الرّحلة الحجازيّة

الأمير شكيب أرسلان

الرّحلة الحجازيّة

المؤلف:

الأمير شكيب أرسلان


المحقق: حسن السماحي سويدان
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار النوادر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٩

تعقيب

الأمير شكيب أرسلان

على مقدّمة السّيّد محمّد رشيد رضا

أرسلنا إلى الأمير مثالا من هذه المقدمة قبل طبعها ، فكتب إلينا هذا الاستدراك :

اقتراح تشديد الحكومات على الفقراء بعدم الحج لم يكن مرادي به إلا منع الفقراء المعدمين ، الذين لا يستطيعون إلى الحج سبيلا ، والذين إذا جاؤوا إلى مكة صاروا وقرا على أهلها وحكومتها.

وأما الفقراء الذين لم يبلغ فقرهم هذه الدرجة ، فليسوا المراد بكلامي.

إني أوافق الأستاذ على كون دول الاستعمار تشدّد الشروط عمدا على من يريد الحج ، المستطيع وغير المستطيع ، وذلك قطعا لصلة المسلمين بمكة ، وعزلا لهم عن إخوانهم في الدين ، وإذا سمحت أحيانا بالحج فيكون على كره منها ، وتعتاض من ذلك بإكراه الحجاج على ركوب بواخرها ، وتفرض عليهم أجرة فاحشة ، وتحشرهم فيها حشرا يزيد قهرهم.

وفي السنة الفائتة لم تزل فرنسة تتنوّع في الشروط ، وتتعنّت على الحجاج ، حتى لم يقدر على الحجّ إلا (٣٠) شخصا من كل جزائر المغرب ، مع أنّ الذين كانوا نووا الحج هم أكثر من ألف وتسعمئة.

ولا يكثر على الفرنسيس بعد ذلك أن يمنّوا بكرة وأصيلا على

٢١

مسلمي المغارب بالحرية الدينية ، التي أمتعوهم بها ، وأن يملؤوا جرائدهم بما منحوهم منها ، حتى يخال من يطلع على الحقيقة أن مسلمي المغارب راتعون في بحابح الحرية الدينية ، كما يصفها هؤلاء الخطباء والكتاب.

والحقيقة أنّ أهل المغارب جميعا في عناء شديد من كل جهة ، ولا سيّما من جهة حرية الاجتماع بسائر المسلمين ، بل من جهة حرية اجتماعهم بعضهم مع بعض.

ومنذ شهر نادى المنادي في أسواق فاس بأنّه ممنوع ذهاب التجار للبيع أو الشراء بين قبائل البربر ، وجميع الناس يعلمون أنّه لا يقدر أحد من الفقهاء ولا من حملة القرآن ولا من مشايخ الطرق الصوفية أن يدخل قرى البربر ، ولا أن يجول في الجبال التي هم فيها إلا بإذن خاصّ من الحكومة.

على حين [أن] مئات من الرهبان والراهبات والأقسّة والمبشرين يجولون في بلاد البربر كيف يشاؤون ، ويبنون المدارس والكنائس.

فهذا هو كنه الحرية الدينية التي تمنّ بها فرنسة على مسلمي المغارب ، ومن كان في شك من كلامنا هذا ، فليذهب إلى تلك البلاد ، أو فليسأل الثقات من أهلها.

وكتب

شكيب أرسلان

لوزان ـ سويسرة

٢٢

ترجمة المؤلّف

١ ـ عصره : عاش أمير البيان شكيب أرسلان عصرا حافلا بالأحداث ، فقد شهد الثلث الأخير من القرن التاسع عشر ، كما شهد النصف الأول من القرن العشرين ، وفي هذه الفترة حدثت أحداث ووقعت أمور ، ففيها استكلب الاحتلال الأوربي على بلاد العروبة والإسلام ، وفيها استبان عسف الحكام الأتراك بالعرب ، وفيها تنبه الوعي القومي العربي ، ونشأت فكرة التخلص من الحكم العثماني ، والاستقلال في الحكم العربي ، وفيها سقطت الخلافة ، وانطوى حكم بني عثمان ، وفيها وقعت الحربان العالميتان الأولى والثانية ، وفيها اقتسمت بريطانية وفرنسة بلاد العرب بعد تمزيقها ، وفيها اقتطعت فلسطين من أرض العروبة ، واغتصبها اليهود ، وفيها ظهرت بدع الاستعمار : الوصاية والانتداب ، وفيها تخلص العرب من الاحتلال الأوربي في كثير من بلدانهم ، وفيها قامت عصبة الأمم ثم ماتت ، وفيها نشأت هيئة الأمم المتحدة.

٢ ـ اسمه ونسبه : هو الأمير شكيب بن حمود بن حسن بن يونس بن فخر الدين بن حيدر بن سليمان بن فخر الدين بن يحيى بن مذجح بن محمد بن أحمد بن خليل بن مفرّج بن يحيى الأرسلاني اللخمي ، وأمه شركسية ، وكلمة شكيب فارسية معناها الصابر.

٣ ـ ولادته ونشأته : ولد في ليلة الإثنين أول ليلة من رمضان سنة (١٢٨٦) ه الموافق للخامس والعشرين من كانون الأول ـ ديسمبر سنة

٢٣

(١٨٦٩) م في قرية الشويفات إحدى قرى مقاطعة الشوف في لبنان.

لما بلغ شكيب الخامسة من عمره ، أحضر له أبوه معلما اسمه الشيخ مرعي شاهين سلمان فعلمه مبادىء القراءة والكتابة ، وفي الصيف ذهبت الأسرة إلى بلدة عين عنوب ، وهناك أحضر له أبوه معلما آخر اسمه أسعد فيصل فعلمه تلاوة القرآن الكريم ، وحفظ جانبا منه.

وبعد رجوع الأسرة إلى الشويفات دخل شكيب المدرسة الأمريكية بالقرية ، حيث تلقّى دروس الجغرافية والحساب واللغة الانكليزية وغيرها.

في سنة (١٨٧٩) دخل مدرسة دار الحكمة ببيروت ، فمكث فيها ثماني سنوات ، ومن أبرز أساتذته فيها عبد الله البستاني صاحب معجم «البستان».

وفي عام (١٨٨٧) دخل شكيب المدرسة السلطانية ، وفيها درس على الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده الفقه والتوحيد بجوار علوم المدرسة الأخرى ، وقد أعجب الإمام بالفتى الذكي ، الذي بدأ يقول الشعر ، وتوقع له مستقبلا عظيما ، ومن ذلك اليوم أخذت علاقة الأمير بالإمام تتوثق فيسمع منه ويتأثر به.

وفي عام (١٨٨٩) سافر شكيب إلى دمشق ، وحضر مجلس الشيخ محمد المنيني مفتي الشام ، وتعرف على العلامة جمال الدين القاسمي والعلامة الشيخ عبد الرزاق البيطار ، ونابغة الشام الشيخ طاهر الجزائري وغيرهم من أعلام النهضة في سورية.

وفي عام (١٨٩٠) سافر إلى مصر لأول مرة ، واجتمع بالشيخ محمد عبده ، وبصفوة المفكرين والعلماء أمثال الشيخ علي يوسف صاحب «المؤيد» وغيره.

وفي آواخر عام (١٨٩٠) سافر إلى الآستانة والتقى بحكيم الإسلام وموقظ الشرق السيد جمال الدين الأفغاني وسمع منه وتأثر به.

٢٤

وفي عام (١٨٩٢) سافر إلى فرنسة ، وهناك تعرف بالشاعر أحمد شوقي.

٤ ـ وظائفه وجهاده : في عام (١٩٠٨) عين مديرا لشويفات ، ثم قائم مقام لمقاطعة الشوف لمدة ثلاث سنوات ، ولما صدر الدستور العثماني سنة (١٩٠٨) وتألف مجلس المبعوثين في الآستانة عام (١٩٠٩) اختير شكيب ليكون نائبا عن حوران.

وفي عام (١٩١١) اعتدت إيطالية على ليبية ، فانبرى شكيب يكتب المقالات النارية حاضا العرب والمسلمين للدفاع عن حوزتهم ، ولم يتكف بهذه المقالات بل حمل السلاح ، وذهب إلى ليبية متخفيا ، ليشترك في قتال الطليان إلى جانب أنور باشا.

في سنة (١٩١٢) سافر شكيب إلى تركية حيث اختير مفتشا لبعثات الهلال الأحمر المصري فقام بمهمته خير قيام.

وفي عام (١٩١٢) علم بتقسيم فرنسة وبريطانية لسورية وفلسطين ، وذلك من خلال اعترافات المسيو بوانكاره ، لذلك لم يتحمّس للثورة العربية عام (١٩١٦) لما يعلم من نوايا الإنكليز والفرنسيين ، فاختار أهون الشرين ، اختار الترك على الحلفاء واليهود ، وهاهو يقول : «لم يمنعنا من الاشتراك في الثورة العربية سوى اعتقادنا أن هذه البلاد العربية ستصبح نهبا مقتسما بين إنكلترة وفرنسة ، وتكون فلسطين وطنا قوميا لليهود ، وهذا التكهن كان عندنا مجزوما به».

وفي سنة (١٩١٢) سافر إلى المدينة المنورة لإنشاء مدرسة فيها.

عاد إلى دمشق ليشهد مذابح الأحرار في دمشق وبيروت على يد السفاح جمال باشا ، وعبثا حاول الأمير ثني السفاح عن جرائمه ، واستغلّ زيارة صديقه أنور باشا لسورية ليشكو إليه جرائم جمال باشا وبطشه بأحرار العرب.

بدأ السفاح يضايق شكيبا ، ليوقع به ، ويلحقه بإخوانه من أحرار

٢٥

العرب ، ولما علم شكيب بنوايا السفاح فر إلى إستانبول ، ليشكو السفاح إلى الباب العالي وناظر الحربية أنور باشا.

في عالم (١٩١٦) تزوج الأمير من الآنسة سليمى الخاص بك حاتوغو ، وهي فتاة شركسية.

في عام (١٩١٦) بدأت الثورة العربية الكبرى ، لكن الأمير لم يتحمّس لها ، لما يرى فيها من أصابع بريطانية فهو يقول : «لو أعلم أن الثورة العربية ستؤدي إلى استقلال العرب لما سبقني إليها أحد».

مع دخول الفرنسيين سورية ، وبعد مقاومة اشترك فيها الأمير ، فرّ إلى مرسين بتركية ومنها إلى برلين ، حيث أنشأ جمعية الشعائر الإسلامية وبقي هناك عدة سنوات.

وفي عام (١٩٢٢) سافر إلى جنيف رئيسا لوفد سوري فلسطيني للدفاع عن قضايا العرب وحقوقهم أمام عصبة الأمم ، ومن ثمّ اختار جنيف مكانا لإقامته.

وفي عام (١٩٢٦) سافر شكيب على رأس الوفد السوري إلى رومة ليبسط أمام لجنة الانتداب القضية السورية ، وقدّم لرئيس اللجنة مطالب سورية ، التي تتلخّص في إلغاء الانتداب ، ووحدة سورية ، وإصدار دستور لها.

كما نشر مقالا فضح فيه ألاعيب فرنسة مع تركية على حساب سورية باقتطاع أجزاء منها ـ أنطاكية واسكندرونة ـ لتقديمها إلى تركية.

في سنة (١٩٢٧) سافر الأمير إلى أمريكة الشمالية حيث رأس مؤتمرا عربيا في مدينة دترويت بناء على دعوة من عرب المهجر هناك.

في أواخر سنة (١٩٢٧) زار روسية ، واستقبل هناك بحفاوة وإجلال.

وفي سنة (١٩٢٩) حج شكيب إلى بيت الله الحرام ، والتقى الملك عبد العزيز آل سعود ، وكتب «الرحلة الحجازية» المسماة «الارتسامات

٢٦

اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف» وهي هذا الكتاب.

وفي سنة (١٩٣٠) قام برحلة إلى إسبانية ، وعاد فكتب «الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية» وكتب «تاريخ غزوات العرب في فرنسة وسويسرة وإيطالية وجزائر البحر المتوسط» وفيه ردّ غير مباشر على دعاة الاستعمار وأذنابه من الشعوبيين الجدد.

كما أصدر «مجلة الأمة العربية» بالفرنسية في جنيف دافع فيها عن قضايا العرب والمسلمين.

في سنة (١٩٣٤) اشترك في وفد الصلح الذي أرسله المؤتمر الإسلامي بالقدس للتوفيق بين الملك عبد العزيز آل سعود والإمام يحيى حميد الدين ملك اليمن بعد أن نشبت الحرب بينهما ، واستطاع الوفد أن يقوم بمهمته على الوجه المرضيّ.

في صيف (١٩٣٧) سمحت له فرنسة أن يزور سورية ، واستقبله أبناؤها استقبالا رائعا ، وسعد بتقبيل يديّ أمه ، وأرادت الحكومة السورية أن تعبّر عن تقديرها له ، فأصدرت قرارا بتعينه رئيسا للمجمع العلمي العربي ، لكنّ فرنسة نكثت بوعودها فترك شكيب سورية ، وعاد إلى أوربة.

وفي عام (١٩٣٩) أذنت له الحكومة المصرية بزيارة مصر بعد أن حيل بينه وبينها سنوات طويلة ، فزارها ، وبعد أن قضى في مصر أربعة أشهر عاد إلى أوربة.

وقامت الحرب العالمية الثانية بظروفها القاسية التي نال منها شكيب نصيبه ، ولكنّه لم يكفّ عن الجهاد في سبيل العروبة والإسلام.

٥ ـ عودته إلى وطنه ووفاته : انتهت الحرب عام (١٩٤٥) ، وتحررت سورية ولبنان ، فعاد شكيب إلى وطنه في أواخر تشرين الأول ـ أكتوبر عام (١٩٤٦) واستقبله أبناء العروبة بحفاوة وإكبار.

٢٧

وضعفت صحة الأمير بمرور السنين ، وطول الكفاح ، وتوالي المتاعب ، وكثرة الأمراض.

وفي يوم الإثنين (١٥) من المحرم سنة (١٣٦٦) الموافق للتاسع من كانون الأول ـ ديسمبر سنة (١٩٤٦) لحق شكيب أرسلان بربه بعد حياة طويلة حافلة ، وصلّي عليه في الجامع العمري ببيروت ، ثم نقل جثمانه إلى قريته الشويفات حيث دفن فيها ، حيث أبّنه الدكتور مصطفى السباعي رحمه‌الله تعالى بخطبة جامعة.

مات الأمير تاركا زوجة وابنا هو غالب ، وابنتين هما : مي وناظمة ، ودارا ببرلين فيها كتبه وأوراقه.

تصفه زوجته قائلة : كان متدينا ، محافظا على الصلاة ، قضى حياته كلها في الكتابة أو القراءة أو الحديث أو الرحلة.

٦ ـ حليته : كان شكيب يميل إلى طول القامة ، حنطي اللون ، أميل إلى الامتلاء في شبابه ، لكنه نحل في آخر عمره ، كما ضعف بصره ، وابيضّ شعره ، وكانت يده ترتعش إذا كتب ، وكان صوته أميل إلى الخشونة والامتلاء.

كان يعرف الفرنسية والتركية والإنكليزية وجانبا من الألمانية.

٧ ـ مؤلفاته : لشكيب أرسلان عشرات من الكتب والرسائل بعضها مطبوع ، وبعضها الآخر مخطوط ، وها هي أسماء هذه الكتب :

أ ـ المطبوعات :

١ ـ «الرحلة الحجازية» المسماة «الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف» تصحيح وتعليق السيد محمد رشيد رضا ـ مطبعة المنار ـ الطبعة الأولى سنة (١٣٥٠ ـ ١٩٣١) وهو هذا الكتاب.

٢ ـ «أناطول فرانس في مباذله» تأليف جان بروسون ، ترجمه وقدم له وعلق عليه شكيب أرسلان المطبعة العصرية بالقاهرة الطبعة الأولى

٢٨

لم تذكر سنة الطبع ، ولكنها سنة (١٣٤٥ ـ ١٩٢٦).

٣ ـ «تاريخ ابن خلدون» تعليق شكيب أرسلان الجزء الأول والثاني مطبع النهضة بالقاهرة ـ الطبعة الأولى سنة (١٣٥٥ ـ ١٩٣٦).

٤ ـ «تاريخ غزوات العرب في فرنسة وسويسرة وإيطالية وجزائر البحر المتوسط» مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاؤه بمصر الطبعة الأولى سنة (١٣٥٢ ـ ١٩٣٣).

٥ ـ «حاضر العالم الإسلامي» تأليف لوثروب ستودارد الأمريكي ـ ترجمة عجاج نويهض ـ تعليق شكيب أرسلان ـ الطبعة الأولى بالمطبعة السلفية ، في جزئين والطبعة الثانية بمطبعة عيسى البابي الحلبي سنة (١٣٥٢ ـ ١٩٣٣) (٤) أجزاء.

٦ ـ «ديوان الأمير شكيب أرسلان» طبع وتصحيح السيد محمد رشيد رضا مطبعة المنار بمصر الطبعة الأولى سنة (١٣٥٤ ـ ١٩٣٥).

٧ ـ «رواية أخر بني السراج» تأليف الكونت دي شاتوبريان ، ترجمة شكيب أرسلان ، ومع الرواية خلاصة تاريخ الأندلس لشكيب ، وكتاب «أخبار العصر في انقضاء دولد بني نصر» لمؤرخ مجهول ، و «أثارة تاريخية رسمية في أربعة كتب سلطانية أندلسية» مطبعة المنار بالقاهرة الطبعة الثانية سنة (١٣٤٣ ـ ١٩٢٥).

٨ ـ «روض الشقيق في الجزل الرقيق» شعر نسيب أرسلان جمعه وقدم له وعلق عليه شكيب أرسلان مطبعة ابن زيدون بدمشق الطبعة الأولى سنة (١٣٥٥ ـ ١٩٣٥).

٩ ـ «السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة» مطبعة ابن زيدون بدمشق ، الطبعة الأولى سنة (١٣٥٦ ـ ١٩٣٧).

١٠ ـ «شوقي أو صداقة أربعين سنة» مطبعة عيسى البابي الحلبي بمصر الطبعة الأولى سنة (١٣٥٥ ـ ١٩٣٦).

١١ ـ «عروة الاتحاد بين أهل الجهاد» جمعت وطبعت على نفقة جريدة «العلم العربي» لصاحبها عبد اللطيف الخشن في بونس أيرس

٢٩

الطبعة الأولى في رجب سنة (١٣٦٠ ـ ١٩٤١) لم يطبع غير الجزء الأول.

١٢ ـ «لماذا تأخر المسلمون ، ولماذا تقدم غيرهم؟» مطبعة المنار بمصر سنة (١٣٤٨).

١٣ ـ «رد على كتاب «في الشعر الجاهلي» لطه حسين طبع مقدمة لكتاب «النقد التحليلي لكتاب في الأدب الجاهلي» تأليف الدكتور محمد أحمد الغمراوي المطبعة السلفية بمصر ـ الطبعة الأولى سنة (١٣٤٧ ـ ١٩٢٩).

١٤ ـ «النهضة العربية في العصر الحاضر» محاضرة للأمير شكيب أرسلان في دار المجمع العلمي العربي بدمشق في تشرين الثاني ـ أكتوبر عام (١٩٣٧) وطبعتها ونشرتها إدارة جريدة «الجزيرة» بدمشق ، وليس على الكتاب سنة الطبع ، ولكن يظن أنها سنة (١٣٥٦ ـ ١٩٣٧).

١٥ ـ «الوحدة العربية» محاضرة ألقاها الأمير شكيب أرسلان في النادي العربي بدمشق في (٢٠) أيلول ـ سبتمبر (١٩٣٧) وطبعت في مطبعة الاعتدال بدمشق ، نشر محمد ياسين عرفة صاحب مكتبة عرفة بدمشق ، الطبعة الأولى سنة (١٣٥٦ ـ ١٩٣٧).

١٦ ـ «باكورة» ديوان شعر.

١٧ ـ «الدرة اليتيمة» لابن المقفع تحقيق وتعليق.

١٨ ـ «المختار من رسائل الصابي» تحقيق وتعليق.

١٩ ـ «أعمال الوفد السوري الفلسطيني».

٢٠ ـ إلى العرب : بيان للأمة العربية عن حزب اللامركزية. طبع في مطبعة العدل في الآستانة عام (١٣٣٢) ه ، وهو ملحق بكتاب «تاريخ الدولة العثمانية» للمؤلف طبع دار ابن كثير.

٢١ ـ لائحتين إلى المسيو جوفنيل [المندوب السامي الفرنسي في سورية ولبنان].

٣٠

٢٢ ـ «مجلة الأمة العربية» بالفرنسية في جنيف.

٢٣ ـ «محاسن المساعي في مناقب الإمام أبي عمرو الأوزاعي» تحقيق وتعليق شكيب أرسلان طبع في مطبعة عيسى البابي الحلبي بمصر.

٢٤ ـ «الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية» صدر منه ثلاثة مجلدات.

٢٥ ـ «رحلة روسية».

٢٦ ـ «رحلة ألمانية».

٢٧ ـ رسالة عن ضرب الفرنسيين لدمشق.

٢٨ ـ مقالات شكيب أرسلان.

ب ـ المخطوطات :

٢٩ ـ بيوتات العرب في لبنان.

٣٠ ـ البيان عما شهدت بالعيان.

٣١ ـ تاريخ بلاد الجزائر.

٣٢ ـ ما لم يرد في متون اللغة.

٣٣ ـ حياة شكيب بقلمه.

٣٤ ـ بحث عن طرابلس وبرقة.

٣٥ ـ بقية الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية».

٣٦ ـ «اختلاف العلم والدين» ترجمة.

٣٧ ـ الحلة السنية في الرحلة البوسنية.

٣٨ ـ مدنية العرب.

٣٩ ـ الجيش المعبا في تاريخ أوربة.

٤٠ ـ قضيتنا مع سمو الخديوي عباس حلمي الثاني.

٤١ ـ تاريخ لبنان.

٤٢ ـ إصلاح العامية.

٤٣ ـ التعريف بمناقب سيدي أحمد الشريف.

٣١

٣٢

٣٣
٣٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مقدمة

الحمد لله الواحد الخلّاق ، وسبحان الله وبحمده في العشيّ والإشراق ، ونشهد أن لا إله إلا الله شهادة الإخلاص ، التي نرجو بها الخلاص يوم التلاق ، وتهون بها سكرات الموت إذا حشرجت الأنفس في التراق.

ونشهد أنّ محمدا عبد الله ورسوله أشرف الخلق على الإطلاق ، المبعوث لإقامة الحقّ والعدل وإتمام مكارم الأخلاق ؛ بكتاب باهر المحّجة ، وسنّة واضحة الحجّة ، وبراهين كالصّبح في الإنفلاق ، والشّمس في الائتلاق.

صلّى الله عليه وعلى آله الغطاريف ، وعلى أصحابه الصناديد ، وعلى أنصاره الكرام العتاق ، الذين نشروا التوحيد المحض في الآفاق ، وجمعوا كرم الأفعال إلى كرم الأعراق ـ ما هبّت نسائم الأسحار ، وتفتّقت كمائم الأزهار ، وسجعت الورق على الأوراق ـ وسلّم تسليما كثيرا.

وبعد : فقد مضت عليّ حجح كثيرة ، وأنا أهمّ بأداء فريضة الحجّ ، والعوائق تعوق ، والموانع من حول إلى حول تحول ، إلى أن يسّر الله بلطفه وحسن توفيقه لي أداء هذا الفرض في سنة (١٣٤٨) ه أي منذ

٣٥

سنتين كاملتين ، فكان قصدي إلى الحجاز من لوزان بسويسرة ، عن طريق نابولي بإيطالية ، إذ ركبت منها البحر على باخرة إنكليزية إلى بور سعيد ، حيث نزلت ، وفي اليوم التالي ذهبت إلى السويس ، ومنها أبحرت إلى الحجاز ، في باخرة مكتظّة بالحجّاج ، فأحرمنا ولبينا من بحر رابغ ، ووصلنا إلى جدة من السويس في اليوم الرابع ، على ما وصفت في رحلتي الحجازية التي سيقرؤها المطالع.

وفي مساء يوم وصولي إلى جدة يسّر الله دخولي إلى البلد الأمين ، مبادرا إلى البيت العتيق بالطواف ، وإلى المروة والصفا بالسعي ، وبعد ذلك بيومين ، صعدنا إلى منى فعرفة ، ثم أفضنا منها إلى المزدلفة ، حيث بتنا ليلة ، ثم عدنا إلى منى ، حيث لبثنا ثلاث ليال ، وعدنا إلى البيت الحرام ، وتممنا مناسك الحجّ ، والله يتقبّل منا ، ويتوب علينا ، إنّه قابل التوب ، غافر الذنب ، العليّ الكبير ، لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، ويعفو عن كثير.

ولقد وجدت مناسبا أن أنشر ما ارتسم في مخيّلتي من هذه المشاهد ، وما انطبع في لوح دماغي من مناظر تلك المشاعر المباركة والمعاهد ، مقرونا بما يعنّ لي من الآراء ، مشتملا على ما عندي من الملاحظات التي أحبّ أن يطّلع عليها القراء ، فأرسلت إلى جريدة «الشورى» بمقالات كنت نشرتها فيها الفينة بعد الفينة. ذاكرا فيه مكة وعرفة ، ومنى والمزدلفة ، وتلك البقاع المعظمة المشرّفة.

ولما كنت بعد ذلك قد صعدت إلى الطائف مستشفيا من سقم أصابني في أثناء أداء الفريضة ، كتبت أيضا عن الطائف وجبالها ومرابعها ومنازهها ، وجنانها وكرومها وفواكهها ، ولم أقتصر في الوصف على جنانها الناضرة ، وأحوالها الحاضرة ، بل كررت النظر إلى الوراء من أمور تاريخية ماضية ، ومددته إلى الأمام في أمور اجتماعية مستقبلة ، بحيث جمعت في هذه الرسائل بين مباحث جغرافية وتاريخية ، ومواقف

٣٦

سياسية واجتماعية ، ومسائل عمرانية واقتصادية ، ودقائق لغوية وأدبية ، متناولا من القديم والحديث ، ومتنقّلا بين التالد والطريف.

ومن حيث أني كنت أصدرها من وقت إلى آخر في جريدة سيّارة كانت هيئتها أقرب إلى أسلوب الجرائد منها إلى أسلوب الكتب ، لأنّ الكاتب إذا كتب بين أسبوع وآخر متأثّرا بالعوامل المختلفة ، ملاحظا المتجددات اليومية ، مراعيا حالة قرّائه الروحية ـ ذهب به الاستطراد كلّ مذهب ، وشرّدت به شجون القول فشرّق وغرّب ، ولهذا جاء في هذا الكتاب استطراد ليس بيسير من فصل إلى فصل ، وإن كان جميعه مرتبطا بالموضوع ، ومردودا إلى الأصل.

ثم رأيت أنّ إكمال هذا التأليف على الخطة التي انتهجتها أوّلا ـ من نشره رسائل متفرّقة على الأسابيع ـ قد يأخذ وقتا طويلا ، ولا ينتهي بأقّل من سنتين أو ثلاث ، على أنّي صرت مشغولا مستغرقا برحلتي الأندلسية ، التي قد تأخذ مجلّدات عدّة (١) ، ولا يتأتّى لي الاشتغال بغيرها هذه المدة ، فعدلت مؤخّرا عن الطريقة الأولى ، وقطعت رسائل هذه الارتسامات عن «الشورى» ، وانصرفت إلى إكمال هذا التصنيف توّا ، حاثّا مطية القلم إلى غايته ، ماضيا به بلا توقف إلى آخره ، فكان ما نشر منه «الشورى» نحو الثلث ، وما لم ينشر في «الشورى» ولا في جريدة غيرها نحو الثلثين.

هذا ، ولمّا تسنّى إكماله ، وبلغ الإبدار هلاله ، رأيت أن أتوّجه باسم جلالة الملك الهمام ، الذي هو غرّة في جبين الأيام :

«عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود»

ملك الحجاز ونجد وملحقاتها

تذكارا لجميل الأمن الذي مدّ على هذه البلدان سرادقه ، وعرفانا لقدر العدل الذي وطّد فيه دعائمه ، وناط بالإجراء مواثقه ، وابتهاجا

__________________

(١) [وقد نشر منها ثلاثة مجلدات بعنوان «الحلل السندسية»].

٣٧

بالملك العربي الصميم ، الذي صان للعروبة حقّها ، وللإسلام حقائقه ، أدام الله تأييده ، وأطلع في بروج الإقبال سعوده ، وخلّد شمسه الشارقة ، ووفّقه للاتفاق مع سائر ملوك العرب وأمرائها ، والعمل مع رجالاتها العاملين لرقيّها وعلائها ، ولا سيما الملكين الهمامين ، الفاضلين الكاملين ، الماهدين المجاهدين ، المتوكل على الله «الإمام يحيى بن محمد بن حميد الدين» صاحب اليمن ، و «الملك فيصل بن الحسين» صاحب العراق والرّافدين ، أدام الله توفيقهم جميعا لما به حفظ تراث الأمة العربية ، وإبلاغها المقام الذي تسمو إليه نفوس العرب الأبيّة ، وحياطتها بوحدة الكلمة من سطوات الغدر ، وغوائل المكر ، التي لا تفارق حركات الدول الأجنبية ، والله تعالى سميع الدعاء ، كفيل بتحقيق الرجاء : آمين.

وكتب بلوزان

في (٥) ذي الحجة الحرام (١٣٤٩)

شكيب أرسلان

٣٨

من السويس إلى جدة ووصف الإحرام والتلبية

فصلنا من ميناء السويس في (٨) مايو ـ أيار على باخرة تقل نحوا من (١٣٠٠) حاج من إخواننا المصريين ، وفيهم بعض المغاربة ، فسارت بنا الباخرة رهوا ورخاء ، لم نشعر فيها إلى جدة بأدنى حركة للبحر تزعج الراكب ، وإنما كان المزعج هو اكتظاظ السفينة بالراكبين ، حتى لا يقدر أحد أن يمرّ من شدّة الزّحام.

وفي اليوم الثالث من مسيرنا ، ناوحنا (١) ميناء رابغ ، ولما كان الحجيج الوارد من الشمال في البحر الأحمر عليه أن يحرم من رابغ ، فقد أحرم جميع الحجاج الذين في الباخرة ، وارتفعت الأصوات من كل جهة : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك» فاستشعر النّاس من الخشوع في أثناء ضجيج الحجيج هذا ما اتصل بأعماق القلوب ، وتغلّغل في سرائر النفوس ، وأحسّ الجميع أنّ البيت الذي يخلع النّاس تعظيما له أثوابهم قبل الوقوف بعتبته بمسيرة يومين ، ويشتملون في القصد إليه ما ليس فيه شيء من المخيط ـ لبيت مقدّس ، لا يؤمّه النّاس كما يؤمّون سائر البيوت ، وإنّه فوق بيوت الملوك ، وفوق مقاصير القياصرة ، وأواوين الأكاسرة ، التي لا يحرم في الطريق إليها أحد ، لا من بعيد ولا من قريب.

__________________

(١) [حاذينا].

٣٩

وما زال النّاس مستشعرين الخشوع تلك الليلة ، مواظبين على التلبية ، مترقّبين طلوع الفجر ، الذي يدنيهم من جدة ، ميناء البيت العظيم الذي يؤمونه ، إلى أن انفلق الصبح ، وأخذت تبدو جبال الحجاز للعين المجردة ، فارتفعت الأصوات بالتهليل والتسّبيح والتكبير ، وازداد ضجيج التلبية للعليّ الكبير ، وخالط الهيبة والخشوع بالقدوم على البيت الحرام الفرح والابتهاج بالوصول إلى أطهر بقعة وأقدس مرام ، ولم تكن ترى إلا عيونا شاخصة ، ولا تحسّ إلا قلوبا راقصة ، والجميع متطلّعون إلى سواحل الحجاز ، منتظرون بذاهب الصبر أن يقبلوا على جدة.

فلمّا كان ضحى اليوم الرابع من ذي الحجة دخلت الباخرة مرسى جدة ، لكن بتؤدة عظيمة ، لما في هذا المرسى من الجبال والصخور ، التي تكاد رؤوسها تبرز من تحت لجج البحر ، وإذا بخمس عشرة باخرة راسيات في ذلك الميناء على أبعاد متفاوتة من البر.

وصف جدة ، وغرابة ألوان بحرها

ولقد طاب لي من ميناء جدة منظران ، لا يزالان إلى الآن منقوشين في لوح خاطري :

أحدهما : رؤية هذه البواخر الواقفة في الميناء ناطقة بلسان حالها : إنّه وإن كانت هذه السواحل قفارا ، لا تستحقّ أن ترفأ إليها البوارج ولا السفن ، فإنّ وراءها من المعنوي أمرا عظيما ، ومقصدا كريما ، هذه البواخر الكثيرة ماثلة أمام جدة من أجله ، ولقد قيل لي في جدة : ماذا رأيت!!؟ فمن العادة أن تجتمع في مياه جدة ثلاثون باخرة وأربعون باخرة ، وقد يبلغ عدد الراسي فيها إلى خمسين باخرة ، حتى يعود البحر هناك غابا أشبى (١) ، وتظن نفسك في هامبورغ أو نيويورك.

__________________

(١) [الملتف].

٤٠