إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٥

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٥

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٥٧

كان من أعيان أمراء حلب ، وكان عنده فضيلة ومشاركة جيدة ، وكان يكتب الخط المنسوب ، وتولى سيس وغيرها إلى أن توفي سنة ثمانين وسبعمائة عن نيف وأربعين سنة رحمه‌الله تعالى. ا ه (المنهل).

وذكره ابن الشحنة في روض المناظر في حوادث سنة ٧٧٦ فقال : لما فتحت سيس وأضيف إليها طرسوس وآذنة وأياس وجعلت مملكة برأسها استقر في كفالتها الأمير موسى ابن شهري ، واستقر بها حجاب وكاتب سر وأرباب الدولة على عادة المماليك ، وأقطعت جهاتها بمناشير ، وتوفي بها رحمه‌الله ا ه.

٤٢٣ ـ محمد بن إبراهيم بن سنكي المتوفى سنة ٧٨٠

محمد بن إبراهيم بن سنكي بن أيوب بن قراجا المقري ابن يوسف الشيخ الإمام الفقيه المقري القاضي حافظ الدين أبو عبد الله تاج الدين أبي إسحق القيصري الحلبي الحنفي.

أخذ القراءات عن ابن نصحان وشمس الدين المقدسي وعن قاضي القضاة فخر الدين عثمان ابن خطيب جبرين ، وتفقه بجماعة ، وبرع وأفتى ، ودرس وولي عدة وظائف دينية منها قضاء العسكر بحلب ثم بدمشق ، ثم ترك ذلك كله ولبس خرقة التصوف ودام على رئاسته ملازما لبيته ، إلى أن توفي بحلب سنة ثمانين وسبعمائة وقد أناف على السبعين رحمه‌الله تعالى ا ه. (المنهل الصافي).

٤٢٤ ـ محمد بن الحسين النعّال الشاعر المتوفى في حدود الثمانين

محمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن إسماعيل بن منصور شمس الدين الحلبي المعروف بابن النعال.

ولد بالحلة في سنة ثمان وسبعمائة ، وتعانى الآداب فمهر ، وقدم حلب ومدح أعيانها. كتب عنه أبو المعالي بن عشائر.

ومن نظمه ما كتب به إلى الشريف عبد العزيز بن محمد الهاشمي يعاتبه من أبيات :

قل للشريف المرتضى علم الهدى

وابن الغطارف من ذؤابة هاشم

٨١

أيضيع حقي عندكم وولاؤكم

ديني ولم أحلل عقود تمائمي

ومن نظمه :

ورد الخدود ورمّان النهود على

بان القدود به قد عيل مصطبري

يا صاحبيّ بأرض النيل لي قمر

جمال مهجته أبهى من القمر

وكان في حدود الثمانين (أي وسبعمائة).

٤٢٥ ـ أحمد بن عمر بن العجمي المتوفى سنة ٧٨٠

أحمد بن عمر بن محمد بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن الشهيد شهاب الدين أبي صالح عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن بن العجمي شهاب الدين بن جمال الدين المعروف بأبي الضيا ، وهو عثمان المذكور في نسبه.

ولد سنة ٧٤٢ بحلب ، وهو من بيت كبير مشهور ، بها تفقه على زين الدين الباريني وعلاء الدين البابي ، وكتب بخطه كثيرا ، ودخل القاهرة وأخذ عن فضلائها ، وقرأ الأصول ببلده على السيد جمال الدين عبد الله الحسيني نزيل حلب ، ودرس بالشرفية وغيرها ، وولي قضاء العسكر. فلما خرج العسكر إلى أياس لقتل التركمان العصاة (في سنة ثمانين ، فلما) (١) خرج معهم ففقد في ذي القعدة عند انكسار العسكر ، وكان ذلك في سنة ثمانين وسبعمائة.

٤٢٦ ـ عبد الرحمن بن يوسف بن سحلول المتوفى سنة ٧٨٢

عبد الرحمن بن يوسف بن سحلول الحلبي شمس الدين. كان من رؤساء الحلبيين ، وكان معظما عند الأسعردي النائب بحلب ، وبنى له الأسعردي خانقاه خارج باب الجنان على شط النهر وهي تعرف به. وكان شمس الدين غاية في الجود ومكارم الأخلاق. ومات في ١٩ المحرم سنة ٧٨٢ وأنجب ولده ناصر الدين محمدا. ا ه.

الخانكاه السحلولية :

قال أبو ذر : هذه الخانكاه على شاطىء نهر قويق شمالي حلب ، أنشأها شخص يدعى

__________________

(١) ما بين قوسين فراغ في الأصل.

٨٢

الشقيرا من مباشري حلب جعلها متنزها له ولم يقفها ، فوصلت إلى كافل حماة الأسعردي. وكان عبد الرحمن بن سحلول صاحبا للأسعردي ، وكان الرئيس عبد الرحمن قد أحسن للأسعردي عند دخوله حلب فكافأه ووقف عليه هذا المكان وبنى له محرابا وجعل له خلاوي برسم الفقراء ، كذا قال شيخنا. وكان به منارة فآلت إلى السقوط فأخرجها الشيخ ناصر الدين محمد بن الشيخ ناصر الدين محمد بن الشيخ عبد الرحمن وجعل مكانها غرفة وذهبت الغرفة أيضا.

وهذه الخانقاه مكان لطيف نزه فيه من الرخام الملون والشبابيك المطلة على نهر قويق والبساتين ، وإلى جانبها بحرة ، فأفردها وباعها الشيخ ناصر الدين المذكور.

وبهذه الخانكاه مدرس على مذهب الشافعي بشرط واقفها. والأسعردي ترجمته في تاريخ شيخنا.

وعبد الرحمن المذكور هو ابن يوسف بن سحلول ، كان رئيسا ، وتوفي يوم السبت تاسع عشري المحرم سنة اثنتين وثمانين وسبعماية ودفن خارج الخانقاه. ومن جملة أوقافها حصة بقرية بنغلا وحصة بحمّام أنطاكية. وعلى الفقهاء والمدرس حصة بخان خارج باب أنطاكية بحلب. وعلى بابها مكتوب : أنشأ هذه الخانكاه عبد الرحمن بن يوسف في سنة ثلاث وسبعين وسبعماية. فلما توفي آل أمر هذا المكان إلى الشيخ ناصر الدين المذكور ولده ، فقام بها أتم قيام على أكمل الوجوه من الرئاسة وإطعام الناس ، فكان الفقراء والرؤساء يحضرون إليه فيضع بين يدي كل شخص ما يليق به ، وكانت لم تزل البسط والفرش والأغطية موضوعة في مرجتها وعلى الدكة التي في المرجة ، وكانت هذه الدكة مرخمة بالرخام الأصفر لأجل من يبيت هناك.

أخبرني من أثق به أنه كان يضع بين يدي الناس النقل بحيث إن الشخص لا يرى من تجاهه من كثرته. وكان التين الأخضر إذ ذاك قليلا بحلب فكان يحضره من تيزين لأجل من يحضر إلى عنده ، ولما قدم البلقيني حلب قبل فتنة تمر عمل البلقيني ميعادا بجامع منكلي بغا (الرومي) وخرج الناس في خدمته في ضيافة القاضي كمال الدين بن العديم إلى هذا المكان ، فتأخر ابن العديم بمأكوله فأحضر ناصر الدين المذكور من حواضر بيته ما قام بالحاضرين.

٨٣

ولما أغصب دمر دامش والدي بقضاء حلب أراد والدي أن يرحل من حلب ، فجاء إليه ناصر الدين بالجمال ليرحله ، فلما غير دمرداش نيته ثبت والدي عن الرحلة. ولم يزل ناصر الدين في رياسة وحشمة حتى سرقه السراق ليلا.

ثم إنه خرج من حلب وقدم على جمال الدين الأستادار بالقاهرة فلم ينصفه ، وكانت أم جمال الدين الأستادار بنت عبد الله بن سحلول ، وكان عبد الله عم ناصر الدين وزير حلب.

ثم إنه حج من القاهرة فتوفي وهو متوجه سنة اثنتي عشرة وثمانمائة وخلف ثلاثة أولاد وهم ناصر الدين المذكور والأمير أحمد والأمير عبد الرزاق ، فاستقل ناصر الدين بهذا المكان لأنه كان على طريقة الفقراء وقام بها دون والده ، فلما أشرف على الموت أسند تدريسها إلي.

وتوفي يوم الجمعة سلخ جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وثمانمائة وصلّي عليه بجامع حلب ودفن خارج الخانكاه.

فقام بها بعده ابن أخيه ناصر الدين محمد بن الأمير أحمد وتوفي في الليلة المسفر صباحها عن يوم الخميس تاسع جمادى الآخرة سنة أربع وسبعين وثمانماية وصلي عليه بجامع حلب ودفن بالسحلولية وهي وقف على القادرية ا ه.

أقول : لا أثر لهذه الخانكاه الآن ، ويظهر أنها دثرت بعد الألف ، وقد ذكرها الرضي الحنبلي في تاريخه «در الحبب» في ترجمة أبي بكر بن قمر المتوفى سنة ٩٦١ حيث قال :

إن المترجم جدد الناعورة المشتركة بين الخانقاه الشمسية السحلولية والجنينة الكائنة شماليها وكانت تعرف قديما بالقيشانية. وأما الناعورة فقد كان موضعها في النهر أمام البناية العظيمة التي بنيت حديثا لتتخذ مدرسة للهندسة ، وقد تخربت منذ ١٠ أو ١٢ سنة ، ويغلب على الظن أن السحلولية كانت موضع هذه المدرسة. وقد كان هناك بقية بناء وبئر نسفت منذ سنوات قلائل حينما عرضت الجادة الآخذة إلى جهة باب الجنان.

وقد كان جنوبي هذه الخانكاه بهذا الدرب خانقاه أخرى تسمى الدورية سيأتي الكلام عليها في ترجمة الشمس محمد الأطعاني المتوفى سنة ٨٠٧ وقد دخلت في التكية المولوية من جهة الجنوب.

وكان هناك زاوية أخرى يقال لها زاوية الشيخ خضر ذكرها أبو ذر في تاريخه فقال :

٨٤

زاوية الشيخ خضر :

هذه الزاوية على شاطىء قويق شمالي حلب ، أنشأها الرئيس بدر الدين بن زهرة منتزها وأخرج منها أمواتا منهم امرأة بنقشها ، لأنها كانت مقبرة ، فرفع فيه قصة منظومة وقصيدة على لسان الأموات إلى السلطان فصادره. ثم انتقلت بعد ذلك إلى شمس الدين محمد بن العجمي وزين الدين ابن النصيبي.

وهذه الزاوية بها بحرة عظيمة ليس في حلب مقدارها ، وبها إيوان وبه مناظر على نهر قويق والبساتين. ولما انتقلت إلى ابن العجمي وزين الدين بن النصيبي المتقدمين اغتصبها جلبان كافل حلب منهما وأمر بنفيهما ، فابتاعها منهما قهرا وجعلها زاوية للأحمدية والأدهمية بشرط أن يضاف من نزلها من الطوايف الثلاثة ثلاثة أيام. ثم إنها تشعثت في فتنة تيمر فرممها أقباي مملوك المؤيد ووقف عليها وقفا بأنطاكية. وخضر المذكور كان عجمي الدار ا ه.

أقول : ولا أثر لها الآن ولا أدري متى دثرت.

٤٢٧ ـ كمال الدين عمر بن عثمان المعري قاضي حلب المتوفى سنة ٧٨٣

عمر بن عثمان بن هبة الله بن معمّر قاضي القضاة كمال الدين أبو القاسم المعري الحلبي الشافعي.

مولده سنة اثنتي عشرة وسبعمائة تخمينا. ولي قضاء بلدة المعرة واشتغل بحماة على ابن البارزي قاضيها ، وسمع من الحجار والمندومي ، وولي قضاء حلب في سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة عوضا عن القاضي نجم الدين محمد الزرعي وباشرها أشهرا قليلة ، ثم عزل بالقاضي نجم الدين المذكور ، ثم وليها في سنة سبع وخمسين عوضا عن القاضي نجم الدين بحكم وفاته ، واستمر حاكما بها مدة أربع عشرة سنة ، ثم نقل إلى قضاء الشام فأقام به مدة ، ثم ولي حلب وولي القضاء بطرابلس أيضا. وكان قليل العلم ، ومن العجب أنه ولي دار الحديث الأشرفية بدمشق انتزعها من الحافظ بن كثير مع أن شرطها أن يكون من أعلم أهل البلد بالحديث ، فمنعته الطلبة وعدوا عليه غلطات وفلتات ، منها أنه قال الجهبذ فنطق بها بضم الجيم وفتح الهاء ، وقد حدث. سمع عليه بحلب شيخنا أبو إسحق الحلبي وأبو المعالي بن عشاير.

٨٥

وكان قاضيا جليلا نبيلا عاقلا ساكنا محترما مداريا ، إلا أنه كان ينسب إليه أشياء لا تليق ، منها الرشوة ظاهرا مع أنه كان كثير الصيام والحج ، وكان يقول : ليس في قضاة الإسلام أقدم هجرة مني ، فإنه ولي قضاء بلدة المعرة سنة ثلاث وثلاثين ، ولما كان ثلاث وستين وسبعمائة توجه القاضي كمال الدين المذكور إلى الحجاز ، فلما توجه منها اجتمع عليه جماعة من أعيان الحلبيين ومشايخهم وهم قاضي القضاة جمال الدين أبو إسحق إبراهيم ابن العديم الحنفي وقاضي القضاة شرف الدين بن فياض الحنبلي والشيخ شهاب الدين أبو العباس الأذرعي والشيخ كمال الدين عمر بن العجمي والإمام الخطيب شهاب الدين أحمد الأنصاري والشيخ زين الدين أبو حفص الباريني الشافعيون وغيرهم من الحنفية وكتبوا في حقه محاضر ، فلما بلغ ذلك القاضي كمال الدين المذكور توجه إلى الديار المصرية من الطريق ولم يتوجه إلى الحجاز ، وكان بالقاهرة الأمير يلبغا الخاصكي صاحب القاضي كمال الدين المذكور وجهز طلب المذكورين ، فتوجهوا إلى القاهرة ، وذلك في سنة أربع وستين ، فلما وصلوها طلبهم الأمير يلبغا المشار إليه وقام مع القاضي كمال الدين قياما عظيما فاجتمعوا عند الأمير يلبغا. وأما القاضي كمال الدين فإن الأمير يلبغا أنزله عنده في بيت ، فلما اجتمعوا بالأمير يلبغا شرعوا يذكرون مثالب القاضي كمال الدين التي رموه بها ، فلما فرغوا من كلامهم قال لهم الأمير يلبغا : فإذا تاب أما تقبل توبته؟ فسكت الجماعة ، ثم دخل عليهم بالصلح فلم يسعهم مخالفته ، فعند ذلك طلبه من البيت المذكور وهم قاعدون فجاء القاضي كمال الدين وحضر معهم وتعاتبوا. ثم إن الأمير يلبغا قام وأصلح بينهم وأعطاهم نفقته ، بلغني أنه أعطى كل قاض ثلاثة آلاف درهم وكل فقيه منهم ألف درهم وقال لهم : شوشنا عليكم يا جماعة.

ثم توجه القاضي كمال الدين إلى حلب قاضيا على عادته وتوجه المذكورون إلى حلب ولم يحصل لهم من القاضي كمال الدين بعد ذلك أذى ولا صدر منه شيء ، فإنه كان عاقلا ساكنا كثير الاحتمال والإغضاء والمسامحة ، وحصل على ثروة كبيرة ، ثم عزل ، ثم ولي قضاء حلب ، ولم يزل قاضيا بحلب إلى أن توفي نهار يوم السبت تاسع شهر رجب سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة ودفن في بيته ، ثم نقل بعد سنتين إلى خارج باب المقام إلى تربة الفردوس ظاهر حلب تغمده الله برحمته ا ه (الدر المنتخب).

وقدمنا في الجزء الرابع (في الكلام على درب البنات بعد ترجمة أحمد أبي المكارم

٨٦

الإسكافي) أين كان بيته وأنه معمّر خان القاضي المعروف بهذا الاسم في محلة باب قنسرين.

٤٢٨ ـ شهاب الدين أحمد الأذرعي المتوفى سنة ٧٨٣

أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الغني بن محمد بن أحمد بن سالم ابن داود بن يوسف بن جابر الشيخ شهاب الدين الأذرعي أبو العباس.

ولد بأذرعات الشام في وسط سنة ثمان وسبعمائة ، وسمع من الحجار والمزي ، وحضر عند الذهبي ، وتفقه على ابن النقيب وابن حجلة. ودخل القاهرة فحضر درس الشيخ مجد الدين الرنكلوني ولازم الفخر المصري وهو الذي أذن له ، وشهد له عند السبكي بالأهلية ، ثم ألزم بالتوجه إلى حلب ، وناب عن قاضيها نجم الدين بن الصائغ ، فلما مات ترك ذلك وأقبل على الأشغال والاشتغال وراسل السبكي بالمسائل الحلبيات ، وهي في مجلد مشهورة ، واشتهرت فتاويه في البلاد الحلبية.

وكان سريع الكتابة مطرح النفس كثير الجود صادق اللهجة كثير الخوف من الله ، جمع «التوسط والفتح بين الروضة والشرح» في عشرين مجلدا كثير الفوائد ، وشرح المنهاج للنووي شرحين سمى أحدهما «غنية المحتاج» والآخر «القوت» (١) وحجمهما متقارب ، وفي كل منهما ما ليس في الآخر ، إلا أنه كان في الأصل وضع أحدهما لحل ألفاظ الكتاب فقط فما انضبط له ذلك بل انتشر جدا.

وقدم القاهرة بعد موت الشيخ جمال الدين الأسنوي وذلك في جمادى الأولى سنة ٦٢ وأخذ عنه بعض أهلها ، ثم رجع ورحل إليه من فضلاء المصريين الشيخ بدر الدين الزركشي فقرأت بخطه : رحلت إليه في سنة ٦٣ فأنزلني داره وأكرمني وحباني وأنساني الأهل والأوطان ، والشيخ جمال الدين البيجوري وكتب عنه شرح المنهاج بخطه ، فلما قدم دمشق أخذه عنه بعض الرؤساء وذكر لي أنه كان يكتب في الليل على شمعتين أو أكثر. وذكر لي بعض مشايخنا أنه كان يكتب في الليل كراسا تصنيفا وفي النهار كراسا تصنيفا لا يقطع ذلك ، ولكن لو كان ذلك مع المواظبة لكانت تصانيفه كثيرة جدا ، لكن لعله ترك ذلك مسودات فضاعت بعده. ومن نظمه :

__________________

(١) في كشف الظنون : قوت المحتاج في شرح المنهاج في الفروع للأذرعي أحمد بن حمدان بن أحمد المتوفى سنة ٧٨٣.

٨٧

يا موجدي من العدم

ارحم فقد زلّ القدم

واغفر ذنوبا قد مضى

وقوعها من القدم

لا عذر في اكتسابها

إلا الخضوع والندم

إن الجواد شأنه

غفران زلات الخدم

وكان فقيه النفس لطيف الذوق كثير الإنشاد للشعر ، وله نظم قليل. وكان يقول الحق وينكر المنكر ويخاطب نواب حلب بالغلظة ، وكان محبا للغرباء محسنا إليهم معتقدا لأهل الخير ، كثير الملازمة لبيته لا يخرج إلا إلى ضرورة ، وكان كثير التحري في أموره ، وكان لا يأذن لأحد في الإفتاء إلا نادرا. وكان الشيخ زين الدين أبو حفص عمر الباريني الشافعي نزيل حلب مع جلالة قدره إذا اجتمعت عنده الفتاوي التي يستشكلها يحضرها ويجتمع به ويسأله عنها فيجيبه فيعتمد على جوابه. وقد ذكرت عنه كرامات ومكاشفات. وبالغ ابن حبيب في الثناء عليه في ذيله على تاريخ والده.

قرأت بخط الشيخ برهان الدين المحدث بحلب وأجازنيه ، أنشدنا الإمام شيخ الشافعية شهاب الدين الأذرعي :

كم ذا برأيك تستبدّ

ما هكذا الرأي الأسدّ

أأمنت جبّار السما

ء ومن له البطش الأشدّ

فاعلم يقينا أنه

ما من مقام العرض بدّ

عرض به يقوى الضعيف

ويضعف الخصم الألدّ

ولذلك العرض اتقى

أهل التقى وله استعدّ

وهي طويلة. مات في ١٥ جمادى الآخرة سنة سبعمائة وثلاث وثمانين.

وترجمه في المنهل الصافي بنحو ما تقدم وقال : إنه اختصر الحاوي للماوردي. وكتب على المهمات ولم يكمله. وكان رحمه‌الله فقير النفس محكما للفقه مليح المحاضرة كثير الإنشاد للشعر ، وله نظم ، قوالا بالحق ، ينكر المنكر ويخاطب نواب حلب بخطاب فيه غلظ ، كثير الفوائد ، ولديه فضائل وكياسة وحشمة وإنسانية ومحبة لأهل العلم خصوصا للغرباء محسنا إليهم. ودرس بالمدرسة الظاهرية والأسدية والبلدقية ودار الحديث البهائية بحلب استقلالا. ومن نظمه قوله :

٨٨

كيف لا يستجيب ربي دعائي

وهو سبحانه دعاني إليه

مع رجائي لفضله وابتهالي

واتكالي في كل خطب عليه

وله غير ذلك ا ه.

أقول : إن قبره على قارعة الطريق في محلة المقامات بظاهر باب المقام ، وقد جدده محمد هلال بن فخرو من أهالي هذه المحلة سنة ١٣١٢. ومكتوب على قبره من داخل الألواح هذه الأبيات :

تعاهد قبور الصالحين مسلما

بحسن اعتقاد وانقياد مع الأدب

وصاحب هذا القبر أتحفه دائما

بخير دعاء فهو مما له وجب

فهذا الإمام الأذرعي أحمد الذي

سما وإلى حمدان حقا قد انتسب

وهذا أبو العباس يعرف كنية

وهذا شهاب الدين يشهر باللقب

ومكتوب على اللوح من الداخل :

لقد ساد أهل العصر علما وعفة

وزان بلاد الشام لا سيما حلب

فمولده قد كان في عام وارث ٧٠٧

ومدرجه لله حجة فاقترب ٧٨٣

وتجديد هذا القبر في السنة التي

بخمسين بعد الألف مما يلي رجب

ومكتوب على ظاهر اللوح :

ولد المرحوم سنة ٧٠٧ ووفاته سنة ٧٨٣ وجدد قبره سنة ١٠٥٠ ثم جدد هذا المزار بتاريخ اسم الله الغفار سنة ١٣١٢.

٤٢٩ ـ محمد بن بلبيك (١) الصروي المتوفى سنة بضع وثمانين

محمد بن بلبيك الصروي.

كان محبا لأهل الخير والصلاح ، وأنشأ جامعه المعروف به بالبياضة داخل باب القناة.

توفي سنة بضع وثمانين وسبعماية بالرها ونقل إلى حلب فدفن بها ا ه (الدر المنتخب).

__________________

(١) في «كنوز الذهب» وهرتزفيلد : بيليك.

٨٩

الكلام على جامع الصروي :

قال أبو ذر : هذا الجامع بالبياضة أنشأه الحاج ناصر الدين محمد بن بلبيك الصروي في سنة ثمانين وسبعماية ، وهو جامع لطيف له محراب من الرخام الأصفر ، وكذلك منبره وسدته. وفي أيامي وسع قبليته وصحنه ... الأقباعي. وتلقب هذه المحلة بالبياضة بالتخفيف ، وكذلك حلب تلقب بالشهباء والبيضاء لبياض أرضها لأن غالبها من الحجارة الحوارة وترابها يضرب إلى البياض وإذا أشرف الإنسان عليها ظهرت له بيضاء ا ه.

أقول : قبلية هذا الجامع متوسطة في السعة وصحنه كذلك ، ومن نحو عشر سنين عمل في وسط الصحن حوض ينزل إليه بدرج جلب إليه الماء من القسطل الذي هو خارج الجامع التابع له وذلك من وصية ثابت أفندي المدرس. وحينما كان سعادة مرعي باشا الملاح حاكم حلب الآن مديرا للأوقاف فرش أرضه بالرخام. وفي سنة ١٣٤٠ أثناء ولاية كامل باشا القدسي عمر فيه مدير الأوقاف السيد يحيى الكيالي إيوانا من الجهة الشرقية كان خربا وبلط أرضه بالرخام ، وكان باب الجامع والجدار الذي بجانبه من جهة الشمال متوهنا كاد يسقط هو والمنارة التي فوقه فعمر تحت قنطرة الباب قنطرة أخرى حفظت الباب والمنارة ، ومن تأمل في كيفية بناء هذه القنطرة يأخذه العجب من مهارة البنائين في حلب ، ولبناء هذه القنطرة السابقة ذهب بعض الكتابة المنقوشة على الباب ، وإليك ما بقي منها :

(١) البسلمة (بقي منها الرحيم) إنما يعمر مساجد الله إلى قوله واليوم (والباقي داخل في البناء إلى قوله :

(٢) ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين أنشأ هذا ، والباقي داخل في العمارة).

(٣) الحاج ناصر الدين محمد بن بدر الدين بيلبيك الصروي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين.

ومكتوب على باب منارة الجامع :

(١) وقف الفقير إلى الله تعالى أحمد بن عبد الجليل المصحف

(٢) المكرم على روح ابن عمه صدقة ابن يوسف الدباغ ليقرأ فيه بالجامع السروي

٩٠

(٣) ... وقد يكون عليه نظر الإمام والبواب فلا يخرج منه أبدا حرر سنة خمسين وثمانماية.

وكان أحدث في وسط القبلية درابزين من الدف على شاكلة قبر ووضع فوقه لوح كتب عليه ما يفيد أن تحته قبر يحيى الجركسي وذلك بناء على رؤيا رآها الشيخ وفا الرفاعي المتوفى سنة ١٢٦٤ ، وكلف المتولي على الجامع يومئذ مصطفى آغا الشاه بندر ببناء هذا الدرابزين وبقي نحو سبعين سنة ، وكان وجوده يمنع تسوية الصفوف ، فكان المصلون يتبرمون وفي مقدمتهم الشيخ نجيب بن الشيخ يوسف العطار من علماء هذه المحلة وسكانها ومن المواظبين على الصلاة بالجماعة ، فسمع منه الشيخ عبد القادر من بني سلطان الضرير الحافظ فوعده برفعه ليلا وفعل ذلك ، ففي اليوم الثاني حينما أتى المصلون ارتفع ضجيج بعضهم ورفعوا الأمر إلى الوالي وللمحكمة الشرعية ، واختفى الشيخ عبد القادر مدة ، وراجع المشتكون بالآستانة بواسطة أبي الهدى أفندي الصيادي وأتت الأوامر بإعادة هذا الدرابزين ، ولإصرار القسم الأعظم من أهل المحلة لم يمكن من الرجوع ، ولدى الكشف على ما تحت هذا الدرابزين لم يوجد قبر وإنما وجد درج ينزل منه إلى مغارة بمقدار عشر درجات هي تحت جميع القبلية فيها عدة قبور ، وظهر أن باب هذه المغارة من داخل القبلية تحت مطلع السدة ، ولما لم يوجد شيء تحت الدرابزين أخذت عدة فتاوي بعدم إرجاعه.

ومنبر القبلية من الحجارة الصفراء الضخمة ومحرابه كذلك ، وفي وسطه قبة مرتفعة البناء. وللجامع محدث ومدرس للفقه ، والمحدث الآن الشيخ أحمد العالم الكيالي يقوم به عن عمه أبي زوجته شيخنا الشيخ محمد الجزماتي ، ومدرس الفقه الشيخ عمر المرتيني ، وقد كان قبل ذلك يدرس فيه الشيخ محمد علي الكحيل ، ثم شيخنا الشيخ محمد الزرقا وشيخنا الشيخ بشير الغزي.

٤٣٠ ـ أحمد بن موسى والد البدر العيني المتوفى سنة ٧٨٤

أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود القاضي شهاب الدين أبو العباس ابن القاضي شرف الدين أبي البركات ابن الشيخ شهاب الدين العينتابي الحنفي والد العلامة قاضي القضاة بدر الدين محمود العينتابي المشهور بالعيني.

٩١

قال ولده في تاريخه : وهو والد العبد الضعيف مؤلف هذا التاريخ. توفي يوم الاثنين سادس عشرين رجب سنة أربع وثمانين وسبعمائة ودفن في الغد بمقبرة طريق حلب. وكان فقيها مستحضرا في الفروع والأصول ، خبيرا بأمور المكاتبات الشرعية والسجلات الحكمية ، وله مشاركة في سائر الفنون. ناب في الحكم عن القضاة ثلاثين سنة ، ثم استقل حاكما بعين تاب مدة ، ثم توفي وهو معزول منقطع إلى الله تعالى ا ه (المنهل الصافي).

٤٣١ ـ عبد الرحيم بن الترجمان المتوفى سنة ٧٨٦

عبد الرحيم بن أحمد بن عبد الرحيم الحلبي التاجر المعروف بابن الترجمان.

ولد قبل الثلاثين ، وسمع من العز بن إبراهيم بن صالح بن العجمي حضورا ، وسمع على غيره وهو كبير وحدث ، فسمع عليه البرهان المحدث بحلب.

قال القاضي علاء الدين في تاريخه : كان ذا ثروة ظاهرة وتجار من تحت يده يسافرون له ، وكان دينا خيرا عليه سكون ، وله مكتب للأيتام تجاه المدرسة الشرفية بحلب وقف عليه وقفا جيدا. ومات يوم عيد الفطر سنة ٧٨٦ ا ه.

قال أبو ذر في الكلام على مكاتب الأيتام بحلب : مكتب عماد الدين بن الترجمان هذا تجاه الشرفية وله وقف بحور وبانقوسا ا ه.

أقول : ولا أثر لذلك الآن ، والذي أمام الشرفية خان بني من نحو ١٥ سنة بناه التاجر الحاج محمد العطري وعرف بخان العطري ، وكان قبل ذلك دورا اشتراها وعمرها خانا.

٤٣٢ ـ إبراهيم بن محمد بن العديم المتوفى سنة ٧٨٧

إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير العقيلي الحلبي جمال الدين بن العديم بن ناصر الدين بن كمال الدين من بيت كبير مشهور بحلب.

ولد في سادس ذي الحجة سنة ٧١١ تقريبا ، وسمع صحيح البخاري على الحجار بحماة ، وعلى العز إبراهيم بن صالح بن العجمي عشرة الحداد ، وسمع من الكمال ابن

٩٢

النحاس ، وحفظ المختار. وولي قضاء حلب بعد أبيه في سنة ٧٥٢ إلى أن مات ، إلا أنه تخلل في ولايته أنه صرف مرة بابن الشحنة.

قال علاء الدين في تاريخه : كان عاقلا عادلا في الحكم خبيرا بالأحكام عفيفا كثير الوقار والسكون ، إلا أنه لم يكن ناقدا في الفقه ولا في غيره من العلوم مع أنه درس بالمدارس المتعلقة بالقاضي الحنفي كالحلوية والشاذبختية. وكان يحفظ المختار ويطالع في شرحه. وقرأت بخط البرهان المحدث أن ابن العديم هذا ادعى عنده مدع على آخر بمبلغ فأنكر ، فأخرج المدعي وثيقة فيها : أقر فلان بن فلان ، فأنكر المدعى عليه أن الأسم المذكور في الوثيقة اسم أبيه ، قال له : فما اسمك أنت؟ قال فلان ، قال : واسم أبيك؟ قال : فلان ، فسكت عنه القاضي وتشاغل بالحديث مع من كان عنده حتى طال ذلك ، وكان القارىء يقرأ في صحيح البخاري ، فلما فرغ المجلس صاح القاضي : يا ابن فلان ، فأجابه المدعى عليه مبادرا ، فقال له : ادفع لغريمك حقه ، فاستحسن من حضر هذه الحيلة إلى أن استغفل المدعى عليه حتى التجأ إلى الاعتراف.

وكانت وفاته في سادس عشري المحرم سنة ٧٨٧.

وقرأت بخط البرهان الحلبي : كان من بقايا السلف ، وفيه مواظبة على الصلوات في الجامع الكبير ، نظيف اللسان وافر الفضل طويل الصمت والمهابة في غاية الفقه ، مع المعرفة بالمكاتيب والشروط ، كبير القدر عند الملوك والأمراء ، له مكارم ومآثر ، وكان كثير النظر في مصالح أصحابه.

٤٣٣ ـ أبو بكر بن عمر بن مظفر ابن الوردي المتوفى سنة ٧٨٧

أبو بكر بن عمر بن مظفر بن عثمان بن أبي الفوارس المعري ثم الحلبي شرف الدين ابن الشيخ زين الدين ابن الوردي.

قيل ولد سنة ... قال القاضي علاء الدين في تاريخه : كان كثير الهجاء ، ويستحضر كثيرا من تراجم الحلبيين وماجرياتهم مع حسن المنادمة وطيب المحاضرة واطراح التكلف في المأكل والملبس. وتفقه بأبيه وعمه وتعانى الأدب وباشر تدريس البهائية بدمشق وناب في الحكم ونظم ونثر ، ومات في ربيع الأول سنة ٧٨٧ بحلب.

٩٣

٤٣٤ ـ علي بن محمد بن قرناص الحموي المتوفى سنة ٧٨٧

علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن قرناص علاء الدين الخزاعي الحموي ثم الحلبي.

رجل عارف ومباشر كبير صدوق مشهور بالأمانة والثقة. سمع على نخوة بنت النصيبي وهي جدة والده لأبيه ، وسمع على غيرها أيضا. وهو من بيت معروف بحلب وحماة. وهنا أورد ابن الخطيب حكاية غريبة عنه أضربت عنها لغرابتها ، ثم قال : توفي علاء الدين ابن قرناص في سنة سبع وثمانين وسبعماية بحلب رحمه‌الله ا ه.

وترجمه في الدرر الكامنة وقال : إنه سمع منه الشيخ إبراهيم المحدث.

٤٣٤ م ـ طقتمر الكلتائي باني المدرسة المعروفة بالكلتاوية المتوفى سنة ٧٨٧ (١)

طقتمر بن عبد الله الكلتائي الأمير سيف الدين الكلتائي نسبة إلى الأمير كلتاي.

كان من أكابر العلماء ، وتولى عدة وظائف ونيابات. ولي نيابة سنجار والبيرة وقلعة الروم ، ثم حجوبية طرابلس ، ثم نقل إلى حلب أمير مائة ومقدم ألف بها ، ثم استقل في آخر عمره في حجوبية حلب وبنى بها مدرسة بالبياضة ووقف عليها وقفا كبيرا على السادة الحنفية. وكان له ثروة ووجاهة ، وكان فيه ظلم وتعسف ، إلا أنه كان يجل أهل العلم ويكرمهم. وكان شكلا ضخما. وتوفي بحلب في حادي عشر شهر رمضان سنة سبع وثمانين وسبعماية ودفن بمدرسته بحلب رحمه‌الله تعالى ا ه (المنهل الصافي).

آثاره بحلب

المدرسة الكلتاوية :

قال في كنوز الذهب : هذه المدرسة داخل بانقوسا بالقرب من المدرسة الأتابكية ، أنشأها طقتمر الكلتاوي. أخبرني والدي رحمه‌الله أنه نشأ له ولد وأنه سمع أن أهل الحديث تطول

__________________

(١) سهونا عن ترقيم هذه الترجمة فآثرنا أن نكرر الرقم.

٩٤

أعمارهم ، فأحضر والدي والشيخ عز الدين لقراءة البخاري عنده ، فقرىء البخاري عنده للبركة ، وحضر فقهاء بانقوسا وسمعوا ، ووقف لها أوقافا كثيرة من جملتها معصرة خارج بانقوسا.

والكلتاوي نسبة إلى الأمير كلتاي والي البيرة وسنجار وقلعة الروم ، ثم استقل بالحجوبية بحلب ، وكان فيه ظلم وتعصب للأئمة ، وكان يحب أهل العلم. ومات في حادي عشر رمضان سنة سبع وثمانين وسبعماية ودفن بمدرسته ا ه.

وفي الدر المنتخب : (المدرسة الكلتاوية) : داخل باب القناة ، بناها الأمير طقتمر الكلتاوي على نشز من الأرض عن يسرة الداخل على المدينة ، وبنى إلى جانبيها دارا كبيرة واسعة مرخمة ، وجعل تحتها إصطبلات واسعة ، وظاهر الإصطبلات حوانيت ، والكل وقف على المدرسة ، ووقف عليها أوقافا كثيرة غير ذلك ، وشرط أن يكون مدرسها حنفيا والطلبة كذلك ا ه.

أقول : قد تغيرت الآن أوضاع هذه المدرسة ولم يبق من بنائها القديم سوى بعض قبليتها ، ويبلغ طول القبلية ١٦ ذراعا وعرضها نحو سبعة أذرع ، وعن يمينها حجرة صغيرة حديثة البناء يؤدب فيها الأطفال ، وصحن المدرسة يبلغ طوله ٣٥ ذراعا وعرضه ١٨ ، وليس ثمة شيء من الحجر للطلبة. وبعض الصحن أمام القبلية مفروش بالرخام ومعظمه لا رخام فيه ، وفيه بعض شجرات زيتون وتين وسرو. ولا أثر لقبر الواقف هناك ولا يعلم مكانه. ومكان المدرسة مرتفع يطل على كثير من منازل حلب الشمالية شرقا وغربا. وهي الآن تحت يد دائرة الأوقاف والباقي من وقفها دار واحدة. وجنوبي المدرسة وشرقها تربة واسعة يدفن أهل تلك المحلة فيها موتاهم.

٤٣٥ ـ عبد اللطيف بن محمد الميهني المتوفى سنة ٧٨٧

عبد اللطيف بن محمد بن موسى بن أبي الفتوح بن أبي سعيد فضل الله بن أبي الخير الميهني الملقب نجم الدين الحواساني الحلبي شيخ الشيوخ بحلب.

ذكره الإمام زين الدين أبو العز طاهر ابن شيخنا أبي محمد بن حبيب في ذيله على تاريخ والده وقال فيه : كان إنسانا خيرا في نفسه ، مثابرا على فعل الخير في يومه أضعاف أمسه ،

٩٥

كثير الانبساط والإيناس ، جيدا في أمور دنياه ومعاملته مع الناس ، مريحا لخاطره مشتملا على نفع ذاته ، مزيحا لأعذار نفسه محتملا ثقل تكاليف الحياة في حركاته وسكناته ، يحب الرياضة ويتكلم عليها ، ويرغب في محادثة أهل الفتوى ويميل إليها ، ويمشي بين أهل حرفته بملابس جود فاخرة ، ويفشي لهم أسرار معرفة اكتسبها من صدور القوم الصادرة ، وجده أبو الخير أول من فرض لأهل التصوف النصيب ، وبالغ في إكرامهم وتقريب البعيد منهم وتأهيل الغريب. وكان له بين أهل هذه الطائفة قدم صدق معروفة ، ومزايا فضل وإحسان بلسان الشكر موصوفة ، باشر الوظيفة المذكورة بعد وفاة والده وهو صغير ، واستمر فيها إلى أن درج بالوفاة إلى رحمة الله العلي الكبير. انتهى.

سمع الشيخ نجم الدين هذا «الشمائل» للترمذي من والده ، ورأيته بحلب. وكانت وفاته بها سنة سبع وثمانين وسبعمائة وقد جاوز السبعين رحمه‌الله تعالى ا ه (الدر المنتخب).

أقول : وهو من شيوخ الحافظ الكبير البرهان إبراهيم بن محمد سبط بني العجمي المتوفى سنة ٨٤١ ، وكان شيخا لخانقاه البلاط وقد تقدم ذلك عند الكلام عليها في ترجمة شمس الدين لؤلؤ المتوفى سنة ٥١١.

٤٣٦ ـ محمد بن أبي بكر بن النصيبي المتوفى سنة ٧٨٧

محمد بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن النصيبي الملقب شمس الدين ، وبقية نسبه في ترجمة أبيه.

كان إنسانا حسنا ، كتب الإنشاء بحلب ، وهو معدود من أعيان الحلبيين ومن بيت الوجاهة والتقدم ، وكان كثير التلاوة للقرآن ، وكتابته مليحة. توفي في سنة سبع وثمانين وسبعمائة بحلب في فصل الوبا الكائن في هذه السنة ا ه (الدر المنتخب).

٤٣٧ ـ محمد بن طلحة المتوفى سنة ٧٨٨

محمد بن طلحة بن يوسف بن عبد الله شمس الدين الحلبي.

ولد سنة خمس وسبعمائة وقرأ القرآن وسمع على الكمال ابن النحاس الجزء المنتقى من

٩٦

مشيخة العماد بن النحاس وحدث به ، وقرأ بعض القرآن ببعض الروايات. وكان يسكن بالخانقاه الصلاحية بحلب ويؤم بالعصرونية ، وكان يعاشر الأكابر مع الظرف البالغ والمجون. ومات سنة ثمان وثمانين وسبعمائة.

٤٣٨ ـ أحمد بن عبد الرحمن النصيبي المتوفى سنة ٧٨٨

أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن عبد القاهر بن عبد الواحد بن طاهر بن يوسف النصيبي الحلبي.

ولد سنة ١٢ ، وسمع من العماد أبي بكر بن محمد الهروي. وكان كثير التلاوة عفيفا نزها. وباشر الأحباس بحلب. وكان يواظب الجامع. روى عنه ابن عشائر والياسوفي والبرهان سبط بن العجمي وآخرون. مات يوم السبت ثاني المحرم سنة ٧٨٨.

٤٣٩ ـ عائشة بنت عمر بن محمد العجمي المتوفاة سنة ٧٨٩

عائشة بنت عمر بن محمد بن العجمي والدة الشيخ برهان الدين محدث حلب.

سمعت على إبراهيم بن صالح العجمي زوج عمتها وحدثت. سمع منها ولدها. وماتت في ٥ رجب سنة ٧٨٩.

٤٤٠ ـ الإمام محمد بن علي بن الخطيب المعروف بابن أبي العشائر المتوفى

سنة ٧٨٩

محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن أبي حامد بن أبي المكارم عبد المنعم بن أبي العشاير أبو المعالي السلمي الحلبي ناصر الدين الخطيب.

ولد سنة ٤٢ في ربيع الأول وحفظ القرآن ، وقرأ في الفقه على الزين الباريني وغيره ، وأخذ عن الأعميين وغيرهما العربية ، وقرأ الأصول على تاج الدين السبكي وابن قاضي الجبل ، وطارحه بأبيات فأجابه ومدحه ، واعتنى بالحديث فسمع ببلده من صلاح الدين عبد الله بن المهندس وصلاح الدين خليل الصفدي والخطيب شمس الدين أحمد بن عبد

٩٧

الرحمن بن العجمي والظهير محمد بن عبد الكريم بن العجمي وأولاد ابن حبيب كمال الدين وشرف الدين وبدر الدين ، وبدمشق سنة ٦٧ من جماعة من أصحاب الفخر ، وتخرج بابن رافع وغيره ، وأخذ عن محمود بن خليفة. وسمع بالقاهرة من جماعة من الشيوخ ، وأخذ العلم عن جمع جم بهذه البلاد ، وذكر للقضاء.

وكان فاضلا عالما حسن الخط جدا جيد الضبط والشعر والتذكر ، مشاركا في العلوم له تعاليق وتخاريج ومجاميع مفيدة ، وخطب بجامع حلب بعد أبيه. وكان بليغا مفوّها ، وكان سريع الحفظ جدا حتى قيل إنه حفظ الأنعام وهو شاب من مرة واحدة ، وكان متسع الحال من الدنيا مع الرياسة التامة يكتب في الاستدعاءات :

للسائلين أجزت ذلك لافظا

ومعظما لشرايع وشعائر

واسمي الشهير محمد بن عليّ بن محمد بن محمد بن عشاير ومن نظمه :

لا تحفلن بذي العذار وإن يكن

قد بالغ الشعراء فيه وأطنبوا

فلربما عاف الصديّ وروده

عذبا زلالا قد علاه الطحلب

مات بمصر في ربيع الأول سنة ٧٨٩ ، وبخط القاضي علاء الدين في ٢٦ ربيع الآخر ا ه.

ونقل ترجمته الشيخ كامل الغزي في تاريخه نهر الذهب (١) فقال : هو محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن عشائر الخطيب الإمام ناصر الدين أبو المعالي السلمي الحلبي الشافعي من أعيان العلماء وفضلائهم ، (٢) أخذ عن أكثر من مائتي شيخ في حلب ودمشق والقاهرة وغيرها ، ومن جملة شيوخه العلامة تاج الدين السبكي وصلاح الدين الصفدي. وكان مع علمه صاحب ثروة كبيرة وملك كثير. وكتب عدة مجاميع مفيدة ، وشرع بكتابة ذيل على تاريخ ابن العديم في حلب فكتب منه مقدار مجلدة ولم

__________________

(١) انظر في الجزء الأول في صحيفة «٣٧» (*).

(*) لعل المؤلف قد وقع في سهو في هذه الحاشية.

٩٨

يكمل ، وله «تاج النسرين في تاريخ قنسرين» (١). ومن شعره قوله :

لله إن صبغ البكا

ديباج وجهي بالنجيع

نفس تذوب ومقلة

عنها تموّه بالدموع

وله :

وقفت بالرسم حين بانوا

وأوحشت منهم الربوع

وقلت يا عين ساعديني

فها هنا تسكب الدموع

وله :

ما حيلتي إن حلبت الدهر أشطره

والزبدة المرديان الهمّ والنصب

وكيف أحرز جاها أو أنال غنى

والحرفة الخاملان الفضل والأدب

وترجمه في كنوز الذهب في كلامه على العشائرية فقال : هو الإمام الرحال المحدث الخطيب ناصر الدين محمد الرئيس ، ذو الهيبة العلية والنفس الأبية والخط الباهر.

رحل إلى دمشق وقرأ على مشايخها وأتقن وخرج ونظر التواريخ كثيرا ، نظرت أجزاء من تذكرته ، وانتقى من معجم البرزالي والدمياطي والذهبي وابن رافع أشياء حسنة وهي عندي بخطه في مجلد. وقد سمع والدي معه أشياء كثيرة ولم يثبتها والدي بخطه اعتمادا عليه ، فصار والدي يطالبه بها ليكتب سماعه فصار يماطله ، وذهب على والدي مسموع كثير بسبب ذلك. وقد ذهب الزبيري إلى وجوب العارية في هذه الصورة والله أعلم بقصده.

وخرج من حلب إلى القاهرة لأنه لم يرض الذل بحلب ، وتوفي بالقاهرة ودفن بمقابر الصوفية خارج باب النصر في سادس عشرين ربيع الآخر سنة تسع وثمانين وسبعمائة. واتفقت له قضايا بحلب مع ابن أبي الرضا أوجبت خروجه من حلب. وخلف ولدا يقال له ولي الدين. ومات ولده ولي الدين المذكور عن غير ولد فأبيعت كتبه بعده بالبخس ، حتى إنه أبيع شرح أحكام عبد الحق لابن بزيزة كل جزء بدرهم. وكان ناصر الدين المذكور يخبو كتبه ولا يظهر عليها أحدا ، فلقد رأيت مجاميعه تباع بالهوان.

__________________

(١) ذكره في كشف الظنون.

٩٩

أنشدني والدي رحمه‌الله قال : أنشدني الإمام ناصر الدين بن عشائر لنفسه :

حديث الثغر صحّ لنا

مسلسل ريقه العالي

رواة الحسن تسنده

لصفوان بن عسّال

ومن نظمه :

حملت من المودة منك جهدي

ومن مين التنصل فوق طوقي

أفاخرك المحبة لا أحاشي

إذا ما قلت شوقك دون شوقي

وله :

أفديه وضاح المحيا طرفه

شاكي السلاح بمرهف بتّار

ظبي شعار جبينه وعيونه

الحق أبلج والسيوف عواري

ورأيت بخطه من شعر بدر الدين محمد المعروف بابن الخطيب :

ومذ شاع عني حب ليلى وأنني

كلفت بها شوقا وهمت بها وجدا

تعرّض لي من كل حي حسانه

وأبدين لي شوقا وأظهرن لي ودّا

وقلن عسى أن تملك القلب ناقلا

غرامك في ليلي إلينا فما أجدى

أبى الله أن أنقاد إلا لحبها

وتعسا لمن ألقى إلى غيرها عهدا

ووالله ما حبي لها جاز حدّه

ولكنها في حسنها جازت الحدّا

وقد درس بهذه المدرسة (أي دار القرآن العشائرية ، وقد قدمنا الكلام عليها) شمس الدين النواوي ، وآل تدريسها بعد ذلك إلى بدر الدين محمد بن عمر الواقف ، وكان جاهلا فأخذته عنه ولم أدرس بها وألزمت بالنزول له عنها كرها ، فلما توفي أخذها القاضي زين الدين بن النصيبي وأخوه القاضي شرف الدين. وقد أغلق هذا المكان بعد فتنة تمر وصار مسكنا لأقارب الواقف يلعبون فيه بالشطرنج ، فنزل فيها العلامة المحقق شمس الدين الأطعاني فأقام فيه ذاكرا قائما ، فلما توفي سكنها الشيخ الصالح أبو بكر الحيشي رحمه‌الله تعالى.

٤٤١ ـ علي بن محمد بن عبد الرحمن العبيي المتوفى سنة ٧٩٠

علي بن محمد بن عبد الرحمن علاء الدين الشهير بابن العبيي القاهري الأصل الحلبي الدار.

١٠٠