تاريخ مدينة دمشق - ج ٤٨

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٤٨

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٢
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

غيلان بن سلمة الثقفي حجازي ، ذكره في حديث عبد الله بن عمر ، روى عنه بشر بن عاصم الثقفي ومولاه نافع أبو السائب ، وعروة بن غيلان.

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنبأنا رشأ بن نظيف ، أنبأنا الحسن بن إسماعيل ، أنبأنا أحمد بن مروان ، حدّثنا ابن أبي الدنيا ، حدّثنا سعيد بن يحيى القرشي ، حدّثنا حفص بن غياث عن الأجلح (١) ، عن عكرمة في قوله عزوجل : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ)(٢) قال : لا يلبسها على غدرة ولا فجوة ، ثم تمثّل بشعر غيلان بن سلمة :

إنّي بحمد الله لا ثوب فاجر

لبست ولا من غدرة أتقنّع

في نسخة الكتاب الذي قرأت على أبي القاسم بن السّمرقندي ، عن أبي محمّد عبد الوهّاب بن علي ، أنبأنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز ، أنبأنا أحمد بن جعفر بن محمّد ، أنبأنا أبو خليفة ، حدّثنا محمّد بن سلّام الجمحي ، قال (٣) :

ولغيلان بن سلمة شعر ، وهو شريف وكان قسم ماله كلّه بين ولده ، وطلّق نساءه ، فقال له عمر : إنّ الشيطان قد نفث في روعك أنك ميّت ولا أراه إلّا كذلك ، لترجعنّ في مالك ، ولتراجعنّ نساءك ، أو لآمرن بقبرك أن يرجم كما رجم قبر أبي رغال ، ففعل.

ودخل (٤) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أم سلمة وهم محاصرو الطائف وعندها مخنّث يقال له هيت يقول لأم سلمة : إذا افتتحتم الطائف فقولي لأخيك (٥) يأخذ بادية بنت غيلان بن سلمة ـ وكانت أشهر نساء ثقيف جمالا وهيئة ـ فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما لك لتفطن لهذا! لا يدخلن عليكم» [١٠٣٩٥].

قال ابن سلّام : وأخبرني أبو جعدة (٦) قال : قالت خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السّلمية ، ـ وكانت امرأة عثمان بن مظعون وهي الحولاء (٧) : ـ يا رسول الله إذا فتح الله عليك الطائف فأعطني حلي بادية بنت غيلان ، قال : «وإن لم يكن أذن لي فيها يا خويلة» فأتت عمر بن الخطّاب مسرعة ، فأخبرته ، وكان المسلمون يظنون أنهم يفتحونها ، قد فتحوا

__________________

(١) من طريقه رواه ابن حجر في الإصابة ٣ / ١٩٢ : الخبر والشعر.

(٢) سورة المدثر ، الآية : ٤.

(٣) الخبر في طبقات الشعراء لابن سلّام ص ١٠٤.

(٤) راجع الأغاني ٩ / ٢٠٠.

(٥) في الأغاني لعمر بن أبي سلمة ، أو لأخيه سلمة.

(٦) كذا بالأصل والمختصر.

(٧) في المختصر : الخولاء ، راجع الإصابة ٤ / ٢٧٨.

١٤١

مكة وظفروا بحنين في وجههم ذلك ، فجاء عمر بن الخطّاب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم [فقال :](١) ، شيء أخبرتنيه خويلة؟ قال : «نعم رأيت كأنّي أريد حلب شاة وهي تعتاص عليّ ، فظننت أنّي لا أنال منهم شيئا في وجهي هذا» ، قال : أفلا تأذن في الناس بالرحيل؟ قال : «بلى» (٢).

ذكر أبو حسان الزيادي.

أن غيلان بن سلمة مات في آخر خلافة عمر سنة ثلاث وعشرين.

٥٥٦٦ ـ غيلان بن عقبة بن مسعود

ابن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ملكان بن عدي

 ابن عبد مناة بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار

ويقال : غيلان بن عقبة بن بهيش (٣) ـ ويقال : نهيس ـ بن مسعود

ابن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ساعدة

ابن كعب بن عوف بن ثعلبة بن ربيعة بن ملكان

أبو الحارث العدوي

 المعروف بذي الرّمّة (٤)

الشاعر المشهور.

قيل إنه لقب بذلك لأنه أتى ميّة صاحبته وعلى كتفه قطعة حبل وهي الرّمّة فاستسقاها فقالت : اشرب يا ذا الرّمّة ، فلقّب به.

وقيل إنه لقب بذلك لقوله (٥) :

__________________

(١) زيادة للإيضاح.

(٢) رواه أبو عمر في الاستيعاب ٤ / ٢٩٠ (هامش الإصابة) وابن حجر في الإصابة ٤ / ٢٩١.

(٣) غير واضحة بالأصل ورسمها : «سس» والمثبت عن الأغاني والشعر والشعراء ، والقاموس ، وفي سير الأعلام :

بهيس ، بالسين المهملة.

(٤) ترجمته في الأغاني ١٨ / ١ ـ ٥٢ (مصورة دار الكتاب) ، الشعر والشعراء ص ٣٣٣ وسير أعلام النبلاء ٥ / ٢٦٧ وفيات الأعيان ٤ / ١١ وخزانة الأدب ١ / ٥٠ طبقات الشعراء لابن سلام ص ١٦٥ ديوانه ت كارليل هنري هيس مكارتني.

(٥) من شعر قاله في الوتد ، وقبله في الشعر والشعراء ص ٣٣٤.

وغير مرضوخ القفا موتود

وانظر الأغاني ١٨ / ١ ، والرجز في ديوانه ص ١٥٥.

١٤٢

أشعث باقي رمّة التقليد

وقيل : كان يصيبه الفزع في صغره ، فكتبت له تميمة فكانت تعلق عليه بحبل ، فلقب ذا الرّمّة. وأمه ظبية ـ بالظاء المعجمة ـ من بني أسد.

حدّث عن ابن عبّاس.

روى عنه : أبو عمرو بن العلاء.

وفد على الوليد بن عبد الملك.

أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلّم الفقيه ، وأبو القاسم بن السّمرقندي ـ بقراءتي عليه ببغداد وكتبه لي بخطه ـ أنبأنا أبو حازم البغدادي ـ قراءة عليه وأنا أسمع ـ أنبأنا أبو زرعة روح ابن محمّد بن أحمد بن السني قاضي أصبهان (١) ، قدم حاجا ، حدّثنا أبو زرعة أحمد بن الحسين (٢) ، حدّثنا حامد بن حماد البندار ـ بنصيبين ـ حدّثنا إسحاق بن سيّار النّصيبي (٣) ، حدّثنا الأصمعي ، حدّثنا أبو (٤) عمرو بن العلاء ، عن ذي الرّمّة ، عن ابن عبّاس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن ـ وفي حديث إسماعيل : قال : ـ من الشعر حكمة».

وبإسناده عن ابن عبّاس في قوله : (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ)(٥) قال : الفارغ ، خرجت أمة تستقي ، فرجعت فقالت : إنّ الحوض مسجور تعني فارغا.

قال إسحاق ـ يعني ابن سيّار النّصيبي : ليس لذي الرمّة غير هذين الحديثين.

قرأت في كتاب أبي الفرج علي بن الحسين الأصبهاني (٦) ، أخبرني الحسين بن يحيى ، عن حمّاد ـ يعني : ابن إسحاق ـ عن أبي عدنان ، عن إبراهيم بن نافع.

أن الفرزدق دخل على الوليد بن عبد الملك أو غيره ، فقال له : من أشعر الناس؟ قال : أنا ، قال : أفتعلم أحدا أشعر منك؟ قال : لا ، إلّا أنّ غلاما من بني عدي يركب أعجاز الإبل ، وينعت الفلوات ؛ ثم أتاه جرير فسأله ، فقال له مثل ذلك ، ثم أتاه ذو الرّمّة فقال له : ويحك أنت أشعر الناس؟ قال : لا ، ولكن غلام من بني عقيل يقال له مزاحم ، يسكن الروضات يقول وحشيا من الشعر لا نقدر على أن نقول مثله.

__________________

(١) ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٧ / ٥١.

(٢) ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٧ / ٤٦.

(٣) ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٣ / ١٩٤.

(٤) كتبت فوق الكلام بين السطرين بالأصل.

(٥) سورة الطور ، الآية : ٦.

(٦) الخبر في الأغاني ١٨ / ٢٥.

١٤٣

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأنا أبو محمّد عبد الوهّاب بن علي بن عبد الوهّاب ـ قراءة أو إجازة ـ أنبأنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز قال : قرئ على أبي بكر أحمد ابن جعفر ، أنبأنا الفضل بن الحباب ، حدّثنا أبو عبد الله الجمحي (١) قال :

في الطبقة الثانية من الشعراء الإسلاميين : ذو الرّمّة ، واسمه غيلان وهو الذي يقول : أنا أبو الحارث واسمي غيلان بن عقبة بن بهيش (٢) بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ساعدة بن كعب بن عوف بن ثعلبة بن ربيعة بن ملكان بن عدي بن عبد مناة بن أدّ ، وهم عدي التيم ، تيم عدي ، والتيم من الرّباب.

أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن أحمد الكرماني ، وأبو الحسن مكي بن أبي طالب الهمذاني (٣) ، قالا : أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن خلف ، أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، حدّثني عبد الله بن أحمد بن جعفر ، قال : سمعت أبا بكر محمّد بن عمر بن سلم الحافظ يقول : اسم ذي الرّمّة غيلان.

أخبرنا أبو غالب ، وأبو عبد الله ابنا البنّا ، قالا : أنبأنا أبو الحسين بن الآبنوسي ، عن أبي الحسن الحافظ.

ح وقرأت على أبي غالب بن البنّا ، عن أبي الفتح بن المحاملي ، أنبأنا أبو الحسن الدارقطني ، قال :

ذو الرّمّة الشاعر غيلان بن عقبة بن بهيش العدوي من بني عدي بن عبد مناة.

كذا ضبطه بهيش بالشين المعجمة (٤).

قرأت على أبي محمّد بن حمزة ، عن أبي نصر علي بن هبة الله قال (٥) :

ذو الرّمّة غيلان بن عقبة بن بهيش العدوي ، من بني عدي بن عبد مناة.

أنبأنا أبو محمّد بن صابر ، أنبأنا سهل بن بشر ، أنبأنا علي بن بقاء الورّاق ـ إجازة ـ أنبأنا

__________________

(١) طبقات الشعراء لابن سلام ص ١٦٥.

(٢) بدون إعجام بالأصل.

(٣) بالأصل : الهمداني بالدال المهملة ، والصواب ما أثبت ، قارن مع مشيخة ابن عساكر ٢٤٦ / أ.

(٤) ومثله في المشتبه ١ / ٩٦ والاكمال لابن ماكولا ، والشعر والشعراء ، والأغاني ، وأشرنا إلى أنها : بهيس ، بالسين المهملة في سير أعلام النبلاء.

(٥) الاكمال لابن ماكولا ١ / ٣٧٦ في باب : «بهيش».

١٤٤

المبارك بن سالم ، أنبأنا الحسن بن رشيق ، حدّثنا يموت بن المزرّع ، حدّثنا أبو عثمان المازني ، حدّثنا الأصمعي ، عن عيسى بن عمر قال :

كان ذو الرّمّة الشاعر يملي عليّ شعرا وأنا أكتب الشعر إذ قال لي : يا غلام أصلح هذا الحرف ، فقلت له : أصلحك الله ، وإنك لتكتب؟ فقال : نعم ، قدم علينا حضريّ لكم فعلّمنا الخط على الرمل.

كتب إليّ أبو محمّد بن السّمرقندي ، وحدّثنا أبو طاهر إبراهيم بن الحسن بن طاهر عنه ، أنبأنا أبو بكر الخطيب ، أنبأنا الحسن بن محمّد الخلّال ، أنبأنا أحمد بن محمّد بن عمران قال : سمعت الصولي يقول : قال ذو الرّمّة لعيسى بن عمر :

اكتب شعري فالكتاب أعجب إليّ من الحفظ ، إنّ الأعرابي ينسى الكلمة ، قد سهرت في طلبها ليلة فيضع في موضعها كلمة في وزنها ثم ينشد الناس ، والكتاب لا ينسى ، ولا يبدّل كلاما بكلام.

أنبأنا أبو الفضل بن ناصر ، وحدّثنا أبو الحسن أحمد بن حمزة السلمي عنه ، أنبأنا أبو طاهر محمّد بن أحمد بن محمّد بن أبي الصقر ، أنبأنا عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي ، حدّثنا أبو عمر (١) بن حيّوية ، حدّثنا محمّد بن عمران الصّيرفي ، حدّثنا العمري ، حدّثنا أبو عدنان السّلمي والرياشي عن الأصمعي عن عيسى بن عمر قال :

قدم ذو الرّمّة البصرة فأتيته أعتذر إليه لأنّي لم أهد إليه شيئا ، فقال : لا تعتذر أنا وأنت نأخذ ولا نعطي أحدا شيئا.

أخبرنا أبو المعالي الحسين بن حمزة بن الحسين ، حدّثنا أبو بكر الخطيب ، أنبأنا الحسن بن الحسين (٢) بن العباس النّعالي (٣) ، أنبأنا أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني (٤) ، أخبرني أحمد بن عبد العزيز ، حدّثني الحسن بن علي ، حدّثنا علي بن سعيد الكندي قال : سمعت أبا بكر بن عياش يقول : حدّثني من رأى ذا الرّمّة طفيليا يأتي العرسات (٥).

__________________

(١) بالأصل : عمرو ، تصحيف.

(٢) الأصل : الحسن ، تصحيف ، والصواب ما أثبت ، ترجمته في تاريخ بغداد ٧ / ٣٠٠.

(٣) الأصل : النعال ، تصحيف. راجع الحاشية السابقة.

(٤) الخبر في الأغاني ١٨ / ٥.

(٥) العرسات جمع عرس ، طعام الوليمة.

١٤٥

أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين ـ قراءة ـ عن أبي عبد الله القضاعي (١) ، أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن محمّد بن عمرو بن شاكر القطان ، حدّثنا الحسن بن علي بن الفضل بن عبد المجيب المعافري ، حدّثنا محمّد بن علي بن الحسين الفقيه ، حدّثنا محمّد ابن عبد الحكم قال : قال لي الشافعي رحمه‌الله.

ح وأخبرنا أبو القاسم الخضر بن علي بن الخضر بن أبي هشام ، أنبأنا أبو محمّد عبد الله بن الحسن بن حمزة العطار ، أنبأنا أبو الحسن عبد الرّحمن بن محمّد بن ياسر ، أنبأنا أبو موسى هارون بن محمّد الموصلي ، حدّثنا أبو يحيى زكريا بن أحمد بن يحيى البلخي ، حدّثنا الحسن بن محمّد بن الأشعث المصري ، حدّثنا محمّد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : سمعت الشافعي يقول :

ليس يقدّم أهل البادية على ذي الرّمّة أحدا.

قال : وقال لي الشافعي : لقي رجل رجلا من أهل اليمن فقال لليماني : من أشعر الناس؟ فقال : ذو الرّمّة ، فقلت له : فأين امرؤ القيس؟ ـ يحميه (٢) بذلك لأنه يماني ـ فقال : لو أنّ امرأ القيس كلّف أن ينشد شعر ذي الرّمّة ما أحسنه ، وفي رواية القضاعي : فقلت : أم امرؤ القيس يحميه (٣) بذلك ـ.

أنبأنا أبو محمّد هبة الله بن سهل بن عمر ، وأبو عبد الله الحسين بن علي بن أحمد ، ثم حدّثنا أبو الحسن علي بن سليمان عنهما ، قالا : أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحافظ ، أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو تراب المذكّر ، حدّثنا محمّد بن المنذر بن سعيد ، حدّثنا محمّد بن عبد الحكم قال : قال الشافعي : ليس يقدّم أهل البادية على شعر ذي الرّمّة أحدا.

قرأت على أبي محمّد بن حمزة ، عن أبي بكر الخطيب ، أنبأنا الحسن بن الحسين بن العباس ، أنبأنا أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني (٤) ، حدّثني الحسن (٥) بن علي ، حدّثنا أبو أيوب المديني ، حدّثني الفضل بن إسحاق الهاشمي ، عن مولى لجده قال :

__________________

(١) هو محمد بن سلامة بن جعفر بن علي ، أبو عبد الله ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٨ / ٩٢.

(٢) تقرأ بالأصل : لا حمية.

(٣) رسمها بالأصل : «لا حسه» ولعل الصواب ما أثبت.

(٤) الخبر في الأغاني ١٨ / ٨.

(٥) الأصل : الحسين بن علي ، والمثبت عن الأغاني.

١٤٦

رأيت ذا الرّمّة بسوق المربد ، وقد عارضه رجل يهزأ به ، فقال له : يا أعرابي ، أتشهد بما لم تر؟ قال : نعم ، قال : بما ذا؟ قال : اشهد أن أباك ناك أمّك.

في نسخة ما أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأنا عبد الوهّاب بن علي ، أنبأنا علي ابن عبد العزيز قال : قرئ على أبي بكر الختّلي ، أنبأنا الفضل بن الحباب ، حدّثنا محمّد بن سلّام (١) قال :

وكان أبو عمرو بن العلاء يقول لنا :

شعره ـ يعني ذا الرّمّة ـ نقط عروس ، تضمحلّ عن قليل ، وأبعار ظباء لها مشمّ في أول شمّها ، ثم تعود إلى أرواح البعر.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأنا أبو الحسين بن النّقّور ، وأبو منصور بن العطار ، قالا : أنبأنا أبو طاهر المخلّص ، أنبأنا أبو محمّد عبيد الله بن عبد الرّحمن ، حدّثنا أبو يعلى المنقري ، حدّثنا الأصمعي ، عن يونس بن حبيب قال رؤبة بن العجّاج لبلال (٢) :

علام يعطي ذا الرّمّة؟ فو الله ما يمدحك إلّا بمقطّعاتنا هذه ، يعمد إليها فيوصلها ثم يمدحك بها ، فقال بلال : والله لو لم أعطه إلّا على تأليفها لأعطيته (٣).

أخبرنا أبو محمّد هبة الله بن سهل ، وأبو عبد الله الحسين بن علي بن أحمد البيهقي في كتابيهما.

ح وحدّثنا أبو الحسن المرادي عنهما ، قالا : أنبأنا أبو بكر البيهقي ، أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، حدّثني أبو محمّد جعفر بن محمّد بن الحارث.

ح قال : وأنبأنا أبو عبد الرّحمن السّلمي ، حدّثنا جعفر المراغي قال : سمعت أبا يحيى زكريا بن محمّد النيسابوري بمصر يقول : سمعت الربيع بن سليمان يقول : سمعت الشافعي يقول : شعر ذي الرّمّة بعر غزال ونقط عروس.

أخبرنا أبو القاسم ـ فيما أرى ـ أنبأنا أبو محمّد عبد الوهّاب بن علي ، أنبأنا علي بن عبد

__________________

(١) الخبر في طبقات الشعراء لابن سلام الجمحي ص ١٦٩ وعن ابن سلام في الأغاني ١٨ / ١٤.

(٢) يعني بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري.

(٣) رواه الأصفهاني في الأغاني من طريق الجوهري عن ابن شبرمة عن يحيى بن نجيم ، وزاد في آخره : وأمر له بعشرة آلاف درهم.

١٤٧

العزيز قال : قرئ على أبي بكر الختّلي ، أنبأنا الفضل بن الحباب ، حدّثنا محمّد بن سلّام قال (١) : وحدّثني أبو الغرّاف قال :

دخل ذو الرّمّة على بلال بن أبي بردة ـ وكان بلال راوية فصيحا أديبا ـ فأنشد بلال أبيات حاتم طيّى (٢) :

لحا الله صعلوكا مناه وهمّه

من الدهر (٣) أن يلقى لبوسا ومطعما

يرى الخمس (٤) تعذيبا وإن نال شبعة

يبت قلبه من قلة (٥) الهمّ مبهما

فقال ذو الرّمّة : ترى الخمص تعذيبا ، وإنّما الخمس للإبل ، وإنّما هو خمص البطون ، فحسد بلال ـ وكان محكا ـ.

وقال : هكذا أنشدنيهما رواة طيئ فردّ عليه ذو الرّمّة فضحك ، ودخل أبو عمرو بن العلاء فقال له بلال : كيف تنشدهما؟ (٦) وعرف أبو عمرو الذي به فقال : كلا الوجهين (٧) ، فقال : أتأخذون عن ذي الرّمّة؟ قال : إنّه لفصيح ، وإنّا لنأخذ عنه بتمريض ، وخرجا من عنده ، فقال ذو الرّمّة لأبي عمرو : والله لو لا أنّي أعلمك خطبت في حبله وقلت (٨) في هواه لهجوتك هجاء لا يقعد إليك اثنان.

قال : وأنبأنا ابن سلّام (٩) ، أخبرني أبو يحيى الضّبّي قال : قال ذو الرّمّة يوما : لقد قلت أبياتا : إنّ لها لعروضا ، وإنّ لها لمرادا ومعنى بعيدا ، قال له الفرزدق : وما هيه؟ قال : قلت (١٠) :

أحين أعاذت بي تميم نساءها (١١)

وجرّدت تجريد اليماني (١٢) من الغمد

__________________

(١) الخبر والشعر في طبقات الشعراء ص ١٧٣ والأغاني ١٨ / ٣٢.

(٢) البيتان في ديوان حاتم طيئ ط بيروت ص ٨٢.

(٣) في الديوان والمصادر : العيش.

(٤) الديوان : الخمص.

(٥) في الأغاني : من شدة الهم.

(٦) الأصل : تنشدها ، والمثبت عن ابن سلام والأغاني.

(٧) كذا بالأصل ، وابن سلام والمختصر ، وفي الأغاني : كلا الوجهين جائز.

(٨) الحرف الأول غير واضح بالأصل ، وفي الأغاني : «وملت» والمثبت عن ابن سلام والمختصر.

(٩) الخبر والشعر في طبقات الشعراء ص ١٧٠ والأغاني ١٨ / ١٦.

(١٠) الأبيات أيضا في ديوان ذي الرملة ص ١٤٢.

(١١) الأصل : «بني تميم نساؤها» والمثبت عن الديوان وابن سلام.

(١٢) الأصل : «اليمان» ، والمثبت عن ابن سلام والأغاني ، وفي الديوان : الحسام.

١٤٨

ومدّت بضبعي الرّباب ومالك

وعمرو وشالت من ورائي بنو سعد

ومن آل يربوع زهاء كأنّه

زها (١) الليل محمود النكاية والرّفد

فقال له الفرزدق : لا تعودنّ فيها ، فأنا أحقّ بها منك ، قال : والله لا أعود فيها أبدا ، ولا أنشدها أبدا إلّا لك ، فهي قصيدة الفرزدق التي يقول (٢) فيها :

وكنّا إذا القيسيّ نبّ (٣) عتوده

ضربناه فوق الأنثيين على الكرد

الأنثيين الأذنين (٤) ، والكرد : العنق.

أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، وأبو الوحش سبيع بن المسلّم ، عن رشأ بن نظيف ، ونقلته من خطه ، حدّثنا أبو أحمد عبيد الله بن محمّد الفرضي ، حدّثنا محمّد بن يحيى الصولي ، حدّثنا القاسم بن إسماعيل ، حدّثنا عبد الله بن محمّد النحوي ، حدّثنا أبو عمرو الأسدي قال :

اجتمع ذو الرّمّة ورؤبة عند بلال بن أبي بردة وهو أمير البصرة ، وكان رؤبة يثبت القدر وكان ذو الرّمّة قدريا ، فقال لهما بلال : تناظرا في القدر ، فقال رؤبة : أفبقدرته آكلها ، هذا كذب على الذئب ، فقال له ذو الرّمّة : الكذب على الذئب أهون من الكذب على ربّ الذئب.

قال رشأ : وحدّثنا أبو أحمد ، حدّثنا الصولي ، حدّثنا أبو العيناء ، حدّثنا الأصمعي ، عن العلاء بن أسلم قال : أنشد ذو الرّمّة شعرا (٥) :

وعينان قال الله كونا فكانتا

فعولان بالألباب ما تفعل الخمر

فقال له العدوي الشاعر : قل : فعولين بالألباب ، فقال له ذو الرّمّة : لو سبّحت كان خيرا لك.

قال الصولي : كان العدوي مثبتا ، فأراد أنّ الله جعل العينين كذا ، وفرّ ذو الرّمّة من هذا لينشر مذهبه.

أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله ، أنبأنا أبو محمّد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن

__________________

(١) كذا بالأصل وابن سلام ، وفي الديوان : دجى الليل.

(٢) البيت في ابن سلام ص ١٧٠ ، وفي ديوان الفرزدق ١ / ١٧٨.

(٣) في طبقات ابن سلام : قبّ.

(٤) كذا بالأصل والمختصر ، وفي طبقات ابن سلام والأغاني : الانثيان : الاذنان.

(٥) البيت في ديوانه ص ٢١٣ ؛ والأغاني ١٨ / ٣٤ برواية : فعولين بالألباب.

١٤٩

حيّوية ، عن أبي بكر محمّد بن خلف بن المرزبان ، أخبرني أبو بكر العامري ، أنبأنا أبو نصر ، عن أبي عمرو قال (١) :

خرج ذو الرّمّة يسير وأخوه هشام ، فنظر إلى ظبية فقال ذو الرّمّة (٢) :

أيا ظبية الوعساء بين جلاجل

وبين النّقا آنت (٣) أم أمّ سالم؟

فقال ذو الرّمّة (٤) :

جعلت لها قرنين فوق جبينها (٥)

وظلفين مسودّين تحت القوادم

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنبأنا رشأ بن نظيف ، أنبأنا الحسن بن إسماعيل ، أنبأنا أحمد بن مروان ، حدّثنا سيف بن عبد الله ، حدّثنا مسلم بن إبراهيم قال :

قيل لذي الرّمّة : ما لك خصصت فلانا بمدحك؟ فقال : لأنه وطأ مضجعي ، وأكرم مجلسي ، فحقّ عليّ أن يستولي على شكري.

أنبأنا أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمّد بن الخضر ، أنبأنا أبو طاهر محمّد بن أحمد بن أبي الصّقر ، أنبأنا الشريف أبو يعلى حمزة بن أحمد بن الحسين ، حدّثنا الحسن بن رشيق ، حدّثنا يموت بن المزرّع ، حدّثنا أبو حاتم سهل بن محمّد السّجستاني قال : سمعت الأصمعي يقول : قلت ليونس : ما أراد ذو الرّمّة بقوله (٦) :

وليل (٧) كجلباب العروس ادّرعته

بأربعة والشخص في العين واحد؟

فقال لي يونس : لا أحبّ الجن تقع على (٨) ما وقع عليه ذو الرّمّة وفطن له ، قوله كجلباب العروس يقول : ليل طويل كقميص (٩) العروس في الطول ، لأن العروس تجرّ أذيالها ادّرعته : أي لبسته ، بأربعة يعني نفسه وناقته وسيفه وظله ، والشخص في العين واحد : يقول والإنسان واحد.

__________________

(١) الخبر في الأغاني من طريق أبي كريمة النحوي ١٨ / ٥ وفيها أنه خرج مع أخيه مسعود.

(٢) البيت في ديوانه ص ٦٢٢ والأغاني ١٨ / ٢٤.

(٣) بالأصل : «ها أنت» والمثبت عن الديوان.

(٤) كذا بالأصل : «فقال ذو الرمة» وفي الأغاني : «وقال مسعود» وهو أشبه ، والبيت التالي ليس في ديوان ذي الرمة.

(٥) في الأغاني : قصاصها.

(٦) البيت في ديوانه ص ١٢٩.

(٧) صدره في الديوان : وليل كأثناء الرويزيّ جبته.

وقال شارحه : ويروى ، كما في الأصل.

(٨) كتبت فوق الكلام بين السطرين في الأصل.

(٩) الأصل : قميص ، والمثبت عن المختصر.

١٥٠

أخبرنا أبو الحسين عبد الرّحمن بن أبي الحديد ـ فيما أرى ـ أنبأنا جدي أبو عبد الله ، أنبأنا أبو الوليد الحسن بن محمّد بن علي بن محمّد البلخي ثم الدّربندي الحافظ ، قدم علينا ، أنبأنا أبو علي الحسن أحمد بن إبراهيم ، أنبأنا محمّد بن الحسن بن مقسم ـ إجازة ـ حدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيى قال : ـ قال من كناسة ـ قال أبو بكر بن عياش :

كنت إذ أنا شاب إذا أصابتني مصيبة تصبّرت ، وكان ذلك يبرئ بدني جميعا ، حتى رأيت بالكناسة (١) أعرابيا ينشد وقد اجتمع الناس عليه ويقول (٢) :

خليليّ عوجا من صدور الرّواحل

بجمهور حزوى (٣) فابكيا في المنازل

لعلّ انحدار الدّمع يعقب راحة

من الوجد أو يشفي نجيّ البلابل (٤)

فسألت عنه فقيل هذا ذو الرّمّة ، فأصابني بعد ذلك مصيبات ، فكنت أبكي فأجد له راحة.

أخبرنا أبو السعود أحمد بن علي بن المجلي ، أنبأنا أبو منصور عبد المحسن بن محمّد ، أنبأنا يحيى بن محمّد بن سلامة ، أنبأنا أبو يعقوب يوسف بن يعقوب النّجيرمي ، أنشدنا أبو القاسم جعفر بن شاذان ، عن أبي عمر ، عن تغلب ، عن ابن الأعرابي ، حدّثني أبو بكر بن عياش قال :

كنت إذا فرقت للشيء أمتنع من البكاء حتى سمعت ذا الرّمّة بالكناسة ينشد :

خليليّ عوجا من صدور الرّواحل

بجمهور حزوي فابكيا في المنازل

لعلّ انحدار الدمع يعقب راحة

من الوجد أو يشفي نجيّ البلابل

فصرت إذا حزنت بكيت ، فأجد لذلك راحة عظيمة كما قال ذو الرّمّة.

قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف ، ونقلته من خطه ، وأنبأنيه أبو القاسم علي بن إبراهيم ، وأبو الوحش المقرئ عنه ، أخبرني أبو الفتح إبراهيم بن علي بن الحسين بن سيبخت ، حدّثنا أبو بكر محمّد بن يحيى الصولي ، حدّثنا محمّد بن يونس الكديمي ، حدّثنا علي بن عاصم ، حدّثنا أبي قال :

__________________

(١) الكناسة : محلة بالكوفة (معجم البلدان).

(٢) البيتان في ديوان ذي الرمة ص ٤٩١ و ٤٩٢ ومعجم البلدان (حزوى).

(٣) حزوى : بضم أوله وتسكين ثانيه ، مقصور. من رمال الدهناء (معجم البلدان).

(٤) النجيّ : ما تحدث به نفسك ، والبلابل : الهموم في الصدور (ديوان ذي الرمة).

١٥١

قال الحريس بن تميم : مررت بذي الرّمّة وهو مضطجع متوسّدا بردا له ، وهو يخطط في الرمل ، وإذا هو يقول : هاه ، هاه ، كان كان ، فقلت له : يا أبا الحارث ما هاه؟ وما كان؟ فقال :

كلّ ذناها وقد طاب الرقاد لها

ماء السحاب بماء المزن ممزوج

فقلت : ما هاه؟ فقال : على ما ذكرت ، ثم ضحك وأنشأ يقول :

يا ميّ طاب بك النعيم فلا أرى

في الناس مثلك يطرق الأحلاما

فقلت : يا أبا الحارث ، الناس وأنت في أمر ، فقال : صدقت ، ذكرت ودودا وأنسيت حسودا ، وهتف بمحبوب فهل على محب في غير ريبة بأس ، فقلت له : لا إن شاء الله.

أخبرنا أبو الحسن بن العلّاف في كتابه ، وأخبرني أبو المعمّر الأنصاري عنه.

ح وأخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأنا أبو علي بن أبي جعفر ، وأبو الحسن بن العلّاف ، قالا : أنبأنا أبو القاسم بن بشران ، أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي ، أنبأنا محمّد بن جعفر الخرائطي ، حدّثنا عمران بن موسى ، عن محمّد بن زياد بن الأعرابي قال : قال عصمة الحاسر (١) : قال لي ذو الرّمّة :

عندك ناقة نزدار (٢) عليها ميّة؟ فقلت : عندي الجؤذر ابنة المهرية ، فزرناميّة ، فإذا الحيّ خلوف ، وإذا بخيمة ناحية من الخيام.

قال : حدّثنا عاصم ، أنشدها ، قال عصمة : وكان ذو الرّمّة إذا أنشد الشعر جش صوته كما يجشّ صوت الغراب البوم فأنشدتها حتى انتهيت إلى هذا البيت (٣) :

فيا لك من خدّ أسيل ومنطق

رخيم ومن خلق تعلّل جادبه

وقد حلفت بالله ميّة ما الذي

أقول (٤) لها إلّا الذي أنا كاذبه

إذا فرماني الله من حيث لا أرى

ولا زال في أرضي عدوّ أحاربه

قالت : ميّة : راقب الله يا ذو الرّمّة متى كذبتك.

__________________

(١) كذا بالأصل ، وسينبه المصنف في آخر الخبر إلى أن الصواب : الجاسئ.

(٢) ازداره : زاره.

(٣) الأبيات في ديوان ذي الرمة ص ٤٢ و ٤٣.

(٤) الديوان : «أحدثها» بدل «أقول لها».

١٥٢

قوله : تعلّل جادبه : يقول لم نجد فيه مقالا ، فهو يتعلّل .... (١) يقوله وليس بعيب.

كذا قال الحاسر ، والصواب الجاسئ.

وقد أخبرنا بها على الصواب أتم من هذا أبو علي بن نبهان في كتابه ، وحدّثنا أبو الفضل بن ناصر ، أنبأنا أبو طاهر الباقلّاني ، وأبو الحسن محمّد بن إسحاق بن إبراهيم بن مخلد ، وأبو علي بن نبهان.

ح وأخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأنا أبو طاهر الباقلاني.

قالوا : أنبأنا أبو علي بن شاذان ، أنبأنا أبو بكر محمّد بن الحسن بن مقسم ، حدّثنا أبو العباس ، حدّثنا عمر بن شبّة ، حدّثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي ، حدّثنا أبو صالح الفزاري قال (٢) :

ذكر ذو الرّمّة في مجلس فيه عدة من الأعراب فقال عصمة بن مالك ـ شيخ منهم : من بني جاسئ بن فزارة ، كان قد بلغ عشرين ومائة سنة ـ : إياي فاسألوا عنه ، كان من أظرف الناس ، كان أدم خفيف العارضين ، حسن المضحك ، حلو المنطق ، وكان إذا أنشد بربر (٣) وجشّ صوته ، فإذا راجعك (٤) لم تسأم حديثه وكلامه ، وكان له إخوة يقولون الشعر ، منهم : مسعود ، وحرفاش (٥) ـ وهو أوفى ـ وهشام ، كانوا يقولون القصيدة فيرد (٦) فيها الأبيات فيغلب عليها ، فتذهب له (٧) فجمعني وإيّاهم مربع فأتاني يوما فقال لي : يا عصمة ، إنّ ميّا منقرية وبنو منقر أخبث حيّ أقوفه لأثر ، وأبصره في نظر ، وأعلمه بشرّ ، فهل عندك من ناقة نزدار عليها ميّا؟ قلت : أي والإله ، إنّ عندي للجؤذر بنت يمانية الجدلي (٨) قال : عليّ بها ، فركبنا جميعا ، وخرجنا حتى نشرف على بيوت الحي ، فإذا هم خلوف (٩) ، وإذا بيت ميّ خلو ،

__________________

(١) رسمها بالأصل : «بالثمى».

(٢) الخبر في الأغاني ١٨ / ٥١ وذيل الأمالي للقالي ١٢٣ ـ ١٢٤.

(٣) بربر في كلامه : «أكثر منه». وقيل : بربر أي علا صوته.

(٤) الأصل : رجعك ، والمثبت عن المختصر.

(٥) كذا بالأصل وفي الأغاني : جرفاس.

(٦) كذا بالأصل والمختصر ، وفي الأغاني : فيبني.

(٧) زيد في الأغاني ١٨ / ٣ لشهرته وتنسب إليه.

(٨) رسمها بالأصل : لحدي ، والمثبت عن الأغاني.

(٩) أي غيّب.

١٥٣

فعرف النساء ذا الرّمّة حين طلعنا عليهن ، فتقوّض النساء إلى بيت ميّ ، وجئنا حتى أنخنا ، ثم دنونا فسلّمنا وقعدنا نتحدث ، وإذا ميّ جارية أملود (١) ، واردة الشعر ، صفراء فيها عسن (٢) وإذا عليها سبّ أصفر (٣) وطاق (٤) أخضر ، فتحدّثن مليا ثم قلن له : أنشدنا يا ذا الرّمّة ، قال : أنشدهن يا عصمة ، فأنشدتهن قوله (٥) :

نظرت إلى أظعان (٦) ميّ كأنها

ذرى النخل أو أثل تميل ذوائبه (٧)

فأوشلت العينان (٨) والصدر كاتم

بمغرورق نمّت عليه سواكبه

بكا وامق (٩) خاف الفراق ولم تجل

جوائلها أسراره ومعاتبه

فقالت ظريفة ممن حضر : لكن الآن فلتجل ، فنظرت إليها ميّ ، ثم مضيت في القصيدة حتى انتهيت إلى قوله :

إذا سرحت من حبّ ميّ سوارح

عن القلب آبته جميعا عوازبه

فقالت الظريفة منهن : قتلته قتلك الله ، فقالت ميّ : ما أصحه (١٠) وهنيئا له ، فتنفس ذو الرّمّة تنفيسة كاد حرّها يطيّر شعر وجهه ، ومضيت حتى انتهيت إلى قوله :

وقد حلفت بالله ميّة ما الذي

أقول لها إلّا الذي أنا كاذبه

إذا فرماني الله من حيث لا أرى

ولا زال في أرضي عدو أحاربه

__________________

(١) أي ناعمة.

(٢) بالأصل : عشر ، والمثبت عن المختصر ، وكانت في أصله : عشر كالأصل هنا ، وقد صوبها محققه. وبهامشه : العسن : الطول مع حسن الشعر والبياض.

(٣) السبّ : الثوب الرقيق أو الخمار ، والشقة الرقيقة (القاموس المحيط).

(٤) الطاق : الكساء (اللسان : طوق) وفي ذيل الأمالي : نطاق أخضر.

(٥) الأبيات في ديوان ذي الرملة ص ٣٩ والأغاني ١٨ / ٥١ وذيل أمالي القالي ص ١٢٤.

(٦) الأصل : «أظفار» والمثبت عن الديوان والمصادر.

(٧) عجزه في الديوان : مولية ميس تميل ذوائبه.

وفي المصدرين العجز فيهما كروية الأصل.

(٨) في الديوان : فأبديت من عيني والصدر كاتم.

وفي الأغاني : فأسبلت العينان والقلب كاتم.

وفي ذيل الأمالي : فأسبلت العينان والصدر كاتم.

(٩) في الديوان : هوى آلف جاء الفراق فلم تجل.

وفي الأغاني : بكاء فتى خاف .....

(١٠) رسمها بالأصل : «أصحبه» والمثبت عن الأغاني.

١٥٤

فقال الظريفة : قتلته ، قتلك الله ، فالتفتت إليه ميّ فقالت : خف عواقب الله يا غيلان ، ثم مضيت فيها حتى انتهيت إلى قوله :

إذا راجعتك (١) القول ميّة أو بدا

لك الوجه منها أو نضا الدرع سالبه

فيا لك من خدّ أسيل ومنطق

رخيم ومن خلق تعلّل جاذبه

فقالت الظريفة : ها هي ذه قد راجعتك القول ، وبدا لك وجهها فمن لنا بأن ينضو الدرع سالبه؟ فالتفتت إليها ميّ فقالت : قاتلك الله ما أنكر ما تجيبين به ، قال عصمة : فحدّثنا ساعة ثم قالت الظريفة للنساء : إنّ لهذين شأنا فقمن بنا ، فقمن وقمت معهن ، فجلست في بيت أراهما منه ، فسمعتها قالت له : كذبت والله ، وو الله ما أدري ما قال لها وما أكذبته فيه ، فلبث قليلا ثم جاءني ومعه قارورة فيها دهن وقلائد ، فقال لي : هذا دهن طيّب أتحفتنا به ميّ ، وهذه قلائد الجؤذر ، ولا والله لا أقلّدهنّ بعيرا أبدا ، وشدّهن بذؤابة سيفه ، ثم انصرفنا ، فكان يختلف إليها حتى تقضّى الربيع ، ودعا الناس المصيف ، فأتاني فقال : يا عصمة قد رحلت ميّ ، ولم يبق إلّا الآثار ، والنظر في الديار ، فاذهب بنا ننظر في ديارها ، ونقفو آثارها ، فخرجنا حتى أتينا منزلها ، فوقف ينظر ثم قال (٢) :

ألا فاسلمي (٣) يا دار ميّ على البلى

ولا زال منهلّا بجرعائك (٤) القطر

قال عصمة : فما ملك عينيه فقلت : مه ، فانتبه ، وقال : إنّي لجلد ، وإن كان مني ما ترى ، قال : فما رأيت أحدا كان أشدا منه يومئذ صبابة ، ولا أحسن عزاء وصبرا ، ثم انصرفنا وتفرقنا وكان آخر العهد به.

أخبرنا أبو العزّ كادش ـ إذنا ومناولة ، وقرأ علي إسناده ـ أنبأنا محمّد بن الحسين ، أنبأنا المعافى بن زكريا (٥) ، حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن عرفة الأزدي ، ومحمّد بن القاسم الأنباري ، قالا : أنبأنا أحمد بن يحيى ، عن أبي زيد ، حدّثني إسحاق بن إبراهيم ، حدّثني أبو صالح الفزاري قال :

__________________

(١) في الديوان : «نازعتك» ومثله في الأغاني وذيل الأمالي.

(٢) البيت في ديوان ذي الرمة ص ٢٠٦ وذيل الأمالي ص ١٢٥.

(٣) الديوان وذيل الأمالي : ألا يا أسلمي.

(٤) الجرعاء : المنبسط من الرمل.

(٥) الخبر رواه المعافى بن زكريا الجريري في الجليس الصالح الكافي ٢ / ١٨٩ وما بعدها ، وفي مصارع العشاق ص ٢٧٢.

١٥٥

ذكر ذو الرّمّة في مجلس فيه عدة من الأعراب فقال عصمة بن مالك ـ شيخ منهم : قد أتى له مائة سنة ـ فقال : كان من أظرف الناس ، كان آدم خفيف العارضين ، حسن المضحك ، حلو المنطق ، وكان إذا أنشد بربر وجشّ صوته ، وإذا واجهك لم تسأم حديثه وكلامه ، وكان له إخوة يقولون الشعر منهم : مسعود ، وهمّام وحرماس (١) ، فكانوا يقولون القصيدة فيزيد فيها الأبيات فيغلب (٢) عليها فتذهب له ، فأتى يوما فقال : يا عصمة إنّ ميّة منقرية وبنو منقر أخبث حيّ ، وأبصره بأثر ، وأعلمه بطريق ، فهل عندك من ناقة تزدار عليها ميّة؟ فقلت : نعم عندي الجؤذر ، قال : عليّ بها ، فركبناها جميعا حتى نشرف على بيوت الحي ، فإذا هم خلوف ، وإذا بيت ميّة خال ، فملنا إليه ، فتقوّض (٣) النساء نحونا ونحو بيت ميّ ، فطلعت علينا ، فإذا هي جارية أملود ، واردة الشّعر ، وإذا عليها سبّ أصفر وقميص أخضر ، فقلن : أنشدن يا ذا الرّمّة ، فقال : أنشدهن يا عصمة ، فنظرت إليهن وأنشدتهن (٤) :

وقفت على رسم (٥) لميّة ناقتي

فما زلت أبكي عنده وأخاطبه

وأسقيه حتى كاد مما أبثّه

تكلّمني أحجاره وملاعبه

حتى بلغت إلى قوله :

هوى آلف خاف الفراق ولم تجل

جوائلها أسراره ومعاتبه

فقالت ظريفة ممن حضر : فلتجل الآن ، فنظرن إليها حتى أتت على القصيدة إلى قوله (٦) :

إذا سرحت من حبّ ميّ سوارح

على القلب أتته جميعا عوازبه

فقالت الظريفة منهنّ : قتلته قتلك الله ، فقالت : ما أصحه وهنيئا له ، فتنفس ذو الرّمّة نفسا كاد من حرّه يطير شعر وجهه ، ومضيت في الشعر حتى أتيت على قوله :

وقد حلفت بالله ميّة ما الذي

أقول لها إلّا الذي أنا كاذبه

إذا فرماني الله من حيث لا أرى

ولا زال في داري عدو أحاربه

__________________

(١) كذا بالأصل بدون إعجام ، وفي الجليس الصالح : «خرواش» ومرّ في الأغاني جرفاس.

(٢) مطموسة بالأصل ، والمثبت عن الجليس الصالح.

(٣) في الجليس الصالح : فتقوص.

(٤) من قصيدة في ديوانه ص ٣٨ وما بعدها. والجليس الصالح ٢ / ١٩٠.

(٥) الديوان : ربع.

(٦) أقحم بعدها بالأصل : إذا سرحت.

١٥٦

فقالت الظريفة : قتلته قتلك الله ، فقالت ميّ : خف عواقب الله يا غيلان ، ثم أتيت على الشعر حتى انتهيت إلى قوله :

إذا راجعتك القول ميّة أو بدا

لك الوجه منها أو نضا (١) الدرع سالبه

فيا لك من خدّ (٢) أسيل ومنطق

رخيم ومن خلق تعلّل جادبه

فقالت تلك الظريفة : ها هذه وهذا القول قد راجعتك وقد واجهتها ، فمن لك أن ينضو الدرع سالبه ، فالتفتت إليها ميّ وقالت : قاتلك الله ما أحسن ما تجيئين به ، فتحدّثنا ساعة ثم قالت الظريفة للنساء : إنّ لهذين شأنا ، فقمن بنا ، فقمن وقمت معهن ، فجلست بحيث أراهما ، فجعلت ميّة تقول له : كذبت ، فلبث طويلا ثم أتاني ومعه قارورة فيها دهن ، فقال : هذا دهن طيب أتحفتنا به ميّة ، وهذه قلادة للجؤذر ، والله لا أخرجتها من يدي أبدا ، فكان يختلف إليها حتى إذا انقضى الربيع ودعا الناس الضيف أتاني فقال : يا عصمة قد ترحّلت ميّ فلم يبق إلّا الرّبع والآثار ، فاذهب بنا ننظر إلى آثارهم ، فخرجنا حتى انتهينا فوقف وقال :

ألا فاسلمي يا دار ميّ على البلى

ولا زال منهلّا بجرعائك القطر

وإن لم تكوني غيرنا وبقفرة (٣)

تجرّ بها الأذيال صيغية (٤) كدر

فقلت له : ما بالك؟ فقال : يا عصمة إنّي لجلد ، وإن كان مني ما ترى (٥) ، فكان آخر العهد به.

والخبر على لفظ أبي عبد الله قال : وحدّثت عن ابن أبي عدي قال : سمعت ذا الرّمّة يقول : قد بلغت نصف عمر الهرم أربعين سنة.

وقال ذو الرّمّة (٦) :

على حين راهقت الثلاثين وارعوت

لداتي (٧) وكاد الحلم بالجهل يرجح

__________________

(١) نضا : ترع.

(٢) كذا بالأصل والديوان ، وفي الجليس الصالح : «جد».

(٣) في الديوان : فإن لم تكوني غير شام بقفرة.

(٤) عن الديوان والجليس الصالح ، «صيفية» وبالأصل : «ضيقة».

والأذيال : ما تجره الريح من آثار. وصيفية : رياح الصيف التي فيها غبرة.

(٥) كذا في هذه الرواية هنا وفي الجليس الصالح ، ويبدو أن فيها سقطا ، ومرّ في الرواية السابقة : قال عصمة : مما مملك عينيه ، فقلت : مه ، فانتبه ، وقال : إني لجلد ، وإن كان مني ما ترى.

(٦) الأبيات في ديوانه ص ٧٧.

(٧) لداتي جمع لدة ، يقال فلان لدة فلان إذا كان من سنه.

١٥٧

إذا خطرت من ذكر ميّة خطرة

على القلب (١) كادت في فؤادك تجرح

تصرّف أهواء القلوب ولا أرى

نصيبك من قلبي لغيرك يمنح

وبعض الهوى بالهجر يمحى فيمحي

وحبّك عندي يستجدّ ويربح

ولمّا شكوت (٢) الحبّ كيما تثيبني

بوجدي (٣) قالت : إنّما أنت تمزح

بعادا وإدلالا عليّ وقد رأت

ضمير الهوى قد كاد بالجسم يبرح

لئن كانت الدنيا عليّ كما أرى

تباريح من ذكراك (٤) للموت أروح

ويروى : تباريح من ميّ فللموت أروح (٥).

قال القاضي : هذه من قصائد ذي الرّمّة الطوال المشهورة المستحسنة وأوّلها :

أمنزلتي ميّ سلام عليكما

على النأي والنّائي يودّ وينضح

ذكرتك (٦) إن مرّت بنا أمّ شادن

أمام المطايا تشرئبّ وتسنح

من المولفات الرمل أدماء (٧) حرّة

شعاع الضّحى من متنها يتوضح

رأتنا كأنّا عامدون (٨) لصيدها (٩)

ضحى فهي تنبو تارة وتزحزح

هي الشبه أعطافا وجيدا ومقلة

وميّة أبهى بعد منها وأملح

وهذه من أحسن الحائيات على هذا الروي ، ونظيرها كلمة ابن مقبل التي أوّلها :

هل القلب من دهماء (١٠) سال فمسمح

وزاجره عنها الخيال المبرّح

وقول جرير (١١) :

صحا القلب عن سلمى فقد برحت به

وما كان يلقى من تماضر أبرح

ومثله :

__________________

(١) الديوان : على النفس.

(٢) الأصل : شكيت ، والمثبت عن الجليس الصالح والديوان ، وفي الديوان : لميّ شكوت.

(٣) في الديوان : بودي.

(٤) وهي رواية الديوان.

(٥) وهي رواية الديوان.

(٦) كذا بالأصل والديوان ، وفي الجليس الصالح : ومنها ذكرتك.

(٧) الأدماء : البيضاء ، والحرة : الكريمة.

(٨) الأصل : عامدين ، والمثبت عن الجليس الصالح ، وفي الديوان : قاصدون.

(٩) كذا بالأصل والجليس الصالح ، وفي الديوان : لعهدها به فهي تدنو.

(١٠) في الجليس الصالح : عن أسماء.

(١١) ديوان جرير ط بيروت ص ٨١.

١٥٨

لقد كان لي في ضربين عدمنني

وما كنت ألقى من رزيته أبرح

وذكر في خبر ذي الرّمّة بهذا الإسناد إخوة ذي الرّمّة ، فقيل فيه : مسعود ، وهمّام ، وخرفاش (١).

فأمّا مسعود فمن مشهوري إخوته ، وإياه عنى ذو (٢) الرّمّة بقوله (٣) :

أقول لمسعود بجرعاء مالك

وقد همّ دمعي أن تسحّ أوائله

ومنهم هشام وهو الذي استشهد سيبويه في الأضمار في ليس بقوله ، فقال : قال هشام ابن عقبة أخو ذي الرّمّة (٤) :

هي الشفاء لدائي (٥) لو ظفرت بها

وليس منها شفاء الداء مبذول

ومنهم أوفى ، وهو الذي عناه بعض إخوته في شعر رئى فيه ذا الرّمّة أخاهما (٦) :

تعزيت من أوفى بغيلان بعده

[عزاء وجفن العين ملآن مترع

ولم تنسني أوفى المصيبات بعده](٧)

ولكن نكاء القرح بالقرح أوجع

وذكره ذو الرمة ، فقال (٨) :

أقول لأوفى حين أبصر باللّوى

صحيفة وجهي قد تغيّر حالها

وقوله : فإذا هم خلوف ، يقال لمن تخلف بالحي إذا ظعنوا وانتجعوا : خلوف.

فيا لذّات يوم أزور وحدي

ديار الموعديّ وهم خلوف

ويروى : فيا لذات يوم ، ويوم ، أزور ، فمن عنى بقوله فيا لذات الإضافة إلى الياء التي [هي] ضمير المتكلم وأسقط ما اكتفي بكسرة التاء التي هي في موضع نصب لإقامة وزن الشعر ، فيوم نصوبا لا غير على الظّرف ، ومن أضاف قوله : فيا لذات إلى اليوم جاز له النصب

__________________

(١) كذا بالأصل هنا ، وفي الجليس الصالح : «خرقاش» وانظر ما مرّ فيه.

(٢) الأصل : ذي ، تصحيف.

(٣) ديوان ذي الرمة ص ٤٦٦.

(٤) انظر الكتاب لسيبويه ١ / ٧١.

(٥) الأصل : لذاتي ، والمثبت عن المختصر.

(٦) البيت بالأصل ملفق من بيتين ، وهما في الجليس الصالح ٢ / ١٩٤ والأغاني ١٨ / ٤.

(٧) الزيادة بين معكوفتين عن المصادر.

(٨) ديوان ذي الرمة ص ٥٢٣ وروايته فيه :

عرفت لها دارا فأبصر صاحبي

صفيحة وجهي قد تغير حالها

وعلى رواية الديوان ، لا ذكر ل «أوفى» أخي ذي الرمة.

١٥٩

لإضافته إلى الفعل ، وهي التي يسميها كوفيو النحاة إضافة غير محضة (١) ، وجاز الجرّ واختير لإضافته إلى فعل معرب غير مبني.

وقد يقال للحي الظّاعن أيضا : خلوف.

وقال الراوي في هذا الخبر في مواضع ميّ ومية في مواضع أخر ، فقد ذكر النحويون أنّ ذا الرّمّة كان يسميها تارة ميّة وتارة ميّ ، وهذا بيّن في كثير من شعره ، من ذلك قوله :

ديار ميّة إذ ميّ تساعفنا

ولا يرى مثلها عجم ولا عرب (٢)

وروى قوله (٣) :

فيا ميّ ما يدريك أين مناخنا

معرّقة الألحي يمانية سجرا (٤)

بالرفع والنصب ، فمن رواه بالنصب فوجهه أنه رخّم على قول من قال : يا حار أقبل وهو أقيس وجهي الترخيم ، ومن رواه بالرفع فعلى أنّ ميّ اسم تامّ غير مرخّم لأنه منادى مفرد (٥) ، وقد يجوز ترخيمه على قول من قال : يا حار ومما يبين أنه كان يقصد تسميتها بميّ على غير وجه الترخيم ، قوله (٦) :

تداويت من ميّ بتكليم ساعة

فما زاد إلّا ضعف دائي كلامها

وقوله : جارية أملود ، معناه : ناعمة كما قال الشاعر :

أريت (٧) إن جاءت به أملودا

مرجّلا ويلبس البرودا

وأما قوله : فإذا عليها سبّ أصفر ، فإنه يكون الرداء والخمار كما قال الشاعر (٨) :

وأشهد من عوف خيولا (٩) كثيرة

يحجّون سبّ الزّبرقان المزعفرا

__________________

(١) كذا رسمها بالأصل ، وفي الجليس الصالح : محصنة.

(٢) ديوانه ص ٣ والجليس الصالح ٢ / ١٩٥.

(٣) ديوان ذي الرمة ص ١٧٢ والجليس الصالح ٢ / ١٩٥.

(٤) الأصل : ثمانية سحرا ، والمثبت عن الديوان والجليس الصالح.

(٥) بالأصل : «مرخم» ، والمثبت عن الجليس الصالح.

(٦) ديوان ذي الرمة ص ٦٣٧ والجليس الصالح الكافي ٢ / ١٩٥.

(٧) بالأصل : «أرأيت» والمثبت عن الجليس الصالح الكافي.

(٨) البيت في تاج العروس «سيب» ونسبه للمخبّل السعدي.

(٩) كذا بالأصل ، وفي الجليس الصالح وتاج العروس : «حلولا».

١٦٠