تحقيق الأصول - ج ٢

السيّد علي الحسيني الميلاني

تحقيق الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٢
ISBN الدورة:
964-2501-52-X

الصفحات: ٤٠٠

فبناءً على الأول : عند ما يتوجّه الإنسان إلى الصّلاة المشروطة مصلحتها بالزوال ، فهو بالفعل ذو شوق إلى الصّلاة حتى قبل الزوال ، لكنّ ظرف الصّلاة إنما هو بعده ، وكذا الحجّ على تقدير الاستطاعة ، فإن الشوق إليه موجود فعلاً ولا قيد له ، إلاّ أن الحج يكون بعد الاستطاعة ، وكذا الحال في الصّلاة والطهارة.

والجواب :

هو : إنه لا ريب في أنّ الإيجاب من الأفعال الاختياريّة ، والمفروض صدوره عن فاعل مختار ، فلا بدّ وأن تكون هناك مصلحة وملاك لهذا الوجوب كما عليه أهل العدل ، فإنْ كان للتقدير دخل في الملاك والمصلحة ، كان الوجوب هو المقيَّد والمشروط ، وإنْ لم يكن له دخل ، فالوجوب مطلق غير مشروط ... فالقيد راجع إلى الوجوب لا الواجب.

أمّا على مسلك الأشعري ، فلا بدَّ من تماميّة الغرض الذي لأجله يصدر الحكم ، فإنّ كان القيد دخيلاً فيه ، فتحقّقه بدونه مستحيل ، ومع عدم تحقّق الغرض يستحيل جعل الوجوب.

خلاصة البحث :

هذا تمام الكلام على رجوع القيد إلى الهيئة أو المادّة.

وقد تبيَّن أنّ المقتضي إثباتاً لرجوعه إلى الهيئة تام ، وأن ما ذكروه مانعاً عن ذلك في مقام الثبوت مندفع ... فالحق رجوعه إلى الهيئة.

ولا يخفى ما يترتب على هذا البحث من الثمرة ... فإنّه إن رجع إلى الهيئة ، لم يلزم تحصيل القيد ، بل يكون الوجوب ثابتاً كلّما تحقق القيد ، وأمّا إن رجع إلى المادّة ، فالوجوب مطلق ، ولا بدّ من تحصيل القيد ....

٣٢١

مقتضى الأصل مع الشك

بعد أنْ تعرّضنا للقولين الأوّل والثاني ، حيث كان الأوّل للشيخ الأعظم ، والقول الثاني لمنتقدي نظريّته من الأعلام ، القائلين برجوع القيد إلى الهيئة ، وهو مختار الاستاذ دام بقاه ، تصل النوبة إلى الكلام في صورة الشك في رجوعه إلى الهيئة أو المادّة ، فما هو مقتضى الأصل ... وتحقيق ذلك في مقامين :

١ ـ الأصل اللفظي :

لقد ذكروا وجهين لكون الأصل اللّفظي وهو الإطلاق يقتضي رجوع القيد إلى المادّة ، وأنّ الهيئة تبقى مطلقة :

الوجه الأول :

وهو يتألّف من صغرى : إن إطلاق الهيئة شمولي وإطلاق المادّة بدلي ، ومن كبرى : إنه إذا دار الأمر بين رفع اليد عن أحد الإطلاقين المذكورين ، فإنّ مقتضى القاعدة أن يسقط الإطلاق البدلي ويبقى الشمولي (١).

أمّا الكبرى ، فمسلّمة عند الشيخ والميرزا ، فهما يقولون بتقدّم الشمولي البدلي تقدَّم العام على المطلق.

__________________

(١) وقد طرح المحقق الخراساني هنا مسألة ما إذا دار الأمر بين رفع اليد عن العموم أو الاطلاق ، فاختار تبعاً للشيخ الأعظم سقوط الاطلاق ، لكونه لا ينعقد إلاّ بمقدماتٍ منها عدم البيان ، والعام بيان ، ومعه لا ينعقد الاطلاق ، والشيخ الاستاذ لا يرتضي ذلك ، ويقول بأنّ أهل العرف لا يرون البيانيّة للعام دائماً بالنسبة إلى المطلق بل يتوقّفون.

٣٢٢

وأمّا الصغرى ، فلأن إطلاق الوجوب شمولي ، من جهة أن لقولنا «صلّ» إطلاقان ، أحدهما : الإطلاق المستفاد من نفس الهيئة ، والآخر : إطلاق الصّلاة بالنسبة إلى الطهارة ... وكلّما كان الحكم فيه ثابتاً على التقديرين ـ تقدير وجود الطّهارة وتقدير عدم وجودها ـ كان الإطلاق شموليّاً ، وأمّا إطلاق المادّة الواجب ـ فهو بدلي ، لأن المطلوب صرف وجود الحج ـ مثلاً ـ فهو يريد حجّاً ما ... فهو إطلاق بدلي.

وإذا ضممنا الصغرى إلى الكبرى ، حصلت النتيجة المذكورة.

وللمحقق الخراساني بيان آخر (١) ، فإنّه قال : إن الإطلاق الشمولي يثبت الحكم لجميع الأفراد في جميع الحالات ، كما في «لا تكرم الفاسق» فإنه يشمل زيداً وعمراً وبكراً ، ويشمل كلّ واحدٍ منهم في حال الانفراد وفي حال الانضمام إلى الغير ... وهكذا ... أمّا الإطلاق البدلي ، فإنه يثبت الحكم لكلّ فردٍ ، لكنْ في حالةٍ واحدةٍ ، كما في «أكرم عالماً» ، فزيد العالم يجب إكرامه في حال انفراده عن غيره ، أي منفرداً.

وعليه ، فإنّ الحكم في المطلق الشمولي يكون أقوى منه في المطلق البدلي.

إشكال المحقق الخراساني على الشيخ

قال رحمه‌الله : لكنّ ملاك التقدّم ليس هذه الأقوائيّة ، بل إنه الأظهريّة ، وقد كان تقدّم العام على المطلق بالأظهريّة ، لكون ظهور العام بالوضع ، فكان أظهر من ظهور المطلق في الإطلاق ....

وتلخّص : أن المحقق الخراساني غير موافق مع الشيخ في الكبرى.

__________________

(١) كفاية الأصول : ١٠٦.

٣٢٣

وأيضاً : فإنّ المحقق الخراساني قائل بالتفصيل في مسألة تقدّم العامّ على المطلق ، لأنه يرى أنّ من مقدّمات انعقاد الإطلاق عدم القدر المتيقّن في مقام التخاطب ، فيقول بأنّ العام قد يكون بياناً في مقام التخاطب ، وقد لا يكون.

أقول :

لكنّ كون المبنى والملاك في التقدّم عند التعارض هو : الأقوائيّة في الظهور هو من الشيخ في باب التعادل والتراجيح ... فالإشكال غير وارد على الشيخ ، نعم ، يرد عليه الإشكال بأن يقال له : بأنّ كلامكم في الأصل في مسألة دوران الأمر بين المطلق الشمولي والمطلق البدلي يتناقض مع كلامكم في باب التعادل والتراجيح ، حيث جعلتم الملاك هو الأقوائية في الظهور.

هذا تمام الكلام على ما ذكره المحقق الخراساني إشكالاً على الشيخ.

إشكال السيد الخوئي على الشيخ (١)

وأشكل في (المحاضرات) على الشّيخ في ناحية صغرى الاستدلال بما حاصله :

إن الإطلاق الشّمولي موجود في مثل «أكرم عالماً» أيضاً ، فالكبرى تامّة والصّغرى غير تامة ، لأنّه في المثال وإنْ كانت الدلالة المطابقيّة مطلوبية إكرام صرف العالم ، لكنّ الدلالة الالتزامية فيه هي الترخيص في التطبيق على كلّ فرد فرد من الأفراد ، وهذا حال الإطلاق الشمولي ، إذ العقل يرى في مثله تجويز الشارع تطبيق عنوان «العالم» على هذا وذاك وذاك ....

فلو اريد ترجيح «لا تكرم الفاسق» في مقام الاجتماع ، زال الترخيص

__________________

(١) محاضرات في أصول الفقه ٢ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩.

٣٢٤

المذكور عن «أكرم عالماً» وهذا غير صحيح.

وأجاب الأستاذ

عن هذا الإشكال بمنع وجود الترخيص الشرعي في التطبيق بين الأفراد في مثل «أكرم عالماً» ، وبإنكار الدلالة الالتزامية المذكورة ، بل إنه إذا تعلّق التكليف بصرف الوجود ، فإنّ العقل يرى عدم المنع في التطبيق على أيّ فرد شاء ... وعدم المنع عن التطبيق شيء ، والدلالة الالتزاميّة على الترخيص في التطبيق شيء آخر ... فالدلالة عقليّة ، وحدّ دلالة العقل هو ما ذكرناه.

فجواب (المحاضرات) عن استدلال الشيخ غير تام.

والصحيح ما أجاب به المحقق الخراساني ، من كون الملاك في التقدّم هو الأظهريّة.

استدلال الميرزا على تقدّم الإطلاق الشمولي بوجوه

والميرزا ـ رحمه‌الله ـ وافق الشيخ في تقديم الإطلاق الشمولي ، واستدلّ له بوجوه (١) :

أحدها :

إن الإطلاق ـ سواء في الشمولي أو البدلي ـ يتوقّف على مقدّمات الحكمة ، لكنّه في البدلي يتوقّف على مقدّمةٍ زائدة ليست في الشمولي ، وهي : إحراز المساواة بين أفراد الطبيعة في الوفاء بغرض المولى من الأمر ، بلا تفاوت بينها أصلاً ، ومع وجود الإطلاق الشمولي على خلافه ، والذي مفاده ثبوت الحكم لجميع أفراد الطّبيعة على السواء ، وإنْ اختلف الملاك فيها شدّةً وضعفاً ـ حيث أن النهي عن مرتكب الكبيرة من الفسّاق أشدّ منه عن مرتكب الصغيرة ... ـ لا يمكن إحراز الاستواء ، فلا ينعقد الإطلاق

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٢٣٦ ـ ٢٤٠.

٣٢٥

البدلي ، لصلاحيّة الإطلاق الشمولي لأنْ يكون بياناً للتعيين في بعض الأفراد دون البعض الآخر ، لأشديّة الملاك فيه ، كما في المثال المتقدّم.

والحاصل : إنه لا بدَّ في الإطلاق البدلي من إحراز التساوي بين جميع المصاديق حتى يمكن الامتثال بأيٍّ منها على سبيل البدليّة ، وإلاّ لزم الامتثال بالفرد الذي يتيقّن باستيفاء الملاك به ، ومع وجود الإطلاق الشمولي في المقابل فلا يمكن الإحراز ، لأنه في الفرد الذي يجتمع فيه الإطلاقان ـ وهو العالم الفاسق ـ لا يتحقق إحراز مساواته للعالم غير الفاسق ... فيترجّح الإطلاق الشمولي على البدلي ، لكونه مانعاً عن انعقاد مقدّمات الحكمة فيه.

إشكال الاستاذ

وأورد عليه الاستاذ : بأنّه في كلّ مطلق أو عام ، لا بدَّ من إحراز وفاء المتعلّق بتمام ملاك الحكم ، وإنْ كانت الأفراد غير متساوية ، ومع عدم الإحراز والشك في حصول الامتثال ، فلا بدَّ من الإتيان بالقدر المتيقَّن ، والحاصل : إنه لا ريب في ضرورة إحراز وفاء إكرام هذا الفرد المعيّن بغرض المولى من إيجاب إكرام العالم ، وكذا إحراز أنّه بترك إكرام ذلك الفرد قد تحقّق غرض المولى من نهيه عن إكرام الفاسق ... فإحراز الوفاء بالغرض لازم ، سواء في الإطلاق الشمولي والإطلاق البدلي.

لكنَّ الإطلاق في كلّ خطابٍ مطلقٍ يكون محرزاً للملاك ، إذ الحكم دائماً معلول للملاك ، وإطلاقه أيضاً معلول لإطلاق الملاك ، وحينئذٍ ، فإن الإطلاق في «أكرم عالماً» يعمّ الفاسق والعادل على حدّ سواء ، فالمقتضي لشموله للفاسق تام.

وعليه ، فتقع المعارضة بينه وبين دليل النهي عن إكرام الفاسق ، ولا

٣٢٦

مرجّح لأحدهما على الآخر ، فيسقط الأصل اللفظي الذي ادّعاه الميرزا لتقدّم الشمولي على البدلي.

الثاني : إنه لو دار الأمر بين امتثال أحد التكليفين وامتثال كليهما ، تقدَّم الثاني. وفيما نحن فيه : إنْ أكرمنا العالم العادل دون الفاسق ، فقد حصل الامتثال لقوله «أكرم عالماً» وقوله «لا تكرم فاسقاً» بخلاف ما لو أكرمنا عالماً فاسقاً ـ عملاً بإطلاق أكرم عالماً ـ فإنه لم يمتثل التكليف ب «لا تكرم فاسقاً» المنطبق على هذا العالم الذي أكرمناه بإطلاقه الشمولي ... إذنْ ، يترجّح الإطلاق الشمولي على البدلي.

الثالث : إنّ الملاك في الإطلاق البدلي ملاك تخييري ، والملاك في الشمولي تعييني ، ومن المعلوم أن الملاك التخييري لا يزاحم التعييني ، بل التعييني هو المقدَّم.

أجاب الاستاذ عن الوجهين : بأنه قد وقع الخلط بين التزاحم والتعارض ، ففي فرض وجود الحكمين ودوران الأمر بين امتثالهما معاً أو أحدهما ، فلا ريب في تقدّم امتثالهما كليهما ، إلاّ أن الكلام في أصل وجود الحكمين ، وأنّه هل يوجد الحكم ب «لا تكرم الفاسق» مع وجود إطلاق «أكرم عالماً»؟

إنه لا يخفى اقتضاء البدليّة في «أكرم عالماً» لأنْ يكون العالم الفاسق مصداقاً له ، لكن «لا تكرم الفاسق» بمقتضى شموليّته يدلّ على حرمة إكرامه ، فالمورد صغرى التعارض لا التزاحم ، والمرجع هنا هو المرجّح في باب التعارض وهو الأظهريّة ، وأظهريّة الإطلاق الشمولي من البدلي أوّل الكلام.

٣٢٧

قال الأستاذ :

ومع التنزّل عمّا في هذه الوجوه ، والتسليم باقتضائها تقدّم الإطلاق الشمولى ، فإنّ تقدّمه إنما يكون فيما لو كان التعارض بين الإطلاقين الشمولي والبدلي تعارضاً بالذات ، بأنْ يكون الدليلان متنافيين ، كما في «لا تكرم الفاسق» و«أكرم عالماً» حين يقع التعارض بينهما في العالم الفاسق ، أمّا لو كان التعارض بالعرض ـ كما لو كان هناك علم إجمالي بسقوط أحدهما في مورد الاجتماع ، مثلاً : لو ورد دليل في وجوب صلاة الجمعة ، ودليل آخر في وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة ، فإنّ الدليل القائم على عدم وجوب الصّلاتين في ظهر يوم الجمعة ، يفيد العلم الإجمالي بسقوط أحد الدليلين ـ فلا تجري القاعدة المذكورة ، وهي الرجوع إلى الأظهريّة.

ومورد البحث هنا من هذا القبيل ، لأنه لا تنافي بالذات بين إطلاق المادّة وإطلاق الهيئة ، في مثل «صلّ» ، لكنّ العلم الإجمالي بتقيّد أحد الإطلاقين يمنع من الأخذ بهما أو بأحدهما ، بل الإطلاقان كلاهما ساقطان.

والحاصل : إنه على فرض تماميّة الكبرى ، فإنّها إنما تجري في حال كون التعارض بالذات ، أمّا مع التعارض بالعرض فلا تجري ، فالإشكال حينئذٍ يعود إلى الصغرى ، فلو تمّت الوجوه المذكورة لإثبات أقوائية الإطلاق الشمولي من البدلي ، بأنْ يكون «لا تكرم الفاسق» أقوى من «أكرم عالماً» ، فلا محصّل لذلك فيما نحن فيه ، بل إنّه مع العلم الإجمالي لا يتقدّم الأقوى حتى لو كان هو الحاكم ، فإنّ الحاكم أقوى من المحكوم بحيث لا يصلح المحكوم للمعارضة معه ، ومع ذلك ، فمقتضى العلم الإجمالي بسقوط أحد الدليلين في مورد الاجتماع هو سقوط كليهما.

٣٢٨

فتلخّص : أنه مع العلم الإجمالي بتقيّد الوجوب أو الواجب ، يخرج المورد عن قاعدة تعارض الإطلاق الشمولي والإطلاق البدلي ، وتقدّم الأظهر منهما على الآخر.

هذا تمام الكلام على الوجوه التي أقامها الميرزا ، لتشييد الوجه الأوّل من وجهي اقتضاء الأصل اللّفظي رجوع القيد إلى المادّة.

الوجه الثاني (١) : وهو مبني على قاعدة أنه لو دار الأمر بين سقوط إطلاقين أو سقوط أحدهما وبقاء الآخر ، لزم الاقتصار على الأقل ... وتقريب ذلك :

إنه لو قيّدت المادّة ـ أي الصّلاة ـ فإنّ تقييدها لا يستلزم التقييد والتضييق في الهيئة ـ وهو الوجوب ـ ، فلو قيّدت الصّلاة بالطهارة بقي وجوبها على إطلاقه ، فهي واجبة سواء وجدت الطهارة أو لم توجد. أمّا لو قيّدت الهيئة ، كأنْ قيّد وجوب الصّلاة بالزوال ، حصل التقييد والتضييق في المادّة وهي الصّلاة ، ولا يبقى محلّ للإطلاق فيها كما عبّر الشيخ الأعظم قدس‌سره ... فظهر أنّ تقييد المادّة لا يستلزم تقييد الهيئة ، بخلاف العكس ، وإذا دار الأمر بين الأمرين رجع القيد إلى المادّة دون الهيئة ، للقاعدة المذكورة.

تفصيل المحقق الخراساني

وقد فصّل المحقق الخراساني في هذه القاعدة ، بين ما إذا كان المقيِّد منفصلاً عن المطلق أو متّصلاً به ، فإن كان منفصلاً انعقد الإطلاق وتمّ الظهور ، فلو كان في أحد الطرفين إطلاقان وفي الآخر إطلاق واحد ، ودار أمر المقيّد بين إسقاط الواحد أو الاثنين ، فمقتضى القاعدة هو الاكتفاء بالأقل والاقتصار

__________________

(١) نهاية الدراية ٢ / ٩٩. والأصل فيه هداية المسترشدين : ١٩٦ ، ونقّحه الشيخ الأعظم.

٣٢٩

بقدر الضرورة في إسقاط الحجة ، وأمّا إذا كان القيد متّصلاً ، ودار الأمر بين أن يمنع عن انعقاد الإطلاق في طرفٍ أو طرفين ، فلا دليل على تقدّم الأقلّ ، لأنه مع كونه متّصلاً لم يتم الظهور ولم يتحقق الحجّة ، ليكون رفع اليد عن أصالة الظهور في الأقل مقدّماً عليه في الأكثر.

تقريب الوجه ببيان المحقق الايرواني

قال رحمه‌الله ـ معلّقاً على قول الكفاية : إنّ تقييد الهيئة يوجب بطلان محلّ الإطلاق في المادّة ويرتفع به مورده ، بخلاف العكس ، وكلّما دار الأمر بين تقييدين كذلك ، كان التقييد الذي لا يوجب بطلان الآخر أولى ـ : «يمكن تقرير هذا الوجه بنحو أحسن وأبعد عن الإشكال ، وهو : إنه لا مجال لمقدّمات الحكمة في جانب المادّة ، لتماميّة البيان بالنسبة إليها ، وذلك : إمّا لتوجّه القيد إليها ابتداءً ، أو لتوجّهه إلى الهيئة الموجب ذلك لتقيّد المادّة أيضاً بالتبع ، وعلى كلّ حالٍ ، لا يبقى مجال للإطلاق في جانبها ، فتبقى المقدّمات في جانب الهيئة سليمةً عن المعارض ، وبذلك ينعقد لها الإطلاق» (١).

تحقيق المحاضرات والشيخ الاستاذ

وذهب المحقّق الخوئي (٢) ـ ووافقه الشيخ الاستاذ ـ إلى أنّ ما نحن فيه ليس من قبيل دوران الأمر بين الأقل والأكثر ، ليكون مورداً لانطباق القاعدة المذكورة ، بل إنه من قبيل دوران الأمر بين المتباينين ، والنسبة بين تقييد المادّة وتقيّيد الهيئة هي العموم من وجه ، فقال ما ملخّصه :

إنّ القيد إن كان قيداً للهيئة واقعاً ، فمردّه إلى أخذه مفروض الوجود في

__________________

(١) نهاية النهاية ١ / ١٥٢.

(٢) محاضرات في أصول الفقه ٢ / ٣٤٣.

٣٣٠

مقام الجعل والاعتبار ، من دون فرقٍ في ذلك بين كون القيد اختيارياً أو غير اختياري. وإن كان قيداً للمادّة واقعاً ، فمردّه إلى اعتبار تقيّد المادّة به في مقام الجعل والإنشاء ، من دون فرقٍ في ذلك أيضاً بين كون القيد اختياريّاً أو غير اختياري ، غاية الأمر : إنه إن كان غير اختياري فلا بدَّ من أخذه مفروض الوجود ، وذلك لما تقدَّم من أن كون القيد غير اختياري لا يستلزم كون الفعل المقيَّد به أيضاً كذلك ، ضرورة أنّ القدرة عليه لا تتوقّف على القدرة على قيده ، فإنَّ الصّلاة المتقيّدة بالزوال مثلاً مقدورة ، مع أن قيدها وهو الزوال خارج عن القدرة.

فالنتيجة : إن تقييد كلٍّ من المادّة والهيئة يشتمل على خصوصيّة مباينة لما اشتمل عليه الآخر من الخصوصيّة ، لأنّ تقييد الهيئة مستلزم لأخذ القيد مفروض الوجود ، وتقييد المادّة مستلزم لكون التقيّد به مطلوباً للمولى ، وعلى هذا ، فليس في البين قدر متيقّن يؤخذ به ويدفع الزائد عليه بالإطلاق.

ومن هنا يظهر : إن النسبة بين تقييد المادّة وتقييد الهيئة هي العموم من وجه ، فيمكن أن يكون شيء قيداً لمفاد الهيئة دون المادّة ، كالاستطاعة بالنسبة إلى وجوب الحج ، ولذا لو استطاع المكلّف ووجب الحج عليه ثمّ زالت الاستطاعة عن اختيار منه ، بقي الحج على وجوبه ، وعليه الحج ولو متسكعاً ، أمّا لو كانت الاستطاعة قيداً للحج فزالت لما صحَّ حجه متسكّعاً ، لفرض زوال القيد. ويمكن أنْ يكون شيء قيداً لمفاد المادّة دون الهيئة ، كتقيّد الصّلاة بالطّهارة والاستقبال وغير ذلك. ويمكن أن يكون شيء قيداً لكلتيهما كالزّوال مثلاً بالنسبة إلى صلاة الظّهر ، فإنه قيد للواجب والوجوب معاً.

وعلى هذا ، فإن كان القيد ـ المردّد أمره بين الرجوع إلى المادّة أو الهيئة

٣٣١

ـ متّصلاً ، فهو مانع عن انعقاد الظّهور من أصله ، وإن كان منفصلاً ، فالظهور منعقد في الطّرفين ، إلاّ أن العلم الإجمالي برجوعه إلى أحدهما يوجب سقوط كليهما عن الاعتبار ، لأنّ المكلَّف إن علم بأنّ المولى قد أراد منه ـ بدليلٍ منفصل ـ احدى الحصّتين فقط ، لم يمكنه التمسّك بالإطلاق ، لدفع كون الوجوب حصّةً خاصّةً ، أو لدفع كون الواجب حصّة خاصّة.

وتلخّص : عدم تماميّة أصل الوجه ـ كما عن الشيخ ومن تبعه ـ ولا التفصيل فيه بين القيد المتّصل والقيد المنفصل ، كما ذهب إليه في (الكفاية).

وعليه ، فالصحيح أنْ لا أصل لفظي في المقام.

والمرجع هو :

٢ ـ الأصل العملي :

ولا ريب أنه هو البراءة ، لأنّ احتمال رجوع القيد إلى الوجوب ، يوجب الشك في أصل الوجوب ، ومع الشك في أصل التكليف ، فالأصل هو البراءة بلا كلام.

قول الميرزا برجوع القيد إلى المادّة المنتسبة

ثم إن الميرزا نفى أن يكون القيد راجعاً إلى المادة أو الهيئة ، وذهب (١) إلى أنّه يرجع إلى المادة المنتسبة إلى الهيئة ، وأكّد (٢) على أنّ هذا هو مراد الشيخ في هذا المقام ، وهذا هو القول الثالث في المسألة.

وتوضيح مراده من المادّة المنتسبة إلى الهيئة هو : أنّ المادّة معنىً إفرادي ـ في مقابل التركيبي ـ والمفرد لا يصلح للتعليق والتقييد ، بل الذي يصلح

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٢٤٠ ـ ٢٤١.

(٢) أجود التقريرات ١ / ١٩٤.

٣٣٢

لذلك هو مفاد الجملة ، فلمّا نقول : إذا زالت الشمس فصلِّ ، أو نقول : إذا زالت الشمس فالصّلاة واجبة ، ليس المعلَّق على الزّوال هو «الصّلاة» ، وإنما مفاد الجملة الإنشائية أعني : «فصلّ» أو الخبرية وهي : «فالصّلاة واجبة» هو الذي يمكن تعليقه وإناطته ، فالقيد ـ وهو الزوال ـ يرجع إلى المادّة ـ وهي الصّلاة ـ لكنْ بانتسابها وإضافتها إلى الهيئة ـ وهو الوجوب ـ ، فالصّلاة الواجبة هي المشروطة والمنوطة بالزوال ... لا «الصّلاة» وحدها ، ولا «الوجوب» وحده ... أمّا «الصّلاة» فلأنّها معنى إفرادي كما ذكر ، وأمّا «الوجوب» فلأنه معنىً حرفي ، كما تقدّم سابقاً.

هذا توضيح مرامه وإنْ اختلفت كلمات المقرّر لبحثه.

إشكال المحقق الأصفهاني

ولا يرد على الميرزا ما أشكل به المحقّق الأصفهاني (١) من أنّ المحذور الموجب لاتّخاذ هذا المبنى هو عدم امكان تقييد مفاد الهيئة ، لأنه معنى حرفي ، وهو معنى آلي ، ولا يقبل التقييد إلاّ المعنى الاستقلالي ، لكنّ هذا المحذور لا مجال له ، لأنّ المعنى الحرفي ليس بحيث لا يلحظ ، بل يلحظ لكنْ باللّحاظ الآلي ، وهذا القدر من اللّحاظ يصحّح التقييد.

وجه عدم الورود هو : أنه غفلة عن مسلك الميرزا في المعنى الحرفي ، فإنّه يقول بأنّ المعنى الحرفي غير قابل للّحاظ أصلاً ، وأنّ حكمه حكم القطع الطريقي من هذه الجهة ، فكما أن القطع الطريقي غير ملحوظٍ للقاطع أصلاً ، وإنما يلحظ المقطوع به فقط ، كذلك المعنى الحرفي.

فكان إشكال المحقق الأصفهاني غير واردٍ ، لأنه مبنائي.

__________________

(١) نهاية الدراية ٢ / ١٠٨.

٣٣٣

كلام السيد الخوئي

وأورد عليه السيّد الخوئي (١) :

أولاً : بأن ما ذكره ليس في الحقيقة إلاّ رجوع القيد إلى الهيئة ، وإنما الاختلاف في اللّفظ ، إذ لا فرق بين مفاد الهيئة وهو الوجوب ، واتّصاف المادّة وإضافتها إلى الوجوب.

وثانياً : بأنه كما لا يمكن تقييد مفاد الهيئة ، كذلك لا يمكن تقييد المادّة المضافة إلى الوجوب.

فقال الأستاذ :

بأنْ ما ذكره من كونه تغييراً في اللّفظ فقط ، عجيب جدّاً ، لأنّ من تأمّل في كلام الميرزا ودقّق النّظر ، علم أنّ الميرزا يرى أنّ إضافة المادّة إلى الوجوب معنىً اسمي ، ولذا أمكن تقييده ، بخلاف مفاد الهيئة ، فإنه معنىً حرفي ، فكيف يكون المادّة المنتسبة متّحداً في الحقيقة مع مفاد الهيئة؟

ثم إنه جاء في تقرير بحثه في الدورة الثانية التعبير ب «نتيجة الجملة» بدلاً عن «مفاد الجملة» ، ومن الواضح أنه ليس تغييراً في التعبير فقط ، لكون «نتيجة الجملة» غير «الجملة».

وأيضاً ، فإن الميرزا يقول بأنّه إنْ اريد تقييد المادّة قبل ورود نسبة الوجوب عليها ، فهي لا تصلح لذلك ، لأنها معنىً إفرادي كما تقدّم ، وإنْ اريد تقييدها في رتبة ورود النسبة عليها ، فهي مفهوم إفرادي ولا تقبل التقييد ، وتبقى الصّورة الثالثة بأنْ يرد القيد على المادة بعد انتسابها إلى الوجوب ـ وهذه البعدية رتبيّة لا زمانية ، وإلاّ لزم النسخ ـ فتكون الصّلاة مقيَّدة بالزوال في

__________________

(١) محاضرات في أصول الفقه ٢ / ٣٤٥.

٣٣٤

مرتبة بعد وقوع النسبة ، وحينئذٍ ، تكون المادّة فرعاً لو ورد النّسبة ، وفي هذه الحالة يكون معنىً اسميّاً ... ومع هذه الخصوصيّات كيف يقال بأنّ ما ذكره الميرزا تغيير في التعبير فقط؟

وهذه نصوص عباراته (١) :

«فالمعلّق في الحقيقة هي المادّة بعد الانتساب ، لا بمعنى البعديّة الزمانيّة حتى يكون ملازماً للنسخ ، بل بمعنى البعديّة الرتبيّة» : أي ليكون معنىً اسمياً ، أمّا في الرتبة القبلية فالمعنى حرفي.

يقول : «فإنّ اتّصاف المادّة بالوجوب فرع وقوع النسبة الطّلبية عليها».

وهل يمكن إنكار الفرق بين الفرع والأصل؟

وعلى الجملة ، فما زعم من أن الاختلاف في اللفظ فقط ، في غير محلّه ، فالإشكالان مندفعان. وكذا يندفع الإشكال : بأنّ المادّة المنتسبة ليس بشيء ثالث ، فإمّا المادّة وامّا مفاد الهيئة ، فهي ترجع إلى أحدهما.

وذلك ، لأنّ الميرزا ذكر أنّ اتصاف الإكرام بالوجوب فرع على النسبة ويتحقق بعدها ، ومن الواضح أن الفرع غير الأصل.

والإشكال الآخر : بأنّ المادّة المنتسبة إنما انتسبت إلى معنىً آلي ـ وهو مفاد الهيئة ـ فإذن ، يكون لها حكم المعنى الآلي ، فلا يمكن تقييدها.

وفيه : هذا أول الكلام. ثمّ إنه قد تقدم أنّ الميرزا يقول بأن القيد يرجع إلى المادّة المتّصفة بالوجوب ، وهذا معنى اسمي لا آلي.

ما يرد على الميرزا

ثم قال الاستاذ دام بقاه : بأنه يمكن الإيراد على الميرزا بوجوه :

__________________

(١) فوائد الأصول ١ / ١٨٠ ط الاولى.

٣٣٥

الأول : إنّ جعل مرجع القيد عنوان «الإكرام الواجب» أو «وجوب الإكرام» موقوف على وجود هذه الجملة في لفظ الكلام ، وهي غير موجودة ، وكونها مستنبطةً لا يكفي لصحّة التقييد.

الثاني : إنه إذا كان المقيّد نتيجة الجملة ، فإنّ نتيجة الجملة لم تأتِ في جواب الشرط بعد الفاء ، ففي : إذا زالت الشمس فصلّ ، نرى أن المشروط المعلَّق هو «صلّ» وهو جملة ، وكذا في : إذا طلعت الشمس فالنهار موجود ، إذ المعلّق هو «النهار موجود» لا «وجود النهار» الذي هو مركّب ناقص.

الثالث : إن هذا الذي بنى عليه الميرزا هنا ينافي مبناه في «الوجوب» ، لأنه يذهب إلى أن دلالة الأمر على الوجوب إنما هي بحكم العقل ، وليست بدلالة لفظية أو شرعية ، ولازم كلامه هنا أن يكون الشارع قد علّق حكمه على الدرك العقلي ، أو أن العقل يعلّق حكمه على أمرٍ ، وهذا غير معقول.

أقول :

قد يقال في الجواب عن الإشكال الأوّل : بأنّ حكم المشروط الذي يرجع إليه القيد حكم المرجع للضمير ، وحكم الخبر للمبتدا ، فكما يمكن أن يكون مرجع الضمير أو الخبر لفظاً مأوّلاً غير مذكور في الكلام ، كالمصدر المؤوّل من أنْ والفعل المضارع ، كما في قوله تعالى (اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (١) ونحوه ... كذلك يمكن أن يكون المشروط للشرط مؤوّلاً غير مذكور لفظاً.

وعن الثاني : بأنّه تعبيرٌ وقع في بعض التقريرات من بعض التلامذة.

والعمدة هو الإشكال الثالث. لكنّه اشكال مبنائي ، وللميرزا أن يقول أنا

__________________

(١) سورة المائدة : ٨.

٣٣٦

في كلّ يومٍ رجل!

وعلى الجملة ، فلا بدّ من التحقيق الأكثر حول نظريّة المادّة المنتسبة.

تتمّة

ذكر المحقق الخراساني (١) أنه بناءً على وجوب المقدّمة بحكم العقل بالملازمة : لا فرق بين الواجب المطلق والواجب المشروط ، وأنّ مقدّمة كلا الواجبين تجب بالملازمة ، إلاّ أنّ مقدّمة الواجب المطلق تكون واجبةً بالوجوب الغيري المطلق ، ومقدّمة الواجب المشروط بالوجوب الغيري المشروط ... وعليه ، فالمقدّمة الوجوديّة للواجب المشروط واجبة ، بخلاف المقدّمة الوجوبيّة ، أي المقدّمة التي كانت شرط الوجوب ، فهذه لا يتعلّق بها الوجوب ، لا على مبنى الشيخ ولا على المبنى المقابل له.

أمّا على المبنى المقابل ـ وهو رجوع القيد في الواجب المشروط إلى الهيئة ـ فلأنَّ ما يكون شرطاً للوجوب لا يعقل اتّصافه بالوجوب الغيري ، لأنه ما لم يتحقّق هذا الشرط فلا وجوب لذي المقدّمة ، لأنّ وجوبه موقوف على الشرط ، والمفروض عدم تحقّقه ، وإذا لم يتحقق الوجوب النفسي لذي المقدمة ، كيف يتحقق الوجوب الغيري للمقدّمة؟

وفي ظرف تحقّق الوجوب لذي المقدّمة ، يكون الشرط متحقّقاً والوجوب الغيري له ثابتاً ، فجعل الوجوب له ـ حتى يكون داعياً لتحصيله ـ تحصيل للحاصل.

وأمّا على مبنى الشيخ ـ وهو رجوع القيد إلى المادّة ـ فالصّحيح أن يقال في وجه عدم اتّصاف المقدّمة بالوجوب : إن قيد الواجب ، تارةً : يكون قيداً

__________________

(١) كفاية الأصول : ٩٩.

٣٣٧

له ، بحيث تحقق القيديّة بالوجوب الغيري الناشئ من وجوب ذي المقدّمة ، كالطّهارة بالنسبة إلى الصّلاة ، وفي هذا القسم ، يدخل التقييد تحت الطلب ، ويجب تحصيل الطّهارة للصّلاة. وأخرى : يكون قيداً للواجب لكن بحيث لو حصل ، وفي هذا القسم ، لا يدخل القيد تحت الطلب ، كالاستطاعة بالنسبة إلى الحج.

ففي مثل الاستطاعة ، لا فرق بين المسلكين ، أمّا على المسلك المقابل فللبرهان المذكور ، وأمّا على مسلك الشيخ ، فإنّها جعلت شرطاً للواجب بالكيفيّة المذكورة ، أي بحيث لو حصلت لا بداعويّة إيجاب المولى ... فليست واجباً غيريّاً.

وتحصّل : إنّ مثل هذه القيود لا يتعلّق بها الوجوب.

ثم إنّ صاحب (الكفاية) ذكر أنّ قسماً من المقدّمات الوجوديّة للواجب المشروط يجب تحصيله ، وهذا القسم هو العلم بالحكم ، فإنّ تحصيله لازم بحكم العقل بمنجزيّة احتمال الحكم الشرعي ، كما هو الحال في الشّبهات الحكميّة قبل الفحص ، فتحصيل العلم بالحكم واجب وإنْ لم يتحقق بعدُ شرط الوجوب.

وأشكل عليه الاستاذ :

بأنّ هذا الحكم العقلي إنما هو بلحاظ حفظ الواقع المحتمل ، والخروج عن عهدة الواقع يتحقّق بالاحتياط ، ولا يلزم تحصيل العلم.

(قال) : والحق في المقام : تقسيم العلم إلى ما ينجرّ تركه إلى تفويت القدرة على الامتثال والطّاعة ، وإلى ما لا ينجر ، أمّا في القسم الأوّل ، فلا بدّ من العلم اجتهاداً أو تقليداً ، كأحكام الحجّ والصّلاة ونحوهما ، فمن لم يتعلَّم

٣٣٨

أحكام الصّلاة قبل الوقت لا يتمكّن من تعلّمها ولا من الاحتياط بعد دخوله ، فترك التعلّم يوجب مخالفة الواقع يقيناً ، لا أنه يوجب عدم إحرازه ... وحينئذٍ يجب التعلّم دفعاً للضرر ....

وهنا بحوثٌ أخرى موضعها مباحث القطع ومباحث شرائط جريان الاصول.

٣٣٩
٣٤٠