إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٦

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٦

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٥

وكان المرحوم رأسا في جميع العلوم مستجمعا لشروط الفضائل ، وجامعا لعلوم الأواخر والأوائل ، يرغم في الرياضيات أنوف الرؤوس ، ويحاكي في الطب أبقراط وجالينوس ، وكان صاحب فنون غريبة قادرا على أفاعيل عجيبة ، ماهرا في وضع الآلات النجومية والهندسية ، كالربع والأسطرلاب وسائر الأسباب. وكان رحمه‌الله مظنة علم الكاف وعلم الزايرجة بلا خلاف. وكان مشهورا بالمحل في التعليم والإفادة لأرباب الطلب والاستفادة ، ولم يقبل مدة عمره وظيفة السلطان ، وقطع حبال الأماني من أرباب العزة بقدر الإمكان ، وكان يكتسب بطبابته ويقتات بهدايا تلامذته ، وكان يلبس لباسا خشنا وعمامته صغيرة ، ويقنع من القوت بالنزر القليل والأمور اليسيرة.

وكان رحمه‌الله ينظم الأبيات أعذب من ماء الفرات. وقال في قافية الطاء مادحا لبعض الفضلاء وأظنه المولى صالح بن جلال عند كونه قاضيا بحلب :

دعائي فلا يحصيه عدّ ولا ضبط

وشكري لكم دوم فما كان ينحطّ

وأثني جميلا ثم أهدي تحية

لطيب شذاها يطلب العود والقسط

فباح بها مسك وفاح بعطرها

وفي وجنة للورد منها أتى قسط

إلى حضرة أحيا الأنام بعلمها

وبان بها حكم الشريعة والشرط

فلا مطلب إلا ذراها نعم ولا

رحال لذي عزم إلى غيرها تخطو

لقد جد أقوام وضاهوا بمثلها

فدون أمانيها القتادة والخرط

فكم من كبير قد جبرت لحاله

وفكيت مأسورا أضر به الربط

وكم من أياد قد أناخت لكاهل

وما كادت الأقدام من حملها تخطو

سبقت إلى الفضل السراة فما لهم

من الجهد إلا دون عزمك قد حطّوا

علوت إلى أن جئت بالشهب منطقا

فسارت به الأمثال والعرب والقبط

جمعت لأنواع العلوم فلا نرى

لمثلك فردا في الفنون له ضبط

لعمري من يوم أرى فيه للعدا

كمودا وقد صاروا وقد ساءهم سخط

جواد له جود تراه على الرضى

وإلا تمنى أن فارسه سقط

فتلك أمانيهم وأحلام كاذب

فهل ثم عقبان يروّعها البسط

سلوا علماء الخافقين وفتية

بسمر القنا في الجانبين لهم شرط

فهل كانت الأنعام تأوي لبقعة

أقام بها ليث وفيها له سبط

٦١

فيا حبذا يوم وفيه تظلهم

سيوف لكم بيض على روسهم رقط

ترود حياض الموت فيه نفوسهم

ونيران نقع من زفير لها لغط

وتهدي المنايا للنفوس ببأسهم

وأقلام سمر من أسود بها نشط

فديتكم روحي لقد جئت بالخطا

فحلم بدا منكم فحاشاه بي يسطو

فأين صوابي والخطا كان جبلتي

وأقدام ما أبغي عليه لقد حطوا

فسامح لمن أخطا وصنه تكرما

فأبكار فكري للخطائين قد خطّوا

جزاك إله العرش عني عطية

ويأتيك أفراح ويعقبها الغبط

ولما وصلت إليه القصيدة الميمية التي أنشأها المفتي أبو السعود التي أولها :

أبعد سليمى مطلب ومرام

وغير هواها لوعة وغرام

صنع خطبة سنية ونصع عدة أبيات سينية ، وأرسلها إلى المولى المزبور ، ثم ذكر الخطبة والأبيات ثم قال : ذكر تصانيفه : تذكرة الكتاب في علم الحساب ، ومتن وشرح في علم الفرائض ، حاشية على فلكيات شرح المواقف ، حاشية على شرح تفسير البيضاوي حوى جزئين من القرآن الكريم ، كتاب في علم الزايرجة ، وقد شرح القصيدة الميمية للمفتي أبي السعود أتى به إلى المولى المزبور فاستقبله وعانقه وأكرمه غاية الإكرام ، فلما نظر إلى ما كتبه استحسنه وأعطاه بعضا من الأقمشة والعمائم وغيرها روح الله روحه.

٩٠١ ـ رضي الدين محمد بن إبراهيم بن يوسف الحنبلي

(صاحب «در الحبب» المتوفى سنة ٩٧١)

محمد بن إبراهيم بن يوسف بن عبد الرحمن ، الشيخ الإمام العلامة المحقق المدقق الفهامة أبو عبد الله رضي الدين المعروف بابن الحنبلي الحلبي الحنفي.

أخذ عن الخناجري والبرهان وعن أبيه وآخرين ، وقد استوفى مشايخه في تاريخه. وحج سنة أربع وخمسين وتسعمائة. ودخل دمشق.

وكان بارعا مفننا ، انتفع عليه جماعة من الأفاضل كشيخنا شيخ الإسلام محمود البيلوني ، وشيخ الإسلام بدمشق شمس الدين بن المنقار ، والعلامة البارع المحقق سيدي

٦٢

أحمد بن المنلا ، واجتمع به شيخنا شيخ الإسلام القاضي محب الدين وأخذ عنه ، وأخبرني عنه أنه كان إذا عرض له آية يستشهد بها في تصانيفه جاء إلى تلميذه الشيخ محمد البيلوني ، وقد فضل في حياته ، وكان يحفظ القرآن العظيم ، فيجيء ابن الحنبلي إلى محل درسه بمدرسته بحلب ويسأله عن الآية فيكتبها من حفظه.

وله مؤلفات في عدة فنون منها حاشية على شرح تصريف العزي للتفتازاني ، وشرح على النزهة في الحساب ، والكنز المظهر في حل المضمر ، ومخايل الملاحة في مسائل الفلاحة ، وشرح المقلتين في مسح القبلتين ، وكنز من حاجي وعمّي في الأحاجي والمعمّى ، ودر الحبب في تاريخ حلب. ونظم الشعر ، إلا أن شعره ليس بجيد لا يخفى ما فيه من التكلف على من له أدنى ذوق ، فمنه قوله مضمنا :

بالله إن نشوات شمطاء الهوى

نشأت فكن للناس أعظم ناس

متغزلا في هالك بجماله

بل فاتك بقوامه المياس

واشرب مدامة حب حب وجهه

كاس ودع نشوات خمر الطاس

وإذا جلست إلى المدام وشربها

فاجعل حديثك كله في الكاس

وقال وقد سمع عليه قوم منهم ابن الملا كتاب الشمائل للترمذي :

يا من لمضطرم الأوا

م حديثه المروي ريّ

أروي شمائلك العظا

م لرفقة حضروا لديّ

علّي أنال شفاعة

تسدى لدى العقبى إليّ

وإذا شفعت لذنبه

ولأنت لم تنعت بليّ

حاشا شمائلك اللطي

فة أن ترى عونا عليّ

توفي يوم الأربعاء ثالث عشر جمادى الأولى سنة إحدى وسبعين وتسعمائة ، ودفن بمقابر الصالحين بالقرب من قبر الشيخ الزاهد محمد الخاتوني ، بين قبريهما نحو عشرة أذرع. وورد الخبر بموته إلى دمشق في آخر جمادى المذكور ا ه.

هذا ما ترجمه به العلامة الغزي في «الكواكب السائرة» ، ولعمري إنه لم يوفه ما يستحقه من الترجمة بالنظر لما تبين لي من جلالة فضله وغزارة علمه وكثرة مؤلفاته ، لذا تتبعت من تلقى عنها العلم وما قيل فيه ، واستقصيت ماله من المؤلفات ، ومنها تستدل

٦٣

على عظيم فضله وأنه كان في عصره عالم الشهباء بلا مدافع والمشار إليه فيها.

كانت ولادته سنة ٩٠٨ كما وجدته في فهرست المكتبة السلطانية المصرية ، وقرأ القرآن على الشيخ أحمد بن الحسين الباكزي. قال في ترجمة شيخه عبد الرحمن بن فخر النساء :

تفقهت أنا ولله الحمد على شيخنا صاحب الترجمة قراءة وسمعت عليه سماع دراية جانبا من شرح الشافية للجاربردي ، وجانبا من شرح الكافية للهندي بقراءة البرهان الصيرفي الأريحاوي ، وقطعة من صدر الشريعة بقراءة الشمس محمد بن طاس بصتي.

وقال في ترجمة الشهاب أحمد الهندي الدلّوي نزيل حلب : وكنت أول من أخذ في القراءة عليه ، فقرأت في «المطوّل» وحواشيه للشريف الجرجاني.

وذكر في ترجمة محمد بن شعبان الديروطي أنه قرأ عليه بحلب سنة إحدى وأربعين وتسعمائة «شرح النخبه» (في علم مصطلح الحديث) لمؤلفها الحافظ ابن حجر ، وأذن لي أن أقرئه لمن شئت وأن أروي عنه صحيح البخاري ومسلم وما يجوز لي عنه روايته بشرطه. وقرظ لي على بعض مؤلفاتي. وقرأ النزهة في الحساب على الشيخ محمد الخناجري ، وقرأ البلاغة على الشيخ موسى السرسولي نزيل حلب ، وقرأ متن الجغميني (في علم الهيئة) على ولي الدين بن الحسين الشرواني نزيل حلب أيضا. قال : وهو أول أستاذ لي في هذا الفن.

وقال في ترجمة البرهان إبراهيم العمادي : أخذت عنه عدة فنون إلى أن أجاز لي جميع ما يجوز له وعنه روايته إجازة مفصلة بخطه سنة ٩٤٨.

وقال في ترجمة عبد اللطيف الجامي نزيل حلب : وقد سألته في تلقين الذكر فلقنني إياه بالتكية الخسروية وصافحني وأجاز لي ولله الحمد أن ألقن وأصافح ، وكتب لي دستور العمل ولكن بالفارسية لاشتغاله عن التعريب بأهبة السفر ، فاستأذنته في تعريبه نظما ونثرا بحسب ما فيه من منظوم ومنثور له وغيره ولو باستعانة بالغير في معرفة معانيه الإفرادية دون تبديل مبانيه التركيبية ، فأذن فعربت وعرضت التعريب عليه فاستملحه وصار الناس يكتبون منه نسخا ولله المنة.

وقال الشهاب الخفاجي في الريحانة في حقه : والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق ، وهو في ميدان الفضل وحلبة الشهباء سابق وأي سابق ، وعصره كان مسك ختامها وسحر

٦٤

لياليها وأصيل أيامها ، نورت حدائقها بغوادي شمائله ، وتحلّى معصم مجدها بسوار فضائله درس فيها وأفتى ، وطمى بحر فضائله فترك الحساد يضربون الماء حتى. وله نظم كما انتظمت دراري الزهر ، ونثر كما نثرت يد الشمال على وجنات الرياض لآلىء القطر. وله تصانيف جمة تزينت بها البلاد ، وأمست تمائمها منوطة بأجياد الأجواد ، فهو نسيج وحده ، وآثاره في حلل الفضل طراز مذهب ، وأسد في مجادلة العلماء لا يذكر عنده ثعلب. وله محاضرات لو ذكرت للراغب لسعى لها راغبا ، أو سحبان ظل لذيل الخجل على وجه البسيطة ساحبا. فمما هبت به صبا أسحاره ، وغردت به على كراسي الربى حمائم أخباره قوله

يلومونني في ترك ضم قوامه

ولا إذن للنساك في الضم واللثم

نعم بيننا جنسية الود والصفا

ولكنني لم ألفها علة الضمّ

وقوله :

يقولون لي والشيب لاح بمفرقي

عناقك عذراء الحمى غير جائز

أعن نار خديها التي هي منيتي

أميل واستغني ببرد العجائز

وله :

قوامك يا بدر النحاة كأنه

قنا أو قوام السرو أو ألف الوصل

وعينك فاقت كل عين بكحلها

فما أنت إلا زيد مسألة الكحل

وقوله :

لكم همم نلتم برمي شباكها

مرامكم لما قطعتم بها البيدا

وعدتم إلى المضنى بما نلتم وقد

توليتم صدا فكان لكم صيدا

وقوله :

كنا سمعنا بأوصاف لكم كملت

فسرّنا ما سمعناه وأحيانا

من قبل رؤيتكم نلنا محبتكم

(والأذن تعشق قبل العين أحيانا)

وهو لبشار وأوله (يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة).

ولصاحب الترجمة أيضا رباعية :

٦٥

طرفاك كلاهما ضعيف وعليل

مثلي وأنا العليل من أجل عليل

من ضعفي قد صرفت ميلي لهما

والجنس إلى الجنس كما قيل يميل

وقال * في ترجمة صالح جلبي قاضي حلب سنة ٩٥١ : وكان ممن منع شرب القهوة بحلب على الوجه المحرم من الدور المراعى في شرب الخمرة وغيره ، وكنت عنده يوم منع ذلك فسأل : أتشربونها بالدور؟ فقلت له : نعم والدور كما شاع باطل ، وأنشدته من نظمي :

وقهوة البن أضحى

بها الحمى غير عاطل

لكنهم أشربوها

بالدور والدور باطل

ومن شعره وقد ذكره في ترجمة ابن آق شمس الدين قوله :

عودونا بنومة السحر

بعد ما أزمعوا على السفر

علّ طيفا لهم يمر بنا

في محياه دارة القمر

ثم لما حلا المنام لنا

واعتقلنا مرارة السهر

غاب عنا لطيف طيفهم

واعترتنا هواجس الفكر

ثم قالوا ألم يلم بكم

قلت كلا أخانني نظري

كيف أنظاركم وحجتنا

في حلاها كساطع الغرر

أن يكن طيفكم ألم بنا

فاسألوا طيفكم عن الخبر

ومن شعره وقد ذكره في ترجمة شمس الدين الحصني نزيل حلب :

العاشق من نواك قد كل متى

يحظى بجميل

والباصرتان منك قد كلمتا

من عاد قتيل

بالوعد بقتلتي هما قد وفتا

فالخطب جليل

كم تفتن في هواك شيخا وفتى

والصبر قليل

ومنه ما ذكره في ترجمة القاضي الشيخ جابر المتوفى سنة ٩٤٢ في مراتب الشعراء حيث قال :

مراتب نظّام القوافي تتابعت

وكل فصيح منهم فهو مشكور

__________________

(*) أي الرضيّ الحنبلي في كتابه «در الحبب».

٦٦

فأشعرهم خنذيذهم ثم مفلق

فشاعرهم ثم الشويعر شعرور

وبالجملة فقد ضمن تاريخه الكثير من نظمه ، ومعظمه متوسط وتجد فيه الرديء ، وجيده قليل. والخلاصة أن شعره لم يخرج عن كونه من شعر العلماء وقل فيهم المبرز في هذا الفن البالغ المرتبة العليا في الإجادة.

وكتب الشيخ إبراهيم بن أحمد بن الملا على هامش نسخة من در الحبب التي هي بخطه عند ترجمة الشيخ إبراهيم العمادي شيخ المترجم ما نصه :

أقول : انظر إلى أثر الحب في الله الحقيقي كيف جذب العلامة المؤرخ وساقته القدرة الإلهية إلى أن دفن بجوار شيخه المترجم أعاد الله علينا من بركات علومهما في جوار ولي الله الشيخ محمد الخاتوني.

وذكر الشيخ محمد العرضي في مجموعته في ترجمة الشهاب أحمد بن الملا تلميذ المترجم :

ولما انتقل أستاذه إلى جوار ربه وأجاب داعي نحبه وقامت عليه نواعي الحكم وانثلم حد القلم كتب على قبره من قوله :

قبر شيخ الإسلام مفتي البرايا

الإمام الرضيّ ذي الآداب

حلّ في قبره فقلت عجيبا

بحر علم واراه كف تراب

ذكر مؤلفاته :

(١) «در الحبب في تاريخ حلب» ، وقد تكلمت عليه في المقدمة وقلت ثمة إن فيه (٦٣٣) ترجمة. وقد التقطت منه نيفا وثلاثمائة ترجمة من أعيان الشهباء أدرجت في هذا التاريخ وأهملت نحو ثلاثين ترجمة مما لا طائل فيها ، وما بقي وذلك نحو ثلاثمائة ترجمة هي تراجم من نزلها من الحمويين والحمصيين والطرابلسيين والدمشقيين والحجازيين والروميين والعراقيين ، فهو على هذا تاريخ عام من سنة ٨٦٣ إلى ٩٧١ ، بل ترجم بعض من تأخرت وفاتهم عنه وامتدت حياة بعضهم إلى ما بعد الألف بقليل. وقد انتقد العلامة الغزي صاحب «الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة» هذا التاريخ حيث قال في خطبة كتابه : ثم إني وقفت بعد ذلك على تاريخ العلامة رضي الدين ابن الحنبلي الحلبي المسمى بدر الحبب في تاريخ أعيان حلب ، وهو كتاب في مجلد ضخم ثخين مشتمل على الغث والسمين والتافه

٦٧

والثمين ، وربما ذكر فيه بعض التراجم بما لا تعلق له بالمرام وليس له بفن التاريخ التئام ، وربما أكمل الأسماء لئلا يخلو الحرف من التراجم بنقّاش أو تاجر أو مغن أو مطنبر أو عاشق أو معمار أو غيرهم من العوام ، فانتخبت منه تراجم بعض أعيان كتابه وضممتها إلى كتابي وأعرضت عما لم يقع عليه اختياري مما أتى به وليس في بابه حسبما قضى به تمييزي وانتخابي ، لأني وضعت هذا الكتاب على أسلوب أهل الحديث والإتقان ، ولم أرسمه كيف اتفق ولا على أي وضع كان ا ه.

أقول : إن التاريخ لم يخل من شيء من ذلك ، لكن لا بالمقدار الذي ذكره الغزي رحمه‌الله ، فإنه قد جاوز الحد وارتكب شطط المبالغة في الأمر ، فإن الكثير من هذه التراجم التي لا يأبه لها هي من الأهمية بمكان ، خصوصا في هذا العصر الذي توجهت فيه الرغبات لمعرفة أرباب الصناعات والمتفننين فيها ، وقد أشرت إلى ذلك في المقدمة في الكلام على هذا التاريخ.

(٢) رسالة مسماة «بفتح العين عن الاسم غير أو عين» ، ذكرها المحبي في خلاصة الأثر في ترجمة الشيخ علي الغزي القاهري. قال ناقلا عن تاريخ العرضي الكبير : قدم حلب تاجرا في سنة تسع وستين وتسعمائة وسأل شيخنا ابن الحنبلي عن مسألة أن الاسم غير المسمى أو عينه فكتب شيخنا في ذلك رسالته المسماة (فتح العين عن الاسم غير أو عين).

ثم إن المترجم استشكل عليه أشياء أبدع فيها فأجاب عنها شيخنا ، وسمعت الرسالة المذكورة على مؤلفها شيخنا بقراءة الشهاب أحمد بن المنلا ا ه.

(٣) «الآثار الرفيعة في مآثر بني ربيعة».

(٤) «أحكام الأشعار».

(٥) «أنموذج العلوم لذوي البصائر والفهوم».

(٦) «تعليقة على تفسير البيضاوي».

(٧) «الزبد والضرب في تاريخ حلب» ، وقد أتينا على ما فيه.

(٨) «تذكرة من نسي بالوسط الهندسي». منه نسخة في مكتبة المجلس البلدي بالإسكندرية.

(٩) «روية الظامي في تبرئة الجامي». رسالة في الرد على روح الله القزويني في تشنيعه

٦٨

على الجامي.

(١٠) «تلميظ الشهد لأهل الحل والعقد». وهو شرح على إحدى وعشرين بيتا كان نظمها على لسان شيخه عبد اللطيف الجامي.

(١١) «حدائق الأزهار ومصابيح أنوار الأنوار».

(١٢) «الحدائق الأنسية في كشف حقائق الأندلسية» في العروض. وهو موجود بخطه في المكتبة الحلوية بحلب.

(١٣) «شرح حكم ابن عطاء الله الإسكندري».

(١٤) «حور الخيام وعذراء ذوي الهيام في رؤية خير الأنام في اليقظة والمنام».

(١٥) «ديوان» نظمه جمعه تلميذه الشيخ أحمد بن الملا. منه نسخة في السلطانية بمصر ضمن مجموع رقمه ٨٥.

(١٦) «ذخيرة الممات في القول بتلقين من مات».

(١٧) «ظل العريش في منع حل البنج والحشيش».

(١٨) «رفع الحجاب عن قواعد الحساب». منه نسخة عند الشيخ نبيه الهبراوي بحلب ، وهو شرح النزهة في الحساب. ومنه نسخة في الأحمدية وأخرى في بيت سلطان بحلب.

(١٩) «سهل * الألحاظ في وهم الألفاظ».

(٢٠) «الشراب النيلي في ولاية الجيلي».

(٢١) «شرح المقلتين في حكم القلتين».

(٢٢) «عدة الحاسب وعمدة المحاسب».

(٢٣) «عرف الوردي في نصرة الشيخ الهندي».

(٢٤) «مستوجبة التشريف بتوضيح شرح التصريف».

(٢٥) «التعريف على تغليط التطريف». وهي حاشية على حاشية محمد بن العرضي المعروف بابن هلال المسماة بالتطريف.

__________________

(*) هكذا في الأصل : ولعل الصواب : سهم. وفي هدية العارفين : سهام.

٦٩

(٢٦) «ربط الشوارد في حل الشواهد». وهي شرح شواهد شرح السعد على العزي في الصرف. وهو موجود بخطه في المكتبة الحلوية. ومنه نسخة في اليسوعية «بيروت» وعند الشيخ مصطفى كزيبره بحلب.

(٢٧) «ذبالة السراج على رسالة السراج». وهي حاشية على فرائض السجاوندي.

(٢٨) «الفرع الأثيث في الحديث».

(٢٩) «شرح ميمية المولى أبي السعود العمادي التي مطلعها [أبعد سليمى مطلب ومرام] سماه «المنثور العودي على النظام المسعودي».

(٣٠) «كحل العيون النجل في حل مسألة الكحل». رسالة مفصلة.

(٣١) «الكنز المظهر في استخراج المضمر».

(٣٢) «كنز من حاجى وعمّى في الأحاجي والمعمّى». وشرحها بشرح سماه «غمز العين إلى كنز العين». يوجد في بيت سلطان بحلب وفي المكتبة السلطانية بمصر وعند سعادة مرعي باشا الملاح حاكم حلب وهي بخط المؤلف محررة سنة ٩٦٥ في ثلاث كراريس.

(٣٣) «مرتع الظبا ومربع ذوي الصبا». منه نسخة في المكتبة السلطانية بمصر.

(٣٤) «مصباح الدجا في حرف الرجا».

(٣٥) «مطلوب الخاني في السفر السليماني».

(٣٦) «مغني الحبيب عن مغني اللبيب».

(٣٧) «الفوائد السرية في شرح المقدمة الجزرية» في علم التجويد. وهو شرح مفصل.

(٣٨) «أنوار الملك على شرح المنار لابن ملك» في الأصول. وهو حاشية عليه ، وهي مطبوعة في الآستانة مع حاشيتي الرهاوي وزيرك زاده على الشرح المذكور. يوجد منها نسخة خطية في الأحمدية بحلب والخالدية بالقدس.

(٣٩) «نجوم المريد ورجوم المريد».

٧٠

(٤٠) «حاشية على وقاية الرواية في مسائل الهداية» في الفقه الحنفي.

(٤١) «حاشية على شرح اللب في علم الأصول».

(٤٢) «تحفة الأفاضل في صناعة الفاضل» في الإنشاء. رسالة بخطه في المكتبة الحلوية.

(٤٣) «حاشية على لباب العقد في فقه الشافعية سماها «شرح اللباب».

(٤٤) «تأهيل من خطب ترتيب الصحابة في الخطب».

(٤٥) «رسالة في عشرين بحثا في عشرين علما». ألفها برسم السلطان سليمان.

(٤٦) «القول القاسم للقاسمي قاسم».

(٤٧) «قفو الأثر في صفو علوم الأثر» رسالة في مصطلح الحديث ، وهي مطبوعة.

(٤٨) «مخايل الملاحة في مسائل الفلاحة».

(٤٩) «الروائح العودية في المدائح المسعودية». في السلطانية بمصر في مجموع رقمه ٨٥.

(٥٠) «رسالة تشتمل على جملة ما يهواه السامع لقصد تشنيف المسامع». له في السلطانية بمصر ضمن المجموع المتقدم.

(٥١) «الجواري المنشآت في الجواري المنشآت». ضمن هذا المجموع.

(٥٢) «روضة الأرواح» على السراجية في الفرائض في المكتبة العمومية في الآستانة.

(٥٣) «شرح إيساغوجي في المنطق». وهو على تصوراته.

(٥٤) «عدة الحاسب وعمدة المحاسب».

(٥٥) «الدرر الساطعة في الأدوية القاطعة». منه نسخة في برلين وفي المتحف البريطاني.

هذا ما وقفت عليه من مؤلفاته في كشف الظنون وفي تاريخه در الحبب وفهرست المكتبة السلطانية بمصر وغيرها.

٧١

وقد ذكر أثناء التراجم أسباب تأليفه بعض مؤلفاته ، وصاحب الكشف تعرض لذلك أيضا وفي نقل ذلك طول ، فاكتفيت بهذا المقدار.

هذا ما وقفت عليه من مؤلفات هذا العالم الجليل ، ولعل له في الزوايا خبايا يعثر عليها بتتبع المكاتب ، فقد كان رحمه‌الله كثير التحرير والتحبير كما رأيت وبالله التوفيق.

٩٠٢ ـ إبراهيم بن بخشي دده خليفة المتوفى سنة ٩٧٣

إبراهيم بن بخشي بالموحدة ابن إبراهيم الصونسي الحنفي ، المشهور بدده خليفة.

أول من درس بمدرسة خسرو باشا بحلب ، وأول من أفتى بحلب من الروميين ، صحبناه فإذا هو مفنن ذو حفظ مفرط حتى ترجمه عبد الباقي العربي وهو قاضيها بأنه انفرد في المملكة الرومية بذلك مع غلبة الرطوبة على أهلها واستيلاء النسيان عليهم بواسطتها. وذكر هو عن نفسه أنه كان بحيث لو توجه إلى حفظ التلويح في شهر لحفظه ، إلا أنه واظب على صوم داود عليه الصلاة والسلام ثماني سنين فاختل دماغه فقل حفظه.

ولم يزل بحلب على جد في المطالعة وديانة في الفتوى إلى أن ولي منصب الإفتاء بأزنيق من بلاد الروم. وكان يقول : لو أني أعطيت بقدر هذا البيت ياقوتا ما حلت عن الشرع قدر شبر.

ووقفت له على مؤلفات ، منها رسالة في تحريم اللواط ، وأخرى في بيان أقسام أموال بيت المال وأحكامها ومصارفها ألفها باسم السلطان مصطفى بن سليمان بن عثمان وجمع فيها فأوعى ، وأخرى في تحريم الحشيش والبنج انتخبت منها رسالة لطيفة وشرحتها شرحا سميته «بظل العريش في منع حل البنج والحشيش» ، فاطلع عليه فوقع عنده موقعا عظيما وأخذ به نسخة.

وطالما تتبع الفوائد الجديدة والمؤلفات الغريبة المفيدة لا سيما الفقهية فاقتناها. وطلب مني يوما كتابا من كتب الزاهدي فقلت له : أيفتي منها وهو معتزلي العقيدة؟ قال : نعم لأنه حنفي الفروع ، وكذا كل معتزلي ، وأنا أحسن الظن به وبغيره من العلماء مع أن قنيته مختصرة من كتاب كذا لبعض الحنفية وليس فيها مما قاله هو من نفسه إلا قليل عزاه إلى نفسه.

٧٢

هذا ومع ديانته كانت تغلب عليه كثرة القهقهة في المجلس الواحد ، وله الخلاعة الزائدة مع جواريه. قيل : وكان في الأصل دباغا فمنّ عليه ذو الفضل بالفضل وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ا ه.

وترجمه في العقد المنظوم بما خلاصته أنه تعانى صنعة الدباغة في بلدة أماسية حتى أناف عن عشرين ، فاتفق أنه جاء إليه مفت من علماء ذلك العصر فأضافه أعيان البلدة في بعض الحدائق ، فلما باشروا أمر الطعام طلبوا من يجمع لهم الحطب والمترجم قائم على زي الدباغين الجهلة ، فقال المفتي مشيرا إليه : ليذهب إليه هذا الجاهل ، ففهم ازدراءه لشأنه وعلم أنه ليس ذلك إلا من شائبة الجهل ، فذهب إلى جمع الحطب وفي نفسه تأثر عظيم من ازدرائه وتحقيره ، فلما بعد عنهم نزل على ماء هنالك وتوضأ وصلى وتضرع إلى الله تعالى بالخلاص من ربقة الجهل واللحوق بمعاشر الفضل ، ثم عاد إلى المجلس فقبل يد المفتي وقال : أريد ترك الصناعة والدخول في طلب العلم ، فقال المفتي : أبعد هذا تطلب العلم وهو لا يحصل إلى بجهد جهيد وعهد مديد ، فتضرع إليه وأبرم عليه في القبول ، فقبله المفتي ، فلما أصبح باع ما في حانوته واشترى مصحفا وذهب إلى باب المفتي وبدأ في القراءة وقام في الخدمة إلى أن حصل مباني العلوم ، وتأهل فصار معيد الدرس في مدرسة السلطان مراد بمدينة بروسة ، ثم مدرسة بايزيد باشا فيها أيضا ، ثم مدرسة آغا الكبير بأماسية ، ثم مدرسة القاضي ، ثم مدرسة السلطان محمد بمرزيغون ، ثم مدرسة أمير الأمراء خسرو بمدينة آمد ، ثم مدرسة خسرو باشا بمدينة حلب ، وهو أول مدرس بها ، وفوض إليه الفتوى بهذه الديار. ثم نقل إلى مدرسة سليمان باشا بقصبة أزنيق ، ثم نصب مفتيا بديار ربيعة ، ثم تقاعد عن المنصب وعين له كل يوم ستون درهما. وتوفي رحمه‌الله سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة.

وكان عالما فاضلا مجتهدا في اقتناء العلوم آية في الحفظ والإحاطة له اليد الطولى في الفقه والتفسير ، وكتب حاشية على شرح التفتازاني في الصرف ا ه.

٩٠٣ ـ عبد الرحمن البتروني المتوفى سنة ٩٧٧

عبد الرحمن ابن الشيخ الفقيه المفتي نجم الدين محمد ابن الشيخ المقري عبد السلام

٧٣

ابن أحمد الشيخ زين الدين البتروني نسبة إلى البترون ، ثم الطرابلسي الشافعي الصوفي ، المشهور بابن الغرامي.

قرأ على سيدي علوان الحموي غاية الاختصار والأجرومية وأجاز له كلتيهما ، وتردد إليه مرات في بسط أربع سنوات واستفاد منه عدة استفادات ، ثم خلفه ولده سيدي محمد ، وحفظ ألفية ابن مالك وحلها على بعض النحاة ، واشتغل في التجويد والقراءات والأصولين ، وطالع كتب التفسير والحديث والوعظ ، وعني بخدمة كتب القوم. ثم نظم تصريف الزنجاني في أرجوزة وشرح الجزرية في أرجوزة أخرى ، وسمّط تائية ابن حبيب الصفدي تسميطا جعله لها بمثابة الشرح مستمدا فيه من شرحها لسيدي علوان الحموي.

وبلغني أنه أنشد منها قوله من بيت منها : [وخذ للرفع خفضات] فقيل له إن في بعض النسخ : [وخذ للخفض رفعات] فقال : لم أعرف إلا النسخة الأولى ، وسكت عن القدح في هذه النسخة بتقدير وجودها لاحتمالها التأويل إما بأن المراد وخذ لدفع الخفض ما يوجب الرفعات كما تقول خذ للعدو سلاحا أي لدفعه ، أو بأن المراد وخذ لهذا الداء هذا الدواء كما تقول خذ للقبض مسهلا.

وقدم حلب سنة أربع وستين لدين عظيم علاه فتلقاه بعض أهل الخير وأنزله بالكيزوانية بعد أن كان بزاوية الشيخ عبد الكريم ، واجتمع بالشيخ الزين فيها كأنه وافد عليه لأنه من أهل الطريق مثله ، فلم يكرم نزله وإنما وبخه بأنك لم تتهجد الليلة بالصلاة عندنا ، فأجابه بأنه إن لم يكن ذلك فقد ختمت ختمة كاملة من حفظي في تلك الليلة ويومها.

ثم لما نزل بالكيزوانية صمم العزم والنية على عمل مجالس وعظ بالجامع الأعظم بحلب ، ففعل فهرع الناس إليه من أقطار حلب وشاع بها ذكره وبعد صيته وحضر مجالسه الرجال والنساء ، وتفنن في مجالسه وجال في ميدان الكلام كأنه عين فارسه لما له من حافظة كأنها في السعة لافظة ، وأبى الله تعالى إذن أن يناله الشين من الزين ، غير أن ابن مسلم المغربي سمع أنه أفاد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حي في قبره ، فرام تكفيره ، فبلغه أنه استند في ذلك إلى رسالة للجلال السيوطي ، فبلغ من أمره أن اختفى بحجرة من حجرات الجامع الكبير بجوار كرسي الشيخ زين الدين وسمع وعظه ، ثم خرج خفية وسكت عنه خيفة.

ثم كانت وفاة الشيخ عبد الكريم إمام الحنفية بالجامع الكبير ، فعرض إلي بالسعي له في الإمامة فقلت : هي إمامة الحنفية ، فأقدم على أن يقلد الإمام الأعظم ويؤم بهذا الجامع

٧٤

الأعظم ، فأرسلت إلى القاضي من يخبره بما وقع ، فاجاب بأنه إن تحنّف عندك ثم عندي فالمنصب له ، ففعل وأنا معه عنده ، فعرض له وسر بانتقاله إلى المذهب ، فأخذ بعض علماء الشافعية في الغض منه واسترسل بعض عوامهم في القدح فيه بما هو براء عنه ، فثبت ونبت وكثر الذب عنه وصبر على الأذى ولم ينتصر لنفسه على من آذى ، فهرع إلى مجلسه من هرع بعد أن انقطع عنه من انقطع ، وشكيت له الخواطر ، وانتشق عرف أجوبته العواطر.

واستسقى مرة فخطب الخطبة البليغة البديعة وصلى فسقي الناس وقوي فيه الاعتقاد ، ومع ذلك لم يسلم من الانتقاد ، لما أنه كان قد ذكر لنا في الخطبة أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم طلب الاستصحاء بعد طلب الاستسقاء ، فذكر صاحبنا ملا مصلح الدين اللاري أنه أخطأ لأن السين للطلب ولا معنى لطلب الطلب ، فقلنا مجاز على سبيل التجريد بأن استعمل الاستصحاء والاستسقاء مجردين عن معنى الطلب بقرينة امتناع طلب الطلب عقلا ، فقال : ما المحوج إلى ارتكابه؟ فقلنا : اقتضى مقام الخطبة الإطناب وكون طلب الاستصحاء بعد طلب الاستسقاء منطقيا بالقياس إلى طلب الصحو بعد طلب السقي ، ولهذا قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم للخطيب الذي قال : «من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى» بئس خطيب القوم أنت إذ لم تقل (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ)* مع كونه مقام الإطناب بخلاف قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث قال : (من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ...) ولم يقل مما سوى الله ورسوله إذ لم يكن في مقام الإطناب إذ ذاك على قول ذكروه في التطبيق بين الحديثين.

وما كان انتقاله إلى مذهب أبي حنيفة رضي‌الله‌عنه بأعجب من انتقال الإمام الطحاوي إليه ، ولا من انتقال العلامة عز الدين بن عبد السلام الحسيني القيلوي ثم البغدادي ، وهو حنبلي إلى مذهب الشافعي رضي‌الله‌عنه ا ه.

وكتب الشيخ إبراهيم بن الملا على هامش نسخة در الحبب المحررة بخطه أنه توفي سنة سبع وسبعين وتسعمائة.

وأرخ الشيخ عبد الكريم المصري نزيل حلب يومئذ وفاته بقوله :

__________________

(*) النساء : ١٤.

٧٥

تحيّر الساكت واللافظ

إذ مات شيخ حسن حافظ

فليتعظ بالموت من بعده

فموته تاريخه (واعظ)

أقول : ومن آثاره تخميس المنفرجة المشهورة [اشتدي أزمة تنفرجي] وقد أوردها الشيخ محمد المواهبي الحلبي في مجموعته بتمامها ومطلعها :

تب من دنبك وابتهج

ما باب الله بذي رتج

قل والأزمات إليك تجي

اشتدي أزمة تنفرجي

قد آذن ليلك بالبلج

خبرت الناس وهم درج

فخيارهم قوم درجوا

صبروا شكروا لم ينزعجوا

وظلام الليل له سرج

حتى يغشاه أبو السرج

ما في الدنيا يقضى الوطر

ولذائذها عندي خطر

فاهجر قوما فيهم بطر

وسحاب الخير لها مطر

فإذا جاء الإبّان تجي

وهكذا على هذا المنوال.

٩٠٤ ـ محمد بن مسلّم المغربي المتوفى سنة ٩٧٧

محمد بن مسلّم ، بتشديد اللام وفتحها ، المغربي التونسي الحصيني ، بضم المهملة الأولى وفتح الثانية ، نسبة إلى بني حصين طائفة من عرب المغرب ، المالكي.

قدم حلب فقرأ عليه النحو جماعة منهم البرهان الصيرفي الأريحاوي ، وكان قد أنزله في منزله وأكرم مثواه ، وقرأ هو على البرهان العمادي والعفيف ابن الحلفا ؛ فعلى الأول الفرائض وغيره ، وعلى الثاني في فقه الحنفية بعد ما كان أخذ عن الشيخ محمد الطبلني المغربي ما أخذ قبل وروده حلب.

وذكر أنه يروي البخاري عن جماعة ، منهم قاضي الجماعة بتونس سيدي أحمد السليطي سماعا له من لفظه وغيره من مشايخها ، ومنهم الشيخ المعمر القاضي بطرابلس الشام الحنبلي أبو عمرو عثمان الشهير بابن منصور ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد الشاوي الحنفي والشيخ

٧٦

المعمر زين الدين الشهير بالهرساني ، قالا : حدثنا حافظ الإسلام زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم العراقي قال : حدثنا الشيخ أبو علي عبد الرحيم بن شاهد الحلبي قال : أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن المبارك الزيدي بسنده المشهور.

ثم ولي بقعة الحنابلة بجامع حلب عن العلاء ابن الدغيم الحنبلي. ومما اتفق لي وله أن اجتمعنا ذات يوم في بعض المحافل فوقع هناك كلام اقتضى بحسب المناسبة أن يذكر المثل المشهور «مكره أخاك لا بطل» فذكره كأنه يحركني للكلام في إعرابه ، فأنشدته قول القائل :

إن أباها وأبا أباها

قائلا : إن ذاك مثل هذا ، فقال : نعم ، ولكن أقصد ما فهمت.

ثم اجتمعت به مرة عند مولاي الرشيد ابن سلطان تونس إذ دخل حلب فجرى ذكر بني أميه ، فأوردت أن من المفسرين من ذهب إلى أن الشجرة الملعونة في القرآن هي بني أمية ، فتغير لذلك ، فقلت : سبحان الله. قد قيل ما قبل والعهدة على قائله ، فطلب صاحب المجلس مني النقل فأحضرت من تاريخ أبي الوليد ابن الشحنة.

ومما وقع له أن انتدب إلى صلاة الاستسقاء والخطبة في بعض السنين ، فصلى وخطب يومين فحصر على القراءة فيهما ، إلا أنه استسقى في خطبته بإنشاد أبي طالب قوله :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

فما كان آخر النهار إلى وسقي المسلمون بمن الله تعالى.

ولم يزل بحلب وله الكلمة النافذة على المغاربة القاطنين بحلب يفتي ويدرس ويتجر ويتعاطى صنعة الكيميا بجد وجهد فيها إلى أن كان كافلها فرهاد باشا ، وكان يهوى الكيميا ، فصحبه وأتلف عليه مالا جيدا. ولما قدم الشيخ عبد الرحمن البتروني وتحنف وأعطي إمامة الحنفية بالجامع الكبير بعرض قاضيها ندب فرهاد باشا في طلب عرض من القاضي بها ، فأبى القاضي معتذرا بسبق عرضه للشيخ عبد الرحمن ، فأخذ بعد مدة في القدح فيه بأمور منها أنه ادعى حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع أنه لا قدح بذلك ، وأن الأنبياء أحياء عند ربهم يرزقون ، حتى قيل في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (كأني أنظر إلى موسى

٧٧

عليه‌السلام من التيه واضعا أصبعيه في أذنيه مارا بهذا الوادي وله خوار إلى الله تعالى بالتلبية) هو على الحقيقة لما ذكر ، فلا مانع لمن يحاجج * في هذه الحالة كما في صحيح مسلم عن أنس أنه رأى موسى عليه‌السلام قائما في قبره يصلي ، ذكره شيخ شيوخنا القسطلاني في «المواهب اللدنية» ثم نقل في موضع آخر أن الأعمال قد تكون مضاعفة في الموضع الذي ضم أعضاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم باعتبار أنه حي وأن أعماله مضاعفة أكثر من كل واحد. والغريب منه أنه قدح بما قدح ونسي ما أورده من أنه تعالى أجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معه ** على العرش ، مع أنه لا سند له في هذا اللفظ فيما نعلم ، وإنما قيل في تفسير المقام المحمود هو إجلاسه إياه عليه الصلاة والسلام على العرش. وروي عن مجاهد أنه قال : يجلسه معه على العرش ، فقال ابن عطية : هو كذلك إذا حمل على ما يليق به تعالى. وبالغ الواحدي في رد هذا القول ، إلا أن الحافظ ابن حجر ذكر أن قول مجاهد هذا ليس مدفوعا نقلا ولا نظرا كما نقله شيخ شيوخنا المشار إليه ا ه.

قال في الكواكب السائرة بعد أن ترجمه بنحو ما هنا : أفادني تلميذه محمد بن محمد الكواكبي مفتي حلب أنه توفي سنة سبع وسبعين وتسعمائة أي بعد ابن الحنبلي بست سنين.

٩٠٥ ـ إبراهيم بن أحمد الحراكي المتوفى سنة ٩٧٨

إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن حسين بن عمر بن علي بن إبراهيم بن علي زين العابدين بن أبي محمد عبد الله الحراكي السيد الشريف الأحمدي السطوحي المتقدم ذكر جده.

ولد بحلب سنة ٩٠٨ ، وأخذ الطريقة الأحمدية عن الشيخ الصالح العابد الزاهد القدوة الشيخ محمد الحبال ، وجلس على السجادة ، ثم عن شيخ الإسلام الجمال يوسف بن حسن ليّه وإجازة كتب له عليها شيخ الإسلام الرضي الحنبلي ... وجلس في المدرسة الرواحية يذكر الله تعالى على قدم الزهد والعبادة وقيام الليل وصوم النهار وتلاوة الأوراد والاشتغال بطلب العلم مع المطالعة الجيدة في كتب السادة الصوفية ، إلى أن توفي بحلب سنة ٩٧٨

__________________

(*) في «در الحبب» : فلا مانع أن يحجو ...

(**) في «در الحبب» : جنبه.

٧٨

تسعمائة وثمان وسبعين ا ه. (من مجموعة العرضي) وتقدمت ترجمة جده إبراهيم المعروف بالبرهان *.

٩٠٦ ـ إبراهيم بن قاسم المتوفى سنة ٩٧٨

إبراهيم بن قاسم بن محمد الشيخ الفاضل المحقق برهان الدين الحنفي الحلبي المشهور بابن شيخ الظاهرية الماضي ذكر والده.

ولد سنة ثلاث وعشرين ، فقرأ وخط وأحسن طريقة الخط ، وبقي تحت كنف والده في طريق الخير وتالده إلى أن تأهل لطلب العلم.

قال في قاموس الأعلام (١ / ٥٤٩) : رحل الشيخ إبراهيم بن قاسم إلى الأستانة ولازم العلامة أبا السعود ، ثم صار مدرسا في بعض مدارسها وقاضيا في عدة محلات. وتوفي سنة ٩٧٨ وهو قاض في أزمير. وله شرح على قصيدة والده وعدة رسائل ا ه.

٩٠٧ ـ يوسف بن عمر المعروف بابن حسن ليّه المتوفى سنة ٩٧٩

يوسف بن عمر الشيخ جمال الدين الحلبي الشافعي ، المشهور بابن حسن ليّه.

ولد كما أخبرني سنة إحدى وتسعمائة ، ولازم الشيخ أحمد الشهير بأبي رجل في العربية والكلام وغيرهما ، ومنلا موسى بن حسن الكردي اللاني في التفسير والمنطق ، والشمس الداديخي في القراءة. وأخذ البخاري عن المبدوء بذكره وعن الكمال بن الناسخ الطرابلسي وملا خليل اليزدي والعلاء قل درويش الخوارزمي بأسانيدهم ، وأخذه أيضا عن البرهان العمادي والشمس الديروطي إذ كان بحلب سنة أربعين وتسعمائة بحق أخذه إياه عن عدة أشياخ ، وكذا عن الشيخة أمة الخالق بنت العفيفي ** عن عائشة بنت عبد الهادي إجازة عن الحجار بسنده المشهور ، وأخذه أيضا عن الشيخ عثمان الكتبي بحق أخذه إياه عن الشيخ أبي ذر البرهان الحلبي بأسانيده.

__________________

(*) انظر الترجمة ذات الرقم «٨٤٨».

(**) في «در الحبب» وفي «الكواكب السائرة» : بنت العقبي.

٧٩

ودرس بحلب تبرعا. وتردد إلى بعض أهل الديوان الدفتر داري للاشتغال بالعلم ، ثم ترك وجلس بسوق البسط تاجرا ولم يلم بشبهة أموال الأوقاف ، غير أنه بلغني عنه أنه ربما أمّل من بعض الطلبة شيئا من حطام الدنيا فترك من أجل ذلك الاستفادة منه ، فكأن تأميل الحطام ميل على النظام.

وشرح قصيدة ابن الفارض رضي‌الله‌عنه التي مطلعها (حادي الأظعان يطوي البيد طيّ).

أقول : وترجمه صاحب الكواكب السائرة بنحو ما تقدم ثم قال : كانت وفاته عاشر شهر جمادى الأولى سنة تسع وسبعين.

٩٠٨ ـ محمد بن حسن الأسدي المعروف بابن الأستاذ

المتوفى أواخر هذا القرن

محمد بن حسن بن علي بن أبي بكر بن علي بن الشمس محمد بن النجم محمد بن الجمال ابن محمد بن عبد الرحمن بن القاضي جمال الدين أبي عبد الله محمد مدرس الرواحية بحلب ابن الشيخ الحافظ أبي محمد بن عبد الله بن علوان ، بفتح العين لا بضمها ، الشيخ شمس الدين الأسدي الحلبي الحنفي أحد بني الأستاذ بحلب المشهورين الآن فيها ببنى دريهم ونصف اشتهار ابن الدريهم الموصلي بابن الدريهم ، من بيت علم وقضاء.

ذكر منهم جماعة في تاريخ ابن شداد وغيره كتاريخ الصاحب كمال الدين بن العديم وغيره بما لهم من جميل الصفات ، وفي كتابنا المسمى «بالزبد والضرب في تاريخ حلب» كل نبذة من محاسنهم ، فليقف عليهم من جنح خاطره إليها ، بل قد ترقى ترجمة الشهاب أحمد أخي الشيخ شمس الدين في شأنهم ما يتعين من جهته * على من لم يقف عليه. (هكذا).

ولد الشيخ شمس الدين في المحرم سنة ست وثلاثين وتسعمائة وتخرج بعمه أخي أبيه لأمه الشيخ عبد الله الأطعاني المتقدم ذكره في الخط والقراءة وحفظ القرآن على غيره.

ثم لازمنا من صغره إلى تمام مدة تزيد على عشر سنين في عدة فنون ، منها العربية والمنطق

__________________

(*) في در الحبب : ما يتعين مراجعته.

٨٠