إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٥

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٥

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٥٧

وقال ولده : بدأ في التفسير وشرح الكشاف ولم يكملهما ، وألف لأجلي في الفقه مختصرا في غاية القصر محتويا على ما لم تحتو عليه المطولات جعله ضوابط ومستثنيات ، فعدم منه في بعض الأسفار ، واختصر منظومة النسفي في ألف بيت مع زيادة مذهب أحمد ، ونظم ألف بيت في عشرة علوم إلى غير ذلك في الفقه والأصول والتفسير وعامة العلوم ، قال : وحاصل الأمر فيه أنه كان منفردا بالرياسة علما وعملا في بلده وعصره وغرة في جبهة دهره ، ولي قضاء حلب ودمشق والقاهرة ثم قضاء الشام كله ، وقدم حلب فقدرت وفاته بها ، وسلم له في علومه الباهرة وبحوثه النيرة الظاهرة ، وانتهى أمره إلى أن ترك التقليد بل كان يجتهد في مذهب إمامه ويخرج على أصوله وقواعده ويختار أقوالا يعمل بها ، وأثنى على جميع نظمه. وذكر أن ممن أخذ عنه العز الحاضري والبدر ابن سلامة بحلب ، وابن قاضي شهبة وابن الأذرعي بالشام ، وابن الهمام وابن التنيسي وابن السقطي وابن عبد الله بمصر ، وقرأت بخط آخرهم أنه قرأ عليه بالقاهرة حين قدمها سنة ثلاث عشرة ولزم دروسه إلى سفره من أواخر التي تليها صحبة العسكر ، وقال : إن الناصر قربه واستصحبه معه فالله أعلم بذلك كله.

ومن تصانيفه أيضا «اختصار تاريخ المؤيد» صاحب حماة مع التذييل عليه إلى زمنه على طريقة الاختصار ، و «سيرة نبوية» ، و «الرحلة القسرية بالديار المصرية».

وقد أوردت في ترجمته من «ذيل قضاة مصر» فوائد كثيرة من نظمه ونثره ومطارحات وحكايات. ومن نظمه :

أسماء عشر رسول الله بشرهم

بجنة الخلد عمن زانها وعمر

سعد سعيد علي عثمان طلحة أبو

بكر ابن عوف ابن جراح الزبير عمر

وقوله أيضا :

كنت بخفض العيش في رفعة

منتصب القامة ظلي ظليل

فاحدودب الظهر وها أضلعي

تعدّ والأعين مني تسيل

ا ه. وذكر في الكشف من مؤلفاته «أوضح الدليل» و «الأبحاث فيما يحل به المطلقة بالثلاث».

١٦١

٥٠٥ ـ تغري بردي باني جامع الموازيني المتوفى سنة ٨١٥

قال في المنهل الصافي : تغري بردي بن عبد الله بن يشبغا الأتابكي الظاهري نائب الشام.

قال القاضي علاء الدين بن خطيب الناصرية في تاريخه : تغري بردي الأمير الكبير سيف الدين نائب حلب ثم دمشق من عتقاء الملك الظاهر برقوق ، قدم الديار المصرية ، ثم لما جاء إلى حلب في سنة ست وتسعين وسبعمائة ولاه نيابتها في أواخر السنة المذكورة عوضا عن الأمير جلبان ، فسار سيرة حسنة ، وكان عنده تعقل وحياء وسكون ، وبنى بحلب جامعا كان قد أسسه ابن طوفان بالقرب من الأسفريس فأكمل بناءه ووقف عليه قرية معرة عليا إلا يسيرا منها بعد أن اشتراها من بيت المال ، وهي من عمل سرمين ، ونصف سوقه التي بحلب تحت قلعتها وغير ذلك. ولما أكمل بناءه ولى خطابته قاضي القضاة كمال الدين أبا حفص عمر بن العديم الحنفي ورتب فيه مدرسا شافعيا وثمان طلبة شافعية ومدرسا حنفيا وثمان طلبة حنفية ، كان أولا رتب من كل طائفة عشرة نفر ثم استقر بهم كل طائفة ثمانية ، وولى تدريس الشافعية فيه شيخنا أبا الحسن الصرخدي والحنفية شيخا يقال له شمس الدين القرمي ، ثم عزله وولى شيخنا أبا الحسن يوسف الملطي. وحضر شيخنا بعد صلاة الجمعة الدرس وحضر النائب المشار إليه والقضاة وأعيان العلماء ، وكان الدرس في حديث النهي عن تلقي الركبان. ثم ولاني به تصدير حديث ، وكان ولاني قبل ذلك به فقاهة ثم أضاف إليّ التكلم فيه وفي أوقافه رحمه‌الله تعالى.

وفي الجامع المشار إليه يقول الإمام الرئيس زين الدين أبو حفص عمر بن إبراهيم الرهاوي كاتب السر بحلب وكتبت على منبره :

منبر جامع محاسن فضل

ذلك الجمع ماله من نظير

خص عزا بجمعة وخطاب

عن رسول مبشر ونذير

قد بناه لله تغري بردي

كي يجازى بجنة وحرير

ثم إن الأمير تغري بردي عزل عن نيابة حلب بالأمير أرغون شاه الإبراهيمي وتوجه إلى القاهرة مطلوبا فبقي هناك أميرا على مائة فارس ، فلما توفي السلطان الملك الظاهر برقوق وجرى الخلف بين الأمراء المصريين على ما حكيناه في غير هذا الموضع هرب الأمير تغري

١٦٢

بردي من القاهرة إلى الشام إلى الأمير تنم نائبها وجرى له ما جرى واتفق أمر تمر لنك ، ثم توجه إلى بلاده وولاه السلطان الملك الناصر فرج نيابة الشام في سنة ثلاث وثمانمائة ، ثم عزل بالأمير علاء الدين أقبغا الهذباني وتوجه إلى حلب هاربا إلى الأمير دمرداش نائبها ، ثم خرجا عن الطاعة وتوجها إلى التركمان ، فركب الأمير تغري بردي في البحر وتوجه إلى الديار المصرية فأكرمه السلطان وولاه إمرة مائة فارس ، ثم توجه إلى القدس بطالا فأقام به مدة ، ثم توجه إلى القاهرة وولي بها إمرة مائة فارس ، ثم استقر أتابك العساكر الإسلامية بالديار المصرية ، ثم لما صالح السلطان الملك الناصر فرج الأمير شيخ بالكرك ولى تغري بردي المذكور نيابة دمشق وذلك في شهر ذي الحجة سنة ثلاث عشرة وثمانمائة ، واستمر بها حتى حصل له مرض في أثناء سنة أربع عشرة وتزايد به إلى أن مات في سنة خمس عشرة وثمانمائة في شهر المحرم. وكان رحمه‌الله أميرا كبيرا كثير الحياء والسكون حليما عاقلا مشارا إليه في الدول. انتهى كلام ابن خطيب الناصرية باختصار.

أقول : والمترجم والد يوسف بن تغري بردي مؤلف «المنهل الصافي». وبعد أن ذكر ما قدمناه أخذ في ترجمة والده وتنقلات أحواله في ست ورقات ، ثم ذكر وفاته في التاريخ المتقدم.

وتقدم الكلام على جامعه في الجزء الثاني (في صحيفة ٣٩٠) ثم رأيت في كنوز الذهب في الكلام على هذا الجامع أن تغري بردي ندب لعمارته مشدا يقال له ابن الزين فما عدل ، وأقام له خطيبا قاضي المسلمين كمال الدين بن العديم ، ثم صارت الخطابة لولده ناصر الدين ثم لشهاب الدين أخي كمال الدين فخطب ولده في حياته ، ثم لما توفي في فصل سنة خمس وعشرين انتقلت إلى شيخنا شهاب الدين ابن الموازيني.

أقول : وبهذا ظهر سبب تسمية الجامع بالموازيني لا ما قلته ثمة.

وكتب أبو ذر على الهامش أن تغري بردي توفي سنة خمس عشرة وثمانماية ، وكان متواضعا يعرف شيئا من العلم. وقال قبل ذلك : هذا الجامع في قبليته انحراف والحائط الغربي تهدم في تكلم شيخنا المؤرخ فجدده من مال الوقف ، وكان يتردد إلى عمارته وجد في ذلك ، وعلى بابه حوض للسبيل ومكتب للأيتام من إنشاء تغري بردي المذكور ، ووقف على ذلك أوقافا مبرورة من جملتها في معرة عليا من عمل سرمين ا ه.

١٦٣

٥٠٦ ـ العجل بن نعير أمير آل فضل المتوفى سنة ٨١٦

العجل بن نعير بن حيار بن مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن عصية بن فضل بن بدر بن ربيعة أمير آل فضل بالشام والعراق.

نشأ في حجر أبيه ، فلما جاوز العشرين خرج عن طاعته ، ثم لما كان جكم بحلب وخرج لقتال ابن صاحب الباز إلى جهة أنطاكية توجه إليه العجل نجدة له وآل الأمر إلى أن انكسر نعير وجيء به إلى جكم ، فلما رآه قال لابنه : انزل فقبل يد أبيك ، فجاء ليفعل فأعرض عنه أبوه.

ثم إن جكم رسم على نعير وجهزه إلى حلب ، واستمر العجل في خدمة جكم إلى أن توحش منه فهرب ، ولم يزل يحارب ويقاتل إلى أن قتل على يد طوخ في ربيع الأول سنة ست عشرة ، وحمل رأسه فعلق على باب قلعة حلب وسنه ثلاثون سنة ، وبقتله انكسرت شوكة آل مهنا. ويقال إنه كان عفيفا عن الفروج. ترجمه ابن خطيب الناصرية ثم شيخنا في إنبائه مطولا. وقيل اسمه يوسف بن محمد والله أعلم ا ه.

٥٠٧ ـ عبد الرحمن بن المهاجر المتوفى سنة ٨١٧

عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن عبد الله بن المهاجر الزين الحلبي كاتب سرها ، بل ولي نظر جيشها أيضا.

كان إنسانا حسنا لطيفا عنده حشمة وكياسة. قرأ البخاري على البرهان الحلبي ، وكان يقرؤه على الناس بجامع باحسيتا ويعطي يوم ختمة القراء الذين يحضرون عليه من عنده. وولي مشيخة خانقاه الصالح ببلده بعد القاضي شمس الدين محمد.

مات في يوم السبت ثاني عشر شعبان سنة سبع عشرة بعد ارتفاع الطاعون ودفن بتربة دقماق وكانت جنازته حافلة. ذكره ابن خطيب الناصرية وتبعه شيخنا في إنبائه باختصار ا ه.

٥٠٨ ـ الأمير طوخ نائب حلب المتوفى سنة ٨١٧

طوخ بن عبد الله الظاهري الأمير سيف الدين المعروف ببطيخ.

١٦٤

هو من مماليك الملك الظاهر برقوق ، ووقع له بعد موت أستاذه الظاهر برقوق أمور وحوادث إلى أن قتل الملك الناصر فرج وصار الأمير نوروز الحافظي نائب دمشق وحاكم البلاد الشامية ، انضم طوخ المذكور إلى نوروز وولي نيابة حلب ، فلما عصى نوروز الملك المؤيد وافقه طوخ ودام معه إلى أن ظفر المؤيد بنوروز وقبض عليه قبض على طوخ هذا أيضا وقتله أيضا ذبحا في العشر الأخير من شهر ربيع الآخر سنة سبع عشرة وثمانماية بعد أن حوصر بقلعة دمشق مدة طويلة مع الأمير نوروز ا ه. (المنهل الصافي).

أقول : لم يذكر المترجم في السالنامة في جملة من ولي حلب ، ولعل ولايته عليها كانت في أواخر سنة ٨١٢ من قبل نوروز بعد أن اصطلح نوروز مع نائب الشام شيخ وتحالفا على العصيان على الملك الناصر واستوليا على البلاد الحلبية والشامية كما ذكرناه في الجزء الثاني من التاريخ في حوادث سنة ٨١٢.

٥٠٩ ـ محمد بن عمر بن العديم المتوفى سنة ٨١٩

محمد بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة ناصر الدين أبو غانم وأبو عبد الله بن الكمال أبي القاسم وأبي حفص ابن الكمال أبي إسحق العقيلي بالضم الحلبي ثم القاهري الحنفي ، ويعرف كسلفه بابن العديم وبابن أبي جرادة.

ولد في ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة بحلب ، وحفظ بها في صغره كتبا واشتغل على مشايخها كأبيه واستمع على مسندها عمر بن أيدغمش وغيره. وقدم القاهرة مع أبيه وهو شاب فشغله في فنون على غير واحد من الشيوخ كقارىء الهداية ، وقرأ بنفسه على الزين العراقي قليلا من ألفيته. ومات أبوه بعد رغبته له عن تدريس المنصورية ثم الشيخونية تدريسا وتصوفا ومباشرته لذلك في حياته وأوصاه أن لا يترك بعده المنصب ولو وهب فيه جميع ما خلفه ، فقبل الوصية وبذل حتى استقر فيه قبل استكماله عشرين سنة في ثالث المحرم سنة اثنتي عشرة بعد الأمين الطرابلسي. واستمر إلى أن سافر مع الناصر سنة قتله ، فاتصل بالمؤيد حين حصره للناصر في دمشق فغضب منه الناصر فعزله وقرر أبا الوليد ابن الشحنة الحلبي ، ولم يلبث أن قتل الناصر بحكم هذا قبل مباشرة المستقر ولا إرساله لمصر نائبا ، فأعيد الحاكم ، ثم صرف في جمادى الأولى سنة خمس عشرة بالصدر

١٦٥

الآدمي قبل دخول المؤيد القاهرة وقبل تسلطنه ، وبذل حينئذ مالا حتى أعيدت إليه في رجبها مشيخة الشيخونية بعد صرف الأمين الطرابلسي.

ثم سافر للحج مستخلفا في التدريس شيخه قارىء الهداية وفي التصوف الشهاب ابن سفري ، فوثب عليهما الشرف التباني وانتزعها منهما ، ثم أعيد إلى القضاء في رمضان التي تليها بعد موت ابن الآدمي واستمر حتى مات.

وكان خفيف اللحية يتوقد ذكاء ، سمحا بأوقاف الحنفية متساهلا في شأنها إجازة وبيعا حتى كادت تخرب لو دام قليلا خربت كلها ، كثير الوقيعة في العلماء ، قليل المبالاة بأمر الدين ، يكثر المظاهرة بالمعاصي لا سيما الربا ، بل كان سيء المعاملة جدا أحمق أهوج متهورا محبا في المزاح والفكاهة مثريا ذا حشم ومماليك فصيحا باللغة التركية. وقد امتحن في الدولة الناصرية على يد الوزير سعد الدين البشيري وصودر مع كونه قاضيا. وبالجملة كان من سيئات الدهر.

مات قبل استكمال ثمان وعشرين سنة في ليلة السبت تاسع ربيع الآخر سنة تسع عشرة وثمانمائة بعد أن كان ذعر من الطاعون التي وقع فيها ذعرا شديدا ، فصار دأبه أن يستوصف ما يدفعه ، ويستكثر من ذكر أدعية ورقى وأدوية ، بل تمارض حتى لا يشهد ميتا ولا يدعى لجنازة خوفا من المقدر ، فقدر الله سلامته من الطاعون وابتلاه بالقولنج الصفراوي بحيث اشتد به الخطب وكان سبب موته ودفن بالصحراء بالقرب من جامع (طشتمر حمص أخضر) عفا الله عنه وإيانا.

ذكره ابن تغري بردي وقال : إنه كان زوج أخته وإن المقريزي رماه بعظائم برىء منها والله أعلم بحاله منه كذا قال ا ه. (الضوء اللامع). من الجزء الموجود في مكتبة الأحمدية المحرر عليه «طبقات الحنفية» للسخاوي.

٥١٠ ـ خليل بن مقبل المتوفى في هذا العقد ظنا

خليل بن مقبل بن عبد الله العلقمي مولدا والحلبي منشا والحنفي مذهبا.

شرح مقدمة أبي الليث السمرقندي شرحا نافعا جيدا وفرغ من تبييضه قبل العصر

١٦٦

في مستهل جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وسبعمائة بالقدس الشريف ا ه. (الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل).

أقول : وله شرح على مصابيح السنة للبغوي ذكره في الكشف في الكلام على شروح المصابيح.

ولم أقف على تاريخ وفاته فوضعناه مع وفيات هذا العقد. وله أخ توفي سنة ٨٧٩ كان مؤذنا ومحدثا في جامع حلب ستأتيك ترجمته في هذا التاريخ.

٥١١ ـ عبد الله بن عصرون المتوفى سنة ٨٢١

عبد الله بن إبراهيم بن أحمد الجمال الحراني الأصل الحلبي الحنبلي.

كان يذكر أنه من ذرية الشرف ابن أبي عصرون (من رجال القرن السادس) وأنه شافعي الأصل ، وولي قضاء الشغر قبل الفتنة شافعيا ، وكذا كانت له وظائف في الشافعية بحلب ، ثم تحول بعد مدة حنبليا وولي قضاء الحنابلة بحلب مرة بعد أخرى.

قال العلاء بن خطيب الناصرية : وكان حسن السيرة دينا عاقلا ، ولي القضاء ثم صرف ثم أعيد مرارا ، ثم صرف قبل موته بعشرة أشهر ، ومات في شعبان سنة إحدى وعشرين. ذكره شيخنا عن نحو من ست وستين سنة ، ودفن بتربة الأذرعي والباريني خارج باب المقام من حلب. ذكره شيخنا في إنبائه باختصار ا ه.

٥١٢ ـ أحمد بن هلال الزنديق المتوفى سنة ٩٢٣

أحمد بن هلال الشهاب الحسباني ثم الحلبي الصوفي ، ويعرف بابن هلال.

قال شيخنا في إنبائه : قليلا عن القاضي (يعني أخذ قليلا عن) شمس الدين ابن الخراط وغيره ، وكان مفرط الذكاء ، وأخذ التصوف عن الشمس البلالي ، ثم توغل في مذهب الوحدة ودعا إليه وصار كثير الشطح وجرت له وقايع. وكان أتباعه يبالغون في إطرائه ويقولون هو نقطة الدائرة إلى غير ذلك من مقالاتهم المستبشعة.

وذكره في «لسان الميزان» فقال : أحد زنادقة الوقت. ولد بعد السبعين بدمشق ،

١٦٧

وقدم حلب على رأس القرن فقرأ على القاضي شرف الدين الأنصاري في مختصر ابن الحاجب الأصلي ، ودرس في المنتقى لابن تيمية ، وقرأ في أصول الدين. فلما كانت كائنة الططر وقع في أسر اللنكية وشج رأسه ، ثم خلص منهم بعد مدة وبرح إلى القاهرة فأقام بها وأخذ عن بعض شيوخها وصحب البلالي مدة ، ثم رجع إلى حلب فصحب الأطعاني ، ثم انقطع فتردد إليه الناس وعقد الناموس وصار يدعي دعاوي عريضة ، منها أنه مجتهد مطلق ، ويطلق لسانه في أكابر الأئمة وأنه مطلع على الكائنات ولا يعتني بعبادة ولا مواظبة على الجماعات ، ويدعي أنه يأخذ من الحضرة وأنه نقطة الدائرة ، ونقل عن أتباعه كفريات صريحة. وسمع شخصا ينشد قصيدة نبوية فقال : هذه فيّ. وقال لأتباعه : إن أقصرتم بي عن درجة النبوة نقصتم منزلتي. وزعم أنه يجتمع بالأنبياء كلهم في اليقظة وأن الملائكة تخاطبه في اليقظة ، وأنه عرج به إلى السموات ، وأن موسى أعطي مقام التكليم ومحمدا مقام التكميل وهو أعطي المقامين معا إلى غير ذلك مما ذاع واشتهر. وكثر أتباعه وعظم بهم الخطب واشتدت الفتنة به ، وقام عليه جماعة وتعصب له بعض الأكابر إلى أن مات في تاسع عشر شوال سنة ثلاث وعشرين. نقلت ترجمته من خط البرهان المحدث بحلب. قلت : وما تقدم عن إنبائه ذكره في سنة أربع وعشرين والأول أشبه. وسمعت المحب ابن الشحنة يحكي أنه أخذ عنه وأنه أيف (هكذا ولعله أصيب) في عقله وليس هذا ببعيد عن من يصدر منه الخرافات.

وذكره ابن أبي عذيبة فقال : الشيخ الإمام الصالح الزاهد الورع العارف المحقق شهاب الدين. سئل الشيخ عمر بن حاتم العجلوني عن أمثل من رأت عيناه في الدنيا في العلم والعمل فقال : من الأموات ابن هلال ومن الأحياء ابن رسلان. سمع كثيرا وعمر. مات سنة إحدى وعشرين ا ه.

وذكره في الضوء قبل ذلك مرة ثانية وسماه أحمد بن عمر بن هلال وقال : اشتغل بحلب وقدم القاهرة فصحب البلالي ، ثم رجع لبلده وكثر أتباعه ومعتقدوه ، ولكن حفظت عنه شطحات. فمقته الفقهاء في إظهار طريق ابن عربي فلم يزد أتباعه في ذلك إلا محبة فيه وتعظيما له حتى كانوا يسمونه نقطة الدائرة. ومات سنة أربع وعشرين. ترجمه هكذا المقريزي في عقوده ا ه.

١٦٨

٥١٣ ـ أحمد بن إبراهيم السرميني الفلكي المتوفى سنة ٨٢٤

أحمد بن إبراهيم بن ملاعب شهاب الدين السرميني ثم الحلبي الفلكي ، ويعرف بابن ملاعب.

وكان أستاذا ماهرا في علم الهيئة وحل الزيج وعمل التقاويم مبرزا فيه ، انفرد بذلك بحلب في وقته بحيث كانوا يأخذون تقاويمه إلى البلاد النائية ويرسلون في طلبها ، ولذا كانت سائر نوابها تقربه مع نسبته لرقة الدين وانحلال العقيدة وترك الصلاة وشرب الخمر بحيث لم يكن عليه أنس الدين. تحول من حلب خوفا من بعض الأمراء إلى صفد فسكنها وكانت منيته بها في سنة أربع وعشرين وقد جاوز الثمانين. ذكره ابن خطيب الناصرية مطولا وقال إنه اجتمع به مرارا. وحكى أنه قال لبعض الأمراء ممن سماه في محاربة : لا تركب الآن فليس هذا الوقت بجيد لك ، فخالفه وركب فقتل في حكايات نحو ذلك وقعت له فيها إصابات كثيرة يحفظها الحلبيون. قال : وسمعته مرارا يقول : هذا الذي أقوله ظن وتجربة ولا قطع فيه. قال شيخنا في إنبائه : وسمعت القاضي ناصر الدين ابن البارزي يبالغ في إطرائه ا ه.

٥١٤ ـ محمد بن خليل الحاضري المتوفى سنة ٨٢٤

محمد بن خليل بن هلال بن حسن العز أبو البقا ابن الصلاح الحاضري الحلبي الحنفي والد العز محمد والشهاب أحمد.

ولد في أحد الجماديين سنة سبع وأربعين وسبعمائة ، وعند المقريزي سنة ست ، ونشأ فحفظ خمسة عشر كتابا في فنون ، وأخذ عن حيدر والشمس بن الأقرب في آخرين كالجمال ابن العديم والشرف موسى الأنصاري والسراج الهندي ، وأخذ النحو عن أبي عبد الله وأبي جعفر الأندلسيين ، ورافق البرهان الحلبي والشرف الأنصاري في الأخذ عن مشايخهما كثيرا سماعا واشتغالا في الرحلة وغيرها ، وسمع كل منهم بقرآءة الآخر قبل الثمانين وبعدها ، فممن سمع عليه الظهير ابن العجمي وقريبة العز والجمال بن العديم والكمال بن النحاس وابن رباح وأبو البركات موسى بن فياض الحنبلي والبرهان بن بلبان الصابوني. وارتحل إلى دمشق فقرأ بها على ابن أميلة سنن أبي داود والترمذي في آخرين. ودخل القاهرة غير مرة فأخذ

١٦٩

عن المولى المنفلوطي وانتفع به والجمال الأسنوي وابن الملقن والجلال البتاني ، ثم في مرة أخرى جمع القراءات السبع على الشمس العسقلاني وأذن له في الإقراء ، وسمع مفرداته على الشيخ يعقوب. وقرأ على الزين العراقي علوم الحديث وأجاز له ، وكذا علم الحديث عن الصدر الياسوفي والكمال ابن العجمي ، وتكسب في بلده بالشهادة كأبيه ، ثم ناب عن أبي الوليد ابن الشحنة مدة ، ثم ولاه قاضيها الشافعي قضاء سرمين ، ثم استقل بقضاء مذهبه في بلده سنة إحدى عشرة عوضا عن أبي الوليد المشار إليه بعناية دمرداش نائبها ، ثم صرف بأبي الوليد في سنة خمس عشرة ولم يلبث أن مات فأعيد.

وكان محمود الطريقة مشكور السيرة ، ولكنه عيب لما صدر منه في إعادة كنيسة سرمين ، وقيل فيه بعض الأبيات ، وتفرد في بلده وصار المشار له فيها ، بل قال البرهان الحلبي : لا أعلم بالشام كلها مثله ولا بالقاهرة مثل مجموعه الذي اجتمع فيه من العلم الغزير والتواضع الكثير والدين المتين والمحافظة على الجماعة والذكر والتلاوة والاشتغال بالعلم. زاد غيره : وكان المؤيد يحبه ويكرمه ويعظمه ويقطعه إقطاعا ، فلما كانت سنة ثلاث وعشرين سأل الإعفاء وأن يكون ابنه العز عوضه لفالج عرض له فأجيب ، وكذا قال غيره : كان حفظة علامة في فنون ، مشارا له في فقه الحنفية ببلده مع كثرة التواضع والانبساط ، رضي الخلق والديانة والصيانة ، جميل الطريقة.

قال بعض الآخذين عنه ما ملخصه : كان إماما عالما بفنون من نحو وصرف وقراءات وفقه وحديث وغيرها سيما العربية متواضعا طارحا للتكليف ، وضع شرحا على توضيح ابن هشام وشذوره ، وحاشية على مغنيه ، واختصر جلاء الأفهام لابن القيم ، وشرح بعض المنار وهم بشرح الهداية فما اتفق.

مات بحلب في يوم السبت عاشر ربيع الأول سنة أربع وعشرين بعد أن أصيب كما سبق بفالج وتغير عقله يسيرا ، وتقدم للصلاة عليه البرهان الحلبي ودفن خارج باب المقام بالقرب من تربة سودون قرب المدرسة الظاهرية ، وكانت جنازته مشهودة.

قال شيخنا في إنبائه ومعجمه : وصلينا عليه صلاة الغائب بالجامع الأزهر في أواخر جمادى الأولى عقب صلاة الجمعة رحمه‌الله وإيانا.

وممن ترجمه ابن خطيب الناصرية والعز من شيوخه بل رفيقه في القضاء ، وكذا ترجمه

١٧٠

ابن قاضي شهبة وآخرون كالمقريزي في عقوده وقال : إنه صار المشار إليه في فقه الحنفية مع الديانة والصيانة وجميل الطريقة رحمه‌الله تعالى وإيانا ا ه.

أقول : ومن مؤلفاته شرح على الفوائد الغياثية في المعاني والبيان لعضد الدين عبد الرحمن الإيجي المتوفى سنة ٧٥٦. قال في الكشف لخصها من القسم الثالث من مفتاح العلوم كالتلخيص ، لكنها أخصر منه ، وهي كتاب مفيد معتبر ، ثم ذكر شراحها. وهذا الشرح في مجلد لطيف في ثلاثين كراسة هو في خزانة المكتبة الخسروية بحلب محرر سنة ١٠٠١ ، قال ناسخه في آخره : نقلته من خط مؤلفه عز الدين أبي البقا محمد الحاضري الحلبي.

٥١٥ ـ عائشة ابنة التاج ابن عشاير المتوفاة سنة ٨٢٤

عائشة ابنة التاج عبد الله بن الشهاب أحمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن أبي حامد بن عشاير السلمي الحلبي.

ولدت بعد الستين وسبعماية ، وسمعت من جدها الخطيب الشهاب أحمد وابن صديق ، وأجاز لها في سنة سبع وستين الأحمدون ابن عبد الكريم البغلي وابن يوسف الخلاطي وابن النجم وحسن بن الهبل والبهاء بن خليل والموفق الحنبلي ومحمود المنبجي والحراوي وخلق. وحدثت سمع منها الفضلاء كابن موسى والأبي. وذكرها شيخنا في معجمه وقال : أجازت في الاستدعاء الذي فيه رابعة انتهى.

ماتت في رمضان سنة أربع وعشرين بحلب ا ه.

٥١٦ ـ محمد بن محمد بن خليل الحاضري المتوفى سنة ٨٢٥

محمد بن محمد بن خليل بن هلال العز بن العز بن الصلاح الحاضري الحلبي قاضيها الحنفي الماضي أبوه.

ذكره شيخنا في إنبائه وقال : قال البرهان الحلبي : ولي القضاء فسار سيرة جميلة. ومات بالطاعون سنة خمس وعشرين رحمه‌الله ا ه.

١٧١

٥١٧ ـ صالح بن أحمد السفّاح المتوفى سنة ٨٢٥

صالح بن أحمد بن صالح بن أحمد بن عمر بن أحمد صلاح الدين بن الشهاب بن السفّاح الحلبي أخو عمر الآتي ، وهما توأمان ، سبط قاضيها الشرف الأنصاري.

ولد سنة خمس وتسعين وسبعماية ، وأحضر على ابن أيدغمش ، وسمع على ابن صديق ، وقرأ شيئا في النحو. لما ولي أبوه كتابة السر استقر في توقيع الدست وناب عن أبيه. وكان محتشما متوددا إلى الناس وافر العقل.

مات في الطاعون في جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين قاله شيخنا في إنبائه ا ه.

٥١٨ ـ بدر الدين محمد بن أحمد الحسيني الإسحاقي المتوفى سنة ٨٢٥

الرئيس الفاضل الشريف بدر الدين أبو عبد الله محمد بن عز الدين أحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن زيد بن جعفر ابن أبي إبراهيم محمد الممدوح الحسيني الحلبي نقيب الأشراف بحلب وابن نقيبها وكاتب السر بها ، وهو المذكور مع أسلافه فيمن مضى من رؤسائها.

كان إنسانا حسنا يستحضر طرفا من التاريخ يذاكر به.

ولي نقابة الأشراف بحلب بعد موت والده ، ثم ولي كتابة سر حلب من قبل المؤيد في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة. ولما جاء فصل الطاعون إلى حلب في سنة خمس وعشرين وثمانمائة كتب وصيته وتركها معه في جيبه ، ولا يزال يذكر الموت وتحدثه نفسه بأنه يموت في الفصل إلى أن مرض أياما ثم انتقل إلى رحمة الله حادي عشر جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وثمانمائة ودفن بسفح جبل جوشن بحوش مشهد الحسين عند أجداده وله من العمر نيف وأربعون سنة.

٥١٩ ـ محمد بن موسى الأنصاري المتوفى سنة ٨٢٥

ولي الدين أبو زرعة محمد بن شرف الدين موسى الأنصاري ابن محمد بن محمد بن أبي بكر بن جمعة الحلبي الأنصاري خطيب جامعها الأكبر.

١٧٢

توفي تاسع رجب سنة خمس وعشرين وثمانمائة. وكان شابا حسنا حسن المحاضرة عليه سيما الأنصار. خطب بجامع حلب بعد والده ، وترقى إلى قضاء الشافعية بها ولم يلها فاخترمته المنية. وقرأ على والدي كثيرا ، وكان والدي يعظمه ويقدمه على أقرانه لنسبه وصحبة والده. واتفقت له محنة مع المؤيد فباع فيها بعض كتبه ، وذاك أنه خطب بجامع حلب والمؤيد حاضر فذكر الظلم وحذر منه ، فأخذ المؤيد في نفسه وقال : إياي عنى. ولما توفي دفن عند والده وخلف ولدا صغيرا اسمه يوسف فغيره بموسى باسم جده.

ونشأ في حشمة ورياسة ، وخطب مكان أبيه ، توفي وهو شاب في سنه وانقرض هذا البيت المبارك ا ه. (كنوز الذهب والضوء اللامع).

٥٢٠ ـ محمد بن علي الغزي المتوفى سنة ٨٢٦

محمد بن علي بن أحمد بن أبي البركات الشمس الغزي ثم الحلبي ، ويعرف بابن أبي البركات.

ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة بغزة وتعانى الاشتغال بالقراءات فمهر ، واشتغل بدمشق في الفقه مدة ، وقطن حلب وأقبل على التلاوة والإقراء فانتفع به الحلبيون واقرأ غالب أكابرهم ، وأقرأ الفقراء بغير أجرة. وممن قرأ عليه ابن خطيب الناصرية وقال : إنه رجل دين خير صالح من أهل القرآن مديم لإقرائه بالجامع الكبير بحلب احتسابا بحيث وأقرأ عليه غالب أولادها وانتفعوا به ، وله اشتغال مع ذلك في الفقه بدمشق وحلب ومداومة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تأخذه في القيام مع الحق لومة لائم ، وكذا كان مداوما على التلاوة مع الشيخوخة وللناس فيه اعتقاد.

مات في يوم الأربعاء تاسع عشر ربيع الأول سنة ست وعشرين وصلي عليه في يومه ، تقدم الناس البرهان الحلبي. ذكره شيخنا في إنبائه باختصار وقال : المعروف بالبركات بدل ابن أبي البركات ، وما علمت الصواب منهما ا ه.

١٧٣

٥٢١ ـ علم الدين داود الكويز المتوفى سنة ٨٢٦

علم الدين داود بن عبد الرحمن بن داود (أبو عبد الرحمن بن الزين) (١) الشوبكي (الكركي القاهري ، ويعرف بابن الكويز تصغير كوز) (٢).

مات سلخ رمضان سنة ست وعشرين وثمانمائة بعد أن طال مرضه ، وكانت أمور المملكة في مدة مرضه لا تصدر إلا عن رأيه وتدبيره ، وكان يجتمع بالسلطان خلوة. وأبوه عبد الرحمن خدم نائب الكرك حتى قرره في كتابة السر ، ثم تحول إلى حلب فخدم كمشبغا الكبير وقدم معه القاهرة صاحب ديوانه. ونشأ علم الدين هذا ترفا صلفا مسعود الحركات ، وصاهر ابن أبي الفرج ، وكان أخوه خليل أسن منه ، ثم اتصلا بشيخ نائب الشام قبل سلطنته فخدماه وهو ينوب في طرابلس ثم في دمشق ثم في حلب ، ثم قدما معه إلى القاهرة فعظم شأنهما. وباشر علم الدين نظر الجيش بطرابلس ثم بدمشق وامتحن هو وأخوه في وقعة صرخد وصودر ، ثم لما تسلطن شيخ تقرر في نظر الجيش ، ثم اختص بالظاهر ططر وتقرر عنده كاتب السر.

وكان دينا يتعفف عن الفواحش ويلازم مجالس أهل الخير مع طول الصمت. ومن حسناته أنه لما كان بشقحب صحبة الظاهر راجعا إلى مصر استأذنه في زيارة القدس ، فتوجه من طريق نابلس فشكى إليه أهل القدس والخليل ما أضربهم من أمر الجباية ، وكانت للنيابة بالقدس ويحصل منها لفلاحي القرى إجحاف شديد ، ويحصل للنائب ألوف دنانير ولمن يتولى استخراج ذلك ضعفه ، فلما رجع استأذن السلطان في إبطال هذه المظلمة فأذن له ، فكتب مراسيم وقرئت بالقدس والخليل فكثر الدعاء له بسبب ذلك.

آثاره في حلب :

قال أبو ذر في الكلام على درب الدلبة : وكان به حبس وبه شجرة دلب ، وكان بهذا الدرب حمّام تسمى حمام العفيف ، والآن به حمّامان أنشأهما علم الدين ابن الكويز. وكان بهذا الدرب مسجد ، قاله ابن شداد ، والآن هناك مسجد معلق. ومن آثاره إنشاء الميضاة بالقرب من الحمّام المذكورة على الشارع ا ه.

__________________

(١) ما بين قوسين إضافة من «الضوء اللامع» ليست في الأصل.

(٢) ما بين قوسين إضافة من «الضوء اللامع» ليست في الأصل.

١٧٤

٥٢٢ ـ يوسف الحسفاوي المتوفى سنة ٨٢٩

يوسف بن خالد بن أيوب الجمال الحسفاوي الحلبي الشافعي ، وحسفايا من قرى حلب.

نشأ بحلب وحفظ القرآن ، وتفقه بالشهاب بن أبي الرضى ولازمه وكان تربيته وقرأ عليه القراءات السبع ، ثم سافر إلى ماردين فقرأ بها القراءات على الزين سريجا. وولي قضاء ملطية سنين ثم قضاء حلب مرة بعد مرة ، وكذا ولي قضاء طرابلس أيضا عودا على بدء ، وقضاء صفد وكتابة سرها ، ودخل القاهرة.

وكان ذكيا فاضلا عارفا بالنحو والتفسير والفقه حسن الشكالة فايق الكتابة ذا نظم جيد. ومن أول قصيدة كتب بها لبعضهم :

أوجهك هذا أم سنا البدر لامع

فقد أشرقت بالنور منك المطالع

حديثك للسمار خير فكاهة

وذكرك بالمعروف والعرف شائع

مات بطرابلس في ثالث عشر المحرم سنة تسع وعشرين. ذكره ابن خطيب الناصرية ثم شيخنا باختصار في إنبائه ا ه.

٥٢٣ ـ يوسف السمرقندي المتوفى سنة ٨٢٩

يوسف الجمال السمرقندي الحنفي.

ولي قضاء الحنفية بحلب بعد عزل الشمس بن أمين الدولة في ربيع الأول سنة ثمان وعشرين ، ومات في التي بعدها ، قتل مسموما وأعيد المنفصل. وكان فاضلا مع إعجاب بنفسه ودعوى من غير زائد وصف. ذكره العيني ا ه.

٥٢٤ ـ علي بن خليل بن قراجا الدلغادري المتوفى في نواحي سنة ٨٣٠

علي بن خليل بن قراجا بن دلغادر الشهير بعلي باك التركماني الأرتقي الأمير علاء الدين أمير التركمان ببلد مرعش وما والاها وابن أميرهم.

١٧٥

قدم حلب مرارا تارة طائعا وتارة مقاتلا ، وكان أقام بها قديما مدة هو وأخوه محمد وأقطعهما السلطان الملك الظاهر إقطاع إمرة بحلب. ولما قتل الأمير جكم في أواخر سنة تسع وثمانمائة وخلت حلب عن نائب وكان ابن علي باك محبوسا بقلعة حلب حبسه فيها الأمير جكم ودخلت سنة عشر وثمانمائة جمع الأمير علي باك جمعا كثيرا من التركمان الأزقية والبياضية وغيرهم نحو خمسة آلاف نفر وقصد حلب ، فوصل إلى دابق ، وسير إليه أهل حلب يسألونه الرجوع عن حلب فطلب منهم ابنه. ثم جاء إلى حلب فنزل بالميدان الأخضر شمالي حلب ، وخرج أهل حلب لقتاله فجرت بينهم وقعة انكسر أهل حلب ودخلوا البلد ، وكان ذلك يوم الخميس سادس أو سابع عشر المحرم سنة عشر وثمانماية ، واستمر يحاصر حلب. وكان بقلعة حلب جماعة عصوا ووافقوا علي باك. وجعل الحلبيون يقاتلون علي باك والتركمان خارج السور يقاتلون أهل القلعة ويرمون على الحلبيين.

واستمر علي باك بالتركمان يحاصرون حلب أياما فجهز أهل حلب إليه ابنه فلم يفد ذلك شيئا ولم يزده إلا بغيا ، ونهب القرى التي حول البلد وأفسد في البر إفسادا كثيرا ، ثم انتقل من الجهة الشمالية فنزل قبلي حلب على السعدي وما حوله ، ثم جد هو وجماعته في الحصار واشتد أهل حلب لقتاله ، هذا ولم يكن بحلب من الجند إذ ذاك إلا نحو عشرين فارسا ، وحصل لأهل حلب ضيق عظيم وشدة ، وقاتل أهل حلب أشد القتال بحيث إنهم كانوا يجرحون من التركمان كل يوم خلقا كثيرا وقتلوا منهم جماعة ، وجرح من أهل حلب أيضا جماعة وقتل.

واستمر الحصار بحلب ثاني عشر صفر منها فانهزم التركمان وعلي باك عن حلب لما سمعوا أن الأمير نوروز الحافظي نائب دمشق وصل إلى حماة وكسر العجل بن نعير ، وكان العجل إذ ذاك محاصر حماة ففرج الله بالأمير نوروز المذكور عن أهل حماة وأهل حلب وجفل علي باك والتركمان وانهزموا متوجهين نحو بلادهم ، وكل ذلك بتدبير الله ولطفه بأهل حلب وببغي علي باك عليهم وردوا خاسرين خائبين (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

وكان بعض أهل حلب رأى في المنام الشيخ سراج الدين البلقيني رحمه‌الله تعالى فسأله عن حال أهل حلب فقال : ليس عليهم بأس ، ولكن رح إلى خادم السنة إبراهيم المحدث يعني شيخنا أبا إسحق وقل له تقرأ عمدة الأحكام ليفرج الله عن المسلمين ، فقرأها شيخنا

١٧٦

المذكور في جمع من طلبة العلم وغيرهم بالمدرسة الشرفية يوم الجمعة بكرة النهار ودعا للمسلمين بالفرج ، فاتفق أنه في آخر ذلك النهار جاء التركمان من ناحية قرنبيا وقاتلوا ، فخرج إليهم جمع من أهل حلب فرسانا ومشاة فجرى بينهم معركة شديدة قبلي حارة السودان ، فأذن الله بالنصر ورجوع الأعداء المجرمين على أعقابهم ، ولم يقم لهم بعد ذلك راية بل هزمهم الله تعالى بعد يومين مغلولين.

واستمر علي باك سائرا إلى بلاده ، وتارة يطيع النواب ويجتمع بهم وتارة يخالفهم ويخرج عنهم.

ولما جاء الملك الظاهر ططر إلى حلب وكان إذ ذاك مدبر المماليك والسلطان المظفر أحمد وعمره نحو ثلاث سنين جاء علي باك إلى حلب إلى عند ططر في شعبان سنة أربع وعشرين وثمانماية فتلقاه يوم خروجه من حلب على عين مباركة ، فترحب به ططر وأحسن إليه وأنعم عليه إنعاما زائدا وولاه نيابة عين تاب ، فتوجه إليها واستمر في النيابة إلى أن ولي السلطنة الملك الأشرف برسباي فعزله عنها واستمر معزولا وهو بناحية مرعش ، ثم طلبه السلطان الملك الأشرف إلى مصر فجاء إلى حلب ثم توجه منها إلى القاهرة.

زيادة بيان في حصار علي باك لحلب

ثم خبر قتله في نواحي سنة ٨٣٠

قال في كنوز الذهب : وفي سادس عشر المحرم سنة عشر (وثمانماية) حضر علي باك ابن خليل بن قراجا دي الغادر المقتول بحلب في التاريخ الآتي حلب ومعه أمراء من التركمان كابن كبك وكردي باك وغيرهما من العرب الكعبيين (١) كسندمر وابن سمح ، واستمر ذلك والناس يقاتلونهم خارج السور. وكان نزولهم بالميدان الأخضر أياما ثم انتقلوا إلى السعدي ، وفي غالب الأيام لما كانوا بالميدان الأخضر كانوا يأتون باب الفرج يقاتلون فيخرج إليهم العوام والعانيون يقاتلونهم ويستظهرون عليهم ، ولما كانوا بالسعدي وما حوله كانوا يأتون كل يوم للقتال فتخرج إليهم العامة ومعهم العانيون وتارة أهل بانقوسا. واستمر ذلك إلى تاسع صفر فكسرهم الترك الذين بحلب وهو يوم الجمعة ومنها وهنوا.

__________________

(١) في الأصل : الكعبيون.

١٧٧

ثم قال بعد أوراق : في أول يوم من شوال سنة ست وعشرين وصل كافل حلب جارقطلو وكان شهما مع جنون. (إلى أن قال) : واستقر جارقطلو في كفالة حلب إلى جمادى الأولى سنة ثلاثين ، وهو الذي كتب إلى أهل عين تاب يعلمهم أن علي باك المتقدم ذكره إذا حصل عندهم يطالعونه بذلك ، فحصل عندهم فأعلموه ، فركب إلى عين تاب وخرج من حلب وحده من باب النيرب لئلا يشعر به أنه خرج إلى عين تاب ، وتبعه شهاب الدين بن السفاح كاتب السر ، وما زال راكبا ، وأرسل شخصا من الطريق بين يديه وقال له : من وجدته في الطريق فأمسكه ، فسار فإذا هو براكب فأمسكه فإذا هو نذير إلى عين تاب يعلمه بأن الكافل واصل ، فوصل الكافل إلى عين تاب بكرة النهار فإذا هو بعلي باك قد سكر تلك الليلة وبات عند قينة وهو نائم ، فأرسل إليه فأيقظه وأخبره بوصول الكافل ، فنزل ومنديله في عنقه فأمسكه وجاء به إلى حلب ، ثم أدعى عليه بأنه قتل ابن عمه. وفي غضون الدعوى سل علي باك سيف محمد الحاجب بحلب وهو الذي كان ماسكا بجنزيره ليقتل غريمه ، فجذبه الحاجب بجنزيره فوقع إلى الأرض فضربه المدعي فقتله. ثم إنه غسل وكفن ودفن بالجبيل إلى جانب السور. انتهى.

وهنا كما ترى لم يذكر سنة قتله ولا ريب أنها كانت ما بين سنة ٨٢٦ إلى سنة ٨٣٠.

٥٢٥ ـ عبد الرحمن بن الشحنة المتوفى سنة ٨٣٠

عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب بن محمود بن ختلو فتح الدين أبو البشرى الحلبي المالكي أخو علي والمحب محمد الحنفي الأسن والمحب الأكبر ، ويعرف كسلفه بابن الشحنة.

ولد في سنة ثلاث وخمسين وسبعماية وسمع على الظهير ابن العجمي والكمال ابن حبيب وابن الصابوني ، ومما سمعه عليه سنن الدمياطي ، وأخذ عن أبيه وأخيه والزين (١) الهندي ، وناب عن أخيه في قضاء الحنفية بحلب ، وولي إفتاء دار العدل ، ثم تحول بعد الفتنة العظمى مالكيا وولي قضاء المالكية ببلده نيفا وعشرين سنة ، ولم يتهن بذلك بل حصل له نكد لاختلاف الدول. وقدم القاهرة غير مرة.

__________________

(١) في «الضوء اللامع» : والسراج الهندي.

١٧٨

قال ابن خطيب الناصرية : رافقته في القضاء وكان إنسانا حسنا عنده حشمة ومروءة وعصبية ، وهو صديقي وحبيبي ، وله نظم قليل ، فمنه :

يا سادتي رقّوا لرقّة نازح

لفظته أيدي البعد عن أوطانه

والله ما جلتم بخاطر عبدكم

إلا وفاض الدمع من أجفانه

وقوله :

لا تلوموا الغمام إن صب دمعا

وتوالت لأجله الأنواء

فالليالي أكثرن فينا الرزايا

فبكت رحمة علينا السماء

وأنشد من نظمه أيضا قصيدة نونية.

مات في ليلة السبت ثامن المحرم سنة ثلاثين بحلب ودفن بتربة أشقتمر خارج باب المقام. وذكره شيخنا في إنبائه وساق له المقطوع الثاني قال : وهذا عنوان نظمه وقد سمعته هو وغيره من نظمه من ابن أخيه. وقال : إنه كان يستحضر الحكايات والنوادر وله نظم حسن. قال : وكان جل أمره العربية ولم يكن بذاك ، كذا قال ا ه.

٥٢٦ ـ محمد بن محمد الغزالي المتوفى سنة ٨٣٠

محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن الإمام حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد المحيوي أبو حامد الطوسي الغزالي الشافعي.

قدم من بلاده إلى حلب في رمضان سنة ثلاثين بعد دخوله الشام قديما ، وسمع فيها من ابن أميلة وحدث عنه الآن بحلب. ووصفه حافظها البرهان والعلاء ابن خطيب الناصرية بالعلم والدين وأنه قال لهما : إن جده الثامن هو الغزالي. زاد ثانيهما : رأيت أتباعه وتلامذته يذكرون عنه عملا كبيرا وزهدا وورعا وأنه معظم في بلاده من بيت علم ودين. وأخبر بعض الطلبة عنه أنه حج مرارا منها مرة ماشيا على قدم التجريد. قال : وبلغني أنه رأى ملك الموت فسأله متى يموت فقال له : في العشر ، فلم يدر أي عشر ، فاتفق أنه مات في العشر الأخير من رمضان يوم السبت ثاني عشريه سنة ثلاثين المذكورة بحلب ، وكانت جنازته مشهودة. وذكره شيخنا في إنبائه ا ه.

١٧٩

٥٢٧ ـ كمال الدين إبراهيم أبو إصبع المتوفى سنة ٨٣١

الرئيس كمال الدين إبراهيم أبو إصبع ناظر الجيش بحلب.

كان دينا كريما محبا للعلماء والفقراء ويؤثرهم. عمر زاوية بباحسيتا وتعرف بزاوية ناظر الجيش تجاه الجامع العمري. وسبب عمارته لهذه الزاوية جاء إليه الشيخ شمس الدين محمد بن جعفر بن صلاح الشهير بالمجرد البسطامي وذكر له أنه رأى رؤيا بأنه بيني هذا المكان فبناه في سنة خمس وعشرين وثمانماية وسكنه المجرد وذكر فيه. وتوفي كمال الدين سنة إحدى وثلاثين وثمانماية ودفن بالزاوية المذكورة ، وتوفي المجرد ثالث عشرين ربيع الأول سنة تسع وأربعين ا ه.

أقول : تغلب الجيران على هذه الزاوية وأدخلوا نحو النصف الشمالي منها في الدار التي وراءها ، وأبواب الحجر القديمة ظاهرة في جدارها. والنصف الثاني تغلب عليه بعض الناس أيضا فاتخذوه دارا وبنوا فيه بيوتا ، وسبب ذلك إهمالها وإغلاق بابها. ومنذ ثلاث سنين بلغ ذلك دائرة الأوقاف فسعت في استنقاذها وهي الآن بيدها وفي عزمها أن تهدمها وتبني موضعها مخازن. وفي صحن الدار عدة قبور درس بعضها ولم يزل بعض الألواح باقيا ثمة.

٥٢٨ ـ علي بن محمد بن الشحنة المتوفى سنة ٨٣١

علي بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي العلاء أبو الحسن بن الكمال الحلبي الحنفي أخو المحب أبي الوليد وعبد الرحمن ، ويعرف كسلفه بابن الشحنة.

ولد سنة ست وخمسين وسبعماية ، وحفظ القرآن والمختار ، وأخذ عن أبيه وأخيه المحب وناب عنه ، واستقل بقضاء الغربيات العشرة من معاملات حلب. وكان فاضلا له نظم ، من أحسنه ما أنشدنيه ابن أخيه المحب أبو الفضل عنه :

وقطّ كليث كامل الحسن صائد

وفي عزمه واللون يشبه عنترا

يفوق على قط الزياد تفضلا

وسميته من نشره المسك عنبرا

وقوله مما نفذ ابن أخيه وصيته بإلقائهما معه في قبره :

إلهي قد نزلت بضيق لحد

بأوزار ثقال مع عيوب

١٨٠