تحقيق الأصول - ج ١

السيّد علي الحسيني الميلاني

تحقيق الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-2501-93-9
ISBN الدورة:
964-2501-52-X

الصفحات: ٤١٦

التشكيك ، وهو ـ أي الوجود ـ لا ربط له بالوجود الذي في العبادات الأخرى ، فإنّ المسمّى للفظ الحج مثلاً وإنْ كان هو الوجود كذلك ، إلاّ أنه وجود يتخصّص بالطواف والسّعي وغيرهما من أعمال الحج.

وتلخّص : إن الجامع بين الأفراد الصحيحة من الصلاة مثلاً هو الوجود الساري الموجود فيها ، فإنّه يجمع بينها بعد إلغاء الخصوصيّات ، وهذا الوجود هو مسمّى لفظ الصلاة ، وهذا اللّفظ يصدق على جميع الأفراد العرضيّة والطوليّة ، من صلاة الغريق إلى الصلاة الجامعة لجميع الأجزاء والشرائط ، فيكون الوجود مأخوذاً بالنسبة إلى الأقل من الأجزاء بشرط شيء وبالنسبة إلى الأكثر لا بشرط ، نظير «الكلمة» في علم النحو ، فإنّ المسمّى لهذه اللفظة يتحقق بالحرف الواحد ، ولكنّه بالنسبة إلى الأكثر لا بشرط. وكذا لفظ «الجمع» فإنّ أقلّه الثلاثة ، فهو مشروط بذلك ، إلاّ أنه بالنسبة إلى الأكثر لا بشرط.

فالمسمّى الموضوع له لفظ «الصلاة» هو الوجود المنطبق على جميع الأفراد ، والأفراد محقّقة للمأمور به ، بحسب اختلاف حالات المكلّفين.

فالجامع بسيط وليس بمركّب ، ولا مشكلة من ناحية الاتّحاد مع الأفراد ، فإنّه يتّحد مع مختلف الأفراد والحالات ...

هذا تقريب تصوير المحقّق العراقي وإنْ استدعى بعض التكرار لمزيد التوضيح.

اورد عليه :

أوّلاً : بعدم عرفيّة هذا الجامع.

وفيه :

إن الموضوع له اللّفظ هو الوجود الجامع بنحو الوجود الساري ،

٢٤١

والوجود أمر يعرفه أهل العرف ويفهمه ، فهم كما يعرفون الركوع والسجود و... ويفهمونها ، كذلك وجود هذه الأشياء واضح عندهم بل أوضح وأبين.

وثانياً : بأن الألفاظ إنما توضع على ما هو قابلٌ للوجود ، وحقيقة الوجود ليست من الامور القابلة للوجود.

توضيحه : إنّ الحكمة من الوضع هو الانتقال ، والانتقال هو وجود الشيء في الادراك ، وليس للموجود وجود في الإدراك ـ لأن الوجود إما ذهني وامّا خارجي ، فالخارجي لا يأتي إلى الذهن ، لأن المقابل لا يقبل المقابل ، والذهني لا يأتي كذلك ، لأن المماثل لا يقبل المماثل ـ وعليه ، فليس لحقيقة الوجود لفظ موضوع له.

إذن .. لا يمكن أنْ يكون اللّفظ موضوعاً لواقع الوجود.

وفيه :

إنّ الموضوع له اللّفظ هو واقع الوجود وحقيقته ، وليس الماهيّة ، وإلاّ لزم أن لا يكون لفظ يعبّر عن الباري تعالى ، لأنّه لا ماهية له. هذا أولاً.

وثانياً : إنه لو كان حكمة الوضع هو القابليّة للانتقال بالكنه ، فللإشكال وجه ، لكنّ المراد هو القابليّة بالوجه ، وهذا بالوجود حاصل ، ففي الوجود يمكن الانتقال بالوجه ، ولذا كان معرفة الشيء بوجهه معرفة بوجهٍ.

فما أورده المحقق الأصفهاني وتبعه في (المحاضرات) غير وارد.

وأورد شيخنا بما يلي :

أولاً :

إن هذا ينافي مختار المحقق العراقي في حقيقة الوضع ، فقد قال هناك بأن الوضع عبارة عن ملازمةٍ بين طبيعي اللّفظ والمعنى ، أو اختصاصٍ بين

٢٤٢

الطبيعتين ، فليس اختصاصاً وملازمةً بين الوجودين.

وثانياً :

إن الذي يلغي الخصوصيّات هو الذهن ، فهو موطن إلغائها وليس الخارج ، فالوجود الساري إنما يكون في الذهن ، فهو وجود عنواني لا خارجي ، فهو رحمه‌الله قد فرّ من الوجود العنواني وكرّ عليه.

وثالثاً :

إن امتياز صلاة الصبح عن صلاة المغرب ـ مثلاً ـ هو بكون الاولى مقيَّدةً بعدم الثالثة ، فهي بالنسبة إليها بشرط لا ، والثانية ـ أي المغرب ـ مقيَّدة بوجود الثالثة ، فهي بالنسبة إليها بشرط شيء ، فهنا وجود وهناك عدم ، والجامع بين الوجود والعدم غير معقول.

فإنْ أراد من الجامع : الجامع اللاّبشرط المقسمي ، فهذا جامع ماهوي وليس بوجودي.

ورابعاً :

إن الصحّة متقوّمة بأخذ الخصوصيّة ، فكيف يكون الجامع ـ المفروض كونه الموضوع له الصحيح ـ لا بشرط بالنسبة إلى الزيادة المحتمل دخلها في الصحة؟

هذا كلّه في مرحلة الثبوت.

وأورد عليه شيخنا : بأن هذا التصوير لا يتناسب ومرحلة الإثبات ، فإن ما ذهب إليه من القول بأنّ الخصوصيّات من الركوع والسجود وغيرها لا دخل لها في المسمّى ، وإنما هي مشخّصات فرديّة ، تخالفه النصوص الكثيرة الصريحة في : أن الصلاة افتتاحها ـ أو تحريمها ـ التكبير وتحليلها التسليم ،

٢٤٣

لأنّ لسانها كون هذه الأمور مقوّمة لحقيقة الصّلاة.

٣ ـ تصوير المحقق الأصفهاني

وذهب المحقق الأصفهاني إلى أنّ الموضوع له لفظ الصّلاة ـ بناءً على الصحيح ـ هو الجامع التركيبي الذاتي المبهم.

والتركيبي ما له جزء ، ويقابله البسيط ، وهو تارةً : يكون جزءاه موجودين بوجود واحدٍ ، كالإنسان المركّب من الحيوان والناطق ، وهما موجودان بوجودٍ واحد ، واخرى : يكونان موجودين بوجودين ، أو تكون أجزاء موجودة بوجودات وبينها وحدة اعتبارية ، وما نحن فيه من هذا القسم.

فالموضوع له «الصلاة» مركّب من الأجزاء ، وهي عبارة عن التكبيرة والركوع والسجود ... فهو جامع تركيبي وهو ذاتي ، وليس بعرضي ، كما عليه صاحب (الدرر) وغيره ، وهو أيضاً مبهم ، بمعنى أنّ لكلّ جزءٍ من أجزائه عرضاً عريضاً ، فالركوع مثلاً يعمّ ركوع المختار إلى إيماء المحتضر ، والقراءة تشمل القراءة التامّة الكاملة ... وما يقوم مقامها ، حتى الإخطار الحاصل في القلب بدلاً عنها ... وهكذا.

وذكر لمزيدٍ من التوضيح لمعنى الإبهام : أن الإبهام في الوجود يختلف عن الإبهام في الماهيّة ، فهما فيه متعاكسان ، ففي الوجود كلّما ازدادت الشدّة نقصت السّعة والشمول والإطلاق ، فكلّما قوي الوجود كان الشمول أقل ، فالإنسان مثلاً وجوده أشدّ من وجود الحيوان ، لكنه لا يصدق على الحيوان والنبات والجماد ، بخلاف الماهيّة فإنها بالعكس ، فكلّما ضعفت زادت سعتها ، فالجنس ـ كالحيوان أضعف من النوع ـ كالإنسان ـ ، لوجود التعقّل في الإنسان دونه ، إلاّ أنّ سعة الحيوان أكثر.

٢٤٤

وعلى هذا ، فإن الماهيّة تصلح لشمول جميع الأفراد على الرغم من الاختلاف الكثير فيها كمّاً وكيفاً.

قالوا : والإبهام في الماهيّة يكون بالخصوصيّات الخارجة عنها ، فحقيقة الحيوان ـ مثلاً ـ معلومة ، لكن الإبهام يقع من جهة العوارض ، وكذا الإنسان فإنه الحيوان الناطق ، إلاّ أن الإبهام يكون من حيث الكمّ والكيف والعوارض ، وكلّما كان الإبهام في الماهيّة أكثر كان الصدق أوسع.

إلاّ أن المحقق الأصفهاني ذكر عن بعض الأكابر ـ صدر المتألّهين ـ الإبهام والتشكيك في نفس الذات ، كأن تكون الشدة والضعف داخلةً في ذات ماهيّة البياض ، لا أن تكون من عوارضها.

قال : فهذا هو الجامع الموضوع له اللّفظ ، وإنْ لم يمكن لنا التعبير عنه إلاّ بخواصّه ، كما لو جعل لفظ «الخمر» لتلك الذات المبهمة من حيث الإسكار واللون ومنشأ الاتخاذ ، إلاّ أن تلك الذات مسمّاة بهذا الاسم.

فهو جامع مركّب لا بسيط ، خلافاً لصاحب (الكفاية) والمحقّق العراقي.

وهو جامع ذاتي وفاقاً لصاحب (الكفاية) وخلافاً لغيره.

قال شيخنا :

فما أورد عليه من أنه غير عرفي ، في غير محلّه ، فإنّ الموضوع له لفظ «الركوع» نفس هذا المعنى الذي يفهمه العرف ، غير أنه مبهمٌ بالمعنى المذكور ليشمل جميع الأفراد.

وكذا الإيراد بأنه ليس بجامعٍ على الصحيح ، لأن الصّحيح ما هو الجامع لجميع الأجزاء والشرائط المعتبرة ، وما ذكره غير منطبق عليه ، نعم ، هذه

٢٤٥

الصّلاة على اختلاف مراتبها صالحة للنهي عن الفحشاء ، فالجامع لم يكن على الصحيح.

وفيه : إن المحقق الأصفهاني يقول بأن مفاد الأدلّة كون الصلاة مقتضيةً للنهي عن الفحشاء لا أنها تنهى عنه بالفعل ، فيكون الموضوع له هو الناهي عن الفحشاء الاقتضائي لا الفعلي ، وهذا ينطبق على كلا القولين ، الصحيحي والأعمّى.

وكذا الإيراد باستلزام ما ذكره للفرد المردّد ، وهو باطل.

ففيه : إنه يقول بأن المردّد لا ماهيّة له ولا هويّة ، لكنّ الإبهام في الماهيّة غير الإبهام في الفرد ، نعم لو كان الإبهام في الماهيّة ملازماً للإبهام في الوجود فالإشكال وارد ، لكن لا ملازمة ، فالركوع عبارة عن ذاتٍ لها مراتب ، فإذا وجدت تعيّنت بمرتبةٍ منها ، فتوجد بركوع المختار أو بركوع المضطر ، وهكذا ... ومثله النور واللّون ...

الحق في الإشكال

بل الإشكال الوارد هو : إن التشكيك في الماهيّة عبارة عن الاختلاف في المرتبة ، كالشدّة والضّعف ، وخصوصيّة الشدّة ـ مثلاً ـ لا تخلو إما أن تكون داخلةً في الماهيّة أو خارجة عنها.

فعلى الأوّل : يكون البياض هو الشديد منه فقط ، ولا يصدق هذا الاسم على البياض الضعيف ، ويكون ركوع المختار هو الركوع ، وذات هذه الركوع غير ذات الركوع من المضطر ، لعدم وجود ذاتٍ واحدةٍ تنطبق على درجتين.

وعلى الثاني : تكون الخصوصيّة خارجةً عن الذّات ، فالماهيّة متعيّنة ولا إبهام فيها.

٢٤٦

فما ذكره من أنّ الماهيّة كلّما ضعفت كانت أشمل وأعم [وإنْ كان صحيحاً ، لكون الجنس لا متحصّل ، والنوع متحصّل ، كالإنسان المتحصّل بالناطقيّة فلا يتحصّل بشيء آخر] إلاّ أنها في أيّ مرتبةٍ كانت غير مبهمة في الذات ، فنفس «الإنسان» لا إبهام فيه ، فهو الحيوان الناطق ، والحيوان وإن كان مبهماً من حيث البقرية والإنسانية ، إلاّ أنه في حدّ نفسه غير مبهم.

والموضوع له لفظ «الصلاة» إن لم يكن له ذات فلا كلام ، وإن كان للصلاة ذات وهي مركّبة كما قال ، فلكلّ جزء منه ذات ، ولا إبهام في حدّ الذات ، فانهدم أساس التصوير.

بقي الكلام في رأي الشيخ والميرزا

قد فرغنا من ذكر تصويرات المحققين الخراساني والعراقي والأصفهاني بناءً على الوضع للصحيح.

أمّا المحقق النائيني فلم يتصوَّر الجامع ، لا بناءً على الصحيح ولا بناءً على الأعم.

أما على الصحيح ، فلأن مراتب الصحّة متعدّدة ، فأقلّ مراتب الصّلاة الصّحيحة صلاة الغريق ، وأعلى مراتبها صلاة الحاضر القادر المختار ، وبينهما وسائط كثيرة ، وتصوير الجامع الحقيقي الذي يتعلَّق به الأمر ويجمع تمام المراتب صعب. وأمّا على الأعم فأصعب ، فإنّ كلّ صلاة فرضت إذا بدّل بعض أجزائها إلى غيرها بقي الصّدق على حاله.

قال : ويمكن دفع الإشكال عن كلا القولين بالالتزام بأن الموضوع له لفظ الصّلاة هو عبارة عن صلاة العالم العامد القادر ، وأمّا باقي الصلوات فهي أبدالٌ للموضوع له ، وإنّما تسمى بالصلاة ادّعاء أو مسامحة ، نعم ، يمكن

٢٤٧

تصوير جامعٍ بين القصر والإتمام فقط.

ولمّا كان الأصل في كلامه هو ما جاء في (تقريرات) الشيخ الأعظم قدس‌سره فلا بدّ من التعرّض لذلك ، وهذا حاصله (١) :

إنّ «الصلاة» معناها عبارة عن الصلاة ذات الأجزاء والشرائط ، فهل المراد منها خصوص ما يأتي به المكلّف العالم العامد القادر المختار ، أو الأعم منه ومن الجاهل والناسي والعاجز وغير المختار؟ فهل الموضوع له هو الأجزاء والشرائط بالمعنى الأخص ، وقد عبّر عنه بالأجزاء والشرائط الشخصيّة ، أو بالمعنى الأعم الذي عبّر عنه بالأجزاء والشرائط النوعيّة؟

قال الشيخ : فيه وجهان ، أحدهما : القول بأنّ الصلاة هي الواجدة للأجزاء والشرائط لمن هو عالم قادر مختار ، وعليه ، فصلاة غيره من المكلَّفين ليست بصلاةٍ بل هي بدل عن الصلاة.

والوجه الثاني : القول بأن الصّلاة هي الواجدة للأجزاء والشرائط من سائر المكلَّفين ، وعليه ، فلا بدّ إمّا من القول بالاشتراك اللفظي ، وامّا من القول بالاشتراك المعنوي. أمّا الأوّل فباطل ، وأمّا الثاني فالجامع إن كان مركّباً لزم تداخل الصحيح والفاسد ، وإن كان بسيطاً فهو إمّا «المطلوب» أو الملزوم المساوي له ، أمّا الأوّل فمحال ، للزوم أخذ ما هو المتأخّر عن المسمّى في المسمّى ، وأمّا الثاني فهو خلاف الإجماع القائم على جريان البراءة في دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الأجزاء والشرائط ، وهذا المعنى البسيط لا يتصوَّر فيه ذلك.

وعلى الجملة ، فإن لفظ «الصلاة» موضوع لصلاة القادر المتمكن من

__________________

(١) مطارح الأنظار : ٩.

٢٤٨

جميع الأجزاء والشرائط ، وهي المرتبة العليا من مراتب الصلاة ، وتصوير الجامع لجميع المراتب غير ممكن ، غير أنّ المتشرعة لمّا رأوا أن صلاة العاجز مثلاً وافية أيضاً بالغرض من الصلاة ـ وهو النهي عن الفحشاء مثلاً ـ استعملوا هذا اللّفظ فيه ، تنزيلاً لفاقد الجزء مثلاً بمنزلة الواجد له ؛ بلحاظ الاشتراك في الأثر ، وكان حقيقةً عرفيّة ، ونظيره لفظ «الإجماع» في الاصول ، فقد اريد منه أوّلاً اتّفاق الكلّ ، ثم لمّا وجدوا اتّفاق البعض الكاشف عن رأي المعصوم أو الدليل المعتبر يشارك المعنى الأصلي في حصول الغرض منه ، فأطلقوا عليه لفظ الإجماع وكان صادقاً عليه ؛ وكذلك لفظ «الخمر» في العرف ، فإنه قد وضع أوّلاً للمتّخذ من العنب ، ثم إنه لأجل حصول الأثر من المتّخذ من التمر مثلاً سمّوا هذا أيضاً خمراً ، فكان المعنى الأعم ، للحاظ الأثر وهو الإسكار.

قال شيخنا :

في كلامه قدس‌سره نظر من جهتين :

الاولى : إنه جعل الإطلاق الأوّلي للفظ الصلاة ، للصلاة الواجدة للأجزاء والشرائط من العالم العامد المختار القادر ، فكان الموضوع له هو الأجزاء والشرائط الشخصيّة حسب تعبيره ، وأمّا غير هذا الفرد فقد أطلق عليه اللّفظ بسبب حصول الغرض منه ـ كما في لفظ الإجماع ـ وحينئذٍ ، فقد واجه الشيخ إشكالاً في تعميم الشرائط ، فدليل اعتبار الطهارة يتعذر التمسك به لاشتراطها في صلاة الناسي والعاجز ، وكذا أدلّة الموانع والقواطع ، فالتزم هناك بالتمسّك بالإجماع على الاشتراط.

لكنْ يرد عليه : إن نفس صلاة العالم القادر المختار لها أفراد ، كصلاة الجمعة المشتملة على الأجزاء من الخطبتين وغيرهما ، وعلى الشرائط كالعدد

٢٤٩

والسلطان العادل ، وكصلاة الظهر الفاقدة لجميع هذه الأجزاء والشرائط ، وكصلاة العيدين المعتبر فيها أجزاء اخرى ، وكصلاة الآيات ، وكصلاة المسافر التي هي بشرط لا عن الركعتين في مقابل صلاة الحاضر التي هي بشرط شيء ، فكيف يمكن فرض الأجزاء الشخصيّة؟ فإن قال الشيخ بذلك في مرتبة العالم القادر المختار فقط ، لزم القول في غير هذه المرتبة إمّا بالاشتراك اللّفظي وامّا بالاشتراك المعنوي ، والثاني إما بسيط وإما مركّب. فيعود الإشكال ويرجع ما ذكره على نفسه.

والثانية : إن ما ذكره لا يتناسب مع مقام الإثبات ، فجميع النصوص تسمّي صلاة العاجز بالصّلاة ، وكذا صلاة الناسي ، تماماً كما في صلاة العالم القادر المختار ، ولا وجه لتخصيصها بصلاة القادر العالم المختار ، فإن اعتبار الطهارة في صلاة العاجز مثلاً إنما هو لإطلاق دليل «لا صلاة إلاّ بطهور» وليس بالإجماع.

وتلخص : أن كلام الشيخ غير مقبول ، وكلام الميرزا المبتني عليه أيضاً غير مقبول.

ثم إنّ المحقق النائيني ـ بعد أنْ قال بصعوبة تصوير الجامع كما في (أجود التقريرات) وأن لفظ الصلاة موضوع للمرتبة العالية ، وأنه يستعمل في غيره ادّعاءً أو مسامحةً ـ قال : بأن وضع الأسماء للمركّبات كأسماء المعاجين هو من هذا القبيل ، فإن اللّفظ قد وضع للمرتبة العالية الكاملة ، ومع ذلك يستعمل في الفاقد لبعض الأجزاء ، من جهة الاشتراك في الأثر ، وأمّا الفاقد للتأثير فإنّه يستعمل فيه من باب تنزيل الفاقد بمنزلة الواجد ، أو من جهة المشابهة في الصورة.

٢٥٠

وفيه :

أوّلاً : إنّ التنظير المذكور في غير محلّه ، فصانع المعجون لا إحاطة له بما يطرأ على صنعه ، بخلاف الشارع.

وثانياً : إنّ تشخيص المرتبة العالية في مثل الصلاة غير ممكن ، لعين ما تقدّم من الاختلاف بين أفراد الصّلاة ، فإنه مع ذلك لا يمكن تصوير مرتبة واحدة من المراتب العالية لتكون الموضوع له.

٤ ـ تصوير الشيخ الحائري والسيد البروجردي

وبعد الفراغ عن صور الجامع البسيط الماهوي ، والجامع البسيط الوجودي ، والجامع الذاتي التركيبي ، تصل النوبة إلى الجامع العَرَضي ، وهو تصوير جماعة منهم : الشيخ الحائري والسيد البروجردي ، غير أنّ الأول جعله «التعظيم» والثاني : «التخشّع».

قال السيد البروجردي (١) بعد ما نصَّ على أن لا سبيل لتصوير الجامع الذاتي أصلأ ـ :

وأمّا الجامع العرضي ... الذي يخطر ببالنا : إنّ حال المركّبات العباديّة كالصلاة والصوم والزكاة وأمثال ذلك ، حال المركّبات التّحليلية ، كالإنسان ونظائره ، فكما أنّ الإنسان محفوظ في جميع أطوار أفراده ، زادت خصوصيّة من الخصوصيّات أو نقصت ، كان في أقصى مراتب الكمال أو حضيض النقص ، وذلك لأن شيئيّة الشيء بصورته لا بنقصانه ولا بكماله ، كذلك حال المركّبات الاعتبارية العباديّة ، بمعنى أنه يمكن اعتبار صورة واحدة يمتاز بها كلّ واحدٍ من هذه المركّبات عن غيرها ، وتكون تلك الصّورة ما به الاجتماع

__________________

(١) الحجة في الفقه : ٥٧.

٢٥١

لتمام الأفراد وجميع المراتب ، وما به الامتياز عن غيرها ، وتكون محفوظةً في جميع المراحل والمراتب ، وإنْ كان في غاية الضعف ، مثل صلاة الغريق والعاجز ، أو في منتهى الكمال مثل صلاة الكامل المختار الواجدة لجميع الأجزاء والشرائط ، إذ بعد فرض ما به شيئية هذه المركبات الاعتباريّة ، فكلّما كان هذا موجوداً فأصل الشيء كان موجوداً لا محالة.

وهذا الشيء ـ على ما يؤدّي إليه النظر ـ هو التخشّع الخاص في الصلاة ، فإنّ التخشّع الخاص هو الذي يكون محصّل شيئية الصّلاة ، وبه تصير الصلاة صلاةً ، وهو محفوظ في جميع أفراد الصلاة ومراتبها المختلفة ، وهذا هو المناسب لمقام عبوديّة العبد بالنسبة إلى مولاه.

وأمّا في سائر المركّبات ، فيمكن أيضاً افتراض جامعٍ من قبيل ما فرضناه في الصلاة ، على حسب الخصوصيّات والمقامات. ولعلّ هذا هو المراد من الوجه الثالث الذي استدلّ به القائلون بالأعم ، إلاّ أن تمثيلهم بالأعلام الشخصيّة مما لا يناسب هذا الكلام.

وحاصل هذا الوجه :

إن الجامع عرضي لا ذاتي ، وهو «التخشّع» ، وهو يتّحد مع جميع المراتب والحالات ، ونسبته إلى الأجزاء نسبة الصّورة إلى المادّة ، نظير إنسانيّة الإنسان الموجودة معه في جميع الأحوال والأطوار.

الإشكال على هذا التصوير

وأورد عليه شيخنا بوجوه :

أحدها : إن المفروض كون الخصوصيّات مقوّمة للصحّة ، فصلاة الصّبح متقوّمة بعدم الركعة الثالثة ، وصلاة المغرب متقوّمة بوجودها ، فواقع الصحّة

٢٥٢

متقوّم بالخصوصيّة ، وعليه ، فالتخشّع والتوجّه في صلاة الصبح متقوّم بعدم الثالثة ، وهو في صلاة المغرب متقوّم بوجودها ، فكيف يمكن أن يكون جامعاً بينهما؟

والثاني : إن هذا التصوير لو كان للأعم أو كان مشتركاً بينه وبين الصحيح كان له وجه ، لكن المفروض كونه على الوضع للصحيح فقط ، وحينئذٍ يرد عليه بأنه جامع متداخل بين الصحيح والفاسد ، إذ الصلاة ذات الأربع من المسافر فاسدة وهي من الحاضر صحيحة ، والتخشّع موجود في كليهما.

والثالث : إنّ ما ذكره من كون نسبة التخشع إلى الأجزاء نسبة الصّورة إلى المادّة ، فيه : إن الصورة إمّا هي الصورة الجوهريّة ، وهي عبارة عن الفصل ، وامّا الصورة العرضيّة ، وهي عبارة عن الشكل ، فإنْ أراد «الشكل» فإنّه غير متّحد مع المتشكّل ، لأنه عرض وهو يقوم بالأجزاء ولا يتّحد معها ، وإنْ أراد الصورة الجوهريّة ، فإنّها تكون جامعاً ذاتيّاً لا عرضيّاً ، والجامع الذاتي لا يجتمع مع المتقابلات ، فتعود الإشكالات كلّها.

٢٥٣

تصوير الجامع بناءً على الأعم

وتلخّص عدم معقوليّة الجامع بناءً على الوضع للصحيح مطلقاً.

وقد ذكرت وجوه لتصوير الجامع بناءً على الوضع للأعم من الصحيح والفاسد :

الوجه الأول

وأوّلها وأهمّها تصوير الميرزا القمّي رحمه‌الله (١) ، فإنه قال : بأن الموضوع له لفظ الصلاة هو عبارة عن أركان الصلاة فقط ، وأمّا ما زاد عنها فليس بداخل في المسمى الموضوع له ، بل هو من متعلَّق الأمر والطلب ، وإذا كان الموضوع له هو الأركان فهي موجودة في الصلاة الصحيحة والفاسدة معاً.

الإشكالات

وقد أورد عليه المحقّق الخراساني بوجهٍ ، والمحقق النائيني بوجهين :

قال المحقق الخراساني : بأنّ لازم هذا القول أن يصدق «الصلاة» على الأركان بوحدها ، والحال أن الأمر ليس كذلك ، لصحّة سلب «الصلاة» عمّا لا يشتمل إلاّ على الأركان ، هذا من جهةٍ ، ومن جهةٍ اخرى ، فإن «الصّلاة» صادقة على ذات الأجزاء والشرائط عدا الركوع مثلاً.

فظهر أنّ الموضوع له لفظ «الصلاة» ليس الأركان وحدها.

__________________

(١) قوانين الاصول ١ / ٤٤.

٢٥٤

وقال المحقق النائيني :

أوّلاً : إن الأركان لها مراتب متعدّدة ، فيلزم تصوير جامع ذاتي أو عرضي بين جميعها ، وحينئذٍ تعود الإشكالات.

وثانياً : إنّ خروج ما عدا الأركان لا يخلو من أحد حالين :

إمّا أن تكون خارجة عن حقيقة الصّلاة ، ولازمه أن يكون صدق «الصّلاة» على تام الأجزاء والشرائط مجازيّاً ، بعلاقة الكليّة والجزئية ، وهذا خلف ، لأن المفروض تصوير جامع يكون صادقاً على الصحيح وغيره على وجه الحقيقة.

وامّا أن تكون إذا وجدت داخلةً في حقيقة الصلاة وإذا عدمت خارجة عنها ، ولازمه أن تكون الذات مردّدةً ، وأن يكون شيء عند وجوده مؤثّراً وعند عدمه غير مؤثّر ، وهذا غير معقول.

دفاع السيّد الخوئي

وقد تبع السيد الخوئي المحقّق القمي في هذا التصوير واختار هذا الوجه ، وأجاب عن الإشكالات المذكورة (١) :

الجواب عن إشكال المحقق النائيني

فأجاب عمّا أورده المحقق النائيني : بأنّ الصّلاة مركّب اعتباري ، والموضوع له هذا اللّفظ هو الأركان لا بشرط عن الزيادة ، والإشكال مندفع ، وذلك ، لأنّ المركّب الذي لا تقبل أجزاؤه التغيّر والتبدّل والزيادة والنقيصة هو المركّب الحقيقي ، لأنّ جزئيّة كلّ جزءٍ فيه حقيقيّة وغير مرتبطة باعتبار معتبر.

أمّا المركّب الاعتباري ، فمنه ما يكون محدوداً بحدٍّ من ناحية القلّة

__________________

(١) محاضرات في اصول الفقه ١ / ١٦٨.

٢٥٥

والكثرة معاً كالعدد ، فإن التركيب فيه اعتباري ، وأن عنوان الأربعة ـ مثلاً ـ قد وضع لهذه المرتبة المعيّنة من العدد ، فلو زاد أو نقص انتفى. ومنه ما يكون محدوداً بحدٍّ من ناحية القلّة فقط ، أما من ناحية الكثرة فليس بمحدودٍ ، كالكلمة والكلام ، فحدّ الكلام من ناحية القلّة أنْ يكون مفيداً ، وهو يحصل بالفعل والفاعل ، لكنه من ناحية الكثرة فهو لا بشرط ، وكمفهوم «الدار» فإنّه مركّب اعتباري يتقوّم بقطعةٍ من الأرض ومن السقف والغرفة مثلاً ، لكنّه لا بشرط بالنسبة إلى الزائد ، من الغرف والمرافق وغير ذلك ، وأيضاً : هو لا بشرط من حيث المواد المصنوع منها الجدار والسّقف ...

و «الصّلاة» من هذا القسم ، فهي مركّب اعتباري ، والأمر فيها بيد المعتبر ، وقد جعل قوامها الأركان ، لا بشرط بالنسبة إلى الزائد عليها ، وكلّ ما فيها معها كان جزءاً وإلاّ فليس بجزءٍ ، وهذا مقصود الأعلام ـ مثل المحقق الأصفهاني ، والسيد البروجردي ـ من فرض التشكيك في المركّبات من الصّلاة والحج ، ومن الدار ، والجَمع ... وأنه لا مانع من الإبهام في ناحية الكثرة مع وجود الحدّ في ناحية القلّة.

وعلى الجملة ، فإنه تسمية ووضع ، وللواضع أن يضع اللّفظ على الشيء الذي اعتبره كيفما اعتبره ، فله أنْ يضع اسم «الصلاة» على أجزاءٍ معيّنةٍ مخصوصةٍ هي الأركان ، بحيث لو انتفى واحد منها انتفى الموضوع له ، لكنْ لا يحدّد المعنى والموضوع له من ناحية الكثرة بحدٍّ ، فإن جاء شيء زائداً على الأركان كان جزءاً وإلاّ فلا ، وله أن يضع اسم «الدار» على كذا ، وكلمة «الجمع» على كذا ، على ما عرفت.

فاندفع الإشكال الثاني بكلا شقّيه ، فإن الاستعمال في المشتمل على

٢٥٦

الأكثر حقيقي وليس بمجاز ، وأنّ المحذور المذكور ـ وهو كون شيء عند وجوده داخلاً في حقيقة الموضوع له وخارجاً عنها عند عدمه ـ غير لازم ، بناءً على كون الحقيقة بشرط بالنسبة إلى الزائد.

وأمّا إشكاله الأوّل ـ وهو كون الأركان كلّ واحدٍ منها ذا مراتب ـ فيندفع على ما ذكر ، بأنّ المقوّم للحقيقة هو أحد المراتب على البدل ، فإمّا الركوع الحاصل من القادر ، وامّا الإيماء الحاصل من العاجز ، وكذا القيام والقراءة ... إذْ الترديد في القضايا الاعتبارية ممكن.

هذا تمام الكلام على ما ذكره المحقق النائيني ، وقد كان يتعلَّق بمقام الثبوت.

الجواب عن إشكال المحقق الخراساني

وأمّا إشكال المحقق الخراساني فيرجع إلى مقام الإثبات ، ويظهر الجواب عنه بالنظر إلى النصوص الواردة في الصلاة والتأمّل فيها.

فأمّا ما ذكره من صحّة سلب «الصلاة» عمّا لا يشتمل إلاّ على الأركان ، ففيه : إن مقتضى خبر «لا تعاد الصّلاة إلاّ من خمسة» (١) صدق الاسم على ما اشتمل على الأركان ، وعدم صحّة سلبه عنه.

وأمّا ما ذكره من لزوم عدم الصدق على الفاقد لواحدة من الأركان فقط ، ففيه : أنه لمّا كانت الصلاة أمراً اعتباريّاً ، فإن الصّدق وعدمه يدور مدار الاعتبار من المعتبر ، فلا بدّ من لحاظ النصوص ، فصحيحة الحلبي «الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود» (٢) تدلّ على دخول الثلاثة

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ٣٧١ ط مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام باب ٣ من أبواب الوضوء رقم : ٨.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ٣٦٦. باب ١ من أبواب الوضوء رقم : ٨.

٢٥٧

واعتبارها في الصّلاة ، وصحيحة زرارة : «عن الرجل ينسى تكبيرة الإحرام؟ قال : يعيد» (١) تدلّ على ركنيّة التكبيرة.

فحقيقة الصّلاة متقوّمة بهذه الامور.

والموالاة لا بدّ منها ، ولولاها فالصّلاة منتفية.

والاستقبال ، وإنْ ورد «لا صلاة إلاّ إلى القبلة» (٢) لكن الأظهر عدم اعتباره في الحقيقة ، ولذا لو وقعت إلى غير القبلة نسياناً أو جهلاً فهي صحيحة.

وأمّا التسليمة ، فالحق عدم دخولها ، فإنّه بالتسليم يخرج من الصّلاة ، ولعدم ذكرها في خبر «لا تعاد». ولا ينتقض بعدم ذكر التكبيرة ، لأن مع عدمها فلا صلاة حتى تصدق الإعادة ، لأن الإعادة هي الوجود الثاني بعد الوجود الأوّل ، فعدم ذكر التكبيرة في خبر «لا تعاد» يؤكّد ركنيّة التكبيرة.

هذا ، وغير هذه الامور واجب في الصلاة وليس بركن.

إشكالات شيخنا الاستاذ

وقد بحث شيخنا الاستاذ دام ظلّه عن تصوير المحقق القمي ودفاع السيد الخوئي عنه ، في مقامين :

١ ـ مقام الثبوت

والإيراد عليه في مقام الثبوت من وجوه :

(الوجه الأول) إنه لا ريب في أنّ أمر الأجزاء واختيارها في المركّب الاعتباري هو بيد المعتبر ، فهو الذي يجعل الامور المعيّنة أجزاءً للمركّب ومنها

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ / ١٣. باب ٢ من أبواب تكبيرة الاحرام رقم : ١.

(٢) وسائل الشيعة ٣ / ٢١٧ ط الاسلامية ، الباب ٢ من أبواب القبلة رقم : ٩.

٢٥٨

يتحقق ما اعتبره ، لكنّ النقطة المهمّة هي أنه بعد ما جعل الشيء جزءاً لمركّبه انطبق عليه قانون الكليّة والجزئيّة ، وهو انعدام الكلّ بانعدام الجزء ، وليس هذا القانون بيد المعتبر ولا يمكنه التصرف فيه ، بأنْ يجعله جزءاً لكنْ لا ينعدم الكلّ بانعدامه ، وعليه ، فإذا كانت القراءة في ظرف وجودها جزءاً مقوّماً لحقيقة الصّلاة ، فكيف تبقى حقيقة الصّلاة محفوظة في ظرف انعدام القراءة؟

(الوجه الثاني) إن المراد من كون الأركان لا بشرط بالنسبة إلى الزائد هو اللاّبشرط القسمي ـ لا المقسمي ـ بأنْ يلحظ وجود القراءة وعدمها ولا يؤخذ شيء منهما في حقيقة الصّلاة ، فنقول : إن قانون اللاّبشرط هو اجتماعه مع الشرط ، لكنْ يستحيل دخول الشرط في اللاّبشرط ، فالرّقبة إن كانت لا بشرط بالنسبة إلى الإيمان والكفر ، فهي تجتمع مع الإيمان لكن يستحيل تقوّمها بالإيمان ، وعليه : فإذا كانت الأركان لا بشرط بالنسبة إلى ما زاد عليها من جهة حقيقة الصّلاة ، استحال دخول الزائد في حقيقتها في ظرف وجوده ، وكان لازمه أن يصدق الصّلاة على مجموع الأركان والزائد عليها صِدقاً مجازيّاً ، مع أنّ المدّعى كونه حقيقيّاً ، كصدقه على الأركان فقط.

(الوجه الثالث) لا ريب في أنّ كون الشيء جزءاً للمعنى بشرط عدم الشيء ، غير معقول ، وكونه جزءاً له لا بشرط من الوجود والعدم خلف الفرض ، ـ لأنه افترض كونه جزءاً عند الوجود وخارجاً عند العدم ـ إذنْ ، كون القراءة جزءاً للصّلاة ومقوّماً لحقيقتها ينحصر بحال وجودها ، فوجودها قد اخذ في معنى الصلاة الموضوع له هذا اللّفظ ، وهذا يخالف ما تقرّر من أن الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعيّة وذوات الأشياء ، من غير دخلٍ للوجود والعدم. فما ذكر من كون القراءة جزءاً للصلاة إذا وجدت وغير جزءٍ إذا

٢٥٩

انعدمت ، يخالف القانون المذكور ، مضافاً إلى استحالته من جهة أنّ الموجود لا يقبل الوجود الإدراكي.

(الوجه الرابع) قد وقع البحث بين الأعلام في أن التخيير بين الأقل والأكثر معقول أو لا؟ ووجه القول الثاني هو : أنّ الأقل إن كان مبايناً لبّاً للأكثر فهو معقول ، كالتخيير بين الركعتين والأربع ، فإنه وإنْ كان بين الأقل والأكثر لكنّ القصر والإتمام متباينان في الواقع ، أمّا في غير هذه الصورة ، مثل التخيير في التسبيحات بين المرّة والثلاثة فغير معقول ، لأنه بمجرّد الإتيان بالمرّة تحقّق الامتثال وحصل المأمور به الواجب ، لأن الانطباق قهري ، ومعه يستحيل أن يكون الزائد على المرّة جزءاً للمأمور به.

وعلى هذا المبنى يبطل كون الزائد عن الأركان جزءاً.

وأيضاً : فإنّ حقيقة الصلاة لا يتحقّق دفعةً ، بل تدريجاً ، فإذا كبّر وركع وسجد ، فقد تحققت الأركان ، وبهذه الركعة تحقّقت الصلاة ، والمفروض كونها لا بشرط عن الزائد ، فيستحيل أن يكون الزائد جزءاً ... فالبرهان المذكور يجري في الواجب ، وفي المسمّى الموضوع له اللّفظ ، على حدٍّ سواء.

(الوجه الخامس) إن الوجود ـ سواء الذهني أو الخارجي أو الاعتباري ـ يساوق التّعيين ، ولا يجتمع مع التردّد ، إن ذات الركوع غير اعتباري فهو متعيّن في ذاته ـ وإن كانت جزئيّته للصلاة اعتباريّة ـ فما معنى أنّ الجزء هو أحد مراتب الركوع على البدل؟ إنّ «أحد الأمرين» إن كان المفهومي ، فهو معقول ، لكنه حينئذٍ جامع مفهومي من صناعة الذهن وليس بواقعي ، وإن كان المصداقي ، فهو غير قابل للوجود ، ولا ثالث في البين. فما ذكر ـ من أن الجامع بين المراتب هو الأحد على البدل ـ باطل.

٢٦٠