا كان مقارناً ، فإنّ حرمة الشيء لا تسري إلى مقارنه ، فلا تكون الصّلاة باطلة.

أقول :

ملخّص إشكال الشيخ : أمّا على المشهور ، فإنّ فعل الصّلاة وإنْ لم يكن نقيض المقدّمة فهو مصداق لنقيضها أو لازمٌ له ، فالنقيض لترك الإنقاذ هو ترك ترك الإنقاذ ، وهذا منطبق على نفس فعل الصّلاة ، فتكون فاسدة. أمّا على مبنى الفصول ، فإنّ هذا العنوان منطبقٌ ، لكن مورد الانطباق أمران أحدهما فعل الصّلاة والآخر مجرّد الترك ، فكلاهما مورد انطباق النقيض ... فالصّلاة فاسدة كذلك.

وملخّص جواب الكفاية : عدم انطباق النقيض على فعل الصّلاة ، بل هو ملازم للنقيض ، وحرمة الملازم لا يوجب حرمة الملازم الآخر ، فالثمرة مترتّبة.

بيان المحقّق الاصفهاني لانتفاء الثمرة ردّاً على الكفاية

وذهب المحقّق الاصفهاني (١) إلى عدم الفرق بين القولين في النتيجة ، وهي بطلان الصّلاة. أمّا على قول الفصول : فإنّ المقدّمة الموصلة ـ بناءً على كون ترك

__________________

(١) نهاية الدراية ٢ / ١٥٠.

٩٢

الضدّ مقدّمةً للضدّ الآخر ـ إمّا هي العلّة التامّة وامّا هي المقدّمة التي لا تنفك عن ذيها.

أمّا بناءً على كونها العلّة تامّةً ، فإنّ المقدّمة هي ترك الصّلاة وإرادة الإنقاذ ، فالعلّة مركّبة من هذين الجزءين ، ونقيض ترك الصّلاة هو فعلها ، كما أنّ نقيض إرادة الإنقاذ هو عدم إرادته ، فالعلّة التامّة مجموع الجزءين ـ ترك الصّلاة وإرادة الإنقاذ ـ وهذا المجموع واحد اعتباري والنقيض هو : وجود الصّلاة وعدم إرادة الإنقاذ ، وهذا المجموع أيضاً واحد اعتباري ، لكنّ الذي هو مقدّمة حقيقةً هو ترك الصّلاة خارجاً ووجود الإرادة خارجاً ، أمّا مجموعهما فليس بموجودٍ في الخارج بل هو أمر اعتباري كما تقدّم ، وإذا كان متعلّق الأمر الوجوبي الغيري ترك الصّلاة ووجود الإرادة ، فإنّه يستلزم النهي عن نقيضهما وهما فعل الصلاة وعدم إرادة الإنقاذ ، فيحرم هذان حرمةً واحدة ، كما وجب ترك الصّلاة ووجود الإرادة بوجوبٍ واحد ... وإذا تعلّقت الحرمة بالصّلاة بطلت.

وحاصل هذا هو أنّ الصّلاة بنفسها تكون نقيضاً للمقدّمة.

وأمّا بناءً على أن المقدّمة هي المقدّمة التي لا تنفك عن ذيها ويترتّب عليها ذو المقدّمة ، فإنّها مركّب من الشيء ـ وهو الترك ـ. وتقييده بقيدٍ وهو الموصليّة ، والترك أمر عدمي والموصليّة أمر وجودي ، ونقيض ذلك العدمي هو فعل الصّلاة ، ونقيض ذلك الوجودي هو عدم الموصليّة ، وكما كانت المقدّمة كذلك متعلّق الوجوب ، فنقيضها أيضاً يكون متعلّق النهي ، فتكون الصّلاة محرمة ، فهي باطلة.

إشكال الأُستاذ

وأورد عليه الأُستاذ :

أوّلاً : إنّ تعدّد النقيض ظرفه هو الخارج ، ولكن الوجود الخارجي لفعل الصّلاة وعدم إرادة الإنقاذ مسقط للتكليف ، وليس وجود التكليف حتّى يكون

٩٣

محكوماً بالحرمة فالفساد.

وثانياً : هذا الجواب بظاهره غير كاف ، لأنّه يتكفّل الجواب عن الشق الأوّل وهو كون المقدّمة الموصلة هي العلّة التامّة. وأمّا الشق الثاني وهو كونها المقدّمة التي لا تنفك عن ذيها ، فلم يذكر جوابه ، ولعلّ الجواب هو : أنّكم قد اعترفتم أن لا نقيض للترك الخاص بما هو ، لأنّه ليس رفعاً لشيء ولا هو مرفوع بشيء ، ثمّ قلتم : بل نقيض الترك المرفوع به الفعل ونقيض خصوصيّته عدمها الرافع لها.

فيكون الفعل محرّماً لوجوب نقيضه.

فأقول : إذا لم يكن نقيضاً فهو ملازم أو مقارن كما قال صاحب الكفاية. هذا أوّلاً.

وثانياً : إنّ متعلّق الوجوب هو الترك الخاص كما ذكرتم ، والفعل ليس نقيضاً للترك الخاص لوجود فرد آخر وهو النوم أو أيّ فعل وجودي آخر ....

وعلى الجملة ، فإنّ النقيض ـ كما ذكر هذا المحقّق ـ إمّا الرفع للشيء وامّا المرفوع بالشيء ، والمقصود من رفع الشيء عدمه ، ومن المرفوع به الوجود الذي به يرتفع العدم ، وعلى هذا ، فإنّه لما كان العلّة التامّة هنا هي ترك الصّلاة الموصل وإرادة الإنقاذ ، كان نقيض الترك المذكور هو فعل الصّلاة لأنّه المرفوع بتركها ، لكنّ كون فعل الصّلاة نقيضاً للعلّة التامّة محال ، لأنّها ليست برفعٍ للعلّة التامّة لأنّها وجوديّة والرفع عدم ، ولا هي مرفوع بالعلّة التامّة ، لأنّ المفروض كون العلّة التامّة مركّبة من وجود إرادة الإنقاذ ومن عدم الصّلاة ، وإذا لم تكن رفعاً للعلّة ولا مرفوعاً بها ، استحال أن تكون نقيضاً ، فلا يتعلّق بها النهي فلا فساد. فالحقّ مع الكفاية.

وتلخّص : إنّه بناءً على تماميّة المقدّمات الثلاث فالثمرة مترتّبة ، ولكنّ الكلام في تماميّتها لا سيّما الأُولى منها.

وهذا تمام الكلام في النفسي والغيري ، والحمد لله.

٩٤

هل المقدّمة

واجبةٌ شرعاً؟

٩٥
٩٦

وقد وقع الكلام بين الأعلام في المقدّمة ، هل هي واجبة بالوجوب الشرعي أو إنها لابديّة عقلية؟

والأقوال المهمّة في المسألة أربعة ، قد ذكرها صاحب الكفاية أيضاً.

١ ـ الوجوب مطلقاً.

٢ ـ عدم الوجوب مطلقاً.

٣ ـ التفصيل بين السبب وغيره.

٤ ـ التفصيل بين المقدّمة الشرعيّة وغيرها.

مقتضى الأصل العملي

إلاّ أنّ المحقّق الخراساني قدّم البحث عن مقتضى الأصل في المقام على ذكر الأدلّة ، وتبعه على ذلك غيره ، قال (١) :

اعلم أنّه لا أصل في محلّ البحث في المسألة ، فإن الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذي المقدّمة وعدمها ، ليست لها حالة سابقة ، بل تكون الملازمة أو عدمها أزليّةً ، نعم ، نفس وجوب المقدّمة يكون مسبوقاً بالعدم ، حيث يكون حادثاً بحدوث وجوب ذي المقدّمة ، فالأصل عدم وجوبها.

والحاصل : إن هنا مسألتين ، مسألة أُصوليّة ، وهي هل وجوب ذي المقدّمة

__________________

(١) كفاية الأُصول : ١٢٥.

٩٧

يلازم وجوب المقدّمة أو لا؟ فهذه مسألة كبروية أُصولية تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي ، فإذا ثبتت الملازمة أفتى الفقيه بوجوب المقدّمة وجوباً شرعيّاً ، وإلاّ فلا.

ومسألة فقهيّة فرعيّة ، هل المقدّمة واجبة أو لا؟

إذا علم هذا ، فإنّ الأصل المطروح في المقام هو الاستصحاب ، وصاحب الكفاية يرى جريانه في المسألة الفقهيّة دون المسألة الأُصوليّة ، فمن قوله «اعلم ...» يريد الأُصوليّة ، ومن قوله : «نعم ...» يريد الفقهيّة ، فالكلام في مقامين :

المقام الأوّل (مقتضى الأصل في المسألة الأُصولية)

إنّه يمكن طرح الاستصحاب في الأُصوليّة في الجعل ، بأن يكون الأصل عدم جعل الملازمة ، ويمكن طرحه في المجعول ، بأن يكون الأصل عدم الملازمة نفسها ....

يقول المحقّق الخراساني بعدم جريان الاستصحاب في المسألة الأُصوليّة لعدم تماميّة أركانه فيها ، لعدم الحالة السابقة ، بل تكون الملازمة أو عدمها أزليةً.

وتوضيح ذلك : قالوا إنّ هناك أُموراً تلازم الماهيّة ولا تنفكُّ عنها ، سواء كانت الماهيّة موجودةً أو لا ، كالزوجيّة بالنسبة إلى الأربعة كما يقولون. وإنّ هناك أُموراً تلازم وجود الماهيّة كالحرارة الملازمة لماهيّة النار الموجودة خارجاً ....

وعلى هذا ، فإنّ لوازم الماهيّة لا تكون مسبوقة بالعدم ، بخلاف لوازم الوجود فلها حالة سابقة ، لأنّها قبل أن تكون الماهيّة كانت معدومة وبوجودها وجدت.

ثمّ إنه يقول بأنّ الملازمة بين وجوب المقدّمة ووجوب ذيها هي من قبيل لوازم الماهيّة لا من قبيل لوازم وجودها ، فإنّ وجوب المقدّمة لا ينفك عن وجود

٩٨

ذيها كما لا تنفكّ الزوجيّة عن الأربعة ، إنّها ملازمة موجودة عند العقل ... فليس لها حالة سابقة حتى تكون مجرى الاستصحاب.

قال الأُستاذ :

أوّلاً : إنّ كلام المحقّق الخراساني مبني على أن تكون الملازمة من لوازم الماهيّة ، وأمّا بناءً على أنّها من لوازم الوجود ، فإنّه كلّما وجد وجوب ذي المقدّمة استلزم وجود وجوب المقدّمة ، فالملازمة بين الوجودين ، وقد تقرّر أن الوجودين مسبوقان بالعدم فكذا لازمهما ، فالملازمة لها حالة سابقة.

وثانياً : إنّه يعتبر في المستصحب أن يكون إمّا حكماً شرعيّاً وامّا موضوعاً لحكم شرعي ، لكنّ الملازمة بين الوجوبين ليست بحكم شرعي بل هي من الموضوعات التكوينيّة ، ولا هي موضوع لحكم شرعي لعدم ترتّب شيء من الأحكام الشرعيّة عليها ، وعليه ، فإنّه لو أجري الاستصحاب في الملازمة ، كان لازم هذا الاستصحاب هو وجوب المقدّمة شرعاً وجوباً غيريّاً ، فكان وجوبها أثراً عقليّاً للاستصحاب ، وهو أصل مثبت.

وتلخّص : إنّ الملازمة إن كانت من لوازم الوجود لا الماهيّة ، فلها حالة سابقة خلافاً لصاحب الكفاية ، لكنّ الاستصحاب لا يجري إلاّ بناءً على القول بالأصل المثبت ، فظهر الفرق علماً وعملاً. أمّا علماً ، فالملازمة هي بين وجودي الماهيّتين لا نفس الماهيّتين. وأمّا عملاً ، فإنّ الاستصحاب يكون جارياً عند من يقول بحجيّة الأصل المثبت.

قال الأُستاذ :

لكنّ التحقيق عدم معقوليّة أنْ يكون للماهيّة لوازم ، وعدّهم الزوجيّة من لوازم الأربعة غير صحيح ، لأنّ الزوجيّة ماهيّة والأربعة ماهيّة ، ولا يعقل استلزام

٩٩

ماهيّةٍ لماهيّةٍ أُخرى ، لكون الماهيّات متباينات بالذات. هذا أوّلاً.

وثانياً : إنّه لا يتصوّر أنْ يكون للماهيّة ـ بقطع النظر عن الوجود ـ استلزام ، لأن كون الشيء ذا لزوم أمر وجودي ، والملازمة من الأُمور الوجوديّة ، فكيف تستلزم الماهيّة من حيث هي هي أمراً وجوديّاً؟

نعم ، الزوجيّة تلازم الأربعة ، لكنْ بوجودها الذهني أو الخارجي.

المقام الثاني (مقتضى الأصل في المسألة الفقهيّة)

وأمّا في المسألة الفقهيّة ، فالأصل المطروح هو الاستصحاب والبراءة بقسميها ، كما أنّ الاستصحاب يطرح في عدم الجعل وهو الوجوب ، وعدم المجعول ، أي عدم الوجوب ، فهي أربعة أُصول في هذا المقام.

قال صاحب الكفاية : بجريان الاستصحاب في الوجوب ، وقال جماعة : بعدم جريانه ، وعليه في المحاضرات ... وتحقيق ذلك في جهتين :

الجهة الأُولى : هل للاستصحاب مقتضٍ في هذا المقام؟

قال جماعة : بعدم وجود المقتضي للاستصحاب بالنسبة إلى عدم الوجوب خلافاً للخراساني صاحب الكفاية ، لأنّ الوجوب حادث ، فأركان الاستصحاب فيه تامّة. أمّا وجه عدم الجريان فهو : أنّ وجوب المقدّمة لا يقبل الجعل ، فلا معنى لاستصحاب العدم فيه ، والدليل على عدم قبول وجوب المقدّمة للجعل هو : أنّ وجوبها من لوازم وجوب ذيها كما تقدّم ، واللّوازم غير قابلة للجعل ، لا الجعل البسيط ـ وهو مفاد كان التامّة ـ ولا الجعل التأليفي الذي هو مفاد كان الناقصة.

وقد أجاب المحقّق الخراساني : بأنّ وجوب المقدّمة من لوازم وجوب ذيها ، وهو آبٍ عن الجعل البسيط والتأليفي كما ذكر ، لكنّه لا يأبى عن الجعل التبعي ، إذ اللزوم في لوازم الماهيّة هو بمعنى التبعيّة ، لأنّ جعل الماهيّة يكفي

١٠٠