إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٥

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٥

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٥٧

كان في الإجتماع من قبل نور

فمضى النور وادلهمّ الظلام

فسد الناس والزمان جميعا

فعلى الناس والزمان السلام

وله :

إن رمت عيشا طيبا

صفوا بلا منازع

فاقنع بما أوتيته

فالعيش عيش القانع

ا ه (أبو ذر).

٥٨٠ ـ أبو بكر الأشقر البسطامي المتوفى سنة ٨٥٥

هو الشيخ الصالح شرف الدين أبو بكر الأشقر البسطامي الشافعي الحيشي.

نشأ تحت كنف الشيخ أبي بكر الحيشي فحصل له الخير ، وكان يحبه ويحضه على الاشتغال بالعلم فاشتغل بالنحو والقراءات ، أما النحو فقرأه على شهاب الدين بن زين الدين الموقع ، قرأ عليه فصول ابن معطي ، وانتهى إليه علم القراءات بعد موت الشيخ عبيد وأقرانه ، وحفظ البهجة لابن الوردي وقرأها على الشيخ علاء الدين ابن الوردي ، وحفظ منهاج البيضاوي وتلخيص المفتاح ودأب ، وكان دينا. توفي خامس ذي الحجة سنة خمس وخمسين وثمانماية ودفن بتربة الشيخ الأطعاني في (محلة المشارقة) وكانت جنازته حافلة ا ه (أبو ذر).

٥٨١ ـ الأمير ناصر الدين ابن التقا المتوفى سنة ٨٥٥

الأمير ناصر الدين بن الحاج إبراهيم ابن التقا البابي.

توفي بالقاهرة في شهر رمضان في الخامس والعشرين منه سنة خمس وخمسين وثمانماية.

آثاره :

قال أبو ذر : مدرسة ابن التقا : هذه المدرسة بالقرب من سويقة علي ، أوصى الأمير ناصر الدين ابن التقا أن يصرف من ماله في بناء مكتب للأيتام وعدتهم عشرة ومسجد وأن يرتب فيه قارئا يقرأ البخاري وثلاثة يتلون كتاب الله في نهار الاثنين والخميس ، ولما

٢٤١

مات قام صهره الحاج عمر التادفي في عمارة ذلك ، وشرع في عمارتها سنة ست وخمسين فجاءت بناء حسنا مصروفها يزيد على ثلاثة آلاف دينار ا ه.

وابن التقا كان أبوه ذا مال وكان صديقا لوالدي وعنده مباسطة ومفاكهة حسنة ، ونشأ له هذا الولد فعاداه أهل بلده فانتقل إلى حلب وباشر عند النواب ، واشترى بيتا من بني المهمندار وأضاف إليه بيوتا ، وصار ذا وجاهة عند الحكام وينسب إلى عقل ، وكان يتكلم خيرا بدار العدل ويدافع عن بلده ، فتوفي عن أولاد من جملتهم شهاب الدين أحمد ، فأوصى أحمد عند موته بشراء وقف للمدرسة مضاف لوقف والده وأن يرتب للمدرسة مدرس شافعي ، فلم يقوموا بذلك وقالوا إن عليه دينا وإن تركته لا تفي بالديون ا ه (أبو ذر).

أقول : لم أعرف مكان هذه المدرسة ، وانظر ما آل إليه أمرها في ترجمة حفيده محمد المتوفى سنة ٩٥٨.

٥٨٢ ـ عماد الدين إسماعيل بن التيرباج المتوفى سنة ٨٥٥

عماد الدين إسماعيل بن التيرباج الشافعي.

هذا الرجل ولي الحكم بأريحا وسرمين والفوعة ، ونظم الشعر ، وقال لي شيخنا أبو الفضل بن حجر لما أوقفته على نظمه : هذا أصلح نظم أهل العصر. ومن شعره :

ألا ذاب كل الليل في مقلة الفجر

وريق الندى قد راق في مبسم الزهر

وأسفرت الكثبان عن رائق الحلى

وماست غصون البان في الحلل الخضر

وهي طويلة. ومن شعره :

لما قرفت من البلاد

أردت أن أتفوّعا

وكان حسن الشكالة والمحاضرة والمجالسة والمفاكهة وله تاريخ وقفت عليه ، وفي أوله قيل إن أبا بكر يجتمع مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في النسب في مرة بن كعب انتهى.

فأقول : وهذا بلا خلاف بين أهل النسب وأنه ابن عمه ، لكن المؤرخ صاحب الترجمة من أهل الفوعة. وله ديوان قطعه في حال حياته ، وسألته عن سبب ذلك فقال لي : كان

٢٤٢

الشخص قديما إذا نظم القصيدة ومدح بها أحدا أجرى عليه وأعطاه الجوائز السنية ، وأنا الآن أنظم القصيدة وأرسل مع الخدم العسل وغيره حتى تقبل ، ففي حال حياتي أبذل مالي وبعدي يقال ما أكثر ما سأل بقصائده. وكان يقول : أنا من الخزرج ويكتب ذلك بخطه ، وينسب إلى تشيع ، وكان كريم النفس جدا يجود على أصحابه ويفضل عليهم ويحسن إلى الغرباء ، وحمدت سيرته في ولايته ، وله المدائح الغرر في رؤساء حلب ، ومن ذلك ما امتدح به القاضي الحنفي ابن الشحنة في سنة خمسين لما قدم من القاهرة وأنشدنيها :

صدور أيامنا بك انشرحت

وأنفس المكرمات قد شرحت

والدهر كم قد شكا تغيّره

بعدك واليوم حاله صلحت

أشرف عيد نهار مقدمكم

فيه العدى بالعيون قد ذبحت

كانت نفوس الأنام قد سكرت

غما فمنها وقد دنوت صحت

أطلعت شمس الفخار مشرقة

من بعد ما للغروب قد جنحت

وهي طويلة أوردها أبو ذر بتمامها وختمها بقوله :

بقيت ما ماست الغصون وما

سرى من البان نسمة نفحت

وكانت وفاته تاسع عشر رجب سنة خمس وخمسين وثمانماية ودفن بمصلى العيد خارج سرمين ا ه. (أبو ذر).

٥٨٣ ـ قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني المتوفى سنة ٨٥٥

محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود العلامة ، فريد عصره ووحيد دهره ، عمدة المؤرخين مقصد الطالبين ، قاضي القضاة بدر الدين أبو محمود وأبو الثناء ابن القاضي شهاب الدين ابن القاضي شرف الدين العينتابي الأصل والمولد والمنشأ ، المصري الدار والوفاة ، الحنفي قاضي قضاة الديار المصرية وعالمها ومؤرخها.

سألته عن مولده فكتب إلي بخطه رحمه‌الله : مولدي في السادس والعشرين من شهر رمضان سنة اثنتين وستين وسبعمائة في درب كيكن انتهى.

قلت : ونشأ بعينتاب ، وحفظ القرآن الكريم وتفقه على والده وغيره. وكان أبوه قاضي عينتاب وتوفي بها في شهر رجب سنة أربع وثمانين وسبعمائة. ورحل ولده صاحب

٢٤٣

الترجمة إلى حلب وتفقه بها ، وأخذ عن العلامة جمال الدين يوسف بن موسى الملطي الحنفي وغيره.

ثم قدم لزيارة بيت المقدس فلقي به العلامة علاء الدين أحمد بن محمد السيرامي الحنفي شيخ المدرسة الظاهرية برقوق ، وكان العلاء أيضا توجه لزيارة بيت المقدس فاستقدمه معه إلى القاهرة في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة ونزله في جملة الصوفية بالمدرسة الظاهرية ثم قرره خادما بها في أول شهر رمضان منها ، فباشر المذكور الخدامة حتى توفي العلامة علاء الدين السيرامي في سنة تسعين وسبعمائة ، وقد انتفع به صاحب الترجمة وأخذ عنه علوما كثيرة في مدة ملازمته له ، ولما مات العلاء السيرامي أخرجه الأمير جاركس الخليلي (الأمير أخور) من الخدامة وأمر بنفيه لما أنهوه عنه الحسدة من الفقهاء حتى شفع فيه شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني ، فأعفي من النفي وأقام بالقاهرة ملازما للاشتغال ، وتردد للأكابر من الأمراء مثل الأمير جكم بن عوض والأمير قلمطاي الدوادار قبله وتغري بردي القردمي وغيرهم حتى توفي الملك الظاهر برقوق في شوال سنة إحدى وثمانمائة فولي بعد ذلك حسبة القاهرة في يوم الاثنين مستهل ذي الحجة سنة إحدى وثمانمائة عوضا عن الشيخ تقي الدين المقريزي ، فلم تطل مدته وصرف أيضا بالشيخ تقي الدين المقريزي في سنة اثنتين وثمانمائة.

قلت : وولاياته لحسبة القاهرة يطول الشرح فيها لأنه وليها غير مرة آخرها في سنة ست وأربعين وثمانمائة عوضا عن يار علي الطويل الخراساني. انتهى.

ثم ولي المذكور في الدولة الناصرية عدة تداريس ووظائف دينية واشتهر اسمه وأفتى ودرس وأكب على الاشتغال والتصنيف إلى أن ولي في الدولة المؤيدية [شيخ] نظر الأحباس ، وصار من أعيان فقهاء الحنفية ، وأرخ وكتب وجمع وصنف وبرع في علوم كثيرة كالفقه واللغة والنحو والتصريف والتاريخ ، وشارك في الحديث ، وسمع الكثير في مبدأ أمره وقرأ بنفسه ، وسمع التفسير والحديث والعربية.

فمن التفسير تفسير الزمخشري وتفسير النسفي وتفسير السمرقندي.

ومن الحديث الكتب الستة ومسند الإمام أحمد وسنن البيهقي والدار قطني ومسند عيد ابن حميد والمعاجم الثلاثة للطبراني وغير ذلك.

٢٤٤

ومن العربية المفصّل للزمخشري والألفية لابن مالك في النحو وغيرهما.

وتصدر للإقراء سنين واستمر على ذلك إلى أن طلبه الملك الأشرف برسباي وخلع عليه باستقراره قاضي قضاة الحنفية بالديار المصرية في يوم الخميس سابع عشرين شهر ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وثمانمائة بعد عزل قاضي القضاة زين الدين عبد الرحمن التفهني وخلع على التفهني بمشيخة خانقاه شيخو بعد موت شيخ الإسلام سراج الدين عمر قاري الهداية ، فباشر المذكور وظيفة القضاء بحرمة وافرة وعظمة زائدة لقربه من الملك ولخصوصيته به ولكونه ولي القضاء من غير سعي.

وكان ينادم الملك الأشرف ويبيت عنده في بعض الأحيان ، وكان يعجب الأشرف قراءته في التاريخ كونه كان يقرأ باللغة العربية ثم يفسر ما قرأه باللغة التركية وكان فصيحا في اللغتين. وكان الملك الأشرف يسأله عن دينه وعما يحتاج إليه من العبادات وغيرها فكان العيني يجيبه بعبارة تقرب من فهمه ويحسن له الأفعال الحسنة ، حتى لقد سمعت الأشرف في بعض الأحيان يقول : لولا العينتابي ما كنا مسلمين ا ه.

واستمر في القضاء إلى أن صرف وأعيد التفهني في يوم الخميس سادس عشرين صفر سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة. وفي اليوم المذكور أيضا صرف قاضي القضاة شهاب الدين ابن حجر بقاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني ، فلزم المذكور داره أياما يسيرة وطلبه السلطان إلى عنده وصار يقرأ له على عادته. ثم ولاه حسبة القاهرة في شهر ربيع الآخر من السنة عوضا عن الأمير إينال الشمشاني ، وكان الشمشاني ولي الحسبة عنه فباشر الحسبة إلى أن أعيد إلى القضاء في سابع عشرين جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وثمانمائة عوضا عن التفهني بحكم طول مرض موته ، فباشر القضاء والحسبة والأحباس معا مدة طويلة إلى أن صرف عن الحسبة بالأمير صلاح الدين محمد بن حسن بن نصر الله.

واستمر في القضاء ونظر الأحباس إلى أن توفي الملك الأشرف برسباي في ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وتسلطن ولده الملك العزيز يوسف وصار الأتابك جقمق العلائي مدبر مملكته ، عزله جقمق المذكور عن القضاء بشيخ الإسلام سعد الدين سعد ابن محمد الديري في يوم الاثنين ثالث عشر المحرم من سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة ، فلزم المذكور داره مكبا على الأشغال والتصنيف إلى أن ولاه الملك الظاهر جقمق حسبة القاهرة

٢٤٥

مرتين لم تطل مدته فيها ، الأولى عن الأمير تنم بن عبد الرزاق المؤيدي والثانية عن يار علي الطويل.

ثم ركدت ريحه وتضعف عن الحركة لكبر سنه واستمر مقيما بداره إلى أن أخرجت عنه الأحباس لعلاء الدين علي بن محمد بن أقبرس أحد نواب الحكم الشافعي وندماء الملك الظاهر جقمق في سنة ثلاث وخمسين ، فعظم عليه ذلك لقلة موجوده ، وصار يبيع من أملاكه وكتبه إلى أن توفي ليلة الثلاثاء رابع ذي الحجة سنة خمس وخمسين وثمانمائة ، وصلي عليه بالغد في الجامع الأزهر ودفن بمدرسته بجوار داره رحمه‌الله. وكانت جنازته مشهودة ، وكثر أسف الناس عليه.

وكان بارعا في عدة علوم مفننا عالما بالفقه والأصول والنحو والتصريف واللغة مشاركا في غيرهم مشاركة حسنة ، أعجوبة في التاريخ ، حلو المحاضرة ، محظوظا عند الملوك إلا الملك الظاهر جقمق ، كثير الاطلاع واسع الباع في المعقول والمنقول لا يستنقصه متغرض ، قل أن يذكر علم إلا ويشارك فيه مشاركة جيدة. ومصنفاته كثيرة الفوائد أخذت عنه واستفدت منه ولي منه إجازة بجميع مروياته وتصانيفه.

وكان شيخا أسمر اللون قصيرا مسترسل اللحية فصيحا باللغة التركية لكلامه في التاريخ وغيره طلاوة. وكان جيد الخط سريع الكتابة ، قيل إنه كتب كتاب القدوري في الفقه في ليلة واحدة في مبادي أمره. وكانت مسوداته مبيضات. وله نظم ونثر ليس بقدر علمه ، ومن مصنفاته شرح البخاري في مجلدات كثيرة نحو العشرين مجلدا ، وشرح الهداية في الفقه ، وشرح الكنز في الفقه ، وشرح مجمع البحرين في الفقه أيضا ، وشرح تحفة الملوك وشرح الكلم الطيب لابن تيميّة ، وشرح قطعة من سنن أبي داود ، وقطعة كبيرة من سيرة ابن هشام ، وشرح العوامل ، وشرح الجاربردي ، وكتاب في المواعظ والرقائق في ثماني مجلدات ، ومعجم مشائخه في مجلد ، ومختصر في الفتاوي الظهيرية ، ومختصر المحيط ، وشرح التسهيل لابن مالك مطولا ومختصرا ، وشرح شواهد الألفية لابن مالك وهو كتاب نفيس احتاج إليه صديقه وعدوه وانتفع بهذا الكتاب غالب علماء عصره ، وشرح معاني الآثار للطحاوي في اثنتي عشرة مجلدة ، وكتاب طبقات الشعراء ، وحواشي على شرح الألفية لابن مالك ، وكتاب طبقات الحنفية ، والتاريخ الكبير على السنين في عشرين

٢٤٦

مجلدا (١) واختصره في ثلاث مجلدات ، والتاريخ الصغير في ثماني مجلدات وعدة تواريخ أخر ، وحواشي على شرح السيد عبد الله ، وشرح عروض ابن الحاجب ، وشرح الساورية في العروض ، واختصر تاريخ ابن خلكان ، وعدة تصانيف لم يحضرني الآن ذكرها. وفي الجملة كان من أوعية العلم وممن رأى تلك العلماء الأعلام وأخذ عنهم رحمه‌الله تعالى ا ه. (المنهل الصافي).

أقول : طبع من مؤلفاته شرحه على البخاري في الآستانة في ١١ مجلدا ضخما ، وشرحه على الكنز ، وشرح شواهد الألفية المسمى بالمقاصد النحوية طبع هذان في مصر.

٥٨٤ ـ أحمد بن أحمد بن أغلبك المتوفى سنة ٨٥٥

أحمد بن أحمد بن أوغلبك بضم المعجمة وإسكان اللام وفتح الموحدة وآخره كاف ابن عبد الله شهاب الدين ابن الأمير شهاب الدين الجندي الحلبي أحد أجنادها المعتبرين.

ولد بها في أواخر سنة أربع وثمانين وسبعماية ، وبخط بعضهم تسع وخمسين وأظنه غلطا. وكان والده ممن تولى الحجوبية والأستادارية وغيرها بحلب ، فنشأ هذا وسمع على ابن صديق في البخاري ، وولي نظر جامع ألطنبغا.

وأثنى عليه البرهان الحلبي بالمحافظة على وظائف العبادة وحسن السيرة والحذق في فنه. أخذ عنه بعض الطلبة. ومات في حدود سنة خمسين ظنا ا ه.

وترجمه أبو ذر بنحو ما تقدم وقال : توفي سنة خمس وخمسين وثمانماية ودفن خارج باب المقام في تربته ا ه.

٥٨٥ ـ الحسن بن سلامة المتوفى سنة ٨٥٦

الحسن بن أبي بكر بن محمد بن عثمان بن أحمد بن عمر بن سلامة البدر أبو محمد المارديني ثم الحلبي الحنفي أخو البدر محمد الآتي ، ويعرف بابن سلامة.

__________________

(١) اسمه «عقود الجمان في تاريخ أهل الزمان». قال أحمد تيمور باشا في مقالته نوادر المخطوطات : منه نسخة في أربعة وعشرين جزءا في مكتبة ولي الدين بالآستانة ، وفي السلطانية بالقاهرة ستة أجزاء.

٢٤٧

ولد سنة سبعين وسبعماية بماردين ، وكان أبوه مدرسها فانتقل ولده هذا إلى حلب فقطنها.

وحج وجاور فسمع هناك على ابن صديق الصحيح وعلى الجمال ابن ظهيرة ، واشتغل كثيرا على أخيه بل شاركه في الطلب وحفظ الكنز والمنار وعمدة النسفي والحاجبية. وساح ثم أقام وتكسب بالشهادة مع النساخة ، وأم في الثانية بجامع حلب ونزل له أخوه عند موته عن تدريس الحدادية ، وحدث سمع منه الفضلاء. مات بحلب بعد أن أهرم بعد سنة خمسين ظنا ا ه.

وترجمه الشيخ أبو ذر في وفيات سنة ٨٥٦ فقال : هو الشيخ العدل بدر الدين الحسن ابن سلامة الحنفي ، قرأ على الشيخ أحمد الآمدي السعدي والشيخ حسام الدين صاحب البحار ، وعرض على القاضي برهان الدين ابن جماعة الكنز والمنار والعمدة في أصول الدين والحاجبية وتصريف العزي والأندلسية في العروض وإيساغوجي في المنطق وذلك بدمشق.

وسافر من ماردين إلى حلب ثم إلى حماة ثم إلى دمشق ثم إلى القدس فاجتمع بولي الله العارف عبد الله البسطامي ، ثم رجع إلى ماردين فجاء تيمور فراح إلى بلد الروم إلى سيواس فاجتمع بصاحبها القاضي برهان الدين. وأنشدني من شعره :

رويدك حادي العيس أعتب مطيّتي

من السير في أوصاف خير البريّة

بروحي بازيّ تنزّل نحونا

ليصطادنا من حضرة الأحديّة

ثم سافر إلى بورسة وخرج مع الغازين إلى أسرانبا من بلاد الفرنج فحضر الغزو وحضر حصار القسطنطينية والغلطة ، ثم رجع إلى سراينك من الروم فأقام ثلاث سنين ، ثم رجع إلى بلده ، ثم خرج منها إلى مصر ثم إلى الحجاز فاجتمع بابن صديق فسمع عليه البخاري وبابن ظهيرة الشيخ جمال الدين رفيق والدي فسمع عليه صحيح مسلم ، وجاور سنة واجتمع بالشيخ أبي بكر الجبرتي ، ثم قدم حلب وسكن بالرواحية وتكسب بالشهادة. ومولده سنة سبعين وسبعمائة كما رأيته بخطه.

وكان دينا خيرا كريم النفس يوثر الفقراء ويحبهم ويميل للأيتام ويحسن إليهم ويربيهم ، وفيه سذاجة ، وصلى إماما بمحراب الحنفية بجامع حلب بعد وفاة أخيه ، وكانت وفاته في المحرم سنة ست وخمسين وثمانمائة ا ه (أبو ذر).

٢٤٨

٥٨٦ ـ محمد بن عمر سراج الدين المتوفى سنة ٨٥٦

محمد بن عمر الملقب بسراج الدين.

قال في «الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية» : كان رحمه‌الله تعالى من نواحي حلب ، ولما أغار تيمور خان على البلاد الحلبية أخذه معه إلى ما وراء النهر وقرأ هناك على علمائها ، ثم أتى بلاد الروم في زمن السلطان مراد خان وأكرمه السلطان ونصبه معلما لابنه السلطان محمد خان ، ثم أعطاه مدرسة بأدرنة وتلك المدرسة مشتهرة بالانتساب إليه إلى الآن (أي أنها تسمت بالمدرسة الحلبية وكثير من رجال الشقائق تولوا التدريس فيها) ودرّس فأفاد وصنف فأجاد ، وكان سريع الكتابة ، وسمعت بعض أحفاده أنه قال : أكثر الكتب التي عندنا بخط جدي. وله حواش على الشرح المتوسط للكافية (١) وحواش على شرح الطوالع للسيد العبري. توفي رحمه‌الله تعالى وهو مدرس بالمدرسة المزبورة في أوائل سلطنة السلطان محمد خان (أي في سنة ٨٥٦ أو ٨٥٧) روّح الله روحه ونوّر ضريحه. ا ه.

أقول : ولسراج الدين المذكور ولد اسمه عبد الرحمن ولهذا ولد اسمه محمد وقد فضلا أيضا وهما من رجال الشقائق ا ه.

٥٨٧ ـ محمد بن عمر الغزولي المتولى سنة ٨٥٧

محمد بن عمر الشمس الغزولي الحلبي الشافعي ويعرف بابن العطار ولكنه بالغزولي أشهر ، ممن أخذ عن عبيد البابي وكتب غالب تصانيفه وقرأها عليه وخلفه في حلقته بالجامع احتسابا بحيث انتفع به غالب الحلبيين كالسلامي وابني أبي النصيبي ، كل ذلك مع اشتغاله بسوق العبي وتنزيله في بعض الجهات. مات فيما بين الستين والخمسين رحمه‌الله ا ه.

ثم رأيت له ترجمة في كنوز الذهب ذكره فيمن توفي من الأعيان في سنة سبع وخمسين وثمانمائة في ثالث جمادى الأولى ، قال : كان يتجر بسوق الغزل ويدرس أول النهار وآخره ، واجتمعت عليه الطلبة ، وكان يعرف منهاج النووي. وهو قليل الكلام منقطع عن الناس ، ومولده قبل محنة تيمور ، ولا يتأنق في المأكل والملبس وهو من عباد الله الصالحين ، وله

__________________

(١) يوجد نسخة منه في مكتبة لا له لي في الآستانة.

٢٤٩

مال عريض. وكان ينظر على ما يقريه من المنهاج ويحفظه وينقله ، ثم بعد ساعة ينساه كأن لم يكن ، ودرس منهاج البيضاوي في آخر عمره ا ه.

٥٨٨ ـ محمد بن عمر بن النصيبي المتوفى سنة ٨٥٧

محمد بن عمر بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر (١) بن هبة الله ابن عبد القادر بن عبد الواحد بن هبة الله بن طاهر بن يوسف بن محمد الضيا بن الزين ابن الشرف بن التاج أبي المكارم بن الكمال أبي العباس بن الزين أبي عبد الله القرشي الأموي الحلبي الشافعي والد عمر وأبي بكر ، ويعرف كسلفه بابن النصيبي نسبة لبلد نصيبين جزيرة ابن عمر ، من بيت كبير معروف بالرياسة والجلالة يقال إنهم من ذرية عمر بن عبد العزيز.

ولد كما قرأته بخطه في أواخر سنة إحدى وثمانين وسبعماية بحلب ونشأ بها فحفظ القرآن وصلى به في جامعها الأموي ، والمنهاج وألفية النحو وعرضها على ابن خطيب المنصورية قبل الفتنة. واشتغل قليلا ولازم البرهان الحافظ وحج معه في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة وكانت الوقفة الجمعة. وسمع على ابن المرحل وابن صديق والسيد العز الإسحاقي ومحمد ابن محمد بن محمد بن الطباخ وغيرهم. وولي ببلده توقيع الدست وقضاء العسكر ، بل وتدريس السيفية والإعادة بالظاهرية وناب في كتابة سرها ، بل عرضت عليه مرة استقلالا فامتنع ، كل ذلك مع دماثة الأخلاق والثروة والعقل والحشمة والرياسة. وقد حدث سمع منه الفضلاء. وقدم القاهرة فقرأت عليه بعض الأجزاء ، ورجع في محفة لكونه كان متوعكا فأقام ببلده حتى مات في ذي القعدة سنة سبع وخمسين ودفن بحوش بالقرب من الدقماقية.

وكتب لشيخنا حين كان بحلب من قوله :

العبد طولب بالجواب عن الذي

لم يخف عنكم عن سؤال السائل

فانعم به لا زلت تنعم مفضلا

بفوائد وعوائد وفواضل

وترجمه الحافظ أبو ذر في كنوز الذهب ، ومما قاله في ترجمته : أنه كتب في ديوان الإنشاء ، وقرأت عليه قطعة من الاستيعاب بسند والدي عن السيد عز الدين نقيب

__________________

(١) في الأصل : عبد القادر ، ولعل ما أثبتناه نقلا عن الضوء اللامع هو الصواب.

٢٥٠

الأشراف ، واختصر تاريخ ابن خلكان ، وله معرفة بأنساب أقاربه ، واعتنى بذلك وجمعهم في كراريس.

وكان رئيسا صدرا محتشما كريم النفس والأخلاق حسن المحاضرة والمفاكهة لا تمل مجالسته كبير الرياسة غزير السياسة ولا ينزل من مضارب الرياسة إلا في خباء مروءة ، يود من لا يعرفه ويسعف قاصده ولا يعنفه. ولم يزل على حالته إلى أن مضى إلى حال سبيله ، وأنجب ولداه العلامتان زين الدين وشرف الدين ، وكان هو وهما أعيان عصرهم وشامة حلب بل شامهم.

إذا ركبوا زانوا المواكب هيبة

وإن جلسوا كانوا صدور المجالس

وهم من بيت سعادة وحشمة ، وسيادة ونعمة ، وفتوى وفتوة ، ومكارم للناس مرجوة.

من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم

مثل النجوم التي يسرى بها الساري

ولما بلغت وفاته المحبي ابن الشحنة حزن عليه حزنا عظيما وكتب إلى صهره القاضي زين الدين من قصيدة يرثيه بها :

لقد ضحكت رياض الأرض لما

بكت من فوقها سحب السماء

وقد فقد الضياء فصار ليلا

نهار العز من فقد الضياء

وقلت مضمّنا :

ابن النصيبيّ الضياء له الورى

عدموا وحزنهم عليه طويل

هيهات لا يأتي الزمان بمثله

إن الزمان بمثله لبخيل

وكان قد أصابه الفالج قبل ذلك وداواه معين الدين العجمي ا ه.

ورأيت مجموعة فيها عدة رسائل في المكتبة الموقوفة على التكية الإخلاصية في حلب معظمها بخط المترجم منها التبيين لأسماء المدلسين ، وتذكرة الطالب المعلم بمن يقال إنه مخضرم ، والاغتباط بمن رمي بالاختلاط ، والرسائل الثلاثة للحافظ الكبير البرهان إبراهيم الحلبي وقد تقدمت ترجمته.

٢٥١

٥٨٩ ـ محمد بن أحمد العجمي المتوفى سنة ٨٥٧

محمد بن أحمد بن عمر بن الضيا محمد بن عثمان بن عبيد الله بن عمر ابن الشهيد أبي صالح عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن بن عبد الرحمن بن طاهر بن محمد بن محمد الشهاب أبو جعفر بن الشهاب أبي العباس بن أبي القاسم القرشي الأموي الحلبي الشافعي ، ويعرف بابن العجمي.

ولد في العشر الأول من ربيع الأول سنة خمس وسبعين وسبعماية بحلب ونشأ بها ، فسمع على الشهاب ابن المرحل والشرف أبي بكر الحراني وأبي حفص بن عمر أيدغمش وخليل بن محمود الشهابي وأبي جعفر الأندلسي والعز الحسيني وابن صديق في آخرين ، وبدمشق على عائشة ابنة ابن عبد الهادي ، وبالقاهرة على البلقيني وغيره. أجاز له الصلاح ابن أبي عمر وجويرية الهكارية والحراوي وخلق. وكان قد تفقه بالزين ابن الكركي والشرف الداديخي. وولي قضاء حلب عقب الفتنة في إمرة دمرداش فسار فيه أحسن سيرة ، ثم عزل نفسه بعد أربعة أشهر لكون نائبها طلب منه القرض من الأوقاف أو من مال الأيتام ولم ينفك عن النيابة عمن يليه ، وكذا باشر نظر عدة مدارس وتدريسها كمدرسة جده الشرفية والزجاجية والسيفية والظاهرية وحدث. كتب عنه شيخنا وأورده في معجمه وقال : أجاز لأولادي ، ثم سمعت عليه بحلب أشياء ذكرتها في فوائد الرحلة انتهى. وممن سمع منه من أصحابنا ابن فهد ومن شيوخنا الأبي مع أبي موسى في سنة خمس عشرة وأجاز له.

وكان من رؤساء بلده وأصلائها لطيف المحاضرة حريصا على ملازمة البرهان الحلبي حتى إنه حج هو وإياه في سنة ثلاث عشرة ، ثم حج بمفرده بعد ذلك. وكتب عن البرهان شرحه للبخاري وغيره من تصانيفه وسمع عليه غالب الكتب الستة ، ذا شكالة حسنة ، رأى الناس وتأدب بهم لكن مع الإمساك وحدة الخلق.

مات في بكرة يوم الأربعاء منتصف رمضان سنة سبع وخمسين وصلي عليه بجامع الكبير ودفن بالمدرسة الكاملية بالجبيل الصغير وهو في عقود المقريزي وبيض له رحمه‌الله وإيانا ا ه.

وترجمه أبو ذر في كنوز الذهب ، ومما قاله في ترجمته : نشأ يتيما في حجر عمه شمس الدين ، وقرأ على والدي كثيرا ، وكان يتأدب بآدابه ، وحج معه سنة ثلاث عشرة ولازمه

٢٥٢

إلى أن مات والدي ، وبعد تيمور ولي قضاء حلب.

وكان شكلا حسنا لا يتكلم إلا بخير ويأكل من أوقاف أسلافه. وكتب شرح والدي على البخاري وكتب كثيرا من الفقه وغيره ، وآل إليه تدريس الزجاجية والشرفية والظاهرية ومشيخة الشمسية ونظر الجميع. وكانت أوقاف بني العجمي منتظمة في أيامه ، وعمر شمالية الشرفية وغيرها. وكان يلبس الثياب الفاخرة وأثرى ، ولما توفي خلف مالا جزيلا وكتبا كثيرة وملبوسا سنيا فاخرا جما ودفن عند أسلافه بالجبيل [أي بالمدرسة الكاملية مدرسة بني العجمي المعروفة الآن بجامع أبي ذر].

٥٩٠ ـ عمر بن أحمد العباسي المتوفى سنة ٨٥٨

عمر بن أحمد بن يوسف العباسي الحلبي الحنفي ويعرف بالشريف النشابي جريا على مصطلح تلك النواحي في عدم تخصيص الشرف ببني فاطمة بل يطلقونه لبني العباس بل وفي سائر بني هاشم.

ولد في رجب سنة تسع وسبعين وسبعماية في البياضة من محال حلب ، وقرأ بها القرآن على الشمس الغزي ، وسمع وهو ابن سبع عشرة سنة البخاري بقراءة البرهان الحلبي بجامع حلب على بعض الشيوخ ، وتعلم بحلب صنعة النشاب فبرع فيها ، وتردد إلى الشام ، ثم قدم القاهرة فلازم ألطنبغا المعلم المعروف بمملوك النائب ، وكان كل منهما يعرف من صنعة النشاب ما لا يعرف الآخر ، فضم السيد ما عند ألطنبغا إلى ما عنده فصار أوحد أهل زمانه والمرجع إليه فيه عند الملوك ومن سواهم ، ثم رجع إلى دمشق فتزوج بها واشتغل في فقه الحنفية على الزين الأعزازي ولازم الشيخ عبد الرحمن الكردي الشافعي فانتفع بمواعيده ودينه وخيره ، ثم رجع إلى القاهرة في نحو سنة عشرين فقطنها ولازم السراج قاري الهداية وارتزق من صنعة النشاب وكان المقدم فيها عند المؤيد فمن بعده ومن الملوك إلى أثناء أيام الظاهر ، وممن زعم أنه انتفع به في ذلك البقاعي وترجمه وكتب عنه عجائب وقال : إنه كان مع ذلك خيرا حسن العشرة سخيا كثير التلاوة مواظبا على العبادة متواضعا.

مات في ليلة الثلاثاء تاسع عشر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين ودفن خارج باب النصر رحمه‌الله ا ه.

٢٥٣

٥٩١ ـ سالم بن سلامة المتوفى سنة ٨٥٨

سالم بن سلامة بن سليمان مجد الدين الحموي الحنبلي.

ولي قضاء حلب فلم تحمد سيرته بحيث قتل فيها ابن قاضي عينتاب خنقا بغير مسوغ معتمد وحبس لذلك بقلعة حلب إلى أن خنق على باب محبسه في سنة ثمان وخمسين. وكان فيما قيل ذا مشاركة ومذاكرة بالشعر مع معرفة بالأحكام في الجملة ، ولكنه كان متهورا حاد الخلق محبا في القضاء عفا الله عنه ا ه.

٥٩٢ ـ أقبردي الظاهري المتوفى سنة ٨٥٩

أقبردي الساقي الظاهري جقمق ، اشتراه في سلطنته ونزله في الطباق جلبانه السالف بناي الجركسي حتى جعله خاصكيا ثم ساقيا ، كل ذلك في أقرب مدة. ثم ندب لأمر بحلب يتعلق بالسلطنة ، فلما وصلها بعث إليه خلعة بنيابة قلعتها مع صغر سنه ، ثم نقله إلى أتابكيتها بعد سودون القرماني. وقدم القاهرة بعد يسير فأقام بها مدة ثم رجع إلى حلب بعد إلباسه خلعة ثم نقل منها إلى نيابة ملطية ومات بها في ذي الحجة سنة تسع وخمسين ، وحمل منها إلى حلب فدفن بتربته التي أنشأها بها وسنه نحو الثلاثين. وكان عفيفا عاقلا ساكنا ا ه.

قال أبو ذر في حوادث سنة ٨٦٠ : وفي يوم الجمعة ثاني المحرم وصلت جنازة أقبردي نائب ملطية إلى حلب ودفن خارج باب المقام في تربته التي أنشأها. وأقبردي المذكور ولي نيابة قلعة حلب في أيام الظاهر جقمق وباشر بحشمة زائدة وعقل راجح ، وكان دينا كأستاذه لا يعرف شيئا عن الفواحش.

وحج من حلب في سنة سبع وخمسين حجة عظيمة ودافع عن الحاج العرب وأحسن إليهم. وتوفي الظاهر جقمق وبلغه الخبر فجاء على الهجن إلى حلب وصعد القلعة وحفظها على ولده المنصور. ووجد شيخنا أبا الفضل ابن الشحنة في شدة عظيمة وكان بينهما وحشة وأخرب له حانوتا تجاه باب القلعة ونقل ترابه وحجارته إلى القلعة ، فلما وجده كذلك أحسن إليه ورق عليه وأظهر له أنه إنما خاصمه لأجل الدين ، فإن أهل العلم يحب أن يكون فعلهم كقولهم رحمه‌الله تعالى ا ه.

٢٥٤

٥٩٣ ـ أحمد بن محمد العز الحاضري المتوفى سنة ٨٦٠

أحمد بن محمد بن خليل بن هلال بن حسن الشهاب ابن العز الحاضري الحلبي الحنفي الآتي أبوه.

ولد في سادس شوال سنة أربع وثمانين وسبعمائة بحلب. وسمع بها على الشهاب بن المرحل إلى الطلاق من النسائي ، وأجاز له الشمس العسقلاني المقري ومحمد بن محمد بن عمر بن عوض وغيرهما. وحدث سمع منه الفضلاء. لقيته بحلب وقد شاخ وكف فقرأت عليه أول النسائي جزءا.

وكان خيرا كثير المحافظة على التلاوة الحسنة وشهود الجماعات مداوما على السبع في الجامع الكبير نحو أربعين سنة حسن المعرفة بالتعبير مشهورا به ، صنف به «حاوي العبير في علم التعبير». وحفظ في صغره المختار واشتغل على أبيه وغيره ، ولم يل القضاء كإخوته ولذا كان البرهان الحلبي يقدمه ، بل أقام مدة يتكسب من صناعة الحرير وهي عقد الأزرار ، فلما كف تعطل. مات في حدود سنة ستين ظنا ا ه.

٥٩٤ ـ محمد بن حسن التاذفي المتوفى سنة ٨٦٠

محمد بن حسن بن إبراهيم بن عبد المجيد بن محمد بن يوسف الشمسي التاذفي الأصل الحلبي الشافعي.

ولد في رمضان سنة ست وتسعين وسبعمائة بحلب ونشأ بها فقرأ القرآن عن منصور وغيره ، وتفقه بعبيد بن علي البابي ومحمد الأعزازي وغيرهما ، وسمع على ابن صديق ، بل قرأ بنفسه على البرهان الحلبي وغيره ، وتكسب في حانوت بالسقطيّة (١). وقرأ البخاري وغيره على العامة. لقيته بحلب فقرأت عليه ثلاثيات الصحيح.

وكان خيرا متعبدا متواضعا متوددا ساكنا حسن السمت راغبا في الخير. مات ظنا قريب الستين رحمه‌الله ا ه.

__________________

(١) في «الضوء اللامع» : بالبسطيين. وليس في حلب مكان يعرف بهذا الاسم.

٢٥٥

٥٩٥ ـ محمد بن أمين الدولة المتوفى سنة ٨٦١

محمد بن محمد بن عمر بن عبد الوهاب بن عبد العزيز ناصر الدين بن الشمس أبي عبد الله بن النجم الحلبي الحنفي ، ويعرف بابن أمين الدولة.

ولد في ربيع الأول سنة تسع وتسعين بحلب ونشأ بها ، فقرأ القرآن على الشمس الغزي وسعد الدين السعيد وغيرهما ، وحفظ المختار وتصريف العزي والجمل الجرجانية ، وأخذ في الفقه عن أبيه والبدر بن سلامة والعز الحاضري وآخرين ، وسمع الصحيح على ابن صديق ، وأجاز له عائشة ابنة ابن عبد الهادي وعبد الكريم بن محمد بن القطب الحلبي والبدر النسابة الكبير وابن خلدون وآخرون. وناب في القضاء عن والده وباكير وغيرهما ، بل باشر تدريس المقدمية ، وحدث سمع منه الفضلاء. قرأت عليه بحلب المائة انتقاء ابن تيميّة من البخاري.

وكان عاقلا كريما جيدا سيوسا من بيت حشمة ورياسة وثروة وأوقاف. مات في حدود الستين رحمه‌الله ا ه.

قال أبو ذر : وفي يوم الأحد تاسع ذي القعدة كانت وفاة شمس الدين محمد بن أمين الدولة الحنفي قاضي أنطاكية بحلب ودفن عند والده في تربة عز الدين الحاضري. وكان حسن المعاشرة كريم الأخلاق ، وولي نيابة الحكم بحلب وقضاء أنطاكية وباشر بعفة وأثنى على كرمه وحسن أخلاقه ا ه.

٥٩٦ ـ فاطمة بنت عشائر المتوفاة في هذا العقد ظنا

فاطمة بنة عبد الله بن أحمد بن محمد بن عشائر الحلبي.

ولدت سنة سبع وسبعين وسبعمائة ، وأجاز لها الصلاح ابن أبي عمر وغيره. ذكرها التقي ابن فهد في معجمه وبيض ا ه.

٥٩٧ ـ محمد بن أحمد بن نبهان المتوفى سنة ٨٦١

محمد بن أحمد بن علوان بن نبهان بن عمر بن نبهان بن عباد ناصر الدين بن الشهاب

٢٥٦

الجبريني الناصري الحلبي ، ويعرف بابن نبهان. ولد في سنة خمس وتسعين وسبعمائة تقريبا ومات ظنا بعد سنة خمسين ا ه.

وقال أبو ذر في حوادث سنة ٨٦١ : وفي رابع عشر رجب توفي الشيخ محمد ابن الشيخ أبي بكر ابن الشيخ نبهان بقرية جبرين ودفن بكرة النهار عند أسلافه ، وخرج أهل حلب للصلاة عليه وتبركا بأسلافه. وأجلس ولده الشيخ أحمد مكانه وهذا لم يكن على طريقة أسلافه ولا سالكا سبيلهم. وكان يحب الصيد ويميل إليه ويحمل الطيور على يده بحضرة الكافل ودواداره ، وكان أهل حلب يعيبون ذلك عليه. وخرج مرة إلى الصيد فأخذته العرب وأنزلوه عن فرسه وربطوه في رقبته وجرروه ، فاستغاث بسيدي نبهان فوقع بينهم عداوة فأطلقوه ا ه.

٥٩٨ ـ الشريفة حليمة المتوفاة سنة ٨٦١

قال أبو ذر في حوادث سنة ٨٦١ : وفي الليلة المسفر صباحها عن نهار الأحد حادي عشر المحرم توفيت الشيخة المسندة حليمة بنت السيد عز الدين الإسحاقي نقيب الأشراف وصلي عليها بجامع حلب ودفنت بالمشهد بسفح الجبل عند أسلافها ا ه.

٥٩٩ ـ محمد بن أبي بكر بن نبهان المتوفى سنة ٨٦١

محمد بن أبي بكر بن محمد بن علي بن محمد بن نبهان بن عمر بن نبهان بن علوان ابن غبار ، الشمس أبو عبد الله وأبو نبهان بن الشرف بن الشمس أبي عبد الله بن العلاء أبي الحسن ابن الإمام القدوة الشمس أبي عبد الله الجبريني بجيم مكسورة ثم موحدة ساكنة ، قرية بظاهر حلب ، الحلبي.

ولد في سنة خمس وثمانمائة بجبرين ، ومات أبوه وهو صغير ، فنشأ في كنف أخيه ، وتعلم الكتابة والرمي والفروسية. وأجاز له باستدعاء ابن خطيب الناصرية لصداقته مع أبيه في سنة ثمان أحمد بن عبد القادر البعلي والبدر حسن النسابة وعائشة ابنة ابن عبد الهادي والمولوي ابن خلدون والشرف ابن الكويك وآخرون. واستقر في مشيخة زاوية جبرين بعد أخيه. ودخل القاهرة وزار بيت المقدس ولقيته بالزاوية المشار إليها فقرأت عليها شيئا.

٢٥٧

وكان شيخا متواضعا مكرما للوافدين ذا شجاعة وهمة ومروءة من بيت مشيخة وجلالة. مات بعد سنة ستين رحمه‌الله.

أقول : كانت وفاته سابع عشر شوال سنة ٨٦١ ذكره أبو ذر في حوادث هذه السنة.

٦٠٠ ـ أحمد بن محمد الموازيني المتوفى سنة ٨٦٢

أحمد بن محمد بن عيسى بن يوسف بن أحمد بن محمد الشهاب الحلبي الحنفي ، ويعرف بابن الموازيني.

ولد سنة ثمانين وسبعمائة ، وسمع ، ختم الصحيح على ابن صدّيق ، وحدث سمع منه الفضلاء ، وأجاز لي. وكان قد طلب وفضل. وولي نظر الجامع الكبير والخطابة مع الإمامة بجامع تغري بردي وقتا ، وجلس يتكسب بالشهادة في باب الحلاوية من حلب. وكتب الحكم عن العز الحاضري ، كل ذلك مع عدة من أرباب الأصوات المطربة وأهل الخير. وكذا كان والده من المؤذنين المعروفين بالخير.

مات في حدود سنة اثنتين وستين رحمه‌الله. ا ه.

٦٠١ ـ عبد الواحد بن صدقة المتوفى سنة ٨٦٢

عبد الواحد بن صدقة بن الشرف أبي بكر بن محمد بن يوسف بن عبد العزيز الزين الحراني الأصل الحلبي الشافعي حفيد مسند حلب.

ولد بها في ربيع الأول سنة إحدى وسبعين وسبعماية ونشأ بها ، فسمع على جده المذكور والشهاب ابن المرحل ، ومما سمع عليه سنن الدار قطني إلا اليسير جدا ، وعلى جده مسلسلات التيمي ، وحدث سمع منه الأئمة. قرأت عليه الدار قطني وغيره بحلب.

وكان خيرا حريصا على الجماعات محبا في الحديث وأهله صبورا على الإسماع يرتزق من وقف جده. أثنى عليه شيخنا بقوله كما رأيته بخطه : رجل جيد وفيّ منقطع بمنزله. مات سنة اثنتين وستين رحمه‌الله ا ه.

٢٥٨

٦٠٢ ـ علي بن محمد الهاشمي المتوفى سنة ٨٦٢

علي بن محمد بن أحمد بن محمد العلاء أبو الحسن ابن العماد ابن الشهاب الهاشمي العلوي الحلبي الحنفي.

ولد سنة إحدى وثمانين وسبعماية بحلب ونشأ بها ، فحفظ القرآن والمختار في الفقه ، وسمع الصحيح على ابن صديق بحلب والتساعيات الأربعين للقطب الحلبي على حفيده القطب عبد الكريم بن محمد بالقاهرة ، واشتغل يسيرا ، وولي كأبيه مشيخة الشيوخ بحلب ولقيته بها وقد عرض له فالج نحو ثمانية أشهر لكن مع صحة عقله وسمعه وبصره فقرأت عليه شيئا.

وكان دينا خيرا عاقلا حسن العشرة مع حدة في خلقه رئيسا حشما من بيت مشهور بالرياسة والحشمة ، ممن صحب الظاهر ططر والأشرف برسباي لكن مع تقلله من الاجتماع بهما لكونه قليل التردد إلى الناس مع كثرة مواظبته لزيارة البرهان الحافظ والتردد إليه. مات رابع عشر المحرم سنة اثنتين وستين وصلي عليه من الغد بجامع حلب ودفن بتربة أسلافه خارج باب المقام رحمه‌الله وإيانا ا ه.

أقول : إن المترجم على ما يظهر من أحفاد افتخار الدين عبد المطلب الهاشمي الحنفي المتوفى سنة ٦١٦ وقد تقدمت ترجمته.

٦٠٣ ـ أبو بكر النصيبي المتوفى سنة ٨٦٣

أبو بكر بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن محمد بن أحمد الشرف بن الضيا ابن النصيبي الحلبي الشافعي الماضي أبوه وأخوه عمر.

ولد في صفر سنة أربع وعشرين وثمانماية ونشأ بها ، فحفظ القرآن عند الشيخ عبيد البابي وصلى به في الجامع الكبير على العادة والمنهاجين الفرعي والأصلي والكافية والتلخيص وعرض على البرهان الحلبي ، بل كان هو الذي يصحح له قبل حفظه ، وابن خطيب الناصرية والزين بن الخرزي والحمصي وآخرين. واشتغل ببلده وفضل ونظم ونثر. ومن شيوخه في القاهرة ابن الهمام ، بل أخذ عن شيخنا والبرهان الحلبي وآخرين ، وسمع معنا بحلب في سنة تسع وخمسين على ابن مقبل وحليمة بنة الشهاب الحسيني وغيرهما ، ودرس

٢٥٩

بالعصرونية والظاهرية والسيفية ، تلقى الأولى عن الجمال الباعوني والثانية عن أبي جعفر ابن الضيا والثالثة عن والده. وناب في القضاء عن ابن خطيب الناصرية فمن بعده وفي كتابة السر ، بل استقل بها مدة ، وكذا ولي وكالة بيت المال وإفتاء دار العدل ثم تركهما ، كل هذا ببلده. مات بها شهيدا بالطاعون في رمضان سنة ثلاث وستين رحمه‌الله.

٦٠٤ ـ علي العجمي الهزازي المتوفى سنة ٨٦٣

علي السيد علاء الدين العجمي الهزازي.

كان من نوادر الزمان ، يعظ الناس بجامع الزكي ويفسر القرآن والتوراة والإنجيل بالعربي ، حتى إن يهوديا سمعه من خارج الجامع من الشباك فأسلم. وسلط عليه بعض الحساد من ينشد له القصيدة البكرية في كل ميعاد ويخاطبه بقوله فيها بحق رسول حب أبا بكر ، فلم يزل الشيخ يترضى عنه كلما ذكره إلى أن قال يوما للحاضرين : من أحب الله ورسوله فليكرم المادح لطفا منه وحلما ، فلم يبق أحد إلا أكرمه ، ثم قال الشيخ : اسمعوا مني وانقلوا عني : شريف حق ما يكون سني ، فبلّغ الناس هذا المقال عنه للشيخ شمس الدين بن الشماع الأيوبي الحموي ثم الحلبي فلم يعترض عليه بل لام المعترض عليه ، وكان هو الذي حضر غسله ودفنه لما مات سنة ثلاث وستين وثمانماية ، هذا ما بلغني عنه مما العهدة فيه على القائل.

والذي وجدته في تاريخ الشيخ أبي ذر أنه كان قدم حلب ونزل خارج باب النصر وعقد مجلس الوعظ بجامع الزكي وانعكف الناس عليه وأكبوا على خدمته كعادة أهل حلب مع الغرباء يميلون إليهم ولا يميلون إلى أهل بلدهم ، وأنه كان لا يلتفت إلى أموال الناس ، وأن العامة تنسب إليه علما كثيرا وليس الأمر كذلك ، وأن الظاهر أنه كان فيه جذبة ، وأنه كان خيرا دينا ، إلى أن ذكر أنه دفن بالقرب من الهزازة في تربة القطب ابن العجمي وأن الشيخ شمس الدين محمد ابن الشماع كان يعتقده ا ه (در الحبب).

٦٠٥ ـ شمس الدين محمد بن محمد الشماع الأيوبي الحموي ثم الحلبي المتوفى سنة ٨٦٣

محمد بن محمد بن علي الشمس (أي شمس الدين) المجاهدي الأيوبي ، لكونه من ذرية

٢٦٠