تحقيق الأصول - ج ١

السيّد علي الحسيني الميلاني

تحقيق الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-2501-93-9
ISBN الدورة:
964-2501-52-X

الصفحات: ٤١٦

وكذا على من فتح عقدةً أو حلّ مشكلة. وعند ما نقول «الحادث» فالذات المأخوذة فيه مفهوم مبهم من جميع الجهات إلاّ من جهة نسبة الحدوث إليها ، فهي حادثة سواء كانت عقلاً أو إنساناً أو ناراً أو بياضاً ... فإن صدق الحادث على كلّ واحدٍ من ذلك حقيقي.

فظهر أنْ لا محذور من أخذ مفهومٍ جامعٍ بين الزمان والمكان ، بأن يكون الموضوع له «المفعل» هو «ما وقع فيه الفعل» ويكون المصداق تارةً هو الزمان وليس له ما انقضى عنه التلبّس ، واخرى المكان ، وله المتلبّس وما انقضى عنه التلبّس بالمبدإ.

فما ذهب إليه المحقّق الأصفهاني وأتباعه سالم عن الإشكال الثبوتي.

ورود الإيراد الاثباتي

إلاّ أنه ممنوع إثباتاً ، لعدم الدليل على ما ذكروه ، إذ لا نصَّ عليه من أئمة اللّغة ـ إن كان قولهم مثبتاً للوضع ـ ولا أنّ علائم الحقيقة كالتبادر قائمة عليه.

وعلى الجملة ، فلا دليل على أن هيئة «مفعل» موضوعة للزمان والمكان معاً بنحو الاشتراك المعنوي.

فهذا الوجه أيضاً لا يرفع الإشكال.

وتلخّص : إن اسم الزمان خارج عن البحث.

٣ ـ هل يجري النزاع في الأفعال والمصادر المزيدة؟

ووقع الكلام أيضاً في المصادر المزيدة والأفعال.

فصرّح المحقق الخراساني بعدم جريان البحث فيهما وقال : بأن المصادر المزيد فيها ـ كالمجرّدة ـ مدلولها عبارة عمّا يقوم بالذات ، وأمّا الأفعال فتدلّ على النسب الخاصّة ، من النسبة القياميّة والحلوليّة والصدوريّة

٣٦١

والوقوعيّة ، ولا المادّة فيها قابلة للحمل ، ولا الهيئة ، فتكون خارجة عن البحث.

قال شيخنا دام ظله :

ولعلّ الوجه في تخصيصه البحث بالمصادر المزيد فيها : ما قيل في المجرَّد من أنه الأصل في الاشتقاق ، فيكون خروجه تخصصيّاً ، لأنه إذا كان مبدأ الاشتقاق فهو غير مشتق ، ثم إنه أشار إلى المصدر المجرَّد أيضاً للدّلالة على مسلك التحقيق من أنّه أيضاً مشتق ، لأنّ المشتق ما اخذ من المادّة البسيطة «ض ، ر ، ب» ونحوه ، وكان تحت هيئةٍ من الهيئات ، والمصدر كذلك ، إذ مدلوله النسبة الناقصة ، وله هيئة.

فالصحيح : إن المصادر مطلقاً مشتقّة ، والأصل في الاشتقاق هي تلك الهيئة المجرّدة عن المادّة ، والتي نسبتها إلى المادّة نسبة الهيولى إلى الصّورة النوعيّة ، فكما أنّ الهيولى تتخلّى عن صورةٍ لتأخذ صورة اخرى ، فكذلك مادة «ض ، ر ، ب» إذا كانت في هيئةٍ لا يمكن أن تأخذ هيئةً اخرى ، فقولهم : المصدر أصل الكلام لا أصل له.

وقد يقال : بأنّ هيئة اسم المصدر لمّا كانت لا تدلّ على شيء سوى أنها للتلفّظ ، فهي الأصل في الكلام ، بخلاف المصدر فإن له نسبة ناقصة ، فإنْ لوحظ بحيثيّته الصدوريّة كان مصدراً ، وإنْ لوحظ بدونها فهو اسم مصدر ، ويقابلهما الفعل ، فإنّ هيئته تامّة يصحّ السكوت عليها ، والمدلول فيه هو النسبة التامّة.

وأمّا الاستدلال على خروج الأفعال بأنها مشتملة على النسبة الصدوريّة والحلوليّة ، فهي غير قابلة للحمل ، فينقض بهيئة اسم الفاعل مثل «ضارب»

٣٦٢

الذي نسبته صدوريّة ، و «حلو» الذي نسبته حلوليّة ، بل التحقيق أن المناط هو الصلاحيّة للاتحاد مع الذات ، وهذا موجود في سائر المشتقات غير المصادر والأفعال.

هل في الفعل دلالة على الزمان؟

المشهور بين النحاة ذلك ، وقد نصّ صاحب (الكفاية) وجماعة على أنه اشتباه ، لأنّه لا بدّ لكلّ مدلولٍ من دالٍّ يدلّ عليه ، والأفعال ليست إلاّ الموادّ والهيئات ، أمّا المادّة فتدلّ على الحدث فقط ، وأمّا الهيئة فهي عبارة عن معنىً حرفي ، وهو واقع النسبة الخاصّة ، فلا دالّ على دخول الزمان في مداليل الأفعال.

وربما يقال : بأن الزمان مدلولٌ التزامي للفعل ، لا مطابقي وتضمّني.

وفيه : إن الأفعال تستعمل في موارد كثيرة لا تلازم لها مع الزمان ولا تقارن ، ففي قولنا «مضى الزمان» مثلاً لا توجد ملازمة ومقارنة بين المضيّ والزمان.

وأيضاً : لا ريب في إطلاق هذه الهيئات على الله وعلى المجرَّدات ، فنقول : «علم الله» ، وعلم الله سبحانه فوق الزمان ، والمجرَّد لا زمان فيه.

فإمّا أنْ يلتزم بالمجاز في جميع هذه الاستعمالات ، لكنّها من فعل الإنسان ، وهو لا يرى ـ بالوجدان ـ فرقاً في الاستعمال والإسناد بين «علم الله» و «علم زيد» ، فلا وجه للالتزام بالمجاز ، ولا دليل على الدلالة الالتزامية بل الدليل دالّ على عدمها.

وعلى الجملة ، فإن هذه الصيغ تستعمل في جملٍ لا دخل للزمان في معانيها ، وليس في استعمالها فيها أيّة عنايةٍ.

وكلّ ذلك دليلٌ على بطلان ما اشتهر على ألسنة النّحاة.

٣٦٣

الإشكال المهم

لكنّ الإشكال المهمّ ـ وقد أشار إليه في (الكفاية) أيضاً ـ هو وجود الفرق الواضح بين الفعل الماضي والفعل المضارع ، فإنّ مدلول الأوّل مشتمل على قبليّةٍ ، ومدلول الثاني مشتمل على بعديّةٍ ، لأنه إنْ كان موضوعاً للحال والمستقبل معاً ، فمدلوله ما يقابل البعديّة ، وإن كان موضوعاً للمستقبل فقط ، ففيه دلالة على البعديّة.

وهذا كاف لإثبات دلالة الأفعال على الزّمان ... فما هو الجواب؟

الأجوبة عن الإشكال

١ ـ أجاب في (الكفاية) بأنه لا يبعد أنْ يكون لكلٍّ من الماضي والمضارع بحسب المعنى خصوصيّة اخرى توجب الدلالة على المضيّ في الماضي ، وعلى الحال والاستقبال في المضارع.

لكنْ ما المراد من الخصوصيّة؟

ذكر السيد الحكيم (١) ما حاصله : أنّها خروج المبدا من القوّة إلى الفعل في هيئة الفعل الماضي ، وعدم خروجه في هيئة الفعل المضارع.

وهذا يرجع إلى ما ذكره المحقق المشكيني من أن هيئة الماضي موضوعة للنسبة التحققية ، وهيئة المضارع موضوعة للنسبة التوقعيّة.

فهذه هي الخصوصية في كلٍّ منهما.

وهذا الجواب ـ كما ذكر شيخنا دام ظلّه ـ إنّما يفيد في الزمانيّات فقط ، وفيها يتصوّر القوّة والفعل ، أما بالنسبة إلى ذات الباري سبحانه ، وكذا سائر المجرّدات ، فلا يعقل الخروج من القوّة إلى الفعل ، إذ المجرّد حقيقته الفعل

__________________

(١) حقائق الاصول ١ / ١٠٢ ط البصيرتي.

٣٦٤

ولا تشوبها القوّة أصلاً ، فما ذكرا في توجيه جواب المحقق الخراساني يستلزم الالتزام بالمجاز في جميع موارد إطلاق صيغ الماضي والمضارع في كافّة المجرّدات. وهذا هو المحذور المتوجّه على كلام النحاة.

٢ ـ وأجاب في (نهاية الدراية) (١) أمّا بالنسبة إلى الزمان والزمانيّات ، فبأنّ هيئة الماضي موضوعة للنسبة المتّصفة بالتقدّم ، وهيئة المضارع موضوعة للنسبة المتّصفة بالحاليّة أو المستقبليّة ، والتقدّم والتأخّر في الزمانيّات يكون بالعرض ، وفي نفس الزمان بالذات ، وقولنا : مضى الزمان الفلاني ، ويأتي الزمان الفلاني ونحو ذلك ، كلّه حمل حقيقي وليس بمجاز أصلاً.

وأمّا بالنسبة إلى ذات البارئ سبحانه ، فإن إطلاق الماضي والمضارع إنّما هو من جهة أن معيّة الحق سبحانه مع الموجودات معيّة القيوميّة ، وهذه المعيّة مع الموجود السابق سابقة ، ومع اللاّحق لاحقة ، فالسّبق واللّحوق غير مضافين إليه تعالى ، بل هما مضافان إلى ما يقوم به ، فكان إطلاق الماضي والمضارع بالنسبة إليه بلحاظ هذا السبق واللّحوق.

وأورد عليه شيخنا : بأنا لمّا نقول «علم الله» و «يعلم الله» ونحو ذلك ، نستعمل الهيئة في نفس الذات المقدّسة ، لا في السابق أو اللاحق الذي كان مع الله ، فلا مناص له إلاّ الالتزام بالمجاز والعناية ، وهو كرّ على ما فرّ منه.

٣ ـ وأجاب في (درر الاصول) (٢) بما حاصله :

أوّلاً : إن الفعل الماضي موضوع لمضيّ المادّة التي تحت هيئة الماضي ، بالنسبة إلى حال الإطلاق ، بدليل قولهم : مضى الزمان.

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ١٨١.

(٢) درر الاصول ١ / ٦٠ ط جامعة المدرّسين.

٣٦٥

وفيه : إن «مضى» فعل ماضٍ ، والمبدأ فيه : «م ، ض ، ي» فإذا كانت الهيئة في الماضي دالّةً على المضي ، كان الكلام : مضى المضي ، وهذا غلط.

وثانياً : إن الفعل المضارع موضوع للمستقبل ولا دلالة له على الحال.

وفيه : إن لازم هذا الكلام الالتزام بالمجاز في قوله تعالى : (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا) (١) وقوله : (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (٢) ونحوهما من الآيات وغيرها المراد فيها الحال لا المستقبل.

على أن ما ذكره خلاف المشهور من أن المضارع موضوع للجامع بين الحال والمستقبل.

٤ ـ وأجاب في (المحاضرات) (٣) بأنّ مدلول هيئة الفعل الماضي هو قصد المتكلّم وقوع المادة في الزمان السابق على التكلّم ، ومدلول هيئة الفعل المضارع قصده وقوعها بعد زمان التكلّم ، اللهم إلاّ إذا قامت قرينة على الخلاف ... فليس معنى الهيئة وقوع المادّة قبل زمان التكلّم أو بعده ، نعم ، في الزمانيّات لا بدّ من وقوع المادّة قبله أو بعده ، لكنَّ هذا من لوازم الموجودات الزمانيّة ، وليس مدلول الهيئة. وعلى ذلك ، فليس مدلول قول القائل «علم الله» مثلاً تحقّق علمه سبحانه قبل زمان التكلّم ، بل إخبار المتكلّم عن قصده علم الله قبل زمان تكلّمه ، بداهة أن علمه تعالى لا ينقسم إلى قبل وبعد زمان التكلّم.

وأورد شيخنا دام ظلّه على هذا الجواب : بأنّه يبتني على مسلك صاحبه في المعنى الحرفي ، من أن الحروف ـ وكذا الهيئات ـ موضوعة لإيجاد

__________________

(١) سورة سبأ : ٢.

(٢) سورة التغابن : ٤.

(٣) محاضرات في اصول الفقه ١ / ٢٤٧.

٣٦٦

التضييقات في المعاني الاسمية ، فإذا أخبر المتكلّم عن علم الله سبحانه وقصد تضييق إخباره أبرز قصده بهيئة الفعل الماضي أو بهيئة الفعل المضارع ... وقد تقدّم الكلام على هذا القول في محلّه ، لكن الإشكال هنا هو : إنه لا ريب أن معاني الهيئات معانٍ حرفيّة ، والمعاني الحرفيّة ـ تختلف سنخاً وجوهراً عن المعاني الاسميّة ـ وإن اختلفوا في كيفية هذا الاختلاف وحقيقته ـ وعليه ، فلا يعقل أن يكون «القصد» هو المعنى الذي تدلُّ عليه الهيئة ، لأنه ـ أي القصد ـ معنىً اسمي ، كما لا يخفى.

المختار في الجواب لدى الشيخ الاستاذ

وبعد أنْ فرغ شيخنا دام ظلّه من تحقيق الوجوه التي ذكرها الأعلام ، أفاد بلحاظها وبالنظر إلى كلام النحاة :

إنّ هيئة الماضي موضوعة للنسبة الموصوفة بالتقدّم على زمان النطق ، وهيئة المضارع موضوعة للنسبة الموصوفة بالتأخّر عنه ، من غير دخلٍ للتقدّم والتأخّر في مفهوميهما ، فمفهوم «علم» ليس إلاّ المعنى الذي هو مدلول المادّة ، أمّا كونه «في الزمان الماضي» فهذه ضميمة من عندنا ، نعم ، هذا العلم يقع مقترناً بذاك الزمان ، أو مقترناً مع زمان الحال أو المستقبل في «يعلم».

فليس في مفهوم الفعل والهيئة الموضوعة له الدلالة على الزمان ، ولا الخروج من القوّة إلى الفعل ، أو العدم إلى الوجود ، وإنما المدلول مجرّد تحقّق المادّة قبل أو بعد زمان النطق ، وهذه هي الخصوصيّة المشار إليها في كلام (الكفاية) ... ومن هنا صحّ قولنا علم الله ، يعلم الله ، إذ ليس المعنى إلاّ وجود علمه تعالى قبلُ وفي الحال والمستقبل.

٣٦٧

نعم ، لازم ذلك في الماديّات مثل «وجد زيد» ، و «يوجد زيد» هو الخروج من القوة إلى الفعل ، ومن العدم إلى الوجود ، وهذا لا ينافي ما ذكرناه في المفهوم الموضوع له الهيئة.

كما أنّ «الاقتران» بالزمان أمرٌ ، وكون الزمان دخيلاً في المعنى أمرٌ آخر ، وقد جاء في كلام ابن الحاجب ونجم الأئمة الرضي الأسترآبادي وغيرهما أن الفعل كلمة مدلولها الحدث المقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، وهكذا جاء في كلام ابن هشام ، إلاّ أنّه خالف فقال كبعضهم في (شذور الذهب) (١) بدلالة الفعل على الزمان ، ولذا ورد الإشكال.

والحاصل : إن الوقوع في الزمان والاقتران به في الوجود يعتبر قيداً للمفهوم وليس جزءاً له ، فصحّ إطلاق الهيئة في الزمانيّات ، وفي المجرّدات ، وبالنسبة إلى الباري سبحانه وتعالى ، فتدبّر.

٤ ـ هل يجري النزاع في اسم الآلة واسم المفعول؟

قد عرفت موضع النزاع في بحث المشتق ، وأنه بحثٌ هيوي وليس بمادّي ، فلا دخل لاختلاف المواد فيه ، من كون المبدا أمراً فعليّاً ، أو أمراً شأنيّاً ، أو ملكةً من الملكات ، أو حرفةً من الحرف.

ففي مثل «القيام» يكون التلبّس هو التلبّس الفعلي بالمبدإ ، فإذا انقضت الفعليّة فقد انقضى عنه المبدا.

وفي مثل «المجتهد» يتحقق التلبّس بتحقق الملكة ، ويكون انقضاؤه بانقضاءِ الملكة ، ولذا يصح إطلاق المجتهد على صاحب الملكة وإن كان في حال النوم مثلاً.

__________________

(١) شرح الكافية : ٢١٨ ط القديمة.

٣٦٨

وفي مثل «البقّال» كذلك.

وكذلك الكلام في مثل «المفتاح» ونحوه من أسماء الآلات ، فإنّ هيئة «المِفعال» دالّة على التلبّس حقيقةً ، لأن المناط في مثله هو التلبس بالشأنيّة للفتح في «المفتاح» وللكنس في «المكنسة» مثلاً ... وهكذا ، لا التلبّس بالفتح والكنس فعلاً ، فأسماء الآلات داخلة في البحث ، لانطباق الضابط عليها ، خلافاً لمن استشكل في ذلك.

كما أنّ استدلال المحقق النائيني على خروج «اسم المفعول» بأنه موضوع لمن وقعت عليه المادّة ، ومن وقع عليه المادة لا ينقلب عمّا هو عليه ، فلا مِصداقية ل «من انقضى عنه التلبّس بالمبدإ» فيه ، فلا يشمله الضابط ، مردود :

أمّا نقضاً ، فباسم الفاعل ، فهو موضوع لمن صدر منه المبدا ، ومن صدر منه المبدا لا ينقلب عمّا هو عليه ، وقد وافق على دخوله في البحث.

وأمّا حلاًّ ، فبأنّ البحث هو : هل هذه الهيئة موضوعة لتلك الذات في حال وقوع المادّة عليها فقط ، أو هي موضوعة لها بِصِرف أنها تلبّست بذلك وانقضى عنها ، كما أنّ اسم الفاعل كذلك؟

المقدمة الثالثة (في المراد من «الحال» في عنوان البحث)

هل أن «الحال» في عنوان البحث في كلام الأعلام ـ وقولهم : هل المشتق حقيقة في المتلبّس بالمبدإ في الحال أو أنه حقيقة في الأعم؟ ـ عبارة عن حال التلبّس بالمبدإ ، أو عبارة عن حال الجري والتطبيق على المصداق الخارجي ، أو عبارة عن حال النطق والنسبة الكلاميّة؟

٣٦٩

قد كرّرنا أن هذا البحث مفهومي ، فهو يدور حول أنّ مفهوم الهيئة هل هو عبارة عن خصوص الحصّة المتلبّسة بالمبدإ من الذات أو أنّه أعمّ من المتلبّسة والتي انقضى عنها التلبّس ، فهو بحث مفهومي مردّد بين الأقل والأكثر ، أو بين المتباينين.

فالمراد من «الحال» هو حال التلبّس لا محالة ، لا حال النطق ولا حال الحمل والإسناد ، وممّا يوضّح أنْ ليس المراد حال النطق قولنا : زيد كان ضارباً بالأمس وسيكون ضارباً في الغد ، فإنّه إطلاق حقيقي ، مع أنه ليس المراد حال النطق ، كما يوضّح أنّ المراد ليس حال الإسناد صحّة إطلاق المشتقّات في المجرّدات وهي لا موضوع للزمان فيها.

وتلخّص : إن المراد حال التلبّس ، إلاّ أن فعليّة كلّ مادّةٍ بحسبها ، كما ظهر من المقدمة السابقة.

هذا تمام الكلام في المقدّمات ...

فما هو مقتضى الأدلّة والأصول ...

٣٧٠

مقتضى الأدلّة والاصول

في معنى المشتق

ويقع البحث في مقامين :

الأول : في مقتضى الأدلَّة.

والثاني : في مقتضى الاصول ، بعد اليأس عن الأدلَّة.

والكلام في المقام الثاني في جهتين :

الاولى : فيما يقتضيه الأصل من الجهة الاصوليّة ، فيبحث عمّا هو مقتضى الأصل في تنقيح وتعيين المفهوم الموضوع له المشتق.

والثانية : فيما يقتضيه الأصل من الجهة الفقهيّة ، فإن لم يقم أصلٌ يوضّح وينقّح الموضوع له ، فما هو الأصل الذي يرجع إليه الفقيه في مقام الفتوى؟

٣٧١

المقام الثاني

وقد قدّم في (الكفاية) البحث في المقام الثاني ، ونحن أيضاً نتبعه في ذلك :

تأسيس الأصل من الجهة الاصوليّة

والأصل في هذه الجهة إمّا عقلائي وامّا تعبّدي ، وهو ـ على كلّ تقدير ـ مفقود ، كما سيأتي ، ولنذكر قبل الورود في بيان ذلك ، ما يلي :

إن المفروض هو الجهل بسعة مفهوم الهيئة وأنه أعمّ من المتلبّس وما انقضى عنه ، أو ضيقه وأنه خصوص حال التلبّس ، فهل يكون هذا التردّد من قبيل دوران الأمر بين الأقل والأكثر أو من قبيل المتباينين؟

قالوا : بأنه من قبيل الأوّل.

فقال الاستاذ دام بقاه : بأنّ النسبة بين العام والخاص ، وكذا المطلق والمقيّد ، في مرحلة الصّدق على الخارج ، هي النسبة بين الأقل والأكثر ، لأنّ كلّ خاصّ فهو العام مع خصوصيّة إضافيّة فيه ، كما في أعتق رقبةً مؤمنة ، أمّا النسبة بينهما في مرحلة اللّحاظ والتصوّر فهي التباين ، ومن هنا قال المحقق الأصفهاني بأن التقابل بين الإطلاق والتقييد هو تقابل التّضاد ، فهما بحسب الوجود الخارجي مجتمعان ، أما بحسب اللّحاظ فلا يجتمعان.

وبناءً على هذا ، فلمّا كان بحث المشتق يدور حول المعنى الموضوع له

٣٧٢

الهيئة ، وهذا ممّا يتعلَّق بمرحلة التصوّر لا مرحلة الصدق الخارجي ، فالنّسبة بين الأخصّ والأعم من قبيل المتباينين.

وفائدة هذا المطلب هي : أنه إنْ كان من الأقل والأكثر ، فالجامع بين المتلبّس ومن انقضى عنه التلبس ملحوظ لا محالة ، ويرجع الشك حينئذٍ إلى الزائد ، فيكون خصوص التلبّس مجرى الأصل ... إلاّ أن القوم قالوا بجريان الأصل في كلا الطرفين ، وهذا مما يشهد بكون مورد البحث من المتباينين لا من الأقل والأكثر.

فالبحث من الجهة الاصوليّة شبهة مفهوميّة مردّدةٌ بين متباينين ، لأن كلاًّ من المتلبّس والأعمّ يلحظ بلحاظٍ مستقل. أمّا من الجهة الفقهيّة ، فشبهة مفهوميّة مردّدة بين الأقل والأكثر ، كما سيأتي.

فهل هناك أصل ليرجع إليه في هذه الجهة؟ إن صورة المسألة هي : إن المشتق إن كان موضوعاً للأعم فهو مشترك معنوي ، وإنْ كان موضوعاً لخصوص المتلبّس ، فاستعماله في الأعم مجاز ، فيعود الأمر إلى الدوران بين الاشتراك والمجاز ، فهل من أصلٍ عقلائي؟

كلاّ ، لا يوجد عند العقلاء أصل يرجعون إليه في مثل هذه المسألة ، إلاّ أن يقال بأنّ الغلبة مع الاشتراك ، والشيء يلحق بالأعمّ الأغلب في السيرة العقلائية.

لكن الغلبة غير ثابتة ، والسّيرة غير مسلّمة.

هذا ، بغض النظر عن أنّا بصدد تأسيس الأصل ، والترجيح بالغلبة الذي هو من مرجّحات باب تعارض الأحوال يعدُّ من الأدلّة.

وهل من أصلٍ تعبّدي؟ والمراد أصالة عدم لحاظ الواضع لدى الوضع

٣٧٣

خصوص المتلبّس وحال التلبّس مثلاً ، ولكن فيه :

أوّلاً : إنّ موضوع الأثر هو الظهور ، وأمّا اللّحاظ فليس موضوعاً للأثر ، فلا يجري فيه الاستصحاب.

وثانياً : إن استصحاب عدم لحاظ خصوص المتلبّس لازمه لحاظ الأعمّ منه ومن انقضى عنه التلبّس ، فلا يثبت الوضع للأعمّ إلاّ على القول بالأصل المثبت.

وثالثاً : إذا كانت أركان الاستصحاب في طرف عدم لحاظ خصوص المتلبّس تامّةً ، فهي في طرف عدم لحاظ الأعمّ تامّة كذلك ، فيقع التعارض بينهما ويسقطان بالمعارضة.

تأسيس الأصل من الجهة الفقهيّة

أي : إذا لم تفِ الأدلّة في بحث المشتق لإثبات أحد القولين ، فبأيّ أصلٍ من الاصول يأخذ الفقيه؟ وما هي وظيفته بالنسبة إلى المشتق الواقع موضوعاً لحكم من الأحكام الشرعيّة؟

إن مورد البحث هو الشبهة المفهوميّة ، أي الشبهة الحكميّة الناشئة من إجمال مفهوم موضوع الدّليل ، من جهة كونه مشتقاً ، وأنّه لا يعلم أنه وضع لخصوص المتلبّس بالمبدإ أو للأعم منه ومن انقضى عنه ، وله في الفقه أمثلة كثيرة ، كمسألة أمّ الزوجة التي بحثنا عنها بالتفصيل ، وكمسألة كراهة البول تحت الشجرة المثمرة ، وكمسألة كراهة استعمال الماء المسخّن بالشمس ...

وغيرها.

لكن المشتق المجمل قد جاء في بعض هذه الموارد موضوعاً لدليلٍ مخصّصٍ لعام ، كما في مثال امّ الزّوجة ، فإنه موضوع لدليلٍ مخصّصٍ

٣٧٤

لعمومات حليّة النكاح ، ففي مثل هذا المورد ، إنْ جاء المخصّص متّصلاً بالعام ، فلا ريب في سراية إجماله إلى العام ، وإنْ جاء منفصلاً ، كما في المثال المذكور ، فإن مقتضى القاعدة هو التمسّك بعموم العام بالنسبة إلى الزائد عن القدر المتيقّن من المخصّص ، وهو في المثال خصوص المتلبّس ، فيبقى العام حجةً بالنسبة إلى الأعم.

إلاّ أن المهمّ في المقام هو تأسيس الأصل بالنسبة إلى الموارد التي لا يوجد عام في البين ، أو كان المخصّص متّصلاً به ، فما هو الأصل المحكّم فيها؟

مثلاً : لو قال المولى : «أكرم العلماء» وشك في مفهوم «العالم» من حيث أنه حقيقة في خصوص المتلبّس بالعلم فقط أو في الأعمّ منه ومن انقضى عنه ، فهنا ثلاثة أقوال:

١ ـ جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية مطلقاً.

٢ ـ عدم جريانه كذلك.

٣ ـ التفصيل بين الموضوع فلا يجري ، والحكم فيجري.

فإنْ قلنا بجريان الاستصحاب في الشبهات المفهوميّة ، أمكن إجراؤه في موضوع المثال ، لسبق الاتّصاف والتلبّس بالعلم يقيناً ، ومع الشك في بقائه يستصحب ، ويترتّب عليه الحكم بوجوب الإكرام ، فلا تصل النوبة إلى إجراء الاستصحاب في الحكم ، فضلاً عن التمسّك بالبراءة أو الاشتغال.

وكذا لو نهى المولى عن هتك العالم ، فشك في بقاء تلبّس زيدٍ بالعلم مع اليقين بذلك سابقاً ، فإنّه يستصحب بقاء العلم ـ كما ذكر المحقق الخراساني ـ ولا يجوز هتكه.

٣٧٥

وإن قلنا بعدم جريان الاستصحاب في الشبهة المفهوميّة إلاّ في الحكم ، فإنه مع الشك في بقاء الحكم بوجوب الإكرام ـ بعد اليقين به سابقاً ـ ، يجري الاستصحاب ، ولا تصل النوبة إلى البراءة أو الاشتغال.

وإنْ قلنا بعدم جريان الاستصحاب في الشبهة المفهوميّة مطلقاً ، كما هو المختار ـ أمّا في الموضوع ، فلأنه يعتبر في الموضوع المستصحب أن يكون ذا أثر شرعي ، والمفاهيم لا أثر لها ، وأمّا في الحكم ، فلأنه يعتبر في الاستصحاب وحدة الموضوع في القضيّتين ، وهي هنا مفقودة (١) ـ.

فتصل النوبة إلى البراءة أو الاشتغال.

__________________

(١) إن المفاهيم ـ بما هي مفاهيم ومداليل للألفاظ ـ ليست بموضوعات لآثار شرعيّة ، فمفهوم «الخمر» ليس بحرامٍ ، بل الحرام هو الخمر الموجود خارجاً ، ومفهوم «الكر» ليس بذي أثر بل الأثر الشرعي يترتب على المصداق الخارجي ، وحينئذٍ لا بدّ من توفّر أركان الاستصحاب ـ اليقين السابق والشك اللاّحق ـ في المصداق الخارجي ، وكذا «العالم» في المثال ، فإنه ليس مفهوم هذه اللفظة بما هو موضوعاً للأثر بل واقع العلم ، ومع الشك يدور أمره بين ما انقضى عنه التلبس وهو منتف يقيناً ، وبين كونه حقيقة في الأعم فيكون باقياً يقيناً ، فالشك في البقاء منتفٍ ، فلا يجري الاستصحاب في طرف الموضوع.

هذا بالنسبة إلى الموضوع.

وكذلك الحال بالنسبة إلى الحكم. وذلك ، لعدم صدق نقض اليقين بالشك في حال اختلاف موضوع القضيّة المشكوكة مع موضوع القضية المتيقّنة ، فلا بدّ من وحدة الموضوع ، وهي في الشبهات الحكميّة منتفية ، لأن أمر الموضوع فيها يدور بين الزوال تماماً والبقاء يقيناً ، لأن تلك الذات إن كانت متلبّسةً بالعلم ، فإنه مع زوال التلبس يزول موضوع الاستصحاب ، لان المفروض كون التلبّس جزءاً للموضوع ، وبناء على الأعمّ يكون الموضوع باقياً يقيناً ، وفي مثله لا يجري الاستصحاب.

وبما ذكرنا يظهر أن الدّليل على عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة هو قصور المقتضي ، أي عدم شمول أدلّة الاستصحاب لمثل هذه الشبهات ، لا المعارضة بين استصحاب عدم المجعول واستصحاب عدم الجعل ، لأنّ التعارض فرع وجود المقتضي لشمول الأدلَّة للطّرفين ، وتفصيل الكلام في محلّه.

٣٧٦

وهاهنا صور :

١ ـ أن يرد الحكم على الموضوع ، وبعد وروده ينقضي المبدا ، كأن يحكم بإكرام العالم العادل ، وتنقضي العدالة عن الذات بعد ثبوت الحكم.

٢ ـ أن ينقضي المبدا عن الموضوع ، ثم يرد الحكم.

فبناءً على عدم جريان الاستصحاب الحكمي في الشبهات المفهوميّة ، يكون الأصل الجاري هو البراءة ، لكون المورد ـ في كلتا الصورتين ـ من موارد الشك في التكليف الزائد ، لرجوع الشك إلى أصل وجوب الإكرام.

٣ ـ أن يتوجَّه الحكم بوجوب الإكرام على عنوان «العالم العادل» ولم يمتثل بعد ، فإنْ امتثل في مورد المتلبّس يقيناً سقط التكليف ، وإنْ اكرم من انقضى عنه التلبس يشك في حصول الامتثال وسقوط التكليف ، وبذلك يتّضح أنّ هذه الصورة من صغريات دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، فإنْ قلنا بالاشتغال ، حكمنا بوجوب إكرام خصوص المتلبّس ، وبه قال المحقق العراقي ، مع قوله بالبراءة في الصورة الاولى تبعاً لصاحب (الكفاية) ، وفي الثانية بالاستصحاب ، لأنّه يرى جريانه في الشبهات المفهوميّة.

لكنّ المختار في دوران الأمر بين التعيين والتخيير هو البراءة ، إلاّ أن موارد دوران الأمر كذلك مختلفة ، فتارةً : يكون التكليف غير معلومٍ تماماً ، كأنْ يكون الإجماع دليل الوجوب ، وهو دليل لبّي ، فمثله من صغريات دوران الأمر بين الأقل والأكثر ، والأصل هو البراءة. واخرى : يكون التكليف معلوماً بوجهٍ من الوجوه ، ومعه يصح للمولى الاحتجاج على العبد ، فلا مجال لأصل البراءة ، وموردنا من هذا القبيل ، إذ التكليف معلوم ، والتحيّر يعود إلى مقام الامتثال والتطبيق ، ومع الشك في صدق «العالم العادل» على من انقضى عنه التلبّس ، لا يجوز الاكتفاء به ، بل المرجع هو الاشتغال.

هذا تمام الكلام في المقام الثاني.

٣٧٧

المقام الأوّل

والبحث في جهتين كذلك :

١ ـ جهة الثبوت.

٢ ـ جهة الإثبات.

ولا يخفى ترتّب الجهة الثانية على الاولى ، ضرورة أن البحث عن دلالة الأدلَّة على كلّ واحدٍ من القولين ، متفرّع على إمكان وضع اللّفظ لخصوص المتلبّس أو للأعم ، فلو لم يمكن إلاّ وضعه على هذه الحصّة أو تلك ، لم تصل النوبة إلى البحث الإثباتي ، كما سيتّضح.

الجهة الأولى

ذهب المحقّقان النائيني والأصفهاني إلى عدم إمكان وضع اللّفظ للأعمّ ، وأنه يتعيَّن أنْ يوضع للمتلبّس خاصّة :

الإشكال الثبوتي ببيان الميرزا

قال (١) رحمه‌الله ، ما ملخّصه : إمّا أنْ نقول ببساطة المشتق أو نقول بتركّبه.

أمّا على الأول ، فلا يمكن الوضع للأعم ، لأنّ معنى بساطة المشتق أنْ يكون الموضوع له اللّفظ نفس المبدا فقط ، مع لحاظه بنحو اللاّبشرط ، أي :

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ١١٢.

٣٧٨

حالكونه قابلاً للحمل على الذات والاتّحاد معها ، وهو اسم الفاعل واسم المفعول ونحوهما ... لا بنحو البشرطلا ، الذي لا يقبل الحمل والاتّحاد مع الذات ، وهو المصدر واسم المصدر ... كالبياض مثلاً إذا لوحظ وجوداً في قبال وجود الذات ، فإنّه حينئذٍ لا يحمل عليها ، فلا يقال : الجدار البياض ، بخلاف ما إذا لوحظ مرتبةً من وجود الجدار ، فيحمل عليه ويتّحد معه ويقال : الجدار أبيض.

وعلى الجملة ، فإنّ القول ببساطة المشتق مع لحاظه لا بشرط ، معناه أن مدلول العالم مثلاً ليس إلاّ العلم فقط ، وأن الذات غير مأخوذة فيه أصلاً ، فليس هناك من يتلبَّس بالعلم أو ينقضي عنه التلبّس ، بل المدلول هو مبدأ العلم ، وأمره دائر بين الوجود والعدم.

وعليه ، فاللّفظ موضوع للمتلبّس ، ويستحيل أن يكون موضوعاً لما انقضى عنه التلبّس ، فيصير وضع المشتقات كوضع الجوامد ، فإذا زال المبدا لم يبق شيء ، كما لو زالت الإنسانية فلا شيء يصدق عليه عنوان الإنسان ، بل المشتق أسوأ حالاً ، لبقاء المادّة بعد زوال الصّورة النوعيّة في الإنسان ، وعدم بقاء شيء بعد زوال المبدا في المشتق ، كما تقدّم.

وبما أنّ الحق عند المحقق النائيني هو بساطة المشتق ، فوضع المشتق للأعمّ غير ممكن ثبوتاً.

وأمّا على الثاني ، بأنْ يقال بتركّب المشتقّ من المبدا والذات المبهمة من جميع الجهات إلاّ اتّصافها بالمبدإ ، فكذلك ، لعدم إمكان تصوير الجامع بين المتلبّس وما انقضى عنه التلبّس غير الزمان ، ولو لا أخذه في المشتق لم يتحقّق الانقضاء ، لكنْ قد تقرّر ـ كما تقدّم ـ أنّ الزمان غير مأخوذٍ في

٣٧٩

المشتقات ، ولو فرض اشتمال الهيئة على الزمان في الأفعال ، فلا ريب في عدم أخذه في أسماء الأفعال والمفاعيل.

هذا ، ولا ينتقض هذا الذي ذكره هنا بما تقدّم عنه في مدلول هيئة الفعل الماضي من أنه النسبة التحقّقيّة ، وأنّ هذه النسبة تجمع بين المتلبس وما انقضى ، فلتكن هي الجامع بين جميع المشتقات. ووجه عدم ورود النقض هو أنه رحمه‌الله يرى التلازم بين هذه النسبة مع الزمان الماضي في الزمانيّات ، فلا معنى لوجودها في اسم الفاعل واسم المفعول ونحوهما.

فظهر عدم إمكان الوضع للأعم ثبوتاً على كلا التقديرين.

الإشكال الثبوتي ببيان المحقق الأصفهاني

أمّا على القول بالبساطة ، فمطلبه نفس ما ذكره الميرزا ، لكن بتقريب آخر ، قال (١):

إنّه لا تتصوّر البساطة في المشتق ـ وهو مبنى المحقق الدواني ـ إلاّ بأنْ يلحظ المبدا فيه من شئون الذات وأحد مراتب وجودها ـ وذلك ما ذكرناه من قبل ، من أن المبدا تارةً : يلحظ في قبال الذات ، فيكون المصدر كالضرب ، ولا يقبل الحمل عليها ، واخرى : يلحظ من شئون الذات وأطوارها ومراتب وجودها فيكون اسم الفاعل كالضارب ، ويقبل الحمل عليها ويتّحد معها ، فلا فرق بين «الضرب» و «الضارب» إلاّ باللّحاظ ، فإنْ لوحظ على النحو الأوّل فهو المبدا ، وإنْ لوحظ على النحو الثاني فهو المشتق ـ وإذا لوحظ كذلك ، دار أمره بين الوجود والعدم ، ولا جامع بينهما ، فلا يمكن وجود الجامع بين المتلبّس ومن انقضى عنه التلبّس.

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ١٣١.

٣٨٠