إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٥

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٥

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٥٧

كان يحفظ التنقيح للقرافي ، ثم ولي قضاء المالكية بحلب وهو أول من وليه بها ، وعمل فيه ابن الوردي تلك المقامة الظريفة (١) وبالغ في الحط عليه. وعزل منها الرباحي بعد أربع سنين ، ثم عاد إليها (٢) ، بعد عمر بن سعيد التلمساني بعد أربع أخر سنة اثنتين وخمسين ، فسار شبه الأولى ، فعزل ، ثم عين نائبا في سنة ستين. ثم في سنة ٦٤ (٣) دخل إلى القاهرة ليسعى في العود فأدركه أجله بها في رجب أو قبله سنة ٦٤.

وقد ذمه أيضا ابن حبيب في تاريخه وقال في حقه : استقر مذموما على ألسنة الأقوام ، إلى أن صرف بعد أربعة أعوام. وذكر أنه لما عزل أولا حبس بقلعة حلب ثم أفرج عنه ، واتفق أنه يوم عزله أولا دقت البشائر بحلب وزينت البلد لما وردت الأخبار بنصرة العسكر الموجه إلى سنجار ، فقال بعض الحلبيين :

سألت عن بشائر

تضرب في الممالك

فقيل لي ما ضربت

إلا بعزل المالكي

وقال في ذلك أيضا :

يا ابن الرباحيّ الذي خسر الحجى

كم آية في هتك سترك بيّنت

يكفيك من أمر تضاعف جهله

أن المدينة يوم عزلك زيّنت

٣٨٠ ـ عبد الله بن يوسف بن السفاح المتوفى سنة ٧٦٤

عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن السفاح الحلبي شمس الدين أبو محمد كاتب الإنشاء بحلب.

ولد سنة بضع وسبعمائة ، ومهر في الإنشاء ، وكان حسن الأخلاق والكتابة مليح المحاضرة كريم النفس ، أثنى عليه ابن حبيب وغيره. مات بالقاهرة في سنة ٧٦٤.

وهو القائل لما تغرب إلى دمشق ثم إلى القاهرة يعتذر عن العود إلى بلده :

__________________

(١) هي في ديوانه في صحيفة ١٩٠.

(٢) في «الدرر الكامنة» : ثم عزل بعمر ...

(٣) في «الدرر الكامنة» : ثم عزل ثانيا في سنة ستين ، ثم في سنة ٦٣ دخل ...

٤١

أأرضى حمى الشهباء دارا وقد علت

عليها لأبناء اليهود صناجق

فإن نكّست أعلامهم أنا راجع

إليها وإلا فهي مني طالق

وهذا البيتان أوردهما ابن الشحنة في الباب الخامس والعشرين من الدر المنتخب حيث قال : وكأني بمعترض يقول : أطلت في ذكر حلب الشرح ولم تذكر فيها شيئا كغيرها من القدح. فو الله ما تجاوزت بل عندي أني قصرت في الإطراء والمدح ، وما علمت والله فيها شيئا من الجرح. نعم غلب على أهلها التشيع في بعض الدول لتشيع ملوكها ، ثم زال ذلك ولله الحمد والمنة. وقد تقدم ما نقلته عن شيخي الحافظ [البرهان] الحلبي في ذلك من كون أن جميع أهل حلب كانوا أهل سنّة ، وكانوا حنفية ، ولا وقعت على هجو فيها إلا ما أنشدني بعض عمومتي من قول بعض فضلاء أهلها وقد رأس بها طائفة من أهل الشمالية أعني حارة اليهود وهو هذان البيتان فقال : (وعن حلب قوّض خيامي فإنها) إلى آخر البيتين (١).

٣٨١ ـ حسن بن علي العباسي الشاعر المتوفى سنة ٧٦٥

حسن بن علي بن الحسن بن علي العباسي عز الدين أبو الثناء (٢) الحلبي نزيل حلب الشاعر.

كان فاضلا بارعا جميل المحاضرة حسن النظم والإنشاء. مات سنة ٧٦٥ عن نحو سبعين سنة. وهو القائل :

شاهداها ثم اعذراني فعينا

ها لدعوى محبها شاهداها

ورداها من دمع عيني فكم بلّ لجاريه يوم بانت رداها (٣) وترجمه في المنهل الصافي فقال : كان أديبا ماهرا ، برع في النظم والنثر ومدح أعيان حلب وغيرها. ومن شعره :

__________________

(١) البيتان هما :

وعن حلب قوّض خيامي فإنها

عليها لأبناء اليهود سناجق

فإن نكّست عنها فإني عائد

إليها وإلا فهي مني طالق

(٢) في «الدرر الكامنة» : ابن البنّاء.

(٣) أثبتنا البيت نقلا عن الدرر الكامنة ، والأصل فيه اختلال وتصحيف.

٤٢

أنفقت عمري رجاء وصلكم

والعصر إني بكم لفي خسر

ذروا فؤادا أمسى أسيركم

معذبا بالصدود والهجر

أو فهبوا لي عقلا أعيش به

ودبروني فقد حرت في أمري

توفي عز الدين هذا بحلب في سنة خمس وستين وسبعمائة عن نحو سبعين سنة ا ه. (المنهل الصافي).

٣٨٢ ـ أحمد بن يعقوب بن الصاحب المتوفى سنة ٧٦٥ والكلام على تربته

قال أبو ذر في الكلام على الترب : تربة ابن الصاحب : بالقرب من الظاهرية من شماليها وبينهما تربة بني سوادة (١) ، أنشأها الأمير شهاب الدين أحمد بن الصاحب شرف الدين أبي محمد يعقوب بن عبد الكريم بن أبي المعالي ، وكان وافر النعمة سافر الهمة والعزيمة ، وله فضيلة ومعرفة وقراءة بالفصاحة والطرب ، يجتمع بأهل العلم والأدب ويترفق بذوي القصد والطلب. توفي سنة خمس وستين وسبعمائة ودفن بهذه التربة. وهي مشتملة على بوابة محكمة ظريفة بالحجر النحيت النظيف الكثير الصناعة ، إذ هي قبو ليس مجوفا كعادة الأقبية بل كالفرش. وبوسط هذا القبو كالفسقية التي تكون في وسط قاعة ، إذ هذا القبو كرخام مرخم ، وفوق هذا القبو غرفة من الحجر أيضا ، وفي زماننا تصدعت الدعامة التي عليها القبو فأصلحت. وداخل هذه البوابة قبلية لطيفة وحوش. وقد جعل هذا المكان واقفه تربة ورباطا. وسيأتي ذكر وقفها وترجمة واقفها في مكتب الأيتام الذي أنشأه بحلب ا ه.

أقول : هذه التربة كما قال أبو ذر أمام المدرسة الظاهرية تجاه بابها بينهما جادة وداران ، وهاتان الداران كانتا تربة بني سوادة ، ولم يبق لهذه أثر. وأما تربة الصاحب أحمد فقد بقي منها ساحة صغيرة في صدرها محراب مشرف على الخراب ، وعن يمينه قبر المترجم وقد ذهب معظمه. ولم يبق من آثار الأبنية التي ذكرها أبو ذر شيء سوى بقية أحجار كبيرة بنيت مع جدران من لبن بناء غير محكم أحيطت بها هذه الساحة ، وهناك حجرة

__________________

(١) بين الظاهرية وتربة الصاحب جادة وداران وتربة بنى سوادة كانت فيما بين ذلك.

٤٣

كبيرة مشطورة شطرين بنيت في جانبي باب صغير من جهة الغرب تدخل منه إلى التربة وقد كتب عليها :

(١) و (٢) البسملة. إنما يعمر مساجد إلى قوله تعالى فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين. عمر هذا المسجد

(٣) المبارك والرباط والتربة المباركة في دولة مولانا السلطان ابن السلطان الملك الناصر أبي المحاسن

(٤) حسين أدام الله أيامه ونشر في الخافقين أعلامه على يد أضعف خلق الله تعالى وأحوجهم

(٥) إلى مغفرة ربه الرحيم العبد الفقير أحمد بن يعقوب بن عبد الكريم عفا الله عنهم.

وشرقي هذه التربة الرباط الذي ذكر هنا ومحله الآن دور حقيرة.

آثاره بحلب :

قال أبو ذر في الكلام على مكاتب الأيتام : مكتب ابن الصاحب هذا بالقرب من مصبغة حلب ، وهي مشتملة على بوابة وداخلها فرش من الرخام وبركة وإيوان ، وإلى جانب هذا المكان قبة عظيمة البناء ، أوصى بإنشاء هذا المكان الأمير شهاب الدين بن الصاحب المتقدم ذكره في الترب في سنة خمس وستين وسبعمائة وتوفي في هذه السنة. وأخبرني والدي أنه كان متكلما عليها [أي على المدرسة] الشيخ شهاب الدين أحمد بن المرحل شيخه ، وكان إذا خرج لقسم نواحيها يركب حمارة الفلاح لئلا يثقل على الفلاح كلفة دابة أخرى ، ويطلب من الفلاح رغيفا وبيضا ليس إلا. ولما توفي واقفها وجد في جيبه رقعة مكتوب فيها :

أعليّ في حب الديار ملام

أم هل تذكّرها عليّ حرام

أم هل ألام إذا ذكرت معاهدا

فارقتها ولها عليّ ذمام

دار الأحبة والهوى وشبيبة

ذهبت وجيران عليّ كرام

فارقتهم فارقت من وجدي بهم

أفهل لهم أو للكرى إلمام

كانوا حياتي فابتليت بفقدهم

فعلى الحياة تحية وسلام

٤٤

وشرط واقفها أن يكون النظر في هذا المكان لمن يكون حاجبا بحلب ، وقد وقفت على كتاب الوقف وفيه قدر معاليم أرباب الوظائف.

أقول : موقع هذا المكتب ويعرف الآن بالصاحبية في محلة السويقة تجاه الخان المعروف بخان الوزير ، ولا زال بنيانه قائما غير أن قنطرة بابه الذي يعد في جملة الآثار العربية الهامة في حلب لحقها الوهن وذهب بعض أحجارها ، وفي نية دائرة الأوقاف إصلاحها وتتميم ما نقص منها على مقتضى هندستها القديمة. ومكتوب على بابها :

(١) البسملة. إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله

(٢) هذا ما أنشأه العبد الفقير المستعيذ بالله من التقصير أحمد بن يعقوب بن الصاحب

(٣) غفر الله له ولمن كان السبب ولجميع المسلمين وذلك في تاريخ خمس وستين وسبعمائة ا ه.

تدخل من هذا الباب إلى صحن صغير فيه حوض ، وشرقيه حجرة صغيرة فيها محراب صغير نقش عليه (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً). وتدخل من هذه الحجرة إلى قبلية مربعة طولها ١٢ ذراعا وعرضها ١٠ أذرع ولها قبة عظيمة الارتفاع مبنية من الحجر ، وهناك محراب فيه عمودان من الرخام ، ويعلو المحراب نقوش في الحجر ملونة تعد في طليعة الآثار القديمة التي في حلب. وقد كتب فوق المحراب (أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) ويتخلل تلك الكتابة نقوش أيضا زادت تلك الكتابة حسنا وبهاء. ويعلو هذه الكتابة نقوش على طول المحراب عرضها نحو ثلث ذراع وهي ملونة بالخضرة والحمرة ، وتلك الأصباغ باقية من عهد بناء هذا المكان.

وشمالي القبلية سدة من خشب تحتها باب صغير يخرج منه إلى الجادة. وفي صحن المدرسة إيوان صغير في شرقيه باب مسدود الآن ينفذ منه إلى خربة يخرج منها إلى الجادة الشرقية ، والمكان جميعه في حاجة إلى الترميم ، فعسى أن تتوفق لذلك دائرة الأوقاف حفظا لهذا الأثر القديم من السير إلى طريق الخراب. ويسكنه الآن بعض مهاجري أهل المدينة المنورة. وقد كان قبل سنوات يقرأ هناك شيخنا الشيخ أحمد المكتبي رحمه‌الله درس النحو وغيره وظل على ذلك مدة ليست بالقليلة.

٤٥

٣٨٣ ـ أحمد بن محمد بن العديم المتوفى سنة ٧٦٥

أحمد بن محمد بن عمر بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى ابن أبي جرادة شهاب الدين بن جمال الدين أبي غانم بن الصاحب كمال الدين بن العديم العقيلي الحلبي الحنفي.

ولد في رأس القرن ، وأسمع على بيبرس العديمي وعمتيه خديجة وشهدة وحدث. سمع عليه ابن عشائر منتقى مشيخة النسوي والأول من مشيخة ابن شاذان الكبرى (انا) بيبرس وغير ذلك ، وولي نيابة شيزر مدة لأنه كان يرى ... (١) مع معرفة بالتاريخ والأدب جيد المذاكرة حسن المحاضرة. وحكى أخوه القاضي كمال الدين عنه أنه أخبره أنه رأى في منامه كأن شخصا ينشده :

يا غافلا صدته آماله

عن المقام الأشرف الأسنى

انهض عدمتك نحو العلا (٢)

وافتح لها مقلتك الوسنى

قال فحفظتهما وزدتهما :

وارجع إلى مولاك واخضع له

تستوجب الإحسان والحسنى

قال أخوه : فلما أنشدني ذلك أعقبه بأن قال : ما أظن إلا أن نفسي نعيت إليّ ، فمات في السنة المقبلة وذلك سنة ٧٦٥ عن بضع وسبعين سنة.

قال ابن حبيب : ويقال جاوز السبعين وقرأ على بيبرس مشيخة ابن شاذان الكبرى ، والأول والثاني من حديث ابن السماك ، وولي نيابة السلطنة مدة يسيرة ، وكان ذا حشمة زائدة وتجمل.

٣٨٤ ـ الشريف حسن بن محمد بن زهرة المتوفى سنة ٧٦٦

حسن بن محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن الحسن بن زهرة الحسيني الحلبي شمس

__________________

(١) في «الدرر الكامنة» : لأنه كان بزي الجند.

(٢) هكذا في الأصل وفي الدرر الكامنة أيضا ، وفيه اختلال.

٤٦

الدين بن بدر الدين نقيب الأشراف بحلب.

وكان أمير طبلخاناه ثم عزل ومات في سنة ٧٦٦. أرخه ابن حبيب وسيأتي ذكر جده. ا ه.

قال في الكشف : «نفائس الدرر في فضائل خير البشر» لحسن بن محمد الحسيني النساب الحلبي المتوفى سنة ٧٦٦ ، ذكره في طبقات الأنساب العشرة. ا ه.

٣٨٥ ـ القاضي محمد بن عمر المعري المتوفى سنة ٧٦٦

محمد بن عمر بن هبة الله بن معمر العمري الحلبي القاضي ناصر الدين بن عم قاضي القضاة الكمال عمر المعري.

كان نائبا للمذكور في القضاء بحلب ، وكان ماجدا كريما ودودا ، أثنى عليه ابن حبيب وأرخ وفاته سنة ٧٦٦ عن نحو خمسين سنة.

٣٨٦ ـ محمد بن محمد الحموي المعروف بابن القواس المتوفى سنة ٧٦٦

محمد بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن ناصح تقي الدين بن ناصر الدين بن شرف الدين الحموي الأصل ثم الحلبي الشهير بابن القواس. ولد بحماة ونشأ بها ، وانتقل إلى حلب وولي خطابة الجامع العلائي ظاهر حلب ، وشغل ودرس ووعظ ، ومات بحلب سنة ٧٦٦.

٣٨٧ ـ أحمد بن محمود بن صدقة المتوفى سنة ٧٦٧

أحمد بن محمود بن إسماعيل بن إبراهيم بن صدقة الحلبي الأديب.

اشتغل كثيرا ، ومهر في الأدب والتصوف فضبطت عليه ألفاظ موبقة ، فرفع أمره إلى الحكام بحلب ، فحكم القاضي المالكي صدر الدين الدميري بسفك دمه فقتل. وهو القائل :

إذا نلت المنى بصديق صدق

فكان وداده وفق المراد

٤٧

فحاذر أن تعامله بقرض

فإن القرض مقراض الوداد

أنشدهما له ابن حبيب. وفيه قال الشاعر :

مضى مستبيح الزنا والربا

إلى خازن المهلك الحالك

وفاز الدميري بتدميره

فمن مالكي إلى مالك

قلت : وهذا مأخوذ من الذي قيل في البققي ، وكان أقبل على اللهو والفسوق ولبس زي الأجناد وقرض الأعراض ووقع في كلمات ، إلى أن آل أمره إلى القتل فقتل. ومن شعره :

ولرب قوم أدبروا مذ أقبلت

دنياهم عن كل ندب فاضل

جاؤوا وقد رأسوا بكل نقيصة

فاقتص منهم دهرهم بالكامل

قال ابن حبيب : كان ذكيا كثير المحفوظ ، لكنه حفظت عنه مقالات زرية ، وزندقة راوندية ، فأقيمت عليه البينة بذلك عند الصدر الدميري أحمد بن عبد القاهر قاضي المالكية ، فحكم بقتله فقتل بمشهد من النائب تحت قلعة حلب في سنة ٧٦٧ وقد جاوز الخمسين.

وهنا كتب الشيخ إبراهيم بن عمر البقاعي بهامش «الدرر الكامنة» بخطه ما نصه : حدثني العلامة قاضي القضاة محب الدين محمد بن الشحنة الحلبي الحنفي ، حدثني النجم عبد الخالق بن محمد بن عبد الخالق بن الوردي ، حدثني الشرف أبو بكر بن الزين عمر ابن الوردي أن الكمال أبا القاسم عمر بن عثمان المعري قاضي الشافعية بحلب كان له جار من أبناء الجند اسمه أحمد بن محمود بن صدقة ، وكان ذا مال كثير ، وكان لا يتحاشى عن فعلة منكر ، وكان فاضلا ، وكان مع تهتكه جريئا لا يرد لسانه عن شيء ، فكان يحفظ عليه أشياء من الكفريات ، فكان قبيح الفعل والقول ، وكان يبغض الكمال المذكور ، وكان يؤذيه ويحتمله الكمال ، إلى أن ركب يوما للتدريس ببعض وظائفه ، فمر على ابن صدقة فتنخم ابن صدقة وبصق وقال : على لحيتك يا كذا ، فسمعها الكمال. قال الشرف ابن الوردي : وكنت إلى جانبه وكان في وجهه أثر ضربة حافر بغل ، فكان إذا اغتاظ اختلج ذلك الأثر فاختلج فاشتد اختلاجه ، قال : فقلت في نفسي : راحت والله روح ابن صدقة ببصقة ، فوصل الكمال إلى تلك المدرسة فوقف قليلا ولم ينزل ، ثم مضى إلى

٤٨

دار النيابة فاجتمع بنائب حلب جرجي ، ثم رجع فذهب إلى الشيخ شهاب الدين الأذرعي فاجتمع به واجتمع ببقية قضاة حلب ، وكان المالكي الصدر الدميري ، ثم رجع إلى بيته فسئل عن السبب في ذلك فإذا هو قد سأل النائب الإذن في الدعوى على ابن صدقة بما يرتكبه ، فأجابه وطلب فوضع في السجن ، وسعى الكمال في الشهود فحصلهم وضبط مقالاتهم فيه وأتقن الأمر وأحضر ابن صدقة في صبيحة الغد فادعى عليه عند الصدر الدميري المالكي وأقيمت عليه البيّنة ورد في السجن ، فنظم قصيدة أولها :

رماني زماني بالقطيعة والضنك

وجار فأجرى في بحار الردى فلكي

تقاسم مني المال من ليس وارثي

فللمالكي روحي وللشافعي ملكي

ومخلصها وهي في التاج السبكي قاضي دمشق :

وإني سآوي عند طوفان غدرهم

إلى جبل العلياء تاج العلا السبكي

وأرسلها إليه بدمشق يسأله فيها حقن دمه.

قال ابن الشحنة : قال عمي فتح الدين : لما سمع أبوك أخي الشيخ محب الدين هذه القصيدة قال : هلك والله كما هلك ابن نوح القائل (سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ)

قال : وأرسل ابن صدقة إلى النائب من وعده بمال فمال إلى إطلاقه ، فحضر القضاة ومعهم الشيخ شهاب الدين الأذرعي فقالوا للنائب عنه فوجدوه مترددا في أمره ، فقال الأذرعي للمالكي : أنت يا قاضي القضاة حكمت بإراقة دم ابن صدقة هذا؟ فقال : نعم حكمت بإراقة دمه ، فقال : قم يا أمير فاحضر ضرب عنقه ، فلم يسعه إلا الامتثال ، فقاموا إلى الموضع الذي يقتل فيه ، فصار ابن صدقة يقول : يا جرجي (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) فقال : القضاة فعلوا ذلك ، فقال شخص معه : ادفعوا هذه الورقة إلى الأمير ، فدفعها إليه فخطفها الأذرعي فمزقها قبل أن يعلم النائب ما فيها ، وضربت عنق ابن صدقة. وبعد يوم أو يومين حضر من التاج السبكي حكم بحقن دمه فإذا الأمر قد فات ا ه.

قال في «المختار من الكواكب المضية» : ومن شعر أحمد بن صدقة مضمنا للبيت الأخير :

٤٩

يا حاديا أسر الحشى لما سرى

رفقا بمغرى مغرم هجر الكرى

فلقد توقف حاله مذ حال من

يهواه عنه ودمع مقلته جرى

ولئن جنحت إلى تحامل عاذل

فيمن يحمّل للركاب وما افترى

فانظر غواربها التي قد غربّت

فيها الشموس فحق أن تتبصرا

وإذا رأت عيناك طرفا أسودا

فاعلم بأن هناك موتا أحمرا

وله :

كيف السبيل إلى اتباع مفنّدي

وهواك يا طلق الجمال مقيّدي

أودى المحب مذ اشترطت تلافه

بلواحظ من شرطها أن لا تدي

غادرتني بالغدر حلف صبابة

وكآبة لا تنقضي وتسهّد

وتركتني يا آخذي غرضا لأغ

راض الرماة وعرضة للعوّد

فوليّ دمعي قد توالى مسحه

في وجنتي كعقايق في عسجد

قمر له طرفي وقلبي منزل

يا ناقص العهد ارفقن بالمعهد

إني امرؤ لم يثنني عن حبها

إلا ثناء محمد بن محمد

ففكاكه للمجتري وجماله

للمجتلي ونواله للمجتدي

قال بعضهم : وقفت مع ابن صدقة المذكور نتحادث بعد العصر بالمدرسة الشرفية ، فطال بنا المجلس ، فخفت أن يخرج وقت العصر فقلت : سيبني حتى أصلي ، فقال لي : وأنت أيضا مربوط ا ه.

٣٨٨ ـ أحمد بن إبراهيم العينتابي المتوفى سنة ٧٦٧

أحمد بن إبراهيم بن أيوب العلامة شهاب الدين العينتابي الحلبي الحنفي قاضي العسكر بدمشق.

نشأ بحلب وتفقه على علماء عصره ، وبرع في الفقه والأصول والعربية ، وشارك في عدة علوم ، وتصدر للإفتاء والتدريس والتصانيف. ثم قدم دمشق وولي بها قضاء العسكر وأكب على الإشغال والاشتغال وانتفع به الطلبة. ومن مصنفاته شرح مجمع البحرين في الفقه في عشر مجلدات وسماه «المنبع في شرح المجمع» وشرح المغني في الأصول وغير ذلك.

٥٠

وكان دينا خيرا عفيفا. توفي بدمشق في سنة سبع وستين وسبعماية وقد أناف على الستين رحمه‌الله. ا ه. (المنهل الصافي).

٣٨٩ ـ أبو بكر بن عمر بن العديم المتوفى سنة ٧٦٨

أبو بكر بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي الحلبي الحنفي جمال الدين بن كمال الدين.

ولد سنة نيف وسبعمائة ، واشتغل وتميز وتعانى الآداب ، وهو أخو قاضي حلب ناصر الدين. سمع على بيبرس العديمي (١) وجزء البانياسي وحدث. وكان فاضلا حسن الخلق والمحاضرة والخط ، وولي مشيخة خانقاه الصالح بحلب ومات بها فجأة في سنة ٧٦٨. ذكره أبو جعفر بن الكويك في معجم ابن جماعة وأثنى عليه ابن حبيب.

٣٩٠ ـ محمد بن محمد بن هلال المتوفى سنة ٧٦٩

محمد بن محمد بن عبد الله بن سالم بن هلال الحلبي شمس الدين المعروف بابن العراقي.

اشتغل وأخذ عن فخر الدين بن خطيب جبرين وعن الكمال بن الضيا العجمي ، وتميز وتصدر للإشغال بحلب ، وعلق على الحاوي تعليقا حسنا. قال ابن رافع : تلقينا وفاته في صفر سنة ٧٦٩. قلت : وأرخه ابن حبيب وهو أعرف : توفي في ذي الحجة سنة ٦٨ ، وأثنى عليه بالعلم والفضل. وتقدم ذكر والده وأنه سمع من سنقر. قلت : وهو والد صاحبنا نائب الحكم جمال الدين عبد الله العراقي ، ذكر لي أن أباه كان صديق الشهاب الأذرعي وأنه أوصاه على أولاده.

٣٩١ ـ علي بن عثمان الطائي ابن خطيب جبرين المتوفى سنة ٧٦٩

علي بن عثمان بن علي بن عثمان الطائي الشافعي الحلبي زين الدين أبو الحسن ابن قاضي القضاة فخر الدين أبي عمر وابن خطيب جبرين ، وبقية نسبه تقدمت في ترجمة أبيه.

__________________

(١) في «الدرر الكامنة» : وأسمع جزء الرففي على بيبرس العديمي.

٥١

وزين الدين علي هذا هو جدي أبو أمي ، وابن عمه جدي لأبي. ولد بحلب سنة عشر وسبعماية واشتغل على أبيه وغيره ، وحصل طرفا من الفقه والأصول وسمع الحديث ، وولي تدريس المدرسة السيفية الشافعية ودرس بها وخطابة الجامع الناصرية. وكان إنسانا حسنا كريما حسن الخلق متواضعا ، وأهل حلب يعظمونه لأن غالب فضلائها تلاميذ والده ، وكتب كثيرا وعلق في الأصول تعاليق كثيرة رأيتها بخطه دروسا وذهبت في الواقعة التيمرية. توفي في رابع عشرين ربيع الآخر سنة تسع وستين وسبعماية بحلب ودفن بتربتنا خارج باب المقام تغمده الله برحمته. ا ه. (الدر المنتخب).

٣٩٢ ـ محمد بن إبراهيم بن أبي الثناء الكاتب المتوفى سنة ٧٦٩

محمد بن إبراهيم بن محمود بن سلمان كمال الدين أبو الفضل ابن الرئيس جمال الدين أبي إسحق ابن الرئيس شهاب الدين أبي الثناء الحلبي موقع الدست بحلب وبالقاهرة.

وكان كاتبا ماجدا ذكيا ماهرا في صناعة الترسل ، سالكا في ذلك طريق جده. اشتغل في الفقه والأدب وكتب الخط الجيد ، وسمع الحديث من والده وغيره ، وحدث وكتب الإنشاء بحلب ثم بالقاهرة. ومن نظمه :

سأترك فضل الخل من أجل منّه

ولو بلغت بي حاجتي غاية البلوى

فمن منّ يوما بالعطاء على امرىء

فإن بذاك المنّ يستوجب السلوى

وله من أبيات :

بي غرام من حبيب فاتن

لم أشاهد مثله في عمري

وجهه لما تبدّى مقبلا

أخجل الشمس وضوء القمر

قدّه كالغصن في الروض له

ثمر يا حسنه من ثمر

ذو لحاظ لو رآها زاهد

بات منها خائفا ذا حذر

جسمه كالماء في رقته

لكن القلب شبيه الحجر

لائمي دعني وكن متعطفا (١)

بالذي تعلمه من خبري

__________________

(١) هكذا في الأصل.

٥٢

وكتب إليه الإمام الأديب بدر الدين خليل الشهير بالناسخ الحلبي جوابا يستسعيه في أمر نظما ونثرا ، فمن النظم :

يقبّل الأرض من أتاه

مشرّف حاز كل بشر

فيه خطاب وحسن خط

كنفث سحر ونظم درّ

يعرب عما حوى ضميري

بخفض عيش ورفع قدر

تخذته في الدجى أنيسي

من دون زيد ودون عمرو

فكان كالشمس في نهاري

وفي ظلام الدجى كبدري

إن كان روضا فمن سحاب

أو كان درا فلفظ بحر

مولاي إن عاثت الأيادي

فأنت ذخر وأيّ ذخر

وأنت إن طال ليل خطب

وجهك لي من سناه فجري

فدم كما عهدت مولى (١)

لجر نفع ودفع ضرّ

وشدّ أزري وقوّ ضعفي

وانظر إلى فاقتي وفقري

واغتنم الأجر وانتقذني

لله من عسرة بيسر

يا آل محمود قد غدوتم

زهر نجوم وروض زهر

جملتم الملك بالمعالي

بنشر فضل وكتم سرّ

وزنتم الدهر بالمعاني

بحسن نظم وحسن نثر

توفي بالقاهرة سنة تسع وستين وسبعمائة وله ثلاث وأربعون سنة ا ه. (الدر المنتخب).

٣٩٣ ـ حسين بن سليمان الطائي المتوفى سنة ٧٧٠

حسين بن سليمان بن أبي الحسن بن سليمان بن ريان شرف الدين الطائي موقع الإنشاء بحلب.

ولد في شوال سنة اثنتين وسبعماية. وكان أبوه ناظر الدولة ، فنشأ هو نشأة حسنة

__________________

(١) هكذا في الأصل ، ولعل الصواب : فدم كما قد عهدت مولى.

٥٣

وتعانى الآداب ، وكان صادق اللهجة حسن المجالسة رقيق الحاشية ، ونظم «زهر الربيع في البديع» في سبعمائة بيت ، ونظم كتابا في أحكام المواليد ما كان أغناه عنه. مات في سنة سبعين وسبعمائة ، وأرخه ابن حبيب سنة ٦٩. وهو القائل :

كأن الهلال بجو السماء

وقد قارن الزهرة النيّره

سوار لحسناء من عسجد

على قفله ركّبت جوهره

وهو القائل :

نحن الموقعون في وظائف

قلوبنا من أجلها في حرق

قسمتنا في الكتب لا في غيرها

وقطعنا ووصلنا في الورق

وترجمه في المنهل الصافي بنحو ما تقدم قال : وله في عذار أشقر :

كأنما عذاره الأشقر في الخد الندي

قنديل بلّور له

سلسلة من عسجد

قال في الكشف : «نظام القلائد في أحكام الموالد» لحسين بن سليمان الطائي الحلبي أرجوزة في ٧٠٠ بيت ثم شرحها في مجلد ا ه.

٣٩٤ ـ إبراهيم بن عمر التيزيني المتوفى سنة ٧٧٠

إبراهيم بن عمر بن أبي السخا التيزيني الحلبي جمال الدين بن الحكم.

ولد سنة تسعين وستماية ، وتفقه ببلده وبرع ، ثم ولي قضاءها ، ثم ناب في الحكم بحلب عن الكمال المعري وناب عنه في دروس العصرونية وغيرها. وله سماع من الوادي آشي وحدث عنه. سمع منه أبو بكر بن المخصوص. ومات سنة سبعين تقريبا.

٣٩٥ ـ إبراهيم بن عمر بن الحلاوي المتوفى سنة ٧٧٢

إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الحلاوي جمال الدين النحوي.

إمام في النحو فاضل ، قرأ الفقه على ابن الوردي والبارزي ، وانتفع في النحو بابن الوردي. تصدر بالجامع الكبير بحلب وجلس مع الشهود وعمل بأخرة موقّع درج ، وأقبل

٥٤

آخر عمره على الفقه. وله نظم يسير حسن. أخذ عنه العز بن جماعة. ومات بحلب ليلة الاثنين سابع عشري رمضان سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة ا ه (بغية الوعاة).

وترجمه في الدرر الكامنة بنحو ما تقدم وذكر أن ولادته كانت سنة ٧٢٦ وأنه كان شافعي المذهب وسمع منه البرهان سبط بن العجمي ، وسمى جده أحمد بن عمر والله أعلم.

٣٩٦ ـ حسن بن محمد البشتاكي المتوفى سنة ٧٧٢

حسن بن محمد البشتاكي بدر الدين أبو محمد الحنفي مفتي دار العدل بحلب.

ذكره ابن حبيب وقال : أقام بالقاهرة مدة ثم تحول إلى حلب وباشر وظيفة الإفتاء والتدريس. ومات سنة ٧٧٢.

٣٩٧ ـ أبو بكر بن محمد النصيبي المتوفى سنة ٧٧٣

أبو بكر بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن عبد الواحد بن هبة الله بن طاهر بن يوسف النصيبي الحلبي شرف الدين.

ولد سنة ست أو سبع وسبعمائة ، وسمع على أبيه وعلى أبي بكر بن العجمي وعلى ابن صالح وأبي طالب وإبراهيم بن صالح بن هاشم وغيرهم وحدث. روى عنه إسماعيل ابن بردس (هكذا) وأبو المعالي بن عشائر. وكان رئيسا جيد الرأي كثير البر من كتّاب الإنشاء بحلب ، حسن الخط ، باشر عدة وظائف ثم تركها تعففا ولزم بيته مواظبا على الخير والتلاوة حتى مات في سنة ٧٧٣ في ذي الحجة منها وله سبع وستون سنة.

٣٩٨ ـ علي بن إبراهيم بن معاسين المتوفى سنة ٧٧٣

علي بن إبراهيم بن حسن بن تميم الرئيس علاء الدين بن معاسين الحلبي كاتب السر.

ولد سنة بضع وسبعماية ، واشتغل بالقراءات وتعانى الأدب وتقدم إلى أن ولي كتابة السر بحلب سنة ٦٢ بعد تحول ناصر الدين بن يعقوب عنها ، فباشرها نحو عشر سنين.

ذكره ابن حبيب فقال : كاتب حسن خطه ، وطما نهره واخضر شطه ، وبسقت

٥٥

أغصان سعده ، وأينعت ثمرات مجده ، وساد على أبناء جنسه وسار نبأ قلمه ، وكان حازما عارفا ، ثم امتحن وعزل وصودر وضرب. ووصفه بأنه كان يكتب أولا الإنشاء ثم رقي إلى كتابة السر. ومات سنة ٧٧٣.

٣٩٩ ـ علي بن الحسن البابي المتوفى ٧٧٤

علي بن الحسن بن خميس الشيخ الإمام علاء الدين أبو الحسن البابي باب بزاعا الحلبي الشافعي.

اشتغل بحلب على جدي الأعلى لأمي قاضي القضاة فخر الدين أبي عمرو علي بن خطيب جبرين وغيره ، ورحل إلى دمشق فاشتغل بها مدة ، ثم رجع إلى حلب وتفقه. وكان إماما عالما فقيها ورعا دينا صالحا ، وقرأ عليه الفقه جماعة بحلب منهم شيخنا ابن أخيه شمس الدين محمد بن إسماعيل البابي ، ودرس بالسيفية في آخر عمره ، نزل له عنها جدي أبو أمي علاء الدين أبو الحسن علي بن قاضي القضاة فخر الدين المذكور في مرض موته.

وذكره ابن حبيب في تاريخه وقال فيه : كان حسن الطريقة ، دينا على الحقيقة ، مستمسكا بحبال التقوى ، مقتديا بما ينقل عن السلف ويروى ، قليل الكلام ، منقطعا عن الأنام ، ذا وقار وسكون ، وسمت يملأ القلوب والعيون. ورد إلى حلب في حال شبابه ، وأخذ عن أهل العلم الشريف وأربابه ، ولازم الصلاح والسداد ، ودأب إلى أن أفتى وأفاد ، وانتفع به الطلاب ، وأطرب الأسماع بقراءته في المحراب ، ودرس بالسيفية في آخر عمره ، واستمر إلى أن غاب عن الأصحاب ضوء قمره. انتهى.

توفي بحلب في سنة أربع وسبعين وسبعمائة عن بضع وستين سنة ودفن خارج باب المقام عند قبر الشيخ زين الدين الباريني بالقرب من الظاهرية تغمده الله برحمته ا ه. (الدر المنتخب).

٤٠٠ ـ محمد بن عبد الكريم بن العجمي المتوفى سنة ٧٧٤

محمد بن عبد الكريم بن محمد بن صالح بن هاشم بن عبد الله بن عبد الرحمن الكرابيسي الأصل الحلبي ، ظهير الدين أبو هاشم المعروف بابن العجمي أحد الشهود بحلب.

٥٦

ولد بها سنة أربع وتسعين وستمائة ، وسمع من سنقر الزيني الصحيح وابن ماجه ومنتقى الأحكام (١) والبعث وأخبار الزبير بن بكار وجزء أبي الجهم ، ومن بيبرس العديمي مشيخة شاذان وجزء البانياسي ، وعلى إبراهيم بن الشيرازي جزء سفيان ومن غيرهم فأكثر وحدث.

سمع منه شيخنا العراقي وغيره. ومات بحلب يوم الثلاثاء النصف من المحرم سنة أربع وسبعين وسبعمائة.

٤٠١ ـ علي بن صالح القرمي المتوفى سنة ٧٧٤

علي بن صلاح بن أبي بكر بن محمد بن علي الإمام علاء الدين أبو الحسن السخومي القرمي الشافعي نزيل حلب.

كان عالما بالأصول والتفسير والفقه وغيرهما ، دينا كثير العبادة. أقام بحلب يفتي ويصنف ويشغل وانتفع به الطلبة.

ذكره الإمام ابن حبيب فقال : عالم جليل القدر ، يسر القلب ويشرح الصدر ، وعامل كثير العبادة ، متصد للإفتاء والإفادة ، كان عارفا بالفقه وتفسير آيات القرآن ، ماهرا في الأصول والعربية والمعاني والبيان ، ورد إلى حلب ، وانتفع به أهل الطلب ، وأقام بها نحو أربعة أعوام ، عاكفا على التأليف منقطعا عن الأقوام ، واستمر مشتغلا بما يفيد ويجدي ، إلى أن لحق بجوار من يعيد ويبدي. وصنف تفسير القرآن العزيز وكتابا في الأصول. توفي بحلب سنة أربع وسبعين وسبعمائة عن بضع وستين سنة تغمده الله برحمته ا ه. (الدر المنتخب).

٤٠٢ ـ بكتمر القرناصي المتوفى سنة ٧٧٥ وذكر جامعه

قال أبو ذر : (جامع القرناصي) : أنشأه بكتمر القرناصي ، وله ترجمة في تاريخ شيخنا المؤرخ ، وقد توفي سنة خمس وسبعين وسبعمائة ، وفيه خطبة وفقهاء من الشافعية مرتبون ولهم مدرس ، وأدركت الشيخ يوسف الكردي يدرس فيه ، وقد وقع حائطه الغربي في أيام الشيخ يوسف المذكور فتبرع بعمارته الحاج أحمد بن فستق النشابي وكان صديقا للشيخ يوسف المذكور ، وأحضر عليا بن الرحال فبلغ بأسه الجبل وأقامه ووقف على أسه

__________________

(١) في «الدرر الكامنة» : منتقى الأموال.

٥٧

حين أسسه. وله منارة محكمة لطيفة من حسن البناء والأحجار والنحت ، ثم في أيامنا تزعزع رأسها فنقض وأعيد ولم يعيدوه كما كان ، فإنهم نقصوا من طول العمد التي عليها قبتها فإنهم كانوا طوالا. وذكر لي من أثق به أن الحاج أحمد بن فستق المذكور استشار الشيخ يوسف في أن يحج ، وكان الحائط المذكور إذ ذاك متهدما ، فأجابه الشيخ : إنك قد حججت ، وأنا أدلك على فعل خير يحصل إن شاء الله لك منه أجر الحاج ، وأشار عليه بأن يعمر حائط القرناصية ، فقال الحاج أحمد : أستخير الله تعالى ، ومضى من عنده فلقيه الشيخ بيرم المجذوب في طريقه فقال له : افعل الذي أشار عليك الشيخ ، فشرع الحاج أحمد وبنى الحائط المذكور انتهى.

أقول : محلها معروف في محلة الفرافرة وسيأتي ذكرها في ترجمة إسماعيل بن عبد الرحمن أشريف المتوفى سنة ١٢٤٤ إن شاء الله تعالى.

٤٠٣ ـ أحمد بن محمد الأنصاري المتوفى سنة ٧٧٥

أحمد بن محمد بن جمعة بن أبي بكر بن إسماعيل بن حسن الأنصاري الحلبي شهاب الدين أبو العباس ، عرف بابن الحنبلي الشافعي.

ولد في شهر ربيع الآخر سنة ٦٤٨ (هكذا) والصواب (٦٩٨) ، وتفقه بحلب على الفخر بن الخطيب الطائي ، وسمع على العز إبراهيم بن صالح والوادي أشي والتاج النصيبي والبدر بن جماعة ، ورحل في طلب الحديث وبرع حتى صار إماما عالما مع الزهد والورع. ولي خطابة جامع حلب مدة تزيد على عشرين سنة ، ثم نزل عنها لأبي الحسن بن عشائر ولابن أخيه أبي البركات موسى بن محمد بن محمد بن جمعة. وكان دمث الأخلاق يستحضر فروعا كثيرة. وله نظم منه ما وجدت بخط الشيخ بدر الدين الزركشي : أنشدنا لنفسه بالقاهرة قدم علينا سنة ٧٦٤ :

معانقة الفقر خير لمن

يعانقه من سؤال الرجال

ولا خير في نيل من ماله

عزيز النوال بذلّ السؤال

قال : وبلغتنا وفاته في سنة ٧٧٥ بحلب. قلت : مات في ١٦ ذي الحجة سنة ٤ فأرخه الزركشي بعد سنة لبلوغ الخبر إلى القاهرة. ومن مسموعه المنتقى من مسند الحارث سمعه

٥٨

من العز بن صالح أنا يوسف بن خليل عاش سبعا وسبعين سنة. وذكر موسى بن مملوك وكان من الصالحين ، أنه حضره حين احتضر فبدأ بقراءة سورة الرعد ، فلما انتهى إلى قوله (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) خرجت روحه.

٤٠٤ ـ إبراهيم بن أحمد الرعباني المتوفى سنة ٧٧٦

إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن محمد بن هبة الله بن محمد ابن عبد الباقي الحلبي الحنفي المعروف بابن الرعباني أبو إسحق كمال الدين المعروف بابن أمين الدولة ، وهو لقب هبة الله جده الأعلى.

ولد بحلب في ربيع الأول سنة ٦٩٥ ، وسمع بها من سنقر الحلبي صحيح البخاري ومشيخته ، ومن أبي بكر بن أحمد بن العجمي الثمانين للآجري ، وعلى أخيه أبي طاهر جزء الكسائي والذكر لابن فارس. ومن إبراهيم بن عبد الرحمن بن الشيرازي جزء سفيان وغيرهم. وولي وكالة بيت المال بحلب ونظر الدواوين وكتب الإنشاء. وكان رئيسا نبيلا ، حدث بحلب ودمشق ، ومات في ليلة الأحد ثامن جمادى الأولى سنة ست وسبعين وسبعمائة. وهو من شيوخ الحافظ أبي الوفا سبط ابن العجمي بالسماع. وسمع منه أبو حامد بن ظهيرة بدمشق وبحلب ا ه.

٤٠٥ ـ محمد بن محمد بن الشحنة المتوفى سنة ٧٧٦

محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب بن الشحنة الحلبي كمال الدين والد محب الدين الحنفي.

اشتغل كثيرا حتى مهر وأفتى ودرس في مذهبه. وكان فاضلا بارعا. مات في ربيع الأول سنة ٧٧٦ ، وأنجب ولده الإمام العلامة محب الدين قاضي حلب.

٤٠٦ ـ عبد الله بن علي العجمي المتوفى سنة ٧٧٧

عبد الله بن علي بن عبد المتعال (١) بن عبد الله بن أبي حامد عبد الرحمن بن الحسن بن

__________________

(١) في «الدرر الكامنة» : عبد الملك.

٥٩

عبد الرحمن أبو حامد زين الدين العجمي.

سمع من أبي طالب بن العجمي قريبه شيئا من المقامات وغيرها وحدث. سمع منه البرهان المحدث بحلب وقال : إنه لم يلق من بني العجمي أقعد (١) نسبا منه. قلت : ولد بحلب في سابع عشري رمضان سنة ٦٩٧ ومات بها في ربيع الآخر سنة ٧٧٧.

٤٠٧ ـ عمر بن إبراهيم بن العجمي المتوفى سنة ٧٧٧

عمر بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن بن العجمي الشيخ الإمام العلامة كمال الدين أبو حفص وأبو الفضل ابن الشيخ تقي الدين أبي إسحاق الحلبي الشافعي من بيت العلم والرياسة والوجاهة والتقدم.

مولده بحلب في سلخ جمادى الآخرة سنة أربع وسبعماية. سمع من نسيبيه الأخوين أبي بكر أحمد وأبي طالب ابني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن العجمي وأبي عبد الله الوادي آشي ، قدم عليهم ورحل ، فسمع بحماة من الإمام شيخ الإسلام شرف الدين هبة الله بن عبد الرحيم بن البارزي وابن مزين ، وسمع بدمشق على الحافظ المزي وأخذ عنه ، وعلى عائشة بنت محمد بن المسلم بن سلامة الحرانية وغيرها ، وسمع على الحجار ، ورحل إلى القاهرة فسمع بها.

واشتغل بالفقه بحلب على جدي الأعلى لأمي فخر الدين أبي عمرو عثمان بن خطيب جبرين وبه تفقه ، وقرأ بحماة الفقه أيضا على القاضي شيخ الإسلام شرف الدين بن البارزي المشار إليه ، وبدمشق على العلامة برهان الدين الفراري ، وبالقاهرة على الشيخ شمس الدين الأصفهاني قرأ عليه أصول الفقه وحصل. وكان إماما عالما مفتيا محدثا فقيها ، حدث بحلب ، سمع عليه بها جماعة كثيرون منهم شيخنا أبو إسحق إبراهيم وأبو المعالي ابن عشاير وأبو البركات موسى الأنصاري وغيرهم ، ودرس بحلب بالمدارس الزجاجية والشرفية والظاهرية والبلدقية.

وذكره الإمام الحافظ أبو عبد الله الذهبي في معجمه المختص بالفضلاء وقال فيه : العالم الفقيه كمال الدين ، قال : قدم علينا دمشق طالب حديث. قال : وله فهم ومشاركة

__________________

(١) في بعض مخطوطات الدرر الكامنة : أسعد.

٦٠