تحقيق الأصول - ج ٢

السيّد علي الحسيني الميلاني

تحقيق الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٢
ISBN الدورة:
964-2501-52-X

الصفحات: ٤٠٠

الوقت في حال الاضطرار ، وهذا الدليل موجود في مورد التقيّة ، أمّا في محلّ الكلام فلا ... وقد ظهر عدم نهوض الآية والرواية وغيرهما من الأدلّة العامّة لإفادة جواز البدار في المقام.

وهذا الإشكال يتوجّه على صاحب (العروة) وسائر الفقهاء القائلين بجواز البدار حينئذٍ.

دفاع الاستاذ عن المحقق الخراساني

فذكر الاستاذ دام بقاه : أن المحقق الخراساني قد استدلّ لعدم الإعادة والقضاء في (شرح التبصرة) (١) بدليلٍ خاصٍ ، وهو صحيحة ابن سنان (٢) ، الدالّة على عدم وجوب القضاء ، وبروايات معتبرة لعدم وجوب الإعادة في الوقت ، وقد جمع بينها وبين ما عارضها من الأخبار بالحمل على الاستحباب ، وقد أشكل هناك على التمسّك بقاعدة الإجزاء ، بأنّه يتوقّف على إحراز كون العمل الاضطراري وافياً بتمام المصلحة ، أو إحراز عدم التمكّن من استيفاء ما فات منها بعد العمل الاضطراري ، وما لم يحرز أحد الأمرين يكون إطلاق أدلّة وجوب العمل الاختياري محكّماً ، وإلاّ وصلت النوبة إلى البراءة.

قال الاستاذ : ومع غضّ النظر عمّا ذهب إليه واستدلّ به في (شرح التبصرة) فإنه يمكن تقريب الاستدلال بالآية والرواية بما يندفع به الإشكال ، بأنْ يقال : إن مقتضى «لا صلاة إلاّ بطهور» (٣) تقييد طبيعي الصّلاة بالطّهور ، لكنّ : «التيمّم أحد الطهورين» (٤) يتقدّم عليه بالحكومة ، ومقتضى ذلك كون

__________________

(١) اللّمعات النيّرة في شرح التبصرة : ٩٧ (ضمن رسائل فقهيّة).

(٢) وسائل الشيعة ٣ / ٣٦٨ ، أبواب التيمّم ، الباب ١٤ رقم ٧.

(٣) وسائل الشيعة ، الباب الأول والثاني من أبواب الوضوء.

(٤) وسائل الشيعة ٣ / ٣٨١.

١٨١

الطهارة الترابيّة في عرض الطّهارة المائيّة ... هذا بالنسبة إلى الرواية. وأمّا الآية : فإن عدم الوجدان فيها ظاهر في الإطلاق بحسب الأزمنة ، فإذا كانت الآية معناها ـ كما في الخبر (١) ـ : إذا قمتم إلى الصّلاة من النوم ، ففي هذا الظرف إذا لم تجدوا ماءً وجب التيمّم ، وتقييد عدم وجدان الماء بتمام الوقت يحتاج إلى مئونةٍ زائدة ، ولم يقم دليل معناه : وإن لم تجدوا ماءً في تمام الوقت فتيمّموا ، ومع عدمه ، فمقتضى الإطلاق وجوب التيمّم سواء وجد الماء بعده أو لا.

والحاصل :

أوّلاً : إنه يمكن تقريب الاستدلال بالآية والرواية بما ذكر ، والمستشكل لم يتعرّض لذلك.

وثانياً : إن المحقّق الخراساني استدلّ في فقهه بأدلّةٍ خاصّة.

بيان المحقق النائيني

وقال الميرزا رحمه‌الله بعدم وجوب الإعادة للمتمكّن من الطهارة المائية بعد الإتيان بالصّلاة مع الطهارة الترابيّة ، بأن المفروض قيام الدليل على صحّة الصلاة مع التيمم في أوّل الوقت ، وحينئذٍ يكون الإجزاء ضروريّاً ، لقيام النص والإجماع والضرورة على عدم تعدّد الفريضة في الوقت الواحد.

الإشكال عليه

وتعقّبه شيخنا والسيد الأستاذ (٢) بما حاصله : إن هذا الوجه أخصّ من المدّعى ، إذ يتمّ في الصّلاة فقط ، لقيام الإجماع بل الضرورة فيها على عدم التعدّد كما ذكر ، والبحث يعمّ كلّ الأعمال الاضطراريّة.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب الثالث من أبواب نواقض الوضوء ، رقم ٧.

(٢) منتقى الأصول ٢ / ٣٥.

١٨٢

وأمّا بالنسبة إلى القضاء فقال الميرزا : بأنّ القيد كالإتيان بالصلاة بالطهارة المائيّة ، إنْ كان قيداً للصّلاة مطلقاً ، أي هي مقيدة بها سواء في حال التمكن والعجز ، فهذا مخالف لمسلك العدليّة ، للزوم كون الأمر بالصلاة مع التيمّم تكليفاً بلا ملاك ، والمفروض وجود الأمر بها ، فلا محالة يكون الأمر بالصّلاة مع الطهارة المائيّة مقيَّداً بحال التمكن منها ، وهذا يقتضي إجزاء الترابيّة ، لأن دخل المائيّة في الملاك هو في حال التمكّن فقط ، ومع العجز عنها فلا دخل لها. اللهم إلاّ أن تكون الطّهارة المائيّة دخيلةً في مرتبة مصلحة الصّلاة ، بأنْ تكون الترابيّة وافية بأصل مصلحتها ، والمائيّة يحصل بها شدّة المصلحة ، لكنّ هذا لا يمنع من القول بالإجزاء ، فالصّلاة مع الطهارة الترابيّة وافية بالمصلحة الصّلاتية ، وشدة المصلحة أمرٌ غير قابلٍ للتدارك ...

والحاصل : إن الشارع قد أمر بالإتيان بالصّلاة مع الطهارة الترابيّة ، وهذا يكشف عن عدم دخل خصوص المائيّة في المصلحة مطلقاً ، فيجوز البدار إلى الصّلاة ، ولا يبقى حينئذٍ موضوع للإعادة والقضاء لها.

إشكال الأصفهاني والخوئي

وأورد عليه المحقق الأصفهاني (١) ـ وتبعه المحقق الخوئي (٢) في (المحاضرات) وتعليقة (أجود التقريرات) (٣) ، بإمكان أن تكون المصلحة الواحدة ذات مرتبتين ، إحداهما : للصلاة مع الطهارة المائيّة ، والأخرى : للصّلاة مع الترابية ، أو يكون في المورد مصلحتان ، لكلٍ من الصّلاتين مصلحة ...

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ٣٨٥ ـ ٣٨٦.

(٢) محاضرات في أصول الفقه ٢ / ٢٤٠.

(٣) أجود التقريرات ١ / ٢٨٣ الهامش.

١٨٣

أمّا على الفرض الأوّل : فالطهارة المائيّة دخيلة في شدّة المصلحة ، فالصّلاة في الوقت مع الترابية ذات مصلحة ، ولذا امر بها ، لكنَّ مع فوت المرتبة الشديدة من المصلحة في الوقت ، يؤمر بالقضاء في خارجه ، استيفاءً لتلك المرتبة الفائتة من المصلحة.

وأمّا على الفرض الثاني ، فالطهارة المائيّة محصِّلة لمصلحةٍ ملزمةٍ قائمةٍ بالصّلاة مع الطهارة المائية ، ففي الوقت يأتي الأمر بالصّلاة مع الترابية لدرك مصلحتها ، لكنّ المصلحة الاخرى الفائتة تستوجب الأمر بالصّلاة مع المائية في خارج الوقت قضاءً ، تحصيلاً للمصلحة القائمة بها.

فما ذكره الميرزا من عدم دخل المائيّة في المصلحة إلاّ في حال التمكّن غير صحيح ، بل أمكن تصوير دخلها بالصورتين المذكورتين أيضاً.

جواب الاستاذ

وقد أجاب الاستاذ : بأنَّ الصّورة الاولى ، وهي فرض دخل المائية في مرتبة المصلحة والغرض ، مذكورة في كلام الميرزا ، كما قرّرناه ، وأمّا الصورة الثانية ، فمن الناحية الثبوتية لا مانع منها ، إلاّ أن كلامنا في الصّلاة مع التيمم ، والصّلاة مع الوضوء ، وكيف يتصوّر لكلٍّ منها مصلحة مباينة لمصلحة الاخرى؟ إن المصلحة والغرض من الصّلاة أنها «قربان كلّ تقي» (١) و(إِنَ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) (٢) و«معراج المؤمن» (٣) ونحو ذلك ... وهذه ليست بحيث تتحقق مع الصّلاة بالمائية ولا تحقق معها بالترابيّة ، بل كلّ واحدٍ منهما معراج وقربان وتنهى عن الفحشاء والمنكر ... ولو كان فرقٌ فهو من

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ / ٤٣ الباب ١٢ من أبواب استحباب ابتداء النوافل.

(٢) سورة العنكبوت : ٤٥.

(٣) على ما في بعض الكتب.

١٨٤

حيث المرتبة ، وقد ذكر الميرزا أن المرتبة إذا فاتت فلا يمكن استيفاؤها.

بيان المحقق العراقي

وقال المحقق العراقي ـ في بيان الإجزاء في مقام الاثبات ـ بأنْ قوله عليه‌السلام : «التيمّم أحد الطهورين» يدل بالمطابقة على كون التراب فرداً من الطهارة المعتبرة في الصّلاة ، فيكون حاكماً على قوله «لا صلاة إلاّ بطهور» بتوسعة موضوعه ليشمل الماء والتراب معاً ... مع جعل الطهارة الترابية في طول الطهارة المائيّة.

هذا مدلول الرواية مطابقةً ، وهو يدل بالدلالة الالتزاميّة على الإجزاء ، لأنه مقتضى التنزيل المذكور.

فإن قيل : المدلول المطابقي المذكور معارض بقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ) الظاهر في تقيّد الصّلاة بالطهارة المائيّة بالخصوص ، فدلّ على دخل هذه الخصوصيّة ولو في المرتبة ... فلو صلّى بالترابيّة وجب عليه المائيّة ، والحال أنّ مقتضى الرواية عدم وجوب الإعادة أو القضاء ، وفي هذا الفرض يتقدم دلالة الآية على دلالة الرواية ، لا لكونها بالإطلاق ، ودلالة الآية بالوضع ، ومع الدلالة الوضعية لا تنعقد الدلالة الإطلاقيّة ، لأن المحقق العراقي يرى أن الإطلاق ينعقد إذا عدم البيان المتّصل ، وهنا كذلك ، بل لأن حجيّة هذا الإطلاق في الرواية تنعدم بمجيء الآية ، لكونها بياناً منفصلاً للرواية ، ومع سقوط إطلاق الرواية عن الحجيّة بالآية المباركة لم يبق دليلٌ على الإجزاء.

قلنا : كلّ هذا صحيح على المبنى عند المحقق العراقي ، لكنّ هنا نكتةً لأجلها يقول بالإجزاء ، وهي :

١٨٥

إن الآية المباركة وإن دلَّت على خصوصيةٍ ودخلٍ للطّهارة المائيّة في الصّلاة ، لكن مع عدم امكان استيفاء مصلحتها ـ بعد الإتيان بالصلاة مع الطهارة الترابيّة حسب الأمر الشرعي ـ لا يبقى الأمر بالإعادة والقضاء.

وتلخّص : إن غاية ما تستوجبه المعارضة بين الآية والرواية وتقدّم الآية هو : عدم استيفاء الطهارة الترابية لتمام المصلحة ، لكنّ المدلول الالتزامي للرواية هو الاجزاء ، من جهة أن الطهارة الترابية قد فوّتت المصلحة ، ولا يمكن بعد الإتيان بها استيفاء تمام المصلحة ...

إشكالات الاستاذ

وقد أورد عليه الاستاذ دام بقاه بوجوه :

الأول : إنه وإن كان دلالة الآية المباركة على دخل الطهارة المائية بالوضع كما قال ، لكنّ دلالتها في مورد الاضطرار والصّلاة مع الترابية هي بالإطلاق وليس بالوضع ، لأنها تدلّ على وجوب الطهارة المائية واعتبارها ، سواء اضطرّ المكلَّف في بعض الوقت إلى الطهارة الترابية أو لا ... والرواية الشّريفة تدلُّ على إجزاء الطّهارة الترابية بالإطلاق كذلك ، لكنَّ إطلاق الدليل الحاكم ـ وهو الرواية ـ مقدَّم على إطلاق الدليل المحكوم وهو الآية الكريمة ، فلا تصل النوبة إلى المعارضة.

والثاني : إنّ تمسّكه بالدلالة الالتزاميّة للرواية على الإجزاء ، بعد سقوط دلالتها المطابقيّة بالمعارضة مع الآية على الفرض ، موقوفٌ على تماميّة القول ببقاء المدلول الالتزامي للدليل بعد سقوط مدلوله المطابقي ، وأمّا على مبنى تبعيّة الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية فلا يتم.

والثالث : ـ وهو العمدة في المقام ـ إنّ الدليل على عدم الإجزاء ليس

١٨٦

الآية المباركة ـ أو ليس الآية بوحدها ـ بل صحيحة زرارة : «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أنْ يفوته الوقت فليتمّم وليصلّ» (١) ومدلولها : إنه ما دام الوقت باقياً فلا تصل النوبة إلى التيمّم ، وهذه الصحيحة توضّح معنى الآية : أي : وإنْ لم تجدوا ماءً في تمام الوقت فتيمّموا ... وليس معناها : وإنْ لم تجدوا ماءً في زمانٍ وإنْ كان الوقت باقياً ... فلا إطلاق للآية ... فسقط استدلال المحقق الخراساني ومن تبعه كالسيّد الحكيم في (شرح العروة) (٢).

وبذلك يظهر معنى الرواية أيضاً ، فإنّ التراب نزّل بمنزلة الماء وجعل مصداقاً للطهارة ، في حال عدم التمكّن من الماء في تمام الوقت ... فلا معنى للحكومة ...

وتلخّص : إن الحق عدم الإجزاء لمن عجز عن الماء في قسمٍ من الوقت ... فإنّه لو صلّى بالتيمّم وجب عليه الإعادة ... بل إنّ وظيفته الصبر حتى آخر الوقت ، والصّلاة مع الطهارة المائية ... وفاقاً للقائلين بعدم جواز البدار.

هذا ، وقد بحث الاستاذ في الدورة السابقة عن دلالة الأدلَّة العامّة مثل «كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه الله» (٣) ومثل «حديث الرفع» (٤) ومثل «قاعدة الميسور» (٥) ... وثمّ ذكر في الدورة اللاّحقة أنْ لا مجال لطرح تلك الأدلّة مع وجود صحيحة زرارة ، وكان حاصلها عدم جواز البدار ... هذا بالنسبة

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ / ٣٦٦ الباب ١٤ رقم ٣.

(٢) مستمسك العروة الوثقى ٤ / ٤٤٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ / ٢١٤ بلفظ : التقيّة في كلّ شيء ....

(٤) كتاب التوحيد : ٣٥٣ رقم ٢٤.

(٥) غوالي اللآلي ٤ / ٥٨ برقم ٢٠٦.

١٨٧

إلى التيمّم.

وأمّا بالنسبة إلى غير التيمّم من الأفعال الاضطرارية ، فلا بدَّ من النظر الدقيق في أدلَّتها الخاصّة ، فإنْ فقد الدليل الخاص على الحكم فيها وصلت النوبة إلى الأدلَّة العامة. والله العالم.

الأصل العملي

قد تقدَّم أنّ الإطلاق الذي تمسّك به في (الكفاية) ، وكذا المعارضة التي ادّعاها المحقق العراقي ، ممنوعان ، بل المرجع هو النصّ الخاص.

ومع التنزّل عن كلّ ذلك ووصول الأمر إلى الأصل العملي ، فهل المقام مجرى البراءة أو الاشتغال؟ وهل عندنا هنا أصل مقدّم عليهما؟

قال بعض المحققين : مقتضى استصحاب وجوب الصّلاة مع الطّهارة المائيّة ، إعادة الصلاة ، فلا تصل النوبة إلى البراءة.

وذهب صاحب (الكفاية) (١) ومن تبعه كالأصفهاني والميرزا (٢) إلى البراءة. لكون المورد من صغريات الشك في التكليف ، وقال العراقي بالاشتغال (٣) ، لكونه من دوران الأمر بين التعيين والتخيير.

فالكلام في مرحلتين :

١ ـ الاستصحاب

المرحلة الاولى : في تقريب الاستصحاب ، لمن صلّى مع التيمّم ثم تمكّن في بعض الوقت من الماء ، كما قال المحقق الإيرواني في (تعليقته)

__________________

(١) كفاية الأصول : ٨٥.

(٢) نهاية الدراية ١ / ٣٩٢ ، أجود التقريرات ١ / ٢٨٥.

(٣) نهاية الأفكار ١ / ٢٣٠.

١٨٨

على الكفاية (١) ، إن الخطاب بالصّلاة مع الطهارة المائيّة متوجّه إلى المكلَّف بمجرّد دخول الوقت ، وهو موجود إلى آخره ، فهو وجوب واحد مستمر ، غير أنّه يكون لمن عجز عن الماء في أول الوقت معلَّقاً على وجدانه والتمكّن منه ، ويكون الوجوب في حقّه فعليّاً والواجب استقباليّاً ، هذا من جهة الطهارة المائيّة. ومن جهة الطهارة الترابيّة ، فإنّ دليله كالرواية : «التيمّم أحد الطهورين» يجعل الطهارة الترابية للعاجز عن الماء ، فالنتيجة هي التخيير ، ومع فرض عدم الإطلاق الدالّ على وفاء الصّلاة مع الطهارة الترابية بتمام المصلحة ، يشك في سقوط الواجب المعلَّق بإتيان الصّلاة معها ، وإذا عاد الشك إلى سقوط الواجب ، جرى استصحاب بقاء وجوب الصّلاة مع الطهارة المائية ، وهو استصحاب تنجيزي ... ومعه لا مجال لغيره من الاصول.

إشكال الاستاذ

وأورد عليه شيخنا دام بقاه :

أوّلاً : إنه من جهة يصرِّح بالوجوب التخييري لمن كان فاقداً للماء في بعض الوقت وواجداً له في البعض الآخر ، بين الطهارة المائية والطهارة الترابيّة ، ومن جهةٍ اخرى يقول باحتمال التعيين المقوّم للاستصحاب ، وكيف يمكن الجمع بين هذين الحكمين؟

وثانياً : إن وجوب الصّلاة مع الطهارة المائيّة على من أتى بها مع الطهارة الترابيّة ، إنْ كان مطلقاً ، ـ بمعنى وجود هذا الوجوب سواء أتى بها مع الترابيّة أو لا؟ ـ فهو لا يجامع التخيير كما تقدم ، وإنْ كان مقيّداً بعدم الإتيان بها مع الترابية ، كان موضوع وجوبها مع المائية مقيّداً بمن لم يصلّ مع التيمّم ،

__________________

(١) نهاية النهاية ١ / ١٢٦.

١٨٩

وحينئذٍ ، فالمكلّف الذي صلاّها مع التيمم ثم تمكّن من الماء خارج عن هذا الموضوع ، والشرط في الاستصحاب وحدة الموضوع.

وتلخّص : إن الصحيح عدم جريان الاستصحاب ، لعدم اليقين بوجوب الصّلاة مع الطهارة المائيّة بالنسبة للمكلَّف في أوّل الوقت بالتيمّم ، ومع عدم اليقين السابق بالتكليف لا يجري الاستصحاب.

أقول :

هذا كلامه في الدورة اللاّحقة ، أمّا في السابقة فقد صحّح جريان الاستصحاب التعليقي ـ لا التنجيزي ـ ثم عدل عنه كما سيأتي.

٢ ـ البراءة أو الاشتغال

وبناءً على سقوط الاستصحاب تصل النوبة إلى البراءة أو الاشتغال ، قال المحقق العراقي في بيان الاشتغال ما هذا توضيحه :

إنّ المفروض قيام مرتبةٍ من الغرض بالصّلاة مع الطهارة المائية ، فإنْ كانت الصّلاة المأتي بها بالترابية مفوتةً للغرض ولا يبقى مجال لتحصيله ، فلا أمر بالإعادة ، أمّا مع الشك في تفويتها ذلك ، واحتمال القدرة على تحصيل الغرض ، فإن العقل حاكم بالاحتياط ... نظير ما إذا امر بدفن الميّت ، وشكّ في قابليّة الأرض للحفر ، فإنّ مقتضى القاعدة هو الاحتياط.

وبهذا البيان يندفع ما اورد عليه من أنه متى كان الشك في التّكليف ـ من جهة فقد الدليل أو إجماله أو الشك في القدرة ـ جرى أصل البراءة ، وما نحن فيه مورد للشك في القدرة. وجه الاندفاع هو : إن هذا المحقق قد فرض المسألة في صورة العلم بالغرض والشك في القدرة على الامتثال ، لا الشك في التكليف.

١٩٠

قال المحقق العراقي : ولو شك في أنّ الصّلاة هذه مع الطهارة الترابيّة كانت وافية بتمام مصلحتها مع المائيّة ، فالحكم هو الاحتياط ، من جهة المبنى في صورة دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، وما نحن فيه حينئذٍ من صغريات تلك الصّورة ، لدوران أمر المصلحة بين قيامها بالجامع بين التيمّم والوضوء ، فهو مخيَّر ، وقيامها بخصوص الصّلاة مع الوضوء ، فعليه ذلك على وجه التعيين ... والمختار في مثله هو الاشتغال.

قال الاستاذ

أمّا من النّاحية الكبرويّة ، فالمختار وفاقاً لجماعةٍ هو البراءة لا الاشتغال.

وأمّا من الناحية الصغرويّة ، فإنّ ما نحن فيه ليس من صغريات دوران الأمر بين التعيين والتخيير ـ ولذا قال في (الكفاية) هنا بالبراءة مع ذهابه في الكبرى إلى الاشتغال ـ وذلك : لما تقدَّم في كلام المحقق الخراساني من أنّ الأمر هنا دائر بين الصّلاة مع التيمم في أوّل الوقت ثم الإتيان بها مرّةً اخرى مع الوضوء في آخره ، وبين الانتظار والصّلاة مع الوضوء في آخره ... إذن ، عندنا يقينٌ بوجوب الصّلاة مع التيمّم في أول الوقت ، والشك في أنّه هل يجب عليه بالإضافة إلى ذلك ـ الإتيان بالصّلاة في آخر الوقت بالطهارة المائية أو لا؟ فإن وجب ضمّ ذلك ، كانت الصلاتان معاً عِدلاً للصّلاة مع الطهارة المائيّة المأتيّ بها منفردةً في آخر الوقت ... فيرجع الشك حينئذٍ إلى وجوب هذه الإضافة بعد الصّلاة مع التيمّم ، وهذا من الشك في أصل التكليف ، وهو مجرى البراءة.

فظهر : أن الصحيح هو أن المقام ـ وفاقاً لصاحب (الكفاية) وأتباعه ـ من موارد الشك في التكليف ... والأصل الجاري فيه هو البراءة. وليس من موارد

١٩١

دوران الأمر بين التعيين والتخيير ليجري الاشتغال كما عليه العراقي أو البراءة كما عليه في (المحاضرات).

وأمّا ما ذكره المحقق العراقي من إرجاع المقام إلى صورة الشك في القدرة ، وحكم العقل فيها بلزوم الاحتياط ، نظير مسألة دفن الميت والشك في القدرة على حفر الأرض ، ففيه :

إنّ حكم العقل بلزوم الاحتياط تحصيلاً للغرض ، إنما هو حيث يُعلم بالغرض ، بحيث لو فات لكان المكلَّف مقصّراً ، كما في مسألة دفن الميت ، ولكنّ كلّ موردٍ علم فيه بعدم ارتباط فوت الغرض بالعبد ، بل علم باستناد فوته إلى المولى ، فلا حكم للعقل بلزوم الاحتياط فيه ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، لأنّ المفروض تجويز المولى البدار إلى الصّلاة مع الطهارة الترابيّة ، حتّى مع وجود المصلحة الزائدة في الطهارة المائيّة المحتمل فوتها بالإتيان بالصّلاة مع التيمّم ، ولمّا كان هذا الفوت مستنداً إلى تجويز المولى ، فلا حكم للعقل بلزوم الاحتياط.

وتلخّص : إنه لا مانع من جريان البراءة ، فالمورد ليس من موارد حكم العقل بالاحتياط ، كما ليس من موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، بقطع النظر عن المبنى في الكبرى.

وهل البراءة محكومة بالاستصحاب التعليقي؟

وتبقى نظريّة السيد الحكيم ، فإنه قال بجريان الاستصحاب التعليقي في المقام (١) ، وبحكومته على البراءة ، وتقريب ذلك :

إنّ هذا المكلَّف لو لم يأت بالصّلاة مع التيمّم في أوّل الوقت ، لوجب

__________________

(١) حقائق الأصول ١ / ٢٠١.

١٩٢

عليه الإتيان بها مع الوضوء عند التمكن من الماء ، وهذه قضيّة تعليقيّة ، وحيث أتى بالصّلاة مع التيمّم ، وشككنا في سقوط وجوبها مع الوضوء بها عنه ، جرى استصحاب بقاء الوجوب ، كالمثال المعروف في الاستصحاب التعليقي وهو : العنب إذا غلى يحرم ، حيث الحرمة معلّقة على غليان العنب ، فلو زالت العنبيّة وحصل الغليان وشككنا في بقاء الحكم المعلّق ، استصحب وأصبح فعليّاً بتحقّق الغليان.

قال الاستاذ

وفيه بحث ، أمّا من جهة الكبرى ، فالاستصحاب التعليقي محلّ كلامٍ بين الأعلام.

والمهم جهة الصغرى ، وما نحن فيه ليس من صغريات هذا الاستصحاب ، لأنّ المناط فيه أن يكون التغيّر الحاصل قبل الشرط في حالةٍ من حالات الموضوع المستصحب لا في مقوّماته ، وفي المثال المعروف قد تبدّلت حالة الموضوع من العنبيّة إلى الزبيبيّة. أمّا في المقام ، فوجوب الصّلاة مع الطهارة المائيّة له شرطان ، أحدهما : التمكّن من الماء في الوقت ، والآخر :

عدم الإتيان بالصّلاة مع التيمّم ، ففي ناحية الموضوع المستصحب ـ وهو وجوب الصّلاة كذلك ـ يعتبر هذان الشرطان ، وعليه ، فلو صلّى مع التيمم ـ كما هو المفروض ـ فقد انتفى أحد الشرطين ، فلم يحرز بقاء الموضوع ... وتلخّص : إن أصل الموضوع ووجوده غير محرز ، بخلاف المثال ، فهناك الموضوع موجود وقد زال وصف العنبيّة عنه ، فهو حينئذٍ مجرى الاستصحاب التعليقي على المبنى ، وموردنا ليس من موارده ، لعدم تماميّة أركانه.

١٩٣

خلاصة البحث

إن الصلاة مع التيمّم بدل عن الصّلاة مع الطهارة المائية ، ـ وليسا في العرض كالصّلاة قصراً أو تماماً ـ وإذا كانت بدلاً ، فالمعتبر فقدان الماء في تمام الوقت ، لا الاضطرار في بعضه ، وبمجرَّد التمكّن من الماء في بعضه يمتنع وصول النوبة إلى البدل ، شرعاً وعقلاً ... والمشهور بين الفقهاء هو عدم جواز البدارِ ، وعدم الإجزاء.

وجمع بعضهم بين النصوص المختلفة بحمل الإعادة على الاستحباب ، غير تام ، إذ ليس الجمع بين «يعيد» و«لا يعيد» جمعاً عرفيّاً ، ومع استقرار المعارضة ، فالمرجّح أخبار عدم الإجزاء ، لأنّها مخالفة للعامّة ، لكون معظمهم على الإجزاء.

هذا تمام الكلام على الإعادة.

وأمّا حكم القضاء بالنسبة إلى من أتى بالعمل الاضطراري ، كالصّلاة مع التيمّم ، ثم تمكّن من العمل الاختياري بعد انقضاء الوقت ، فمقتضى الأدلّة العامّة اللّفظية ـ كالآية المباركة : (فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء ...) والرّواية : «التيمّم أحد الطهورين» ـ هو الإجزاء.

فإنْ وصلت النوبة إلى الأصل العملي ، فهل هو البراءة أو الاشتغال؟

تفصيل للمحقق الأصفهاني

قال المحقق الأصفهاني بالتفصيل ، بأنّ وجوب القضاء إنْ كان بأمر جديد ـ لكون موضوع الدليل هو

«الفوت» ـ فالأصل هو البراءة ، لأنّ المفروض عدم القدرة على الطّهارة المائيّة في الوقت كلّه ، فلا يصدق عنوان «فوت الفريضة». وكذا بناءً على القول بأن المراد من «الفوت» هو «فوت ملاك

١٩٤

الفريضة» فإن فوته مشكوك فيه ، وحينئذٍ يكون التمسّك ب «من فاتته الفريضة فليقضها كما فاتته» تمسّكاً بالدّليل في الشبهة الموضوعية.

وإنْ كان وجوب القضاء بالأمر الأوّل ، فالأصل هو الاشتغال ، لجريان الاستصحاب هنا ـ بخلاف ما لو كان بأمر جديد ، فإنّه لا يجري استصحاب عدم الإتيان بالواجب في الوقت ، لأنه بالنسبة إلى عنوان «الفوت» أصل مثبت ، لكونه عنواناً وجوديّاً ـ لأنَّ الأمر الأوّل لم يمتثل ، ولو شكّ في امتثال الواجب بالإتيان بالصّلاة مع التيمم ، استصحب عدم تحقّق الامتثال.

لكنّ القول بأن القضاء هو بالأمر الأوّل خلاف التحقيق.

نقد الاستاذ

وأشكل الاستاذ : بأنْ هذا الاستصحاب كيف يجري مع اليقين بعدم الإتيان بالصّلاة مع الطهارة المائيّة في الوقت؟ ، وأين الشك كي يتمسّك بالاستصحاب؟ بل إن صورة المسألة مع عدم الشك في عدم الإتيان هي : الشك في وفاء هذا العمل الاضطراري بتمام مصلحة العمل الاختياري ، لكنْ لا يجري أصالة عدم الوفاء به ، لأنه أصل مثبت ، لأن وجوب القضاء لازم عقلي له.

والحاصل : إن الحكم في القضاء لا يكون أشدّ من الحكم في الإعادة ، وقد قال المحقق الأصفهاني هناك بالبراءة ، لدوران الأمر بين الأقل والأكثر ، وإذا كان القضاء بالأمر الأوّل فلا يعقل الاشتغال ، لأن المفروض عدم اشتغال ذمّته بالصّلاة مع الوضوء بل مع التيمم ، وقد أتى بالواجب. نعم لو فرض كونه مكلَّفاً بالصّلاة مع الوضوء ، ولم يأت بها مع التيمّم حتى خرج الوقت ، ثم شك في إتيانه بالواجب ، كان القضاء بالأمر الأوّل ، وجرى الاستصحاب ، لكنّ

١٩٥

هذا خارج عن البحث.

وعلى الجملة ، فقوله بجريان أصالة عدم الإتيان بالعمل الاختياري غير تام.

وأمّا أن موضوع القضاء هو «الفوت» ففيه : إن موضوع القضاء هو «عدم الإتيان» وليس «الفوت» وإنْ اشتهر بين المتأخرين من الأعيان ، والتفصيل في الفقه.

فالأصل الجاري في المقام هو البراءة ، لو وصل الأمر إلى الأصل العملي.

هذا تمام الكلام في المسألة الثانية.

١٩٦

المسألة الثالثة :

في إجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي وعدمه

إذا وقع الامتثال لأمرٍ ظاهري ثم انكشف الخلاف ، فهل العمل المأتي به مجزٍ عن الواقع أو لا؟

في هذا المقام أقوال عديدة :

١ ـ الإجزاء مطلقاً.

٢ ـ عدم الإجزاء مطلقاً.

٣ ـ التفاصيل ، والمهمّ منها تفصيل (الكفاية) بين الاصول فالإجزاء والأمارات فعدم الإجزاء.

واعلم أنه :

تارةً : الشبهة موضوعية ، سواء كان موضوع الحكم شيئاً خارجيّاً ، كالصعيد بالنسبة إلى التيمّم ، أو حكماً شرعيّاً كالطهارة بالنسبة إلى الصّلاة.

واخرى : الشبهة حكميّة.

وأيضاً : تارةً : يكون الحكم الظاهري بأصل ـ محرز أو غير محرز ـ واخرى : بأمارة ، وثالثة : بالقطع.

وأيضاً : تارةً : يكون كشف الخلاف بالقطع ، واخرى : بالأصل ، وثالثة : بالأمارة.

١٩٧

ولا بدَّ من البحث في جميع هذه الشقوق بمقتضى الأدلّة الأوليّة ، ثمّ بمقتضى الأدلّة الثانوية ، لنعرف حدّ دلالة الدليل الظاهري ، وأنّه إذا قام ـ مثلاً ـ على الطّهارة ، فهل يترتَّب عليه الأثر في ظرف الشك أو الجهل بالحكم الواقعي فقط ، بحيث يكون مجزياً إن لم ينكشف وقوع العمل على خلاف الواقع ، فلو انكشف ذلك وجب إعادته ، فهو محدود بهذا الحد ، أو أنه ليس بمحدودٍ به ، بمعنى أنه يكون مجزياً ولا تجب إعادته ، نعم ، يجب العمل طبق الواقع المنكشف من حين انكشافه في الصّلوات الآتية مثلاً؟

رأي المحقق الخراساني

وعمدة الكلام هو مورد قيام الأصل أو القاعدة ، وقيام الأمارة ، على الموضوع أو الحكم ، ثم انكشاف الخلاف ، ولذا جعل صاحب (الكفاية) البحث أوّلاً : في قيام الأصل ، ثم في قيام الأمارة ، فقال ما حاصله :

لو قام الأصل على موضوع التكليف ليفيد تحقّق ما هو شرط التكليف أو جزء التكليف ، كقاعدة الطهارة أو قاعدة الحلّ أو استصحابهما في وجهٍ قوي (١) ، كان مجزياً عن الواقع ، فلو صلّى في ثوبٍ مشكوك الطهارة استناداً إلى القاعدة ، أو مشكوك في كونه حلالاً استناداً إلى أصالة الحلّ ، أو استصحابهما ـ في وجهٍ قوي ـ ثم انكشف نجاسة الثوب أو عدم حليّته ، فالصّلاة صحيحة مجزية عن الواقع ، لكنْ لا يصلّى فيه فيما بعد.

واستدلّ على الإجزاء هنا بحكومة الدليل القائم على الأصل والقاعدة على دليل الاشتراط ، يعني : إن قوله عليه‌السلام : «كلّ شيء نظيف حتى تعلم

__________________

(١) قوله «في وجه قوى» إشارة إلى وجود الخلاف في الاستصحاب بأنه أصلٌ أو أمارةٌ ، وعلى الأوّل هل يفيد حكماً بعنوان جعل المماثل أو لا يفيد إلاّ المنجزية. فعلى أنه أصلٌ وجعل للحكم المماثل يدخل في البحث.

١٩٨

أنه قذر» (١) و«كلّ شيء لك حلال» (٢) وعموم قوله «لا تنقض اليقين بالشك» (٣) بناءً على جريانه هنا ، يكون حاكماً على دليل اشتراط الطهارة أو الحليّة في لباس المصلّي ، أي يكون موسّعاً لدائرة الشرط ، فيكون الثوب واجداً للطهارة أو الحليّة ، لأن المقصود منهما هو الأعم من الطهارة والحليّة الواقعية والظاهرية. (قال) : فانكشاف الخلاف فيه لا يكون موجباً لانكشاف فقدان العمل لشرطه.

فيكون حال ما نحن فيه حال «التيمّم أحد الطهورين» بالنسبة إلى «لا صلاة إلاّ بطهور» ، حيث أنّ الرواية تقول بأن «الطهور» أعمّ من الماء والتراب ، ولذا تكون الصّلاة مع التيمم مجزيةً تماماً كالصّلاة مع الوضوء ، ولو انكشف الخلاف حكم بصحّة الصّلاة.

وهذا مسلك الخراساني ومن تبعه كالعراقي والبروجردي في معنى «التيمّم أحد الطهورين» ، فهم يقولون بأنَّ تبدّل حال المكلَّف من «فقدان الماء» إلى «وجدان الماء» لا يوجب إعادة الصّلاة ، كما لا يوجب إعادتها لو تبدّل حاله من «المسافر» إلى «الحاضر».

هذا كلامه في الاصول الجارية في الموضوعات ، سواء كانت الموضوعات أشياء تكوينية ، كالصعيد ونحوه ، أو أحكام شرعية ، كالطهارة ونحوها.

أمّا في الأمارات ، فقد قال بالتفصيل بين القول بالطريقيّة والقول بالسببيّة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ / ٤٦٧ ، الباب ٣٧ من أبواب النجاسات ، رقم ٤.

(٢) وسائل الشيعة : ١٧ / ٨٩ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، رقم ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١ / ٢٤٥ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، رقم ١.

١٩٩

أمّا على الطريقيّة (١) فقال بعدم الإجزاء. (قال) : فإنّ دليل حجيّته حيث كان بلسان أنه واجد لِما هو شرطه الواقعي ، فبارتفاع الجهل ينكشف أنه لم يكن كذلك ، بل كان لشرطه فاقداً. يعني : إن دليل اعتبار خبر الواحد ـ مثلاً ـ لا يفيد الجعل ، وكذا البيّنة ، فلو قامت البينة ـ مثلاً ـ على طهارة الثوب أو جاء خبر ثقة ، كان مقتضى قوله عليه‌السلام «لا عذر لأحدٍ من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا» (٢) أو أدلّة اعتبار البيّنة : أنّ هذا طريق كاشف عن الطهارة ، ولا دلالة فيه على جعلٍ من قبل الشارع للطّهارة ـ بخلاف قاعدة الطهارة مثلاً ، فهناك جعل شرعي للطّهارة ـ فبارتفاع الجهل وانكشاف الواقع يظهر أنه لم يكن الثوب طاهراً بل كان فاقداً للطهارة ، فلا إجزاء (٣).

وأمّا على السببيّة ، فقد ذكر أربع صور ـ كصور الأمر الاضطراري ـ لأنه بناءً على هذا القول تحصل المصلحة في المتعلَّق ـ بخلاف الطريقية حيث لا مصلحة فيه ـ وحينئذٍ فتارةً : تكون المصلحة المتحقّقة بقيام الأمارة وافيةً بتمام مصلحة الواقع ، واخرى : لا تكون وافية. وعلى الثاني : تارة يكون المقدار الباقي من المصلحة ممكن الاستيفاء ، واخرى : لا يمكن استيفاؤه ، وعلى الأوّل : تارةً المصلحة لزوميّة ، واخرى ندبيّة. (فقال) رحمه‌الله : فيجزي لو كان الفاقد معه في هذا الحال كالواجد في كونه وافياً بتمام الغرض ، ولا يجزي لو لم يكن كذلك ، ويجب الإتيان بالواجد لاستيفاء الباقي إن وجب وإلاّ لاستحبّ ، هذا مع امكان استيفائه وإلاّ فلا مجال لإتيانه.

وأمّا لو شك ـ ولم يحرز أنّ حجية الأمارة على وجه الطريقيّة أو

__________________

(١) وهذا هو مختاره هنا وفي مواضع أُخر ، وإنْ اشتهر عنه القول بالمنجّزية والمعذّرية.

(٢) وسائل الشيعة ٢٧ / ١٥٠ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، رقم ٤٠.

(٣) قال الاستاذ : وبناءً على المنجزية أيضاً لا إجزاء ، لأنّ المجعول هو المنجزية والمعذرية فقط.

٢٠٠