تحقيق الأصول - ج ١

السيّد علي الحسيني الميلاني

تحقيق الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-2501-93-9
ISBN الدورة:
964-2501-52-X

الصفحات: ٤١٦

* رأي المحقق الأصفهاني

إن المعنى الحرفي عبارة عن النسبة الخاصة الموجودة في مورد تحقّقها ، فالحروف والهيئات موضوعة للروابط والنسب الخاصة الموجودة في أنحاء المنسوبات المختلفة والمرتبطة المختلفة (١).

توضيحه : إن الوجود ينقسم إلى :

١ ـ الوجود الجامع لجميع النفسيّات ، وهو الله عزّ وجلّ ، فإنهم يقولون بأنّه وجود في نفسه بنفسه لنفسه.

٢ ـ الوجود في نفسه لنفسه بغيره ، وهو الجوهر.

٣ ـ الوجود في غيره لغيره بغيره ، وهو العرض.

وفي مقابلها : الوجود الذي لا نفسيّة له أصلاً ، وجميع أنحاء النفسيّات مسلوبة عنه ، بل نفسيّته بالطرفين ووجوده في الغير ، وهذا الوجود غير محمول على شيء من الماهيّات ، وإنما هو وجود شيء لشيء ، بخلاف وجود الجوهر ، ووجود العرض ، فإنه وجود محمولي ، نقول : العقل موجود ، القيام موجود ، أما مفاد كان الناقصة : كزيد كان قائماً ، فإنه وجود غير قابل للحمل على موضوع ، إنه ليس بكون شيء ، بل هو كون شيء ـ أي القيام ـ لشيء وهو زيد ، فهو كون رابط ، ووجود قائم بوجودين.

وعلى الجملة ، ففي الوجودات الخارجيّة وجود شيء ، وجود شيء لشيء ، والأوّل وجود محمولي دون الثاني.

وكذلك الحال في المعاني ، فإن هناك معنىً قائماً بنفسه ، ومعنى غير قائم بنفسه بل ذاته التعلّق بالغير والقيام بالطرفين ، وهذا القسم هو حقيقة

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ٥١ ط مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام.

١٢١

النسبة ، إذ النسب في جميع القضايا ذاتها التعلّق والقيام بالمنتسبين ، إذ بمجرد فرض وجود للنسبة في قبال المنتسبين يلزم احتياجها إلى النسبة ، وهذا الثالث يحتاج إلى نسبة ، وهكذا.

فوزان حقيقة النسبة وزان الوجود الرابط ، فكما أنّ في ذات الوجود الرابط التعلُّق وعدم النفسيّة ، فكذا قد وقع التعلّق وعدم الاستقلال في ذات النسبة. ومعاني الحروف من هذا القبيل.

إنّ النسبة التي تحصل بين زيد والقيام في زيد القائم ـ الذي هو مركّب ناقص ـ هي مدلول هيئة زيد القائم.

والنسبة الحاصلة في زيد قائم ـ التي هي جملة خبريّة ـ مدلول هيئة الجملة الاسميّة.

والنسبة الحاصلة بين السير وبين المتكلّم هي مدلول هيئة سرت.

والنسبة الحاصلة بين السير والبصرة ـ نسبةً ابتدائيةً ـ هي مدلول كلمة «من» الموجودة في الكلام.

والنسبة الحاصلة بين زيد والدار ـ نسبة الظرفية ـ مدلول لفظة «في».

إذن ، جميع النسب إما هي مدلولات الحروف أو هي مداليل الهيئات.

واتّضح أن المعنى الحرفي هو الواقع الذي يتحقّق به الربط بين أجنبيين ، فهذا الواقع هو معنى الحرف ، وهو غير مفهوم لفظ النسبة ، وغير مفهوم لفظ الربط ، بل بين مفهوم الربط وواقعه ومصداقه تباين ، لأن مفهوم الربط مفهوم اسمي ، محتاج إلى الربط ، مستقل في التعقّل ، بخلاف واقع الربط ومصداقه ، فهو معنى حرفي.

إن هذه النسبة موجودة في جميع القضايا ، كقولنا : زيد موجود ، وهي

١٢٢

مفاد كان التامّة ، وكان زيد موجوداً ، وهي مفاد كان الناقصة ، فلا يقال لا نسبة في مفاد كان التامّة ، ففي كلتا القضيّتين المعنى الحرفي ـ وهو النسبة ـ موجود ، لأن المعنى : زيد له القيام ، وزيد كان له القيام ، فهذه اللاّم تجعل زيداً منسوباً إلى القيام.

الكلام على الاشكالات

والإشكالات التي أوردت على هذا المبنى هي :

أوّلاً : إنّه دائماً توضع الألفاظ على المعاني ، لأن المعاني هي التي تدخل الذهن ، وإذا كانت الحروف موضوعة للوجودات الرابطة ، لزم انتقال الوجود إلى الذهن ، وقد تقرّر في محلّه أنّ الوجود لا يدخل الذهن ، فليس معنى الحروف هو الوجود الرابط. وبعبارة اخرى : الألفاظ موضوعة للماهيّات ، والوجود الرابط لا ماهيّة له ، فلا ينتقل إلى الذهن بواسطة الاستعمال معنىً ، لأن الماهية ما يقال في جواب ما هو؟ وهذا لا بدّ وأنْ يكون معنىً مستقلاًّ في المفهوميّة متعقَّلاً ، وليس الوجود الرابط مستقلاًّ في التعقل ، فهو فاقد للماهيّة ، فلا يقبل الإحضار في الذهن ، إذن ، ليس هو الموضوع له الحرف.

وفيه : ليس الموضوع له الحرف وجود الرابط ، بل واقع الربط ، وواقع الشيء غير وجود الشيء ، فالموضوع له «من» ـ مثلاً ـ واقع النسبة الابتدائية لا وجودها.

وثانياً : إذا كان الموضوع له واقع النسبة ، فإنه يلزم في جميع موارد عدم وجود النسبة أن يكون الاستعمال في غير الموضوع له ، والحال أنّا لا نجد أيّة عناية في تلك الموارد ، فينكشف أنه ليس الموضوع له واقع النسبة. مثلاً : في «وجود الباري في نفسه واجب» توجد لفظة «في» ولا فرق بينها [في هذا

١٢٣

المورد ، الذي لا توجد فيه نسبة ، إذ لا نسبة بين الباري والظرفية] وبين المورد الذي توجد فيه النسبة ، مثل «زيد في الدار».

وفيه : إنه في مثل «وجود الباري في نفسه واجب» لا توجد نسبة في الخارج ، لكنْ هي موجودة في الذهن ، وإلاّ لم يصح القول بأنّ العلم ثابت لله ، فالذهن هو الذي يُوجد النسبة ، وكذلك الحال في مثل «الإنسان إنسان» حيث أن الذهن يجرّد الإنسان من الإنسانيّة ثم يحمل الإنسان عليه ، وإلاّ فليس يصحّ الحمل ، لأنه في الخارج إلاّ الإنسان.

أقول :

هذا الذي ذكرناه هو خلاصة ما ذكره شيخنا في الدورة السابقة إشكالاً وجواباً.

لكنه في الدورة اللاّحقة ، تعرض للإشكالين وأجاب عنهما بتفصيل أكثر وبيانٍ أوسع ، ولإشكال ثالث موجود في (المحاضرات) أيضاً ، وأجاب عنه بالتفصيل كذلك ... ونحن نذكر عمدة المطالب بنحو الإيجاز.

* إشكال (المحاضرات)

إنه لا دليل على نظريّة وجود الرابط سوى البرهان الذي يقولون بأنّ وجود الجوهر معلوم متيقّن ، وكذا وجود العرض ، ولكن وجود العرض للجوهر مشكوك فيه ، وتعلّق اليقين والشك بشيء واحدٍ في آنٍ واحدٍ من جهةٍ واحدة محال ، إذن ، متعلّق اليقين هو وجود الطّرفين ومتعلّق الشك وجود العرض للجوهر ، فهذا وجود ثالث ، إذن ، تحقّق «الوجود في نفسه» وهو الجوهر والعرض ، و «الوجود لا في نفسه» وهو الوجود الرابط ، في قبال وجود الجوهر والعرض.

١٢٤

فأورد عليه في (المحاضرات) بأنّ تحقّق اليقين والشك في الذهن لا يكشف عن تعدّد متعلَّقهما في الخارج ، فإن الطبيعي عين فرده ومتّحد معه خارجاً ، ومع ذلك يمكن أن يكون أحدهما متعلَّقاً لصفة اليقين والآخر متعلَّقاً لصفة الشك ، كما إذا علم إجمالاً بوجود إنسان في الدار وشكّ في أنه زيد أو عمرو ، فلا يكشف تضادّهما عن تعدّد متعلّقيهما بحسب الوجود الخارجي ، فإنهما موجودان بوجود واحدٍ حقيقة ، وذلك الوجود الواحد من جهة انتسابه إلى الطبيعي متعلَّق لليقين ، ومن جهة انتسابه إلى الفرد متعلَّق للشك.

وما نحن فيه من هذا القبيل ، فإن متعلَّق اليقين هو ثبوت طبيعيّ البياض للجدار ، ومتعلَّق الشك هو ثبوت حصّةٍ خاصّةٍ من البياض للجدار ، فليس هنا وجودان تعلَّق اليقين بأحدهما والشك بالآخر ، بل وجود واحد حقيقة ، مشكوك فيه من جهةٍ ومتيقَّن من جهة اخرى.

وتلخّص : إن الممكن في الخارج إما جوهر أو عرض ، وكلّ منهما زوج تركيبي ، أي مركّب من ماهيّة ووجود ، ولا ثالث لهما. والمفروض أن الوجود الرابط سنخ وجود لا ماهيّة له ، فلا يكون لا من الجوهر ولا من العرض ، وليس في الخارج إلاّ الجوهر والعرض.

مناقشة الاستاذ

قال شيخنا دام بقاه : إن هذا الإشكال ناشئ من عدم ملاحظة كلمات أهل الفن.

إن كان المقصود أنهم يقولون بأنّ هناك في الخارج للعرض وجوداً غير وجوده للجوهر ـ كما في كلمات البعض ـ فالإشكال وارد ، لكنّ أعيان أهل الفن لا يقولون مثل هذا الكلام ، ولا حاجة لنقل كلماتهم بالتفصيل ، وإنما

١٢٥

نقتصر على كلمتين من (الأسفار) ، ففي مبحث الوجود الرابط ، في الردّ على المحقق الدواني يقول : «فإن الأسود في قولنا : الجسم أسود ، من حيث كونه وقع محمولاً في الهليّة المركبة ، لا وجود له إلاّ بمعنى كونه ثبوتاً للجسم ، وهذا ممّا لا يأبى أن يكون للأسود باعتبار آخر غير اعتبار كونه محمولاً في الهليّة المركبة وجود ، وإنْ كان وجوده الثابت في نفسه هو بعينه وجوده للجسم» (١).

يعني : إنه ليس في الخارج إلاّ وجود واحد ، ولكنّ هذا الوجود الواحد يتعدّد بالاعتبار ، وهذا الاعتبار الذي يسبب التعدّد يكون في قضيّتين نحن نشكّلهما.

إحداهما : قضيّة هل البسيطة التي يُسئل فيها عن وجود البياض ، فهذا اعتبارٌ ، ويقال في الجواب : البياض موجود.

والثانية : قضيّة هل المركّبة ، حيث يُسئل فيها عن ثبوت البياض للجدار ويقال مثلاً : هل الجدار أبيض؟ فهنا قد جعلنا الوجود محمولاً ، فنقول في الجواب : الجدار موجود له البياض.

فالتعدّد إنما جاء من ناحية الاعتبار ، وإلاّ ففي الخارج ليس إلاّ وجود واحد ، هذا الوجود الواحد الذي كان قابلاً لأن يكون باعتبار منّا محمولاً على ماهيّة العرض ، كما في قولنا : البياض موجود ، ولأن يكون باعتبارٍ منّا رابطاً في القضيّة التي نشكّلها نحن ونقول : الجدار موجود له البياض ، ولأن يقع مفاداً لأحد الأفعال الناقصة ، كأن نقول : الجدار كان له البياض ، أو يكون له البياض. وهكذا.

__________________

(١) الأسفار ١ / ٣٣١ ط مكتبة المصطفوي.

١٢٦

وفي (الأسفار) في فصلٍ قبل الموادّ الثلاث يقول :

«وأمّا الوجود الرابطي الذي هو احدى الرابطتين في الهليّة المركّبة ، فنفس مفهومه يباين وجود الشيء في نفسه. وفي قولنا : «البياض موجود في الجسم» اعتباران ، اعتبار تحقّق البياض في نفسه وإنْ كان في الجسم ، وهو بذلك الاعتبار محمول بهل البسيطة ، والآخر إنه هو بعينه في الجسم ، وهذا مفهوم آخر غير تحقّق البياض في نفسه ، وإنْ كان هو بعينه تحقّق البياض في نفسه ملحوظاً بهذه الحيثية ، وإنما يصح أن يكون محمولاً في هل المركّبة» (١).

وفي هذا الكلام أيضاً تصريح بما تقدَّم ، فإنه يقول بأن الوجود الرابط يكون في الهليّة المركّبة. والهليّة المركّبة ليست في الخارج.

وعلى الجملة ، فإن المستشكل لو لاحظ هذه الكلمات وتأمّل فيها لما أشكل بما ذكر.

وكذلك كلمات المحقق اللاّهيجي ، الصريحة في أن الوجود الرابط إنما هو في التصديقات المركبة الإيجابيّة ، فموطن الوجود الرابط لا علاقة له بالخارج ... فإنّه ليس الكلام عن تعدّد الوجود في الخارج ، نعم صرّح بذلك بعضهم ، لكن هؤلاء ليسوا ممّن يعتمد على كلامهم في الفلسفة.

وتحصل :

إن الوجود الرابط في القضايا والنسب الموجودة في القضايا هو مدلول الحرف.

فالإشكال مندفع.

وبعد :

__________________

(١) الأسفار ١ / ٨١ ط مكتبة المصطفوي.

١٢٧

فلو فرضنا عدم وجود الوجود الرابط في عالَمٍ من العوالم أصلاً ، فهل ينهدم بذلك أساس هذه النظريّة ، أعني نظريّة كون الحروف موضوعةً للنسب؟

كلاّ ...

إنما كان ينهدم لو قال المحقق الأصفهاني بأنّ معاني الحروف هي النسب ، والنسب ليست إلاّ الوجود الرابط. لكن هذا المحقق وغيره يقولون بأنّ الوجود الرابط أحد أقسام النسبة ، وإنّه يتحقق في الهليّة المركّبة فقط ، فلو افترضنا أن الوجود الرابط غير موجود أصلاً ، فإن انتفاء وجوده لا يستلزم انتفاء النسبة.

لقد صرّح في (الأسفار) بأن الوجود الرابط غير متحقق في تمام العقود. والحال أنَّ النسبة متحققة في تمام العقود. وعلى هذا ، فالنسبة بين «الوجود الرابط» وبين «النسبة» هي العموم والخصوص المطلق.

وكذا صرّح المحقق السبزواري في (حاشية الأسفار) حيث قال : «الوجود الرابط إنما يكون في القضايا الموجبة المركبة فقط ، وليس متحقّقاً في كلّ القضايا».

فظهر سقوط الإشكال المتقدّم.

* وأمّا الإشكالان الآخران ، فقد تكلَّم عليهما الاستاذ في الدورة اللاّحقة ، وأجاب عنهما كذلك ، إلاّ أنه فصّل الكلام على الأول منهما ، وهذه خلاصة ما أفاده دام بقاه :

مناقشة الاستاذ

قال : لقد قسّم المحقق الأصفهاني في (نهاية الدراية) النسبة إلى ثلاثة

١٢٨

أقسام : الأول : النسبة التي تكون في القضايا التي هي مفاد هل البسيطة ، والثاني : النسبة التي تكون في القضايا التي هي مفاد هل المركّبة ، قال : وهذا هو الوجود الرابط ، ومنه يظهر أن الوجود الرابط ليس عين النسبة كما جاء في كلمات بعضهم. والثالث : النسبة التي تكون من لوازم ومقوّمات الأعراض النسبيّة ، مثل مقولة الأين التي مقوّمها النسبة التي بين زيد والدار ، وهو يرى وجود هذه النسبة في الخارج.

فموطن الوجود الرابط هو القضايا والعقود والموجبات الحمليّة المركّبة. فظهر أن للنسبة أنحاء ثلاثة ، منها : ما يوجد في الذهن ، وهو النسبة في جواب هل البسيطة ، ومنها : ما يوجد في الخارج وهو المقوّم للأعراض النسبيّة ، ومنها : ما يكون بالاعتبار ، وهو الوجود الرابط ، وهو ما يقال في جواب هل المركّبة ، فوجود الوجودات الثلاثة : الجوهر والعرض والنسبة ، إنما هو في نحوين من الأنحاء الثلاثة ، مع الفرق في موطن الوجود فيهما ، ففي أحدهما هو الذهن ، وهو ما يقال في جواب هل البسيطة ، وفي الآخر هو الخارج ، وهو الذي في الأعراض النسبية.

ثم نقول : هل للوجود الرابط ماهيّة أو لا؟

يقول المستشكل : لا ماهيّة له.

وفيه : إن الوجود الرابط وجود إمكاني ، والوجود الإمكاني يستحيل أن ينفكَّ عن الحدّ ، وإذا استحال انفكاكه عن الحدّ استحال انفكاكه عن الماهيّة.

لكن المهمّ هو : إن الوجود الرابط كما أنّه متقوّم بالغير وجوداً ولا استقلال له في الوجود ، كذلك هو غير مستقل في حدّ ذاته ، فالوجود الرابط ذات غير مستقلّة ، ماهيّة غير مستقلّة ، فله ذات وماهيّة ، لكنْ بلا استقلال ،

١٢٩

وفي كلمات القوم إشارة إلى هذا أيضاً ، وكلام المحقق الأصفهاني في مواضع عديدة من كتابه يثبت هذا الذي ذكرناه :

يقول في (نهاية الدراية) رادّاً على صاحب (الكفاية) : «المعنى الحرفي ـ كأنحاء النسب والروابط ـ لا يوجد في الخارج إلاّ على نحو واحدٍ ، وهو الوجود لا في نفسه ، ولا يعقل أنْ يوجد معنى النسبة في الخارج بوجودٍ نفسي ، فإن القابل لهذا النحو من الوجود ما كان له ماهيّة تامة ملحوظة في العقل ، كالجواهر والأعراض» (١).

فهذا الكلام صريح في أن النسبة موجودة بالوجود الرابط ، فلو كانت النسبة نفس الوجود الرابط ، فنفس الوجود غير قابل لأنْ يوجد ، فالمعنى الحرفي معنى قابل لأن يوجد لكنْ لا بالوجود النفسي ، والوجه في ذلك : إن ما يقبل الوجود النفسي هو ما يقبل الماهية التامة.

فهو رحمه‌الله ينفي الماهيّة التامّة ويثبت الماهيّة الناقصة ، والمراد من الماهيّة الناقصة هو الماهيّة

المتقوّمة بالطرفين.

ويقول : «والصحيح تنظيرهما بالوجود المحمولي والوجود الرابط».

فهو جعل المعنى الاسمي نظير الوجود المحمولي ، والمعنى الحرفي نظير الوجود الرابط ، فلو كان المعنى الحرفي نفس الوجود الرابط فما معنى تنظيره به.

ويقول : «مع أن من البديهي أن حقيقة النسبة لا توجد في الخارج إلاّ بتبع وجود المنتسبين من دون نفسيّة واستقلال أصلاً ، فهي متقوّمة في ذاتها بالمنتسبين لا في وجودها فقط».

__________________

(١) نهاية الدراية ١ / ٥١ ـ ٥٢ ط مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام.

١٣٠

فمن هذا الكلام أيضاً يظهر أن النسبة ليست الوجود وإلاّ فلا معنى لقوله : في ذاتها ، لا في وجودها فقط.

ويقول : «وأمّا حقيقة المعنى الحرفي والمفهوم الأدوي فهو ما كان في حدّ ذاته غير استقلالي بأيّ وجود فرض».

أي : الذات ـ سواء فرضت بالوجود الذهني أو الخارجي ـ غير استقلاليّة ، وقد تصوّر المستشكل أن معنى الحرف منحصر بالوجود والوجود غير مستقل ، وبين هذا وكلام المحقّق الأصفهاني فرق كبير.

وتلخّص : إن معنى الحرف ذات غير مستقلّة في وجودها ، سواء في وعاء الذهن أو وعاء الخارج ، والمستشكل تصوّر أن المعنى هو الوجود غير المستقل ذهناً وخارجاً.

ثم إن المحقّق الأصفهاني ملتفت إلى الإشكال بأن الالتزام بكون وضع الحروف للنسب يتنافى مع المبنى ، وهو أن الألفاظ غير موضوعة للوجودات ، ولذا يقول في كتاب (الاصول على النهج الحديث) : «ولا يخفى عليك : إن ما ذكرنا في حقيقة المعنى الحرفي لا ينافي ما قدّمناه في الوضع ، من أن طرفي العلقة الوضعيّة طبيعيّ اللّفظ وطبيعيّ المعنى ، فإن المراد هناك عدم دخل الوجود العيني والوجود الذهني في الموضوع وفي الموضوع له ، وإنْ كان الموضوع له ماهيّة شخصيّة كما في الأعلام».

أي : لا يتوهّم أن ألفاظ الحروف إن كانت موضوعة للنسب ، فهو ينافي المبنى في وضع الألفاظ. قال : «فالنسبة الحقيقيّة وإنْ كانت متقوّمة بطرفيها الموجودين عيناً أو ذهناً ، إلاّ أن الموضوع له ذات تلك النسبة المتقوّمة بهما ، من دون دخلٍ لوجود طرفيها في كونها طرفاً للعلقة الوضعيّة ، وإنْ كان لهما

١٣١

دخل في ثبوتها ...» (١).

وتلخّص :

إن معاني الحروف ليس هو الوجود الرابط ، بل الموجود بالوجود الرابط ، وقد وقع الخلط بينهما في كلمات المستشكل ، واتّضح بطلان القول بأن الوجود الرابط لا ماهيّة له ولا ذات.

بل للحرف ماهيّة ، لكنها ناقصة ، بمعنى أنها متقوّمة بالطرفين ، فلا تكون قابلة للإحضار في الذهن إلاّ مع الطرفين.

إن الذي يدخل الذهن هو الماهيّة وليس الوجود ، إذ الوجود إما ذهني أو خارجي ، فدخول الوجود الذهني يستلزم اجتماع المثلين ، ودخول الوجود الخارجي يستلزم اجتماع المتقابلين ، فالوجود غير قابل لدخول الذهن ، وهذا ما صار سبباً للإشكال المتقدم ، إذ جعل المعنى الحرفي الوجود الرابط ، فوقع الإشكال.

إن الذي يدخل في الذهن هو الماهيّة ، والماهيّة تارة تكون بحيث تدخل بنفسها ، وتارة تدخل مع غيرها ، فالنسبة بين زيد والدار ، وكونه فيها المدلول بلفظ «في» هذا المعنى ليس هو الوجود بالوجدان ، لكن دخوله في الذهن لا يكون إلاّ بوجود زيد والدار معه.

فهذا هو مطلب القوم ، والإشكال المذكور غير وارد عليه.

تنبيه

قد تقدّم أن ظاهر كلماتهم أو صريحها أن النسبة بين «النسبة»

__________________

(١) الاصول على النهج الحديث (بحوث في الاصول) : ٢٦ ط جامعة المدرّسين.

١٣٢

و «الوجود الرابط» هو نسبة العام والخاص ، وأنّ الوجود الرابط مختص بالهليّات المركّبة.

لكن المحقق الأصفهاني يصرّح في موضع آخر بأنّ النسب والروابط موجودة بوجود رابط ، فكيف الجمع بين الاختصاص المذكور وبين كون النسب موجودة؟

قال الاستاذ : بأنّ هذا الاختلاف موجود في كلمات صاحب الأسفار والسبزواري أيضاً ، وهذا هو الموجب لاختلاف كلمات الاصوليين.

فمثلاً : يقول السبزواري في حاشية (الأسفار) تعليقاً على قول الماتن بأن إطلاق الوجود على الوجود في نفسه والوجود الرابط هو بنحو المشترك اللّفظي ، يقول هناك (١) : لو لم يكن للنسبة وجود لانعدم التمييز بين القضيّة الصّادقة والكاذبة ، حيث يقال في التمييز بينهما إن الخبر لو كان له مطابق فهو صادق وإلاّ فكاذب ، والمطابق وغير المطابق إنما هو للنسبة ، فالنسبة موجودة لا محالة.

ويقول السبزواري في مبحث الجواهر والأعراض ، في مقولة الأين ، في حاشية (شرح المنظومة) ردّاً على اللاهيجي وغيره القائلين بأن الأين عبارة عن نسبة الشيء إلى المكان ، يقول : إن هذا باطل ، لأن النسبة من الاعتباريّات ، فلو كان الأين هو نسبة الشيء إلى المكان ، لزم أن تكون مقولة الأين اعتباريةً (٢).

فظهر أنّ بين كلماتهم تهافتاً واضحاً.

__________________

(١) الأسفار ١ / ٨٠ ط مكتبة المصطفوي.

(٢) شرح المنظومة : ٣٩١ ط دار المرتضى.

١٣٣

وقد يمكن رفع هذا التناقض والتهافت بأنْ يقال :

إنّ قولهم بعدم وجود الوجود الرابط في الخارج ، ناظرٌ إلى غير الأعراض النسبيّة ، كما بين الجدار والبياض ، فإنه لا نسبة بين ذاك الجوهر وهذا العرض ، إلاّ أنه في الاعتبار يربط بينهما ويقال : الجدار أبيض ، أي : كائن له البياض ، أمّا في الخارج فالوجود واحد ، إذ الوجود الذي هو وجود البياض هو وجود للجدار أيضاً.

وقولهم بالوجود الخارجي للنسبة بالوجود الرابط ، يقصدون منه الأعراض النسبيّة ، حيث أن النسبة مقوّمة للعرض ، وإذا كان العرض موجوداً خارجاً استحال أنْ لا تكون النسبة موجودةً خارجاً.

وليرجع إلى كلام صاحب (الأسفار) بضميمة كلام ملاّ إسماعيل في (حاشية الشوارق).

إشكال الاستاذ على نظريّة المحقق الأصفهاني

أفاد شيخنا الاستاذ بعد ردّ ما ذكره عن (المحاضرات) بأنّ نظريّة المحقق الأصفهاني هي أحسن ما قيل في المقام.

ثم ذكر تأمّلاً فيه فقال : إذا كان الموضوع له الحرف هو حقيقة النسبة ، فكلّ نسبة جزئية هي موضوع له الحرف ، وكان هناك معنىً اسمي تفهم تلك الجزئيّات بواسطته ، فكيف يمكن وجود جامعٍ بين حيثيّات متباينة؟

وأيضاً : إذا كان الموضوع له «في» ـ مثلاً ـ حقيقة النسبة ، وأن الذي يدخل الذهن من هذا اللّفظ معنى واحد في أيّ استعمال ، والاختلاف إنما هو من ناحية الطرفين ، كما نقول : زيد في الدار ، وعمرو في المدرسة ، فما معنى قولهم : الموضوع له واقع كلّ نسبةٍ نسبةٍ منفردةً؟

١٣٤

قال : فهذان إشكالان لا ينحلاّن.

هذا في الدورة السّابقة.

وأمّا في الدّورة اللاّحقة ، فقد تكلّم على هذه النظرية بالتفصيل ، وسيتّضح ذلك من خلال بيان مختاره دام ظلّه ، وموارد الافتراق بينه وبين أنظار الأعلام.

رأي شيخنا الاستاذ في معاني الحروف

قال دام ظلّه : ليس مختارنا مبنى المحقق الأصفهاني على إطلاقه ، ولا مبنى الميرزا على إطلاقه ، وبيان ذلك :

إن الحروف تنقسم إلى أقسام ، (فمنها) الحروف التي تستعمل في موارد الأعراض النسبية ، كقولنا : زيد في الدار وعمرو على السطح ، وهكذا ... فإن هذه الجمل تشتمل على مفاد «است» بالفارسية ، هو مدلول هيئة الجملة الاسمية ، وعلى معنىً واقعي ، وهو ظرفيّة الدار لزيد مثلاً ، يحكي عنه «في» فإن الظرفية ، وكذا الفوقية ، وهكذا ـ أمر واقعي موجود ، وليس ممّا يصنعه أو يعتبره الذهن ، غير أنّ «في» تدلّ على تحقّق هذا الأمر الواقعي في مورد «زيد» و «الدار» وتفيد الربط بينهما ، ذلك الربط الخاص الذي هو ظرفيّة الدار لزيد ، كما هو الحال تماماً في مثل عمرو على السطح ، في معنى الفوقيّة ، وغير ذلك.

فهذا القسم من الحروف موجدة بهذا المعنى ، أي : موجدة للربط بين المفاهيم بما لها من الحكاية عن الواقع ، فالنسبة موجودة حقيقة ، وليست بأمرٍ اعتباري ، وقد كان هذا منشأ الإشكالات المذكورة في (المحاضرات) والتي أوضحنا اندفاعها كلّها.

١٣٥

وتلخّص : إن قسماً من النسب في المعاني الحرفيّة متحققة ، والحروف في هذا القسم تكون حاكيةً عن النسب ، مثل نسبة الظرفيّة بين الدار وزيدٍ ، والاستعلائية بين عمرو والسطح ، والإبتدائية بين السير والكوفة ، وهكذا.

وقد تكون هذه الحروف مفيدةً للنسب ، ولكن لا تحقّق لتلك النسب في الخارج ، وإنما في الذهن فقط ، كما في قولنا : «شريك الباري في نفسه ممتنع» فإن «في» هذه مفيدة لمعنى الظرفيّة أيضاً ، لكنها ظرفيّة تعمليّة وبتصرف من الذهن ، فلها مفاهيم ، لكن موطنها الذهن فقد توجد هناك وقد لا توجد.

وبما ذكرنا في معنى هذا القسم ظهر : أنّ مداليل هذه الحروف ـ في مثل زيد في الدار ونحوه ـ ليست محصورةً بافق الاستعمال ـ كما نقله بعض تلامذة الميرزا النائيني عنه ـ بل هي امور خارجيّة ، وتلك الحروف حاكية عنها.

(ومنها) الحروف غير الحاكية عن نسبةٍ ، مثل حرف النداء ، فإنه لا نسبة بين المنادي والمنادى تحكي عنها كلمة «يا» بل هي موجدة للنسبة وفاقاً للمحقق النائيني ، فما ذكره حق في هذا القسم من الحروف ، ويصح تسميتها بالإيجاديّة بهذا الاعتبار ، فلفظة «يا» ـ مثلاً ـ توجد النسبة الندائيّة بين المنادي والمنادى.

(ومنها) الحروف التي لا تدلّ على النسبة ، لا حكايةً ولا إيجاداً ، مثل «اللاّم» التي للعهد الذهني ، فإنه لا استقلال لمعنى «أل» بل هو قائم بالغير ، وذلك المعنى هو التعريف ، وهذا ما نصّ عليه الخواجة في (أساس الاقتباس). وعلى الجملة ، فمدلول هذا الحرف هو الخصوصيّة التي توجد الذهن لمدخوله ، وهي كونه معرفةً في قبال النكرة.

١٣٦

فظهر أن المختار لدى الاستاذ دام بقاه هو التفصيل بين الحروف ، فلا هي إخطاريّة مطلقاً ، ولا هي إيجاديّة مطلقاً.

إلاّ أن الذي لا بدّ من التنبيه عليه والالتفات إليه هو : أنه هل يوجد في كلّ موردٍ يكون الحرف إخطاريّاً ولمعناه خارجيةً أمران ، أحدهما : العرض النسبي ، والآخر النسبة ، وكلّ منهما موجود في الخارج ، بأنْ يكون في «زيد في الدار» مثلاً ظرفيّة قائمة بالدار ومظروفيّة قائمة بزيد ، وإلى جنب ذلك توجد نسبة بين «الدار» و «زيد» هي مدلول «في»؟

قيل : نعم. وهو للمحقق الأصفهاني ونسبه إلى أهل التحقيق.

وقيل : الموجود في الخارج ليس إلاّ الظرفيّة والمظروفيّة ، وأمّا النسبة فهي من صنع الذهن ، وهذا هو المستفاد من كلمات صاحب (الكفاية).

وقيل : إن الموجود في الخارج هو النسبة فقط ، وهو المستفاد من كلمات الخواجة في تعريف الأين.

وتوضيح كلام المحقق الأصفهاني هو : أنه في الأعراض النسبيّة يوجد سنخان من المعنى ، أحدهما : الهيئة الحاصلة من كون الشيء في المكان ، في مقولة «الأين» ومن كونه في الزمان ، في مقولة «متى» وهكذا. والآخر : هو معنى الحرف الموجود بوجودٍ لا في نفسه ـ وقد ذهب هذا المحقق إلى أن للوجود درجات ، أقواها وجود الجوهر ، ثم وجود الأعراض غير النسبية مثل «الكيف» ثم وجود الأعراض النسبية مثل «الأين» و «متى» ثم وجود الإضافة ، وأضعف منها وجود النسبة ـ وبناءً على ما ذكره ، ففي مثل «زيد في الدار» يوجد :

الجوهر : زيد والدار. وأعراض غير نسبيّة قائمة بالدار وبزيد ، وعرضان

١٣٧

نسبيّان ، ونسبة.

وكلّ هذه لها وجود في الخارج.

لقد حصلت من كون زيد في الدار هيئة لزيد هي من مقولة الأين ، وحصلت إضافة هي مظروفيّة زيد بالنسبة إلى الدار ، وظرفية الدار بالنسبة إلى زيد. فتحقّق «أين» و «إضافة» وهناك أيضاً «نسبة» هي نسبة زيد إلى الدار.

ويضيف المحقق المذكور أن بين «الظرفيّة» وبين «النسبة» التي هي معنى «في» ـ الموجودين خارجاً ـ تبايناً ، لأن الظرفيّة من مقولة الإضافة ، وهذه المقولة في ذاتها وحدّها وتعريفها مستقلّة ، وكذا في وجودها وإن كان قائماً بالغير ، لأنه وجود محمولي ونفسي. أمّا «النسبة» التي هي مدلول «في» فهي غير مستقلّة لا في ذاتها ولا في وجودها.

وعلى هذا ، فليست النسبة بين «الظرفيّة» وبين «النسبة» نسبة الكلّي إلى الفرد ، ولا العنوان إلى المعنون ، وذلك : لأن فرد «الإضافة» له وجود محمولي ، ولكن أنحاء النسب فوجودها وجود رابط ووجود لا في نفسه ، ولأنّ العنوان يكون دائماً حاكياً عن المعنون ، والظرفيّة لا حكاية لها عن النسبة.

فليست النسبة بينهما نسبة العنوان إلى المعنون ولا الكليّ إلى الفرد.

وبما ذكرنا ظهر أيضاً : إن المعاني الحرفيّة وجودات هي أضعف جميع الوجودات ، لأنه وجود في الغير ، ولا يقبل الحمل بالاستقلال على معنى ، وإنه لا معنى له بدون طرفيه ، وما يكون كذلك يكون ناقصاً في معنويّته ؛ بخلاف الإضافة ، فإنها في حدّ معنويّتها ليست ناقصةً.

١٣٨

هذا تمام كلام هذا المحقق.

النظر في كلام المحقق الأصفهاني

وأفاد شيخنا الاستاذ ـ بعد أن ذكر كلام المحقق الأصفهاني ـ في بيان مختاره في المقام : بأنه لا يوجد في مورد الحروف التي مداليلها الأعراض النسبيّة مثل «في» و «إلى» و «على» إلاّ معنى واحد ، فلا يتبادر إلى الذهن من لفظة «من» ـ مثلاً ـ معنيان متباينان أحدهما الابتداء والآخر معنى «من» ، ولا يتبادر من «في» معنيان متباينان أحدهما الظرفيّة والآخر مدلول «في» وهكذا ، بل ليس هناك إلاّ معنى واحد ، هو في مورد استعمال الحرف آلي وفي مورد استعمال الاسم استقلالي ، والمعنى في «على» و «الاستعلاء» وفي «من» و «الابتداء» واحد ، وكذا في أمثالهما ، ولا تغاير فضلاً عن التباين.

فما ذكره مخدوش بالوجدان.

إنه لا ريب في إفادة «في» في قولنا : زيد في الدار : كون زيد في هذا المكان الخاص ، فهو معنى زائد على الكون العام والمكان المطلق ، فبواسطة هذا الحرف تحقّق الظرفيّة والمظروفيّة بالاعتبار من الذهن ، وإلاّ فالموجود في الخارج ليس إلاّ معنى واحد وهو مدلول الحرف. ويشهد بذلك كلام الخواجة في مدلول اللاّم التي هي للتعريف ، فليس في قولنا : «العالم» معنيان متباينان أحدهما التعريف والآخر مدلول اللاّم.

ويدلّ على ذلك ـ مضافاً إلى الوجدان ـ أنا يمكننا إفادة المعنى الواحد بالإتيان بالاسم بدلاً عن الحرف ، ولو كان تغاير بين الاسم والحرف في المعنى لتفاوت المعنى ، والحال أنْ لا تفاوت ، فلنا أن نقول : ابتداء سيري من البصرة إلى الكوفة ، كما نقول : سرت من البصرة إلى الكوفة ، ولا يتغيّر المعنى أصلاً ،

١٣٩

كما يصحّ أن يقال : الإناء ظرف للماء ، بدلاً عن : الماء في الإناء ، بلا فرقٍ في المعنى أصلاً ، وبكلٍّ منهما يصح الجواب عن السؤال : ما ذا في الإناء؟ ولو كان ثمَّ اختلاف في المعنى لما صحّ الجواب بكلٍّ منهما على السّواء.

وعلى الجملة ، فإنه مضافاً إلى عدم البرهان على ما ذكره المحقق الأصفهاني ، فالبرهان قائم بالإضافة إلى الوجدان على خلافه.

وتلخص : إن معاني الحروف في الحقيقة هي النسب فقط [والمعاني الاسميّة المساوقة لها ـ مثل : الظرفيّة ، الابتداء ، الاستعلاء ، الانتهاء ... ـ لا وجود لها في الخارج] وهي معاني متقوّمة بالغير.

وهذا التقوّم دخيل في المعنى خلافاً لصاحب الكفاية إذ قال بعدم دخل التقوّم بالغير في المعنى.

وليس كلّها إيجاديّة خلافاً للميرزا.

وليس كلّها إخطاريّة خلافاً للأصفهاني.

وليس الأعراض النسبيّة خلافاً للعراقي ، على ما يستفاد من تقريرات بحثه.

وأيضاً : مداليل الحروف هي النسب فقط وفاقاً للعراقي ، على ما استفدناه من (المقالات).

ولا يوجد في مثل «زيد في الدار» إلاّ معنى واحد ، وهو النسبة التي هي مدلول «في» ، خلافاً للأصفهاني ، كما تقدّم.

ونسبة الأصفهاني ما ذهب إليه إلى المحققين غير واضحة ، فالشيخ في إلهيّات (الشفاء) يحاول في بحث المضاف أن يثبت للإضافة وجوداً ، ولا يظهر منه أن يريد إثبات وجودٍ للنسبة ، وبهمنيار في كتابه (التحصيل) ـ وهو

١٤٠