إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٥

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٥

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٥٧

الصلاح يوسف بن أيوب ، الحموي ثم الحلبي الشافعي الصوفي المعروف بابن الشماع.

ولد في مستهل سنة إحدى وسبعين وسبعمائة بحماة ، ثم انتقل منها إلى مصر فأخذ الفقه والأصول والعربية والمنطق عن عدة جماعة بها ، وأخذ طريق القوم عن البرهان ابن البقال بها ، وقال إنه أخذه بتبريز في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة عن الجمال عبد الله العجمي شيخ الشهاب ابن الناصح الذي قيل إنه عمّر ماية وستة وثمانين سنة وإن أول شيء أدخل جوفه ريق الشيخ عبد القادر الكيلاني حيث حنكه وألبسه لما أتت به أمه إليه. قال السخاوي : وذلك بعيد عن الصحة. وقال : وكذا صحب الزين الخافي وغيره من شيوخ الوقت ، واستوطن حلب متصديا لتربية المريدين وإرشاد القاصدين. قال : ولقد لقيته بها.

قال : وكان إماما علامة فصيحا طلق اللسان رائق النظم والنثر بديع الذكاء حسن الأخلاق والمعاشرة والشكالة والبزة ممتع المحاضرة سريع الجواب مجيدا لما يتكلم فيه مثريا ذا مال طائل منعزلا عن الناس ببيته الذي أنشأه بحلب متعففا عن وظائف الفقهاء وما أشبهها ذا يد طولى في علم الكلام والفلك والحروف والتصوف ، ولكنه ينسب إلى مقالة ابن عربي ، ولذا كان البلاطنسي (١) يقع فيه. قال : ورأيت بخطه ما يدل على التبري من ذلك.

وقد حج غير مرة وجاور بمكة ، ودخل الهند وساح ورابط ببعض الثغور وقتا ، وعمل كتابا في مصطلح الصوفية سماه «منشأ الأغاليط في اصطلاح الصوفية» ، وأفرد رحلته في مجلد وعقيدته بالتأليف وتبرأ فيها من كل ما يخالف السنة والجماعة. ولم يزل على جلالته إلى أن وقع بحلب فناء عظيم توفي فيه غالب من عنده ، فأسف وتوجه إلى مكة عازما على المجاورة بها.

ولقيه السيد العلاء أبو عفيف الدين بالشام وهو متوعك فقال له : قد كنت عزمت على المجاورة بمكة والآن وقع في خاطري مزيد الرغبة في المجاورة بالمدينة النبوية. وكان كذلك ، فإنه استمر في توعكه إلى يوم دخوله ، وذلك في يوم الثلاثاء العشرين من ذي القعدة سنة ثلاث وستين وثمانماية فمات ودفن بالبقيع. ورثاه زوج ابنته الفاضل جلال الدين ابن النصيبي بقصيدة مطلعها :

__________________

(١) هو محمد بن عبد الله بن خليل البلاطنسي (٧٩٨ ـ ٨٦٣ ه‍). اقتدى بشيخه العلاء البخاري في تقبيح ابن عربي ومن نحا نحوه. والبلاطنسي : نسبة إلى بلاطنس : حصن منيع بسواحل الشام مقابل اللاذقية.

٢٦١

أخفاك يا شمس العلوم كسوف

من بعد فقدك ناظري مكفوف

قال السخاوي : وكان ذكيا فصيحا ، عمل مواعيد بحلب من كلام الغزالي بفصاحة ، وهرع الناس إليه ، وعمل له مقصورة من خشب بجامع حلب في آخر الشمالية ثم نقضها وأخذ خشبها. قال : وعمل في داره حمّاما والغالب ما بنى أحد في بيته حمّاما وأنجح. ومما بلغني (القائل صاحب در الحبب) أنه ألف كتابا في الصنعة سماه «الرسالة الحلبية» وأن سلطان زماننا طلبه ونسبه إلى عمل الزغل من الدرهم والدينار فقال : إنما أنت الذي تعمله. ثم دعا بشيء من دراهمه ودنانيره وأدخله الروباص فأخرج غشه ، ثم سبك شيئا من النحاس وألقى عليه أكسيرا يسيرا فعاد فضة ، ثم ألقى عليه آخر فعاد ذهبا ، فعلم ديانته وأمر أن يكون ناظرا على دار الضرب بحلب. وبيته الذي ذكر السخاوي أنه أنشأه بها هو البيت الكائن بباحسيتا وراء القسطل المشهور بقسطل الشماع وإنما هو قسطل ابن الشماع ا ه (در الحبب).

أقول : قال السخاوي في ضوئه : لقيته بحلب فكتبت عنه من نظمه قوله :

صرفت عن الكثرات وجه توجهي

إلى وحدة الوجه الكريم الممجّد

فما خاب مصروف إلى الحق وجهه

وقد خاب من أضحى من الخلق يجتدي

وقوله :

لو كنت أعلم أن وصلك ممكن

بتلاف روحي أو ذهاب وجودي

لمحوت سطري من صحيفة عالمي

وهجرت كوني في وصال شهودي

أقول : في وسط السوق من محلة بحسيتا مسجد يعرف بمسجد الشماع يغلب على الظن أنه من آثار المترجم ، وله صحن صغير وقبلية كذلك ، وكان متوهنا فرمم سنة ١٣٠٣ بأمر الوالي جميل باشا وأعيد بناء قبته من حجر كما كانت ، وأخرج من صحنه خمس دكاكين أضيفت إلى وقفه.

٦٠٦ ـ سودون الأبو بكري المتوفى سنة ٨٦٥

سودون الأبو بكري المؤيد ، شيخ كان من صغار عتقاه [أي عتقاء الملك المؤيد شيخ]

٢٦٢

ثم صار بعده بالبلاد الشامية وخدم بأبواب الأمراء إلى أن صار في أيام الظاهر جقمق من أمراء حلب ثم حاجب الحجاب ثم أتابكا ، كل ذلك بها ، ثم نقل لنيابة حماة ، ثم عزل وتعطل سنين ، ثم صار من مقدمي دمشق ، ثم عاد إلى أتابكية حلب حتى مات بها في أواخر رمضان سنة خمس وستين وقد قارب الستين. وكان عاقلا ساكنا حشما وقورا متواضعا كثير الأدب والحياء ، رحمه‌الله ا ه.

٦٠٧ ـ عمر بن أحمد السفاح المتوفى سنة ٨٦٦

عمر بن أحمد بن صالح بن أحمد بن عمر بن يوسف أو أحمد الزين بن الشهاب بن الصلاح أبي اليسر الحلبي الشافعي الماضي أبوه وأخوه صالح ، ويعرف كل منهم بابن السفاح ، سبط الشرف موسى بن محمد الأنصاري. ولد في ذي الحجة سنة خمس وتسعين وسبعماية بحلب ونشأ بها ، فقرأ القرآن عند الشمس الغزي والأعزازي وغيرهما ، وحفظ التنبيه وألفية ابن مالك وغيرهما ، وعرض على جماعة وأحضر في الثانية على عمر بن أيدغمش ، بل سمع على ابن صديق ، وبالقاهرة على الشرف بن الكويك في آخرين. وحج مرارا وزار بيت المقدس ودخل القاهرة قديما وحديثا غير مرة واشتغل بالمباشرات من سنة ثلاث وثلاثين أو قبلها بقليل ، وتنقل في الوظائف لكتابة السر ونظر الجيش وغيرهما ببلده ونظر الجيش بالشام. ولم يشتغل في العلم إلا قليلا وكذا كان عاريا منه. ووصفه بعض أصحابنا بالمروءة التامة والشهامة والعقل والكرم.

وقال شيخنا في ترجمة أبيه في معجمه : وكانت قد انتهت إليه رياسة الحلبيين بها ولأولاده انتهى.

وقد حدث سمع منه الفضلاء ، بل سمع منه شيخنا في سنة ست وثلاثين حديثا وكفاه فخرا بهذا ، وأما أنا فقرأت عليه بالقاهرة وبحلب أشياء. ولاشتغاله بالديون والخمول بسبب توالي جره الأموال إلى أرباب الدولة تغير كثير من أوصافه ، وكان في أول أمره بزي الجند ، فلما استقر في المباشرات دوّر عمامته. ومات في رمضان سنة ست وستين عفا الله عنه وإيانا ا ه.

٢٦٣

٦٠٨ ـ محمد بن محمد ابن أمير حاج المتوفى سنة ٨٦٨

محمد بن محمد بن الحسن بن علي بن سليمان بن عمر بن محمد الشمس الحلبي الحنفي الماضي أبوه والآتي ابنه الشمس محمد ، ويعرف بابن أمير حاج وبابن الموقت.

ولد سنة إحدى وتسعين وسبعماية ، وقيل في التي بعدها والأول أولى ، بحلب ونشأ بها ، فقرأ القرآن عند جماعة منهم الشمسان الغزي والجسمسي نسبة لقرية من أعمال حلب ، وسمع بعض الصحيح على ابن صديق ، وقرأ المختار على البدر ابن سلامة والعز الحاضري وغيرهما ، وتعانى الميقات وباشر ذلك بالجامع الكبير بحلب ، ونزل طالبا بالحلاوية ، بل استقر بعد أبيه في تدريس الجردكية ثم نزل عنها وباشر التوقيع عند قضاة حلب ، ثم صار جابيا في الأسواق. وحج وزار بيت المقدس وحدث سمع منه الفضلاء. ولقيته بحلب فقرأت عليه الماية لابن تيمية. وكان صالحا راغبا في الانجماع على الناس. مات في شوال سنة ثمان وستين بحلب رحمه‌الله وإيانا ا ه.

٦٠٩ ـ محمد بن مقبل المتوفى سنة ٨٧٠

محمد بن الحاج مقبل بن عبد الله الشمس أبو عبد الله الحلبي القيم بجامعها والمؤذن به أيضا ، ويعرف بشقير.

كان والده عتيق ابن زكريا البصروي التاجر بدمشق صرفيا فولد ابنه في سنة تسع وسبعين وسبعماية بحلب ونشأ بها ، فسمع على الشهاب بن المرحل ثلاثيات مسند عبد وموافقاته بسماعه لها على التقي عمر بن إبراهيم بن يحيى الزبيدي (أنا) بها ابن اللتي وأجاز له في استدعاء البرهان الحلبي ست وثمانون نفسا منهم الصلاح ابن أبي عمر خاتمة أصحاب الفخر ابن البخاري ، وحدث سمع منه الفضلاء. ولقيته بحلب بعد أن صار على طريقة حسنة وسيرة مرضية فأخذت عنه الكثير. وعمر بحيث تفرد عن أكثر شيوخه واستمر منفردا مدة حتى مات في رجب سنة سبعين ونزل الناس بموته درجة. وقد ترجمه شيخنا بقوله : قيم الجامع والمؤذن به ، رحمه‌الله ا ه.

أقول : أخذ عن المترجم علماء لا يحصون من الشهباء وغيرها ، منهم مترجمه الحافظ السخاوي كما رأيت ، وممن أخذ عنه الشيخ بدر الدين حسن بن أحمد الكبيسي أحد رجال

٢٦٤

در الحبب ، وقد وصف الحنبلي المترجم ثمة بمسند الدنيا.

٦١٠ ـ أحمد بن عبد الرحمن السفيري صاحب المزار المشهور المتوفى سنة ٨٧١

أحمد بن عبد الرحمن الشيخ شهاب الدين السفيري ثم الحلبي الشافعي صاحب المزار المشهور خارج باب المقام.

أخذ عن الشيخ ناصر الدين بن بهادر ، فلما مات اجتمع الفقراء عليه وعكفوا وسكن التربة العلمية داخل باب النيرب ، وكانت فيه سذاجة وله تعبد على ما في تاريخ الشيخ أبي ذر ، وقال لي حفيد الشمس محمد الشافعي : كان سليم الصدر منكفا عن الناس له بقرات يربيها للدر وغيره. قال : ومرت به جماعة ذات يوم فحصل بينه وبينهم الازدحام فقال له أحدهم : يا بقّار ، كأنه يقصد بذلك استهجانه كما هي طريقة العوام في تقبيح الكلام ، فقال الشيخ : سبحان الله من أعلمك أن عندي بقرات ، ولم يحمله على قصد الاستهجان لسلامة صدره. قيل وكان عرضيا ، ولم يكن من السفيرة وإنما كان خطيبا بها فنسب إليها ، حتى كان يقول : ما اكتسبنا من السفيرة إلا الاسم. وكان يعرف على ما في التاريخ المذكور بابن الدلال. توفي سنة إحدى وسبعين وثمانمائة وتبرع الناس كما قال الشيخ أبو ذر بالعمارة عليه ا ه. (در الحبب).

أقول : هو مدفون خارج باب النيرب بالتربة المشهورة الآن باسمه وهي تربة السفيرة (١) ، ولم تزل قبته باقية إلى زمننا هذا.

٦١١ ـ محمد بن عثمان المارديني المتوفى سنة ٨٧١

محمد بن الفخر عثمان بن علي الشمس المارديني ثم الحلبي الشافعي الأبّار ، وهي حرفته ، والد عبد القادر. ذكر لي أن أباه حفظ الحاوي بعد التنبيه وغيرهما ، وتفقه وأخذ في العربية وغيرهما عن البدر ابن سلامة وأخيه شهاب الدين ، وسمع على البرهان الحلبي ، وكتب

__________________

(١) المعروف أنها تربة السفيري.

٢٦٥

على المنهاج شرحا في أربعة عشر مجلدا بقي منه مجلد وعلى الورقات في الأصول ، بل عمل على البخاري حاشية في ثلاث مجلدات. وكان صالحا خيرا سليم الصدر. مات في رجوعه من الحج ببدر وحمل إلى القارعة فدفن بها في سنة إحدى وسبعين وقد جاوز الخمسين رحمه‌الله ا ه.

٦١٢ ـ هاجر ابنة ابن خطيب الناصرية المتوفاة سنة ٨٧١

هاجر بنة العلاء علي بن محمد بن سعد بن محمد الحلبية ابنة ابن خطيب الناصرية.

أجاز لها جماعة منهم عائشة ابنة ابن عبد الهادي. وحدثت بأخرة سمع منها العز ابن فهد وغيره بعد السبعين ، أجازت لنا ا ه.

٦١٣ ـ الشهاب أحمد بن أبي بكر المرعشي المتوفى سنة ٨٧٢

أحمد بن أبي بكر بن صالح بن عمر الشهاب أبو الفضائل شيخ الإسلام المرعشي ثم الحلبي الحنفي.

ولد سنة ست وثمانين وسبعماية ، ثم قطن حلب وبحث «الكشاف» ، و «شرح المفتاح» على الزين عمر البلخي ، و «المغني في الأصول» وغيره على البدر بن سلامة ، مع قراءة الصحيحين عليه ، وتقدم في الفقه وأصوله والعربية ، وأذن له غير واحد بالإفتاء وصار عالم حلب.

وقدم القاهرة وعرض عليه الظاهر جقمق قضاءها فتنزه عنه مع تقلله.

وصنف كنوز الفقه ونظم عمدة النسفي وزاد عليه أشياء ، وكذا نظم الكنز وخمس البردة ، كذا قال السخاوي في ضوئه.

وقد ذكره الشيخ أبو ذر في تاريخه فقال : كان عارفا بالفقه والأصول واللغة والنحو ويطالع الصحاح كثيرا ، وله نظم يابس. قال : وكان له ميل إلى محيي الدين بن عربي ، ولبس الخرقة من سيدي الخواجة علي بن الخواجة صدر الدين الأردبيلي ، وقرأ على والدي يسيرا ، إلى أن قال : وفي الجملة كان على حلب به جمال ، وذاك بعد أن ذكر قصته مع

٢٦٦

المحب أبي الفضل بن الشحنة في الحصة التي كانت بيده بكلّز من قبل السلطان جقمق لما أغرى به جماعته وهو بالقاهرة عند السلطان حتى قالوا : إنه يحب ابن عربي ويدرس كتبه ، فأخرجها عنه وأعطاها لابن الشحنة ، فسافر الشهاب إلى القاهرة لبراءة ساحته فصادف ابن الشحنة في الطريق. قال الشيخ أبو ذر : وكان ساذجا. فقال له ابن الشحنة : لأي شيء تذهب قد أخبرنا السلطان ببراءتك ، فرجع من طريقه.

ومن مدائحه ما أنشده السخاوي لبعضهم :

عن العلماء يسألني خليلي

ألا قل لي فمن أهدى وأرشد

ومن أحمدهم قولا وفضلا

فقلت المرعشيّ الشيخ أحمد

وقد كانت وفاته سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة بحلب بالتربة الكائنة بدرب الأبيض ا ه.

وقال في المنهل الصافي : مولده بمرعش ودام بها إلى سنة أربع وثمانماية ، فرحل منها إلى عينتاب وتفقه بها على جماعة من الشيوخ منهم البارع عيسى العالم المشهور ، ثم انتقل منها سنة ست عشرة وثمانماية إلى حلب بعد أن أذن له بالإفتاء والتدريس.

وقرأ بحلب على الزين البلخي ومحمد بن سلامة ، وتصدر للإفتاء والتدريس سنة عشرين وانتفع به الطلبة وتفقه به جماعة من أعيان فقهاء حلب. وعرض عليه الملك الظاهر جقمق وظيفة القضاء بحلب فامتنع من ذلك تنزها وتعففا على أنه في ضيق عيش. وهو الآن فقيه حلب وعالمها ومفتيها بل عالم سائر البلاد الحلبية. ولما سافرت إلى حلب في سنة ست وثلاثين وثمانماية لم يتفق لي الاجتماع به ، ولكن الآن بيني وبينه صحبة ومكاتبات ، وأجاز لي جميع مروياته ومصنفاته وماله من نظم ونثر. ا ه ملخصا.

أقول : والمترجم أول من تولى التدريس في المدرسة الدلغادرية التي بناها الأمير ناصر الدين باك محمد بن دلغادر ظاهر البلد من شماليه على كتف الخندق ووقفها على الحنفية. ذكره في الدر المنتخب في الباب الحادي والعشرين. ولا أعلم مكان هذه المدرسة ويغلب على الظن أنها دثرت.

بقية آثار ناصر الدين بك الدلغادري :

قال أبو ذر في الكلام على مكاتب الأيتام : مكتب الأمير ناصر الدين دي الغادر بالقرب

٢٦٧

من المصبغة ، وكان بوابة لقاعات معين الدين بن العجمي فاشتراها وكلاء ناصر الدين من ورثة معين الدين وجعله مكتبا وتحته حوض ماء وله أوقاف. ولناصر الدين المذكور مدرسة للحنفية خارج باب النصر على الخندق (هي المتقدمة) وبها قراء يقرؤون القرآن ، ولها أوقاف بحلب تولى شراءها له شيخنا المؤرخ ا ه.

أقول : لم أقف على ترجمة للأمير ناصر الدين ولا على تاريخ وفاته (١) إلا على ما تقدم في ترجمة أخيه علي بن خليل المتوفى سنة ٨٣٠ حيث قال ثمة : إن الأمير علي قدم حلب مرارا تارة طائعا وتارة مقاتلا ، وكان أقام بها قديما مدة هو وأخوه محمد وأقطعهما السلطان الملك الظاهر إقطاع إمرة بحلب.

لذا ذكرت آثاره في ترجمة الإمام المرعشي. أما المكتب والحوض فلا زالا باقيين وهما أمام الزقاق الذي به المدرسة الصاحبية في سوق السويقة ، والمكتب راكب على قبو فوق السوق تصعد إليه من باب بجانب الحوض الذي ذكره ، وقد كان مهجورا وربما وضع فيه بعض أهل السوق أمتعتهم ، وفي الآونة الأخيرة اتخذه بعض معلمي الحساب مكتبا لتعليم مسك الدفاتر التجارية.

٦١٤ ـ عمر بن محمد النصيبي المتوفى سنة ٨٧٣

عمر بن الضياء محمد بن عمر بن أبي بكر بن أحمد الزين النصيبي الحلبي الشافعي زوج ابنة المحب ابن الشحنة ووالد الجلال أبي بكر محمد الآتي وأخو أبي بكر.

ولد سنة ثلاث وعشرين وثمانماية بحلب ونشأ بها ، فحفظ القرآن عند الشيخ عبيد وصلى به هو وأخوه في عام واحد والمنهاج وجمع الجوامع وألفية الحديث والنحو وعرض على البرهان الحلبي ، بل هو الذي كان يصحح عليه وكرر حسنا في وصف عرضه وصحح على ثانيهما ، وكذا عرض على ابن خطيب الناصرية وأبي جعفر ابن الضيا والشمس الغزولي في آخرين ، وأخذ عن الأخير في الفقه وعن عبد الرزاق الشرواني فيه وفي أصوله وفي العربية وغيرها ، اشتغل ، وقدم القاهرة فأخذ بها عن المحلي شرحه «لجمع الجوامع» وعن إمام

__________________

(١) هو ناصر الدين محمد بن خليل بن قراجا بن دلغادر. كانت وفاته في عام ستة وأربعين وثمانمئة. يراجع : تاريخ الدول الإسلامية لستانلي لين بول ص ٤٣١ ، وتاريخ القرماني ص ٣٤٠.

٢٦٨

الكاملية ، ودرس بالظاهرية والسيفية تلقاهما عن أخيه وأعاد بالعصرونية ، وجمع وسمع على التقي بن فهد ، وناب في القضاء. مات ببلده في يوم عيد النحر سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة ا ه.

ورأيت بخطه مجموعا كبيرا فيه رسائل كثيرة من جملتها ثلاث رسائل من تأليف البرهان الحلبي المتوفى سنة ٨٤١ ، وقد ذكرت ذلك في ترجمته وهو في المكتبة البخشية في التكية الإخلاصية بحلب.

٦١٥ ـ محمد بن أبي بكر الحيشي المتوفى سنة ٨٧٥

محمد بن أبي بكر بن نصر بن عمر بن هلال الشمس أبو عبد الله الطائي الحيشي الأصل المعري ثم الحلبي الشافعي البسطامي (١) الآتي أبوه ووالده معا في الكنى ، والماضي أخوه عبد الله ، ويعرف بابن الحيشي.

ولد سنة تسع وتسعين وسبعمائة بمعرة النعمان ونشأ بها في كنف أبيه وتحول معه إلى حلب وبه تسلك وعليه تهذب. وكذا صحب الزين عبد الرحمن بن أبي بكر بن داود وأخذ القراءات عن عبد الصمد العجمي نزيل حلب ، والحديث عن البرهان الحلبي وشيخنا لما قدمها عليهم ، وخلف والده في المشيخة بدار القرآن العشائرية. وكان معمور الأوقات بالتلاوة والذكر والمطالعة مع الزهد والانجماع عن بني الدنيا وتقنع باليسير ، وللناس فيه مزيد اعتقاد بحيث يقصد بالزيارة والإرفاد بما يكون عونا على سماطه ، وقل أن ترد له رسالة.

مات في يوم الثلاثا تاسع ذي القعدة سنة خمس وسبعين ودفن عند أبيه بتربة الناعورة بحلب رحمه‌الله ، أفادنيها ولده ا ه.

٦١٦ ـ بلال الحبشي المتوفى سنة ٨٧٦

بلال الحبشي العمادي الحلبي الحنبلي فتى العماد إسماعيل بن خليل الأعزازي ثم الحلبي.

__________________

(١) في «الضوء اللامع» : البساطي. وفي ترجمة والده : البسطامي.

٢٦٩

ولد في حدود سنة خمس وثمانين وسبعمائة ، وسمع على ابن صديق غالب الصحيح وحدث به ، سمعه عليه الفضلاء ، سمعت عليه الثلاثيات وغيرها. وكان ساكنا متفننا بالكتابة على طريقة العجم بحيث لم تكن تعجبه كتابة غيره من الموجودين. تعانى علم الحرف واشتغل بالكيمياء مع إلمامه بالتصوف ومحبته في الفقراء والخلوة. وأقرأ في ابتداء أمره مماليك الناصر فرج ، ولذا كان ماهرا باللسان التركي ، ثم ولي النقابة لقاضي الحنابلة بحلب ثم لقاضي الشافعية أيضا ثم أعرض عن ذلك كله ، وقطن القاهرة وصحب جمعا من الأكابر وانتفع به جماعة من المماليك في الكتابة. وتردد للجمالي ناظر الخاص ثم الأتابك أزبك الظاهري ، وتقدم في السن وشاخ.

مات في جمادى الثانية سنة ست وسبعين وشهد الأتابك وغيره من الأمراء الصلاة عليه بجامع الأزهر ، عفا الله عنه ا ه.

٦١٧ ـ محمد بن علي التيزيني المتوفى سنة ٨٧٦

محمد بن علي بن عبد الصمد بن يوسف بن أحمد الشمس أبو المعالي بن العلا أبي الحسن ابن الزين أبي الجود التيزيني الحلبي الشافعي.

ولد في رجب أو شعبان سنة سبع وثمانماية في مدينة تيزين من أعمال حلب ، وانتقل به أبوه إلى حلب فحفظ القرآن والمنهاج والرحبية في الفرائض والملحة واللمع لابن جني ، وبحث بعض المنهاج والملحة على عبيد وجود عليه القرآن ، وكذا بحث بعض المنهاج على الشمس النووي وأخذ عنه صناعة الشروط ، وكان متقدما فيها ، وبحث في الرحبية وعروض الحلي وبعض اللمع والملحة على البدر ابن سلامة ثم ارتحل إلى حماة بعد سنة ثلاثين ، وبحث على الزين ابن الخرزي بعض المنهاج وجميع اللمع وعلى العلاء ابن بيور في الفقه والنحو ، ثم إلى دمشق فبحث على محمد الزرعي عرف بالنووي وعبد الرحمن اليمني في الفقه والنحو ، وبحث بسرمين على العلاء ابن كامل الفركاحية في الفرائض وبديعية العز الموصلي وابن حجة. وحج في سنة ثلاث وعشرين ، وولي قضاء تيزين وغيرها من أعمال حلب ، وحصلت له كائنة مع ابن الشحنة في سنة خمسين قال البقاعي : إنه نكبه فيها وأدخل عليه الخمر إلى بيته من جهة ريبة وزين لحجاب حلب حتى أوقع به وسجنه ، ثم قدم القاهرة ليشكوه فكسرت رجله في العريش بحيث كان دخوله لها على أسوأ حال ، فلما عوفي سعى

٢٧٠

في ذلك فلم ينجع واستمر مقيما بالقاهرة خوفا من الحاجب فما لبث أن مات في آخرها وكفاه الله أمره ، وناب فيها في القضاء وتنقل بالمجالس وتناوب مع البدر الأمير في مجلس باب اللوق ، فقيل للبدر : كأنك غفلت عن ذكر الله يوم سلط هذا على مشاركيك لقوله تعالى (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)(١).

وكان ناظما مشاركا في طرف من العربية حافظا لكثير من القصائد المطولة والأشعار اللطيفة مؤديا لذلك بفصاحة وصوت جهوري ممن يدارى ويتقى ، وأكثر من التردد لجماعة من أعيان الوقت كالمستجدي منهم ، وكان من عادته أنه إذا أراد إخصام أحد قال : سأنطحه نطحة أهلكه بها كما نطحت فلانا وفلانا. وكنت ممن سمع منه الكثير. ومات في جمادى الأولى سنة ست وسبعين.

وقد كتب عنه البقاعي من نظمه وقال : مما يعد في مجازفاته أنه رجل حسن فصيح مفوه غير أنه مكثار ممل مشكور السيرة في تحمل الشهادة عفيف متعفف مترفع عن الدنايا.

ومن نظمه :

الصبر أنفع إذ لا ينفع الجزع

يا نفس صبرا لعل الضيق يتسع

إن حل بالمرء بؤس ليس يدفعه

شكوى ولا قلق باد ولا هلع

والدهر من شأنه تغيير حالته

وبعض حادثه بالبعض يندفع

إني بمصر غريب لست مستندا

إلا إلى من به الإسلام مرتفع

قاضي القضاة شهاب الدين أحمد من

فيه المحامد والأفضال تجتمع

في أبيات. ا ه.

٦١٨ ـ محمد بن محمد بن أمير حاج المتوفى سنة ٨٧٩

محمد بن محمد بن محمد بن حسن بن علي بن سليمان بن عمر بن محمد الشمس الحلبي الماضي أبوه وجده ، ويعرف بابن أمير حاج وبابن الموقت.

ولد في ثامن عشر ربيع الأول سنة خمس وعشرين وثمانماية بحلب ونشأ بها ، فحفظ

__________________

(١) الزخرف / ٣٦.

٢٧١

القرآن عند إبراهيم الكفرناوي وغيره وأربعين النووي والمختار ومقدمة أبي الليث وتصريف العزي والجرجانية وبعض الأخسيكثي ، وعرض على ابن خطيب الناصرية والبرهان الحافظ والشهاب ابن الرسام وغيرهم من أهل بلده ، وتفقه بالعلاء الملطي ، وأخذ النحو والصرف والمعاني والبيان والمنطق عن الزين عبد الرزاق أحد تلامذة العلاء البخاري. وارتحل إلى حماة فسمع بها على ابن الأشقر ، ثم إلى القاهرة فسمع بها على شيخنا بقراءتي وقراءة غيري وأخذ عنه جملة من شرح ألفية العراقي وغيرها ، وكذا لازم ابن الهمام في الفقه والأصلين في غيرها في هذا القدمة وغيرها ، وبرع في فنون ، وأذن له ابن الهمام وغيره ، وتصدى للإقراء فانتفع به جماعة ، وأفتى وشرح منية المصلي (١) وتحرير شيخه ابن الهمام (٢) والعوامل ، وعمل منسكا سماه «داعي منازل البيان لجامع النسكين بالقرآن» ، وفسر سورة والعصر وسماه «ذخيرة القصر في تفسير سورة والعصر» وغير ذلك. وقد سمعت أبحاثه وفوائده وسمع مني بعض القول البديع وتناوله مني.

وكان فاضلا متفننا ديّنا قوي النفس محبا في الرياسة والفخر ، وبلغني أنه أرسل لشيخه ابن الهمام بأشياء كتبها على شرحه للهداية ليقف عليها ويبين صوابها من خطئها ، فكتب إليه جميع ما كتبه الولد من أول الكراس إلى هنا لم يلق بخاطري منه شيء ، وقد وصلت الكتابة إلى الوكالة ورأيت أحرفا منها ، إلى أن قال : كلام طويل وحاصل قليل ، إما لا يعتد به وإما مستفاد من الكتاب ، فإن كانت عندك فائدة فاحفظها على من عندك من البلد ويرزق الكتاب أهله ، وقد كره صنيعك هذا كثير من طلبة العلم النحارير. على أنه لما ذكر في شرحه المشار إليه مسألة لو قال لست بابن فلان يعني جده لا يحد لصدقه قال : ومن بعض أصحابنا ابن أمير حاج فأمير حاج جده.

__________________

(١) هو المشهور الآن بشرح الحلبي الكبير. وشرحها للشيخ إبراهيم بن محمد الحلبي المتوفى سنة ٩٥٦ هو المشهور بشرح الحلبي الصغير ، وهذا مطبوع متداول خصوصا في الديار الرومية. ومن مؤلفاته شرح المختار في فروع الفقه ، قال في الكشف : ذكره في شرحه للمنية.

(٢) هو في علم الأصول وهو شرح ممزوج سماه بالتقرير والتحبير. قال في كشف الظنون : ذكر فيه أن المصنف قد حرر من مقاصد هذا العلم ما لم يحرره كثير مع جمعه بين اصطلاحي الحنفية والشافعية إلخ. أقول : قد طبع هذا الشرح الجليل في المطبعة الأميرية ببولاق مصر سنة ١٣١٧ وهو في ثلاث مجلدات قال في آخره : وكان نجازه في يوم الخميس خامس شهر جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وثمانماية. ويوجد نسختان خطيتان في الآستانة في مكتبة الحاج سليم آغا ورقمها ٢٥٩ ونسخة في مكتبة قره جلبي زاده ورقمها ٥٨ ونسخة في مكتبة نور عثمانية.

٢٧٢

وحج غير مرة منها في موسم سنة سبع وسبعين وجاور بمكة إلى التي تليها وأقرأ هناك يسيرا وأفتى ، ثم سافر منها إلى بيت المقدس فأقام به نحو شهرين وما سلم من معاند في كليهما بحيث رجع عما كان أضمره من الإقامة بأحدهما ، ورأى أنه رعاية جانبه في بلده أكثر ، فعاد إليها ولم يلبث أن مات في ليلة الجمعة في التاسع والعشرين من رجب سنة تسع وسبعين بعد تعلله زيادة على خمسين يوما ، وماتت أم أولاده قبله بأربعين يوما ، وكانت جنازته مشهودة رحمه‌الله تعالى وإيانا ا ه.

٦١٩ ـ علي بن عبد الرحمن ابن البارد المعري المتوفى سنة ٨٨٠

علي بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن معالي بن إبراهيم نور الدين ابن الزين ابن العلاء المعري الأصلي الحلبي الشافعي ، ويلقب أبوه فيما بلغني بابن البارد.

كان نقيب المحب ابن الشحنة وفي خدمته مع عقل وفهم وحذق في المباشرة ونحوها ، ثم تنافرا وولي قضاء الشافعية بحلب وكتابة سرها ونظر جيشها ، ومات في شوال سنة ثمانين وأظنه جاوز الخمسين رحمه‌الله ا ه.

الكلام على تربته :

قال أبو ذر في الكلام على الترب : تربة القاضي الرئيس نور الدين ابن المعري شرقي تربة سودي [خارج باب المقام] أنشأها في سنة ثلاث وسبعين وثمانماية ، وهي مشتملة على قبة وشبابيك من الحجارة الرخام الصفر والسود ، وجعل داخل هذه التربة فسقيتين للموتى إحداهما للذكور والأخرى للإناث.

الكلام على تربة سودي التي أشار إليها :

وقال قبل ذلك : تربة سودي هي بالقرب من الظاهرية ، وهي مشتملة على قبة من الحجر الهرقلي وحوش به بيوت ، أنشأها سودي كافل حلب الذي أجرى نهرها لما انقطع ووقف على هذه التربة وقفا بسوق الحرير القديم وهو الآن سوق النحاسين قبلي الجامع الأعظم ا ه.

أقول : لا زال هذا السوق يعرف بسوق النحاسين ، حتى إن الخان الذي هناك يسمى

٢٧٣

خان النحاسين ، والحمّام التي أمامه التي كانت تعرف بحمّام الست التابعة لوقف المدرسة الخسروية تعرف أيضا بحمّام النحاسين. وأما سودي كافل حلب فقد كانت وفاته سنة ٧١٤ وقد تقدم ذلك في الجزء الثاني في حوادث هذه السنة.

٦٢٠ ـ عمر بن أحمد الموقع المتوفى سنة ٨٨٠

عمر بن أحمد بن عمر بن يوسف بن علي النجم ابن الشهاب ابن الزين الحلبي الشافعي الموقع نزيل القاهرة ، والماضي أبوه والآتي أخوه المحب محمد الأسن ، ويعرف بنجم الدين الحلبي الموقع.

ولد سنة بضع وعشرين وثمانمائة بحلب ونشأ بها ، فحفظ القرآن واشتغل يسيرا في العربية وغيرها ، وكتب المنسوب ، وسمع بقراءة شيخنا على البرهان الحلبي في مشيخة الفخر وبقراءة غيره غير ذلك ، وقدم القاهرة وسمع بها ومعه ولده عز الدين وهو في الخامسة ، ختم البخاري بالظاهرية القديمة وكتب التوقيع بباب الدوادار الثاني بردبك الأشرفي وغيره ، وحمد الناس عقله وأدبه وسكونه. مات بحلب وكان توجه إليها في مصالحه في ربيع الأول سنة ثمانين ا ه.

٦٢١ ـ أحمد بن أبي بكر بن سراج المتوفى سنة ٨٨١

أحمد بن أبي بكر بن سراج أقضى القضاة شهاب الدين البابي الشافعي المشهور بابن سراج وبقاضي الباب. ولي قضاءها بعد وفاة جدي الزين عبد الرحمن الحنبلي.

وكان شاعرا ظريفا ومحاضرا لطيفا غير أن هجوه أحكم من مدحه. ومن شعره :

إني رأيت حبيبي

قد جاء بالياسمين

نحوي فقلت لنفسي

يا نفس بالياس ميني

والياس ههنا ينبغي أن لا يقرأ بالهمزة بل بالألف ليتحقق أمر التجنيس معه.

ومنه ما وجدته بخط قاضي القضاة ضياء الدين الحنبلي المشهور بابن السيد منصور ، قال : أنشدني القاضي سراج الدين بن سراج لنفسه بمكتب العدل برأس سوق الصابون :

٢٧٤

تغيرت حالتي لما هويت بيطار

وحين رأى الحب في قلبي علم بي طار

غنى وخلا فؤادي يشتعل في نار

لابد ما يفرك السنبك وآخذ ثار

وأنشد له :

ولم أنس لما زار بالليل هاجري

وواصلني بعد البعاد وشينه

ونور محياه محا ظلمة الدجى

(كأن الثريا علقت في جبينه)

وفي هذا كما ترى تلاعب في النقل من التأنيث إلى التذكير بالمصراع الأول من قول بعضهم :

كأن الثريا علقت في جبينها

وباقي نجوم الليل في جيدها عقد

ووقف على باب دار الفخري عثمان بن أغلبك وطرقه فقيل : من بالباب؟ فقال : قاضيه.

توفي سنة إحدى وثمانين وثمانمائة أو بعدها رحمه‌الله تعالى. ا ه (در الحبب).

٦٢٢ ـ أحمد بن محمد بن طنبل المتوفى سنة ٨٨١

أحمد بن محمد بن محمد بن طنبل بمهملة وموحدة مضمومتين بينها نون ، الشيخ شهاب الدين الشغري ثم الحلبي الشافعي الرفاعي أحد العدول بمكتب سوق الهوى بحلب في الدولة الجركسية.

كان مع هذا يدرس بجامع البدري المشهور بجامع الفوعي خارج باب أنطاكية ويخطب ويؤم به وينظر به وينظر في مصالحه بالتولية عليه. وبلغ من فرط ذكائه أن وضع تأليفا جمع فيه خمس رسائل في خمسة علوم ووازى به كتاب «عنوان الشرف» لابن المقري الذي زعم بعضهم قبل أن يوضع هذا الكتاب أنه لو حلف حالف أنه لم يؤلف ولا يؤلف مثله فيما يأتي لم يحنث. توفي كما أخبرني ولد أخيه المعمر الشيخ محمد سكيكر بدمشق سنة إحدى وثمانين وثمانماية ودفن بالقرب من ضريح بلال الحبشي رضي‌الله‌عنه ا ه. (در الحبب).

أقول : الرسائل التي ذكرها لم أطلع على شيء منها في المكاتب لا في حلب ولا في

٢٧٥

غيرها ، أما كتاب «عنوان الشرف» فقد طبع في حلب سنة ١٢٩٤ في المطبعة العزيزية التي كانت أسست في حلب حول سنة ١٢٩٠ وعطلت بعد سنة ١٣٠٢ بقليل على نفقة أحمد أفندي بيازيد أحد التجار وقتئذ ، وهو في ١١٣ صحيفة وعندي منه نسخة ، ثم طبع بعد ذلك في مصر ، ويغلب على الظن أنه طبع ثمة على النسخة التي طبعت في حلب. ويحتاج واضع مثل هذا الكتاب إلى ذهن ثاقب وفكرة وقادة ، ويدلك على مهارة تامة ، لكنه من حيث الاستفادة قليل الجدوى يعد في بابه نوعا من التفكه ، ونزيدك علما عن هذا الكتاب بما ذكره في كشف الظنون عنه حيث قال :

«عنوان الشرف الوافي في الفقه والنحو والتاريخ والعروض والقوافي»

لشرف الدين إسماعيل بن أبي بكر اليمني المقري المتوفى سنة ٨٣٧ ، وهو كتاب بديع الوصف في مجلد صغير ، أوله : الحمد لله ولي الحمد ومستحقه. وذكر السخاوي أن سبب تأليفه أنه كان يطمع في قضاء الأقضية بعد المجد الفيروز بادي صاحب القاموس ويتحامل عليه بحيث إن المجد عمل للسلطان الأشرف صاحب اليمن كتابا أول كل سطر منه ألف ، فاستعظمه السلطان فعمل الشرف هذا كتابه هذا والتزم أن يخرج من أوله وآخره ووسطه علوم غير الفقه الذي وضع الكتاب له ، لكنه لم يتم في حياة الأشرف فقدمه لولده الناصر فوقع عنده وعند سائر علماء عصره ببلده موقعا عجيبا. وهو مشتمل مع الفقه على نحو وتاريخ وعروض وقوافي. وفي المنهل لم يسبق إلى مثله يحتوي على فنون خمسة من العلوم ، فأول السطور بالحمرة عروض ، وما هو بعده بالحمرة أيضا تاريخ دولة بني رسول ، وما هو بين التاريخ وأواخر السطور بالحمرة نحو ، وأواخر السطور قوافي. ثم ساق في الكشف من ألف على هذا النمط بعد ذلك.

٦٢٣ ـ أنس ابن الحافظ البرهان إبراهيم المتوفى سنة ٨٨١

أنس بن إبراهيم بن محمد بن خليل ناصر الدين أبو حمزة ابن الحافظ البرهان أبي الوفا الحلبي أخو أبي ذر أحمد (الآتي قريبا).

ولد في صفر سنة ثلاث عشرة وثمانماية بحلب ونشأ بها ، فحفظ القرآن والمنهاج الفرعي والأصلي وألفية الحديث والنحو وعرض واشتغل يسيرا ، وسمع على أبيه وشيخنا وآخرين ،

٢٧٦

وأجازت له عائشة ابنة ابن عبد الهادي ، والشهاب أحمد بن حجي وآخرون. وقرأ في الجامع على الكرسي في حياة أبيه يسيرا. ولقيته بحلب فأجاز لنا. وقد حج ودخل القاهرة للتجارة غير مرة وجلس مع الشهود وحدث بأخرة وحسن حاله قبل موته. مات في أوائل الطاعون سنة إحدى وثمانين أو أول التي قبلها ا ه.

٦٢٤ ـ القاضي محمد بن محمود بن خليل بن آجا المتوفى سنة ٨٨١

محمد بن محمود بن خليل الشمس أبو عبد الله القونوي الأصل الحلبي الحنفي المعروف بابن آجا ، وهو كما قال السخاوي لقب أبيه.

ولد كما قال في سنة عشرين وثمانماية ، فحفظ القرآن وكتبا علمية ، وسمع على البرهان الحلبي والشهاب بن حجر القاهري ، وحدث بالشفا ، وترجم فتوح الشام للواقدي بالتركي نظما في اثني عشر ألف بيت. قال : وذكر لي ولده أنه سود طبقات الحنفية في ثلاث مجلدات ، وخالق الناس بالجميل. واستقر في قضاء العسكر عوضا عن النجم القرافي ، وقصد بالشفاعات في أواخر عمره وحمدت الناس أمره فيها. مات بحلب سنة إحدى وثمانين وثمانماية. وكذا ذكر الشيخ أبو ذر المحدث في تاريخه أنه توفي في السنة المذكورة وأنه بعد أن صلي عليه جاؤوا به إلى تربة خاله الشهاب المرعشي ووضعوه في مغارة هناك وسدوا بابها لينقل إلى التربة التي أوصى بعمارتها خارج باب القناة بالدرب الأبيض. قال : وكان فاضلا له إلمام بصنعة الحديث. قرأ على خاله الشيخ شهاب الدين أحمد المرعشي وغيره. وكان فقيرا صحب الأتراك وأثرى من جهتهم ، وجدد بيتا بحلب كان وقفا على تربة خارج باب المقام فاستبد له ثم عمر فيه عمارات كثيرة. وولي قضاء العسكر بالقاهرة. هذا كلامه ، وصحيح أنه أثرى ولم يدع للفقر أثرا فقد حكي لي عن جدي الجمال الحنبلي أنه لما مات القاضي شمس الدين بن آجا ترك أربعين ألف دينار سوى ماله من الأوقاف الطويلة الذيل ، وأما أنه كان قاضي العسكر في تلك الدولة فنعم إلا أنه لم يكن لقاضي العسكر في دولة الجراكسة أن يعرض مناصب القضاة والمدرسين على السلطان ليعطيها من يستحقها من المعروض لهم كما في الدولة العثمانية ، وإنما يجري الأحكام الشرعية بين العسكر متى توجه إلى جهة وتوجه معهم ، ولهذا لم يختص قاضي العسكر بتخت السلطنة في تلك الدولة بل كان بحلب أيضا قاضي عسكر ، بل رأيت في تاريخ جد

٢٧٧

والدي لأمه المحب أبي الفضل ابن الشحنة أنه كان يحضر بدار العدل يوم الموكب قاضي العسكر كما يحضر القضاة وقضاة القضاة وهو مثل الديوان السلطاني في الدولة العثمانية ا ه. (در الحبب).

أقول : كان المترجم ممن رافق الأمير يشبك الدوادار حين مجيئه بالعساكر المصرية لهذه البلاد لمحاربة شاه سوار الخارج على المصريين في عينتاب ومرعش سنة ٨٧٥ وألف في ذلك رحلة في ١٣٠ صحيفة ذكر فيها ما جرى من الحوادث مع الأمير المذكور من حين خروجه من مصر إلى حين عودته إليها ، وقد أرسل إلينا هذه الرحلة سعادة أحمد تيمور باشا المصري حفظه الله وذكرنا ذلك في الجزء الثالث في صحيفة (٦١) ثم أرسلها إلى المجمع العلمي العربي بدمشق فنشر في الجزء السابع من المجلد الخامس خلاصة ما تضمنته هذه الرحلة.

٦٢٥ ـ لسان الدين أحمد بن محمد بن الشحنة المتوفى سنة ٨٨٢

أحمد بن محمد بن محمد قاضي القضاة لسان الدين أبو الوليد ابن الشحنة قاضي الحنفية بحلب وخطيب جامعها الأموي خال والدي.

لازم جده المحب أبا الفضل في تحصيل العلم وهو قاضي الحنفية بالديار المصرية ودون بخطه النير الحسن جانبا من الفتاوي التي كانت ترفع أسئلتها إلى جده ، وألف خطبا فائقة وكتابا سماه «لسان الحكام في معرفة الأحكام» ألفه حين تولى القضاء بحلب وأراد أن يجعله منظوما على ثلاثين فصلا فلم يتفق له سوى تأليف عشرين فصلا وبعض الفصل الحادي والعشرين.

وكان دينا صالحا ذا خشوع وتضرع وبكاء ورقة قلب ، وذكره الشيخ أبو ذر في تاريخه فقال : كان فاضلا شابا حسن الشكالة فصيح العبارة ، ولي القضاء فباشره بعفة زائدة وحرمة وافرة وانطلاق وجه وانبساط للناس وتلطف بهم ، وخطب بجامع حلب خطبا بليغة من إنشائه فروّع النفوس ومال الناس إليه وحمدوا سيرته وأخلاقه الحسنة ، وولي نيابة كتابة الإنشاء بالقاهرة عن جده فحمدت سيرته وشكرت أفعاله. قال : وكان مكبا على الاشتغال بالعلم ذكيا يحفظ كتبا على قاعدة مذهبه إلى أن أرخ وفاته لسنة اثنتين وثمانين.

وقد أخبرني الثقة أنه لما كان في حالة النزع دخل وقت العشاء فسمع المؤذن فطلب

٢٧٨

الوضوء فتوفي من ساعته رحمه‌الله تعالى. وفيه يقول الشاعر المشهور بالخطيب :

متى لي أن أحظى بقرب الأحبة

ويسعدني دهري بساعة خلوة

فاشكو إليه البعد والصد والجفا

وأبدي لهم همي وذلي ولوعتي

إلى أن قال :

وقد هيج الطاعون في الناس علة

مضت فيه أرباب الصفا والمحبة

فمنهم لسان الدين قاضي القضاة من

هو الركن في الإسلام بالحنفية

لقد شاع في كل الأماكن ذكره

بحسن ثناء مع حياء وعفة

ورثاه محمد بن عبد الله الأزهري بقصيدة مطلعها :

لهفي على ركن من الأركان

قاضي القضاة سيد الأعيان

وهو لسان الدين مولانا الذي

ما مثله في سالف الأزمان

أبكيه درا مستحيلا لونه

حتى يصير الدر كالمرجان

أوردها الرضي الحنبلي بتمامها في تاريخه اقتصرنا منها على ما ذكرناه.

أما كتابة لسان الحكام فقد أكمله من بعده برهان الدين إبراهيم الخالقي العدوي الحنفي إلى الثلاثين فصلا وسماه «غاية المرام في تتمة لسان الحكام» فرغ من تأليفه سنة ١٠١٥ ، والكتاب مع تتمته طبع في مصر سنة ١٣١٠ طبعه الشيخ أحمد البابي الحلبي الكتبي المشهور على هامش كتاب «معين الحكام» وأظن أنه طبع غير مرة في مصر وهو مشهور متداول ، أما متمم الكتاب فإني لم أقف على ترجمته.

٦٢٦ ـ عبد العزيز بن العديم المتوفى سنة ٨٨٢

عبد العزيز بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله العز أبو البركات بن عضد الدين بن الجمال العقيلي بالضم الحلبي الحنفي والد الكمال عمر الآتي ، ويعرف كسلفه بابن العديم بفتح أوله وكسر ثانية وبابن أبي جرادة.

ولد في أحد الربيعين سنة إحدى عشرة وثمانمائة بالقاهرة ونشأ بها ، فقرأ القرآن والعمدة

٢٧٩

وألفية الحديث والنحو والمختار والمنظومة والأخسيكثي في الأصول وعرض على جماعة ، وأجاز له الولي العراقي والشمس البرماوي في آخرين منهم من أئمة الأدب البدر البشتكي والزين ابن الخراط ، بل سمع على الشمسين الشامي وابن الجزري والشهب شيخنا (يعني الحافظ ابن حجر) والمتبولي والواسطي وغيرهم. وببيت المقدس على الشمس ابن المصري وبحلب الكثير على البرهان الحلبي. واشتغل في الفقه على قاري الهداية والسعد ابن الديري والزين قاسم وجماعة ، وفي العربية على الشمني والشمس الرومي والمراغي وغيرهم ، وفي فن البديع والعروض على النواجي.

واستوطن حلب من سنة ٣٤ وكان يتردد منها إلى القاهرة ، ثم أعرض عن ذلك ولزم الإقامة بها. وحج وزار بيت المقدس. وباشر تدريس الحلاوية ويقال إنها هناك كالشيخونية بالقاهرة مع نصف نظرها ونظر الشاذبختية والخانقاه المقدمية الصوفية مع مشيختها ، وناب في قضاء سرمين ثم أقلع عن ذلك. وقد لقيته بحلب وسمع معي على جماعة وحدث باليسير.

وكان إنسانا حسنا متواضعا لطيف العشرة كريم النفس مع رياسة وحشمة وأصالة وفضيلة في الجملة ولكنه لفن الأدب أقرب ، ومما سمعته ينشد قوله :

يا كاتب السريا ابن الأكرمين ومن

شاعت مناقبه في العرب والعجم

وممن كتب عنه من نظمه البقاعي. وأثكل ولده المشار إليه فصبر وولي قضاء بلده في سنة وفاته حين كان السلطان هناك لشعوره ببذل مال هذا بعد عرضه عليه قديما فأبى ، فلم يلبث أن مات في عشرين ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين رحمه‌الله ا ه.

وله في در الحبب ترجمة موجزة قال فيها : إنه دفن بالجبيل بحلب كما وجدته بخط ابن السيد منصور الحنبلي ، ولم يتول أحد قضاء الحنفية بها منذ مات إلى أن وليه القاضي شهاب الدين أحمد بن الحلّاوي الحنفي عن بذل كثير سنة أربع وثمانين ا ه.

وله ولد اسمه عمر اشتغل وتفقه بابن أمير حاج وأخذ عن أبي ذر وغيره ، وسمع ببلده على جماعة ، وتميز وبرع ونظم وفاق وجمع ديوانا سماه «بدور الكمال». مات في سنة كان الأتابك والدوادار بحلب في حياة أبويه ولم يكمل الثلاثين رحمه‌الله.

٢٨٠