إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٥

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٥

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٥٧

أنا كنت في ضيق لأنني كنت مشتغلا عن العلم بالأحكام. فلما وصل توقيع ابن الخرزي بالقضاء فرح فرحا زائدا. وأنشدني القاضي عماد الدين قاضي سرمين في عزله :

إني وإن فهمت في الدنيا بحبكم

وبت من كل واش غير محترز

فالرب يعلم في سري وفي علني

أني عن الدر لا أعتاض بالخرزي

ومدحه الشيخ خاطر فقال :

يا سيدا نال في العلياء منزلة

سمت على فلك العلياء عن زحل

لا تطلبنّ المعالي يا ابن بجدتها

فأنت من قبل تطلاب العلاء علي

وله فيه :

أقول لأقوام رووا جود حاتم

وفضل ابن إدريس وقوم تقدموا

لئن شرعا للفضل والجود مذهبا

فبابن خطيب الناصرية تختم

وله :

لئن فخرت بالسبق طيء بحاتم

وطالت به في الملتين كرامها

فبابن خطيب الناصرية أصبحت

على هامة الجوزاء تبنى خيامها

وما ضر خير المرسلين جميعهم

إذا سبقته الرسل وهو ختامها

ثم حضر ابن الخرزي إلى حلب بسرعة في أثناء شهر صفر من سنة ثلاث وأربعين ولبس تشريفه وسكن ببيت ابن سلار بالجلّوم ، فبلغ ذلك شيخنا فهم بالسلام عليه وأن يرسل له شيئا من الهدية ، فجاء إليه من أشار عليه أولا بما تقدم ومنعه من ذلك ، فأقام القاضي الجديد بحلب وأقام شيخنا ملازما بيته للأشغال والاشتغال. وكان مكبا على ذلك محبا للعلم وأهله وأذكر لك صفة اشتغاله ، كان يخرج من بيته إلى بيت الكتب من ثلث الليل الأخير فيطالع إلى صلاة الصبح ، ثم يصلي الصبح ثم يشتغل حتى يضحي النهار ، فيفتح عليه الباب للقضاء بين الناس فتدخل عليه الفتاوي والأوراق فيكتب على الفتاوي والأوراق ، فإذا فرغ من ذلك أقبل على المطالعة ، فإن جاء أحد يحدثه يجده يطالع فلا يتكلم معه إلا كلمة أو كلمتين ، ثم يقبل على المطالعة فإذا قرب الظهر أغلق الباب وأقبل على المطالعة حتى يدخل وقت العصر ، فيصلي العصر ثم يجيء إلى المدرسة الشرفية إلى عند

٢٢١

والدي رحمهما‌الله تعالى فيذكر له ما أشكل ، فيتذاكر معه إلى قريب المغرب ، ثم يذهب إلى بيته ثم يدخل إلى حريمه.

فلما أقام شيخنا في بيته على الصفة المذكورة جاء إليه من جاء إليه أولا وثانيا وقال له : الرأي في ذهابك إلى مصر ليزيل ما في خاطر السلطان منك ، وإن أنت أقمت يقول السلطان : هذا عزلته فما التفت إليّ ويتأثر منك ويحصل شر عظيم. فما زال به حتى حركه للسفر إلى القاهرة ، فاتم بذلك وسافر من حلب إلى القاهرة فدخلها رابع عشر ربيع الآخر من سنة ثلاث وأربعين كما قاله شيخنا شيخ الإسلام أبو الفضل (الحافظ بن حجر) ونزل ببيت صديقه القاضي شرف الدين المشار إليه ، وخرج وسلم على السلطان ، فأرسل له ألف دينار ، فقال السلطان : هذا يرشى على القضاء ، فبلغ ذلك شيخنا فخرج إليه وقال له : هذا قدمته لمولانا السلطان لا على سبيل الرشوة ، بل كنت نذرت إن مكن الله السلطان ممن خرج عن طاعته يكون عندي لبيت مال المسلمين ألف دينار ، ففرح السلطان بذلك ظاهرا. ولما سافر من حلب قال القاضي ابن الخرزي : استعجل القاضي علاء الدين في ذهابه إلى القاهرة فإن السلطان لا يوليه هذه الأيام ، فكان ما قال.

فأقام شيخنا بالقاهرة والناس يأتون إليه من كل فج ويتكلمون معه في العلوم الشرعية وهو يتكلم معهم ، فكل أحد أثنى على فضله وعلمه ، فقدم للقاهرة خطط نائب القلعة بحلب ، وكان له يد عند السلطان لأنه هو الذي أمسك القلعة له وحفظها عليه ولم يمكن تغري ورمش من أخذها ، ففرح السلطان به وخلع عليه وأعاده إلى ولايته ، فلما خلع عليه خلعة السفر استعرض حوائجه فقال : أريد أن تولي قاضي حلب القضاء وأن آخذه معي ، فأجاب إلى ذلك وخلع عليه وأعاده إلى وظيفته ، فسافر إلى حلب وكان ذلك في أثناء شعبان قاله شيخنا أبو الفضل (ابن حجر) ، وسافر ابن الخرزي الى حماة وكان ذلك في الشتاء ، فمرض شيخنا المذيل في الطريق ووصل إلى حلب وهو متوعك في أواخر رمضان ، ثم ثقل في المرض ودخل عليه طبيبه وهو سليمان الحكيم فقال له : ما وجعي؟ قال : ذات الجنب ، فشق عليه ذلك لأنه يعلم أنه من الأمراض المخوفة ، وصار يكرر : ذات الجنب ذات الجنب ، فقال له بعض الحاضرين : قتلته ، فتزايد به الألم إلى أن مات ليلة عاشر ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وصلي عليه عند باب دار العدل ثم عند جامع دمرداش ثم عند جامع الطواشي ثم خارج باب المقام ، ودفن في تربة أعدها لنفسه خارج

٢٢٢

باب المقام رحمه‌الله تعالى.

(ثم قال) : ولازم والدي وقرأ عليه بعد التسعين وسبعماية وناظر مشايخه وباحثهم واعترفوا بفضله وحفظ سيرة ابن سيد الناس وكتبها بخطه.

أخبرني أنه أرق ليلة فتذكر أن بعض الخلفاء أرق وكان قد طفىء سراجه ، فأمر بتحويل فراشه فإذا حية تحته ، قال : فحولت مخدتي فإذا أنا بحية تحت مخدتي.

ثم لازمته بعد الثلاثين وكتبت حكمه ، ثم أقلعت عن ذلك وانقطعت للاشتغال وحضرت دروسه بالمدارس والجامع. وكان يقرأ عليه بالجامع التمهيد لابن عبد البر ومنهاج البيضاوي. وقال لي يوما : تتفكه قبل أن تتغدى ، فقلت له : ما معنى هذا؟ فقال : طالع الروضة والشرح فإنها بمنزلة الخبز واللحم ، وأما شروح المنهاج فإنما هي بمنزلة الفاكهة.

وكان يطالع الشرح الكبير للرافعي والروضة ويكثر مطالعتهما بحيث إنه يحفظ منهما الورقة والورقتين وينقلهما بالحرف ، ويحفظ شرح مسلم وقرأ غالبه على والدي.

وكان عالما بالفقه والأصول ، وكان اشتغل به آخرا ، وينزل الفروع على الأصول ، وحفظ كتاب التمهيد للأسنوي في ذلك. وقيل له مرة وهو في السفر : المطلق والمقيد ما يقول فيهما؟ فأخذ يذكر هذه المسألة وما بني عليها من الفروع حتى عجب الحاضرون من ذلك. وكان يحفظ التوضيح لابن هشام.

وكان حليما عفيفا نزها يغضي عن عورات ، لا يتكلم في أحد إلا بخير ، نظيف اللسان ، ويتصامم قصدا عما يكره. وافتقده أهل حلب. ورثاه شيخنا قاضي المسلمين محب الدين أبو الفضل بن الشحنة بقصيدة وأنشدني إياها :

ناحت على سلطانها العلماء

وبكت لفقد علائها الشهباء

وأنهد ركن أيّ ركن شامخ

للمسلمين ويتّم الفقهاء

ومنها :

من للمدارس بعده علامة

من للفتاوي إن بغي إفتاء

جلّ المصاب به وعمّ فموته

قسما مصاب ليس عنه عزاء

الله أكبر يا لها من ثلمة

في دين أحمد ما لها إرفاء

٢٢٣

يا شيخ الاسلام ارتحلت برغمنا

فانسر قوم ما هم أكفاء

وقال في ختامها :

يا ابن الخطيب سقى ثراك بوابل

من رحمة لا تنقضي سحّاء

وأثاب فيك المسلمين مصابهم

فاليوم حقا ماتت الآباء

وأنشدها شمس الدين بن أنشا على قبره بصوت حسن فأبكى الناس.

وصنف تصانيف منها «الطيبة الرائحة» في تفسير الفاتحة و «ضوء البصيرة في شرح حديث بريرة» و «الدر المنتخب في تاريخ حلب» وشرح قطعة من الأنوار في الفقه وغير ذلك ا ه. باختصار كثير ولو ذكرتها بتمامها لطال الكلام ، وقد تكلمت على تاريخه في المقدمة.

٥٥٨ ـ أبو بكر بن محمد الطولوني المتوفى سنة ٨٤٣

الشيخ الإمام العالم القدوة تقي الدين أبو الصدق أبو بكر بن الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الشيخ جمال الدين عبد الله الحلبي الطولوني البسطامي الشافعي شيخ المدرسة الطولونية بالقدس الشريف.

ولد في يوم الاثنين ثامن ربيع الأول سنة ثمان وأربعين وسبعمائة. كان من أهل العلم والعمل ومن أعيان المشايخ ، قدم إلى القدس في سنة أربع عشرة وولي مشيخة الطولونية فأحياها بالذكر والعبادة والتلاوة ، وتردد أهل الخير إليه ، وكان خطه في غاية الحسن ، بلغ من العمر فوق خمس وتسعين سنة. توفي بالقدس الشريف في التاسع عشر من رمضان سنة ثلاث وأربعين وثمانماية ودفن بحوش البسطامية بماملا رحمه‌الله. وعند رأسه بلاطة مكتوب عليها من نظمه وكانت له عنده مدة بالطولونية في حياته جهزها لذلك :

رحم الله فقيرا

زار قبري وقرا لي

سورة السبع المثاني

بخشوع ودعا لي

ومكتوب أيضا على قبره من نظمه :

من زار قبري فليكن عالما

أن الذي لاقيت يلقاه

٢٢٤

فيرحم الله فتى زارني

وقال لي يرحمك الله

وله نظم غير ذلك. ومحاسنه ومناقبه كثيرة. وقد كان من أجلاء المشايخ الأخيار رحمه‌الله ا ه. (الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل).

٥٥٩ ـ شمس الدين محمد بن سحلول المتوفى سنة ٨٤٤

هو شمس الدين محمد بن الشيخ ناصر الدين محمد بن سحلول شيخ الشيوخ بحلب.

كان شكلا حسنا ظريف الشمائل يلبس الثياب الفاخرة وتليق به ، وكان كريم الأخلاق يعطي الفقراء ويطعمهم ويوثرهم ، وآثرني عند وفاته بتدريس الخانقاه وأعطاني كتاب الوقف ، وكان يحبني ويعظمني ، ثم إني أعطيت الكتاب لابن أخيه شمس الدين. وولي شيخ الشيوخ بعده الشيخ علاء الدين أبو الحسن علي الهاشمي.

وكانت وفاته سلخ جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وثمانماية ودفن خارج الخانقاه السحلولية ا ه. (أبو ذر).

٥٦٠ ـ محمد بن تاج الدين بن عشاير المتوفى سنة ٨٤٤

بدر الدين محمد بن تاج الدين بن عشاير الحلبي الشافعي.

كان شيخا مسنا يكرمه الناس لأجل أسلافه ، وهو عار عن العلم ، وفي يده وقف أسلافه. وفي محنة تيمور رآه حسين بن مصطفى وحسين في أيدي التتار فدلهم عليه فأخذوه وعذبوه ، فجاء بهم إلى الشرفية إلى بيتهم الذي هو لهم بشرط الواقف وهو على يسار الداخل إلى المدرسة وله دفينة بالبيت ، فأخرج ذهبا يقرب من ألف دينار فأخذوه.

وكانت وفاته سابع شوال سنة أربع وأربعين وثمانماية ا ه. (أبو ذر).

٥٦١ ـ أبو بكر الحيشي البسطامي المتوفى سنة ٨٤٦

أبو بكر بن نصر بن عمر بن هلال الشرف الطائي ، كان يسوق نسبه لعمرو بن معدي

٢٢٥

كرب بن زيد الخير الحيشي الحلبي البسطامي الشافعي الماضي حفيده أبو بكر ابن محمد وابنه المعروف بالحيشي.

ولد بقرية حيش من عمل حماة بالقرب من المعرة ، وفارقها وهو ابن عشر ، فنزل المعرة واشتغل بها على شيوخها ، وكانت له فيها زاوية وأتباع ، ثم تحول منها في سنة ست عشرة وثمانمائة إلى حلب فقطنها بدار القرآن العشائرية للخطيب العلاء بن عشائر حتى مات.

ومن شيوخه في التصوف الجلال عبد الله البسطامي ومحمد القرمي ، وكذا أخذ عن الشهاب ابن الناصح في آخرين. أخذ عنه جماعة منهم صاحبنا البرهان القادري ومواخيه الزين قاسم الحيشي.

وكان عالما زاهدا ورعا متعبدا بالتلاوة والمطالعة مداوما على الطهارة الكاملة سليم الصدر كريما مقصودا بالزيارة وذا مروءة وتودد وقيام بمصالح الناس ، مع جمال الصورة وحسن الشمائل ، وللناس فيها اعتقاد ووجاهته في ناحيته متزايدة ، وأتباعه كثيرون بحيث كان له في حلب ونواحيها خمس عشرة زاوية مشحونة بالفقراء البسطامية ، بل انتهت إليه سيادة البسطامية بالمملكة الشامية بدون مشارك ، أخبرني بأكثره وبأزيد منه حفيده وكتبه لي بخطه وقال لي : إن شيخه أبا ذر قال له إن والده قال له : لازم صحبته تسعد ، فإن نظره ما وقع على أحد إلا وأفلح ، وما رأيت في عصري نظيره وما حصل إليّ الخير إلا بصحبته.

قال أبو ذر : وما كان أبي يبدأ في قراءة البخاري حتى يستأذنه تبركا. وأول سنة قرأت أنا الحديث بجامع حلب عرض لي في صوتي شيء بحيث ما كدت أنطق وعجز والدي عن مداواتي إلى أن دخلت عليه يوما أطلب بركته ، فوجدته يأكل كشكا بزيت فأمرني بالأكل معه فلم تمكني مخالفته ، وكان الشفاء فيه ، وأعلمت والدي بذلك فقال : أو ما علمت أن طعامه شفاء ، والله ما أشك في كراماته. ولما ورد التقي الحصني حلب زاره في زاويته وقال : ما رأيت مثله. وكذا قيل إن شيخنا زاره وتأدب معه جدا والتمس دعاءه.

وقال ابن الشماع : طفت بلاد مصر والشام والحجاز فما وقع بصري على نظيره.

وقال ابن خطيب الناصرية : إنه ما رأى مثل نفسه. ولم يزل على وجاهته حتى مات بعد تعلل بالفالج مدة في ليلة الجمعة تاسع عشر رجب سنة ست وأربعين وقد قارب التسعين رحمه‌الله ونفعنا به ا ه.

٢٢٦

٥٦٢ ـ أحمد بن العديم المتوفى سنة ٨٤٧

أحمد بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله بن أحمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى شهاب الدين بن جمال الدين بن ناصر الدين بن كمال الدين بن عز الدين أبي البركات ابن الصاحب محيي الدين أبي عبد الله بن نجم الدين بن جلال الدين أبي الفضل بن مجد الدين أبي غانم بن جمال الدين بن نجم الدين العقيلي (بالضم) الحلبي الحنفي أخو الكمال بن العديم قاضي مصر ، ويعرف بابن العديم وبابن أبي جرادة.

ولد في ثالث عشر صفر سنة أربع وستين وسبعماية بحلب ونشأ بها ، فسمع من أبيه والكمال محمد بن عمر بن حبيب والشرف أبي بكر الحراني والبدر محمد بن علي بن أبي سالم بن إسماعيل الحلبي وابن صديق وآخرين. وأجاز له محمود المنبجي وابن الهبل وابن السيوفي وابن أميلة وابن النجم زغلش وابن قاضي الجبل وموسى بن فياض وغير واحد. وكان يذكر أنه كتب توقيعه بقضاء بلده بعد الفتنة لجميع من أوردته من آبائه إلا محمدا الثاني ولكنه لم يباشر ، وقول شيخنا في معجمه إنه ولي قضاءها لا ينافيه. وكذا ولي عدة مدارس وحمدت سيرته. وكان محافظا على الجماعة والأذكار ، ولم يكن تام الفضيلة مع اشتغاله في صغره. وقد حدث سمع منه الأئمة وأخذ عنه غير واحد من أصحابنا ، بل كان شيخنا ممن سمع عليه في سنة ست وثلاثين عشرة الحداد وغيرها وأورده في معجمه وقال : إنه أجاز لابنته رابعة ومن معها. وأثنى عليه البرهان الحلبي. وذكره المقريزي باختصار جدا وقال : إنه مات بعد سنة ست وثلاثين. قلت : مات في ليلة الأربعاء منتصف شوال سنة سبع وأربعين رحمه‌الله.

٥٦٣ ـ إبراهيم بن علي الدمياطي المتوفى سنة ٨٤٧

إبراهيم بن علي بن ناصر برهان الدين الدمياطي الحلبي الشافعي.

ولد في أوائل سنة خمس وستين ، ونشأ بالقاهرة ، ثم سكن حلب حين قارب البلوغ ، لازم بني السفاح والقاضي شرف الدين الأنصاري والكمال بن العديم. وسمع الحديث من الشرف الحراني وابن صديق وغيرهما. ومن مسموعه على الأول العلم لأبي خيثمة. واشتغل على الشمس الغزي وغيره. وولي قضاء العسكر بحلب. وحدث سمع منه

٢٢٧

الفضلاء ، بل كتب عنه شيخنا في فوائد رحلته الأخيرة.

وكان خيرا دينا عاقلا رئيسا عديم الأذى حتى لعدوه كثير القيام مع الغرباء والعصبية للعلماء ونحوهم. ومن الغريب أنه مشى من جبرين إلى حلب على رجل واحدة.

مات في يوم الخميس ثالث عشري المحرم سنة سبع وأربعين ودفن يوم الجمعة قبل الصلاة رحمه‌الله ا ه.

٥٦٤ ـ علاء الدين أبو الحسن علي سبط ابن الوردي المتوفى سنة ٨٤٨

هو الشيخ علاء الدين أبو الحسن علي سبط ابن الوردي.

كان أعمى حصل له ذلك وهو كبير. وبينه وبين شيخنا المؤرخ ما بين الأقران.

وكان فقيها أصوليا من أذكياء العالم. درس بالصاحبية وانتفع الناس به ، ويستحضر كثيرا من التاريخ وأخبار حلب. ومجالسته حسنة وله عقل ينتفع برأيه. وكنت إذا قرأت البخاري بالجامع يحضر عندي ، وكذا إذا قرأته ببيت القاضي الحنفي ابن الشحنة يحضر عندي يسمع قراءتي. وكان يدرس البهجة لجده. وكان أولا يميل إلى التاج ابن الكركي ثم رجع عن ذلك ولازم والدي كثيرا.

وكانت وفاته سادس عشر جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وثمانماية ودفن بمقابر الصالحين ا ه. (أبو ذر).

٥٦٥ ـ إبراهيم بن حمزة الجعفري المتوفى سنة ٨٤٩

إبراهيم بن حمزة بن أبي بكر بن يحيى بن أحمد بن خضر بن فياض بن سوار بن هشام ابن مدركة السيد برهان الدين بن عز الدين الهاشمي الجعفري الحلبي الحنفي ، سقت نسبه إلى انتهائه في معجمي.

كان أبوه ممن يلي نظر الجامع والديوان وغيرهما ، ويذكر بالكرم والرياسة ، فولد له صاحب الترجمة في العشر الأول من رمضان سنة سبع وسبعين بحلب ونشأ بها فيما قيل غير مرضي الطريقة. وسمع بها على ابن صديق ، ختم الصحيح وأوله كلام الرب مع جبريل

٢٢٨

قال (أنا) الحجار وحدث بذلك. سمعه منه الفضلاء. وولي ببلده نظر الجيش ووكالة بيت المال وعمالة أوقاف الحنفية. ومات يوم الأحد سابع عشر المحرم سنة تسع وأربعين ا ه.

أقول : أما السيد حمزة والد المترجم فإني لم أقف له على ترجمة ، وهي في الجزء الأول من الدر المنتخب وهو مما لم يصل إليّ ، واسمه منقوش على جدار الجامع في الرواق الشمالي بجانب الحنفيات ، وقد قدمنا ذلك في الكلام على ولاية تغري بردي. وقد ذكره أبو ذر في كلامه على الجامع غير مرة ، ومما قاله : واعلم أن القناديل التي بالجامع كانت في أيام تكلم السيد حمزة تزيد على الألف وذلك عقب محنة تيمر ، والأسواق خراب ، وريع الجامع إذ ذاك قليل ، وكان الناس يقولون إنه أخرب الجامع.

وقال في كلامه على دار الحديث الآتية : وكان السيد حمزة المذكور مشارا إليه بحلب قبل فتنة تيمر وبعدها بواسطة بني العديم وله ترجمة في تاريخ شيخنا (ابن الخطيب) ا ه. فتكون وفاته في أوائل هذا القرن.

الكلام على دار الحديث بالسهلية :

قال أبو ذر : ومنها (أي من دور الحديث) دار بالسهلية بالقرب من سويقة حاتم ، أوصى محمد بن السيد حمزة كاتب بكلمش أن تجعل قاعته الملاصقة للخانقاه الزينية دار حديث ، فلما توفي جعل والده السيد حمزة عوض قاعته المدرسة المعروفة به الآن خارج درب الزينية دار حديث ، وقام بعمارتها والده بعده أتم قيام وأكمل عمارتها ، ولها شباك على الطريق واسع جدا وتحته حوض ماء ، ولهذه الدار وقف مبرور وشرط واقفها أن يكون والدي محدثها ا ه.

أقول : هذه الدار في وسط الزقاق المعروف الآن بزقاق فرن جقجوقة بالقرب من الخانكاه الزينية ، ولم تزل عامرة ، والشباك الذي ذكره لم يزل باقيا وقد كتب فوقه :

(١) البسملة إنما يعمر مساجد الله إلى قوله ولم يخش إلا الله

(٢) أنشأ هذا المسجد المبارك العبد الفقير إلى الله حمزة الجعفري عن نفسه وولده العبد الشهيد محمد وجعله مسجدا لله تعالى ودارا للقرآن العظيم والحديث النبوي

٢٢٩

(٣) عليه أفضل الصلاة والتسليم ومدرسة للعلم على مذهب أبي حنيفة رضي‌الله‌عنه سلمه الله وغفر لهما بتاريخ جمادى الأولى سنة ست وسبعين وسبعماية ا ه.

ومكتوب على حجرة كبيرة تحت الشباك لكن الحجرة مقلوبة :

(١) أنشأ السبيل المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى حمزة بني الجعفري في دولة مولانا السلطان الملك الظاهر برقوق أعز الله تعالى أنصاره

(٢) غفر الله له ولوالديه ولكافة المسلمين.

وكتب على بابها : (جددت هذه الزاوية بفضل المتعالي على يد محمد بن الشيخ حسين الكيالي سنة ١٢٩٧). وهي الآن تحت يد دائرة الأوقاف ولها من الواردات بدل أعشار القرى الموقوفة. وبابها الآن مغلق لا صلاة فيها ولا تدريس وهي في حاجة إلى الترميم.

٥٦٦ ـ إسماعيل بن الحسين بن الزيرتاح كان حيا سنة ٨٤٩

إسماعيل بن الحسين بن الزيرتاح المعروف بجده.

ولد في حدود سنة تسعين وسبعماية ، واشتغل في الفقه وسمع من جماعة ، وصار يلي قضاء بلاد من حلب كأريحا وسرمين من عمل قنسرين. وله نظم حسن مع خير وتودد وإحسان للواردين. ومن نظمه :

أفديه من ظالم الجفون رشا

ليسأل (١) في الحب عن متيمه (هكذا)

يحيي إذا ما سقى قتيل هوى

سمعت هذا الحديث من فمه

لقيه ابن أبي عذيبة في سنة تسع وأربعين وقال : كنت آنس بصحبته. وذكره النجم ابن فهد في معجمه فقال : ابن الحسين بن سالم بن أبي الفضل بن يحيى بن يعقوب ابن سلامة العماد أبو العز الخزرجي الفوعي ثم السرميني الشافعي ويعرف بابن الزيرتاح ، ولد في الربيعين سنة ثلاث وثمانين وسبعماية ، واشتغل بالفقه والنحو على أبيه ، وفي النحو فقط على السراج النحوي ، وولي قضاء بلدة سرمين من أعمال حلب ، وينظم الشعر الحسن ومدح رؤساء حلب بقصائد بديعة مع كرم وشجاعة.

__________________

(١) الصواب : يسأل.

٢٣٠

٥٦٧ ـ محمد بن خليل المعروف بابن القباقيبي المتوفى سنة ٨٤٩

محمد بن خليل بن أبي بكر بن محمد الشمس أبو عبد الله الحلبي المقدسي الشافعي المقري والد إبراهيم ، ويعرف بابن القباقيبي.

ولد تقريبا سنة سبع وسبعين وسبعماية بحلب ، ونشأ بها فحفظ القرآن وكتبا ، وقدم القاهرة بعد القرن سنة ثلاث فأخذ القراءات على الفخر البلبيسي إمام الأزهر قرأ عليه ختمة للأربعة عشر والسبع فقط عن كل من بيّن وبيعقوب الجوشن في آخرين كأبي القاصح والمشبب ، وكذا تلا على العز الحاضري والشرف الداديخي وآخرين بها من بيرو وغيره.

وكان ممن شهد في إجازته أبو بكر الموصلي وابن الهايم والشمس القلقشندي ، وقرأ ألفية العراقي عن ظهر قلب على ناظمها ، بل سمعها عليه بحثا ، وسمع فيما قيل عن البلقيني والهيثمي والدميري والطنبدي والفارسكوري ، وقرأ على العلاء الصرخدي والشمس ابن الركن وقدم غزة فقطنها وقتا ثم تحول منها إلى بيت المقدس بإشارة الشهاب ابن رسلان سيما ، وقد قرر في قراءة مصحف الظاهر وغير ذلك وتصدى للإقراء فانتفع به الناس. وممن أخذ عنه ابن عمران. واستمر إلى أن مات بعد أن كف بصره بنحو سنة في عصر يوم الجمعة العشرين من رجب سنة تسع وأربعين ودفن الغد بماملا عند أبي عبد الله القرشي ولم يخلف بعده من فنه مثله ، وكاد بعض جماعته أن يرجحه على ابن الجزري وجزم بأنه أفصح منه بكثير. ومن نظمه مضمنا :

صاد قلبي صاد عيني رشأ

مال عن طرق الهوى من فيه لام

لامني العذال في حبي له

لا أراني الله في خدّيه لام

وكان إماما فاضلا متقنا متقدما في القراءات جيد الأداء لها ناظما ناثرا مشاركا في الفضائل. وصنف في القراءات الأربع عشرة مجمع السرور ومطلع الشمس والبدور (١) نظما كالطيبة (٢) ووضحه بمفتاح الكنوز وإيضاح الرموز ، ونظم القراءات الثلاث الزائدة على

__________________

(١) في «هدية العارفين» : مجمع السرور والحبور ومطلع الشموس والبدور.

(٢) منه نسخة في الأحمدية بحلب وهي بخط أحمد بن محمد السخاوي المالكي محررة سنة ٨١٤ فتكون محررة في حياة المؤلف.

٢٣١

العشر ، وخمس البردة وبانت سعاد ، وعمل بديعية عارض بها الصفي الحلي وغير ذلك كنظمه المصطلح لابن القاصح في نحو أربعة آلاف بيت رحمه‌الله ا ه.

وترجمه في الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل بنحو ما تقدم قال : وكتب لناظر الحرمين قصة بصرف معلومه من نظمه أولها :

يا ناظر الحرمين أنت وعدتني

بالخير يا من وعده لا يخلف

تالله لم أبرح ببابك واقفا

حتى تقرر لي وتكتب يصرف

قال في الكشف في الكلام على كتاب الإرشاد في فروع الشافعية : ونظمه برهان الدين أبو إبراهيم محمد بن القباقيبي وذكر من مؤلفاته الأسئلة في البسملة وشرحا على ألفية ابن مالك وألفية في المعاني والبيان وشرحا لها وشرحا على جمع الجوامع للسبكي في أصول الفقه وخمس البردة وسماه «الكواكب الدرية في مدح خير البرية» وشرح التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير في أصول الحديث للإمام النووي.

٥٦٨ ـ إبراهيم بن رضوان المتوفى سنة ٨٥٠

إبراهيم بن رضوان الشيخ برهان الدين الحلبي الشافعي نزيل القاهرة ، ويعرف بأبيه.

كان ممن اشتغل بالفقه ومهر وتميز وتنزل في المدارس ببلده وولي بها بعض المدارس ، وناب في الحكم واختص بالناصري ولد السلطان لما أقام مع والده بحلب في آخر دولة الأشرف ، ثم لما وفد عليه القاهرة لازمه أيضا حتى استقر به إماما وقررت له عدة وظائف ، ولا زال في نمو وسعادة ، ندبه أبوه في الرسلية إلى حلب في بعض المهمات ، ثم كان ممن مرضه حتى مات. وانخفض جانبه بحيث استعاد منه بعض التداريس من كان انتزعه منه ، وتوجه للحج بعد فسقط عن الجمل وانكسر منه شيء وتداوى حتى برىء ، فقدر أنه سقط في رجوعه أيضا ودخل القاهرة مع الركب وهو سالم ، فلم يلبث إلى أن مات قبل انقضاء المحرم سنة خمسين. ذكره شيخنا قال : وكان ينسب إلى شيء يستقبح ذكره والله أعلم بسريرته ا ه.

٢٣٢

٥٦٩ ـ محمد بن عبد الله بن عشاير المتوفى سنة ٨٥٠

محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن أبي حامد بن عشاير البدر ابن التاج ابن الشهاب ابن الشرف ابن الزين السلمي الحلبي الشافعي قريب الحافظ ناصر الدين محمد بن علي بن محمد بن هاشم ، ويعرف كسلفه بابن عشاير.

ولد في المحرم سنة ستين وسبعمائة بحلب ونشأ بها ، فحفظ القرآن واشتغل يسيرا ولم يتميز لكنه كتب الخط الحسن. وسمع على الظهير محمد بن عبد الكريم ابن العجمي سنن ابن ماجه وعلى جده والكمال ابن حبيب وعمر بن إبراهيم بن العجمي والشهاب بن المرحل والشرف أبي بكر الحراني وناصر الدين بن الطباخ والأستاذ أبي جعفر الرعيني وابن صديق وآخرين. وأجاز له في سنة سبع وستين فما بعدها ابن الهبل وابن أميلة والصلاح بن أبي عمر والشهاب بن النجم وأحمد بن محمد بن زغلش ومحمد بن إبراهيم النقبي ومحمد بن أبي بكر السوقي ومحمود المنبجي وأحمد بن عبد الكريم البعلي وأحمد بن يوسف الخلاطي ومحمد بن المحب عبد الله بن محمد بن عبد الحميد القدسي والشمس ابن نباتة والبهاء بن خليل والموفق الحنبلي وخلق ، وحدث سمع منه الفضلاء. وكان من بيت رياسة وحشمة وكرم ومروءة تامة منجمعا عن الناس لقلة علمه. مات قبل سنة خمسين ا ه.

٥٧٠ ـ عائشة البابية ابنة أخت البرهان المتوفاة سنة ٨٥٠

عائشة بنة إبراهيم بن عبد الله أم عبد الله الحمامي الدمشقية الحلبية ثم البابية ابنة أخت البرهان الحلبي لأمه.

ولدت قبل سنة سبعين وسبعمائة ظنا ، وأجاز لها في سنة ست وسبعين فما بعدها ابن أميلة والصلاح ابن أبي عمر وابن الهبل والمحب الصامت وغيرهم. وكانت خيرة دينة محافظة على الصلوات في أوقاتها. أخذ عنها بعض أصحابنا. وماتت بعد سنة خمسين ظنا رحمها الله ا ه.

٥٧١ ـ علي بن عبد العزيز الرومي المتوفى في هذا العقد ظنا

علي بن عبد العزيز بن يوسف العلاء الرومي الحلبي نزيل بانقوسا منها ، ولذا يقال

٢٣٣

له البانقوسي الحنفي ، ويعرف باليتيم بالتصغير والعقيل وابن فاقرة بفاء ثم قاف مكسورة كعامرة.

ولد في ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وسبعمائة وسمع على ابن صديق وغيره ، بل قرأ على الشمس البسقامي نسبة لمعتق أمه في الفقه وغيره ولازمه وبه انتفع ، وكذا أكثر عن البرهان الحلبي وكتب بخطه الصحيحين. وولي الإمامة والخطابة بجامع العلاء الأستدار ببانقوسا ظاهر حلب. وكان خيرا مديما للتلاوة والعبادة والقيام بربع القرآن كل ليلة غالبا والصوم منعزلا عن الناس متعففا عن وظائف الفقهاء سيما الخير عليه ظاهرة. مات قبل سنة خمسين رحمه‌الله ا ه.

٥٧٢ ـ محمد بن حسن بن أمير حاج المتوفى في هذا العقد ظنا

محمد بن حسن بن علي بن سليمان بن عمر بن محمد الشمس الحلبي الحنفي الآتي ولده وحفيده المسمى كل منهم محمد ، ويعرف بالموقت وبابن أمير حاج.

كان فاضلا في فنون من العلم مدرسا بالجردكية بارعا في الوقت ، ولذا باشره بجامع بلده الكبير ، وانتقلت وظيفة التوقيت والتدريس بعده لولده ا ه.

٥٧٣ ـ أحمد بن رضوان المتوفى سنة ٨٥١

أحمد بن عمر بن رضوان بن عمر بن يوسف بن محمد الشهاب بن الزين الحلبي ، ويعرف بابن رضوان.

ولد في حدود سنة خمس وثمانين وسبعماية ، وحفظ القرآن وسمع من ابن صديق الصحيح (أنا) به الحجار ، وحدث وسمع منه الفضلاء ، وقدم القاهرة فلقيته بها وأخذت عنه شيئا. وكان خيرا ذا مروءة ومحافظة على التلاوة عدلا مرضيا محمود السيرة. مات في ليلة الجمعة منتصف رجب سنة إحدى وخمسين وصلي عليه بعد الجمعة بجامع المهمندار ودفن بالجبيل التحتاني ا ه.

وذكره أبو ذر في وفيات هذه السنة وقال : إنه خطب بجامع المهمندار.

٢٣٤

٥٧٤ ـ يوسف بن يعقوب الكردي المتوفى سنة ٨٥٢

يوسف بن يعقوب بن شرف بن حسام بن محمد بن حجي بن محمد بن عمر الكردي ثم الحلبي الشافعي.

ولد في سلخ سنة ثمانمائة واشتغل ببلاده ، ثم قدم حلب فأقرأ الطلبة وأفتى. وكان فاضلا خيرا ، أجاز في سنة إحدى وخمسين ومات بعد ذلك ا ه.

وذكره أبو ذر فيمن توفي سنة ٨٥٢ فقال : في يوم عيد الفطر توفي الشيخ أبو بكر الكردي الشافعي ، قدم حلب وسكن بحارة التركمان وأقرأ أولاد الناس بكتب ابن الزين ، ولازم والدي وقرأ عليه كثيرا وحفظ قطعة من الحاوي الصغير. وكان فرضيا ويعرف النحو والقراءات متعففا قليل الكلام مواظبا على تلاوة القرآن ، ودرس بجامع حلب نيابة عن أولاد الشيخ علي ابن الوردي ا ه.

٥٧٥ ـ محمد بن علي بن مهنا المتوفى سنة ٨٥٢

محمد بن علي بن عمر بن علي بن مهنا بن أحمد الشمس أبو عبد الله بن العلاء الحلبي الحنفي أخو محمود الآتي ، ويعرف بابن الصفدي.

ولد في يوم الجمعة ثامن ذي الحجة سنة خمس وسبعين وسبعمائة بحلب ، ونشأ بها فحفظ القرآن وكتبا منها المختار في الفقه ومختصر ابن الحاجب الأصلي ، ولازم الجمال الملطي في الفقه وأصوله وغيرهما ، وأخذ المعاني والبيان وغيرهما عن الشمس الزاهدي العينتابي الحنفي ، والمختصر وكافية ابن الحاجب وشروحها مع المفصل أصلها عن التاج الأصفهيدي الشافعي ، بل سمع عليه شرحه لألفية ابن مالك بحثا ، وقرأ على الشمس البسقامي الحنفي المصابيح وسمع عليه البخاري والمشارق ، وكذا سمع قبل ذلك البخاري والشفا في سنة إحدى وثمانين على الجمال إبراهيم بن العديم والشاطبية على الشهاب بن المرحل. ونشأ فقيرا فتكسب بالشهادة إلى أن تفنن وفاق الأقران. وسافر في سنة ثمانمائة إلى القاهرة مع شيخه الملطي اصطحبه معه وأوصاه بالجلوس بقربه ليذكره بالمنقول فيما لعله يقع التكلم فيه ، وناهيك بهذا جلالة ، وقرأ حينئذ على ابن الملقن في البخاري ، وحضر دروس السيف الصيرامي والد النظام ، وتزوج حينئذ بامرأة من بيت الكلستاني وساعدها في تحصيل ميراث

٢٣٥

لها ثم وهبته له بعد ، وكان يحكى أنه كان سبب ثروته. وولي إذ ذاك في زمن الظاهر برقوق قضاء طرابلس بتعيين شيخه الملطي له ، ولهذا كان يقول : ما بالممالك الآن قاض من أيام برقوق غيري. وأقام فيه مدة ثم صرف في ربيع الآخر سنة ست وثمانمائة بالتاج ابن الحافظ الحلبي ، ولم يلبث أن أعيد قبل مباشرة التاج ، وشكرت سيرته. ثم انتقل في رجب سنة اثنتين وثلاثين لقضاء الشام عوضا عن الشهاب ابن الكشك وعزل منه مرارا منها في سنة ست وأربعين بحميد الدين النعماني ، وعرض عليه مرة في قضاء حلب فأبى ، واتفق في مرور الأشرف لآمد أنه كان معزولا فانتزع له الخاتونية أو القصاعين تدريسا ونظرا من ابن السكشك ، وكذا باشر الصادرية والنورية ، وامتحن في سنة أربع وأربعين ووجه إلى القدس بطالا ، وكذا حصلت له كائنة أخرى خلص منها بالبذل.

وكان إماما عالما أصوليا ماهرا بذلك مشاركا في الفنون مع الخير والعفة والسيرة الحميدة في قضائه وحسن العشرة وخفة الروح. وصفه شيخنا في حوادث سنة أربع وأربعين في إنبائه بأنه من أهل العلم لا ينكر عليه العمل بما يرجح عنده. ونقل غيره عن العز القدسي أنه وصفه بمزيد الحفظ وقصوره في التحقيق. وقد حج وقدم القاهرة سوى ما تقدم غير مرة وحدث قديما بالموطأ ، ثم بان أن لا رواية له فيه وأن الغلط من البقاعي وهو قارئه ، ثم نقل عنه أنه قال له إن والده أحضره وهو مرضع على الكمال بن حبيب وكان يقري أولاد ابن حبيب وأن ثبته بذلك وبغيره ضاع منه في الفتنة وتأخر منه ورقة واحدة فيها حضوره للشفا على الكمال ولصحيحه بآخرها انتهى. وهذا لا يمنع بطلان سماعه للموطأ على ابن حبيب ، فقد بيّن البرهان الحلبي الحافظ بطلانه. وكذا حدث ببيت المقدس ، ولقيته بالقاهرة فأخذت عنه أشياء.

مات في يوم السبت ثاني عشري رجب سنة اثنتين وخمسين بدمشق معزولا ودفن بمقبرة باب الفراديس بطرفها الشمالي رحمه‌الله وإيانا ا ه.

٥٧٦ ـ محمد بن إبراهيم الكتبي المتوفى سنة ٨٥٢

هو الشيخ أبو العباس محمد بن الشيخ إبراهيم الكتبي.

كان عارفا أستاذا في تجليد الكتب وتضرب الأمثال بصنعته ، وعمل قيامة جامع حلب

٢٣٦

وخدمه كثيرا بتقوى. وكانت وفاته ثالث عشري جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين وثمانماية وافتقده أهل حلب لأنه لم يكن أحد مثله في صنعته وإتقانه ا ه. (أبو ذر).

٥٧٧ ـ الشيخ محمد بن أبي بكر الشهير بالمعصراني المتوفى سنة ٨٥٢

الشيخ محمد بن أبي بكر الشهير بالمعصراني الجبريني الأصل.

وكان شاهدا في مبدأ أمره بباب النيرب ، وقرأ شيئا من الفقه على الشيخ علاء الدين ابن الوردي وقرأ عليّ شيئا من البخاري ، ثم إنه صحب ابن القاصد الصوفي ولزمه وترك طريق الفقهاء ولبس زي الفقراء وانقطع إلى الله تعالى. وكان مجاورا عند قبر سيدي يحيى خارج قرية النيرب وعند قبر الشيخ يوسف. ولزم مدرسة أشقتمر ، ثم حج ورجع فسكن المدرسة العلمية داخل باب النيرب ، وصار له أتباع يعظمونه. وكان كثير الرياضة حسن السمت مليح الشكل نير الوجه. وهو الذي قام في عمارة جامع التوبة خارج باب النيرب ، وكان الخمر يباع في مكانه ، وكلم كافل حلب تنم في إزالة المنكرات بكلام خشن ، فورد مرسوم السلطان بعد ذلك بإزالة المنكرات فعظم قدره. وتوفي بالعلمية. ورأيت أكابر الفقراء يتبركون به عند الموت ، وكانت وفاته يوم الجمعة العشرين من ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وثمانماية ودفن خارج الجامع الذي بناه ا ه. (كنوز الذهب).

الكلام على جامع التوبة خارج باب النيرب :

قال أبو ذر : كانت محلته يباع فيها المنكرات وتقف فيها القينات وتسمى بحارة السودان ، فقام في عمارته جامعا الشيخ محمد المعصراني الآتي في الحوادث وكلم كافل حلب تنم بكلام خشن فتم مقصوده ، وقام الناس معه بصفاء نية وأسسه في حياته وتمم بعد وفاته ، فجاء جامعا حسنا نيرا كثير المياه أجرى إليه الماء من القناة وأصرف عليه جملة الأمير أسلماس التركماني وكذلك غيره ، وتساعد أهل الخير فيه بأموالهم وأنفسهم وعمر له منارة ورخم أرضه ، وهو إلى الآن في زيادة ونمو ببركة من أسسه ، ووقف أهل الخير عليه أوقافا.

أقول : إن باب الجامع لا زال باقيا من عهد الواقف ، غير أنه لم يكتب عليه سوى

٢٣٧

(جامع التوبة) وهي كتابة حديثة. ومحراب القبلية من الحجر الهرقلي الأصفر جدد سنة ١١٨٠ ، وفي شرقيها ست حجر لخلوة الذاكرين ، وفي غربيها في جدار القبلية باب كتب عليه :

(١) البسملة. أنشأ هذا الجامع المبارك الفقير إلى الله تعالى

(٢) محمد بن الحاج أبي بكر المعصراني الجبريني في أيام مولانا السلطان الملك الظاهر جقمق عز

(٣) نصره وذلك في شهر شوال سنة إحدى وخمسين وثمانماية.

ووراء هذا الباب تربة مكشوفة محاطة بجدران قصيرة وفيها عدة قبور وفي وسطها قبر المترجم واسمه محرر عليه ، وهناك في طرف المدفن قبر عليه أحجار قديمة يظهر من النقوش التي عليه أنه قبر أحد الأمراء وبعضه مطمور في الأرض ، لذا لم يظهر لي إن كان عليه كتابة أولا.

ومكتوب على جدار القبلية تجاه الصحن :

لم تزل رحمة الإله على من

بالتقى يعمر المساجد فضلا

إذ به جامع الفضائل لما

شاده مخلصا تسامى محلا

قلت لما حبى المسرة أرخ

عمل صالح له الخير دلا ١١٨٠

وفي نواحي سنة ١٣٠٠ فرش صحنه الواسع بالرخام الأبيض والأسود ، وفي وسط هذا الصحن حوض كبير في غربيه مصطبة ، وشمالي الصحن قبلية واسعة تدعى الحجازية وقد جددت سنة ١٣١١. وكان هناك قصطل ماء فأبطل واتخذ عوضه حوض كبير. وهو الآن تحت يد دائرة الأوقاف ، له من الأوقاف بستان ونصف وثلاث عشرة دارا ونصف مصبغة.

٥٧٨ ـ نفيس جمال الدين المتوفى سنة ٨٥٤

نفيس جمال الدين أبو المحاسن ابن الزيني بن عبد الصمد أحد أعيان الخواجكية في وقته بمدينة حلب.

٢٣٨

أنشأ جامعا عرف بالنفيسية والدامغانية والبيازيدية ، وأنشأ داخله تربة لنفسه ودفن بها ، وشرط له في وقفه كثيرا من الخيرات ، وكانت وفاته سنة ٨٥٤. ثم في سنة ٩٢٠ وقف ابن ابنه محمد بن ناصر الدين وقفا حافلا شرطه بعد انقضاء ذريته على تربة جده.

ثم إن مستدام بك أحد عتقاء السلطان قانصوه الغوري وقف وقفا جسيما شرط فيه عدة خيرات لهذا الجامع وغيره وقف مدارا ظاهر باب النيرب وآخر تحت القلعة وستة عشر قيراطا من طاحون أرتاح من العمق ونصف جنينة زقاق المسك بحلب وغير ذلك.

ومن جملة شروط وقفه ١٠٠ دينار لإطعام الصائمين الفقراء في رمضان ، و ٥٠ لما يترتب على فقراء أغلبك من العوارض السلطانية ، و ٥٠ لما يترتب على فقراء محلة الجبيلة ، و ١٠٠ لكسوة العاجزين والأرامل في العيدين. وشرط التولية بعده على ذريته وبانقراضهم يلحق وقفه بوقف المرحوم السلطان الغوري بحلب الموقوف على الحرمين وبيت المقدس والخليل ... إلخ.

ومن جملة شرط وقفه إعطاء ٢٥ دينارا لأربعة قراء في جامع النفيسية الذي جدده وعمل فيه مدرسة ثم أوقف خمسة آلاف دينار علاوة على خمسة عشر ألف دينار كان أوقفها قبلا وشرط أن يصرف من غلة وقفه وربح الدنانير في كل سنة ٦٢ دينارا لعشرة قراء علاوة على العشرين قارئا الذين شرطهم في جامعه قبلا وأن يصرف في يوم ١٠ عثمانيات لواعظ في جامعة يوم الجمعة إلى غير ذلك من الخيرات.

الكلام على هذا الجامع الآن المعروف بالمستدامية :

أقول : ذكرت في الجز الرابع (ص ٣٥٤) في الكلام على الخانكاه الدامغانية أني لم أعرف مكانها ، ثم ظفرت بأوراق عند السيد علي منصور الكيالي ترجم فيها جمال الدين نفيس وذكر شرط وقف مستدام بك على الجامع الذي جدده وغير ذلك وهي ما ذكرنا خلاصته أعلاه ، ومنها تبين أن جامع المستدامية الواقع في المحلة التي صارت تعرف به كان يعرف بجامع ابن نفيس ، وقبل ذلك كان يعرف بالخانكاه الدامغانية. ومكتوب فوق شباك تربة ابن نفيس المترجم :

(١) البسملة. مما تبرع بإنشائه العبد الفقير الراجي عفو ربه

٢٣٩

(٢) القدير الشيخ جمال الدين ابن المرحوم الحاج بهاء الدين ابن نفيس ابن المرحوم الحاج عبد الصمد

(٣) ابن المرحوم الحاج عبد القادر الشرواني تغمدهم الله برحمته وأسكنهم عالي جنته

(٤) بتاريخ أربعة وخمسين وثمانمائة من الهجرة النبوية ا ه.

وداخل هذه القبة ضريحان قبر المترجم وقبر حفيده محمد المتوفى سنة ٩٦٣ ، وشرقيها حجرة متهدمة داخلها عدة قبور منها قديمة ومنها حديثة. وقبلية هذا الجامع صغيرة جددت من قبل دائرة الأوقاف سنة ١٣١٩. وفي شرقي الصحن وغربيه ست حجر للطلبة لكنها خالية منهم ومدرسه الآن الشيخ راجي مكناس.

ومن آثار ابن نفيس الحمّام المعروفة بحمام ابن نفيس في محلة البياضة أمام جامع الصروي وهي مما وقفه على هذا الجامع ، وقد اطلعت على وقفية الواقف وهي طويلة الذيل عند بني الموقع وهم من جملة المستحقين في هذا الوقف.

٥٧٩ ـ عبد الرزاق بن محمد الشرواني المتوفى سنة ٨٥٥

هو الشيخ الإمام العلامة عبد الرزاق بن محمد الشرواني نزيل حلب.

قرأ على الشيخ علاء الدين البخاري ، وقدم حلب ونزل خارج باب الخندق بالوج فقرأ عليه الشيخ شمس الدين السلامي وغيره شرح العقايد ، ثم نزل بالمدرسة الرواحية ولازم وصار لا يخرج إلا للصلاة بالجامع الأموي. وقرأ عليه الشيخ شمس الدين بن أمير حاج وبه انتفع وسيدي عمر وسيدي أبو بكر ابنا النصيبي وغيرهم.

وكانت أوقاته معمورة بالأشغال والاشتغال وقراءة القرآن ، وكان منقطعا متعففا عن الفقهاء ، رتب له القاضي جمال الدين الباعوني كل شهر ثلاثين درهما من العصرونية فلم يقبل ، وكان قليل الكلام فقيرا جدا يخرج إلى الصلاة في الجامع الأوقات الخمس في شدة البرد وعليه دراعة بيضاء. وكان ينسب إلى معرفة كلام ابن عربي.

توفي في رمضان سنة خمس وخمسين وثمانماية ودفن بالقرب من مقام سيدنا الخليل خارج حلب ، وكان متقنعا باليسير. ويعجبني قول الداوودي راوي البخاري :

٢٤٠