إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٥

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٥

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٥٧

إذ ذاك شاغرة منذ تحول باكير إلى القاهرة بعد إشارة شيخه البرهان عليه بالدخول فيه بقصده الجميل ثم كتابة سرها ونظر جواليها عوضا عن الزين ابن الرسام في يوم الاثنين مستهل ذي القعدة سنة ثمان وأربعين بالبذل مع عناية صهره الولوي السقطي وكان قد تزوج ابنته بعد موت ابنة ابن خطيب الناصرية ، بل استقر أيضا في نظر جيشها وقلعتها والجامع الكبير النوري ، وكذا في تدريس الجاولية والحدادية والتصدير بالجامع وخطابته مما تلقى بعضه عن صهره الأول وما يفوق الوصف بحيث صارت أمور المملكة الحلبية كلها معذوقة به ولاية وإشارة ، وعظمت رياسته وتزايدت وضخمت واشتهرت كثرة جهاته وكفاته بما يناسبها من صفاته ، فانطلقت الألسن بذكره وانجر الكلام لما لا خير (١) في إشاعته ونشره ولم ينهض أحد لمقاومته ولا التجري على مزاحمته ، خصوصا مع تمكن صهره من الظاهر وانقياد العظماء لبأسه القاهر. فلما انخفضت كلمته وزالت طلاقته وبهجته تسوّروا لجانبه وكاد أن يدفع عن جل مآربه ، فبادر قصدا للخلاص من الضير إلى الانتماء للنحاس المدعو أبو الخير ، في أيام علوه وعزه لينتفع بإشارته ورمزه ، فلم يلبث أن انقلب على النحاس الدست ورمي من جميع الناس بالمقت ، كما هي سنة الله بالجبابرة ومنة الله على الطائفة التي بالحق قاهرة ، وظهر أن الجمال وكان صنيعته قد تأثر حيث انجمع عن مساعدته ، بل ما خفي أكثر. ويقال إن الأمير قاسم هو الكافل بإلفاته عنه والقائم.

وتوالت المحن بصاحب الترجمة ، وربما ساعده البدر قاضي الحنابلة بماله من السلطنة ونفوذ الكلمة ، واستمر في المكابدة ومزيد المناهدة ، مما أضربت عن إيراده ببسيط العبارة واكتفيت بما رمزت به في هذه الإشارة ، خوفا من غائلة متساهلي المؤرخين في الإقدام على إثبات ما قد لا يوافق الواقع بيقين ، واختلاف الأغراض في الحوادث والأعراض ، سيما وقد رأيت المحب صار يتتبع الكثير مما أثبته بعضهم فيه بالكشط بدون ملاحظة لاستمرار التئام الذي له المؤرخ خط ، وربما أثبت غير اسمه أصلا لكونه يرى أنه ليس لذلك أهلا ، ولكن رأيت العيني قال حين استقرار المحب في جملة وظائف : إنه استقر فيها بعد حمله من الأموال الجزيلة والهدايا الجليلة ما يطول شرحه ، وعز ذلك على أهل بلده. قال : ولم يتفق قط مثل هذا في حلب ، ولكن بالرشا يصل المرء في هذه الأزمان إلى ما يشا ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لعن الله الراشي والمرتشي).

__________________

(١) في الأصل : بالأخير ، وهو تصحيف.

٣٠١

وقال البقاعي في ترجمة التيزيني : وحصلت له كائنة مع ابن الشحنة في سنة خمسين بغته فيها وأدخل عليه الخمر إلى بيته من جهة ربيبه وزيّن لحاجب حلب حتى أوقع به وسجنه ، وله من هذا النمط بل وأفحش منه مما يتحاكاه أهل بلده الكثير. ولما ملوا منه وجه سعيه إلى رسوخ قدمه في الديار المصرية ليكون مرعيا في نفسه وجماعته وجهاته التي تفوق الوصف ، فاجتهد حتى ولي كتابة سرها في ذي القعدة سنة سبع وخمسين عوضا عن ابن الأشقر ببذل كثير جدا فلم يتهن بمباشرتها مع عظيم المملكة الجمال بل صار معه كآحاد الموقعين ، ومع ذلك فلم يستكمل فيها سنة بل أعيد صاحبها بعد ثمانية أشهر وأيام ، ودام هذا بالقاهرة مكروبا متعوبا مرعوبا مشغول الخاطر لما استدانه فيما لم يظفر منه بطائل إلى أن وجه لبيت المقدس في أواخر ذي القعدة من التي تليها بعد أن زود من أفضال الجمال بما يرتفق به ، فوصله في سابع ذي الحجة فأقام به ، ولقيته هناك على طريقة حسنة من العبادة والتلاوة والاشتغال والإشغال بحيث أخبرني أنه يختم القرآن كل يوم وأنه جوده بحضرة الشمس ابن عمران شيخ القراء بتلك الناحية ، وأنه كان يكتب في كل يوم كراسة فالله أعلم. ولكن رأيته هناك أحضر بعض مماليكه وأشهد عليه أنه إن أقام بالقاهرة أو حلب أو غيرها من البلاد الشامية أو صاحب أحدا من أعدائه أو صادقه أو نحو ذلك يكون مشركا بالله عزوجل ونحو هذا ، فكربت لذلك وما استطعت الجلوس بل انصرفت. ويقال إنه في مملكة ابن عثمان.

واستمر المحب مقيما في القدس إلى أحد الجماديين سنة اثنتين وستين فأذن له في العود للمملكة الحلبية بعد سعي شديد أو في الرجوع لمصر ، فاختار بلده فأقام بها دون وظيفة لرغبته عن قضاء الحنفية فيها لابنه الكبير الأثير من مدة ، وأضيف حينئذ قضاء الشافعية بها لحفيده الجلال أبي البقا محمد لمزيد تضررهم بمن كان يكون فيه كالشهاب الزهري ونحوه مما أظن تسليطهم عليه انتقاما من الله عزوجل بما عمله هو مع البرهان السوبيني ذاك العبد الصالح حسبما سمعته يتبجح بحكايته غير مرة ، فلم يزل مقيما بها إلى أن ورد الخبر بموت الجمال فبادر لقدوم القاهرة فوصلها في يوم الجمعة رابع جمادى الأولى من التي تليها ، فأعيد إلى كتابة السر أيضا ببذل يفوق الوصف بعد صرف المحب ابن الأشقر ، واستقر بحفيده لسان الدين أحمد في نيابتها ، ولم يلبث أن مات ابن الأشقر وباشر حينئذ مباشرة حسنة على الموضع بأبهة وضخامة وبشاشة وسار مع الناس سيرة مرضية بلين ورفق وتواضع ومداراة وأنزل الناس منازلهم وصرف الأمور تصريفا حسنا وأقبل عليه الأشرف إينال إقبالا

٣٠٢

حسنا ، ثم كان هو المنشىء لعهده في مرض موته لولده أحمد الملقب بالمؤيد إذ بويع فأبلغ حسبما أوردته في ترجمته من الذيل وغيره ، ولم يعدم مع ذلك من كلام كثير بحيث خاض الناس في تطيره من النور الأنبابي والبرهان الرقي ورغبته في زوالهما بما لم أثبته ، واستمر إلى أن استقر في قضاء الحنفية بعد ابن الديري وظن جمعه له مع كتابة السر وإذعانهم لما أظهر التعفف باشتراطه ، فخاب رجاؤه حيث انفصل عنها بأخي المنفصل ، وناكده في القضاء أتم مناكدة وظهرت بركة المنفصل فيهما معا لانفصال الأخ ثم القاضي قبل استكمال عشرة أشهر ، ومات المستقر عوضه بعد خمسة أشهر فأعيد وألزم بالحج ، فسافر وهو متلبس بالقضاء مظهرا التكلف لذلك وأمير ركب الأول حينئذ الشرف يحيى بن يشبك الفقيه زوج ابنته ، وعاد فدام في القضاء حتى صرف ثم أعيد ثم صرف ولم يتول بعدها ، نعم استقر في مشيخة الشيخونية تصوفا وتدريسا مضافا لما كان استقر فيه في أثناء ولايته القضاء من تدريس الحديث بالمؤيدية.

ورام حوز جهات كثيرة في الديار المصرية كما فعل في المملكة الحلبية فما قدر ، فإنه استنزل لنفسه عن تصوف بالأشرفية برسباي ولولده الصغير عن إعادة بالصر غتمشية لمناكدة ابن الأقصرائي في مشيختيهما ، وزوج الابن أيضا بابنة العضدي الصيرامي ليتوصل بها لمشيخة البرقوقية بعد أن رام تزويجه بابنة البدر ابن الصواف ليحوز أمواله وغيرها ، وأكثر من التسليط على خازن المحمودية لينزل له عنها فما سمح عن عزل نفسه عن النيابة لينقطع حكمه فيه. وقال لي من خير : وتلطف حين كان كاتب السر بالبدر ابن شيخنا ورغبة في الوقوف به إلى السلطان ليعيد له مشيخة البيبرسية ويستردها من ابن القاياتي بشرط رغبته له عنها بعد العود ، فامتنع وأبرز بعد موت ابن عبيد الله نزولا منه بسائر ما معه من تدريس ومشيخة وغير ذلك فلم يصل لشيء مما ذكر ، بل دندن بالأمين الأقصرائي لتخرج وظائفه عنه في حياته حتى ظفر بإجازة بخطه زعم أن فيها ما يدل على اختلاله وصار يقول : قد أخرجت الشيخونية عن فلان حين بلغ لنحو هذا الحد ويأبى الله إلا ما أراد (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ)(١). وتوسع في التلفت للوظائف ولو لم تكن جليلة حتى إنه سعى فيما كان باسم البدر الهيتي من تصرفات وأطلاب ونحوها مع كونه ترك أبا شيخا كبيرا من قضاة الشرع ، واستكتب ناظر البيبرسية والسعيدية على وظائف الشهاب

__________________

(١) النور : ٤٠.

٣٠٣

الحجازي فيهما في مرض كان يتوقع موته فيه ، ثم نزل عنهما بخمسين دينارا وناله الشهاب لذلك كثيرا ، وما كان بأسرع من عافيته وبقائه بعد ذلك نحو سنتين.

وكثيرا ما كان يجتهد في السعي فيما لم يستحقه ثم يرغب عنه لمن ليست فيه أهلية كما فعل في تدريس الحديث بالحسينية. وأما أخذه المرتبات في أوقاف الصدقات ونحوها كالسيفي والمخاصمة على أخذه قبل المستحقين فأمر واضح ، وكذا الاستنابة عن القضاة الشافعية في كثير من البلاد كالشرقية والمنية وغيرها من القليوبية ونحو ذلك وتعاطيه من النواب عنه فيها ما يحاققهم عليه ويتلفت فيه إلى الزيادة بحيث يضج النواب ويسعون في إخراجها عنه ، فأخرجت الشرقية للنور البلبيسي والمنية لابن قمر ففوق الوصف ، وتوسع في إتلاف كثير من أموال الناس بعد إرغابه حتى إقراضه منهم بأعلى الربح عند المطالبة يبدو منه من الإهانة له ما لم يكن لواحد منهم في حساب. ومن ذلك فعله مع ابني أبي شريف وابن حرمي وابن الطناني وابن المرجوشي وابن بنت الحلاوي ومن لا أحضرهم سيما من أهل البلاد ، والأمر في كل ما أشرت إليه أشهر من أن يذكر ، ولو أطعت القلم في هذا المهيع لامتلأت الكراريس. وبالجملة فهو فصيح العبارة ، غاية في الذكاء وصفاء القريحة ، بديع النظم والنثر سريعهما ، متقدم في الكشف عن اللغة وسائر فنون الأدب ، محب في الحديث وأهله إلا حين وجود هوى غير متوقف فيما يقوله حينئذ ، شديد الإنكار على ابن عربي ومن نحا نحوه ، نهاية في حلاوة المنطق وحسن العشرة والصحبة واستجلاب الخواطر ، مائل إلى النكتة اللطيفة والنادرة ، راغب في الكمالات الدنيوية وأنواع الشرف والفخار ، منصرف الهمة فيما يتوصل به لذلك ، عظيم العناية في تحصيل الكتب ولو بالغصب والجحد حتى كان سببا في منع ابن شيخه البرهان إعارة كتب أبيه أصلا إلا في النادر خوفا منه كما صرح لي به ، وصار هو يذكره بالقبيح من أجل هذا ، ولقد توسل بي عنده القاضي علم الدين في رد ما استعاره منه وخازن المحمودية وغيرهما مع ضياع شيء كثير لي عنده وعند أصغر ابنيه إلى الآن ، وكذا أخذ للسنباطي أشياء وجحد بعضها ، هذا وهو لا يهتدي للكشف من كثير منها ولا يعير منها إلا لمن له شوكة. بهي المنظر حسن الشكالة والشيبة ذو نفس أبية وهمة علية ورياسة وكياسة وتهجد فيما حكى لي وصبر على المحن والرزايا وقوة جاش ومبالغة في البذل ليتوصل به إلى أغراضه الدنيوية بحيث يأتي ذلك على ما يتحصل له من جهاته التي سمعته يقول إنها سبعة آلاف دينار في كل سنة ، يستدين

٣٠٤

بالفوائد الجزيلة ثم يثقل عليه الوفاء كما أشرت إليه قريبا ، ولا يزال لذلك يتشكى حتى إن العلم ابن الجيعان يكثر تفقده له بالمبرات مع كونه رام مناطحة العلم فخذل ، وكذا أسعفه الدوادار الكبير مرة بعد أخرى. وأما الزين ابن هرمز فلم يزل يتفقده حتى بالطعام مع مزيد جنايته عليه حتى مواجهة ومشافهة ، على أن العز الحنبلي لم يكن يقبل منه شكواه ولا دعواه ويقول بل هو كثير الأموال. ورغبة في الانتقام ممن يفهم عنه مناوأة أو معارضة ما بحيث لا يتخلف عن ذلك إلا عند العجز ويصرح بما معناه اثبت إلى أن تجد مجالا فدق وبت. ويحكى عنه في الاحتيال على الإتلاف مالا أثبته ، ومنه ما حكاه لي الزين قاسم أنه دس عليه من وضع في زيره شيئا بحيث خرج على بدنه ما كاد أن يصل إلى حد الجذام ونحوه. كثير التأنق في ملبسه ومسكنه وسائر تمتعاته ، وهو بالمباشرين أشبه منه بالعلماء كما صرح به له غير مرة الكافياجي (شيخ الجلال السيوطي) بل والعز الحنبلي ولم يكن يقيم له وزنا في العلم كما سمعته أنا وغيري منه. وما وجد بخطه في المائة التاسعة له من ترجمته له فيما قلدني فيه قبل أن أخبره بما قلدت فيه بعضهم على ما يشهد به خطه الذي عندي. وقال له المناوي : كيف يدعي العلم من هو مستغرق في تمتعاته وتفكهاته ويبيت في لحف النساء ليله بتمامه ، العلم له أهل.

والكلام فيه كثير جدا لا أقدر على حكايته ، وعلى كل حال فمجموعه حسن الظاهر ، ولهذا كان شيخنا يميل إليه خصوصا مع رغبته في تحصيل تصانيفه ، وكذا لم أزل أسمع من صاحب الترجمة الهمار (هكذا ولعله الهماز) (١) محبته ولكن مع إدراج أشياء تلمح فيها بشيء ، ثم رأيته ترجمه في مقدمة شرحه للهداية بقوله : وكان كثير التبكيت في تاريخه على مشايخه وأحبابه وأصحابه سيما الحنفية فإنه يظهر من زلاتهم ونقائصهم التي لا يعرى عنها غالب الناس ما يقدر عليه ، ويغفل عن ذكر محاسنهم وفضائلهم إلا ما ألجأته الضرورة إليه ، فهو سالك في حقهم ما سلكه الذهبي في حقهم وحق الشافعية حتى قال السبكي :

إنه لا ينبغي أن يؤخذ من كلامه ترجمة شافعي ولا حنبلي ، وكذا يقول في شيخنا رحمه‌الله إنه لا ينبغي أن يؤخذ من كلامه ترجمة حنفي متقدم ولا متأخر ، وكل هذا ليس بجيد ، ولقد جرح هذا الكلام لما وقفت عليه قلبي ، وما حمله عليه إلا ما قاله في أبيه ، وشيخنا

__________________

(١) في الضوء اللامع : إظهار.

٣٠٥

هو العمدة في كل ما يبينه من مدح وقدح ، وهو في الدرجة التي رفعه الله إليها في الاقتداء والاتباع والخروج عن ذلك خدش في الإجماع.

إذا قالت حذام فصدقوها

فإن القول ما قالت حذام (١)

ولو أعرض عن هذا وكذا عما أشنع منه في حق غير واحد كالذهبي مؤرخ الإسلام ومن قبله الخطيب الذي الناس بعده في هذا الشأن عيال على كتبه ، وكالحنابلة حيث قال فيما سمعته منه : في كتب أصحابنا أنه تعقد عليه الجزية في ألفاظ كثر دعاء العز الحنبلي عليه بسببها بل سأل فيه من يتوسم استجابة دعائه ، وزاد صاحب الترجمة حتى دندن بالبخاري إلى غيرهم مما أتألم من حكايته فضلا عن إيراده بعبارته لكان كالواجب ولسلم من المعاطب ، وطالما خاض في كثير من أنساب الناس وكونهم غير عريقين في الإسلام ، وهذا لو كان صحيحا كان ذكره قبيحا.

وقد صار ابنه الصغير مع أحواله الظاهرة وخصاله المتنافرة المتكاثرة يقتفي أثر والده في ذلك ويتكلم في الكبار والصغار بكلام قبيح بعضه عندي بخطه. وفي سنة تسع وتسعين نسب إليه وصف البلقيني الكبير وولده بالعامية ، فاستفتى حفيده الناس في ذلك فاتفقوا على استحقاقه التعزير البليغ ، وصرح بعضهم بالنفي وعدم القبول منه لتوجيه ذلك بكون من لم يكن مجتهدا هو عامي نسأل الله السلامة.

وقد امتدحه للتعرض لنائله فحول الشعراء كالنواجي ، وسمعته يقول له في ولايته الأولى لكتابة السر مما سلك في مسلك غالب الشعراء : والله لم يلها بعد القاضي الفاضل مثلك وابن أبي السعود. وكان مغتبطا بكثرة محاضرته مرتبطا بفنائه وساحته ومن يليهم كالبرهانين المليحي والبقاعي ، واضطرب أمره فيه كعادته في السخط والرضى ، فمرة قال إنه أعظم رؤوس السنّة ، ومرة قال : كل شيء رضينا به وسكتنا عنه إلا التعرض للبخاري ، ومرة قال ما سلف في فعله مع التيزيني ، ومرة قال حسبما قرأته بخطه مما وقف عليه المحب :

إن كان نجل شحنة في نحسه

قد جاء بالثقيل والخفيف

فإنه المظنون فيه إذ أتى

إنذار خير الخلق من ثقيف

__________________

(١) البيت للجيم بن صعب ، وحذام امرأته.

٣٠٦

وغيره فقال :

إن كان نجل شحنة في قوله

كذب ومنه الوعد في تخليف

فإنه المظنون فيه إذ أتى

إنذارنا من كاذبي ثقيف

وقال أيضا :

لا بدع لابن شحنة إن فاق في

كذب وبهتان له منيف

فإن خير الخلق قد أنذرنا

من كاذب يكون في ثقيف

وقال أيضا :

لا بدع إن كان المحب وفى (١)

بكذبه والصدق في تطفيف

إلى غير هذا مما أردت به إظهار تناقض قائله مع جر الأذى للمحب من قبله مرارا. ولكن الجزاء من جنس العمل ، فطالما نال من الزين قاسم بحيث انتصر له في بعض الأوقات العز الحنبلي مع ما له عليه من حق المشيخة وغيرها ، بل قيل إنه دس عليه كما تقدم ونحوه ما اتفق له مع ابن عبيد الله مع مزيد انتفاعه بسعيه ومع تحصيله ، ومع الأمشاطي مع مزيد ترقيع خلله ودفع علله عند الأمراء وغيرهم من ذوي الحل والعقد ، ومع ابن قمر مع تحصيله له نفائس الكتب وتقديمه له فيها على نفسه ، ومع أبي ذر ابن شيخه مع ما لأبيه عليه من الحقوق ، ومع ابن أبي شريف مع قيامه على والده حتى أقرضه مبلغا لم يصل إلى كماله ، ومع الزين ابن الكويز والعز الفيومي وغيرهم ممن تطول الترجمة بهم ، حتى وصل إلى الزين مزهر الذي لولاه لأخرجوه من الديار المصرية على عوائدهم في أسوأ حال ، فإنه شافهه وقد حضر عنده لجنازة بما لا أحب إثباته.

وأما كاتبه فقد كان المناوي يتعجب من مساعدته له في الأمور التي كان يقصده بالتخجيل فيها ويصرح بذلك لبعض أخصائه ، وربما وصفه بأنه شيخه. ونحوه قول ابن أقبرش مشافهة : رأيتك عند ابن الشحنة كثيرا ، فهل تشحن منه أو يشحن منك إلى غير هذا مما بسط ، ومبالغته في الثناء والمحبة والتعظيم والوصف بأعلى الأوصاف في محل آخر مع ضده.

__________________

(١) لعل الصواب : قد وفى.

٣٠٧

وقد حدث ودرس في الفقه والأصلين والحديث وغيرها ، وأفتى وناظر وصنف ومن تصانيفه شرح الهداية كتب منه إلى آخر فصل الغسل في خمس مجلدات أو أقل ثم فتر عزمه عنه (١) ، ومنها مما تضمنته مقدمة عدة مختصرات في أصول الكلام وأصول الفقه وعلوم الحديث وسماه «المنجد المغيث في علم الحديث» ، و «المناقب النعمانية» ، ومنها مما هو مفرد بالتأليف كالكلام على تارك الصلاة ، وسيرة نبوية ، واختصار المنار وسماه «تنوير المنار» واختصار النشر في القراءات لابن الجزري والجمع من العمدة (٢) ويقول العبد في قصيدة بزيادات مفيدة ، واستيعاب الكلام على شرح العقائد ولكنه لم يكمل ، وكذا الكلام على التلخيص ، وشرح مائة الفرائض من ألفية أبيه ، وترتيب مبهمات ابن بشكوال على أسماء الصحابة وقال إن شيخه البرهان أشار عليه به وإنه كان في سنة ست وعشرين ، وطبقات الحنفية في مجلدات ، وغير ذلك من نظم ونثر (٣).

وخرجت له أربعين حديثا عن شيوخ فيهم من روى عنه سمعها عليه مع غيرها من مرويات ، بل وقطعة من القاموس للمقابلة الفضلاء ، وكذا قرأ عليه أخي بعض الأجزاء ومجالس من تفسير ابن كثير. وكان ابتداء لقيي له في سنة اثنتين وخمسين. وكتب عنه من أصحابنا النجم ابن فهد وأورده في معجمه ، وقرأ عليه الجمال حسين الفتحي وآخرون.

ولزم بعد عزله الأخير من القضاء وذلك في يوم الخميس حادي عشر جمادى الأولى سنة سبع وسبعين منزله غالبا ، وربما طولب بشيء من الديون وقد يشتكي إلى أن استقر في الشيخونية وذلك في يوم الخميس ثامن عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانين فصار يركب لمباشرتها تدريسا وتصوفا. ثم تزايد ضعف حركته فاستخلف ولده فيها وفي المؤيدية وتوالت عليه الأمراض بحيث انقطع عن الجمعة واستمر على ذلك مدة طويلة بما يقرب من الاختلاط ، إلى أن مات في يوم الأربعاء سادس عشر المحرم سنة تسعين وصلي عليه

__________________

(١) سماه «نهاية النهاية» كما في الكشف ، توجد مسودته في مكتبة المدرسة الأحمدية بحلب والجزء الأول في مكتبة داماد إبراهيم باشا ورقمه ٥٨٦.

(٢) في الضوء اللامع : والجمع بين العمدة.

(٣) وذكر له في الكشف من المؤلفات منظومة في الصلاة الوسطى في خمسة أبيات جمع فيها الأقوال ، وهي قصيدة عينية ثم شرحها وجعله كتابا. وقال في الكلام على منظومة النسفي في الخلاف : اختصر النظم أبو الوليد ابن الشحنة الحلبي المتوفى سنة ٨٩٠ مع زيادة مذهب الإمام محمد.

٣٠٨

من يومه برحبة مصلى باب النصر في مشهد متوسط ثم دفن في تربة في نواحي تربة الظاهر برقوق وذمته مشغولة بما يفوق الوصف. وقد بسطت ترجمته في الذيل على القضاء وغيره بما يضيق المحل عنه رحمه‌الله وإيانا وعفا وأرضى عنه أخصامه.

ومما كتبته عنه قصيدة نظمها وهو بالقدس أولها :

قلب المحب بداء البين مشغول

كما حشاه بنار البعد مشعول

وطرفه الليل ساه ساهر زرب

فدمعه فوق صحن الخلد مسبول

وله مما يقرأ على قافيتين :

قلت له لما وفى موعدي

وما لقلبي لسواه نفاق

وجاد بالوصل على وجهه

حبي سما كل حبيب وفاق

وترجمة الحنبلي في «در الحبب» وهو جد والده لأمه ، كما ذكره في ترجمة شمس الدين ابن آجا المتقدمة فقال بعد سرد نسبه : والشحنة كما قال ابن حجر في إنبائه هو جده محمود الأول وليس مراده به ولد غازي على إرادة الأول في العبارة عند سرد رجال النسب بل ولد ختلو الأول في الوجود ، فقد ذكر صاحب الترجمة في شرحه على المائة الفرضية التي لوالده أن الشحنة صفة لجد جد جد والده فاشتهر أولاده بها.

قال : والشحنة في اللغة عبارة عن النائب الكافي ، ومنه استعير لعلي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه شحنة النجف ، وفي البلد من فيه الكفاية لضبطها من جهة السلطان ، إلى أن نقل عن الصاحب كمال الدين بن العديم أنه قال في ترجمته : الأمير حسام الدين شحنة حلب ، كان في شبابه ينوب في الشحنكية بحلب ، ثم استقل بها في أيام الملك الصالح إسماعيل ابن زنكي ، وبعده ، وبنى مدرسة لأبي حنيفة (١) وإلى جانبها مسجدا لله تعالى ووقف وقفا على الصدقة وفكاك الأسرى. وعلت سنه حتى قبل إنه جاوز المائة ، وقد ناوله كاتبه كتابا كتب عنه ليعلم عليه فتناوله ويده ترتعش ، فأنشد لبعضهم (٢) حيث قال :

__________________

(١) هي تحت القلعة في الجهة الغربية منها وقد تقدم الكلام عليها في الجزء الرابع [ص ٣٧٤] وقلت ثمة إني لم أقف له على ترجمة ، ثم وجدتها هنا لكنه لم يذكر تاريخ وفاته وهي في نواحي سنة ٦٣٠.

(٢) هو أسامة بن مرشد صاحب شيرز. انظر ترجمته في الرابع [ص ٢٦١].

٣٠٩

فاعجب لضعف يدي عن حملها قلما

من بعد حطم القنا في لبة الأسد

وقل لمن يتمنى طول مدته

هذي عواقب طول الدهر والمدد

هذا ما نقله قاضي القضاة المترجم له عن الكمال بن العديم في الشرح المذكور.

وبما علمت من معنى الشحنة ظهر أن الشحنة في عرف هذا الزمان الذي نحن فيه إنما يطلق على من يرسل من آحاد الناس إلى ضيعة لضبط غلة تكون فيها أخذا من الشحنة بذلك المعنى ، ولمثل هذا تسمى حرفته هذه شحنكية. وتبين أيضا أن بني الشحنة لا ينتسبون إلى من هو شحنة بهذا المعنى وإن قال بعض الشعراء حيث قال :

قل للذين قايسوا شهباءهم

بجلّق وقد غدت كالجنة

لو لم تكن شهباؤكم كجنة

ما جعلت من تحت أمر الشحنة

وقرأت بخط الشيخ أبي ذر في تاريخه ما نصه : قال ابن الجوزي : الشحنة بكسر الشين والعامة تفتحها وهي غلط ، قال شيخنا : وهو اسم للمرابط من الجند في البلد من أولياء السلطان لضبط أهله وليس باسم الأمير والقائد كما يذهب إليه العامة ، والنسبة إليه شحني وشحنية ، ولا تقل شحنكية ، وهذه الكلمة غريبة صحيحة واشتقاقها من شحنة البلد بالجند إذا تولى به. انتهى.

ولد صاحب الترجمة بحلب سنة أربع وثمانماية فأنشد والده لما بشر به قائلا :

بشرتني بغلام

حسن الوجه وسيم

قلت عزّي لا تهنّي

ولد الشيخ يتيم

وقرأت بخط ابن السيد منصور مما وجدته ملحقا بتاريخ شيخه الشيخ أبي ذر ما نصه : ورأيت في بعض المجاميع أن في (تاريخ إربل) (١) في ترجمة يحيى بن سعيد الدهان أنه لما بشر به أبوه وقد أيس قال :

قيل لي جاءك نسل

ولد شهم وسيم

قلت عزّوه بفقدي

ولد الشيخ يتيم

__________________

(١) هو «نباهة البلد الخامل بمن ورده من الأماثل» لأبي البركات مبارك بن أحمد المتوفى سنة ٦٣٧ ه‍.

٣١٠

ثم ذكر الرضي الحنبلي تاريخه «نزهة النواظر في روض المناظر» وتكلم عليه وقد ذكرنا ذلك في المقدمة. ثم قال : وكانت وفاته بالقاهرة سنة تسعين وثمانماية بعد ما كان الأشرف قايتباي قد نفاه إلى القدس في سنة سبع وسبعين وثمانماية ، فكتب إليه من شعره يقول هذه الأبيات :

يا مالكا هو في سلطانه قدم

ومن على كل سلطان له قدم

لله في الناس قوم يرحمون وهم

خدام علم لهم في درسه قدم

ومعشر من ذوي الهيئات عثرتهم

تقال بالنص إذ زلت به قدم

فكيف من جميع الوصفان فيه وقد

رماه بالإفك أعداء له قدم

قال : ومن شعره :

سلوا عن مخبات الرجال قلوبكم

فتلك شهود لم تكن تقبل الرشا

ولا تسألوا عنها العيون فربما

تشير إلى ما لم يكن داخل الحشا

أقول : أستفيد من كلام السخاوي أن المترجم كان منهمكا في الدنيا متهافتا عليها جماعة للمال وذا ثروة طائلة وأملاك واسعة ، إلا أنه لم يذكر ما وقفه من أملاكه على ذريته وفي سبيل الخيرات ، وقد عثرت على وقفيته على نفس النسخة المحررة في زمنه وقد أبقتها أيدي الزمان إلى الآن ، وجدتها عند بني الموقع وهي محررة سنة ٨٥٤ ، ثم زاد في هذا الوقف سنة ٨٧٧ ، ولو ذكرنا جميع ما وقفه لطال الشرح لأنه شيء كثير في أماكن متعددة داخل الشهباء وخارجها ، وفي معاملاتها مما يبلغ الآن الألوف من الدنانير ، ولكنا نقتصر على ما كان موجودا تحت القلعة وفي المكان المعروف بسوق الجمعة ليعلم ما كان هناك من العمران.

قال ما خلاصته أنه وقف جميع الدار الكبرى المشتملة على ما هو معروف بسكنه وسكن والده وما أضافه إلى ذلك الواقف من الدور والأحواش والقاعات والجنينة والبحرة والإصطبلات ذلك جميعه بحلب تجاه قلعتها ومما اشتملت عليه الدار الكبرى المذكورة أعلاه قاعة كبرى وقاعتان صغيرتان ومطبخ وحوش وإصطبل وحوش به مربع كبير وجنينة بها بحرة كبيرة وإيوان به قبب وغير ذلك ، حد ذلك جميعه من القبلة المدرسة الأتابكية ، ومن الشرق الطريق السالك والمسجد المعروف بمسجد عنبر ، ومن الغرب درب يعرف بالملك

٣١١

الحافظ قديما وجميع الدار الملاصقة للقاعة المذكورة من جهة الشمال والغرب ، ومن الشرق درب الملك الحافظ ، ومن الشمال بيت ابن كرجي ، ومن الغرب بيد الخطاي وشاهين السيفي قانيباي الحمزاوي ، وجميع الحمّام الذي أنشأه الواقف بالحضرة المذكورة ملاصقة لبحرة والده وجميع الحوش الملاصق للحمّام والبحرة المذكورة ، حد ذلك من القبلة حوش لطيفة من إنشاء والد الواقف وإلى جانبه المدرسة الأسدية المذكورة وتمام ذلك المدرسة الأسدية وحوش لطيف داخل في الوقف ملاصق للحوش الذي به المربع الكبير المختص بالقاعة الكبيرة.

أقول : إن هذه الأماكن قد دخلت في بناء المدرسة الخسروية وقد ذكرنا ذلك في الكلام عليها في الجزء الثالث في (ص ١٥٧).

ومما وقفه جميع السوقين العامرين الكائنين تحت القلعة الملاصق القبلي منها لسوق تغري ويرمش نائب حلب (بالقرب من جامع الأطروش) والشمالي لظهور حوانيته التي توجه شرقا إلى سوق تحت القلعة. ثم ساق بقية حدود هذين السوقين ، ومما وقفه جميع الخان العامر الذي أنشأه الواقف (١) داخل باب قنسرين تجاه دار الشفا وستة قراريط ونصف قيراط من الطاحون المعروف بطاحون عريبة ، ومما وقفه جميع الحصة الشائعة وقدرها قيراطان من أصل ٢٤ قيراطا هي جميع القرية وأراضيها المعروفة بإدلب الكبرى من الغربيات مضافات حلب حدها من القبلة أراضي قرية إدلب الصغرى ومن الشرق أراضي قريتي بطما وبهوذا.

الكلام على درب المرمى تحت القلعة :

تتمة للفائدة نذكر درب المرمى وهو من الدروب التي كانت تحت القلعة.

(قال أبو ذر) : هو الدرب الآخذ من حمّام الذهب (التي لم تزل موجودة إلى الآن) إلى ناحية القلعة ، وقد بلطه الظاهر غازي ، ويعرف الآن بزقاق المبلّط ، ببلاط أسود وغرم عليه أموالا عظيمة ، وبأوله حمّام الذهب وهي وقف على الفقراء. وهذا الوقف منسوب إلى إيدغدي ومعه حصص في قرى منها حصة بقرية كفر كرمين إلى جانب

__________________

(١) قدمنا في الجزء الرابع [ص ٢٢٩] أنه من بناء القاضي كمال الدين المعري ، فيظهر أنه لم يكمل واشتراه المترجم وأكمله ووقفه.

٣١٢

الأثارب. ثم ذكر أبو ذر ما آل إليه أمر هذا الوقف. وهذه الحمّام في حوزة دائرة الأوقاف الآن.

٦٤٣ ـ أبو البقا محمد بن الشحنة المتوفى سنة ٨٩٢

محمد بن محمد بن محمد قاضي القضاة جلال الدين أبو البقا ابن قاضي القضاة أثير الدين ابن قاضي القضاة محب الدين أبي الفضل ابن الشحنة الشافعي.

ولد بحلب في مستهل ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين وثمانماية وبها نشأ ، وحفظ المنهاج وبحثه وكتب الخط الحسن.

وكان جده ينسب إلى العقل والحشمة والمعرفة ومعاشرة الناس.

وخطب بحلب استقلالا خطبا بليغة وصلى بجامعها الكبير التراويح بالقرآن كله.

قال الشيخ أبو ذر المحدث : وكانت ليلة الختم ليلة عظيمة مشهودة لم ير في حلب مثلها ، ومشى الأمراء والفقهاء وأرباب الوظائف في خدمته ، وكان فيها من الشمع والفوانيس مالا يحصى كثرة. قال : وفي جمادى الأولى في سنة اثنتين وستين وثمانمائة ولي القضاء عن التاج الكركي ، انتهى كلامه.

ثم بلغني أنه استقر في قضاء الشافعية بحلب أيضا في حادي عشر رجب سنة أربع وثمانين عوضا عن العز الحسفاوي بعد أن رفع العز إلى قلعتها ، فكان رفع العز في رفع العز ، فباشر منصبه هذا بجلالة وشهامة وأبهة زائدة ، وأقبلت عليه الدنيا إقبالا زائدا ، وكان أول قاض شافعي من بنى الشحنة ، وكان له من قايتباي الأشرفي منزلة بحيث لم يأخذ منه مدة ولايته ما كان يأخذه من قضاء الشافعية عادة إلى أن أخذ في المصادرات ، فطلب جدي الجمال الحنبلي إلى القاهرة بنية المصادرة أولا ، فبعث جدي للجلال رسولا يطلب منه كتابا على لسانه لبعض أركان الدولة بمساعدة جدي عند قايتباي ، فطلب منه فأجابه جوابا واهيا لما كان عنده من نوع بغض لجدي مع كون جدي زوج أخته ، ثم لما خرج الرسول غير بالغ منه السول قال للحاضرين : إذا كان للإنسان عدو وقد رآه غرق في الأرض إلى نصفه فليحذره ، وكذا إلى كتفه فإذا رآه غرق إلى عنقه فليطأه برجله ليغرق جميعه. فورد بعض الحاضرين على جدي وأخبره بما قال فلم يعد إلى طلب الكتاب منه ، وتوجه إلى القاهرة

٣١٣

فكان في اعتقال المصادرة ، وإذا بالجلال قد طلب إليها كما طلب جدي إليها ، وإذا به قد دخل على قايتباي فابتدره قائلا : مرحبا بخليفة بلاد الشمال ، فخرج من عنده وهو مقطوع الظهر فما وصل إلى منزله إلا وطلب منه قدر جمّ من المال ، فدفعه فطلب منه قدر آخر ، فلم يلبث قليلا أن مات يوم الجمعة عاشر شوال سنة اثنتين وتسعين وثمانماية. فبلغ جدي ذلك فأسف عليه مع ما كان صدر منه. وخرج من محل الاعتقال بالإذن لزيارة قبره متذكرا قصة من غرق في الأرض وأنشد متمثلا :

لئن أخليت فيك اليوم أنسي

فما أنا فيك من أسف خليّ

عصاني الصبر بعدك وهو طوعي

وطاوع بعدك الدمع العصيّ

وكان القاضي جلال الدين ممن أجاز له ذو السند العالي الشيخ محمد بن مقبل ابن عبد الله المؤذن بالجامع الكبير بحلب باستدعاء الشيخ أبي ذر بن الحافظ برهان الدين الحلبي.

وقال السخاوي في الضوء في ترجمته : نشأ حنفيا فحوله جده عن مذهبهم وأضافه للمذهب الشافعي ليكون قاضي حلب ويستريح من مناكدة قضاة الشافعية لهم ، فأجيب واستقر بالقضاء بها سنة ٦٢ إلى أن قال : وقدم القاهرة قبل ذلك وبعده مرارا إلى أن كانت منيته بها سنة ٩٢ ودفن بتربة جده. وهو من سمع مني الحديث في بيت المقدس حين كان مع جده فيه على الجمال ابن جماعة والتقي القلقشندي وغيرهما.

٦٤٤ ـ إبراهيم بن الحسن الرهاوي المحدث المتوفى سنة ٨٩٤

إبراهيم بن الحسن بن عبد الله الرهاوي ثم الحلبي الشافعي المعروف بالشيخ برهان الدين الرهاوي.

ولد بالرها سنة خمس وثمانماية ، وقدم حلب فسمع بها على حافظها البرهان سبط ابن العجمي والحافظ ابن حجر حين قدم حلب وصار موقعا بباب قاضي القضاة علاء الدين ابن خطيب الناصرية ثم بباب قاضي القضاة المحب أبي الفضل ابن الشحنة ، وناب في الحكم عن حفيده قاضي القضاة جلال الدين أبي البقاء الشافعي ، ثم أعرض عن النيابة ولزم صنعة الشهادة وكان بارعا فيها ، وحدث بحلب حتى سمع منه والدي وشقيقاه وجدتي أمامة وعمتي فاطمة. توفي في الثامن والعشرين من ذي الحجة سنة أربع وتسعين ا ه. (در الحبب).

٣١٤

٦٤٥ ـ إبراهيم السرميني كان حيا سنة ٨٩٥

إبراهيم بن حسين بن محمد بن حبيب البرهان ابن البدر السرميني الأصل الحلبي المولد والدار الشافعي ، ويعرف كسلفه بابن الحلبي.

مولده سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة بحلب ، ونشأ بها فحفظ القرآن وجوده في بلده على محمد بن علي المعرتمصريني نزيل حلب ويعرف بابن الدهن ، بل قرأ لعاصم وابن كثير على عمر الدركوشي الحلبي الضرير ، وبالقاهرة لأبي عمرو على عبد القادر المنهاجي الأزهري الشافعي ، وللسبع أفرادا على الزين جعفر السنهوري ، وحفظ جل الشاطبية ومن المنهاج إلى الفرائض ، وأخذ الفقه هناك عن البدر حسن السيوفي وعبد القادر بن الأبار وغيرهما ، وعن أولهما قرأ في العربية ، ثم قرأ فيها وفي الصرف على الشمس الدلجي الأزهري الشافعي ، وقرأ الورقات في أصول الفقه على الشهاب أحمد المسيري المحلي وحضر عند غيرهم قليلا.

وقدم القاهرة غير ما مرة مع أبيه ثم مستقلا في التجارة ، وسمع الحديث على جماعة بملاحظة فقيهه عمر التتائي ، بل قرأ على الديمي البخاري وعليّ صحيح مسلم ولازمني في غير ذلك سنة خمس وتسعين وثمانمائة ا ه.

أقول : يظهر أن وفاته في أوائل القرن العاشر ، ولم يترجمه في در الحبب.

٦٤٦ ـ يوسف الجمال ابن النحريري المتوفى سنة ٨٩٦

يوسف الجمال [أي جمال الدين] ابن النحريري الحلبي قاضيها المالكي ، ممن كان يتناوب في السعي فيه هو وابن جنغل إلى أن وافقه ذاك على تقرير قدر يومي يدفعه له بشرط إعراضه عن السعي وترك المنصب له ، واستمر حتى مات مقلا في أواخر سنة ست وتسعين مصروفا. وكان يكثر القدوم إلى القاهرة ، وربما يتردد إليّ ، وكان مزري الهيئة مشاركا من بيت ا ه.

الكلام على جامع التوبة داخل باب الفرج :

قال أبو ذر : هذا الجامع كان برجا في قرنة سور حلب بين بابي النصر والفرج ، كان يذبح فيه أغنام البلد ، وكان يتأذى الناس من رائحته إذ هو غربي البلد ، فسعى العلامة

٣١٥

القاضي جمال الدين النحريري المالكي في فصل القضاة في إزالة المذبح منه وجعله جامعا تقام فيه الجمعة ، وعمر له مئذنة على السور فجزاه الله خيرا.

أقول : قرنة سور حلب التي هنا كانت واقعة أمام مدفن السهروردي الذي اتخذ الآن دائرة للبرق والبريد ، وقد أزيلت في نواحي سنة ١٣١٨ حينما فتحت الجادة هناك المعروفة بالخندق وأولها من هذه القرنة وتنتهي إلى تربة الجبيلة. وأما الجامع الذي ذكره أبو ذر فدثر قبل ذلك ولا أعلم متى كان ذلك.

٦٤٧ ـ عبد الرحمن العمادي المتوفى سنة ٨٩٧

عبد الرحمن بن محمد الشيخ زين الدين العمادي الشافعي والد شيخنا.

كان أحد المعيدين الأربعة بعصرونية حلب كما كانت سكناه بها ، وأما تدريسها فإنما كان في زمنه لقاضي الشافعية بحلب دونه. وكان عالما عاملا اشتغل بالعلم بالديار المصرية وكذا بالرومية ، فقد أخبرت أنه قرأ العقليات بها بمدينة بروسة وغزا بها غزوتين في دولة السلطان بايزيد بن عثمان. وكان من أصدقاء جدي الجمال الحنبلي فيما أخبرني البرهانان ولده ووالدي. توفي سنة سبع وتسعين وثمانماية ودفن بمقابر الصالحين بحلب ا ه (در الحبب).

٦٤٨ ـ الشيخ محمد أبو يحيى الكواكبي المتوفى سنة ٨٩٧

محمد بن إبراهيم الرحبي الأصل ثم البيري ثم الحلبي الأردبيلي الحنفي المشهور بالكواكبي لأنه كان في مبدأ أمره حدادا يعمل المسامير الكواكبية ، ثم فتح الله عليه فسلك طريق الصوفية وحصلت له شهرة زائدة حتى كانت الأمراء تأتي إلى بابه ، وربما رأوه في خلال الذكر فلم يجسروا عليه ووقفوا وهو لا يهتز لهم حتى يتم ذكره ، وربما كان يسير في طرقات حلب فيهتم الناس بتعظيمه وتقبيل يديه ومعه شخص من مريديه يقول : هذا صاحب الوقت.

وكان يسندون إليه الإنفاق من الغيب. [حكى] لنا شيخ شيوخ حلب الموفق بن أبي ذر المحدث أن واحدا من مريديه حكى لجده الشيخ أبي ذر أنه كان لجدي أثنا عشر درهما في كل يوم والذي ينفقه نحو الخمسين.

٣١٦

قيل : دخل على صاحب الترجمة أعجمي فرآه وعليه لباس لطيف فقال له الأعجمي : الدنيا والآخرة ضرتان لا يجتمعان ، فقال له : نعم إلا أن إحداهما أخذناها بالحلال والأخرى هي لنا في الأعقاب.

ولما كانت وقعة عسكر قايتباي وبايزيد بن عثمان على آذنة لم يخرج من حجرته ذلك اليوم على خلاف العادة ، فضبطوا ذلك اليوم فإذا هو يوم الوقعة. وكان قد شهدها من مريديه عشرة رجال منهم الشيخ محمد الخاتوني بواسطة أنه سئل في إرسال بعض مريديه مع الجيش تبركا بهم ، قيل : وكان الخاتوني أدناهم مرتبة. قيل : وكان صاحب الترجمة ذا حواجب عريضة مهابا ، مات سنة سبع وتسعين وثمانماية ودفن بجوار الجامع المعروف الآن بجامع الكواكبي بمحلة الجلّوم وعمرت عليه قبة من مال سيباي الجركسي كافلها. وكان يقول : سيظهر من أهل طريقنا واحد على خلاف طريق أهل السنة والجماعة ، فكان ذلك هو شاه إسماعيل الأردبيلي صاحب تبريز.

وكان أخذه للطريق عن الشيخ باكير المدفون ببيت المقدس عن الشيخ إبراهيم السبتي عن خوجه علي صاحب المزار المشهور ببيت المقدس عن أخيه خوجه صدر الدين الأردبيلي بسنده المشهور. وخوجه صدر الدين هذا هو جد شاه إسماعيل المذكور وجد الشيخ جنيد ابن سيدي علي بن خوجه صدر الدين المذكور ، وجنيد هذا هو الذي سكن كلّز من معاملة حلب وبنى بها مسجدا وحمّاما ، وكان للناس فيه اعتقاد عظيم بسبب أبيه وجده ، وكانوا يأتونه من الروم والعجم وسائر البلاد ، وكان على طريق الملوك لا على طريق القوم كما ذكره الشيخ أبو ذر في تاريخه إلى أن سكن جبل موسى عند أنطاكية هو وجماعته.

ونسب إليه أنه شعاشعي نسبة إلى محمد الذي ظهر بالجزاير وقتل الناس وحملهم على الرفض ونكاح المحارم وعرف بالشعشاع ، فعند ذلك ذهب الناس إليه وخرجوا إلى الجبل فاقتتل الفريقان فأسفرت الوقعة على قتلى منهما ، فتسحب إلى بلاد العجم ثم خرج على بعض ملوكها فقتله. قال الشيخ أبو ذر : وبعض أصحابه يدعي حياته ا ه. (در الحبب).

أقول : قدمنا ذكر حادثة الشيخ جنيد في أوائل الجزء الثالث في حوادث سنة ٨٦١.

وقال الشيخ أحمد الحموي العلواني في تائيته وشرحها المسمى «أعذب المشارب في

٣١٧

السلوك والمناقب» الذي فرغ من تأليفه سنة عشر وألف :

وكان على دين المحبة والتقى

محمد المشهور في حسن عزلة

كواكبه سارت على فلك ذكره

إليه تدلى الذكر من جد طينة

وذاك أبو يحيى الذي عاش طيبا

ومات على منوال أهل المحبة

الشيخ محمد الذي جده الكواكبي كان رجلا صالحا تقيا محبا العزلة والتفرد ، وكان له قلب طيب لا يفتر عن ذكر الله تعالى ، فقلوبنا دائمة الذكر ولو كنا سكوتا بالألسنة. وقال لي : قد مضت لناأوقات طيبة وصبيحات بذكر الله تلذذ القلب ، ولكن الهمم تقاصرت ، ولو عاملنا الفقراء بالطريق لفروا بالكلية. وكنت أسمع منه أخبارا وحكما وتربية تبرز منه وعليها كسوة حال ، فكنت أستدل بها على صحة قلبه رضي الله تعالى عنه ونفعنا ببركاته. ولو لم يكن من فضله إلا انقطاعه واختلاؤه مع الله لا ضرر ولا ضرار لكفاه. وكنت أرى منه أنه كان يكره المنكر ويثقل عليه الأمر المخالف للأدب والشريعة. وكان لا يشرب القهوة ، وكان يحكي لي عن رجل أنه رأى في المنام أن شرب القهوة يفرغ في أفواههم القطران المغلي ، وهذا يحمل على مزج شربها بمنكر كمن يشربها في بيوت القهوات من أيدي المرد مع التجاهر بالكلام المنكر وبذل الدراهم للمرد جهارا من غير مبالاة بدين الله بل يفتخرون بذلك ، فلقرنها بهذه الأفعال رأى من رأى ما رأى ، وإلا فعينها حل وشربها مباح ، فإن الأعيان إنما تحرم لإسكارها أو لضررها أو لنجاستها أو لكرامتها ، والقهوة ليست مسكرة ولا مضرة لا في البدن ولا في العقل ولا نجسة ولا مكرمة كالآدمي فإنه إنما حرم تناول لحمه لكرامته ، فالشيخ رضي‌الله‌عنه كان تركه لشربها من باب الورع ومجاهدة النفس عن ملذوذات الدنيا ، وهذا حال أهل الله تعالى.

وكنت أسمع منه أخبارا في فضل زيارة الأخوان والمتحابين في الله تعالى ، ولا شك في أن زيارة الأخوان وأهل الفضل والتحابب في الله من السنة.

(ثم قال) : ورأيت في إجازة رتبها الشيخ شهاب الدين [بن مهنا المذكور في الترجمة] أن الطريقة الكواكبية متصلة بالشيخ عبد القادر الكيلاني رضي‌الله‌عنه ، ولكن جرت العادة أن الطريق إذا ظهر فيه شيخ له قوة وإذن من الله نسب ذلك الطريق إليه ، فلقوّة الشيخ أبي يحيى الكواكبي نسب الطريق إليه فصار يقال الطريقة الكواكبية ، ومن فضل

٣١٨

هذا الشيخ الذرية الطيبة ونشر طريقه في حلب ، فإن غالب أهلها على حب طريقه فالحمد لله على فضله المنشور في عباده. انتهى.

أقول : إن المترجم لا زال قبره موجودا في الجامع وفوقه القبة التي تقدم ذكرها وقد عرف بجامع أبي يحيى الكواكبي ، وهو جد بني الكواكبي العائلة المشهورة بحلب ، وقبورهم في صحن هذا الجامع لكن درس بعضها. وهذا الجامع كما قال أبو ذر يعرف قديما بمسجد ضبيان ، قاله ابن شداد ، وكذا رأيت مكتوبا على بابه : عمر هذا المسجد الحاج ضبيان ابن بدران في سنة ثمان وعشرين وستماية. انتهى. وفي أيامنا جدد في هذا المسجد منبر وسدة وأقيمت فيه الجمعة. وله على بابه منارة قصيرة بعمارة واقفه ، ثم لما قدمت العساكر المنصورة حلب جدد له نائب صفد منارة ووسع فيه الشيخ محمد الحمصي مؤدب الأيتام زيادة كثيرة وصهريجا بجمع الماء العذب.

٦٤٩ ـ علي بن عمر بن جنغل المتوفى سنة ٨٩٧

علي بن عمر بن علي قاضي القضاة نور الدين ابن الفاضل أبي حفص زين الدين ابن جنغل ، بضم الجيم والمعجمة وسكون النون بينهما ، الحلبي المالكي آخرا الحنفي أولا كما كان والده.

كان ذا ثروة زائدة ودنيا عريضة بواسطة زوجته أخت الخواجا عبد القادر البغدادي الحريمي تاجر الخاص الشريف السلطاني الظاهري برسباي الذي كتبت له في دولته مسامحة بعام ثمان وتسعين وسبعماية متضمنة لمسامحته مما يجب عليه من الحقوق الديوانية والطرقات المصرية والبلاد الشامية ، وأن لا يطالب بحق من الحقوق ولا بمقرر من المقررات صادرا وواردا. وقد أوقفني قاضي القضاة عفيف الدين ولد قاضي القضاة نور الدين على المسامحة المذكورة ملمعة بالذهب والمداد الأسود ، وأخبرني أن جانبا من دورهم هذه المجاورة لخان أبرك بحلب كان دور الخواجا عبد القادر المذكور انتقلت إلى والده القاضي نور الدين من بعده. وأوقفني على توقيع والده بقضاء المالكية بحلب من قبل السلطان إينال فإذا صدره بعد البسملة : الحمد لله الذي جعل نور هذا الدين عليا وأيد شريعته المطهرة بمن رقي بعلمه سموّا وأصبح للوصيّ سميّا ، وتاريخه سنة ثلاث وستين وثمانماية.

توفي قاضي القضاة نور الدين سنة سبع وتسعين وثمانماية ودفن بإيوان تربته الكائنة

٣١٩

وراء بستانه وعمارته العظمى المشرفة على ناعورة الزاوية الخضيرية بحلب ا ه. (در الحبب).

وترجمه الحافظ السخاوي في ضوئه ترجمة مختصرة ، ومما قاله : كان أبوه تاجرا فنشأ هذا شافعيا ، ثم ساعده أبوه وبذل عنه حتى عمل قضاء المالكية وصرف به الجمال يوسف ابن النحريري وصار القضاء بينهما نوبا فتارة هذا وتارة ذاك ، إلى أن حصل الاتفاق بينهما على ترك السعي على صاحب الترجمة ويلتزم به بخمس مخلفات أو نحوها في كل يوم ، ووفى له بها حتى مات في أثناء سنة ست وتسعين [تقدمت ترجمته قريبا] ولم يعش هذا بعده سوى نحو أربعة أشهر ومات في صفر سنة سبع وتسعين واستقر ابنه الشمس محمد في القضاء ببذل فيه وفي المصالحة عن تركة أبيه ا ه.

٦٥٠ ـ إسكندر بن أبجق المتوفى سنة ٨٩٧

إسكندر بن محمد بن محمد الخواجه زين الدين التركماني الحلبي المشهور بابن أبجق.

كان من التجار المعتبرين والرؤساء المعمرين حتى تأهل ببنت القاضي شمس الدين بن آجا أحد قضاة العسكر بالقاهرة المعزية في الدولة الجركسية على ما سنوضحه في ترجمته ، ثم ماتت فتأهل ببنته الأخرى ، وملك دارا لطيفة بزقاق الملك الزاهر في قفا داره. وكان من الثروة الزائدة بمكان لما إنه كان قد دخل الهند بعد ما حج ففاض ماله ولم تخب آماله. وأنشأ عمارة حسنة بالجبيل الصغير تشتمل على مسجد وتربة لدفنه ودفن موتاه من أولاده ونسله وعقبه وذوي أرحامه وزوجاته وعتقائه وأرقائه حسبما وجدته في كتاب وقفه رأي عين ، وبها دفن في طاعون سنة سبع وتسعين وثمانماية.

آثاره في حلب :

وهو الذي جدد سقف قبلية جامع الناصرية ، وتلاه ولده الجمال يوسف قاضي الحنفية بحلب فجدد ربعة شرقية (١) وقفها وصار يحسن لمن يفرقها فيه إلى أن وقفت الآن على فقير

__________________

(١) في الأصل : شريف ، ولعل الصواب ما أثبتناه نقلا عن مطبوعة در الحبب.

٣٢٠