الرّحلة الحجازيّة

الأمير شكيب أرسلان

الرّحلة الحجازيّة

المؤلف:

الأمير شكيب أرسلان


المحقق: حسن السماحي سويدان
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار النوادر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٩

جزيرة العرب هي من البلاد التي عرفها السياح أقل من جميع أقطار الأرض ، وأكثر ما عرفوا منها السواحل وبعض القسم الشمالي ، وفي جوف الجزيرة قطعة يعدل طولها بثمانمئة كيلو متر ، وعرضها بستمئة كيلو متر ، لا يعرف عنها شيء ، ولا من أي شكل هي (١) ، ولا إذا كانت صحراء ميتة أو مسكونة؟ وإنّ عدم الاطلاع على حقائق هذه المجاهل ليس ناشئا من طبيعة الأرض كما هو ناشىء من طبيعة السكان. انتهى ملخصا.

* * *

__________________

(١) [يقصد منطقة الربع الخالي].

٣٢١

الدين النصيحة!!

فأنت ترى من هذه الرسالة المنشورة سنة (١٩١٧) أي منذ أربع عشرة سنة أن الأوربيين يعرفون ما في جزيرة العرب من المعادن ، إن لم يكن تفصيلا فإجمالا ، وأنّه ليس عدم سماعهم بثروتها المعدنية هو الذي ثبّطهم حتى اليوم عن احتلالها ، بل لذلك أسباب :

سياسية : مرجعها حفظ التوازن الدولي.

عسكرية : مرجعها صعوبة مراس أهلها.

فالأولى بنا أن نغتنم هذه الفرصة ، ونستغل ما أمكننا من هذه المعادن ، لنقوّي بها جيوشنا ، ونصلح إدارتنا ، ونبثّ العمارة في بلادنا ، وأن لا نأخذ هذه الأمور بالتسويف والمطاولة ، حتى يصيبنا ما أصاب تركية في مطاولاتها باستخراج الكنوز التي كانت تحت يدها ، إلى أن جاء الأجانب واستولوا عليها ، فقد كانت قادرة أن تستفيد من زيت الموصل من عهد طويل ، فلم تبتّ في أمره شيئا ، ولم تزل تماطل إلى أن أضاعت بهذه المماطلة ثروة تقوّم بالمليارات الكثيرة من الجنيهات لا من الفرنكات ، وكان عندها البحر الميت ، فلم تصنع في استخراج ثروته شيئا ، ولا أبدت ولا أعادت ، إلى أن جاء الإنكليز بعد الحرب العامة ، فحلّلوا مياهه ، وقوّموا ما يمكن أن يستخرج منه ، فقالوا : إنّه يمكن أن يستخرج منه قيمة خمسة آلاف مليار جنيه ، وعشرون ألف

٣٢٢

مليون طن من الفوسفات (١) ، وهلم جرا ، مما تعيى العقول عن تصوّره ، وليس في جزيرة العرب شيء من الخيرات التي تقوّم بهذه المليارات من الجنيهات ، ولكنّه بدون شك فيها كثير من المعادن التي يمكن لكلّ من حكومة الحجاز ونجد السعودية وحكومة اليمن الإمامية أن ترتفق به ، وتستعين به لإصلاح بلادها ، وتعزيز أجنادها ، وذلك على شرط أن لا تلجأ في هذ الموضوع إلا إلى رؤوس أموال أصحابها مسلمون ، ليسوا من تبعة الأجانب ، وهذا ممكن إذا أرادته هاتان الحكومتان ، وبدأتا بفحص فني عن هذه الأماكن حتى تعلما ما تحت أرجلهما قبل مباشرة العمل (٢).

* * *

__________________

(١) [الذي يستخرج من البحر الميت هو البوتاس].

(٢) بينما نحن مباشرون طبع هذا الكتاب إذ حدث حادثان مهمان يتعلّقان بالمعادن وأمر التنقيب عنها في الجزيرة العربية وفقا للأمانيّ التي تجول في صدور مفكري العرب ، من استثمار هذه الخيرات العظيمة ، والاستعانة بها على إصلاح أحوال العرب.

وهذان الحادثان أولهما أنّ الإمام عبد العزيز بن سعود ملك الحجاز ونجد وملحقاتها قد انتدب المستر توتشل المهندس الأميركي المتخصص بالمياه والمعادن للتنقيب عن المياه التي يقرب إنباطها والمعادن التي يتحقق وجودها في ممالك الحجاز ونجد ، وأنّ المهندس المذكور قد بدأ بالعمل ، وسار إلى سواحل الحجاز الشمالية ، ورافقه في رحلته الأخ السري الفاضل خالد بك القرقني الطرابلسي المغربي من سلالة بني هود ، الجالين من الأندلس.

وقد جاء في العدد (٣٣٥) من جريدة «أم القرى» الرسمية تاريخ (٢٠) ذي الحجة سنة (١٣٤٩) ما يفيد أنّ المهندس المذكور تجوّل في سواحل الحجاز الشمالية ، ودأب هناك في الفحص والبحث مدة ثلاثة أسابيع ، قطع خلالها مسافة (٣٥٠٠) كيلو متر ، وأنه رأى أنّ المياه في تلك المنطقة لا تقلّ غزارة عن مياه المنطقة الواقعة بين وادي فاطمة وجدة ، وأنّها قريبة جدا من سطح الأرض ، لا يتجاوز أقصى عمق لها عشرة أمتار ، كما أنّ إماهة المياه في هذه المنطقة لا يحتاج فيها إلى حفريات إرتوازية.

٣٢٣

...............................................................................

__________________

قالت الجريدة : وإنّه عثر على منجم بترول غزير بين اللبانة والمويلح في ساحة لا يقلّ طولها عن (٣٥٠) كيلو مترا تقريبا ، وكنا نسمع دائما أنّ في ذلك الساحل زيت بترول يسيل إلى البحر ، فعسى أن لا يبطىء الملك عبد العزيز في استخراج هذا المنبع الغزير القريب من البحر ، الذي لا يلزم له مد أنابيب على مسافات طويلة جدا كما هو الشأن في منابع باكو ومنابع الموصل مثلا.

ثم قالت الجريدة : إنّ هذا المهندس قد عثر أيضا على منجم ذهب غزير في ضواحي الوجه ، مؤلف من عروق ذهبية عديدة ، وعلى منجم رصاص بالقرب من الوجه أيضا.

فعسى أن يطوف هذا المهندس في جميع مملكة ابن سعود ، وأن يردف بمتخصصين آخرين ، ويبحثوا في الأماكن كلّها مما سبق العهد بالمعادن والزيوت والأملاح فيه ، وما لم يعرف عنه شيء إلى اليوم.

وأما الحادث الثاني فهو أنّ الأخ الفاضل السيد رشدي الصالح ملحس النابلسي محرر جريدة «أم القرى» أخرج رسالة في المعادن بالحجاز ونجد وملحقاتهما ، ذكر فيها ما فيهما من مناجم مختلفة وأملاح ، مما وصفه الهمداني وياقوت والمقدسي والزمخشري وبعض رجال الأتراك الذي سبقت لهم ولايات في جزيرة العرب وغيرهم. وقد أهدى إلينا نسخة من هذه الرسالة ، التي يقول : إنه انتزعها من كتاب هو شارع في وضعه تحت اسم «معجم البلدان العربية» فتصفحناها ، ووجدناها رسالة قيّمة ثمينة ، كأنّها هي بذاتها معدن من معادن العلم والتحقيق ، ورأينا فيها ذكر معادن كثيرة ، أوردنا الخبر عنها في كتابنا هذا ، وربما جاء فيها ما فاتنا ذكره ، كما أنّ في هذا الكتاب عن معادن اليمن ما ليس في تلك الرسالة.

واستيفاء البحث عن معادن الجزيرة العربية يستجلب على كلّ الأحوال أنظار العرب إليها ، ويستثير همم الناهضين منهم إلى استخراجها ، وإفاضة خيراتها على هذه الأمة. فنسأله تعالى تعجيل هذه الأمنية. آمين.

* * *

٣٢٤

كلام الهمداني عن معادن جزيرة العرب

ولنذكر الآن ما قاله الهمداني في كتاب المنقطع النظير «صفة جزيرة العرب» المطبوع في ليدن من سبع وأربعين سنة (١). وذلك عن معادن الجزيرة :

معادن اليمامة وديار ربيعة التي توطنتها اليوم عقيل بن كعب

معدن الحسن ، والحسن قرن أسود مليح ، وهو معدن ذهب غزير ومعدن الحفير بناحية عماية ، وهو معدن ذهب غزير. ومعدن الضبيب عن يسار هضب القليب. ومعدن الثنية : ثنية ابن عصام الباهلي ، معدن ذهب. ومعدن العوسجة (٢) من أرض غني ، فويق المغيرا ، ببطن السرداح ، والمغيرا الماء الذي يقال : إنّه رمي عليه شأس بن زهير بن ثعلبة بن الأعرج الغنوي ، ويقال : المغيرا قرن يقال له الوتدة في بطن الوادي. ومعدنا شمام : الفضة والصفر ، ومعدن تياس : ذهب محفّ بتياس (٣) ، ومعدن العقيق ، (٤) ومعدن المحجّة بين العمق وبين أفيعية ،

__________________

(١) [ثم طبع ثانيا بتحقيق العلامة العلامة الشيخ عبد الله بن بلهيد قاضي قضاة المملكة العربية السعودية ، ثم ثالثا بتحقيق القاضي محمد بن علي الأكوع الحوالي اليماني وبإشراف الشيخ حمد الجاسر ، ثم رابعا بتحقيق القاضي الأكوع ، وقد رجعت إلى الطبعة الثالثة].

(٢) ورد ذكره العوسجة في «المعجم» أنّه معدن فضة ببلاد باهلة.

(٣) ورد ذكر تياس في «المعجم» ولم يذكر معدنا ، بل قال : إنّه جبل بقرب اليمامة.

(٤) عقيق عارض اليمامة ، ذكره ياقوت.

٣٢٥

ومعدن بيشة (١) ، ومعدن الهجيرة (٢) ، ومعدن بني سليم (٣) ، فهذه معادن نجد (٤).

ثم ذكر الهمداني الأملاح ، وهي مما يجب أن يحلّل تحليلا فنيا ، ليعرف ماذا يحتوي ، وما يمكن أن يستخرج منه من الأجزاء ، التي قد تقوّم بالذهب ، كما جرى بالبحر الميت.

قال الهمداني (٥) : الدبيل : أملاح من أوله إلى آخره ، الحذيفة والرابغة ، وصبيب ، والهوة ، ومياه الشربة ، وفيها يقول الحارث بن ظالم :

فلو طاوعت عمرك كنت منهم

وما ألفيت أنتجع السحابا

ولا ضفت الشربّة كلّ عام

أجدّ على أبائرها الذبابا

أبائر ملحة بحزيز سوء

تبيت سقاتها صردى سغابا

ومن أملاح مياه العصق : المنهلة والنعجاوي.

ومن أملاح العبامة والثّعل والبغرة وأحساء بني جوية ، وينوفة خنثل ، وناضحة ، والبقرة ، والنجلية ، والنقرة ، والمجازة مجازة الطريق ، سوى مجازة اليمامة بين إجلة وبين الفرعة.

مياه الحمادة أملاح ، ونجيل ، ونجلة ، والآباط ، والحفيرة ، والحامضة ، وشعبعب.

مياه منيم إلا الجدعاء.

وماء يفاء ، وبرك ، وأوان ، والخيانية ، والنّهيقة ، واللقيطة ،

__________________

(١) تقدم ذكر بيشة ص (٢٩٥).

(٢) لم يذكر ياقوت عن الهجيرة إلا أنّها موضع.

(٣) تقدّم ذكر معدن بني سليم ا ه من حواشي الأصل.

(٤) «صفة جزيرة العرب» (٢٩٩) ط دار اليمامة بالرياض.

(٥) المصدر السابق ص (٣٠٠) ط دار اليمامة بالرياض.

٣٢٦

وما احتازته بذران ، فقبة أرام إلى خلفة وعماية عذاب كله.

والقطانية ملح ببطن السّرة.

فأما الملح الذي يمتلح فصباح ملح الحاجر ، وملح المطلفية ، وملح القصيبة ، وملح يبرين ، وملح بناحية البحرين ، وفي رؤوس الجبال ملح نحيت أحمر عروق ، وهذه ملحات أهل نجد.

فأما ملح اليمن ، فمن جبل الملح بمأرب ، وملح بالقمة من تهامة بناحية مور ، والمهجم ، وكثير من مياه تهامة أملاح ، فمنها المعجر ، والجبال ، والحويتية ، وجوّحلي ، وكل ما قارب الساحل جميعا أملاح إلا اليسير.

* * *

ثم يعود إلى المعادن في موضع آخر (١) فيقول : قد ذكرنا معادن الذهب ، فأمّا معدن الفضة بالرضراض (بفتح أوله) فما لا نظير له ، وبها معادن حديد غير معمولة ، مثل نقم (بضمتين) ، وغمدان (بضم أوله) وبها فصوص البقران (محركة) ويبلغ المثلث بها مالا (٢) ، وهو أن يكون وجهه أحمر ، فوق عرق أبيض ، فوق عرق أسود.

والبقران ألوان ، ومعدنه بجبل أنس (بفتح أوله وكسر ثانيه) وهو ينسب إلى أنس بن ألهان بن مالك.

__________________

(١) ص (٣٦٤).

(٢) قال ياقوت في «معجمه» : البقران بثلاث فتحات ، وقد تكسر القاف ، وربما سكّنت ، من مخاليف اليمن لبني نجيد ، يجلب منه الجزع البقراني ، وهو أجود أنواعه. قالوا : وقد يبلغ الفصّ منه مئة دينار.

قلت : لعلّ هذا كان قديما ، فأما في زماننا فما رأيت ولا سمعت فصّ جزع بلغ دينارا قط ، ولو انتهت غايته في الحسن إلى أقصى مداها ا ه. من هوامش الأصل.

٣٢٧

والسعوانية من سعوان (بفتح فسكون) واد إلى جنب صنعاء ، وهو فص أسود ، فيه عرق أبيض ، ومعدنه بشهارة (بضم أوله) ، وعيشان (بفتح أوله) من بلد حاشد ، إلى جنب هنوم (بكسر فسكون ففتح) ، وظليمة (بضم ففتح) ، والجمش (بفتح أوله) من شرف همدان.

والعشاري (بضم أوله) وهو الحجر السماوي ، من عشار بالقرب من صنعاء.

والبلور يوجد في مواضع منها.

والمسنى الذي تعمل منه نصب السكاكين ، يوجد في مواضع منها.

والعقيق الأحمر ، والعقيق الأصفر ، العقيقان من ألهان ، وبها الجزع الموشّى والمسيّر ، وهو في مواضع منها ، منه النقميّ ، وهو فحل العرف ، والسعواني ، والضهري ، منه أجنس ، والخولاني والجرتي (بضم فسكون) من عذيقة. والشزب (بفتح فسكون) تعمل منه ألواح وصفائح وقوائم سيوف ، ونصب سكاكين ، ومداهن وقحفة وغير ذلك ، وليس سواه إلا في بلد الهند ، والهنديّ بعرق واحد.

ثم ذكر الهمداني معدن الرضراض في موضع آخر صفحة (٨١) من النسخة المطبوعة بليدن (١) فقال : ثم أودية الرضراض وحريب نهم ومشاربها من جبال السر ، وصرع ، وسامك ، ومساقط بلد عذر مطرة ، وبلد يام ، وهيلان ، وتحت سامك الرضراض ، وإليه ينسب معدن الرضراض ، وثمّ قرية المعدن معدن الفضة ، وهو معدن لا نظير له في الغزر ، وخرّب بعد قتل محمد بن يعفر. ا ه.

وقد تقدم ذكر الهمداني معدن البرام بقرب الطائف ، وقد ذكر أيضا في كلامه على بلد حرام من كنانة معدن ضنكان (بفتح فسكون) وقال

__________________

(١) ص (١٥١) ط الرياض.

٣٢٨

عنه : هو معدن غزير ، ولا بأس بتبره ، ثم ذكر معدن عشم (محركة) أيضا (١).

ولقد كان الملك حسين بن علي في أثناء ولايته انتدب بعض متخصصين في الزراعة وفي علم طبقات الأرض للبحث في أراضي الحجاز ، وإبداء آرائهم فيما يمكن عمله لاستثمارها ، فجالوا في الأراضي ، ونظروا ، ودققوا ، ورفعوا لجلالته تقريرا نشر الخير الزركلي خلاصته في كتابه «ما رأيت وما سمعت» (٢) ومنه يظهر أنّ أراضي المنطقة الطائفية صالحة جدا للزراعة ، وأنّه ينبت فيها أكثر الأشياء النافعة : كالشوندر ، والبطاطا ، والتبغ ، والقنب ، والسمسم ، والأرز ، والقطن ، والورد ، وغيرها. فأما عن تشكّلات الأرض الجيولوجية ، فقد قررت البعثة الفنية المذكورة مايلي ، نأثره بحرفه :

تقرير علمي فني في صفة أراضي الحجاز وصخورها

الأراضي التي في منطقة الطائف هي من أقدم طبقات الأراضي الجيولوجية ، جميعها من الصخور الاندفاعية الصلبة ، وهي لا تمتصّ المياه ، ولذلك يقلّ وجود الماء في الجبال ، إذ تتسرّب عنها ، وترسب في الأودية.

وهذه الصخور مركبة من غنايس رمادي اللون ، فيه ذرات سوداء ، ويتركب من ميكا وكوراتس وفلدسبات ، ثم تليه طبقة صخور الغرانيت ، وهو على الغالب أحمر اللون ، فيه حبيبات رمادية لماعة ، وتركيبه كتركيب الغنايس ، وتليه طبقة صخور البازالت هو صخر بركاني كحلي أو أسود اللون ، مثقّب كالإسفنج ، وقد تتغير هيئة الصخور في منطقة الطائف ، ويكثر فيها صخر الميكاشيست ، وهو صخر أسود اللون ،

__________________

(١) «صفة جزيرة العرب» (٢٥٩).

(٢) [رأيت وما سمعت ص (٨٠)].

٣٢٩

مصفّح ، ذو طبقات بعضها فوق بعض ، والكوارتس ـ وهو صخر أبيض لماع ، وقد يوجد بصفة متبلورة ، ويتركّب منه السيليس الطفّي. ويعلو هذه الطبقة القديمة طبقة مركبة من الكالسيت ، اجتمعت في الأودية ومجاري السيول ، وعلى مرور الزمان تألّفت الطبقة العليا ، التي هي من تفتت الصخور الممتدة فوق الأرض ، ومن خصائص هذه الطبقات القديمة أنّها تحتوي على معادن من الجنس الجيد ، ومن جملتها معدنان :

أحدهما : رمل مركب من حديد مؤكسد ممزوج به قليل من النحاس ، ويبلغ مقدار الحديد نحو (٦٠) في المئة ، ولا بد من تحسّن المعدن في العمق.

والثاني : حديد مؤكسد أيضا ، إنما هو صاف من الجنس الجيد ، يصلح للاستخراج ، ويحتوي على نحو (٧٠) في المئة حديدا صرفا.

وفي منطقة الطائف خصوصا ما بين عين الخضرة والطائف ـ مقادير وافرة من المرمر الأحمر الجميل ، الذي من فوائده أنّه يعمل أعمدة للأبنية الجميلة ، وتوضع منه أشكال عديدة للزخرف.

ثم جاء في ذلك التقرير :

وعلى بعد أربع ساعات من الطائف محلة تدعى المعدن ، فيها جبل مرتفع (٥٤٠) قدما ، به حفريات قديمة ، تنبىء باستخراج معدن منه ، وفيه آثار معدنية تحتوي على شيء من الحديد ، وقليل من النحاس ، وإذا حفر هذا الموضع فلا بدّ من وجود أشكال معدنية غير الشكل الظاهر على السطح.

ومما يبرهن على استخراج هذا المعدن قديما آثار بيوت مبنية في قمة الجبل ، وبوادق من حجر يحرق فيها المعدن بنار الحطب أو الفحم ، ويستخرج منها الحديد ، وإذا أريدت متابعة استخراجه الآن ، لم

٣٣٠

يكف له الحفر على وجه الأرض ، بل ينبغي حفر آبار تتفرّع منها سراديب تحت الأرض.

وفي جبل الوهط جنس صخر يدعى ميكا أبيض اللون ، تتجزّأ منه صحف رقيقة كالورق ، شفّافة كالزجاج ، وهو غير قابل للذوبان في النار ، مهما بلغت حرارتها ، ومن فوائده أنّه يستعمل للآلات الكهربائية ، وللمواقد الحديدية ، المتخذة للدفء ، وفيه من الحجر الكلسي المتبلور الصافي ، الصالح لاستخراج الكلس ، الصافي اللون. انتهى.

قلت : قد رأيت في بلاد الطائف أشكالا وألوانا من الحجارة ، وأتذكّر أنّي رأيت في العقبة المسماة بكرا الصغير ـ التي يصعد بها الإنسان من وادي المحرم إلى الهدا ـ حجرا أخضر كثيرا ، وقد جاء في «معجم» ياقوت عند ذكر حرّة بني سليم : إنّ بها معدن الدهنج ، وهو حجر أخضر ، يحفر عنه كسائر المعادن.

رسالة قديمة في معادن اليمن

ولقد جرّنا ذكر المعادن إلى نقل رسالة صغيرة عن معادن اليمن وجدتها في آخر الجلد الذي فيه الجزء العاشر من كتاب «الإكليل» للهمداني من النسخة التي في المكتبة الملوكية في برلين ، وليس الكلام للهمداني ، ولا هو من عبارته ، وإنما فيه شواهد أحيانا من كلام الهمداني.

قال : حجأري وترابأي في الخلقة معدن في الجبل فضة وذهب. وفي خرابة ذي حرب معدن ، وفي إبّ (١) معدن ، وفي

__________________

(١) قال ياقوت : أبّ بالفتح والتشديد هي بليدة باليمن ، ونقل عن عمر بن عبد الخالق الإبي أن إبّ بالكسر ، وأنّ أهل اليمن لا يعرفون الفتح ، وجاء في «تاج العروس» عن أبي طاهر السّلفي أنها بكسر الهمزة ، وجاء أن إب بالكسر من قرى ذي جبلة باليمن ، وقال الصاغاني : هي من مخلاف جعفر.

٣٣١

أفيق (١) معدن ، وفي بلد عنس (٢) معدن ذهب في وسط الجروف فوق المزارع.

فوق الجرن معدن رصاص أسود في جرشة عنس ، في الشعب الذي ينزل إلى ورقة في الأكمة السوداء على الشمال إذ أنت نازل إلى ورقة ، وهي حجارة سود تشبه الكحل ، تكسر الحجارة ، ويوقد عليه زبل الدجاج إلى أن يصير كالماء.

وفي بلد بني غصين (٣) معدن فضة عند خشران ، بالخرابة العالية عند الخربتين الكبيرتين ، وهو تراب لونه أصفر مرجح إلى خضرة ، يؤخذ

__________________

(١) لم نجده في الأصل مضبوطا ، فلا نعلم هل هو بفتح فكسر ، أم بضم ففتح فسكون ـ وياقوت يذكر أفيق على وزن أمير ـ البلدة ذات العقبة المشرفة على بحيرة طبرية ، ويذكر بلدا بالتصغير ـ على وزن سهيل ـ يقول عنه موضع ببلاد بني يربوع ، ولا يقول غير ذلك ، إلا أن «تاج العروس» يقول : إن أفيق ـ على وزن أمير ـ بلدة بين حوران والغور ، ومنه عقبة أفيق ، وبلدة لبني يربوع ، أو بلدة بنواحي ذمار. وقد أغفله ياقوت والصاغاني ، والمفهوم من كلام الفيروز أبادي والزبيدي أن جميعها ـ على وزن أمير ـ وليس فيها ما هو بالتصغير ، ولم يذكر منهم أحد معادن لا في إب ولا في أفيق. [قال محقق «صفة جزيرة العرب» (٢٢٦) : وأفيق قرية عامرة في الشمال الغربي من ذمار ، وأفيق أيضا بلدة من عنس من مشرق ذمار].

(٢) بفتح أوله وسكون ثانيه ، قال ياقوت : هو مخلاف باليمن ، وجاء في «تاج العروس» أن عنس لقب زيد بن مالك بن أدد ، أبو قبيلة من اليمن ، ومخلاف عنس بها مضاف إليه ، ولم يذكر بها معدنا (بالحاشية). ا ه.

كل ما تقدّم وما سيأتي في هذا الفصل من حواشي الأصل.

(٣) قال ابن دريد : وأحسب أن بني غصين بطن ، قال الزبيدي : قلت : وهم اليوم بغزة ، وشرذمة بالرملة ، منهم الإمام المحدث الشيخ عبد القادر بن غصين الغزّي الشافعي ، ولم يذكر ، هل هي بالتشديد أم لا. ـ

٣٣٢

منه ، ويخلط علي فراز الخل وعضة (١) الكشر (٢) واللبن الحامض ستة أيام ، ويطبخ ، فإنه يصير ماء ، فيطلع الزبد في أعلاه.

ومن المعادن المشهورة : معدن فضة جيد في موضع يقال له : الرضراض ، حد ما بين خولان وهمدان ، كان لبني بعفر ، وقد خرب ، فوقه الآن جبل ذكره صاحب «جزيرة العرب» (٣) ولعله في حوزة نهم (٤).

معادن يابسة من نهم مشهورة منها ما هو رصاص أسود جيد ، ومنها ما هو فضة.

معدن فضة في بلد سارع (٥) في المغرب ، كان يعمل منه الإمام شرف الدين عليه‌السلام ، وربما انهدم عليه جبل على ما وصفه أهل الخبرة.

معادن جبل نقم (٦) كثيرة ، فيه معدن ذهب جيد ، ومعدن حديد ،

__________________

(١) العضة القطعة.

(٢) الكشر الخبز اليابس.

(٣) يريد أن يقول صاحب كتاب «صفة جزيرة العرب» وهو الهمداني ص (١٥٢) ط الرياض.

(٤) نهم ـ بالكسر ـ ابن عمرو بن ربيعة بن مالك بن معاوية بن صعب بن دومان بن بكيل ، أبو بطن من همدان ، قال الزبيدي صاحب «تاج العروس» : ومنهم بقية اليوم بصنعاء اليمن.

(٥) لم نجد ذكر سارع في «تاج العروس» وإنما وجدنا فيه ذكر شارع بالمعجمة ، وقال : بلدة. ولم يذكر أين هي ، أما الهمداني في «صفة جزيرة العرب» فيذكر سارع الأعلى بمخلاف شبام مغرب صنعاء [وذكر القاضي الأكوع في تعليقه على «صفة جزيرة العرب» ص (١١٠) : سارع منطقة معروفة تحتفظ باسمها ، وتسمى سارع بني سعد من ناحية قيهمة وبها معادن].

(٦) (نقم) بضمتين قال في «القاموس» : نقم : بالضم بلدة باليمن. قال الزّبيدي : قلت : قد أجحف المصنّف في ضبطها وبيانها إجحافا كليا ، والصواب في ضبطها بضمتين وبفتحتين وكعضد ـ كما صرح به ياقوت. وأما الضم وحده مع تسكين القاف فلم يذكره أحد ، قال ياقوت : هو جبل مطل على صنعاء قرب

٣٣٣

كانت حمير تعمل منه السيوف الحميرية ، التي تسمى البرغشية ، صنعت في زمن الملك برغش المشهور ، قال صاحب «جزيرة العرب» وفيه معادن الجواهر : الزمرد والياقوت والبلور والزجاج والجزع.

وفي سعوان (١) معدن ذهب ، ومعادن حجارة ، منها الحجر المريمي.

معدن صرواح (٢) ذهب جيد ، وفي بيحان في الجوف (٣) معدن ذهب.

__________________

غمدان قال فيه زياد بن منقذ :

ألا حبذا أنت يا صنعاء من بلد

ولا شعوب هوى مني ولا نقم

(١) قال الهمداني (١٥٤) : جبل عيبان وجبل نقم وما بينهما من حقل صنعاء وشعوب ووادي سعوان ووادي السر ومطرة ، وفيها أودية كثيرة ، وأورد مثلا يمانيا (٢٣٦) : أحلك الأرض مسور (بفتح فسكون) وأختها : بتوعر (بضم فضم) وأحور ، فأحور (على وزن أفعل) وسعوان لو تمطر [أحلك من الحلك : وهو شدة الحلاوة مع زيادة خاصيته الذوق والطعم ، وهي لغة يمانية].

(٢) صرواح حصن باليمن ذكره في «التاج» وقال ياقوت : والصرواح في اليمن قرب مأرب ، وأنشد له جملة شواهد من الشعر منها :

أبونا الذي أهدى السّروج بمأرب

فآبت إلى صرواح يوما نوافله

ومنها :

تشتّو على صرواح خمسين حجّة

ومأرب صافوا ريفها وتربّعوا

(٣) قال ياقوت عند ذكره لفظة جوف والأماكن المسماة بها : قال أبو زياد : الجوف جوف المحورة ببلاد همدان ومراد. وقال : الجوف من أرض مراد ، واستشهد عليه بشعر :

فلو أنّ قومي أنطقتني رماحهم

نطقت ، ولكنّ الرماح أجرّت

شهدنا بأنّ الجوف كان لأمّكم

فزال عقار الأمّ منها فغرّت

سيمنعكم يوم اللقاء فوارس

بطعن كأفواه المزاد اسبكرّت

وقال الهمداني (١٥٢) : الجوف منفهق من الأرض بين جبل نهم الشمالي ، الذي فيه أنف اللوذ ، وأوبن الجنوبي الموصل بهيلان من بعد ، وذكر الهمداني أنّ سكان بيحان مراد.

٣٣٤

وذكر صاحب «كتاب التيجان» معادن الجبل الأبلق ، وهو بالقرب من سدّ مأرب (١).

__________________

(١) بهمزة ساكنة وكسر الراء ، قال ياقوت : هي بلاد الأزد باليمن. وقال السّهيلي : مأرب اسم قصر كان لهم ، وقيل اسم لكلّ ملك كان يلي سبأ ، كما أنّ تبّعا اسم لكل من ولي اليمن والشحر وحضرموت.

وروى ياقوت عن المسعودي أنّ سدّ مأرب من بناء سبأ بن يشجب بن يعرب ، وكان سافله سبعين واديا ، فمات قبل أن يستتمه ، فأتمته ملوك حمير بعده ، وقال : إنّه حدثه شيخ فقيه محصّل من ناحية شبام كوكبان ، وكان مستبينا متثبتا فيما يحكي قال له : إنّه شاهد مأرب بعينه ، وهي بين حضرموت وصنعاء ، وبينها وبين صنعاء أربعة أيام ، وهي قرية ليس بها عامر ، إلا ثلاث قرى ، يقال لها الدروب إلخ.

قال : وسألته عن سدّ مأرب فقال : هو بين ثلاثة جبال ، يصبّ ماء السيل إلى موضع واحد ، ليس لذلك الماء مخرج إلا من جهة واحدة ، فكان الأوائل قد سدّوا ذلك الموضع بالحجارة الصلبة والرصاص ، فيجتمع فيه ماء عيون هناك مع ما يجتمع من مياه السيول ، فيصير خلف السد كالبحر ، فكانوا إذا أرادوا سقي زروعهم فتحوا من ذلك السد بقدر حاجتهم بأبواب محكمة ، وحركات مهندسة ، فيسقون حسب حاجتهم ، ثم يسدونه إذا أرادوا ، قال عبيد الله بن قيس الرقيات :

يا ديار الحبائب

بين صنعا ومأرب

جادك السعد غدوة

والثريا بصائب

من صريم كأنّما

يرتمي كالقواضب

في اصطفاق ورنّة

واعتدال المواكب

وأما قصّة خراب سد مأرب فطويلة ، والمؤرخون على أنّ قبائل اليمن تفرّقت في البلدان من بعده ، وهم يقولون : إنّ جرذانا حمرا حفرن السد بأنيابها ، حتى اقتلعت الحجر الذي لا يستقله مئة رجل ، ثم أخذت تدفعه بمخاليب رجليها إلى غير ذلك من الأقاويل ، وما أراه خرب إلا من قلة التعاهد ، وانقطاع الترميم ، الذي يجب استمراره لمثله ، وإنّ نهاية الأمر أنّه لما وقع فيه الخرق

٣٣٥

كان كل من بني قحطان وحمير وعاد يعرف معادنه.

والأبلق جبل متصل بالجبال الزرق ، وإنما قيل له الأبلق لأنّه في أرض سوداء فيها معادن اللجين ، متصل بالسد ، وأرض غبراء فيها معادن العقيان ، وأرض زرقاء فيها معادن الزبرجد والجزع ، وكان يقال له : الباذخ ، ولمأرب : الشامخ ، فمأرب متصل بجبال عمان ، والأبلق متصل ببحر لنجة.

قال الحسن الهمداني : وفي بلد الهان بن زيد بن مالك معادن البقران الجيّد ، وكذلك في جبل أبي أنس (١) بن الهان بن زيد بن مالك وهو جبل ضوران (٢) الحجر العتيق من العقيق اليماني والبقراني.

ويقال : إنّ في بلد يسمّى دهم في حد بني قشيب معدن ، وفي رأس جبل الشرف معدن فضة ، وفي وادي مونا بموضع خربة الساوة معدن فضة.

قال الهمداني في كتاب «صفة جزيرة العرب» : وفي جبل عشار

__________________

انهار ، وغرّق ماؤه البلاد ، وأذهب الكروم والجنان والحدائق والبساتين والقصور والدور ، وجاء السيل بالرمل فطمّها ، وذهب أكثر عمران اليمن ، وتفرّقت عربه عباديد في الأقطار ، وقال الأعشى :

ففي ذاك لمؤنسي أسوة

ومأرب عفّى عليها العرم

رخام بنته لهم حمير

إذا ما نأى ماؤهم لم يرم

فأروى الحروث وأغنامها

على ساعة ماؤهم أن قسم

وطار الفيول وفيّالهم

بيهماء فيها سراب بطم

فكانوا بذلكم حقبة

فمال بهم جارف منهدم

(١) الهمداني لا يقول جبل أبي أنس ، بل جبل أنس بن إلهان بن مالك ، هكذا في النسخة المطبوعة من «صفة جزيرة العرب» ويعيد ذلك مرّة ثانية في صفحة (١٠٥) فيقول : جبل أنس ، وفيه معدن البقران.

(٢) هذا الجبل مذكور في «صفة جزيرة العرب» للهمداني.

٣٣٦

معادن البقران وهو جيد ، وفي جبل هزان (١) قبلي مدينة ذمار معادن الحجارة النفيسة اليمانية من العقيق الأحمر والأبيض والأصفر والورد.

وفي قرية ملص (٢) من مغرب ذمار (٣) معادن العقيق اليماني ، والجواهر النفيسة ، وذلك مشهور معاين ، وعما رواه بعض حككة العقيق من أهل ملص أنّ في بلد زبيد (٤) معدن الزمرد العال ، وإنّه لما ظهر هدم

__________________

(١) جاء في «التاج» وهزّان بن الحارث الخولاني شهد فتح مصر ، ولعلّ هذا الجبل منسوب إليه أو إلى رجل آخر اسمه هزّان. [لعله هران بالراء انظر «صفة جزيرة العرب» (١٤٩)].

(٢) قال في «التاج» : وملص اسم موضع.

(٣) قرية باليمن ، قيل على مرحلتين من صنعاء ، وقال قوم : ذمار اسم صنعاء ، وصنعاء كلمة حبشية أي حصين وثيق ، قاله الحبش لما قدموا مع أبرهة ، ورأوا صنعاء ، ورواها بعضهم بالكسر ، وقال ابن دريد : بالفتح ، قيل : إنّه وجد في أساس الكعبة لما هدمتها قريش مكتوب بالمسند : «لمن ملك ذمار؟ لحمير الأخيار ، لمن ملك ذمار؟ للحبشة الأشرار ، لمن ملك ذمار؟ لفارس الأصرار ، لمن ملك ذمار. لقريش النجار ، ثم حار محار» أي رجع مرجعا.

وأما الهمداني فقد قال في «صفة جزيرة العرب» (٢٢٤) عن ذمار مايلي : مخلاف ذمار قرية جامعة ، فيها زروع وآبار قريبة ، ينال ماؤها باليد ، وتسكنها بطون من حمير ، وأنفار من الأبناء (قلت : الأبناء أبناء الفرس الذين كانوا احتلوا اليمن) ورأس مخاليفها بلد عنس ، وساكنه اليوم بعض قبائل عنس من مذحج.

ثم ذكر ذمار القرن ، وقال : قرية قديمة خراب ، وقال : إنّ ذمار المخدر غيرها قال : وأما مخاليف ذمار من غربيها فهي مصنعة أفيق للمغيثين ـ قبيلة ـ وجمع ، والموفد ، وسربة ، ووادي القضب لبني عبد كلال ـ إلى أن يقول ـ ويسكن هذه المواضع من بطون حمير : أوزاعي ومغيثي وغير ذلك.

(٤) من أشهر مدن اليمن ، بل مدن العرب ، ذكر السيد مرتضى الزبيدي صاحب «تاج العروس من جواهر القاموس» زبيد فقال ـ كأمير ـ بلد باليمن مشهور ، اختطه محمد بن زياد مولى المهدي في زمن الرشيد العباسي ، إذ بعثه إلى

٣٣٧

عليه أهل البلاد جبلا ، خشية أن تعيّرهم القبائل وتسميهم الحكاكين (١).

بلاد برط (٢) كثيرة المعادن ، يوجد فيها معادن الرصاص الأسود في مواضع كثيرة صلب صاف جيد ، وفيها معادن ذهب وفضة ، ويوجد فيها معادن المرقيشيا الذهبية والفضية وما شابهما.

__________________

اليمن ، فاختار هذه البقعة ، واختطّ بها هذه المدينة المباركة ، وسوّرها ، وجعل لها أبوابا ، ثم مات سنة (٢٤٥) ثم خلفه أخوه إبراهيم بن زياد ، واستمرّ إلى سنة (٢٨٩) وخلّفه ابنه زياد بن إبراهيم ، ومات سنة (٢٩١) ثم ابنه زياد وهو طفل ، فتوزّر له حسين بن سلامة ، وهي باني السور ، ثم أدار عليها سورا ثانيا الوزير أبو منصور الفاتكي ، ثم أدار عليها سورا ثالثا سيف الإسلام طغتكين بن أيوب في سنة (٥٨٩) وهو الذي ركّب على السور أربعة أبواب.

قال ابن المجاور : عددت أبراج مدينة زبيد فوجدتها مئة برج وسبعة أبراج ، بين كل برج وبرج ثمانون ذراعا. قال : ويدخل في كل برج عشرون ذراعا ، فيكون دور البلد عشرة آلاف ذراع وتسعمئة ذراع ، وقد تكفّل بتفصيل أخبارها ابن سمرة الجندي في «تاريخ اليمن» وكذا صاحب «المفيد في تاريخ زبيد» ا ه.

قلت : أتذّكر أني قرأت أنّ أحد خطباء الجوامع كان يدعو لأحد الملوك وأظنّه صلاح الدين الأيوبي قائلا عنه : صاحب مصر وصعيدها ، واليمن وزبيدها والحجاز وعبيدها ، والشام وصناديدها. ولعلّ قائلا يقول : هذه جرتها السجعة ، فأقول له : لا يحسن وقع السجعة إلا إذا جاءت في محلها.

(١) قلت : ما أحد سلم من التعيير. وقولهم عن أهل زبيد حكاكون أهون من قول بعضهم عن أهل اليمن : دابغ جلد ، وناسج برد ، وسائس قرد ، وراكب عرد ، أي حمار. ولعمري إنّ دبغ الجلود ، ونسج البرود لمما يتنافس فيه اليوم ، وإنّ حمير اليمن لا نظير لها في تسلّق الجبال ، والمشي على الصخور ، التي قد يزل عنها الماعز ، عرفتها في الطائف جيدا ، ولما صعدنا إلى الجبال المسماة بالشفا ، التي لا تكاد تسلكها الطير ، لم يكن لنا حيلة بدون هذه الحمير اليمانية.

(٢) برط ـ محركة ـ من بلاد همدان ، قال الهمداني : جبل برط ساكنه دهمة من شاكر بن بكيل ، وزروعه أعقار ، وعلى المساني وأهله أنجد همدان ، وحماة العدوة ، ومنعة البحار.

٣٣٨

وفي بلاد صعدة (١) معادن الحديد ، يدخله أهل البادية ترابا إلى مدينة صعدة ، ويخلّص فيها ، والكثير منه في بلاد بني جماعة (٢) ، وأجود ما كان من بلاد باقم (٣) معدن الهندوان (٤) والمرقيشيا في الشام (٥) (أي الشمال) كثير موجود.

وفي قلعة وادي ظهر (٦) معدن حديد ومعدن فضة ، قال الهمداني في كتابه هذا : كان بنو يعفر يحملون الفضة من شبام (٧) سحم إلى صنعاء ،

__________________

(١) قال الهمداني (٢٤٨) : أما حقل صعدة فإنّه مختزل من بلد همدان ، ولذلك خبر في كتاب «الأيام» ، ومدينة خولان العظمى صعدة ، وأحدثت قرية الغيل من قرب صعدة ، وصعدة بلد الدباغ في الجاهلية الجهلاء (قلت من هنا جاء دابغ جلد عن أهل اليمن) وهي في وسط بلد القرظ ، ربما وقع فيها القرظ من ألف رطل إلى خمسمئة بدينار مطوّق على وزن الدرهم القفلة (درهم قفلة بفتح فسكون أي وازن).

وقال ياقوت : صعدة مخلاف باليمن بينه وبين صنعاء ستون فرسخا ، وبينه وبين خيوان ستة عشر فرسخا ، قال الحسن بن محمد المهلبي : صعدة مدينة عامرة آهلة ، يقصدها التجار من كل بلد ، وبها مدابغ الأدم وجلود البقر ، التي للنعال ، وهي خصبة ، كثيرة الخير ، وهي في الإقليم الثاني ، عرضها ست عشرة درجة ، وارتفاعها وجميع وجوه المال مئة ألف دينار.

(٢) قال الهمداني : وادي نجران فروعه من ثلاثة مواضع من بلد بني خيف ، من وادعة ، ومن بلد بني جماعة من خولان ، ومن بلد شاكر.

(٣) ذكر في «تاج العروس» البقوم قبيلة من الأزد ، وقال : إنّ واحدهم باقم.

(٤) لا نعلم ما يريد بالهندوان ، فلعلّه مختصر من الهندواني ، وهذا شيء منسوب إلى الهند.

(٥) [هذا يدل على أن أهل اليمن هم الذين سمّوا بلاد الشام بهذا الاسم ويعنون به الشمال ، والكلام في هذا يطول وأكتفي هنا بهذه الإشارة].

(٦) لعلّه منسوب إلى ظهر بطن من حمير.

(٧) شبام بكسر أوله حيّ من همدان من اليمن ، وجبل همدان باليمن ، به سميت القبيلة المذكورة ، لنزولهم فيه ، علي ما في «تاج العروس» وأيضا بلد تحت

٣٣٩

وهي بالقرب من صنعاء على ساعتين قريب من ذي مرمر ، فظاهر قوله : إنّ فيها معدن فضة.

وذكر بعض الفقهاء أنّه وجد بجبل صبر (١) معدن ذهب ، وعمل منه عملا إلا أنّه كان يقسى عليه ، ولعله لم يحكم تدبيره.

وفي بلاد المعافر (٢) من اليمن الأعلى والأسفل معادن كثيرة ، إلا أنّنا

__________________

جبل كوكبان ، وأيضا بلد لبني حبيب عند ذي مرمر. والأرجح أن شبام المقصودة هي هذه. والهمداني يقول : إنّ شبام هي أول بلاد حمير ، وهي مدينة الجميع الكبيرة ، وبها ثلاثون مسجدا ، لكنّه يذكر أنّ نصفها خراب خرّبتها كندة.

(١) قال ياقوت : صبر ـ بفتح أوله وكسر ثانيه ـ بلفظ الصبر من العقاقير ، اسم الجبل الشامخ العظيم ، المطل على قلعة تعز ، فيه عدّة حصون وقرى باليمن ، وقال ابن أبي الدمينة : جبل صبر في بلاد المعافر ، وسكانه الركب والحواشب من حمير وسكسك.

(٢) معافر أبو حي من همدان ، لا ينصرف ، لأنّه جاء على مثال ما لا ينصرف من الجمع ، وإليه تنسب الثياب المعافرية ، ويقال : ثوب معافري ، فتصرفه ، لأنك ادخلت عليه ياء النسبة ، ونسب على الجمع ، لأن معافر اسم لشيء ، كما تقول لرجل من كلاب كلابي.

وجاء في كتاب «صفة جزيرة العرب» للهمداني ص (٢٠٧) : مخلاف المعافر : أما الجوة من عمل المعافر ، فالرأس فيها والسلطان عليها إلى آل ذي المغلس الهمداني ، ثم المراني ، من ولد عمير ذي المران ، قيل : همدان الذي كتب إليه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأما جبأ وأعمالها وهي كورة المعافر ، فهي في فجوة بين صبر وجبل ذخر ، وطريقها في وادي الضباب ، ومنها أودية ذخر ، وتباشعة ، ويسكنها السكاسك ورسيان ، ويسكنه الركب وبنو مجيد. وجيرة لهم من بني واقد ، ومن الركب النشورة.

وملوك المعافر آل الكرندي من سبأ الأصغر ، ينتمون إلى ولادة الأبيض بن حمال ، منازلهم بالجبيل من قاع جبأ.

ومشرب الجميع من عين تنحدر من رأس جبل صب غزيرة ، يقال لها أنف ،

٣٤٠