إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٦

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٦

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٥

٨٥٦ ـ أحمد بن إبراهيم الشماع المشهور بابن الطويل المتوفى سنة ٩٦١

أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشيخ شهاب الدين أبو العباس الحلبي الشماع الشافعي الشهير بابن الطويل.

شيخ صالح حسن السمت يميل إلى كلام القوم وكتب الوعظ. وكان في سنة سبع عشرة قد قرأ شيئا من كتب الحديث على المحدث عز الدين عبد العزيز بن فهد المكي الشافعي وسمع عليه غالب البخاري وغالب «مشكاة المصابيح» وجميع «تاريخ مكة» للأزرقي وغير ذلك ، وأجاز له رواية ما كان قرأه وسمعه ، وألبسه خرقة التصوف متسلسلة له.

ومن شأنه أنه ترك أكل توت حلب قدر ست عشرة سنة تزهدا لما بلغه من بيع ثمره قبل بدو صلاحها. وصار إذا أرسل إليه مأكل نفيس آثر به الفقراء وأكل يابس الخبز منقوعا بالماء.

وكان يذكر أنه وقف كتبه على بعض أهل العلم إلى أن وعك فأوصى أنه ليس له من حطام الدنيا سوى ما كان بحانوته ، وأشهد عليه أنه بريء من الدنيا وحطامها.

وتوفي سنة إحدى وستين رحمه‌الله تعالى.

٨٥٧ ـ محمد بن يوسف * القسطنطيني المتوفى سنة ٩٦١

محمد بن يوسف الحلبي ثم القسطنطيني الشافعي ، إمام عمارة محمود باشا بالقسطنطينية.

توفي بها سنة إحدى وستين وتسعمائة بعد أن مرض وتحامل نفسه فصلى بالقوم ، فلم يشعر بنفسه وهو في الصلاة إلا وهو في الصلاة إلا وهو مستقبل الشمال توهما منه أنها القبلة ، فذهب إلى داره وانقطع بها إلى أن مات.

وكان وهو بحلب من تلامذة البدر السيوفي وغيره.

وكان حسن السمت والملبس ، من رآه حكم أنه من أهل العلم. وكان يعظ الناس

__________________

(*) في «در الجبب» : محمد بن سيف.

٢١

هناك المواعظ الحسنة حتى حصلت له حظوة تامة عند بعض أركان الدولة. وجمع الكتب النفيسة مما وقف عليه ووهب له ، ونال من المال الجم ، ما كثر وعم ، كل ذلك مع أن أباه كان حمّالا ترّاسا كما قيل :

العلم يرفع بيتا لا عماد له

والجهل يخفض بيت العز والشرف

٨٥٨ ـ نصر الله الخلخالي المتوفى سنة ٩٦٢

نصر الله ابن الشيخ الفقيه محمد العجمي الخلخالي الشافعي ، مدرس العصرونية بحلب بعد بلدته ، شيخ زاده الخلخالي.

ذكي ، فاضل ، صالح ، سني ، متواضع ، ساكن ، مواظب على الصلاة بالجماعة ، حسن التعبير باللسان العربي.

توفي مطعونا سنة اثنتين وستين وتسعمائة ودفن داخل مشهد الحسين رحمه‌الله تعالى.

٨٥٩ ـ محمد بن محمد البيلوني المتوفى سنة ٩٦٢

محمد بن محمد بن الحسن الشيخ المقري الحافظ الخير شمس الدين أبو اليسر ، البابي الأصل الحلبي الشافعي ، إمام الحجازية بالجامع الأموي بحلب ، المشهور كأبيه وأخيه بابن البيلوني.

سمع على الكمال بن الناسخ ما سمعه أخوه وأجاز له ما أجاز له ، ولازم شيخ القراء المحيوي عبد القادر الحموي ، ثم الشيخ شمس الدين الأرمنازي في المحافل العظام.

ولم يزل على صلاح وفلاح وتواضع لابسا ما تيسر له من الأثواب إلى أنصاف ساقيه على نهج والده مقدما على حمل طبق العجين على عاتقه مع جلالته وإمامته إلى أن مات مطعونا سنة اثنتين وستين وتسعمائة ، ورفع سريره في مشهد عظيم ، ودفن بجوار والده.

وكانت له عمامة لا تصنع فيها ومعرفة بالطب جيدة رحمنا الله تعالى وإياه.

٢٢

٨٦٠ ـ درويش بن يوسف معلم السلطان بحلب المتوفى سنة ٩٦٢

درويش بن يوسف بن علي الحصكفي الأصل ، الحلبي الحجّار معلم السلطان بحلب وابن معلم السلطان بها ، المعروف بابن الشاطر.

خلف والده فيما بين المهندسين ، ودخل في العمائر العظام فأنشأ بالقدس الشريف سورا عظيما ، وعمر بمملكة آدنة قلاعا شتى ، كل ذلك في الدولة العثمانية السليمانية ، إلا أنه انقطع في آخر عمره بمنزله لضعف قواه لزوجة جديدة تزوجها ، فاستولى عليه حب جماعها إلى أن مات في طاعون سنة اثنتين وستين.

وكانت له شيبة منورة وعلى وجهه قبول وله أبهة.

٨٦١ ـ محمد بن محمد الكواكبي المتوفى سنة ٩٦٢

محمد بن محمد بن أحمد بن العالم العامل يحيى بن محمد الكواكبي خرفة ونسبا ، الماضي ذكر جده الأعلى.

لبس الخرقة من الشيخ شهاب الدين ابن الشيخ مهنا وأصر على الذكر بزاوية جده بالجلّوم في ليالي الجمع في كثير من الواردين عليه من الصالحين والطالحين.

وشاع أمره بخروجه في جنائز الطاعون سنة اثنتين وستين وتسعمائة كثيرا ومعه شرذمة يذكرون الله.

٨٦٢ ـ محمد بن قاسم الصابوني المتوفى سنة ٩٦٢

محمد بن قاسم الشيخ شمس الدين ابن القاضي شرف الدين ، البيري الأصل الحلبي المولد ، المشهور كأبيه بابن الصابوني ، أمين المصبنة البيرية ومتولي مسجد النحويين بشرط الواقف كما لأبيه وجده أبي أبيه ، فكان من ذرية حياة ابن قيس الحراني رضي‌الله‌عنه من وقف عليه وقفا وجعل مآل التولية عليه إلى جد الشيخ شمس الدين أبي أبيه ثم من يكون من ذريته ، ولنعم المتولي هو عليه ، فإنه قد تمرن على أن يصرف عليه فوق ما يتناوله من وقفه عليه من غير رجوع عليه. كما تمرن على موادة أهل المودات والحمية مرة مع الضعفاء

٢٣

في المهمات والملمات والديانة والصيانة ومزيد الأمانة ، حتى صار يرغب في طبخ الصابون عنده كثير من وجوه الناس ويردون على مصبنته فيأخذ معهم في ذكر تواريخ من تقدم ومن تأخر ممن أدركه.

توفي سنة اثنتين وستين وتسعمائة.

٨٦٣ ـ أحمد بن أبي بكر أحمد سبط العجمي المتوفى سنة ٩٦٢

أحمد بن أبي بكر أحمد بن أبي محمد أحمد بن أبي الوفا إبراهيم ، الشيخ موفق الدين أبوذر بن الشمس بن الموفق بن الحافظ برهان الدين ، المحدث الحلبي الشافعي شيخ شيوخ حلب.

ولد بحلب سنة ست وثمانين وثمانمائة. وكان يسأل عن مولده فيكثر أن يخفيه ويقول : أقبل على شأنك ، ثم يذكر ما ذكره جده أبو ذر في تاريخه وأنه رواه مسلسلا إلى الإمام البويطي ، قال : سألت الشافعي عن سنة قال : أقبل على شأنك ، قال : سألت مالك ابن أنس عن سنة قال : أقبل على شأنك ، ثم قال : ليس من المروءة أن يخبر الرجل بسنه. قلت : ولم؟ قال : إن كان صغيرا استحقروه وإن كان كبيرا استهرموه. انتهى ما ذكره جده هناك عند ذكر من توفي سنة سبع وثمانمائة.

وقرأ بحلب على البرهان اليشبكي ألفية النحو وشرحها لابن عقيل ، وعلى البدر السيوفي بعض ألفية الحديث ، وسمع عليه الشفا للقاضي عياض ، وسمع على الكمال ابن الناسخ الأطرابلسي المالكي تلميذ جده البرهان صحيح البخاري وأجاز له ، ولازم الجلال النصيبي.

ثم أخذ في صنعة الشهادة بمكتب العدول الكائن تجاه باب جامع حلب الأعظم من جهة الشرق ، وأكب بقوة ذكائه على مطالعة ما عنده من مؤلفات جديه وغيرها ومراجعتها وإيراد بعض نوادرها في المحافل عند اقتضاء المقام ذلك ، لا سيما ما كان من تاريخ جده الحافظ أبي ذر ، فإذا صار بحيث لا يمضي محفل هو فيه إلا وقد قال فيه : قال جدي في التاريخ وربما كرر ذلك تكرارا.

٢٤

وولي مشيخة الشيوخ بحلب في الدولة الجركسية ولذا اشتهر فيها بشيخ الشيوخ ، ثم حصلت له الحظوة عند أكابر الدولة العثمانية بحلب من قضاتها وكثير من كفالها كقراجا باشا ومن بعده لما له من الشهامة والوجاهة ولطف المحاضرة واستحضار تواريخ الناس سوى محافيظه من تاريخ جده. وعني بتربية الناس عند الحكام ومساعدتهم لدى قصد إجراء الأحكام.

ولما توفي عمي الكمال الشافعي كان يكثر من ذكر أنه كان يقول له : بعدي وبعدك لا يبقى بحلب من يعرف تواريخ أهلها كما نعرفها.

وتولى في الدولة العثمانية فوق تدريس الظاهرية تدريس الصاحبية الشدادية ثم الصلاحية.

وكانت له الوجاهة والحشمة والأبهة والشيبة المنورة والملبس الحسن والرعاية للأنغام الحسنة في مفتتح مواعيده ومختتمها والعمامة العظمى جدا ، يحب النظافة ويميل إلى الجماع جدا مع كبر سنه ، وإلى المآكل الطيبة ويكثر اللهجة بذكرها. ولم يزل مدة عمره صحيح الجسد لم يوعك أصلا إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا إلى أن كان طاعون سنة اثنتين وستين ، فاتفق أن صلى الجمعة ، فكان من عادته أن يصليها بدار القرآن العشائرية المشرف شباكها على الجامع الأموي بحلب ، فسقطت عمامته في الصلاة ، ثم طعن ثاني يوم ، ثم كانت وفاته مطعونا إلى رحمة الله تعالى.

واتفق له أن دفن له حفيدا مطعونا قبل وفاته بقليل فأخبرني ونحن معه بالقرب من قبره أنه كان يتمنى أن لو عاش قليلا ليأذن له في قراءة الحديث على كرسيه بالجامع الكبير ويجلس هو تحت كرسيه ترغيبا للناس فيه بناء على أنه كان حسن الصوت طري النغمة ، فلم يتم له ذلك ، وبكى عليه بكاء شديدا إلى أن أخذ في ذكر القبر وهوله ، وأنه لم يعدّ له شيئا سوى الإسلام.

وبالجملة فقد كان جمال المجالس (وحظوة المجالس) * حتى لم يخل عنه غالب المحافل ، إلى أن كان بدر جماله هو الآفل.

__________________

(*) ما بين قوسين ساقط في الأصل.

٢٥

٨٦٤ ـ محمد بن محمد بن نفيس المتوفى سنة ٩٦٣

محمد بن محمد بن ناصر بن خوجه جمال الدين ، العجمي الأصل الحلبي المولد والدار ، سبط القاضي أثير الدين محمد بن الشحنة الحنفي ، ويعرف بابن النفيس.

توفي سنة ثلاث وستين وتسعمائة ودفن بجوار جده داخل الزاوية النفيسية (المستدامية).

وكان رئيسا محتشما ، لين العريكة ، عارفا باللسان الفارسي ، مخصوصا بالدواوين الفارسية النفيسة.

لولا نفاسته ونسبته لمن

يدعى نفيسا لم يفز بنفيس

وكان والده من أرباب الأقاطيع بحلب ، وولي في الدولة العثمانية نظر القدس الشريف ، ثم توفي بطرابلس ، وجده خوجه جمال الدين هو الشيخ جمال الدين محمد بن نفيس بن عبد الصمد الشرواني الصوفي الطيفوري البسطامي الذي قدم حلب وعمر بها الزاوية النفيسية ودفن بها بمدفن له خاصة ، وبقي تاجه وعكازه بها إلى آخر وقت ، وقيل إن عكازه سرق مرة فلم يلبث عند سارقه قليلا إلا وأعاده.

٨٦٥ ـ فتح الله المشهدي المتوفى سنة ٩٦٣

فتح الله بن أحمد المشهور بابن المشهدي ، شاهد وقف المؤيدية الكائنة بحلب.

كان أبوه الشيخ شهاب الدين يرمى بالتشيع ، وكان قد شارك يهوديا شمّاعا يصنع له الشمع وينشره بجنينة كانت مشتركة بينهما ظاهر حلب ، فعمل فيه القاضي شهاب الدين أحمد بن سراج هجوا بناه على قولهم الرافضي حمار اليهودي فقال :

جنة * العبريّ قالت

مسّني الدهر بناره

حين قد أصبحت ملكا

لليهودي وحماره

وهذا النمط عليه من الهجو ما قيل في البهائي بن حمزة الحلبي وكان يتهم بالرفض ، فقيل

__________________

(*) في الأصل : جنينة. وبها يختل الوزن.

٢٦

في حقه هذه الأبيات :

قيل البهائيّ له فطنة

وما لهذا القول عندي اعتبار

لأنه لو كان من أهلها

ما رفض الحق وقالوا حمار

توفي فتح الله إلى رحمة الله تعالى سنة ثلاث وستين وتسعمائة. وكانت له دراية حسنة في كتابة قوائم الأخشاب وخط حلو ، إلا أنه اعتنى بأكل الحشيشة الخبيثة والتردد من المقصف إلى حجرته التي بالسفّاحية بعد ترك مخالطة الناس الذين هم الناس سامحه الله تعالى.

ومما وجدته بخط ابن السيد منصور من شعر أبيه الشيخ شهاب الدين على سبيل التضمين قوله :

ولما سرى ذا البدر في ليلة غدت

بها مهجتي من ريقه وشجونه

فما راعني فيها سوى ضوء وجهه

كأن الثريا علقت في جبينه

٨٦٦ ـ عبد القادر البكراوي المتوفى سنة ٩٦٣

عبد القادر بن أحمد الشيخ محيي الدين القصيري بلدا البكراويّ شهرة الشافعي الأعرج.

قطن بحلب شيخا بخانقاه أم الملك الصالح الأيوبي ومدرسا بالفردوس ، ودرس بالأموي بحلب أيضا.

وكان راسخ القدم في الفقه وحيله الشرعية ومسائله الفرضية مع مدخل في القواعد الأصولية ، إلا أنه كان يدخل بين الخصوم بحيل الفقه لينال شيئا على خلاف مراد محبيه.

وكان من شيوخه السيد كمال الدين بن حمزة الدمشقي الشافعي وشيخ حلب البرهان العمادي الشافعي في آخرين.

وكان له حظ من نيابة القضاء ببلده.

توفي وهو يذكر الله تعالى ذكرا متواليا سنة ثلاث وستين ودفن بمقابر الصالحين.

٢٧

٨٦٧ ـ ست المنى بنت محمد بن الزكي المتوفاة سنة ٩٦٣

ست المنى بنت محمد بن الزكي المشهور والدها بخليفة وابن أخيها الشرف قاسم بابن خليفة.

شيخة دينة خيرة معمرة ، جاورت بالخانقاه العادلية بحلب أكثر من نصف قرن إلى أن ماتت بها سنة ثلاث وستين وتسعمائة.

وكان من عادتها أحيانا أن تضع تحت لسانها حصاة لتكون مذكرة لها مانعة من أن تنطق بمالا يسوغ شرعا ، وهذا كما كان الصدّيق رضي‌الله‌عنه يضع في فيه حجرا ليمنع نفسه من الكلام حذرا من الشرة فيه لو تكلم بفيه.

٨٦٨ ـ عبد الرحيم الآمدي الكوّا المتوفى سنة ٩٦٣

عبد الرحيم بن عبد الكريم بن شرف الدين الآمدي الحنفي الصوفي الخلوتي الكوّا المشهور بحرفته *.

توفي بحلب في أوائل سنة ثلاث وستين عن مائة سنة وسبع عشرة سنة وزيادة. وكان أبوه وجده دفتر داري بآمد في دولة شاه إسماعيل صاحب تبريز.

وكان سبب تصوفه أنه حضر مجلس دده عمر الروشني خليفة السيد يحيى الروشني وبين يديه دده أحمد خليفته ، فإذا طائر كاد يطير على رأس الشيخ ، فقال له دده أحمد بالفارسية : أتسيء الأدب وتطير على رأس الشيخ عبد الرحيم ، فرجع الطائر من ساعته ، فقوي اعتقادي في الشيخ وأقلعت عما كنت عليه.

قال : وكان لي كمر حسن مصنوع بالذهب مرصّع بالجواهر ، فسرق من دارنا ، ثم ظهر بيد سارقه في بغداد ، فأحضروه وأرادوا قطع يده ، فسعيت في الكف عنه وأخذت كمري فتصدقت فيه للفقراء وانجذبت إلى الشيخ ، فلما قتل والدي قدمت حلب ، وكان سبب قتله أنه كان بآمد نائب من قبل شاه إسماعيل فعزله فعصى بها ومنع المتولي من الدخول ، فاحتال أبوه وأدخله فأظهر الطاعة ، ثم أضاف كلا من المتولي وأبيه ، فلما خرج المتولي

__________________

(*) في در الحبب : بخرقته.

٢٨

من محل ضيافته أشغل أباه بالكلام إلى أن وقع التمكن من قتله فقتله ، فخرج ابنه الشيخ عبد الرحيم وأتى حلب وعلى رأسه تاج الصوفية وتعاطى صنعة كيّ الأقمشة على باب الجامع الكبير بحلب من جهة الغرب ، ثم صار له أتباع ومريدون ، وانعقدت له المحافل العظام يوم كل جمعة في شرقية الجامع المذكور باجتماع أتباعه ومريديه بها للذكر والسماع ، فإنه كان يميل إلى السماع والناي وتنويع الذكر على أنحاء مطربة ، وكان يحضر حلقته إذ ذاك بعض أرباب الإنشادات الحسنة ولكن من غير ناي ، وبقي الأمر بعد توفيه على ما كان فيه. وكان من شأنه أن لا ينام على جنبه ولكن محتبيا. وبلغني أنه نظم مثنويا من قوله :

من حديث قند * مصر ميكنم

شرح چاه رند مصر ميكنم

أز فراق يا رمينا لم بسي

أشك چون باران ميبارم يسي

وقد عربناه فقلنا :

أنا ناي عن قند مصر حديثي

وعن البئر بئر صاحب مصر

من فراق الحبيب أبدي أنيني

جاعلا دمع مقلتي الغيث يجري

٨٦٩ ـ محمد بن يحيى الحنبلي التادفي المتوفى سنة ٩٦٣

محمد بن يحيى بن يوسف قاضي القضاة أبو البركات جلال الدين الربعي التادفي الحلبي الحنبلي أولا الحنفي آخرا ، ابن عمي ، سبط القاضي شرف الدين يحيى كاتب خزانة المقر الأشرف قايتباي الحمزاوي.

ولد في عاشر ربيع الأول سنة تسع وتسعين وثمانماية ، وولي نيابة قضاء الحنابلة بحلب عن أبيه وعمره ست عشرة سنة ، إلى أن انقضت الدولة الجركسية ، وكان توقيعه : (الحمد لله على الله توكلنا). ولم يزل يتولى المناصب السنية فيها وفي الدولة العثمانية ، فكان مما تولاه قديما عمالة الجامع الكبير بحلب ومتوليه إذ ذاك كافلها خير بك وقضاء الباب وأعمالها.

ولما كانت الدولة العثمانية ولي بحماة تولية دار الشفا والجامع النوري والمدرسة المظفرية ، ثم بدمشق نظر الجامع الأموي عن والده ، ثم ضم إليه نظر الحرمين الشريفين بها وبسائر أعمالها ، واستمرا بيده إلى آخر سنة ثلاثين وتسعمائة.

__________________

(*) القند : عصارة قصب السكر.

٢٩

ثم سافر إلى القاهرة فناب بمحكمة الحنابلة بالصالحية النجمية ، ثم بباب الشعرية ، ثم ولي نظر وقف الأشراف بالقاهرة وهي وظيفة غير وظيفة إمارة الأشراف ، ثم استقل بقضاء رشيد ، ثم تولى قضاء المنزلة مرتين.

وقدم مرة إلى حلب ومعه شرح البخاري للكرماني استنسخه في مجلد واحد لقادري جلبي قاضي العسكر بأناطولي. ثم إنه تولى قضاء حوران من بلاد الشام ، ثم عزل عنه سنة تسع وأربعين وتسعمائة ، فتوجه إلى حماة ونزل بمنزل بني أخيه أولاد الشيخ محيي الدين عبد القادر بن الشيخ شمس الدين محمد الحموي الشافعي أحد من بها من درجة الشيخ الرباني والفرد الصمداني سيدي عبد القادر الكيلاني رضي‌الله‌عنه ، وألف هناك كتابا في مناقبه سماه «قلائد الجواهر في مناقب الشيخ عبد القادر» رضي‌الله‌عنه (مطبوع في مصر) وضمنه أخبار رجال أثنوا على الشيخ المشار إليه وشرذمة ممن له انتساب إليه من القاطنين بحماة وغيرهم ، وجمع من «الروض الزاهر» وغيره ما لا يخفى.

وفي سنة خمسين وتسعماية قرأ قطعة من البخاري على الشيخ المعمّر الفاضل الشيخ أحمد بن السراج عمر البارزي الجهني الشافعي وأجاز له وكتب له بالإجازة كتابة حسنة. وكان له قبل ذلك اشتغال على الشمس السفيري والشمس ابن الدهن المقري بحلب والشهاب ابن النجار الحنبلي بالقاهرة ، قرأ بها عليه في كتاب «التنقيح» للمرادي الحنبلي ، وكذا أخذ بها عن الشمس أبي البقا البساتيني الشافعي شيئا من القراءات. ونظم ونثر وطالما بذل للشعر الجوائز الجسيمة ، وتهللت لدى وفودهم عليه طلعته الحسنة الوسيمة ، لما استولى عليه من حب الجود وبذل الموجود.

توفي بحلب في أوائل شعبان سنة ثلاث وستين وتسعماية ودفن بتربة جدنا ولم يعقب ذكرا ا ه.

٨٧٠ ـ إبراهيم بن خضر باني القرمانية المتوفى سنة ٩٦٤

إبراهيم بن خضر ، باني القرمانية اللارندي ، نزيل حلب وأحد أعيان التجار

حرص على جمع الأموال من حرام وحلال ، وطال فغني وأثرى وحظي بوساطتها بالقضاة والأمراء وصار يملك منها ما ينوف على مائة ألف دينار سلطاني بعد أن كان بغّالا

٣٠

يقتني لمن يكتري بغالا ، وملك عدة من المماليك اختلس واحد منهم شيئا من ماله فسعى في قتله وصلبه مخنوقا تجاه خان خير بك على باب سوق الدهشة لكون الاختلاس كان من مخزنه بهذا الخان الذي كان ديدنه الجلوس للتجارة والمعاملة ، ثم ملك آخر كاتبا حاسبا حسن الصورة فسلم إليه مقاليده وألبسه الملبس الحسن ، ومع هذا كان يستخدمه في سوق الماء إلى بحرة بيته ونقض الكيزان ووضع السرقين بها في أمكنة بعيدة عن بيته بحيث كان ينزع ملبسه الحسن ويبدله بغيره مع غنيته عن خدمته بمن هو أدنى منه في خدمته ، إلى أن اختلس شيئا من ماله ووضعه عند صاحب له ، فتفطن له فسعى في قتله عند باشا حلب ، فأبى وطلب منه أن يبيعه إياه ، فصمم على قتله والعياذ بالله تعالى من حرص يؤدي إلى قتل النفس التي حرمها الله تعالى ، فأمر بأن يربط في ذنب فرس ويجر بشوارع حلب إلى أن يموت ، ففعل به ما أراد حتى عيب عليه ذلك. ثم صمم على حبس صاحبه مدة قيل ليسعى في قتله أيضا ظلما ، فوردت إلى حلب إحدى الخواتين ذوات الجاه من قبل الباب العالي للحج ، فبرز أمرها بإطلاقه فأطلق رغم أنفه ، ثم لم تمض أشهر إلا وتوفي ، وذلك أنه كان قد استولى عليه النقرس ووجع المفاصل مرة فمرة إلى أن أشرف على الموت كرة فكرة. فأنشأ داخل باب الفرج عمارة تشتمل على جامع ومكتب للأيتام ومدفن له ، ثم لم تقم بجامعه هذا الجمعة مرارا معدودة إلا وقيل له بعد إخفاء منه أنه قد ظهر فيه نوع انشقاق ، فلم يعبأ به فما مضت برهة من الأيام إلا واتفق فيه الاتفاق الغريب وذلك أنه انشقت القبلية شرقا وغربا فوقا وتحتا حتى بان نور الشمس ، وانشقت عتبة بابها أسوة ما حاذاها من التبليط المنشق مع إحكام بنائها وعرفان مهندسها وبنّائها ، ومالت إلى بعض الدور المجاورة بها فارتحل من بها وفر الناس عن إقامة الجمعة بها ، فبلغه الخبر فغاظه ، فما مضت ثلاثة أيام إلا وأصابه فالج مات به سريعا عاجلا في رمضان سنة أربع وستين ، وصار أمره أحدوثة بين الناس عفا الله عنا وعنه ا ه.

الكلام على جامعه :

لا زال معروفا بجامع القرمانية ، وقد خربت دائرة الأوقاف قبليته وحجرة بجانبها من جهة الجنوب كانت مكتبا للأيتام واتخذت مكانهما ثلاثة مخازن واسعة مرتفعة السقف أوجر كل واحد منها بأزيد من خمسين ليرة عثمانية ذهبا ، وعمرت القبلية فوق هذه المخازن

٣١

يصعد إليها بدرج عريض من صحن الجامع طوها ٥٦ قدما وعرضها ٣٦ ما عدا الجدران ، وجعلت لها أربعة عشر شباكا مستطيلة مقنطرة على الطراز الأندلسي فجاءت غاية في الحسن ، وعملت لها منبرا خشبيا مزخرفا جدا واتخذت سقفها من القضبان الحديدية. ولارتفاع هذا المكان فإن الناظر من شبابيكه الغربية يرى جبل الجوشن وقرية الأنصاري فيقع نظره على منظر حسن ، وقد كان ذلك سنة ١٣٤٢ بهمة مدير الأوقاف السيد يحيى الكيالي وقد نقش اسمه فوق المخازن وفوق باب القبلية.

وفي صحن الجامع عدة قبور معظمها لبني العلبي العائلة المشهورة ، وقد كانت ذات ثروة واسعة سيأتي ذكر البعض منها في القرن الآتي إن شاء الله تعالى ، وبعض هذه القبور درس حين العمارة ، وقد كانت أمام الحجرة التي قدمنا ذكرها غربي القبور الباقية.

وحين تخريب هذه الحجرة وجد تحتها مغارة وجد فيها نقود قديمة رومانية ذهبية وفضية حازتها شركة الإنشاءات الإفرنسية التي التزمت عمارة هذا المكان من دائرة الأوقاف.

وفي الجهة الشرقية حجرتان مشرفتان على الخراب حبذا لو عمرتهما دائرة الأوقاف مكتبا ابتدائيا للأيتام عوضا عن المكتب المتقدم الذكر.

وفي الجهة الشمالية في جدار الجامع منارة قديمة صغيرة لكن ليس فيها من الزخرفة ما يستحق الذكر.

وللجامع ثمانية دكاكين وحمّام وهذه المخازن الثلاثة المتجددة وهي تحت يد دائرة الأوقاف.

٨٧١ ـ الشهاب أحمد بن الحسين البيري المتوفى سنة ٩٦٤

أحمد بن الحسين بن الحسن بن عمر ، الشيخ شهاب الدين ، البيري الأصل الحلبي الشافعي الصوفي أسوة والده.

لقنه الذكر في أذنه وهو صغير سنة ست الشيخ علاء الدين علي الأنطاكي الخلوتي الروشني الخرقة ، وألبسه الخرقة والتاج الأدهميين مرة شيخ صالح يعرف بالشيخ عبد الله الأدهمي كما أخبرني بذلك كله.

٣٢

ثم لم يزل بالألجيهية متوليا عليها في حجرة له يجلس في بابها على كرسي صغير وهو في القبقاب أكثر من نصف قرن لما استولى عليه من الوسواس في أمر الطهارة ، حتى كان إذا أدخل المفتاح في قفل بابها وفتح غسل يديه ، وربما لم يصل وراء الإمام خشية أن يكون في طهارته شيء ، ويأتي إليه بعض الناس فيحاضرهم وهم على باب حجرته وهو بتلك الحالة.

وكان لا يلبس حسن الملبس وإنما كانت له جوخة بيضاء لا يغيرها وإن تغيرت وخرقة بيضاء يضعها تحت عمامته ويعطفها عليها.

وكان له تردد إلى بعض الأمراء والوزراء ولهم فيه اعتقاد وله منهم تناول.

ولما توفي سنة أربع وستين ظهر في حجرته كيس سمح له بعض الوزراء فكتب عليه اسمه. وخلف قريبا من ثلثمائة مجلد لم يظهر منها لتداول الأيدي عليها إلا بعضها ، وزاحم في تركته إذ لا ولد له قبل ظهور ذي رحم كان له أمين بيت المال ، فأخرجه من حجرته للختم عليها ، واتهم تاجه بأن فيه مالا ففتق ، على ظن أنه أودع شيئا (فيه ثم رتق ، ومزّق كل ممزّق ،) * فلم يبد فيه دينار (فضلا عن محلّق ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) * ا ه.

وترجمه الغزي في الكواكب السائرة فقال : هو أحمد بن الحسين بن حسن بن عمر ، الشيخ العلامة شهاب الدين ابن الشيخ العارف بالله تعالى بدر الدين البيري الأصل ، الحلبي الشافعي الصوفي. مولده سنة سبع وتسعين وثمانماية.

وبعد أن ذكر بعض ما تقدم ناقلا له عن الرضي الحنبلي قال : وقد قصر الحنبلي في ترجمته كثيرا ، وكان يقصر من مقامه. وقد ذكر شيخ الإسلام الوالد صاحب الترجمة في فهرست تلامذته وأثنى عليه كثيرا وذكر أنه اجتمع به في رحلته من حلب إلى دمشق وقرأ عليه مدة.

وبعد أن ذكر ما قرأه عليه قال : وكتب له الشيخ الوالد إجازة حافلة بما قرأه وبالإذن بالإفتاء والتدريس. ولما مر شيخ الإسلام بحلب في رحلته إلى الروم سنة ست وثلاثين

__________________

(*) ما بين قوسين ساقط في الأصل.

(*) ما بين قوسين ساقط في الأصل.

٣٣

أنزله المذكور بزاوية والده وأخلى له أمكنة متعددة وقام في حقه أحسن القيام. وأثنى عليه الشيخ الوالد في الرحلة كثيرا ونظم فيه مقطوعا لطيفا أورده في إجازته فقال :

فهو الشهاب شبيه البدر في شرف

وفي علاه وتكميل وتنوير

والبحر فضلا وإفضالا فيا عجبا

للبحر كيف انتمى حقا إلى البير

٨٧٢ ـ خليل بن أحمد الصيرفي المتوفى سنة ٩٦٤

خليل بن علي بن إبراهيم الصيرفي الأنطاكي ثم الحلبي الحنفي.

قدم حلب كما أخبرني سنة ست ، ثم تعاطى صنعة الصرف واشتهر بها جدا بحسن نقد الدرهم والدينار ، ثم ترك وتفقه على ابن فخر النساء ، وأخذ القراءات عن ابن القيما وأشغل غيره فيها بحسب مقامه ، وتولى خطابة جامع الصروي.

وأكثر المكث بداره على وجه سلم الناس من لسانه ويده إلا في تهاني أحبابه وتعازيهم وعيادة المرضى. ومن هزلياته مع أنه أنطاكي أن جواب المصري على رأس لسانه وجواب الحلبي في بيته وجواب الأنطاكي فيه مهلة إلى ثلاثة أيام.

توفي الشيخ خليل في رمضان سنة أربع وستين ورفع سريره.

٨٧٣ ـ محمد بن يوسف العادلي العباسي المتوفى ٩٦٤

محمد بن يوسف بن عبد الرحمن الشريف ناصر الدين العباسي الصابوني الحلبي الباحسيتي ، المشهور بالسيد العادلي لصحبته الأمير يونس العادلي (المتقدم ذكره المتوفى سنة ٩٣٦) وقد وقفت على نسب لجده هذا فإذا هو عبد الرحمن بن عيسى بن أحمد ابن محمد بن عبد القادر بن أحمد بن أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور الملقب بالمستنصر بالله العباسي المتوفى سنة ستمائة وأربعين للمستقر بعده في الخلافة ولده المستعصم بالله آخر الخلفاء العباسيين ببغداد.

توفي المترجم سنة أربع وستين وتسعمائة.

٣٤

٨٧٤ ـ هاشم السروجي الطبيب المتوفى سنة ٩٦٤

هاشم بن السيد ناصر الدين السروجي الحلبي الحسيني ، رئيس الطب بالبيمارستان النوري.

توفي سنة أربع وستين وتسعمائة.

وكان حسن المعالجة كثير الرعاية للضعفاء من الفقراء منقادا إلى من يطلبه ، وكان ممتازا بالكحالة.

٨٧٥ ـ يحيى بن يوسف الحمزاوي المتوفى سنة ٩٦٤

يحيى بن يوسف بن قرقماس الجركسي الأصل الحلبي الحنفي ، المشهور بابن الحمزاوي المتقدم ذكر والده.

نشأ في حلب في ديانة وصيانة لا كما يفعله كثير من أبناء الأمراء ، وتفقه على الشمس ابن بلال ، ولم يزل يعينه ببذل الكتب والمال ويسعى له في المناصب بسفارة أخيه الأمير جانم لمزيد اتصاله بخير بك كافل حلب.

وألم بالميقات والتقويم كأبيه وحظي من الكتب بنفائسها.

ولما هدم ركن الدولة الجركسية هاجر إلى مكة المشرفة فحج وجاور بها سنين مكرما فيها للعلماء والفقراء ثم استوطن القسطنطينية بعد قتل أخيه الأمير جانم ووفاة أخيه الأمير إبراهيم بها سنين. ثم استوطن القاهرة إلى أن توفي بها سنة أربع وستين وتسعمائة عن ثلاث وثمانين سنة ، ووقف بها وقفا جليلا ، وشرط في كتاب وقفه أن يكون لمجاوري جامع الأزهر في صبيحة كل يوم مائة وثمانون رغيفا سوى خمسمائة رغيف رتبها أخوه الأمير جانم في عشية كل يوم

ثم لما رأى من نفسه مزيد الضعف في جسده تهيأ لما ينفعه بعد موته وفوته فأعتق عدة جيدة من عبيده البيض والسود ، وكذا من الجواري.

وكان له سكينة ووقار ومأثور آثار ، وناهيك بها من آثار مما يتبعها شكره سوى ما مر ذكره ا ه.

٣٥

٨٧٦ ـ محمد بن الأميري أغامن المتوفى سنة ٩٦٤

محمد بن الأميري العلائي * علي الحلبي المشهور بأغامن (أو أغامز).

توفي بدمشق سنة أربع وستين وتسعمائة فقيرا بعد أن كان أميرا.

وكانت داره كأبيه بزقاق ابن الحراني بحلب ، ثم آلت إلى الزيني منصور الشهير بابن حطب ، وهي الدار التي اشتملت على القاعة التي اشتهرت بالقصر المطرّف في قديم الزمان ا ه.

الكلام على درب الحرانيين :

قال أبوذر : هو الدرب الآخذ من درب اليهود إلى ناحية سويقة علي ، وبأوله مسجد وبقربه مسجد آخر يعرف بالشيخ محمد الحراني. وقد قرأت فيه الحديث على عبد الواحد الحراني. وفي وسطه حوض ماء وبرأسه في القطيعة حوض آخر ، وفي الدرب الآخذ إلى قصبة باب النصر مسجد قديم له منارة ا ه.

٨٧٧ ـ ناصر الدين المصابني المتوفى ٩٦٤

ناصر الدين بن زين الدين بن محمود الحلبي المصابني ، معلم المصابن ابن معلم المصابن ابن معلم المصابن ، المعروف بابن زين الدين.

كان يداوم على صيام الخميس والإثنين ، ثم صار يصوم الدهر نحو أربعين سنة مع مواظبته على تلاوة القرآن العظيم وسماع بعض المواعيد ، ثم انقطع بداره على طاعته إلى أن توفي سنة أربع وستين وتسعمائة عن سن عالية كأبيه وجده ، فإنه بلغ مائة سنة وسبع سنين كما بلغ أبوه مائة سنة وست عشرة سنة ، وجده مائة سنة ونيّفا وعشرين سنة ، وهو من بديع الاتفاق رحمه‌الله.

__________________

(*) في در الحبب : العلوي.

٣٦

٨٧٨ ـ عبيد الله بن محمد قاضي حلب المتوفى بعد سنة ٩٦٤

عبيد الله بن محمد بن يعقوب قاضي القضاة جمال الدين الرومي الحنفي ، سبط الوزير أحمد باشا ابن الفناري.

ولي قضاء حلب سنة تسع وعشرين ، وفي سنة إحدى وثلاثين في ذي الحجة منها عقيب صلاة عيد الأضحى بالجامع الكبير أمر أن يتقدم الإمام الحنفي فيصلي بالمحراب الكبير الملاصق للمنبر قبل الشافعي ويصلي الشافعي به من بعده ، فبقي هذا إلى عامنا الذي نحن الآن في آخره عام أربع وستين بعد أن عهدنا المحراب الكبير مختصا بالشافعية والذي عن يمينه وهو الغربي مختصا بالحنفية على وفق ما نقله الزين الشماع في «عيون الأخبار» من تاريخ أبي ذر من أن المحراب الكبير كان مختصا بالأئمة الشافعية والذي عن يمينه بالحنفية ، والمحراب الأصفر الذي عن شماله بالحنابلة ، ومحراب الغربية كان مختصا بالمالكية.

وكان له مدة إقامته بحلب شغف تام بجمع الكتب سمينها وغثها جديدها ورثها ، حتى جمع منه بالجاه ببدل وبدونه ما يناهز تسعة آلاف مجلد ، وجعل فهرستها مجلدا مستقلا يذكر فيه الكتاب ومن ألفه. ولم يعرف مؤلفي عدة من الكتب فكتب أسماءها وفرقها على علماء حلب ليعرفوه بمؤلفيها. وأحضر مجلدي حلب إلى داره لتجديد جلود وترميم أخرى. وفتحت له كنوز الكتب حتى أوعى منها ما أوعى.

وكان مع أصالته فاضلا لا سيما في علم القراءة ، عارفا باللسان العربي والعبراني ، سخيا معطاء ، يسامح في كثير من رسوم المحكمة ، معتقدا في الصوفية ، كثير التردد إلى مجلس الشيخ القدوة علي الكيزواني والتقبيل ليديه من غير حائل * ، لا يتغالى في ملبسه ولكن في ملبس خدمه ، ويميل إلى الرفاهية في مأكله ومشربه ، وإلى العمائر وتحسينها بالنقوش ، حتى أنشأ بمنزله حمّاما لطيفا وسألني في ثمانية أبيات يكتبها على دورها الأعلى ، وكان إنشاؤها سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة فقلت :

السعد وافى لمولى من موالينا

مذ أبدعت هذه الحمّام تكوينا

رغما على أنف قاليه وحاسده

تبّت يداه فقل بالله آمينا

__________________

(*) في الأصل : حامل.

٣٧

أحسن بها بقعة ماء الحياة بها

وهي النعيم لمن قد حلها حينا

كأنما سفلها قد صيغ من ذهب

والعلو من ورق قد زيد تحسينا

وما بها من مياه فهي طاهرة

كأصل منشئها الزاكي وهل شينا

دام التمتع للمنشي بها أبدا

ما عمر السعد ربعا للمحبينا

فهو الجدير بأن يحيا لذاك وهل

تدري من المنشىء * المذكور تعيينا

قاضي القضاة عبيد الله أنشأها

في عام ألف سوى سبع وستينا

فوقعت هذه الأبيات عنده الموقع الحسن للتورية الحسنة في قولنا تكوينا مع ما في قولنا : كأصل منشئها الزاكي من التلميح إلى ما كان قصه لنا من أن لأبيه أو قال لجد من أجداده نسبة إلى العمرين رضي‌الله‌عنهما أبا وأما ، وأنه كان له مهر فيه فلان العمريني وسماه ، ثم أخرج لنا المهر ومهر به في كاغد حتى ظهر لنا ما كتب فيه.

وكان على سعة مصارفه وكثرة عوارفه مع تعلقه بالكيميا مع الشيخ الكيزواني وغيره ذا دين فاحش ، لكنه لا يبالي بفحشه ولا يعده شيئا بل ولا شيئا مذكورا.

وكان إذا ذم أحدا من المتولين للأوقاف يقول : من تعاطى الأوقاف فقد تحمل أحدا أوقاف.

٨٧٩ ـ إبراهيم بن الناصري محمد المعروف بابن حطط المتوفى سنة ٩٦٥

إبراهيم بن الناصري محمد ، من الأمراء العشرات بحلب الصارمي إبراهيم كافل البلاد البهسناوية ، ابن المقر الأشرف نائب القلعة المنصورة الحلبية ، حطط الدقماقي الحلبي المشهور بابن حطط.

توفي بأنطاكية سنة خمس وستين ، ونقل إلى حلب ودفن بمقابر الصالحين بوصية منه.

وكانت له خيرية ورعاية لأصحابه قولا وفعلا ، وشفقة على مديونيه الفقراء وإبراء كثير منهم عما له في دمتهم ، وعدم تصنع في مشيته ولا تكبر في سكونه وحركته.

وكان جده حطط أولا من الأمراء العشرات بحلب ، ثم نائب القلعة الحلبية ، وكان

__________________

(*) في الأصل : المسوء.

٣٨

عتيقا للمقر الأشرف الكافلي أبي النصر دقماق بن عبد الله المحمدي كافل المملكة الحلبية المدفون بتربته المشهورة بالدقماقية.

٨٨٠ ـ أحمد بن الأمير يونس بن صاروخان المتوفى سنة ٩٦٥

أحمد بن الأمير يونس ابن الأمير صارم ابن الأمير الكبير علاء الدين علي الحلبي ، المشهور كسلفه بابن صاروخان.

كان حاجبا ثالثا بحلب في آخر الدولة الجركسية كما كان أبوه حاجبا ثالثا من قبله. وكان أميرا هينا لينا سليم الصدر ، خرج عن سمت الإمارة بعد انفصام عقد تلك الدولة ولف على رأسه الميزر وأكب على الخمس في أوقاتها ، والناس سالمون من لسانه ويده ، إلى أن توفاه الله تعالى معمرا سنة خمس وستين.

وكان جده الأعلى أمير حاج بحلب كالأمير جمال الدين يوسف الحمزاوي.

٨٨١ ـ عبد الكريم القلعي المتوفى سنة ٩٦٥

عبد الكريم بن محمد بن محمد بن محمد بن خالد الخالدي المخزومي الحلبي القلعي الحنفي ، إمام الحنفية بالجامع الأموي بحلب.

كان في الدولة الجركسية من سكان القلعة الحلبية أبا عن جد ومن أرباب الأقاطيع بها كذلك ومن أمراء العشروات بها ومن ذوي الثروة والمال مع ما له من الحسب بواسطة ماله من النسب إلى خالد بن الوليد رضي‌الله‌عنه حسبما ذكره هو لي ، قال : ولكني الآن لا أستحضر من بين خالد وخالد رضي‌الله‌عنه من الأجداد.

ولما صارت القلعة بالأمان إلى السلطان سليم بن عثمان أقر أهلها على المكث بها ، ثم آل الأمر إلى أن ساقهم إلا من ندر منهم إلى القسطنطينية ، فكان الشيخ عبد الكريم ممن سيق إليها.

ثم عاد بعد مدة إلى حلب وربّى لرأسه شعرا وجعل عمامته مئزرا وانسلخ عن طور أهل الدنيا وأخذ له حجرة بالجامع الأموي بحلب ، فتوفي الشرف يحيى بن أقجا إمام الحنفية

٣٩

به سنة ثمان وثلاثين ، فأعطي وظيفته فباشرها مباشرة لم ينقطع فيها أصلا إلا لمانع شرعي ، ولازم حجرته.

ثم تزوج فلازم منزله إلا في وقت الصلاة ، واعتقده كثير من أمراء الطائفة الرومية حتى صارت الفتوحات تنقل إليه.

ثم لما كان طاعون سنة اثنتين وستين مات له عدة بنين فحزن عليهم الحزن الشديد وصار يتشكى من فقدهم المديد ، وكذا من قولنج صار يعتريه وضعف قوة قد ألم به بعد ما كان عنده في زمن شبابه من القوة على لعب الرمح والدبوس وجرّقوس كانت له وزنها ستون رطلا واستعمال الملاعيب الشاقة عن إدمانات سابقة.

وكانت عنده بقية من القوة منذ صار إماما بالجامع المذكور ، فاتفق له أن كان بسطحه عملة أرادوا منذرته ، فطلبوا قوس المنذرة ، فأحضر إلى صحن الجامع المذكور ليرفع إليهم من طريق السطح ، فأخذه بيده وحذفه إليهم فلم يشعروا به إلا وهو عندهم.

ثم كانت وفاته سنة خمس وستين بحلب عن أزيد من ثمانين سنة رحمه‌الله تعالى.

٨٨٢ ـ علي بن يوسف كاتب الحرمين المتوفى سنة ٩٦٥

علي بن يوسف بن مراد الرومي الوديني الحنفي الصوفي الخلوتي ، المعروف بملا علي ، كاتب الحرمين.

ولد كما أخبرني بودين ، بكسر الواو والمهملة ، من بلاد روم إيلي سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة ، وكان يعرف فيها بابن مراد لكونه من طائفة بها يعرفون ببني مراد ، وفيها تسلك ولبس الخرقة ودخل الخلوة على أبيه وصار له ذوق لكلام القوم كالمثنوي الذي لمولانا جلال الدين البلخي ثم الرومي وغيره ، وسلسلته في الطريق كما ذكر لي تنتهي إلى خوجه علي أخي خوجه عمر الروشني.

ثم قدم حلب سنة تسع عشرة فحج ودخل القدس والقاهرة ودمشق وتولى بها على البيمارستان النوري. ثم مكث بحلب وصار كاتب الحرمين الشريفين بها من سنة تسع وعشرين وناظرهما البدر النصيبي ومن قبله وبعده. ورسخ في وظيفته هذه دهرا مطولا.

٤٠