تاريخ مدينة دمشق - ج ٤٨

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٤٨

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٢
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

أسأله ، فقال : هاهنا عبد الرزّاق بن همّام ، فقال : امض بنا إليه ، فأتيناه ، فقرعت الباب ، فقال : من هذا؟ فقلت : أجب أمير المؤمنين ، فخرج مسرعا ، فقال : يا أمير المؤمنين لو أرسلت إليّ أتيتك ، فقال : خذ لما جئناك له رحمك الله ، فحادثه ساعة ثم قال له : أعليك دين؟ قال : نعم ، قال : يا عباسي (١) اقض دينه ، ثم التفت إليّ فقال : ما أغنى عني صاحبك شيئا ، فانظر لي رجلا أسأله ، فقلت : هاهنا فضيل بن عياض فقال : امض بنا إليه ، فأتيناه فإذا هو قائم يصلي يتلو آية من كتاب الله ويردّدها ، وكان هارون رجلا رقيقا ، فبكى بكاء شديدا ثم قال لي : اقرع الباب ، فقرعته ، فقال : من هذا؟ قلت : أجب أمير المؤمنين ، فقال : ما لي ولأمير المؤمنين ، فقلت : سبحان الله أوما عليك طاعة ، أوليس قد روي عن (٢) النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه» [١٠٤٦٥].

قال : فنزل ، ففتح الباب ثم ارتقى إلى الغرفة ، وأطفأ السراج والتجأ إلى زاوية من زوايا الغرفة ، فجلس فيها ، فجعلنا نجول عليه بأيدينا ، فسبقت كفّ هارون كفّي إليه ، فقال : أوّه من كفّ ما ألينها إن نجت من عذاب الله ، قال : فقلت لنفسي : لنكلّمنّه الليلة بكلام تقي من قلب تقي ، قال : فقال له : خذ لما جئت له رحمك الله ، فقال : يا أمير المؤمنين ، بلغني أنّ عاملا لعمر بن عبد العزيز شكى إليه ، فكتب إليه : يا أخي اذكر طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد ، فإنّ ذلك نظر قربك إلى الربّ نائما ويقظانا (٣) ، وإيّاك أن ينصرف بك من عند الله ، فيكون آخر العهد ، ومنقطع الرجاء ، فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر ، فقال له عمر : ما أقدمك؟ قال : خلعت قلبي بكتابك ، لا وليت لك ولاية حتى ألقى الله.

قال : فبكى هارون بكاء شديدا ، ثم قال له : زدني رحمك الله ، فقال : يا أمير المؤمنين بلغني أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبد الله ، ومحمّد بن كعب القرظي ، ورجاء بن حيوة فقال لهم : إنّي بليت بهذا البلاء فأشيروا عليّ ، فعدّ الخلافة بلاء ، وعددتها أنت وأصحابك نعمة ، فقال محمّد بن كعب : إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فصم [عن](٤) الدنيا ، وليكن إفطارك منها الموت.

__________________

(١) كذا بالأصل.

(٢) كلمة «عن» كتبت فوق الكلام بين السطرين بالأصل.

(٣) كذا بالأصل : «يقظانا» منونة.

(٤) سقطت من الأصل هنا ، والزيادة عن الرواية السابقة للخبر.

٤٤١

وقال له رجاء بن حيوة : إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فحبّ للمسلمين ما تحبّ لنفسك ، واكره لهم ما تكره لنفسك ، وإنّي لأقول لك هذا وإني لأخاف عليك أشدّ الخوف يوما (١) تزلّ فيه الأقدام ، فهل معك رحمك الله من يأمرك بمثل هذا؟

فبكى هارون بكاء شديدا حتى غشي عليه ، فقلت : ارفق بأمير المؤمنين ، فقال : يا بن أم الربيع تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا؟! ثم إنه أفاق ، فقال : زدني رحمك الله ، فقال : يا أمير المؤمنين ، يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة ، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل ، فقال له هارون : أعليك دين؟ قال : نعم ، دين لربّي ، لم يحاسبني عليه ، فالويل لي إن سألني (٢) ، والويل لي إن ناقشني ، والويل لي إن لم ألهم حجّتي ، فقال : إنّما أعني دين العباد ، فقال : إنّ ربّي لم يأمرني بهذا ، أمرني أن أصدّق وعده ، وأطيع أمره ، فقال عز من قائل : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)(٣).

فقال له : هذه ألف دينار فخذها وأنفقها على نفسك وتقوّ بها على عبادة ربّك ، فقال : سبحان الله ، إنّا ندلّك على النجاة ، وأنت تكافئني بمثل هذا؟ سلّمك الله ووفقك.

قال : فخرجنا من عنده ، فبينا نحن على الباب ، إذا بامرأة من نسائه فقالت له (٤) : يا عبد الله قد ترى ضيق ما نحن فيه من الحال؟ فلو قبلت هذا المال وفرّجتنا به؟ فقال لها : مثلي ومثلكم مثل قوم كان لهم بعير يستقون عليه ، فلمّا كبر نحروه وأكلوا لحمه ، فلما سمع هذا الكلام قال : نرجع فعسى أن يقبل هذا المال؟ فلمّا أحسّ به فضيل خرج إلى تراب في السطح وجلس عليه ، وجاء هارون حتى جلس إلى جنبه ، فجعل يكلّمه ولا يجيبه بشيء ، فبينا نحن كذلك إذا بجارية سوداء قد خرجت علينا فقالت : قد آذيتم الشيخ منذ الليلة ، انصرفوا رحمكم الله ، قال : فخرجنا من عنده ، فقال : يا عباسي (٥) إذا دللتني على رجل فدلّني على مثل هذا ، فهذا سيّد المسلمين.

قال : وقال الفضيل : تقرأ في وترك : نخلع ونترك من يفجرك ، ثم تعدو إلى الفاجر فتعامله.

__________________

(١) بالأصل : «يوم» والمثبت عن حلية الأولياء.

(٢) في الحلية : ساءلني.

(٣) سورة الذاريات ، الآيات ٥٦ إلى ٥٨.

(٤) كلمة «له» كتبت فوق الكلام بين السطرين بالأصل.

(٥) كذا.

٤٤٢

قال : وقال الفضيل : لا تنظر إليهم من طريق الغلظة عليهم ، ولكن انظر من طريق الرحمة ـ يعني ـ السلطان.

أخبرنا أبو طاهر محمّد بن محمّد بن عبد الله المؤذن ، أنبأنا عبد الكريم بن عبد الرّزاق الحسناباذي ، أنبأنا منصور بن الحسين الكاتب ، أنبأنا أبو بكر بن المقرئ ، أنبأنا أبو يعلى الموصلي قال (١) : سمعت عبد الصمد قال : سمعت فضيلا يقول :

لا تجعل الرجال أوصياءك ، كيف تلومهم أن يضيّعوا وصيتك؟ وأنت قد ضيّعتها في حياتك ، وأنت بعدها تصير إلى بيت الدود ، وبيت الوحشة ، وبيت الظلمة ، ويكون زائرك فيه منكر ونكير (٢) ، فقبرك روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار ، ثم بكى وقال : أعاذنا الله وإياكم من النار.

قال (٣) : وسمعت فضيلا يقول :

حسناتك من عدوك أكثر منها من صديقك ، قيل : وكيف ذاك يا أبا علي؟ قال : لأن صديقك إذا ذكرت بين يديه قال : عافاه الله ، وعدوك إذا ذكرت بين يديه يغتابك الليل والنهار ، وإنّما يدفع المسكين حسناته إليك ، فلا ترض حتى إذا ذكر بين يديك تقول : اللهم أهلكه ، لا بل ادع الله له : اللهمّ أصلحه ، اللهم راجع به ، فيكون الله يعطيك أجر ما دعوت له.

قال : وسمعت فضيلا يقول : آفة العلم النسيان ، وآفة القراء العجب والغيبة ، وأشدّ الناس عذابا يوم القيامة الساعي والنمّام ، واحذروا أبواب الملوك فإنّها تزيد النقم (٤) وتذهب بالنعم ، قلنا : يا أبا علي هذا الحديث الذي جاء : «إن عليها فتنا (٥) كمبارك (٦) الإبل؟» قال : لا ، ولكنه هو الرجل يكون عليه من الله نعمة ، لا يكون به إلى خلق من خلق الله حاجة ، فإذا دخل على هؤلاء ورأى ما قد بسط لهم استصغر ما هو فيه ، فمن ثمّ تذهب النعمة أو تزول النعمة.

قال : وسمعت فضيلا يقول : ليس الآمر الناهي الذي يدخل عليهم يأمرهم وينهاهم ثم

__________________

(١) من طريقه رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٨ / ٨٧.

(٢) كذا بالأصل والمختصر ، وفي الحلية : منكرا ونكيرا.

(٣) القائل : عبد الصّمد بن يزيد مردويه ، ومن طريقه روي الخبر في حلية الأولياء ٨ / ٩٧.

(٤) كذا بالأصل وفي المختصر : تزيل النعم.

(٥) بالأصل : فتن.

(٦) بالأصل : كبارك.

٤٤٣

يدعونه بعد إلى طعامهم وشرابهم فيجيبهم ، إنّما الآمر الناهي الذي اعتزلهم ، ولم يدخل عليهم ، فهو الآمر الناهي.

قال : واجتمعوا يوما عند الفضيل فقال بعض من كان معنا : فيكم من يقرأ القرآن؟ فقرأ بعض القوم ممّن كان معنا ، فلما سمع القرآن خرج وعينيه تشخب دموعا وهو يقول : كلام الله عزوجل ، فلمّا فرغ القارئ من قراءته دعا بدعوات ثم قال لنا : إخواني لو علمت أنكم تريدون هذا العلم لله لرحلت إليكم إلى منازلكم ، فإن كنتم صادقين فعليكم بالقرآن حتى متى تعلمون ولا تعملون ، حتى متى ترحلون ولا تنتفعون.

قال : وسمعت الفضيل يقول : لم تتزين العباد بشيء أفضل من الصدق ، والله عزوجل سائل الصادقين عن صدقهم فكيف بالكذّابين المساكين.

قال : وسمعت الفضيل يقول : لم ينبل من نبل بالحج (١) ، والجهاد ، ولا بالصوم ، ولا بالصلاة ، إنّما نبل عندنا من كان يعقل أيش يدخل جوفه ـ يعني ـ الرغيفين من حله.

قال (٢) : وسمعت فضيلا.

ح وأخبرنا أبو عبد الله الفراوي ، وأبو المظفّر بن القشيري ، قالا : أنبأنا أبو سعيد محمّد بن علي الخشاب ، أنبأنا أبو بكر محمّد بن عبد الله الجوزقي ، أنبأنا أبو العباس محمّد ابن عبد الرّحمن الدّغولي قال : سمعت أبا الحسين المظفّري قال : سمعت عبد الصمد بن يزيد يقول : سمعت الفضيل يقول :

المؤمن ينظر بنور الله ، الناس منه في راحة ، وهو بركة على من جلس إليه لا يغتاب أحدا ، كريم الخلق ، لين الجانب ، والمنافق عيّاب غيّاب ـ زاد أبو علي : خشن (٣) الجانب ، خشن (٤) الكلام وقالا : ـ إن رأى خيرا كتمه ، وإن رأى زلّة كشفها ، غضب الله عليه ، ومأواه جهنم ، لأن الله قال : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)(٥).

زاد المظفّري : قال : وسمعت عبد الصمد بن يزيد يقول : وسمعت الفضيل يقول :

__________________

(١) بالأصل : «باللجج» والمثبت عن المختصر.

(٢) القائل : عبد الصّمد بن يزيد ، مردويه.

(٣) كذا بالأصل.

(٤) بالأصل ـ في الموضعين ـ «حسن» تصحيف ، والتصويب عن المختصر.

(٥) سورة النساء ، الآية : ١٤٥.

٤٤٤

إنّ الفاحشة تشيع في الذين آمنوا حتى إذا بلغت الصالحين كانوا لها خزّانا.

زاد أبو يعلى : قال : وسمعت عبد الصمد يقول : وسمعت فضيلا يقول :

رحم الله عبدا كسب طيبا ، وأنفق قصدا ، وقدّم فضلا ليوم فقره وفاقته ، رحم الله من ترحّم على أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنما تحسن هذا كلّه بحبك أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال : وسمعت الفضيل يقول :

من أراد الآخرة أضرّ بالدنيا ، ومن أراد الدنيا أضرّ بالآخرة ، ألا فاضربوا (١) بالدنيا فإنها دار فناء ، واعملوا لدار البقاء.

قال (٢) : وسمعت الفضيل يقول :

ليكن شغلك في نفسك ، ولا يكن (٣) شغلك في غيرك ، فمن كان شغله في غيره فقد مكر به.

قال : وسمعت الفضيل يقول :

المؤمن في الدنيا مغموم يتزود ليوم معاده ، قليل فرحه ، ثم بكى (٤).

قال : وسمعت فضيلا يقول :

إياكم والعجب فإنّه يمحو العمل ، ومن رمى محصنا أحبط الله عمله ، ومن قال في رجل ما لا يعلم ، كتب عند الله كذابا ، ومن كتب عند الله كذابا فقد هلك.

قال : وسمعت الفضيل يقول :

من علم الله منه أنّه يحبّ أن يصلح بين الناس أصلح الله الذي بينه وبينه ، وغفر له ذنبه ، وأصلح له أهله ، وولده ، ومن أحبّ أن يفسد بين الناس أفسد الله عليه معيشة.

قال : وسمعت الفضيل يقول :

هل ترك الموت للمؤمن فرحا؟ وإنّما المؤمن يصبح مغموما ويمسي مغموما وإنّما دهره الهرب بدينه إلى الله عزوجل.

__________________

(١) كذا بالأصل ، وفي المختصر : فأضرّوا بالدنيا.

(٢) القائل : عبد الصّمد بن يزيد مردويه ، ومن طريقه رواه أبو نعيم في حلية الأولياء ٨ / ١٠٢.

(٣) في الحلية : ولا يكون.

(٤) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء ٨ / ١١٠.

٤٤٥

قال : وسمعت الفضيل يقول :

خلق كثير من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، لا يقبل الله منهم ذلك ، وذلك لأنهم يريدون به غير الله ، وقد يكون الرجل الواحد يأمر العباد فيقبلون منه فيحيي الله به العباد والبلاد.

قال : وسمعت الفضيل يقول :

طوبى لمن نظر في مطعمه ومشربه وجعله من حله ، وبكى على خطيئته.

قال : وسمعت الفضيل يقول :

إنّ الله قسم المحبة كما قسم الرزق ، وكلّ ذا من (١) الله ، وإياكم والحسد فإنّه الداء الذي ليس له دواء.

قال : وسمعت الفضيل يقول :

عليكم بالشكر ، فإنّه قلّ قوم كانت عليهم من الله نعمة فزالت عنهم إلّا لم تعد إليهم أبدا.

قال : وسمعت فضيلا يقول : أعوذ بالله أن أعادي له وليا.

قال : وسمعت الفضيل يقول :

من ازداد علمه فليزدد شكرا ، إنّ المنافق كلّما ازداد علما ازداد عمى.

قال : وسمعت الفضيل يقول :

إنّ لله عبادا لا يرفع لهم إلى الله عمل ، وهم أصحاب الرياء الذين يكون حبّهم في غير الله ، إن أعطوا رضوا ، وإن منعوا سخطوا ، فمن كان كذلك ورّثه الله العمى.

قال : وسمعت الفضيل يقول (٢) :

اجعلوا دينكم (٣) بمنزلة صاحب الجوز ، إن أحدكم يشتري الجوز فيحرّكه ، فما كان من جيد جعله في كمه ، وما كان من رديء ردّه ، وكذلك الحكمة ، من تكلم بحكمة فاقبل (٤) منه ، ومن تكلم بسوى ذلك فدعه.

__________________

(١) تقرأ بالأصل : «وكل داء بشر الله» كذا ، والمثبت عن الحلية.

(٢) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء ٨ / ٩٩.

(٣) إعجامها مضطرب بالأصل ونميل إلى قراءتها : «ذنبكم» والمثبت عن حلية الأولياء.

(٤) في الحلية : قبل منه.

٤٤٦

قال : وسمعت فضيلا يقول (١) :

لو أنّ دعوة مستجابة ما صيرتها إلّا في الامام ، قيل : وكيف ذلك يا أبا علي؟ قال : متى ما صيّرتها في نفسي لم تجزني (٢) ، ومتى صيّرتها في الإمام فإصلاح (٣) الامام إصلاح (٤) العباد والبلاد ، قيل : وكيف ذلك يا أبا علي؟ فسّر لنا هذا ، قال : أمّا إصلاح (٥) البلاد فإذا أمن الناس ظلم الإمام عمّروا الخرابات فتركوا (٦) الأرض ، وأما العباد فينظروا إلى قوم من أهل الجهل فيقول : قد شغلهم طلب المعيشة عن طلب ما ينفعهم من تعلّم القرآن وغيره ، فيجمعهم في دار ، خمسين خمسين ، أقلّ أو أكثر ، يقول لرجل : لك ما يصلحك ، وعلّم هؤلاء أمر دينهم ، وانظر ما أخرج الله من فيهم مما يزكي الأرض فردّه عليهم ، فقال : كذا صلاح العباد والبلاد.

وقال رباح الكوفي : إن ابن المبارك قبّل جبهته في هذا الحديث فقال : يا معلّم الخير من يحسن هذا غيرك؟

قال : وسمعت فضيلا يقول (٧) :

إنّما سمّي الصّديق ليصدقه ، وإنّما سمّي الرفيق لترفقه ، أي ليس في السفر وحده ، [بل](٨) في السفر والحضر ، قلنا : يا أبا علي فسّر لنا هذا ، قال : أما الصّديق لتصدقه ، فإذا رأيت منه أمرا تكرهه فعظه ، ولا تدعه يتهور ، وأما الرفيق فإن كنت أعقل منه فارفقه بفعلك (٩) ، وإن كنت أحلم منه فارفقه بحلمك [وإن كنت أعلم منه فارفقه بعلمك](١٠) وإن كنت أغنى منه فارفقه بمالك.

قال : وسمعت فضيلا يقول (١١) :

ما لكم والملوك؟ ما أعظم منّتهم عليكم ، أن قد تركوا لكم طريق الآخرة ، فاركبوا

__________________

(١) رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٨ / ٩١ ومختصر في سير أعلام النبلاء ٨ / ٤٣٤.

(٢) بدون إعجام بالأصل ، وفي الحلية : «تحزني» والتصويب عن المختصر.

(٣) في الحلية : «صلاح».

(٤) في الحلية : «صلاح».

(٥) في الحلية : «صلاح».

(٦) كذا بالأصل ، وفي الحلية : «ونزلوا الأرض» ، وفي المختصر : فتزكو الأرض.

(٧) رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٨ / ١١٢.

(٨) زيادة للإيضاح عن حلية الأولياء.

(٩) في الحلية : فارفقه بعقلك.

(١٠) الزيادة بين معكوفتين عن حلية الأولياء.

(١١) الخبر رواه أبو نعيم في حلية الأولياء ٨ / ١٠٢.

٤٤٧

طريق الآخرة ، ولكن لا ترضون بعيوبهم بالدنيا ثم تزحمونهم (١) على الدنيا ، ما ينبغي لعالم أن يرضى بهذا لنفسه.

أخبرنا أبو طاهر محمّد بن محمّد ، أنبأنا عبد الكريم بن عبد الرزّاق ، أنبأنا منصور بن الحسين ، أنبأنا أبو بكر بن المقرئ ، وأنبأنا أبو يعلى الموصلي قال : سمعت عبد الصمد بن يزيد قال : وقال الفضيل :

إنّما ينبغي للدنيا أن تتلاعب بالجاهل لا بالعالم ، وقالوا له : لو كلّمت هارون في أمر الرعية إنه يحبك ، قال : لست هناك ، فكرّر القول عليه ، فقال : لو كنت داخلا عليه يوما ما كلّمته إلّا في علماء السّوء ، أقول : يا أمير المؤمنين ، إنه لا بدّ للناس من راع ، ولا بدّ للراعي من عالم يشاوره ، ولا بدّ له من قاض ينظر في أحكام المسلمين ، وإذا كان لا بدّ من هذين الرجلين فلا يأتك عالم ولا قاض إلّا على حمار بإكاف خلفه أغبر ، فبالحرى أن يؤدّوا إلى الراعي والرعية النصيحة ، يا أمير المؤمنين متى تطمع العلماء والقضاة أن يؤدّوا إليك النصيحة ومركب أحدهم بكذا وكذا؟ فإذا حملتهم على حمر مركبة بأكف ، فبالحرى أن يؤدّوا إليك النصيحة.

قال : وسمعت الفضيل يقول :

لو تعلمون ما أعلم لم يهنكم طعام ولا شراب.

قال عبد الصمد : وسمعت رباحا الكوفي يقول :

مات بعض ولد العلماء بمكة فأتاه القداحي (٢) ومسلم بن خالد الزّنجي (٣) ، وسفيان بن عيينة ، وعبد المجيد بن عبد العزيز (٤) يعزّونه ، فلم يتعزّ فأتاه الفضيل فقال :

يا هذا ما ترى في رجل كان في سجن [هو](٥) وولده فأخرج ولده من السجن ، فأولى به أن يفرح أو يحزن؟ فقال الرجل : أولى به أن يفرح ، قال : كأنك كنت أنت وابنك في السجن ، فأخرج ابنك من السجن ، فقال : تعزّيت والله.

__________________

(١) بدون إعجام بالأصل ، والمثبت عن المختصر ، وفي الحلية : تزاحمونهم.

(٢) كذا بالأصل ، ولعله يريد سعيد بن سالم القداح ، أبو عثمان المكي القداح ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ٩ / ٣١٩ وتهذيب الكمال ٧ / ٢٠٣.

(٣) هو مسلم بن خالد ، أبو خالد المخزومي الزنجي المكي ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ٨ / ١٧٦.

(٤) هو عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، أبو عبد المجيد المكي ترجمته في سير أعلام النبلاء ٩ / ٤٣٤.

(٥) زيادة للإيضاح.

٤٤٨

أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن عبد الله ، أنبأنا أبو بكر الخطيب ، أنبأنا أبو سعيد الحسن ابن محمّد بن عبد الله بن حسنويه ، حدّثنا أحمد بن جعفر بن أحمد بن معبد السمسار (١) ، حدّثنا عمر بن أحمد بن السّنّي ، حدّثنا محمّد بن سعد السحي (٢) ، حدّثنا الفضيل بن عياض قال :

أتيت في منامي ، فقيل لي : يا فضيل اذكر الله ، فإنه ما من أحد يوم القيامة إلّا ودّ أنه زيد في صحيفته مثقال حبّة من خردل من برّ ، ولو كان داود عليه‌السلام.

قرأنا على أبي عبد الله يحيى بن الحسن ، عن أبي تمّام علي بن محمّد ، عن أبي عمر ابن حيّوية ، حدّثنا محمّد بن القاسم بن جعفر ، حدّثنا ابن أبي خيثمة ، حدّثنا فضيل بن عبد الوهاب قال :

دخلت على فضيل بن عياض بيته ، فإذا بيته من قصب فيه ثلاثة أعواد من خلاف ، وبابه من أجذاع ، وله باب آخر في البيت ، ولا باب له ، فلمّا جلسنا أخذ الورى (٣) فجعله على الباب الذي ليس له باب ، ثم جلس معنا ، فجعل يعظ.

قال : وحدّثنا فضيل قال : وسمعت فضيلا بمكة يقول لهم :

لا تؤذوني ما خرجت إليكم حتى ثلاث [و](٤) ستين مرة أو نحوا من ستين مرة ، وكذلك قبل الظهر.

أخبرنا أبو منصور بن زريق ، أنبأنا أبو بكر الخطيب (٥) ، أنبأنا محمّد بن الحسين بن إبراهيم الخفّاف ، حدّثنا أبو الحسن علي بن هلال بن النّجم الصّفّار ـ إملاء من حفظه ـ حدّثنا أبو جعفر بن بدينا (٦) ، أنبأنا محمّد بن زنبور المكي (٧) قال :

احتبس على فضيل بن عياض بوله فقال : سيدي أطلقه عني ، فما بال ، قال : فقال في الثانية : وعزّتك لو قطعتني إربا أربا ما ازددت لك إلّا حبا ، قال : فما بال ، قال : فقال في الثالثة : بحبي لك إلّا ما أطلقته عني ، قال : فما برحنا حتى بال.

__________________

(١) ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٥ / ٥١٩.

(٢) كذا رسمها بالأصل ، بدون إعجام.

(٣) كذا بالأصل.

(٤) زيادة لازمة.

(٥) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٢ / ١٢١ في ترجمة علي بن هلال بن النجم.

(٦) في تاريخ بغداد : «أبو جعفر بن بدنيا» تصحيف ، والصواب ما أثبت وهو محمد بن هارون بن بدينا.

(٧) ترجمته في تهذيب الكمال ١٦ / ٢٧٩.

٤٤٩

أخبرنا أبو المظفّر بن القشيري ، أنبأنا أبي ، أنبأنا حمزة بن يوسف السّهمي ، أنبأنا محمّد بن أحمد بن القاسم ، حدّثنا تميم بن همام ، حدّثنا إبراهيم بن الحارث ، حدّثني عبد الرّحمن بن عفان ، حدّثني محمّد بن أيوب ، حدّثني أبو العباس خادم الفضيل قال (١) :

احتبس بول الفضيل فرفع يديه ، وقال : اللهمّ بحبي لك إلّا أطلقته علي ، قال : فما برحنا حتى شفي.

أخبرنا أبو محمّد بن طاوس ، حدّثنا سليمان بن إبراهيم بن محمّد ، حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن جعفر اليزدي ، أنشدني أبو علي محمّد بن عبد الله بن سعيد العسكري ، أنشدني بكر بن سعدوية الزاهد ، أنشدني أحمد بن عبدة ، أنشدني أبو علي الفضيل بن عياض :

يا أيها الذاهب في غيّه

محصول ما تطلبه الفوت

والأمر قدّامك مستعظم

قد جلّ بدوه الموت

أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنبأنا أبو بكر البيهقي ، أنبأنا أبو عمرو محمّد بن عبد الله الأديب ، حدّثنا أبو أحمد بن عدي الحافظ ، حدّثنا بدر بن الهيثم قال : ذكر هارون بن إسحاق ، حدّثني رجل من أهل مكة قال : كنا جلوسا مع فضيل بن عياض فقلنا : يا أبا علي كم سنّك؟ فقال (٢) :

بلغت الثمانين أو جزتها

فما ذا أؤمّل أو أنتظر

أتت لي ثمانون من مولدي

ودون الثمانين ما تعتبر

علتني السنون فأبلينني

ثم نهض فلما ولّى التفت فقال :

فدقّ العظام وكلّ البصر

أنبأنا أبو طاهر محمّد بن محمّد بن عبد الله السّنجي (٣) ، أنبأنا أبو المعالي ثابت بن بندار بن إبراهيم البقال ، أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البزّار (٤) ، أنبأنا

__________________

(١) الخبر في الرسالة القشيرية ص ٣٢٧ (ط بيروت).

(٢) الخبر والبيتان في سير أعلام النبلاء ٨ / ٤٤٢.

(٣) إعجامها ناقص بالأصل ، والصواب ما أثبت ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٢٨٤.

(٤) ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٧ / ٤١٥.

٤٥٠

أبو بكر أحمد (١) بن كامل بن خلف بن شجرة القاضي ، حدّثني عبد الله بن أحمد بن عيسى المقرئ المعروف بالقسطاطي ، حدّثنا أبو عبد الرّحمن أحمد بن سهل قال :

قدم علينا سعد بن زنبور فأتيناه ، فحدّثنا فقال : كنا على باب الفضيل بن عياض فاستأذنا عليه ، فلم يؤذن لنا ، قال : فقيل لنا : إنّه لا يخرج إليكم أو يسمع القرآن ، قال : وكان معنا رجل مؤدب وكان صيتا قال : فقلنا له : اقرأ ، قال : فقرأ : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ)(٢) ورفع بها صوته ، قال : فأشرف علينا الفضيل وقد بكى حتى بلّ لحيته بالدموع ، ومعه خرقة ينشف بها الدموع من عينيه وأنشأ يقول :

بلغت الثمانين أو جزتها

فما ذا أؤمّل أو أنتظر

أتى لي ثمانون من مولدي

فبعد الثمانين ما ينتظر

علتني السنون فأبلينني

 ........

قال : ثم خنقته العبرة قال : وكان معنا علي بن خشرم فأتمّه لنا فقال :

علتني السّنون فأبلينني

فدقّت عظامي وكلّ البصر

قال : ثم قال القاضي (٣) : ولدت في سنة ستين ومائة ، وأنشدنا :

عقد الثمانين عقد ليس يبلغه

إلّا المؤخّر للأخبار والعبر (٤)

أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمّد بن عبد القوي ، حدّثنا أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي قال : أنشدنا أبو محمّد عبد الله بن عمر بن عبد ربه الأندلسي ، أنشدني محمّد بن أحمد الأندلسي للفضيل بن عياض :

إنّا لنفرح بالأيّام ندفعها

وكلّ يوم مضى نقص من الأجل

فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا

فإنّما الربح والخسران في العمل

كتب إليّ أبو سعيد محمّد بن محمّد المطرّز ، وأبو علي الحدّاد ، وأبو القاسم غانم بن محمّد بن عبيد الله.

__________________

(١) بالأصل : «محمد» تصحيف ، والصواب ما أثبت «أحمد» ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٥ / ٥٤٤ وتاريخ بغداد ٤ / ٣٥٨.

(٢) سورة التكاثر ، الآيتان ١ و ٢.

(٣) يعني أحمد بن كامل بن شجرة.

(٤) كلام القاضي ابن شجرة والشعر في ترجمته في تاريخ بغداد ٤ / ٣٥٨.

٤٥١

ثم أخبرنا أبو المعالي عبد الله بن أحمد بن محمّد الحلواني ، أنبأنا أبو علي الحداد.

قالوا : ، أنبأنا أبو نعيم الحافظ ، حدّثنا أحمد بن جعفر بن سلم ، حدّثنا أحمد بن علي الأبّار ، قال : سمعت مجاهد بن موسى يقول : مات فضيل بن عياض سنة ست وثمانين ومائة (١).

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأنا محمّد بن هبة الله بن الحسن ، وأبو الحسن علي بن أحمد بن محمّد بن حميد ، قالا : أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا عثمان بن أحمد ، أنبأنا محمّد بن أحمد البرّاء قال : قال علي بن المديني :

مات بشر بن المفضّل ، ومحمّد بن سوّار ، وفضيل بن عياض ، ومعتمر بن سليمان سنة سبع وثمانين (٢).

قرأت على أبي محمّد السّلمي ، عن أبي محمّد التميمي ، أنبأنا مكي بن محمّد بن الغمر ، أنبأنا محمّد بن عبد الله بن أحمد بن زبر ، أنبأنا أبي ، حدّثنا الطيالسي ـ وهو جعفر بن أبي عثمان (٣) ـ قال : قال يحيى (٤) : هلك فضيل بن عياض سنة سبع وثمانين ومائة.

قال ابن زبر : قال الواقدي : وأبو موسى والمدائني فيها ـ يعني ـ سنة سبع وثمانين ومائة مات الفضيل بن عياض بمكة.

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، حدّثنا أبو بكر الخطيب ، أنبأنا أبو الحسين بن الفضل ، أنبأنا جعفر الخلدي.

ح وأخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأنا أبو علي بن المسلمة ، وأبو القاسم بن العلّاف ، قالا : أنبأنا أبو الحسن بن الحمّامي ، أنبأنا الحسين بن محمّد بن الحسن ، قالا : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عبد الله بن سليمان ، حدّثنا ابن نمير قال : مات فضيل بن عياض سنة سبع وثمانين ـ يعني ـ ومائة.

أنبأنا أبو سعد المطرّز ، وأبو علي المقرئ ، وأبو القاسم غانم بن محمّد بن عبيد الله.

وأخبرنا أبو المعالي عبد الله بن أحمد ، أنبأنا أبو علي.

قالوا : أنبأنا أبو نعيم ، حدّثنا محمّد بن علي بن حبيش ، حدّثنا محمّد بن عبدوس بن

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٨ / ٤٤٧.

(٢) سير أعلام النبلاء ٨ / ٤٤٧.

(٣) ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٤٦.

(٤) يعني يحيى بن معين.

٤٥٢

كامل ، حدّثنا محمّد بن عبد الله بن نمير قال : مات فضيل بن عياض سنة سبع وثمانين ومائة.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين ، أنبأنا أبو بكر الخطيب ، أنبأنا ابن رزقوية ، أنبأنا عثمان بن أحمد الدقاق ، حدّثنا حنبل بن إسحاق قال : سمعت علي بن بحر القطان قال : صلّيت على فضيل آخر سنة سبع وثمانين.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأنا أبو بكر بن الطبري ، أنبأنا أبو الحسين بن الفضل ، أنبأنا عبد الله بن جعفر ، حدّثنا يعقوب قال (١) :

سمعت زيد بن المبارك يقول : مات رباح بن زيد ، ومعتمر بن سليمان ، وفضيل بن عياض سنة سبع وثمانين ومائة.

قال : وحدّثنا يعقوب (٢) قال :

وفي سنة سبع وثمانين ومائة مات الفضيل بن عياض أبو علي في المحرم لإحدى عشرة مضت منه كما ذكر لي ابن أبي عمر.

أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي ، أنبأنا رمضان بن عبد الساتر ، أنبأنا أحمد بن محمّد بن عمر بن نصير ، أنبأنا عثمان بن محمّد بن أحمد السمرقندي ، قال : قال أبو أمية الطّرسوسي : مات فضيل بن عياض سنة سبع وثمانين ومائة.

أخبرنا أبو محمّد بن طاوس ، أنبأنا أبو الغنائم بن أبي عثمان ، أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا أبو علي بن صفوان ، أنبأنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدّثني إبراهيم بن يعقوب قال : قال بعض المكيين :

رأيت سعيد بن سالم القدّاح في النوم فقلت : من أفضل من في هذه المقبرة ، فقال : صاحب هذا القبر ، قلت : بما فضلكم؟ قال : إنه ابتلي فصبر ، قلت : ما فعل فضيل بن عياض؟ قال : هيهات ، كسي حلّة لا تقوم لها الدنيا بحواشيها.

٥٦٣١ ـ فقيم (٣) بن الحارث

شهد صفين مع معاوية بن أبي سفيان.

__________________

(١) رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ ١ / ١٧٩.

(٢) المعرفة والتاريخ ١ / ١٧٩.

(٣) ورد في وقعة صفين والطبري : نعيم.

٤٥٣

أخبرنا أبو عبد الله البلخي ، أنبأنا أبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد ، أنبأنا أبو علي ابن شاذان ، أنبأنا أحمد بن إسحاق بن نيخاب (١) ، أنبأنا إبراهيم بن الحسين بن علي الكسائي ، حدثنا يحيى بن سليمان ، حدثني نصر ـ يعني بن مزاحم (٢) ـ حدثنا عمرو بن شمر ، حدثني عبد السلام بن عبد الله بن جابر (٣) :

أن راية بجيلة كانت في أحمس مع أبي شداد بصفين ، واسمه : قيس بن مكشوح بن هلال بن الحارث بن عمرو بن عامر بن علي بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار ، فقالت بجيلة : خذ رايتنا اليوم ، فقال لهم : غيري خير لكم مني ، فقالوا : ما نريد غيرك ، فقال : والله لئن أعطيتمونيها لا أنتهي بكم دون صاحب الترس المذهب ـ [قال :] وعلى رأس معاوية رجل قائم معه ترس مذهب [يستره من الشمس ـ قالوا : اصنع ما شئت ، فأخذها](٤) ثم زحف نحوهم وهو يقول (٥) :

إن عليا ذو أناة صارم

جلد إذا ما تحضر العزائم

لما رأى ما تفعل الأشائم

قام لدى ذروته الأكارم (٦)

الأشيبان مالك وهاشم (٧)

قال : ثم زحف ، فجعل يقاتل حتى انتهى إلى صاحب الترس ، وكان في خيل عظيمة [من أصحاب معاوية] ، فاقتتل الناس هناك قتالا شديدا ، قال : وذكروا أن صاحب الخيل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، فشدّ أبو شداد بسيفه نحو صاحب الترس ، فعرض له رومي (٨)

__________________

(١) إعجامها مضطرب بالأصل.

(٢) الخبر في وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ٢٥٨ والفتوح لابن الأعثم بتحقيقنا ٣ / ١٤٥.

(٣) ترجمته في لسان الميزان ٤ / ١٣.

(٤) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن وقعة صفين للإيضاح.

(٥) الرجز في وقعة صفين والفتوح لابن الأعثم.

(٦) الشطر في وقعة صفين : قام له الذروة والأكارم.

وفي ابن الأعثم : قام قيام الذروة الأكارم.

(٧) في ابن الأعثم : لا تستوي أمية وهاشم.

(٨) الأصل : «رمى» والتصويب عن وقعة صفين.

٤٥٤

لمعاوية فيضرب قدم أبي شداد فقطعها وضربه أبو شداد فقتله ، وأشرعت إليه الأسنة [فقتل] ، فأخذ الراية عبد الله بن قلع الأحمسي ، فجعل يقاتل ويقول (١) :

لا يبعد الله أبا شداد

حيث أجاب دعوة المنادي

وشدّ بالسيف على الأعادي

نعم الفتى كان في الطراد (٢)

وفي طعان الخيل والجلاد

فلم يزل يقاتل حتى قتل ، فأخذ الراية أخوه عبد الرحمن بن قلع ، فقتل ، ثم أخذها عفيف بن إياس الأحمسي ، فلم تزل بيده حتى تحاجر الناس. قتل](٣) حازم بن أبي حازم الأحمسي أخو قيس بن أبي حازم ، وقتل نعيم بن شهيد (٤) بن الثعلبية فأتى ابن عمه فقيم (٥) بن الحارث إلى معاوية ، وكان مع معاوية فقال : إن هذا القتيل ابن عمي فهبه لي ، فقال : لا تدفنهم فإنهم ليسوا لذلك بأهل ، فو الله ما قدرنا على دفن عثمان إلّا سرا فقال : والله لتأذنن لي في دفنه أو لألحقنهم ولأدعنك ، فقال معاوية : ترى أشياخ العرب لا نواريهم وأنت تسألني دفن ابن عمك! ادفنه إن شئت أو دعه ، فأتاه فدفنه.

__________________

(١) الرجز في وقعة صفّين ص ٢٥٩ وتاريخ الطبري ٣ / ... (ط بيروت).

(٢) بالأصل : الطرادي.

(٣) الزيادة عن وقعة صفّين.

(٤) في وقعة صفّين وتاريخ الطبري : نعيم بن صهيب بن العلية.

(٥) في وقعة صفّين وتاريخ الطبري : نعيم بن الحارث بن علية.

٤٥٥

[ذكر من اسمه](١) فليح

٥٦٣٢ ـ فليح بن العوراء المكّي (٢)

مولى بني مخزوم.

له ذكر في مجيدي المغنين.

قدم دمشق في خلافة الرشيد على إبراهيم بن المهدي.

قرأت في كتاب أبي الفرج علي بن الحسين بن محمّد الأصبهاني (٣) ، أخبرني رضوان ابن أحمد ، عن يوسف بن إبراهيم ، عن إبراهيم بن المهدي قال :

كتب إليّ جعفر بن يحيى وأنا عامل الرشيد على جند (٤) دمشق : قد قدم علينا فليح بن العوراء (٥) فأفسد علينا بأهزاجه وخفيفه كلّ غناء سمعناه قبله ، وأنا محتال لك في تحصيله عندك لنستمتع به كما استمتعنا ، فلم ألبث أن ورد علي فليح بكتاب الرشيد يأمر له بثلاثة آلاف دينار ، فورد عليّ منه رجل ذكرني لقاؤه الناس ، وأخبرني أنه قد ناهز المائة سنة ، فأقام عندي ثلاث سنين ، فأخذ عنه جواريّ كل ما (٦) كان معه من الغناء ، وانتشر بعض أغانيه بدمشق ، قال يوسف : ثم قدم علينا شابّ من المغنّين مع علي بن زيد بن الفرج الحرّاني ، عند مقدم عنبسة ابن إسحاق فسطاط مصر ، يقال له موفق (٧) ، فغناني من غناء فليح :

__________________

(١) زيادة منا للإيضاح.

(٢) ترجمته في الأغاني ٤ / ٣٥٩ وفيها : فليح بن أبي العوراء.

(٣) رواه أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني ٤ / ٣٦٥.

(٤) غير واضحة بالأصل ، والمثبت عن الأغاني.

(٥) الأغاني : فليح بن أبي العوراء.

(٦) الأصل : كلما.

(٧) كذا بالأصل والمختصر ، وفي الأغاني : مونق.

٤٥٦

يا قرّة العين اقبلي عذري

ضاق بهجرانكم صدري

لو هلك الهجر استراح الهوى

ما لقى الوصل من الهجر

ولحنه خفيف رمل ، فلم أر بين ما غنّاه وبين ما سمعت في دار أبي إسحاق فرقا فسألته من أين أخذه؟ فقال : أخذته بدمشق ، فعلمت أنه مما أخذه أهل دمشق من فليح بن العوراء.

٥٦٣٣ ـ فنك بن عبد الله الخادم الكافوري (١)

مولى كافور (٢) الإخشيدي.

خرج من مصر بعد موت كافور في سنة سبع وخمسين وثلاثمائة إلى الرّملة ، فبعثه الحسن بن عبيد الله (٣) بن طغج أمير الرملة أميرا (٤) على دمشق ، فدخلها لأيام خلت من ذي القعدة سنة سبع وخمسين وثلاثمائة ، وكان أميرها قبله فاتك الإخشيدي (٥) فأقام بها مديدة يسيرة ، ثم جرى بينه وبين أهل البلد مناوشة وقتال ونهب وإحراق في مستهل ذي الحجة من سنة سبع وخمسين ، فلمّا ... (٦) أخذ القوم حمص يوم عيد الأضحى ، وهاله ما رأى من كثرة أهل دمشق يوم العيد ... (٧) نادى في البلد النفير إلى ثنية العقاب (٨) بسبب الروم ، فخرج الناس إلى دومة (٩) وحرستا (١٠) فلمّا علم خروجهم انتهز الفرصة في خلوّ البلد ، فرحل عن دمشق ، وحمل أثقاله نحو عقبة دمّر (١١) وخرج بعسكره فتوجه إلى الساحل لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي الحجة فنهبوا بعض أثقاله وقتلوا من بقي من رجاله.

وبلغني من وجه آخر : أن ولاية فنك لدمشق كانت سنة ست وخمسين.

__________________

(١) ترجمته في تحفة ذوي الألباب ١ / ٣٦٧ وأمراء دمشق ص ٨٤.

(٢) ترجمته في وفيات الأعيان ٤ / ٩٩ وتحفة ذوي الألباب ١ / ٣٥١.

(٣) بالأصل : عبد الله ، تصحيف.

تقدمت ترجمته في تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ١٣٠ رقم ١٣٦١.

(٤) بالأصل : أمير.

(٥) تقدمت ترجمته قريبا.

(٦) كلمة غير مقروءة بالأصل.

(٧) كلمة غير واضحة بالأصل.

(٨) ثنية العقاب : ثنية مرتفعة مشرفة على غوطة دمشق ، يطؤها المسافر من دمشق إلى حمص (راجع معجم البلدان).

(٩) من قرى غوطة دمشق الشرقية (معجم البلدان).

(١٠) حرستا : من قرى دمشق ، على طريق حمص (راجع معجم البلدان).

(١١) عقبة دمر مشرفة على غوطة دمشق وهي من جهة الشمال على طريق بعلبك (راجع معجم البلدان).

٤٥٧

٥٦٣٤ ـ فوار مولى سليمان بن عبد الملك

حكى عن عمر بن عبد العزيز.

حكى عنه رجاء بن أبي سلمة.

قرأت على أبي الفتح نصر الله بن محمّد الفقيه ، عن أبي الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر ، أنبأنا أبو محمّد عبد الله بن الوليد الأنصاري الأندلسي ، أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن أحمد ـ فيما كتب إليّ ـ أخبرني جدي عبد الله بن محمّد بن علي اللّخمي الباجي ، أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن يونس ، أنبأنا بقي بن مخلّد ، حدّثنا أحمد بن إبراهيم بن عباس ، حدّثنا ضمرة ، عن رجاء ، عن فوار مولى سليمان صاحب ... (١) قال : قال لي عمر بن عبد العزيز حين ولي : يا فوار انظر ما كان لسليمان قبل أن يلي فادفعه لابنه داود ، وما كان له بعد أن ولي فاحتبسه.

روى عنه غيره ، فقال : قواد ، وسيأتي ذكره في حرف القاف.

__________________

(١) كلمة غير واضحة بالأصل.

٤٥٨

ذكر من اسمه فهد

٥٦٣٥ ـ فهد بن سليمان بن يحيى

 أبو محمّد الكوفي النّحّاس

نزيل مصر.

سمع بدمشق : أبا مسهر ، وسليمان بن عبد الرّحمن ، وسعيد بن المغيرة الصّيّاد ، وعتبة ابن السكن ، ومحمّد بن كثير المصّيصي ، وموسى بن داود الضّبّي ، وأبا نعيم الفضل (١) بن دكين ، والمعلّى بن الوليد القعقاعي ، ويزيد بن عبد ربه ، ويحيى بن عبد الله البابلتّي (٢) ، ومحمّد بن سنان العوفي ، والمعلّى بن أسد البصري ، وعمر بن حفص بن غياث (٣) ، وأبا بكر ابن أبي شيبة ، ومحمّد بن سعيد بن الأصبهاني.

روى عنه : أبو جعفر أحمد بن محمّد الطحاوي ، وأبو الحسن بن جوصا ، وعلي بن سراج المصري الحافظان ، ويحيى بن محمّد بن صاعد ، والحسن بن حبيب ، وأبو جعفر محمّد بن الحسن بن زيد التّنّيسي ، وأبو بكر أحمد بن مسعود بن عمرو الزّنبري (٤) ، وأحمد ابن محمّد بن الحجاج بن رشدين ، وأبو علي أحمد بن محمّد بن فضالة الحمصي ، وعبد العزيز بن أحمد بن الفرج الأحمري.

أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر ، أنبأنا أبو الحسن محمّد بن عبد الواحد

__________________

(١) بالأصل : الفضيل ، تصحيف ، والصواب ما أثبت ، ترجمته في تهذيب الكمال ١٥ / ٦٢.

(٢) بالأصل : البابلي ، تصحيف ، والصواب ما أثبت ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٠ / ٣١٨.

(٣) بالأصل : عناب ، تصحيف ، والصواب ما أثبت ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٠ / ٦٣٩.

(٤) تقرأ بالأصل : الزبيري ، تصحيف ، والصواب ما أثبت ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٥ / ٣٣٣.

٤٥٩

ابن محمّد بن جعفر سنة أربعين وأربعمائة أنبأنا أبو بكر محمّد بن إسماعيل بن العباس الورّاق (١) ، حدّثنا يحيى بن محمّد بن صاعد ، حدّثنا فهد بن سليمان المصري ، حدّثنا أبو مسهر.

ح قال : وحدّثنا محمّد بن عوف الحمصي ، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم أبو النّضر الدمشقي قالا : حدّثنا يحيى بن حمزة ، حدّثنا محمّد بن الوليد الزّبيدي ، أنّ الزهري حدّثه عن سالم بن عبد الله أن سفينة مولى أم سلمة قال : قالت أم سلمة :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس» [١٠٤٦٦].

أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، حدّثنا عبد العزيز بن أحمد ، أنبأنا أبو محمّد ابن أبي نصر ، أنبأنا أبو علي الحسن بن حبيب بن عبد الملك ـ قراءة عليه ، وأنا أسمع فيما انتقاه أبو سليمان بن زبر ، حدّثنا فهد بن سليمان ، حدّثنا قطبة بن العلاء الغنوي ، حدّثنا سفيان الثوري ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«ما ذئبان ضاريان في حظيرة وثيقة ، يأكلان ويفرسان بأسرع فيها من حبّ الشّرف ، وحبّ المال في دين المسلم» [١٠٤٦٧].

كتب إليّ أبو زكريا يحيى بن عبد الوهّاب بن مندة ، وحدّثني أبو بكر اللفتواني عنه ، أنبأنا عمي أبو القاسم ، عن أبيه أبي عبد الله قال : قال لنا أبو سعيد بن يونس :

فهد بن سليمان بن يحيى ، يكنى أبا محمّد كوفي قدم إلى مصر قديما ، وكان يدل في البر ، وحدّث بها عن الغرباء وأهل مصر ، توفي بمصر في سنة خمس وسبعين ومائتين وكان ثقة ثبتا.

٥٦٣٦ ـ فهد بن موسى بن أبي رباح

 أبو الخير الأزدي الإسكندراني

قاضي الإسكندرية.

قدم دمشق.

روى عن عبد الله بن عبد الحكم ، وأبي صالح عبد الله بن صالح ، ويحيى بن عبد الله ابن بكير ، والحارث بن مسكين.

__________________

(١) ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٨٨.

٤٦٠