الرّحلة الحجازيّة

الأمير شكيب أرسلان

الرّحلة الحجازيّة

المؤلف:

الأمير شكيب أرسلان


المحقق: حسن السماحي سويدان
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار النوادر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٩

الملاحق

١ ـ تاريخ العرب الأولين

٢ ـ الأنساب

٣٨١
٣٨٢

تاريخ العرب الأولين

لا يزال المؤرخون عموما ، والمتخصصون في تاريخ الأمم السامية ، متفقين على كون تاريخ العرب القدماء (١) غامضا ، وأنه لا يزال مفتقرا إلى وثائق كثيرة تجلو حقيقته ، ولقد عثروا على كتابات غير قليلة كشفت بعض نواح منه ، إلا أن كثيرا من هذه الكتابات لا يزال مجهولا ، وما دام هذا القسم من الكتابات لا يزال مغيّبا ، فلا يزال تاريخ العرب الأولين ناقصا. والآن تجد معوّل المؤرخين في هذا التاريخ على بعض الكتابات التي تمكّنوا من حلها في بلاد الغرب ، وعلى ما هو وارد في تواريخ الأمم الأخرى من بابليين وآشوريين ومصريين وعبرانيين ويونانيين ورومانيين ، وكذلك على ما هو وارد عن علماء الإسلام بشأن عرب الجاهلية.

وقد جاء في الكتابات البابلية الخزفية التي عثروا عليها ما يدلّ على وجود ملك إسمه مانيوم كان ملكا على ماغان ، أو بلاد العرب الشرقية. ويظنون أن ماغان هذه هي معان ، كما أنه ورد في محل آخر ذكر ملوخ ، الذي يظنّ أنّ منه اشتق اسم العمالقة.

وكان السومريون ذوي علاقات مع هؤلاء. ثبت إذن وجود العمالقة

__________________

(١) [في جزيرة العرب].

٣٨٣

في التاريخ منذ ألفين وخمسمئة سنة قبل المسيح.

فأما الكتابات التي عثروا عليها في جزيرة العرب فهي ترجع إلى ألف سنة فأكثر قبل المسيح ، وأكثر من خدم العلم في كشف هذه الكتابات المنقوشة على الصخور هو بحسب ما ورد بالأنسكلو بيدية الإسلامية ؛ يوسف هاليفي (Gosephe Halevy) وإدوارد غلازر (Edoird Glaser) وهذه الكتابات تنقسم إلى قسمين بحسب اللغة : فالأول : هي المعينية ، والثاني : هي السبئية ، نسبة إلى معين وسبأ ، وهما قبيلان يقال : إنهما من حضرموت.

وفي سنة الخمسمئة قبل المسيح ، كان ملوك مأرب في اليمن يطلق عليهم لقب ملوك سبأ ، ثم ظهر بعدهم الحميريون ، وتمكنوا في مأرب أيضا. وفي نحو السنة الثلاثمئة قبل المسيح كان يقال للواحد من هؤلاء : ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ، ثم أضافوا إلى ذلك اللقب جملة : وعربهم في الجبل وتهامة ، وبقي ملك الحميريين هؤلاء إلى ما بعد استيلاء الأحباش على اليمن ، أي في القرن الرابع بعد المسيح إلى القرن السادس.

وقد وجد العلماء كتابات منقوشة على الصخور من ذلك العهد. وكان كلازر الآنف الذكر هو الذي كشف الكتابة الطويلة المتعلقة بسيل العرم ، أي انفكاك سد مأرب ، وهو الحادث العظيم الذي وقع في سنة خمسمئة وثلاث وأربعين بعد المسيح ، وهذه الكتابة كتبها أبرهة ونصها : «بقوة الرحمان «رحمانان» ولطفه ورحمته وبمسيحه والروح القدس نقشت هذه الكتابة على الحجر بأمر أبرهة الوالي من قبل الملك إليكسومي رامفيس ذي بيامان ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنات وعربهم في الوعر والسهل».

ثم يوجد في هذه الكتابة إشارة إلى رسل ملك الروم ، وملك فارس ، والمنذر ، والحارث بن جبلة ، مما يدل على أنّ دسائس كل من الدولتين

٣٨٤

الرومية والفارسية كانت بدأت في جزيرة العرب منذ ذلك العهد ، ولم يطل الأمر حتى خلع أبرهة عامل الحبشة آخر الملوك الحميريين الملقب بذي نواس ، وأزال مملكة حمير ، وأبرهة هذا هو الذي زحف إلى مكة ومعه الفيل ، وإليه أشار صاحب البردة (١) بقول :

كأنّهم هربا أبطال أبرهة

أو عسكر بالحصى من راحتيه رمي

وفي ذلك الوقت تغلّب العجم على اليمن لعهد كسرى الأول ، فاستناب عنه رجلا يقال له وهريز.

ولما ظهر الإسلام كان في اليمن عامل لكسرى أبرويز الثاني يقال له باذان ، فأسلم ، ودخل بعد ذلك اليمن في الحوزة المحمدية ، ولم يقدر العلماء أن يكشفوا شيئا عن المملكة السبئية يرجع إلى أقدم من سنة سبعمئة قبل المسيح.

[المعينيون]

فأما المعينيون فالمظنون أن الكتابات المتعلقة بهم ، تملأ تواريخها خمسة قرون ، ويظهر أنّ المعينيين كانوا معاصرين للسبئيين ، وغاية ما هناك أنهم رجّحوا أن أقدم الكتابات السبئية يرجع تاريخها إلى أحدث الكتابات المعينية ، وقد جاء في الكتابات المعينية ما يثبت وجود دولة السبئيين في اليمن. وكان ملوك المعينيين مثل خالي كاريبا صادو ، ويحتيل ريام أبو تبع كرب في الزمن الذي كان فيه ملوك سبأ ، والمظنون أن هذا كان بين سبعمئة وستمئة سنة قبل المسيح ، وقد جاء في كتابة معينية ما يفيد أنّ السبئيين وقبيلة أخرى اسمها خولان كانوا يشنون الغارات على الطريق المؤدي من نجران إلى معان في بلاد الشراة جنوبيّ سورية ، وقد أشار «سفر أيوب» من «التوراة» إلى هذه الغارات.

__________________

(١) [البوصيري].

٣٨٥

ووجدت كتابات آشورية سابقة لسنة السبعمئة قبل المسيح ، فيها إشارة إلى وجود أمير من سبأ اسمه أيطع آماده ، يظنّ أنه كان في بلاد العرب الوسطى ، هذا ولم تنفرد سبأ ومعين بملك اليمن ، بل كان هناك دولتا قحطان وحضرموت ، فالجملة دول أربع أعظمها سبأ.

وكان للمعينيين مستعمرة في مدين ، نظرا لتجارتهم بالطيب ، وقد ثبت ذلك من كتابات كشفها العالم أوتنغ (Eutung) في العلى شماليّ المدينة المنورة. وسقطت دولة المعينيين في نحو الستمئة والخمسين قبل المسيح ، وقد ورث السبئيون مستعمرتهم في مدين.

[اللحيانيون]

وفي ذلك الوقت تقدّم نحو بلاد العرب دول أخرى مثل حكومة نبوخذ نصر ، فقد كشف أوتنك وهوبر (Huber) في تيماء كتابات تدل على كون حكم الآراميين البابليين وصل إلى هناك ، وربما كان الملك العربي الذي أشار إليه هيرودوت بأنه عاش في نحو السنة الخمسمئة والعشرين قبل المسيح هو ملك اللحيانيين ، الذي قال بلينوس الروماني المؤرخ» Pline «: إنّ عاصمته كانت هجر ، فاللحيانيون هؤلاء يجوز أن يكونوا ورثوا المعينيين والسبئيين ، ووجدوا قبل النبطيين ، أي كانت دولتهم بين الخمسمئة والثلاثمئة سنة قبل المسيح.

[النبطيون]

ثم ظهرت آثار النبطيين في القرن الثاني قبل المسيح ، وبقيت دولة هؤلاء النبطيين إلى سنة مئة وستة قبل المسيح ، إذ تغلّب عليهم

٣٨٦

الرومان ، وكانت مدينة النبطيين هي بتراء (١) ـ أي وادي موسى اليوم ـ وكان يمتدّ ملكهم إلى مدين وبلاد بني سليم الوارد. ذكرها في نشيد الأنشاد من «التوارة».

وقد عثروا في وعرة الصفاة من حوران على كتابات مشابهة لحروف الهجاء العربية اليمنية (٢).

أما الكتابة النبطية ـ موصولة الحروف ـ فهي مشتقة من الفرع الآرامي من الكتابة الكنعانية ، أو يرجح أنها هي أصل الكتابة العربية التي اصطلحوا عليها في القرن الثالث بعد المسيح.

وأقدم كتابة عربية معروفة اليوم هي كتابة نمارة في شرقيّ حوران ، تاريخها سنة ثلاثمئة وثمان وعشرين بعد المسيح ، وهذه الكتابة تتعلّق بملك يقال له : امرؤ القيس بن عمرو ملك العرب ، وملك أسد وطيء ونزار ، ومن هذه الكتابة يعلم أن ملك امرىء القيس هذا كان يمتدّ إلى نجران اليمن (٣).

جاء في «الأنسكلو بيدية الإسلامية» أنه ربما كان امرؤ القيس هو أحد ملوك المناذرة اللخميين. قلنا : هذا محقق إذ جاء فيهم بحسب ما في «تاريخ أبي الفداء» ذكر امرؤ القيس بن عمرو ، ثم عمرو بن امرىء القيس ، ثم امرىء القيس المحرق بن عمرو ، وهو والد النعمان الأعور ، ثم جاء امرؤ القيس بن النعمان. وقد تابع أبا الفداء في ذلك جرجي زيدان السوري ، وعلي ظريف الأعظمي العراقي ، وقابلنا بين هذه

__________________

(١) [واسمها (سلع)].

(٢) [انظر تاريخ العرب قبل الإسلام» تأليف رينيه ديسو ترجمة عبد الحميد الدواخلي].

(٣) [هناك (نجران) في جبل العرب من أرض حوران شرقي إزرع وهي المقصودة بالنقش المذكور].

٣٨٧

السلسلة التي ذكرها كلّ منهما وبين تاريخ صالح بن يحيى التنوخي ، فوجدنا أنّ في سلسلة صالح بن يحيى ذكر امرىء القيس بن النعمان الأعور بن امرىء القيس المحرق بن عمرو بن امرىء القيس الأول بن عمرو بن عدي اللخمي ، وقابلناها مع سجل نسب العائلة الأرسلانية اللخمية ، فوجدنا أنّ المنذر الذي أمه ماء السماء ، أي المنذر الأول هو ابن امرىء القيس الثالث بن النعمان الثاني بن امرىء القيس الثاني بن النعمان الأول بن عمرو الثاني بن امرىء القيس الأول بن عمرو بن عدي اللخمي.

فمن هنا يعلم أنه يوجد عدة ملوك من اللخميين باسم امرىء القيس ، ولكنّ المقصود بالذات هنا هو الملك الذي تولّى منهم بين سنة مئتين وخمسين وثلاثمئة وثلاثين بعد المسيح.

فهذا هو امرىء القيس الأول الذي يقال له المحرق ، ويقال له البدء ، فإنّه ملك بين سنة مئتين وثمان وثمانين ، وثلاثمئة وثمانية وعشرين. وقد كان اللخميون عمالا للأكاسرة ، كما كان الغسانيون عمالا للقياصرة ، وكان مقصد ملوك الفرس باستعمال ملوك الحيرة أن يكونوا فاصلا بين الفرس والعرب ، ويصدوا غارات القبائل العربية على العراق. ومثل ذلك كان مقصد ملوك الروم بواسطة الملوك أولاد جفنة الغسانيين ردع العرب عن شن الغارات على جنوبيّ سورية.

فهذا جلّ ما يعرف من تاريخ العرب قبل الإسلام ، وكلّما توغّل هذا التاريخ في القدم يزداد غموضا كما لا يخفى (١).

__________________

(١) [صدر عن تاريخ العرب قبل الإسلام عدة كتب قديمة وحديثة فمن القديم «نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب» لابن سعيد تحقيق الدكتور نصرت عبد الرحمن و «المناقب المزيدية في أخبار الملوك الأسدية» للحلي تحقيق الدكتور صالح دراكة والدكتور محمد الخريسات.

٣٨٨

غير أنّ هناك حقيقة اتفق عليها الباحثون من علماء الفرنجة ، ولا سيّما الذين نقبوا عن الكتابات الحجرية المبثوثة في جزيرة العرب. وهذه الحقيقة أنه في نحو الألف سنة قبل المسيح كانت للعرب ـ لا سيّما في اليمن ـ مدنية في غاية الارتقاء والازدهار.

وبعض العلماء يذهب ـ ومنهم صاحبنا الأستاذ المستشرق موريتز (Morits) الألماني ـ إلى أنّ أصل إيجاد الكتابة بالحروف بعد الكتابة الهيرو كلوفية كان في اليمن ، وهو يعتقد أنّ اليمانيين هم الذين اخترعوا الكتابة ، وليس الفينيقيون هم الذين اخترعوها كما هو الرأي المشهور.

وقد أفضى موريتز إليّ بأدلته على هذا الرأي ، وقال : إنّ الفينيقيين إنما بنوا كتابتهم على الكتابة العربية اليمنية ، ثم إنّ اليونانيين أخذوا الكتابة عن الفينقيين ، وعنهم أخذ الرومانيون ، فيكون العرب هم الذين أوجدوا الكتابة في العالم ، وبهذا الاعتبارهم الذين أوجدوا المدنية.

وأما المستشرق هومل (Hommel) ففي «الأنسكلوبيدية الإسلامية» يذكر أخذ اليونان عبادة أبولّون وأمه ليتو (Leto) عن العرب (١).

وقال روبيرتسون سميث (Robertson Smith) : إنّ ليتو هذه هي اللات ، وإنّ اليونان بحسب رأي بريتوريوس أخذوا بعض أحرفهم عن كتابة عرب اليمن ، والبعض الآخر عن كتابة الكنعانيين ، قال هومل : إنّ جنوبيّ بلاد العرب كانت فيه مدنيّة في أوائل الألف قبل

__________________

وفي الحديث «تاريخ العرب قبل الإسلام» لجواد علي ، و «تاريخ العرب القديم» للدكتور فؤاد حسنين وغير ذلك].

(١) [وإلى هذا ذهب العلامة الكبير الدكتور نجيب محمد البهبيتي المصري رحمه‌الله تعالى في كتابه «الشعر العربي في منظوره التاريخي القديم» وهو آخر مؤلفاته].

٣٨٩

المسيح بالغة الحد الأقصى من الازدهار بما تركته من معابد وحصون ، ومحافد وقصور ، وكتابات.

فأما الكتابة الحميرية وهي التي يقال لها خط المسند ؛ فقد جاء في الجزء الثامن من كتاب «الإكليل» للفيلسوف العربي الحسن بن أحمد الهمداني صاحب كتاب «صفة جزيرة العرب» تصوير هذه الكتابة كما سيأتي. وقد اشتهر كتاب «الإكليل» كثيرا ، ولكنّ أكثره مفقود حتّى في بلاد اليمن نفسها ، فقد بحثنا عنه فلم نجدهم يذكرون إلا جزئين ، والحال أنّه عشرة أجزاء.

الأول : مختص بالمبتدأ وأصول الأنساب.

والثاني : نسب ولد الهميسع بن حمير.

والثالث : في فضائل قحطان.

الرابع : في السيرة القديمة إلى عهد تبع أبي كرب.

والخامس : في السيرة الوسطى من أول أيام أسعد تبع إلى أيام ذي نواس.

والسادس : في السيرة الأخيرة إلى الإسلام.

والسابع : في التنبيه على الأخبار الباطلة والحكايات المستحيلة.

والثامن : في ذكر قصور حمير ومدنها ، وما حفظ من شعر علقمة والمراثي والمساند.

والتاسع : في أمثال حمير وحكمها باللسان الحميري وحروف المسند.

والعاشر : في معارف حاشد وبكيل.

وقد اطلعت على الجزئين الثامن والعاشر في المكتبة الملوكية في برلين ، وأخذت صورتهما بالفوتو غرافية ، وعلمت أنّ أحد هذين الجزئين لا يزال محفوظا في إستانبول ، كما أني علمت أنّ الجزء الثامن

٣٩٠

الذي يدور على القصور والمحافد والمساند قد طبعه الدكتور مولر وشرحه سنة (١٨٧٩) وأما سائر الأجزاء فما علمنا بوجودها.

وإليك الآن ما جاء في الجزء الثامن عن الخط المسند ، قال الهمداني : باب حروف المسند ، وهو كتاب حمير ومثلاته في حروف ا. ب. ت. ث. وغيرها.

قال الهمداني : أكثر ما يقع بين الناس الخلف فيما تقوّلوه في لسان حمير من اختلاف صور الحروف ، لأنّه ربما كان للحرف أربع صور وخمس ، ويكون الذي يقرأ لا يعرف إلا صورة واحدة ، فلما وقع الخلل في هذا الموضع رأينا أن نثبت تحت كل حرف من حروف ؛ ألف ، باء ، تاء ، ثاء ، صورة جميعها. وإنما كان اختلاف صور الحروف على سبيل اختلاف الكتاب العربي ، وكانوا يطرحون الألف إذا كانت وسطا مثل ألف همدان ، وألف ريام ، فيكتبون ريم وهمدن.

كذلك تبع كتّاب المصاحف الحروف في مثل : الرحمن ، وألف إنسان ، ويثبتون ضمة آخر الحرف واو [مثل] : عليهمو ، إلى أن يقول : ويقرنون كل سطرين بخط ، ويفصلون بين كل كلمتين في السطر بخط ، ومثال ذلك في أول مسند هذه صورته :

٣٩١

والذي عليه جمهور المؤرخين والمنقبين اليوم وفي مقدمتهم سبرنكر ، وشرودر ؛ هو أنّ جزيرة العرب هي مهد الأمم السامية ، وأنّ المهاجرة بدأت منها إلى الخارج.

وقد خالف في ذلك بعضهم ، وذهبوا إلى أنه يجوز أن يكون وقوع المهاجرة بالعكس ، أي بدلا من أن يكون العرب ارتحلوا من الجزيرة إلى بابل ؛ يجوز أن يكون بعض الأقوام الذين على شواطىء الفرات قد ارتحلوا منها إلى الجزيرة العربية ، فأما كون البربر من العرب وأنهم جاؤوا من جزيرة العرب ، وأن اللغة البربرية هي من اللغات السامية ؛ فهذا سيكون البحث فيه بمكان آخر.

فبعض العلماء ومنهم نولدكه المستشرق الألماني المعروف يقول بهذا الرأي وبعضهم يردّه.

وقد ذهب هومل (Hommel) إلى أنّ السبئيين كانوا في الجوف في شمالي بلاد العرب ـ التابعة لابن سعود اليوم ـ وأنهم تقدموا منها إلى الجنوب. وقد جاء ذكر سبأ في «التوارة» مرارا ، ولكن بأقوال يناقض بعضها بعضا ، وإنما يمكن الاتفاق على أنّ السبئيّين كانوا تجارا في تلك الأعصر ، يبيعون عود الطيب في مصر والشام ، ويتّجرون بالحجارة الكريمة ، و «التوارة» تشير إلى ثروة السبئيّين ، ويؤيّد ذلك مؤرخو اليونان والرومان.

وقد ذكر سترابون المؤرخ الجغرافي اليوناني ، أنّ الرومانيين في زمن أغسطس غزوا سبأ ، وذلك سنة (٢٤) أملا بالاستيلاء على أموال هذه الأمة ـ ففشلت هذه الغزوة فشلا تاما ، ولكنّها عرّفت الرومانيين ببلاد العرب ، فقد جاء في كتب مؤرّخي الرومان واليونان مثل ديودور وهيرودوت وغيرهما كلام كثير عن حضرموت واليمن ، ووجد مطابقا للكتابات التي عثروا عليها في جنوبيّ الجزيرة العربية. ومن ذلك كلّه يظهر أنّ أهالي اليمن كانوا أشداء في الحروب ، أصحاب إقدام ونشاط

٣٩٢

في الأعمال ، وكانت لهم زراعة راقية جدا ، وتجارة ممتدة إلى سائر الأقطار وعلاقات اقتصادية مع مصر وفينيقية ، وكان لهم قيام على الملاحة وركوب البحر يعجب به المؤرخون.

وكان السبئيّون سبّاقين في هذه المزايا كلّها ، وكانوا أصحاب يسار وترف. ولكن يظهر أنه لما غزا الرومان تلك البلاد بقيادة كالّوس (Gallus) كان قد بدأ ظهور دولة الحميريين ، وكان قد تقهقر السبئيون. فالقائد كالّوس يذكر أنهم ـ أي الحميريين ـ أصحاب الكلمة العليا في اليمن ، وقد كان هذا في القرنين الأول والثاني قبل المسيح.

ولكنّ السبئيين بحسب ما جاء في تاريخ بلينوس الروماني (Pline) كانوا لا يزالون ذوي سيادة ومكانة ، وكانت بقيت لهم بعض المدن ، وهذا مؤيد بالكتابات المنقوشة على الصخور ، وبآثار العمران ، من أقنية وسدود وصهاريج ، وبأقوال الهمداني صاحب كتاب «الإكليل» و «صفة جزيرة العرب».

وقد ذكر بلينوس الروماني معادن جزيرة العرب ، واستخراج هذه الأمة للذّهب الذي زاد في ثروتها ، وسهل طرق مدنيتها. وأما محصول الطيب فقد كان خاصا بالسبئيّين والمعينيين.

وفي أوائل القرن الثاني قبل المسيح تقدّم الأحباش إلى بلاد سبأ ، وصار أيزاناس يلقّب بملك حمير وسبأ ، ويستدل من الكتابات المنقورة في الصخور أنه من نهاية القرن الثالث إلى الربع الأخير من القرن الرابع للمسيح لم يكن في اليمن ملوك من أهل اليمن أنفسهم ؛ وأنّ الحكم كان قد صار للحبشة ، ولذلك منذ أواخر القرن الرابع لا تكاد تجد ذكرا لسبأ في كتابات اليونان والرومان.

وقد كان سبرنكر منذ نصف قرن لا غير يقول : إنّ مؤخري اليونان وبلينوس الروماني هم الذين نستقي منهم جميع المعلومات عن

٣٩٣

السبئيين ، وكذلك قبل هذا التاريخ كانت جميع المعلومات التي لدينا عن جنوبيّ بلاد العرب هي ما جاء في العهد العتيق ، وما يتناقله العرب من القصص التي فيها من التخيّل أكثر مما فيها من الحقيقة. فلمّا عثر المنقبون على ما عثروا عليه من الكتابات هناك انكشف لديهم ما يجدر بأن يسمى تاريخا ، والفضل أكثره في كشف هذه الكتابات راجع إلى كلازر.

وقبل كلازر كان كارستن نيبور (Caresten Nie Buhr) ذهب إلى جزيرة العرب في بعثة علمية أنفذتها الحكومة الدانمركية سنة (١٧٦٣) وكان فيها راتكن الألماني ـ حدثني بذلك حفيده الأستاذ راتكن في هامبورغ.

فهذه البعثة التي هي أول بعثة علمية إلى جزيرة العرب تنبّهت لقضية الكتابات المنقوشة على الصخور ، فجابت البلاد من لحج ، إلى مخا ، إلى تعز ، فصنعاء ، وكان غرضها معرفة الجغرافية وأحوال السكان ، وأصولهم وأنسابهم ، مع درس طبقات الأرض ونباتاتها ، لكنّها علمت بوجود كتابات في ظفار لم تصل هي إليها ، غير أن هولنديا كان قد أرسل إلى هذه البعثة نسخة عن كتابات عثر عليها.

وعلى كل حال فأول من نبّه إلى هذه الكتابات ووجوب حلها خدمة للعلم هو نيبور الدانمركي ، ثم تلاه سيتزن (Seetzen) من أولدنبورغ ، فإنّه نسخ الكتابات المنقوشة على صخور ظفار ، وأرسل نسخة عن بعض جمل سبئيّة إلى أوربة ، وذلك سنة (١٧١١) ولم يفهموا مآلها في أول الأمر ، ثم توصّوا إلى حلها ، فاشتدت رغبتهم في معرفة غيرها.

وفي سنة (١٨٣٤) كشف الإنكليزي ولستيد (Wellsted) كتابة في حصن غراب على ساحل حضرموت ، وكتابة في محل يقال له : نقاب الحجر ، وفي سنة (١٨٣٦) كشف كروتندن (Cruttenden) خمس قطع

٣٩٤

سبئيّة في صنعاء ، ثم نشر الرحالة فريدي (Wrede) في سنة (١٨٧٠) كتابات وجدها في حضرموت.

ثم جاء أرنود (Arnaud) وهو أول أوربي توصّل إلى سد مأرب ، فنسخ عما وجده في مأرب وفي صنعاء (٥٦) كتابة ، أكثرها كان جملا قصيرة ، ثم كثر الاطلاع على هذه الكتابات في بلاد اليمن. وكان الفضل في حلّ هذه الكتابات ومعرفة معانيها إلى كيسنيوس (Gesenius) وروديكر (Rodiger) سنة (١٨٤١) وإلى أوزياندر (Oseander) سنة (١٨٥٦ ـ ١٨٦٣) واطلعوا على كتاب ليعقوب بن صافر اليهودي كتبه بالعبري في سنة (١٨٦٦) فإنّه ذهب من الحديدة إلى عمان على طريق صنعاء ، وجاء في كتابه بمعلومات ذات قيمة ، وبها استدل هاليفي (Halevy) على الأماكن التي يجب ارتيادها لأجل الاطلاع على الكتابات الحجرية.

ويظنّ أن هاليفي كان أول أوربي تمكن من الإيغال إلى وادي نجران ، وإلى الجوف اليماني مركز بلاد معين ، وبذلك تمكّن من الاطلاع على كتابات كثيرة من أقدم عهود البشرية ، ولم يطلع عليها بعده غيره من الأوروبيين ، فنسخ هاليفي (٦٨٦) كتابا منها خمسون من الكتابات الطويلة ، ومن هذه الخمسين ثلاثون معينيّة.

وقد كان ما اطلع عليه هاليفي هذا هو الأساس الذي اتخذه العلماء للتاريخ العربي المتعلق بجنوبيّ جزيرة العرب.

ثم ذهب إلى هناك الكابتن ميلز (Miles) ثم هينرك ملتسان (Heinrich Von Maltzan) الذي ارتاد سواحل حضرموت سنة (١٨٧٠) ثم ميلنكن (Milligen) الذي ذهب من الحديدة إلى صنعاء سنة (١٨٧٣) ثم مانزوني (Manxoni) الذي جاب البلاد بين عدن وصنعاء والحديدة سنة (١٨٨٠) ثم شابيرا الذي جوّل في تلك البلاد سنة (١٨٧٩) ثم هاريس (Harris) الذي ساح في اليمن سنة (١٨٩٣) ولم يأت هذا

٣٩٥

الأخير بكتابات جديدة ، ولكنّه أتى بمعلومات عن تلك البلاد مهمة.

ثم جاء لانكر (Langer) النمساوي فتوصل إلى (٢٢) كتابة لم تكن معروفة من قبل ، ومات ضحية بحثه وتنقيبه ، كما مات سيتزن من قبله ، وهوبر من بعده (١). وإنّ القارىء الذي يهمه هذا البحث جدير بأن يطالع كتاب فيبر (Weber) الذي أسماه «العرب قبل الإسلام» Arabien Vor) (Dem Islam وكتاب هومل المسمى «رحلة هلبرخت».

وأما كلازر الألماني البوهيمي فقد برع على الجميع ، لأنّه تمكن من نقل ألفي كتابة حجرية ، وبدأ سياحته سنة (١٨٨٢) ذهب من الحديّدة إلى صنعاء ، وجاب البلاد ثلاث مرات في الشمال ، والغرب ، والجنوب الشرقيّ ، والشرق. ثم ذهب إلى بلاد ظفار ، كما أنّه ذهب إلى مأرب ، ونقل أربعمئة كتابة منها ، وحقق معلومات جغرافية أطلسية كثيرة ، ووقف على فوائد عظيمة من جهة اللغة ، واقتنى أكثر من ستمئة مخطوط عربي ، فنشرت أكاديمية باريس جانبا من هذه الكتابات. والآن يوجد حجارة عليها كتابات معينيّة في لوندرة ، وأخرى في برلين. فأما المخطوطات فأكثرها في برلين ، ومنها جانب في المتحف البريطاني. وأهم هذه الكتابات هي كتابة حدقان وكتابة صرواح التي منها يؤخذ أهم الوثائق التاريخية على جنوبيّ بلاد العرب.

ولما سافر كلازر المرة الرابعة إلى اليمن حصل أيضا على مئة كتابة لم نعرفها من قبل ، وعلى (٢٥١) مخطوطا عربيا ، وجمع معلومات كثيرة.

وإنه يعود أكثر الفضل في تفسير الكتابات واستخراج معانيها إلى هاليفي المار ذكره ، وبريتوريوس ، وموردتمان ، ومولر ، وهومل وكلازر.

__________________

(١) [أغلب هؤلاء الرحالة من اليهود مثل هاليفي وشابيرا وغيرهما].

٣٩٦

ثم قام بعض العلماء بسياحات أخرى في اليمن منهم دفلر (Deflers) سنة (١٨٨٧) لكن غرض سياحته كان علم النبات ، ثم هيرش ساح إلى حضرموت سنة (١٨٩٣) وهو أول أوربي دخل شبام وتريم ، ولم يكن باحثا إلا عن الأمور الطبيعية.

ثم في سنة (١٨٩٣) جاء بانت (Beant) إلى حضرموت فدخل شبام وظفار ، ثم جاء كارلو لاندبرك (Carrlo Landberg) في سنة (١٨٩٦) وكتب رحلة مهمة ، ثم أرسلت أكاديمية فيينة سنة (١٨٩٨) بعثة أنفق عليها ملك السويد ، فلم تفز بكبير طائل ، فتحوّلت إلى جزيرة سقطرة ، وقامت هناك بمباحث طبيعية ولغوية.

ثم إن بوري (Bury) جاء من قبل هذه البعثة إلى بيحان وخولان ، وصوّر عدة كتابات.

وفي سنة (١٩٠٢) أرسلت أكاديمية فينيّة رجلا اسمه هاين (Hein) إلى حضرموت رجع بمعلومات كثيرة لم يكونوا عرفوها (١).

هذا ويقال : إن جميع ما اطلع عليه كلازر الذي هو إمام هذا الفن لم ينشر بأجمعه ، لأنه لم يتسع له الوقت ، ومات قبل أن يتمكّن من نشر جميع معلوماته ، وبعد موته نشروا في فينة جانبا منها لا كلها.

وقد ذهب كلازر إلى أنّ الكتابات المعينية ترجع إلى ما قبل المسيح بألفي سنة ، ولذلك تكون أقدم من الكتابة الفينيقية التي لم تظهر إلى ما قبل المسيح إلا بألف سنة ، فلذلك اعترض العلماء على كلازر في

__________________

(١) [ويمكن أن يضاف إلى هذه البعثات رحلة الأستاذ نزيه العظم المسماة «رحلة اليمن السعيدة» وقد نشرها في مصر في جزئين في الثلانيات من القرن العشرين.

كما أن من أهم بعثات التنقيب عن الآثار في اليمن البعثة المصرية برئاسة عالم الآثار الكبير الدكتور أحمد فخري].

٣٩٧

هذا الزعم ، بحجة أنّ الكتابة المعينية مستقيمة وأشكالها هندسية ، ولا يظن أن مثل هذا الشكل يكون متوغلا في القدم إلى تلك الدرجة.

جاء في «الأنسيكلوبيدية الإسلامية» أنه لم يوجد بين كتاب العرب من جاء بتاريخ حقيقي عن اليمن ، وبمعلومات مؤسسة على قواعد متينة مثل الهمداني. فقد كان هذا الرجل يمانيا مولودا في صنعاء ، فحمله حبّ وطنه والإعجاب بقومه على تأليف كتاب «الإكليل» الذي ذكر فيه تاريخ اليمن ووصف العاديّات التي فيها. والجزء الثامن من «الإكليل» كان نشره مع ترجمة ألمانية الدكتور مولر (H.Muller) كما تقدّم. وقد أخذ من الجزء العاشر معلومات كمّل ما ود في كتاب الهمداني الآخر المسمّى «صفة جزيرة العرب» وقد كان في كتاب الهمداني قصص أشبه بالأساطير نقلها الهمداني على علاتها ، إلا أنّه برغم ذلك هو الكتاب العربي الوحيد الذي يفهم منه القارىء ما اليمن ، ومن أهل اليمن؟ وفيه تفاصيل عن أنساب اليمن ، وطبائع أهلها ، وعن مواقع مدنها ، وعن قصورها وحصونها لا توجد في كتب الإفرنج برغم جميع تدقيقاتهم.

وكذلك في «إكليل» الهمداني عن سبأ وعن سيل العرم ما لا يتمّ تاريخ اليمن إلا به.

وقد ذهب مولر إلى أنّ الكتابات الحجرية لا تكفي لجلاء تاريخ سبأ ومعين وبلاد اليمن. فأمّا قول الهمداني إنّ باني سد مأرب هو لقمان بن عاد فهو قول تابع فيه العوام ، والحقيقة التي ظهرت من الكتابات أنّ باني السدّ هو إثيعمر ، فأما وصف آثار السدّ بعد خرابه فإنّ أرنود وهاليفي لم يصفا تلك الآثار بغير ما صورها به الهمداني (١).

وقد قسّم مؤرخو العرب أدوار اليمن قبل الإسلام إلى ثلاثة.

الأول : من البدء إلى عهد تبع أبي كرب.

__________________

(١) [انظر صورة عن سد مأرب في آخر الكتاب].

٣٩٨

والثاني : من عهد أبي كرب إلى ذي نواس.

والثالث : من عهد ذي نواس إلى الإسلام.

ولكن علماء الإفرنج قسّموا هذه الأدوار إلى ثلاثة بشكل آخر. فقالوا :

الدور الأول : هو السبئي المعيني.

والدور الثاني : هو الحميري.

والدور الثالث : هو الحبشي فالفارسي.

ولعلّ الوقت يأتي بمعلومات أوضح مما تيسّر حتى الآن (١) فإنّ تاريخ الأعصر الغابرة كان ظلمات بعضها فوق بعض ، فانكشف جزء منها بالحفر والتنقيب ، وحلّ الكتابات القديمة ، ولا يزال تحت التراب ـ وربما فوق التراب ـ كتابات كثيرة لم يصل المنقّبون إليها.

ولما كنت في الحجاز منذ ست سنوات ، وصعدت إلى جبال الطائف ، وجدت كتابات كثيرة على الصخور ، وقيل لي : إنها مستفيضة في كلّ مكان تقريبا من جزيرة العرب ، وقيل لي أيضا : إنّ بين المدينة ونجد كتابات لا تحصى. وكيف ضرب الإنسان في أرض جزيرة العرب يجد كتابات على الصخور ، فإنّ من عادتهم أن ينقشوا أخبار الحوادث التي تقع عندهم على الجنادل ، وقد شاهدنا من هذه الأخبار المحفورة على الصخر بالخط الكوفيّ شيئا كثيرا ، وأوردت أمثلة عليه في «رحلتي الحجازية» (٢).

ومرة قرأت في طريق وادي ليّة على صخر خبر قحط أصاب الناس وأجدبوا ، ثم بعث الله الغيث وسقوا.

__________________

(١) [كتب هذا البحث سنة (١٩٣٥)].

(٢) [انظر ص (٢٧٧) من هذا الكتاب].

٣٩٩

على أنّ مؤرخي الإفرنج يعترفون بأنّ في كتب مورخي الإسلام روايات عن مدنية سبأ القديمة ، والأدوار التي تلتها تنطبق أشدّ الانطباق على الكتابات المنقوشة في الحجر ، وعلى المنابع (١) اليونانية والرومانية ، وكلها تفيد أن مدنية سبأ كانت راقية جدا ، وأرقى من المدنيات العربية الأخرى ، فالمباني القديمة الداثرة من آثار سبأ ، والنقوش والتماثيل ، وبقايا الأعمدة والهياكل ، والقصور والأسوار والأبراج ، وسدود المياه ، مما شاهده سيّاح الإفرنج بعينهم يطابق أشدّ المطابقة الأوصاف التي وصف بها اليونان والرومان تلك الآثار المدهشة ، ولا يجدون فيها مبالغة ، كما أنّه عندما ينظر السائح إلى تلك الآثار الباهرة لا يعود متعجبا مما جاء عنها في كتب الإسلام ، مما كان يظنه من أساطير الأولين. وحسبك ما ذكره الهمداني عن قصر غمدان وغيره من قصور سبأ مثل قصر سالحين ، وبينون ، وما ذكره عن عظمة سد مأرب ، وما كتبه مؤرخو اليونان والرومان عن فخامة تلك القصور ، وهاتيك الأسداد والقلاع ، فهو مطابق للمحسوس المشهود بالعيان.

فقد كان العرب في جنوبيّ الجزيرة في حاجة إلى خزن مياه الأمطار لأجل زراعتهم ، فبلغوا من الاعتناء ببناء السدود والحياض أقصى درجة يتصوّرها العقل ، وترقت الزراعة في اليمن لذلك العهد القديم إلى حدّ لا يخط ببال أحد.

وروى الهمداني أنه كان يقال لليمن : اليمن الخضراء. لكثرة أشجارها وفواكهها ومحصولاتها ، ولم تكن الزراعة وحدها هي التي بلغت الأمد الأقصى من الرقيّ ؛ بل ضارعتها التجارة من جهة ، والصناعة من جهة أخرى.

__________________

(١) [المصادر].

٤٠٠