تحقيق الأصول - ج ١

السيّد علي الحسيني الميلاني

تحقيق الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-2501-93-9
ISBN الدورة:
964-2501-52-X

الصفحات: ٤١٦

واستدل الإمام عليه‌السلام لعدم صحّة طلاق العبد بقوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ) (١).

فظهر أنّ إشكال الشيخ غير وارد على إطلاقه ، ففي الكتاب آيات يمكن التمسّك بإطلاقها ، سواء في العبادات أو المعاملات ، وأنه لا وجه لتخصيص الإشكال بالعبادات.

على أنه ينقض عليه بكثرة تمسّكه بإطلاقات الكتاب في كتبه الفقهيّة ، فقد تمسّك في (كتاب الطهارة) (٢) في مسألة الوضوء الاضطراري بقوله تعالى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ) لإعادة الوضوء بعد رفع الاضطرار.

وتمسّك في (كتاب الصلاة) (٣) في مسألة تعذّر الإضطجاع على الطرف الأيمن وأنّه في هذه الحالة يضطجع على الطرف الأيسر أو يستلقي؟ تمسّك بقوله تعالى : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ) (٤).

وهكذا في غير هذه الموارد.

وتلخّص : إن في آيات الكتاب ما هو في مقام البيان.

وفي السنّة أيضاً كذلك ، فمن السنّة ما جاء في بدء البعثة ، فهذا القسم من التشريع ، أمّا ما صدر في أواخره ففي مقام البيان.

ومِمّا ذكرنا يظهر أنْ لا حاجة إلى ما ذكره المحقق الأصفهاني من كفاية ثبوت كون آيةٍ واحدةٍ في مقام البيان عند مجتهدٍ واحدٍ ، فإنّ هذا الكلام وإنْ كان صحيحاً ، لكن لا تصل النوبة إليه ، بعد وضوح كون آياتٍ في مقام البيان ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٢ / ٩٩ الباب ٤٣ من أبواب مقدمات الطلاق رقم ٢ والآية في سورة النحل : ٧٥.

(٢) كتاب الطهارة للشيخ الأعظم ٢ / ٢٩٣ ط مجمع الفكر الإسلامي.

(٣) كتاب الصلاة للشيخ الأعظم ١ / ٥٠٨ ط مجمع الفكر الإسلامي.

(٤) سورة آل عمران : ١٩١.

٢٨١

وأن الأئمة تمسّكوا بها ، وكذا الفقهاء من الشيخ الطوسي إلى الشيخ الأنصاري.

الوجه الثاني

إن الإطلاق والتقييد في العبادات إنما يلحظان بالنسبة إلى المأمور به ومتعلّق الأمر ، لا بالقياس إلى المسمّى ، ضرورة أن الإطلاق أو التقييد في كلام الشارع أو غيره إنّما يكون بالقياس إلى مراده وأنه مطلق أو مقيّد ، لا إلى ما هو أجنبي عنه ، وعلى هذا ، فلا فرق بين القولين ، فكما أن الصحيحي لا يمكنه التمسّك بالإطلاق فكذلك الأعمّي ، أمّا الصحيحي فلعدم إحرازه الصّدق على الفاقد لِما شُك في اعتباره جزءاً أو شرطاً ، لاحتمال دخله في المسمّى ، وأمّا الأعمّي فلأجل أنه يعلم بثبوت تقييد المسمّى بالصحة وأنها مأخوذة في متعلَّق الأمر ، فإن المأمور به حصّة خاصّة من المسمى ، وهي الحصّة الصحيحة ، ضرورة أن الشارع لا يأمر بالحصّة الفاسدة ولا بما هو الجامع بين الصحيح والفاسد ، وعليه ، فلا يمكن التمسّك بالإطلاق عند الشكّ في جزئيّة شيء أو شرطيّته ، للشك حينئذٍ في صدق المأمور به على الفاقد للشيء المشكوك فيه كما هو واضح ، فلا فرق بين أنْ تكون الصحّة مأخوذةً في المسمّى وأن تكون مأخوذةً في المأمور به ، فعلى كلا التقديرين لا يمكن التمسّك بالإطلاق ، غاية الأمر ، إن الشك في الصدق على الصحيح هو من جهة أخذ الصحّة في المسمّى ، وعلى الأعمّ هو من جهة العلم بتقييد المأمور به بالصحّة لا محالة.

وبعبارة موجزة : إنه بناءً على الأعم يمكن التمسّك بالإطلاق من حيث الوضع ، وأمّا من حيث الأمر فلا يمكن ، ويكون الكلام مجملاً.

الجواب

وفيه : إنه بناءً على الأعم ، يكون الموضوع له والمسمّى هو الجامع بين

٢٨٢

الصحيح والفاسد ، ومن الإطلاق وعدم التقييد لمتعلَّق الأمر بخصوص المشكوك فيه نستكشف أنّ ما تعلَّق به الطلب هو تمام المأمور به ، فنفس الإطلاق رافع للشك في دخل المشكوك فيه في متعلَّق الأمر ، ولو لم يرفع الإطلاق هذا الشك لكان الإشكال وارداً ، فالمسمّى والموضوع له ـ بناءً على الأعم ـ معلوم والمأمور به مجهول ، ومتى شكّ في اعتبار أمرٍ يتمسّك بإطلاق متعلَّق الطلب لإثبات عدم دخل المشكوك فيه في المأمور به ، ولازم هذا هو أنّ ما تعلَّق به الطلب تمام المأمور به ، ومن المعلوم حجيّة مثبتات الاصول اللفظيّة ... وإذا ثبت هذا كلّه بأصالة الإطلاق ، فإنه لا يعامل معاملة المجمل ، بخلاف القول بالصحيح ، فإنه بناءً عليه يكون الشك في ذلك موجباً للشك في تحقّق المسمّى ، ولا يوجد عندنا دليل يحدّد ما هو المسمّى ، ومع الشك في تحقّقه لا يمكن التمسّك بالإطلاق ، بخلاف القول بالأعم فإنه ممكن ، وبين الأمرين بون بعيد.

الوجه الثالث

إنه لا حاجة إلى التمسّك بالإطلاق على كلا القولين ، بعد أنْ كانت صحيحة حمّاد مبيّنةً لجميع ما يعتبر في الصلاة ، فكلّما شك في اعتبار شيء زائد تمسّكنا بها وزال الشك ، فلا ثمرة للبحث.

الجواب

واجيب : بأن الإطلاق في صحيحة حماد مقامي ، والبحث في الإطلاق اللّفظي.

وفيه : إنه مع فرض وجود الإطلاق المقامي ، لا حاجة إلى تحصيل الإطلاق اللفظي بهذا البحث ، إلاّ لأجل ضمّ دليلٍ إلى دليل.

٢٨٣

والحق في الجواب :

أوّلاً : إن الصحيحة مختصة بالصلاة ، وبحثنا عام.

وثانياً : لا ريب في اشتمال الصحيحة على مندوبات إلى جنب واجبات الصلاة ، فلو وقع الشك في وجوب شيء ممّا اشتملت عليه أو استحبابه ، لم يجز التمسّك بإطلاق الصحيحة لدفع وجوبه ، أمّا إذا تمّ بحث الصحيح والأعم تمسّكنا بالإطلاق اللّفظي وأسقطنا قسطاً ممّا اشتملت عليه عن الوجوب ، ومن هنا أمكن لنا رفع اليد عن وجوب الأذكار والأدعية التي أتى بها الإمام في الصحيحة ، وإلاّ فلو كنا نحن والصحيحة لقلنا بوجوبها كذلك.

وعلى الجملة ، إنه لو كنّا نحن والصحيحة لوجب القول بوجوب جميع ما جاء فيها ، لكنّ التمسّك بالإطلاق بناءً على الأعم هو طريق القول باستحباب الأدعية والأذكار وغيرها من المستحبات المشتمل عليها الصحيحة.

هل بحث الثمرة مسألة اصولية؟

لا يخفى أن الملاك في كون مسألةٍ اصوليّة أمران :

١ ـ وقوع نتيجتها في طريق الاستنباط ، بأنْ يكون الحكم الفقهي الكلّي نسبته إليها نسبة المستنبَط إلى المستنبط منه.

٢ ـ استنباط الحكم الشرعي من نتيجتها ، من دون حاجةٍ إلى مقدمة اخرى اصوليّة أو غير اصوليّة.

ومن هنا كان المشهور المعروف كون هذا البحث من مبادئ علم الاصول لا من مسائله ، لأنّ نتيجة البحث في الثمرة الاولى أنه على الصحيح تتحقّق صغرى قاعدة الاشتغال ، وعلى الأعم تتحقّق صغرى البراءة.

لكن هذه النتيجة لا تحصل إلاّ بعد تماميّة بحث الانحلال وعدمه ، في

٢٨٤

دوران الأمر بين الأقل والأكثر في متعلَّق التكليف.

وكذا الكلام في الثمرة الثانية ، فإنّها لا تترتّب إلاّ بعد ضمّ مقدّمة حجيّة أصالة الإطلاق التي هي مسألة اصوليّة.

إذن ، ليس البحث عن الثمرة بحثاً عن مسألة اصوليّة ، للاحتياج إلى ضمّ مقدمة اخرى ... نظير قولنا «فلان ثقة» فإنّه لا ثمرة له إلاّ بعد إثبات حجيّة خبر الثقة.

هذا وجه القول المشهور.

ولكنّ التحقيق : أنه إنْ كانت المقدمة الاخرى مسلَّمةً لا حاجة في إثباتها إلى تجشّم مئونة البحث والإثبات ، فتوقّفها عليها لا يخرجها عن كونها اصوليةً ، والثمرة الثانية من هذا القبيل بلا إشكال ، لأنه بحث عن احدى صغريات الظهور ، وحجيّة أصالة الظهور مسلَّمة عند جميع العقلاء من دون حاجةٍ إلى الإثبات ، فالمقام نظير البحث عن ظهور صيغة الأمر في الوجوب ، فإنها مسألة اصوليّة مع أن الحكم الشرعي لا يستفاد منها إلاّ بعد انضمام أن «الظاهر حجّة» إليها ، فكما أن هذه المسألة اصوليّة ، كذلك بحثنا عن الثمرة.

على أن غرض الاصولي هو الاقتدار على الاستنباط ، وكلّ مسألةٍ لم يبحث عنها في غير علم الاصول ، وتوقّف عليها الاستنباط ، فهي مسألة اصوليّة ، وما نحن فيه من هذا القبيل.

الموضوع له لفظ الصلاة

قد ذكر المحقق الخراساني أربعة أدلّة للوضع للصحيح هي : التبادر ، عدم صحّة السّلب ، والروايات مثل «الصوم جُنّة من النار» (١) ، وطريقة العقلاء

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٠ / ٣٩٥ ، الباب ١ من أبواب الصوم المندوب ، رقم : ١.

٢٨٥

في التسمية.

والتحقيق أن لا شيء منها بصحيح.

وعلى الجملة ، فإنّه لم يتم تصوير الجامع على القول بالصحيح.

والممكن ثبوتاً هو الوضع للأعم ، والدليل عليه في مقام الإثبات هو تبادر الجامع بين الصحيح والفاسد من لفظ «الصلاة» ، فقول الشيخ والميرزا لا يمكن المساعدة عليه ، وإلاّ لزم حمل جميع إطلاقات الكتاب والسنّة على المجاز.

فالتبادر دليل على الوضع للأعم عند المتشرّعة ، وعند الشارع ، فإنْ قوله عليه الصّلاة والسلام : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» (١) نفي للمعنى ادّعاءً عند العلماء وليس حقيقةً ، وهذا معناه كون لفظ الصّلاة صادقاً على الحصّة الفاسدة حقيقةً ، وإلاّ لما أمكن نفي كونها صلاةً ادّعاء.

فالموضوع له لفظ «الصّلاة» أعم من الصحيح والفاسد.

وكما لم يتم مختار الشيخ والميرزا ، كذلك لم يتم مختار المحقق القمي ومن تبعه من أنّ الموضوع له هو الأركان لا بشرط ...

وقد كان أسلم المباني مختار السيد البروجردي ...

لكن المهمّ هو الرجوع إلى اللّغة وإطلاقات الكتاب والسنّة كما أشرنا.

والمستفاد من كلمات اللّغويين أن «الصلاة» قد اطلقت بمعنيين ، أحدهما : الدعاء والآخر : التعظيم ، حتى قيل في : صليت الحديد بالنار ، انّ المعنى تليينه ، أي حصول اللينة والخشوع في الحديد.

لكن محلّ الكلام هو مادّة «ص ، ل ، و» لا مادّة «ص ، ل ، ي»

__________________

(١) غوالي اللآلي ١ / ١٩٦ ، رقم : ٢.

٢٨٦

فالصّلاة تارة بمعنى الدعاء ، واخرى بمعنى التعظيم. هذا لغةً.

وفي الشّرع يمكن أن يكون هو المعنى ، وأمّا الأجزاء ، فإنّما اعتبرها في متعلَّق الأمر ، وكذلك لفظ «الصّيام» و «الحج» وغيرهما ، لكنّ المشكلة في لفظ «الصّلاة» ما جاء في بعض الروايات من جعل «الدعاء» جزءاً من أجزائها ، فهذا يمنعنا من القول بأنّ الموضوع له شرعاً هو الدعاء أيضاً ، ولو لا ذلك ، فإن إطلاقات الكتاب أيضاً تناسب أن يكون المعنى هو التخشّع والدعاء كما في اللّغة ، وأنّ هذا اللّفظ في الأديان السابقة أيضاً كان بهذا المعنى.

وقد وقع البحث بين الفقهاء في حقيقة صلاة الميّت ، والذي يفيده النظر الدقيق في الأخبار أنها صلاة حقيقةً ، ومن المعلوم اشتمالها على الدعاء والتخشّع ، وعدم وجود الركوع والسجود فيها ، ففي الصحيحة : «إنها ليست بصلاةِ ركوعٍ وسجود» (١) فهي صلاةٌ لكن لا صلاة ركوع وسجود.

ومن هذه الأخبار أيضاً يظهر أن ذات الأركان قسمٌ من الصّلاة ، لا أن لفظ الصّلاة موضوع لها فقط ... نعم ، هي معتبرةٌ في متعلَّق الأمر.

ولو قيل : إنَّ صحيحة الحلبي : «الصلاة ثلاث أثلاث : ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود» (٢) ظاهرة في دخل الركوع والسجود في المسمّى الموضوع له لفظ الصّلاة.

قلنا : فقوله عليه‌السلام «ثلث طهور» مانعٌ من هذا الاستظهار ، للقطع بعدم كون الطّهور من أجزاء الصّلاة.

فحقيقة الصلاة ـ بالنظر إلى إطلاقات الكتاب والسنّة ـ هو التعظيم

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ / ٩٠ ط مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام ، الباب ٨ من أبواب صلاة الجنازة ، رقم : ١.

(٢) وسائل الشيعة ٦ / ٣١٠ ، الباب ٩ من أبواب الركوع والسجود ، رقم : ١.

٢٨٧

الجوارحي قولاً وفعلاً ، وحدّها صلاة الخوف.

ولا ينافي ذلك صدق عنوان الصلاة مع وجود ما يزيد على التعظيم والتخشّع ، فإنّ من الماهيّات ما هذا حاله ، كالعدد ، فإنّه يصدق على الواحد ، فإنْ زاد وصار اثنين صدق أيضاً بلا فرق ، وكذا «الجمع» ، فإنه مفهوم يصدق على المراتب المختلفة ... ولا يلزم المجاز.

وقد سمّيت صلاة الخوف باسم «الصلاة» في جميع الكتب الفقهيّة ، ولا يصح سلب عنوان «الصلاة» عنها ، ممّا يدل على كونه حقيقةً فيها.

٢٨٨

الكلام في ألفاظ المعاملات والتمسّك بالإطلاق فيها

وهو في مقامين

المقام الأول

هل يجري البحث المذكور في ألفاظ المعاملات كذلك؟

هل إن ألفاظ المعاملات موضوعة للأسباب أو للمسبّبات؟

في هذا المقام أقوال :

١ ـ قال المشهور : بأنّ نسبة لفظ «بعت» إنشاءً إلى المنشأ ، هي نسبة السبب إلى المسبّب ، يعني : إن صاحب الإنشاء يريد السبب ، ثم يترتب المسبّب على السبب ، فالإرادة غير متعلّقة إلاّ بالسبب ، وترتب المسبّب عليه ضروري كترتّب المسبّبات على الأسباب التكوينيّة.

ولا فرق في السببيّة بين قول بعت ، وبين المعاطاة.

٢ ـ وقال الميرزا النائيني : بأنّ النسبة هي نسبة الآلة إلى ذي الآلة ، لا السبب إلى المسبب ، لأن ما يتعلَّق به القصد أوّلاً وبالذات هو معنى التمليك والتملّك ، ويكون اللّفظ أو الفعل آلةً لتحقّقه وحصوله.

٣ ـ وقال السيد الخوئي : بأن النسبة هي نسبة المبرِز إلى المبرَز ، فالمعاني المقصودة في المعاملات اعتبارات مبرَزة ، ومن الاعتبار وإبرازه ينتزع عنوان المعاملة ، ففي البيع مثلاً يعتبر البائع ملكيّة المثمن للمشتري بإزاء الثمن

٢٨٩

المعيَّن ، ثم يبرز الاعتبار بلفظ «بعت» وهكذا.

هذا ، ولا يخفى أنّ صيغة البيع ـ مثلاً ـ ليست البيع ، وهي مركبةٌ من الإيجاب والقبول ، فالسبب أو الآلة أو المبرِز ـ على جميع المباني ـ مركّب ، لكنّ ما يحصل بالصّيغة ـ وهو المسبب ، أو ذو الآلة ، أو الاعتبار المبرز ـ أمر بسيط ، وهو البيع ، وكذا الطلاق ، والنكاح وغيرهما من عناوين المعاملات ، فإنها بسائط ، وأمر البسيط يدور بين الوجود والعدم.

ولا يخفى أيضاً : أن المراد من الصحيح هنا هو الأعم من التامّ الأجزاء والشرائط وممّا يترتّب عليه الأثر شرعاً ، فليس المراد منه خصوص التامّ الأجزاء والشرائط ، كما أنّ المراد من الفاسد هو الأعم ممّا ليس تامّاً من حيث الأجزاء والشرائط.

جريان البحث على جميع الأقوال

فنقول في القول الأوّل ، بأن المسبَّبات في العقود والإيقاعات من صيغها الخاصّة كالبيع والطلاق امور اعتباريّة ، وهذا الاعتبار لا يخلو ، إمّا أن يكون اعتبار نفس المنشئ للصّيغة ، أو يكون اعتبار العقلاء ، أو يكون اعتبار الشارع ، وهذه الاعتبارات قد تجتمع وقد لا تجتمع ، فلو باع ما لا ماليّة له عند العقلاء ، فقد تحقّق البيع في اعتباره ، دون اعتبار العقلاء والشارع ، ولو باع بيعاً ربويّاً تحقّق البيع في اعتباره واعتبار العقلاء دون الشارع ، وقد تجتمع الاعتبارات الثلاثة ، كما في المعاملة الجامعة للشرائط المؤثرة شرعاً.

فإن قلنا : بأن البيع اسم للمسبّب في اعتبار المنشئ فقط ، جرى فيه بحث الصحيح والأعم ، لما ذكرنا في معنى الصحّة والفساد ، إذ بناءً عليه يكون صحيحاً فيما لو رتّب العقلاء والشارع الأثر على اعتبار المنشئ ، ويكون فاسداً

٢٩٠

فيما إذا لم يرتّبوا الأثر.

وكذا إن قلنا : بأنه اسم للمسبّب في اعتبار العقلاء ، فإن ترتّب الأثر موقوف على اعتبار الشارع ، فيكون صحيحاً ، وإلاّ فهو فاسد.

فيكون المسبب ـ وهو البيع ـ إمّا باعتبار المنشئ وامّا باعتبار العقلاء ، وأمّا باعتبار الشارع فباطلٌ ، لأن الشارع شأنه شأن الإمضاء ، ولا تأسيس له في المعاملات.

لكنّ التحقيق أنه باعتبار المنشئ فقط ، لأنه فعله ، وهو البائع ، أو الموجر ، أو المطلِّق ... وهكذا.

وتلخّص : إن البحث على مبنى المشهور جارٍ في ألفاظ المعاملات.

وهو أيضاً جارٍ على القول الثاني ، وهو مبنى الميرزا ، لأن نسبة «بعت» إلى ما يتحقق به ـ وهو «البيع» ـ نسبة الآلة إلى ذي الآلة ، وعليه ، فالمتحقّق بتلك النسبة إمّا يكون في اعتبار المنشئ للصّيغة وامّا يكون في اعتبار العقلاء ، أمّا اعتبار الشارع فلا يوجد ، وكلّ منهما يتّصف بالصحّة والفساد.

وكذلك الحال على القول الثالث ، وهو مبنى السيد الخوئي ، فإنّه يتّصف بالصحّة والفساد أيضاً ، لأن ذلك الأمر يكون قائماً باعتبار المنشئ قطعاً ، لأن لفظ «بعت» يصير بناءً على ذلك مبرزاً لعمله النفساني ، وهو الذي يعتبر الزوجيّة بين هند وزيد ، ثم يبرز اعتباره بقوله : «زوّجت» ... وهكذا ، ثم هذا الاعتبار يكون نافذاً عند العقلاء تارةً واخرى غير نافذ ، فإن كان نافذاً عدّ صحيحاً عقلائيّاً ، ثم الشارع تارةً ينفّذه فيكون صحيحاً شرعيّاً ، وإلاّ ففاسداً.

فظهر : أنّ البحث يجري في ألفاظ المعاملات على جميع المباني.

٢٩١

المقام الثاني

في عدم جواز التمسّك بالإطلاق في ألفاظ المعاملات حتى على القول بالوضع للأعم.

وذلك ، لأن الإطلاقات لو كانت إمضاءً للأسباب ، أمكن التمسّك بها ، لأنّ الشارع لمّا أمضى سبب حصول الملكيّة أو الزوجيّة مثلاً ، ولم يقيّده بقيدٍ ، فمقتضى الإطلاق نفي القيد لو شكّ في اعتباره ، لكنّ الأدلّة ناظرة إلى إمضاء المسبّبات دون الأسباب.

إذن ، لا مجال للتمسّك بالإطلاق في ألفاظ المعاملات ، لكون الأدلّة ناظرة إلى إمضاء المسبّبات لا الأسباب. وتوضيح ذلك : إن الأدلّة لسانها لا يوافق إمضاء الأسباب ، فلا معنى لأن يقال في قوله تعالى (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) (١) بأنه أمر بالوفاء بصيغة «بعت» مثلاً ، بل الوفاء يناسب ما تحقّق بالصيغة وهو المسبب ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «النكاح سنّتي» ليس معناه إلاّ تلك العلقة الحاصلة بقوله : «أنكحت».

وإذا كانت الأدلّة ناظرة إلى المسبّبات ، فللمسبّبات وجودات مستقلّة عن الأسباب ، وأن إمضاء أحدهما لا يلازم إمضاء الآخر ، لجواز إنفاذ الشارع المسبّب دون السبب ، كأنْ يأمر بالقتل لكنْ لا بسبب المثلة مثلاً ، فالمسبب مطلوب لكنه لا يلازم مطلوبيّة كلّ سبب ، وإذ لا ملازمة ، فاللاّزم هو الأخذ بالقدر المتيقّن.

وتلخّص : عدم ترتّب الثمرة على البحث.

وقد ذكر الميرزا : بأنّ الثمرة تترتب بإمكان التمسّك بالإطلاق ، بناءً على

__________________

(١) سورة المائدة : ١.

٢٩٢

مسلكه من كون النسبة نسبة الآلة إلى ذي الآلة ، بدعوى أن الآلة وذا الآلة موجودان بوجودٍ واحد ، فيكون الإمضاء لذي الآلة إمضاءً للآلة.

وفيه : إن الاتّحاد إمّا تكويني وامّا اعتباري ، أمّا الأول فمحال هنا ، لأن الآلة في البيع هي الصيغة ، وهي أمر تكويني ، لكونها من مقولة الكيف ، وإنْ كان بالمعاطاة ففعل تكويني ، أمّا البيع فأمر اعتباري ، والاتحاد بين الأمر التكويني والأمر الاعتباري محال. وأمّا الثّاني فأمر ممكن ، كاتّحاد التعظيم مع الانحناء أو القيام ، إذ يتحققان بوجودٍ واحد ، فالاتّحاد الاعتباري بين الآلة وذي الآلة ثبوتاً لا إشكال فيه ، إلاّ أن مقام الإثبات لا يساعده ، إذ لا يرى أحدٌ الاتحاد بين «بعت» و «البيع» ولا يعتبرون «أنكحت» زوجيّةً ...

بل إن الاتّحاد بين الآلة وذي الآلة في التكوينيات أيضاً غير ممكن ، فالآلة هي «المفتاح» وذو الآلة «الفتح» ، وأين الاتحاد بين الفتح والمفتاح؟

وكذا الحال بين المنشار والنشر ... وهكذا.

وتلخّص : إن مشكلة التمسّك بالإطلاق لم تنحل بمبنى الميرزا.

فلنرجع إلى أصل البحث على جميع المباني ، فنقول :

لقد ذهب صاحب (الكفاية) إلى أنّ ألفاظ المعاملات إن كانت موضوعة للمسبّبات ، فلا مجال لبحث الصحيح والأعم فيها ، وإن كانت موضوعة للأسباب فله مجال ، وقد تبع المحقق صاحب (الحاشية) في أن ألفاظ المعاملات موضوعة للأسباب المؤثرة واقعاً ، فههنا بحثان.

البحث الأوّل

هل يوجد في المعاملات سبب واقعي مؤثّر في الملكيّة؟

إنه إن كان يوجد ، فإنّ الاختلاف بين العقلاء والشارع يكون في التطبيق

٢٩٣

على المصاديق فقط ، فهل يوجد ، أو أنه ليس إلاّ الاعتبار العرفي؟

قال صاحب (الحاشية) بالأوّل وتبعه صاحب (الكفاية).

وعلى هذا المبنى لا يمكن التمسّك بالإطلاق اللّفظي ، لأنه في كلّ موردٍ يشكّ في دخل شيء في التأثير فلا بدَّ من الاحتياط ... إلاّ أن المحقق المذكور يرى جواز التمسّك بالإطلاق المقامي ، من جهة أن الشارع لمّا قال (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (١) فهو في مقام البيان للسبب المؤثّر ، فلو أنه لا يمضي ما هو المؤثر عند العرف لزم عليه بيان تخطئته للعرف والتصريح بذلك ، وإذ لا بيان ، فهو موافق لهم في التطبيق.

قال شيخنا الاستاذ :

وفيه : إن أصل المبنى غير صحيح ، لأن سببيّة إنشاء البيع ليست من الامور الواقعيّة التكوينيّة ، بل هي اعتباريّة ، ولا معنى للتخطئة والتصويب في الامور الاعتباريّة.

البحث الثاني

إنه بعد التنزّل عن الإشكال في المبنى ، فهل يمكن التمسّك بالإطلاق أو لا؟

والحق : تماميّة التمسّك بالإطلاق بالبيان المتقدّم ، فإن برهان حفظ الغرض يثبت أن الشارع أمضى طريقة أهل العرف في التطبيق.

هذا على مبنى صاحب (الكفاية).

وأمّا على مبنى المشهور ، فنقول بعد الفراغ عن كون المولى في مقام البيان :

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٧٥.

٢٩٤

إنه وإنْ كان لفظ «البيع» موضوعاً للمسبب ، أي للحاصل من الصيغة ، لكنّ كلّ مسبّب قابل للانقسام من ناحية السبب ، فمع الشك في اعتبار العربيّة ـ مثلاً في السبب ، يكون للمسبب فردان ، واللّفظ موضوع للجامع بينهما ، فالبيع الحاصل من اللّفظ الفارسي قسم من البيع ، وإذا احرز صدق لفظ البيع عليه وكان سائر مقدمات الحكمة محرزاً متوفّراً ، فلا محالة يتمّ الإطلاق ، ويندفع الشك في اعتبار العربيّة.

وعلى الجملة ، فإن الإمضاء وإن كان متوجّهاً إلى المسبّب ، لكن المسبّب أصبح ذا حصص بتبع الأسباب ، ومع توفّر المقدّمات يتم الإطلاق.

وأمّا على مبنى الميرزا ، بعد الفراغ عن التغاير وجوداً بين الآلة وذي الآلة ، فإن نفس الكلام المتقدّم في المسبب آتٍ ، فقد يشك في أن المقصود هو الفتح بهذا المفتاح الخاص أو لا؟ فذو الآلة ينقسم ويتعدّد بتعدّد الآلة ، نعم ، الفرق بين المسلكين هنا هو : إنه لو كان المسمّى هو السبب ، فإن الإطلاق يرفع الشك بالمطابقة فيه رأساً ، أمّا لو كان هو المسبب أو ذو الآلة ، فإنّ الإطلاق يزيل الشك ـ من حيث اعتبار العربيّة مثلاً ـ بالالتزام.

وأمّا على مبنى الاعتبار والإبراز ، فقد ذُكر أنّ البيع مركَّب من الاعتبار والإبراز ، والشارع قد أمضى ذلك ولم يقيّده بقيدٍ ، والمفروض صدقه على الفارسي كالعربي ، والمفروض أيضاً كون الشارع في مقام البيان ، فلا إشكال في الإطلاق.

قال شيخنا :

لا إشكال في الإطلاق كما ذكر.

إلاّ أن الإشكال في أصل المبنى ، إذ المعاملات كلّها إنشائيّات ، فالبيع

٢٩٥

أمر يتحقق بالإنشاء ، فلو كان الإنشاء ـ أي الصيغة ـ جزء للبيع ، كيف يعقل إنشاء البيع ـ المركّب من الاعتبار والصيغة ـ بالصيغة؟

وقد كان هذا إشكال الشيخ على المحقق الكركي في تعريف البيع.

وعلى الجملة ، فإنه مع غض النظر عمّا في المبنى ، فالإطلاق تام.

وتلخّص : تماميّة الإطلاق على جميع المباني ، وهذا ما استقر عليه رأي الاستاذ في الدورة اللاّحقة.

بقي الكلام في تفصيل المحقق الأصفهاني.

قال رحمه‌الله في (حاشية المكاسب) ، في التمسّك بالإطلاق اللفظي في أسماء المعاملات ، بناءً على كونها أسماء للمسبّبات (١) ، ما حاصله :

إن الأدلّة الشرعيّة في أبواب المعاملات على قسمين ، قسمٌ منها : ما جاء بلسان الإمضاء ، وقسم منها : ما جاء بلسان ترتّب الأثر وضعاً أو تكليفاً ، فيدلّ على الإمضاء بالدلالة الالتزامية.

فما كان من القسم الأول فالتمسّك بإطلاقه ممكن ، وما كان من القسم الثاني فلا ، بل يتمسّك فيه بالإطلاق المقامي ، ومقتضاه نفوذ جميع الأسباب وتأثيرها.

توضيح ذلك : إن من الأدلّة ما لسانه لسان الإمضاء ، كقوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) وذلك ، لأن المراد من «البيع» فيه هو البيع العرفي ، إذ لا معنى لأن يقال أحلّ الله البيع الشرعي ، لأنّ ما كان حلالاً فلا يقبل الحليّة ، فالآية إنما جاءت إمضاءً لِما هو عند العرف.

لكنّ نفس هذا العنوان ، وإنْ كان مسبّباً ، إلاّ أنّه بإضافته إلى الأسباب

__________________

(١) حاشية المكاسب ١ / ١٨٢ الطبعة المحقّقة الحديثة.

٢٩٦

يتحصّص ، فالبيع الحاصل بسبب المعاطاة حصّة من البيع ، والحاصل من الصّيغة حصّة اخرى ، فهو عنوان جامع.

فلمّا جاء دليل الإمضاء على المسبّب ، كان مقتضى الإطلاق فيه إمضاء المسبب بجميع حصصه ، وإلاّ لقيَّد الدليل بكونه عن الصيغة مثلاً ، ... فالتمسّك في هذا القسم بلا إشكال.

وهذا الذي ذكره في هذا القسم موجود عند المحقق العراقي وغيره.

وأمّا ما ذكره في القسم الثاني فلم يقله غيره ، وهو ما إذا كان الدليل لسانه لسان ترتيب الأثر تكليفاً أو وضعاً ، كما لو قال : إذا بعت وجب عليك الوفاء بالعقد وتسليم المبيع ـ ولا يخفى أن مقتضى مناسبة الحكم والموضوع أن يكون موضوع الأثر هو البيع الشرعي ، لأن الشارع لا يرتّبه على البيع أو النكاح أو ... غير الشرعي ـ فإنه مع الشك في دخل شيء في ترتّب الأثر لا مجال للتمسّك بالإطلاق اللّفظي ، بل تصل النوبة إلى الإطلاق المقامي ، بتقريب : أن الشارع حكم بترتيب الأثر على البيع ، وقد علم أنه البيع الشرعي ، لكنّه لم يبيّن البيع الشرعي ولم يعرّفه مع كونه في مقام البيان وتعريف الموضوع المترتب عليه الحكم ، فيظهر أنّ جميع حصص البيع عنده موضوع لترتّب الأثر الشرعي ، وكلّها ممضاة عنده.

هذا كلامه قدس‌سره.

وقد تنظّر فيه شيخنا الاستاذ فقال : بأنّ دليله على سقوط الإطلاق اللّفظي في القسم الثاني ليس إلاّ قوله : إن اللّسان إذا كان لسان ترتيب الأثر فما يترتّب عليه الأثر هو البيع الشرعي ، وهو دليل صحيح بحسب لبّ الواقع ، لأنّ ما لم يكن مورداً للإمضاء الشرعي فلا يترتب عليه الأثر ، لكنّ البحث إنما هو

٢٩٧

بحسب ظاهر لسان الدليل ، فهل يوجد تقييد بالشرعيّة فيه؟

إنه لو كان التّضييق الواقعي موجباً لتضييق موضوع القضيّة الشرعيّة ، بأنْ يكون قوله: «إذا بعت متاعك وجب عليك تسليمه» راجعاً إلى : إذا بعت متاعك بيعاً شرعيّاً وجب عليك تسليمه ، كان لما ذكره مجال ، وإلاّ كان الموضوع في هذه القضية كما هو في (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) .

والتحقيق هو عدم التضيّق ، لأن «البيع» في هذه القضيّة هو البيع عند العرف ، وقد دلّ قوله : «يجب التسليم» بالدلالة المطابقيّة على ترتيب الأثر عليه ، وبالالتزاميّة على الإمضاء ، فالإمضاء ليس في مرتبة الموضوع بل هو لازم المحمول ، وحينئذٍ يكون هذا اللاّزم مقيّداً للموضوع بحسب الواقع ، أمّا بحسب الدليل فلا.

ولمزيد التوضيح قال دام بقاه : إن الشارع لمّا قال (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) لم يرد مطلق «البيع» الصحيح منه والفاسد بحسب الواقع ، بل يريد الصحيح فقط ، لكن التقيّد الواقعي غير مقيّد للموضوع في ظاهر كلامه ، لأن هذا التقيّد إنما جاء من جهة «أحلَّ» وكذلك الحال في قوله : إذا بعتَ وجب عليك التسليم ، حيث اللّسان لسان ترتيب الأثر ، فإن المراد هو البيع الصحيح الشرعي دون غيره ، لكن هذا التقيّد إنما جاء من ناحية «يجب» وهذا التقيّد الآتي من ناحية المحمول لا يقيّد الموضوع ، سواء في هذه القضيّة أو تلك ، لأن مدلول الموضوع بما هو موضوع مقدَّم رتبةً ، ومدلول المحمول بما هو محمول في رتبةٍ متأخّرة ، بلا فرقٍ بين القسمين. فالتفصيل غير صحيح.

بل المراد من «البيع» في القسمين هو البيع العرفي.

هذا كلّه حلاًّ.

٢٩٨

ويرد عليه النقض بألفاظ العبادات ، فإن الموضوع في «صلّ» هو الصلاة ، لكن وجوبها يقيّدها بالصلاة الصحيحة ، لعدم توجّه الوجوب إلى الحصّة الفاسدة أو الجامع بين الفاسدة والصحيحة ، فمع الشك يلزم سقوط الإطلاق اللّفظي.

ثم على فرض التنزّل عن الإشكال المذكور ، نقول : هل يمكن التمسّك بالإطلاق المقامي في القسم الثاني بعد سقوط الإطلاق اللّفظي.

إن مناط الإطلاق المقامي ـ كما سبق كون المولى في مقام البيان وعدم نصبه القرينة على إرادة حصّةٍ معيّنة ، فلو لم يؤخذ بإطلاق كلامه لزمت اللّغوية.

لكنّ هذا موقوف على عدم وجود القدر المتيقّن ، وفي المعاملات يوجد القدر المتيقَّن ، وهو كون البيع بالعربيّة ، وعليه يحمل إطلاق : «إذا بعت وجب عليك التسليم» ، وعلى الجملة : فإن مناط الإطلاق المقامي لزوم اللّغويّة ، لكنّها غير لازمة مع وجود القدر المتيقن والأخذ به.

وقوله رحمه‌الله بأنّ الإمضاء لازم ترتيب الأثر.

فيه : إن اللاّزم متأخّر عن الملزوم ، وترتيب الحكم متأخّر عن الموضوع ومتعلَّق الحكم ، وما كان متأخراً عن الشيء بمرتبتين يستحيل أخذه في المقدَّم عليه بمرتبتين.

هذا ، والتحقيق : أن المراد من «البيع» في لسان الأدلّة هو البيع العرفي ، والموضوع له هذا العنوان هو الجامع بين الصحيح والفاسد ، بمناط صحّة تقسيمه إليهما ، وعليه ، فالتمسّك بالإطلاق اللّفظي ـ في موارد الشك في دخل شيء في صحّة البيع شرعاً ـ صحيح ، بالنظر إلى ما أوردناه على كلام هذا المحقّق.

٢٩٩
٣٠٠