تحقيق الأصول - ج ١

السيّد علي الحسيني الميلاني

تحقيق الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-2501-93-9
ISBN الدورة:
964-2501-52-X

الصفحات: ٤١٦

فهذه المسألة احدى الثمرات الفقهية للنزاع ، وقد ظهر جريانه في مثل «الزوجيّة» من الجوامد.

وتفصيل الكلام في هذه المسألة هو :

إن الأصل في المسألة هو الشيخ في (المبسوط) و (النهاية) ، وقد اختلفت فتياه في الكتابين ، وتبعه على كلٍّ منهما طائفة من الفقهاء ، وهي احدى الفروع الأربعة التي ذكرها:

١ ـ لو كانت له زوجة كبيرة واخرى صغيرة.

٢ ـ لو كانت له زوجتان كبيرتان وصغيرة.

٣ ـ لو كانت له زوجة كبيرة مع زوجتين صغيرتين.

٤ ـ لو كانت له زوجتان كبيرتان مع زوجتين صغيرتين.

ثم إنّ اللبن تارةً يكون لبن الفحل وهو الزوج ، وأخرى لبن غيره.

وأيضاً : تارةً يكون الرضاع مع الدخول بالكبيرة ، واخرى مع عدم الدخول بها (١).

أدلّة القولين

قال العلاّمة وجماعة بحرمة الكبيرة الثانية ، لأن المشتق حقيقة في الأعمّ ، وقال آخرون بعدم الحرمة ، لكون المشتق حقيقة في خصوص المتلبّس ، وقد ادّعي الإجماع على حرمة الاولى ، ولا خلاف في ذلك إلاّ من بعض متأخّري المتأخّرين.

وقد استدلّ للقول بعدم الحرمة برواية علي بن مهزيار ، وهي نصٌّ في ذلك.

__________________

(١) وما في نسخ (الكفاية): «مع الدخول بالكبيرتين» غلط من النسّاخ ، والصحيح : مع الدخول بإحدى الكبيرتين.

٣٤١

وأجاب الفخر والمحقق الثاني وغيرهما عنها بضعف السند.

وهذه هي الرواية : محمد بن يعقوب ، عن علي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد ، عن علي بن مهزيار ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قيل له : إن رجلاً تزوّج بجاريةٍ صغيرة فأرضعتها امرأته ، ثم أرضعتها امرأة له اخرى. فقال ابن شبرمة : حرمت عليه الجارية وامرأتاه ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «أخطأ ابن شبرمة ، تحرم عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها ، فأما الأخيرة فلم تحرم عليه ، كأنها أرضعت ابنته» (١).

التحقيق في سند رواية ابن مهزيار

وقد اورد على سند هذه الرواية بوجهين :

الأول : الإرسال. فذكر لإثبات إرسالها وجوه :

١ ـ إن المراد ب «أبي جعفر» ـ متى أُطلق ـ هو الإمام الباقر عليه‌السلام ، وابن مهزيار من أصحاب الرضا والجواد عليهما‌السلام ، ولو كان المراد هو الإمام الجواد لقيَّد ب «الثاني».

٢ ـ إن ذكر ابن شبرمة في الرواية قرينة على أن المراد من أبي جعفر فيها هو الباقر عليه‌السلام ، لأن ابن شبرمة كان معاصراً له لا للإمام الجواد ، فتكون الرواية مرسلة ، لسقوط الواسطة المجهول حالها بينه وبين الإمام عليه‌السلام

٣ ـ لو كان المراد هو الإمام الجواد عليه‌السلام ـ لأنه من أصحابه ـ لما جاءت الرواية ـ كما في (الكافي) ـ بلفظ «رواه عن أبي جعفر» الظاهر في النقل مع الواسطة ، وإلاّ فلا حاجة إلى هذا اللّفظ ، كما هو الحال في سائر

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٠٥. الباب ١٤ من أبواب ما يحرم بالرّضاع.

٣٤٢

الروايات المسندة.

٤ ـ كلمة «قيل له» ظاهرة في عدم سماع ابن مهزيار من الإمام عليه‌السلام ، وإلاّ لقال : عن أبي جعفر.

ويمكن الذبّ عن الرواية بالجواب عن كلّ ذلك :

أمّا عن الأول ، فإنّ التقييد ب «الثاني» متى كان المقصود من أبي جعفر هو الإمام الجواد عليه‌السلام ، إنما جاء في الأعصار المتأخّرة ، أمّا لزوم ذلك على الرّواة أنفسهم ، فلا دليل عليه.

وأمّا عن الثاني ـ وهو أتقن الوجوه ـ فإن ابن شبرمة ، المتوفّى سنة ١٤٤ ، وإنْ كان معاصراً للصّادقين عليهما‌السلام ، إلاّ أنه كان من القضاة الكبار ، وله تلامذة ، فما المانع من أنْ يقال في مجلس الإمام الجواد عليه‌السلام : قال ابن شبرمة كذا ...؟ لقد ظنّ الشهيد الثاني قدس‌سره ومن تبعه أن هذه الكلمة تعني حضور ابن شبرمة في المجلس وتكلّمه عند الإمام ... بل الظاهر : وقوع القضيّة في زمن ابن شبرمة ، ثمّ السؤال عنها وعن رأيه فيها من الإمام الجواد عليه‌السلام الذي قال في الجواب : أخطأ ابن شبرمة ...

وأمّا عن الثالث ـ وهو الذي اعتمده في (المحاضرات) ـ فإن ظهور «روى» في النقل مع الواسطة أوّل الكلام ، أمّا لغةً فواضح ، وأمّا اصطلاحاً ، فإنّ عدم قولهم «روى فلانٌ» في مورد النقل بلا واسطة ، لا يكفي لأنْ يحمل ذلك على النقل مع الواسطة ... هذا أوّلاً.

وثانياً : هذه الرواية في نقل صاحب (الوسائل) بلفظ «عن أبي جعفر» إلاّ أنْ يدّعى التعارض بين النقلين ، فيكون المقدَّم لفظ الكافي ، لأصالة عدم الزيادة.

٣٤٣

وثالثاً : قد وجدنا في أخبار الشيخ طاب ثراه أنّه قد يروي الخبر المسند بلفظ «روى» ... قال رحمه‌الله : «فأمّا الذي رواه علي بن الحسن ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ...» (١) ثم إنّه قد أورد نفس هذا السند بلا كلمة «رواه» فقال : «علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ...» (٢).

وتلخّص : إن كلمة «رواه» لا تنافي الاتّصال.

وأمّا عن الرابع ، فالجواب واضح ، بأنْ يكون ابن مهزيار حاضراً ، وقد سأل أحد الحضور الإمام عليه‌السلام عن المسألة ، ونظائره كثيرة جدّاً.

الثاني : الضعف ب «صالح بن أبي حمّاد» ، فقد قال النجاشي : يعرف وينكر ، وعن ابن الغضائري : ضعيف ، وتوقّف فيه العلاّمة.

وقد ذكرت وجوه للاعتماد عليه :

١ ـ رواية أجلاّء الأصحاب عنه.

٢ ـ عدم استثناء ابن الوليد والصّدوق له من مشايخ محمد بن أحمد بن يحيى ، فقد روى الصّدوق عن محمد بن أحمد بن يحيى عن صالح بن أبي حمّاد ، في كتاب (عيون أخبار الرضا) ، فهو مقبول لدى ابن الوليد والصدوق تبعاً له. وقد اعتمد الوحيد البهبهاني هذا الوجه.

٣ ـ إنه من رجال تفسير القمّي.

٤ ـ في الكشي عن علي بن محمد بن قتيبة : أن الفضل بن شاذان كان

__________________

(١) تهذيب الأخبار ٧ / ٣١٦ ، الباب ٢٧ ، رقم : ١٤.

(٢) تهذيب الأخبار ٧ / ٣٣٦ ، الباب ٣٠ ، رقم : ٧.

٣٤٤

يرتضيه ويمدحه (١).

قال شيخنا : وأقواها هو الوجه الرّابع ، لكنّ الاعتماد عليه مشكل :

أمّا من جهة السند ، ففيه : علي بن محمد بن قتيبة ، ولم يرد في حقّه توثيق ... إلاّ أن يدفع ذلك باعتماد الكشي عليه وكثرة النقل عنه ، وقد قال الشهيد في (الذكرى) (٢) في رجلٍ : إنه وإنْ لم يرد فيه توثيق ، فإن نقل الكشي عنه يفيد الاعتماد عليه.

وأمّا من جهة المدلول ، فإنّ ارتضاء الفضل له إنْ كان ارتضاءً لِما ينقل ويرويه ، كان دليلاً على وثاقته عندنا ، لا على مجرَّد الحسن ، خلافاً لعلماء الرجال ، لكنّ من المحتمل أن يكون ارتضاءً منه لعقائده ، بأنْ يراه مستقيم العقيدة ، أو يكون ارتضاءً منه لعقله ، في قِبال عدم ارتضائه لأبي سعيد سهل ابن زياد الآدمي لكونه أحمق كما قال ، وإذا جاء الاحتمال وقع الإجمال وبطل الاستدلال.

وبعد ، فإنّ المشهور بين الأصحاب ـ كما في (الرياض) (٣) هو القول بعدم الحرمة ، وعليه الكليني والإسكافي والشيخ ، ولا خلاف من المتقدمين إلاّ من ابن إدريس ، بل في (الشرائع) نسبة القول بالحرمة إلى «القيل» (٤) ، فالشّهرة مطابقة للرواية ، لكنّ دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور مردودة من جهة الكبرى والصغرى.

__________________

(١) رجال الكشي : ٤٧٣ ط الأعلمي.

(٢) قال في الذكرى ٤ / ١٠٨ ط مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام : «الحكم ذكره الكشي ولم يعرض له بذم» ، وهو : الحكم بن مسكين وانظر : اختيار معرفة الرجال ، بتعاليق السيد الداماد ٢ / ٧٥٨.

(٣) رياض المسائل ٢ / ٩٢ ط القديمة.

(٤) شرائع الاسلام ٢ / ٢٨٦ ط البقّال.

٣٤٥

هذا تمام الكلام في الاستدلال بالخبر للقول بعدم الحرمة في الكبيرة الثانية.

ويبقى الاستدلال بمقتضى القاعدة من كلا الطّرفين.

الكلام في حكم الكبيرة الأولى

وقد تقدّم أنّ ظاهر الأصحاب هو التسالم على حرمتها ، بل هو صريح الفخر رحمه‌الله ، وقد أذعن صاحب الجواهر (١) وغيره بهذا الإجماع ، ولم ينقل الخلاف إلاّ عن ابن إدريس.

وقد تنظّر الاستاذ دام بقاه في ذلك لوجود شبهة انقضاء المبدا فيها ، كالكبيرة الثانية بلا فرق ، ثم أوضح ذلك بالتحقيق في مدارك هذه الفتوى بأنّه :

١ ـ رواية ابن مهزيار

إن كان الدليل هو رواية علي بن مهزيار المتقدّمة سابقاً ، فقد عرفت حالها سنداً.

٢ ـ صدق «أُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ»

وإنْ كان دعوى صدق قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ... أُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ) (٢) عليها ، فهو أوّل الكلام ، وذلك لعدم الريب في أنّ «الاميّة» و «البنتيّة» متضايفتان ، والمتضايفان متكافئان قوّةً وفعلاً. ولا ريب أيضاً في أنّ «البنتيّة» و «الزوجيّة» متضادّتان ، وبالنظر إلى هاتين المقدّمتين : إنه إذا استكملت شرائط الرّضاع وتحقّقت «الأُميّة» للكبيرة ، تحقّقت «البنتيّة» للصغيرة بملاك التضايف ، وحينئذٍ ترتفع «الزوجيّة» بملاك التضاد ، فتكون هذه المرأة «امّاً»

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٩ / ٣٣١.

(٢) سورة النساء : ٢٣.

٣٤٦

لمن كانت «زوجة» ، فإنْ قلنا : بأن المشتق حقيقة في الأعم تمّ الاستدلال بالآية ، لعدم الشك في الصّدق ، وإنْ قلنا : بأنّه حقيقة في خصوص المتلبّس ومجازٌ في من انقضى عنه ، فإنّ أصالة الحقيقة تقتضي عدم الحرمة ، لانقضاء المبدا.

فلا فرق بين الكبيرتين ، إلاّ من جهة طول الفاصل الزماني وقصره ، ففي الكبيرة الثانية خرجت الصغيرة عن الزوجيّة من زمانٍ سابق ، أمّا في الاولى فبعد زمنٍ قصير.

وجوه التخلّص من الإشكال

وقد ذكرت وجوه للتخلّص من هذا الإشكال ، وتوجيه قول الأصحاب بحرمة الاولى على القاعدة :

الوجه الأول

إنه وإنْ لم تكن الكبيرة الاولى «امّ زوجة» الرجل ، من الناحية العقليّة ، للبرهان المتقدم ، إلاّ أنه يصدق عليها العنوان المذكور عرفاً ، والمناط في الأحكام الشرعيّة هو الصّدق العرفي.

ذكره جماعة ، منهم صاحب (الجواهر) ، ونقله المحقق الخراساني صاحب (الكفاية) في رسالته (في الرضاع) ، ثم أمر بالتأمّل.

قال الاستاذ : وجه التأمّل هو عدم وضوح كون هذا الصّدق العرفي حقيقةً عرفيّة ، فلعلّهم يطلقون عليها العنوان المذكور من باب المسامحة ، فيكون مجازاً ، ومجرَّد هذا الشك كاف.

الوجه الثاني

إنه لا ريب في أنّ الأُمومة والبنتيّة مزيلة للزوجيّة ، فزوال الزوجيّة معلول

٣٤٧

لوصفي الأُمومة والبنتيّة ، وكلّ معلولٍ متأخر رتبةً عن العلّة ، فلا بدَّ وأنْ يفرض وصف الزوجيّة مع الوصفين في رتبةٍ واحدة حتى يمكن عروض الإزالة مستنداً إلى وصف البنتيّة على الزوجيّة ، فالزوجيّة مع الأُمومة والبنتيّة مفروضة كلّها في مرتبةٍ واحدة ، وعليه ، فإنه تتّصف الأمّ المرضعة في هذه المرتبة بأُمّ الزوجة ، فالنزاع يختص بالزوجة الثانية دون الاولى.

قاله السيد البروجردي طاب ثراه (١).

وقال شيخنا : هذا خير ما قيل في المقام ، وحاصله : إن الكبيرة الاولى امّ الزوجة حقيقةً ، ومتلبّسة بالمبدإ ، غاية الأمر أن اجتماع الاميّة مع الزوجيّة كان في الرتبة لا في الزمان.

مناقشة المحاضرات

وناقشه في (المحاضرات) (٢) بأنّ الاتحاد الرّتبي بين الشيئين أو اختلافهما في المرتبة لا يكون بلا ملاك ، أمّا بين «البنتيّة» و «ارتفاع الزوجيّة» فالملاك للتقدّم والتأخّر الرتبي موجود ، لأن «البنتيّة» علّة زوال «الزوجيّة» ومن المعلوم تقدّم العلّة على المعلول ، فلا إشكال في تقدم البنتيّة على عدم الزوجيّة ، أمّا تقدّم «الأُميّة» على «عدم الزوجيّة» فلا ملاك له ، لعدم العليّة ، فلا يتم القول بكون «الأُميّة» و «الزوجيّة» في مرتبةٍ واحدة.

وهذا نظير : أنّ وجود العلّة متقدّم في الرتبة على وجود المعلول ، ووجود العلّة وعدم وجودها في مرتبةٍ واحدة ، لكنّ عدم العلّة غير متقدّم في المرتبة على وجود المعلول ، إذ التقدّم موقوف على الملاك ، وليس لعدم العلّة ربط بوجود المعلول.

__________________

(١) الحجة في الفقه : ٨٠.

(٢) محاضرات في اصول الفقه ١ / ٢٣٥.

٣٤٨

نقد المناقشة

وأورد عليه شيخنا دام بقاه : بأنّه لا خلاف في أنّ الاختلاف في المرتبة يحتاج إلى ملاك ، وهل الاتّحاد فيها أيضاً كذلك أو لا؟ قال المحقق الأصفهاني في (نهاية الدراية) و (الاصول على النهج الحديث) بالأوّل ، وقال السيّد الخوئي في حاشية (أجود التقريرات) بالثاني ، وعلى هذا المبنى نقول : إذا كان عدم الملاك الموجب للاختلاف في الرتبة ـ كأنْ لا تكون بين الشيئين نسبة العليّة والمعلوليّة ، ولا يكون أحدهما موضوعاً والآخر محمولاً له كافياً للاتحاد الرتبي بينهما ، لم يكن وجه لإشكاله على التقريب المذكور ، لأنّ «الامومة» و «الزوجيّة» لمّا لم يكن ملاك الاختلاف الرتبي بينهما ، لعدم كون إحداهما علّة ولا موضوعاً للاخرى ، فهما في مرتبةٍ واحدة ، وحينئذٍ أمكن اجتماعهما إنْ دلّ دليلٌ على ذلك ، وأمكن ارتفاع «الزوجيّة» مع بقاء «الامومة» إنْ دلّ دليل ، لأنّ المفروض كونهما في مرتبةٍ واحدة ، وإذا تحقّقت «الاميّة» و «الزوجيّة» انطبق دليل الحرمة بلا إشكال.

فما ذكر في (المحاضرات) ردّاً على الاستدلال غير تام.

الحق في الجواب

بل الحق في الجواب عن الاستدلال : أنه مبنيّ على أنّ «البنتيّة» علّة لعدم «الزوجيّة» وهذا باطل ، لأن «البنتيّة» و «الزوجيّة» ضدّان ، ولا تعقل العليّة والمعلوليّة بين الضدّين ، ولا يمكن أنْ يكون أحدهما علّة لارتفاع الآخر ، بل العلّة هنا هي الرّضاع ، والبنتيّة وارتفاع الزوجيّة كلاهما معلولان للرّضاع ، فهو العلّة لصيرورة الصغيرة بنتاً للرجل ، ولارتفاع الزوجيّة بينه وبين المرضعة لها ... فما أسّس عليه الاستدلال باطل ، وبذلك يبطل البناء.

٣٤٩

وهذا الإيراد يتوجّه على (المحاضرات) أيضاً ، لأنَّ ظاهره التسليم بهذه العليّة والمعلوليّة.

الوجه الثالث

إن قوله تعالى : (أُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ) ظاهر في «امّ الزوجة» بالفعل ظهوراً إطلاقيّاً لا وضعيّاً ، لأن الدّلالة على الفعليّة إنما جاءت من ناحية الإضافة ، وهي ليس موضوعةً للتلبّس الفعلي ، فعند الإطلاق وعدم القرينة يحمل الكلام على الفعليّة.

إلاّ أن المراد هنا هو الأعمّ من الفعلي قطعاً ، لقرينة السياق ، فإنّ قوله تعالى : (أُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ) ورد في سياق قوله (وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم) ومن المسلّم به أن المراد من «الربيبة» هنا هو الأعمّ من بنت الزوجة الفعليّة المدخول بها ، والتي انسلخت عنها الزوجيّة ، ومقتضى وحدة السّياق إرادة الأعمّ في طرف (أُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ) فتندرج الكبيرة تحت هذا العنوان ، فتحرم على الزوج.

أقول :

هنا بحثان ، أحدهما صغروي والآخر كبروي.

أمّا البحث الصغروي ، فقد زعم بعضهم عدم وجود السياق هنا ، بدليل أنّ حرمة الربيبة إنّما ثبتت بدليلٍ خارج.

قال شيخنا : وفيه : أنه قد ورد في الصحيح أن الإمام عليه‌السلام قد أخذ بعموم الآية المباركة ، وبذلك تتحقّق وحدة السياق ، فعن محمد بن مسلم قال : «سألت أحدهما عليهما‌السلام عن رجلٍ كانت له جارية فأُعتقت ، فتزوّجت ، فولدت ، أيصلح لمولاها الأوّل أن يتزوّج ابنتها؟ قال : لا ، هي

٣٥٠

حرام ، وهي ابنته ، والحرّة والمملوكة في هذا سواء.

... وعن صفوان ، عن العلاء بن رزين ، مثله وزاد : «ثم قرأ هذه الآية : (وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم ...)» (١).

فقد قرأ عليه‌السلام الآية للدّلالة على أن هذه البنت ربيبة للرجل ، وهي حرام ، وإذا كان المراد من «الربائب» هذا المعنى الوسيع ، فكذلك في «امّهات النساء».

فما ذكره في (المحاضرات) لا يمكن المساعدة عليه.

وأمّا البحث الكبروي ، وهو في حدّ تأثير وحدة السياق ، وقد اختلفت الأنظار في ذلك ، فقيل : إن أصالة الظّهور محكّمة في كلّ جملةٍ من الكلام بالاستقلال ، ولا تأثير لوحدة السياق ، فقيام القرينة في جملةٍ على كون المراد فيها هو العموم لا يؤثر في مدلول الجملة الاخرى. وقيل : بأنّ وحدة السياق من جملة القرائن الموجبة لحمل اللَّفظ على غير معناه الظاهر فيه. وقيل : بالتفصيل بين الظهور الإطلاقي والظهور الوضعي.

واختار شيخنا دام ظلّه القول الأوّل ، اللهم إلاّ إذا كان ظهور اللّفظ في معناه ظهوراً ، إطلاقيّاً ، فلكونه أضعف من الظهور الوضعي يسقط بمجرّد احتفافه بما يحتمل القرينيّة ، والسياق إن لم يكن قرينة فإنه يحتمل القرينيّة ، فالقول الثالث ـ الذي هو مختار الأكثر ـ غير بعيد.

وإنّ مورد البحث من موارد الظهور الإطلاقي ... وعليه ، يلزم الإجمال في «امّهات نسائكم».

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٠ / ٤٥٨ ، الباب ١٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، رقم : ٢.

٣٥١

الوجه الرابع

ما ذكره المحقق النائيني (١) في توجيه فتوى الفخر بحرمة الثانية ، من أنه يكفي لترتب الحرمة التلبّس بعنوان أمّ الزوجة موجبةً جزئية ، ولا يشترط صيرورتها أمّ الزوجة بالفعل ، فيكون من قبيل ما نذكره في معنى قوله تعالى : (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٢) من أنّ مجرَّد التلبّس بالظلم ـ ولو آناً ما ـ مانع عن حصول الإمامة.

وهذا الوجه يجري في الكبيرة الاولى أيضاً.

وأورد عليه شيخنا : بأن العناوين المأخوذة في الأدلّة ظاهرة في الفعليّة ، إلاّ إذا دلّ الدليل على عدمها ، كما هو الحال في الآية المذكورة ، وسيأتي توضيح ذلك.

الوجه الخامس

ما ذكره المحقق النائيني في توجيه فتوى الفخر أيضاً ، من أنّه لو خرجت المرأة عن الزوجيّة للرجل ثمّ ولدت بنتاً من غيره ، فلا ريب في حرمة البنت على الزوج الأوّل ، هذا في البنت بالنسب ، وكذلك الحكم في البنت بالرضاع ، فلو أرضعتها بعد خروجها عن الزوجيّة كانت البنت محرَّمة على الزوج ، إذ يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، وكما أن البنت الرضاعيّة تحرم ، فكذا امّ الزوجة الرضاعيّة بعد زوال الزوجيّة ، فإنّها تصير امّاً وتحرم على الرجل.

فأورد عليه شيخنا : بأنّ حرمة البنت إنما كان بدليلٍ ، كصحيحة محمد ابن مسلم المتقدّمة ـ في الوجه الثالث ـ فإنّها نصّ في الحكم المذكور ، مضافاً

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٨٢.

(٢) سورة البقرة : ١٢٤.

٣٥٢

إلى صحيحة البزنطي الدالّة عليه بالإطلاق (١).

أما بالنسبة إلى «أمّ الزوجة» فالدليل هو عنوان (أُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ) فيعود البحث والكلام في صدق هذا العنوان على المرأة التي انقضى عنها التلبّس بالزّوجيّة ... وهذا هو الفرق.

الوجه السادس

إن الدليل على حرمة الاولى هو النص والإجماع ، واستدلال الفخر بالقاعدة في المشتق يختص بالثّانية.

وأورد عليه شيخنا : بعدم النصّ على حرمة الاولى ، والروايات الواردة في أنّ رجلاً تزوّج جاريةً فأرضعتها امرأته فسد النكاح (٢) ، ظاهرة في فساد نكاح الصغيرة دون الكبيرة المرضعة ، ومع التنزّل عن هذا ، فإنّها تفيد فساد النكاح وانفساخه ، ومدّعى الفخر تبعاً لوالده هو الحرمة الأبديّة خاصةً.

بقي الاستدلال بالجماع ، وهو :

الوجه السابع

فقد ادّعاه الفخر ، وفي (جامع المقاصد) بكلمة «لا نزاع» (٣) وفي (الجواهر) (٤) : «لا خلاف أجده» بل «الظاهر الاتفاق عليه».

فالظاهر عدم الإشكال في الصغرى.

إلاّ أنّ من المحتمل قويّاً استنادهم إلى الآية المباركة (أُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ) .

هذا تمام الكلام في الوجوه المستدل بها لحرمة الكبيرة الاولى ، وقد

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٠ / ٤٥٧ ، الباب ١٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، رقم : ١.

(٢) وسائل الشيعة ٢٠ / ٣٩٩ ، الباب ١٠ من أبواب الرضاع.

(٣) جامع المقاصد في شرح القواعد ١٢ / ٢٣٨ ط مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٤) جواهر الكلام ٢٩ / ٣٢٩.

٣٥٣

ظهر أن أقواها هو الأخير ، لكنّ شبهة الاستناد باقية.

قال الاستاذ : وحينئذٍ تصل النوبة إلى الاستدلال لعدم الحرمة بقوله تعالى : (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) (١) فإن مقتضاه ـ بعد الإجمال في قوله : (أُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ) بالنسبة إلى المورد ـ وجوب الوفاء بالعقد عليها وبقاء زوجيّتها.

فإنْ نوقش في ذلك ، فمقتضى الاستصحاب بقاء الزوجيّة ، بناءً على جريانه في الشبهات الحكميّة ، إلاّ أنه ينبغي ملاحظة النسبة بينه وبين عمومات الاحتياط في الفروج ، وبقيّة الكلام في الفقه ، والله العالم.

٢ ـ هل يجري النزاع في اسم الزّمان؟

ثم إنه ـ بالنظر إلى ما تقدّم في تحرير محلّ النزاع ـ يقع الكلام في دخول اسم الزّمان في بحث المشتق ، لأن هيئة «مفعل» ليس لها فردان ، أحدهما المتلبّس والآخر ما انقضى عنه التلبّس ، بل هو بين المتلبّس وغير المتلبّس أبداً ، لكون الذات فيه ـ أعني الزمان ـ متصرّمة لا بقاء لها ، فأيّ فعلٍ وقع في أيّ زمانٍ ، فإن ذلك الزمان قد تلبّس بذلك الفعل وانصرم معه ، بخلاف «الضارب» و «الناصر» وما شاكل ذلك.

فيكون اسم الزمان خارجاً عن البحث.

الوجوه المذكورة لإدخال اسم الزمان

وقد حاول المحقّقون إدخال اسم الزمان في محلّ النزاع ، وهذه هي الوجوه التي ذكروها مع التأمّل والنظر فيها :

الوجه الأول

إن الهيئة في اسم الزمان موضوعة لمفهومٍ عامٍ ـ بناءً على أنّ الموضوع

__________________

(١) سورة المائدة : ١.

٣٥٤

له هو الأعم من المتلبّس وما انقضى عنه ـ إلاّ أنّ هذا المفهوم العام ليس له إلاّ مصداق واحد ، نظير لفظ «واجب الوجود» فهو غير موضوع للشخص ، بل الموضوع له هو الموجود المستغني عن الغير ، لكنْ ليس له في الخارج إلاّ مصداق واحد. ونظير لفظ «الله» بناءً على أنه موضوع لمفهوم المعبود بالحق وليس علماً للذات المقدسة ، ولكنّ المصداق واحد.

قاله المحقق الخراساني في (الكفاية).

فقال الاستاذ :

إنّه واضح الضعف ، أمّا أوّلاً : فلأن لفظ «الواجب» معناه الثابت ، وهو مطلق ، وقد اضيف إلى «الوجود» في «واجب الوجود» فكان معناه : الوجود المستغني عن الغير ، فليس لهيئة الإضافة هذه وضع على حده ، للدلالة على المعنى المذكور ، ولفظ «الله» لا يتأتّى فيه بحث المشتق ، وكأنه اختلط عليه هذا اللّفظ بلفظ «الإله» ويشهد بذلك التدبّر في كلمة «لا إله إلاّ الله».

وأمّا ثانياً : فإن الغرض من الوضع هو التفهيم ، فلو سلّمنا أن للفظ «واجب الوجود» وضعاً على حدة ، غير وضع لفظة «الواجب» ولفظة «الوجود» ، كان جائزاً تعلّقُ غرض الواضع لأن يفهم بهذا اللّفظ ـ وكذا لفظ «الجلالة» ـ مفهوماً عامّاً ، وإنْ ثبت بالبرهان العقلي أنْ لا مصداق له إلاّ الذات المقدّسة ، ولكنّ وضع «مفعل» للزمان الأعم الجامع بين المتلبّس وما انقضى عنه التلبّس لغو محض ، ولا يترتب عليه أيّ أثرٍ عقلائي.

فهذا الوجه لا يرجع إلى محصَّل.

الوجه الثاني

إنه كما أن «الشهر» و «السنة» وكذا «السبت» و «الأحد» ونحوها

٣٥٥

موضوعات لمعاني كليّة ، فللشهر مصاديق ، وللسبت مصاديق ... وهكذا ، والمصاديق هي التي تتعدّد ، أمّا الأسماء هذه فهي موضوعة للمعاني الكليّة لا لهذه المصاديق ، كذلك الحال في أسماء الزمان ، فهي موضوعة للمعاني الكليّة الباقية مع زوال الأفراد ، فإن «مقتل الحسين عليه‌السلام» اسم لليوم العاشر من المحرم ، وعاشر محرَّم غير موضوع لخصوص اليوم الذي وقعت فيه الواقعة ، أي اليوم المتلبِّس بالقتل ، بل هو موضوعٌ لمفهوم باق بعد انقضاء التلبّس.

قاله المحقق النائيني.

فقال شيخنا دام ظلّه :

أوّلاً : إن قياس ما نحن فيه بأسماء كليّات قطعات الزمان ، قياس مع الفارق ، فمن الواضح أنّ الشهر أو السبت ليس اسماً لهذا الشهر أو ذاك ، أو لهذا السبت أو ذاك ، بل اسم للكلّي وللطبيعي ، كما هو الحال في وضع «الإنسان» الصادق على «زيد» و «عمرو» وغيرهما ... وكذلك عاشر المحرَّم ...

لكنّ «مقتل الحسين» اسم للزمان الخاص الذي كان ظرفاً لذلك الوصف ، ولتلك الحصّة الخاصة من الزمان ، فليس «العاشر من المحرم» هو «مقتل الحسين».

وثانياً : إن الأوصاف التي هي المبادئ في اسم الزمان ، كالقتل في «المقتل» والبعث في «المبعث» والولادة في «المولد» وأمثال ذلك ، إنما يتحقّق في الأفراد والمصاديق ، وليس ظرفها هو الكلّي ، وإن كان وجوده بوجود الفرد ، وكذلك الأمر في «عاشر محرَّم» فالذي كان ظرفاً للحادثة هو

٣٥٦

العاشر من المحرم المتخصص بتلك الخصوصيّة ، وأمّا الكلّي بدون التخصّص فلا يعقل أنْ يكون ظرفاً لمكانٍ أو لزمان ، فالقتل قائم بهذه القطعة الخاصّة من الزمان ، لا كلّي العاشر من المحرَّم ، فإن كان الكلّي باقياً بعد زوال التخصّص لزم وجود الكلّي مع زوال الفرد ، وهذه مقالة الرجل الهمداني ، وإنْ كان موجوداً بوجود الفرد ، والفرد ظرفٌ للواقعة ، فلا محالة تزول الذات بزوال الخصوصيّة. فالوجه المذكور غير مفيد.

الوجه الثالث

إنّ الأزمنة والآنات وإنْ كانت وجوداتٍ متعدّدة متعاقبة متّحدة بالسنخ ، ولكنّه حيثما لا يتخلّل بينها سكون ، فالمجموع يعدّ عند العرف موجوداً واحداً مستمرّاً ، نظير الخطّ الطويل من نقطةٍ إلى نقطة معيّنة ، فبهذا الاعتبار يكون أمراً واحداً شخصيّاً مستمرّاً من أوّله إلى آخره ، فيصدق عليه كلّما شك فيه : إنه شك في بقاء ما علم بحدوثه ، فيشمله دليل حرمة النقض.

وحينئذٍ ، فبعين هذا الجواب نجيب عن إشكال المقام أيضاً ، حيث أمكن لنا تصوّر أمر قارٍ وحداني ، يتصوَّر فيه الانقضاء ، بمثل البيان المزبور ، وإنْ بلغ تلك الأفراد المتعاقبة ما بلغ ، إلى انقضاء الدهر.

فإنّ مناط الوحدانيّة حينئذٍ إنما هو بعدم تخلّل السكون ، فيما بين تلك الأفراد ، فما لم يتخلَّل عدمٌ بينها يكون المجموع موجوداً واحداً شخصيّاً مستمرّاً.

نعم ، ذلك إنما هو فيما إذا لم تكن تلك القطعات المتعاقبة من الزمان مأخوذةً موضوعاً للأثر في لسان الدليل ، معنونةً بعنوانٍ خاص ، كالسنة والشهر واليوم والساعة ، ونحوها ، وإلاّ فلا بدَّ من لحاظ جهة الوحدانيّة في خصوص

٣٥٧

ما عنون بعنوانٍ خاص من القطعات ، فيلاحظ جهة المقتليّة مثلاً في السنة أو الشهر أو اليوم أو الساعة ، بجعل مجموع الآنات التي فيما بين طلوع الشمس مثلاً وغروبها أمراً واحداً مستمراً ، فيضاف المقتليّة إلى اليوم والشهر والسنة.

فتدبّر.

قاله المحقق العراقي (١).

قال شيخنا دام ظلّه :

أوّلاً : كيف يعقل الوجودات في الزمان؟ إن القول بأن للزمان أجزاء ووجودات يستلزم القول بالآن في الخارج ، وبالجزء الذي لا يتجزّأ ، وبطلان الجوهر الفرد ، والجزء الذي لا يتجزأ ، ضروري عند أهله ، بل الزمان وجود واحد لكنّه متصرّم في ذاته.

وثانياً : إنّ الزمان وإنْ كان واحداً ، إلاّ أن هذه الوحدة لا تنفع في اسم الزمان ، لأنه لو كان الزمان باقياً كما قال ، إمّا عرفاً وامّا عقلاً ، لعدم تخلل العدم ، كان يومنا هذا مقتل الحسين ، مبعث الرسول ، لأن المفروض بقاء الذات وهو واحد شخصي ، فيلزم صدق هذه العناوين على كلّ يومٍ من الأيام ، وهو باطل ، لما تقدّم من أن «مقتل الحسين» ـ مثلاً ـ هو تلك الحصّة الخاصّة من الزمان ، فالزمان وإنْ كان واحداً مستمرّاً ، لكنْ ليس كلّ قطعةٍ منه يسمّى باسم مقتل الحسين ، ومن الواضح تصرّم تلك القطعة وزوال تلك الحصّة ، ولا أثر لوجود أصل الزمان.

وثالثاً : إن في كلامه تناقضاً ، فهو من جهةٍ يقول : الزمان وجودات وأفراد ، ومن جهةٍ اخرى يقول : هو واحد شخصي.

وتلخّص : إن هذا الجواب أيضاً غير مفيد.

__________________

(١) نهاية الأفكار ١ ـ ٢ : ١٢٩ ط جامعة المدرّسين.

٣٥٨

الوجه الرابع

إن هيئة «مفعل» موضوعة للجامع بين ظرف الزمان وظرف المكان ، فالمقتل وضع للجامع بين زمان القتل ومكان القتل ، وانحصار المفهوم العام بالمصداق الواحد لا ينافي الوضع لذلك المفهوم ولا يضرُّ بصحّته كما تقدَّم ، ومن الواضح أن اسم المكان ينقسم إلى المتلبّس وما انقضى عنه التلبّس ، وبذلك يتمّ دخول «مفعل» في محلّ البحث ومورد النزاع في بحث المشتق.

قاله المحقق الأصفهاني ، وتبعه السيد البروجردي ، وهو مختار (المحاضرات) (١).

قال الاستاذ دام ظلّه :

إن هذا الوجه يرفع الإشكال ثبوتاً ، لما تقدّم من أن هذا البحث هيوي لا مادّي ، فإذا كانت هيئة «مفعل» موضوعة لوعاء الفعل ، الأعمّ من الزمان والمكان ، لا لخصوص الزمان وللمكان المتلبس بالمبدإ والمنقضي عنه التلبّس ، وإنْ لم يكن للزمان ذلك ، صحَّ أن يجري النزاع في تلك الهيئة كسائر الهيئات المطروحة في البحث.

ردّ الايراد الثبوتي

وما قيل : من أنَّ مفهوم اسم الزمان ليس ظرفاً لوقوع الفعل ووعاءً له في الخارج ، بل الزمان أمر ينتزع أو يتولّد من تصرّم الطبيعة وتجدّدها ، كما حقّق في محلّه ، فقد أجاب عنه شيخنا دام بقاه فقال :

إنّ ما ذكره في حقيقة الزمان يبتني على قول أصحاب الحركة الجوهرية من أنه مقدار تجدّد طبيعة الفلك ، لكن دعوى تولّده بمعنى كون نسبة الحركة

__________________

(١) محاضرات في اصول الفقه ١ / ٢٤٥.

٣٥٩

إلى الزمان نسبة العلّة إلى المعلول ، باطلة قطعاً ، لعدم تولّد شيء في الخارج اسمه الزمان من الحركة والتجدّد. وأمّا دعوى كونه منتزعاً ـ والأمر الانتزاعي عبارة عن الحيثيّة الوجوديّة لما كان له مطابق في عالم الأين ، كالفوقيّة ، إذ أنها حيثيّة موجودة بوجود ذات ، وليس لها وجود في قبالها ، نعم هي مغايرة مفهوماً لذات الفوق كالسقف مثلاً ، وقد حقق المحقق الأصفهاني هذا المطلب في (رسالة الحق) (١) فيردّها :

إنه قد وقع الاتّفاق على أنّ الزمان مقدار الحركة القطعيّة ، وعلى أنه يقبل القسمة إلى أقسام كثيرة ، من السنة والشهر واليوم والساعة ، وأن لكلّ واحدٍ من الأقسام أقساماً ، فهذا من جهة ، ومن جهة اخرى ، فقد اتّفقوا على أنّ تجدّد الطبيعة أمر بسيط ، وانتزاع المركّب من البسيط محال.

هذا كلّه من الناحية العقليّة.

وأمّا من الناحية العرفيّة ، ومن المعلوم أن بحثنا عرفي لا فلسفي ، فإنّ أهل العرف يرون الزمان ظرفاً للزمانيّات ، وتشهد بذلك إطلاقاتهم في الكلمات الفصيحة ، حيث يجعلون الزمان ظرفاً للحادثة كما يجعلون المكان ظرف لها ، وقال ابن مالك في (ألفيّته) :

«الظّرف وقت أو مكان ...».

ثم إنّ مرادنا من «الذات» المأخوذة في المشتق هو الذات المبهمة من جميع الجهات إلاّ من حيثية انتساب المبدا إليها ، فعند ما نقول «المفتاح» فالذات المأخوذة فيه مبهمة من جميع الجهات إلاّ من جهة نسبة الفتح ، ولذا ينطبق هذا العنوان على تلك الآلة ، سواء كانت من حديدٍ أو خشب أو غيرها ،

__________________

(١) حاشية المكاسب ١ / ٢٦ ـ ٢٧.

٣٦٠