إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٥

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٥

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٥٧

وله فيمن يحيض :

فائدة في أربع تحيض

ببيت شعر نظمها قريض

المرأة الخفّاش ثم الأرنب

والضبع الرابع ثم المرأب (١)

وفي كتاب الحيوان يذكر

للجاحظ انقل عنه ما لا ينكر

وله نظم عدة مسائل من الحاوي مفردة وتخميس البردة وغير ذلك كأسئلة سأل عنها الشيخ زاده الحنفي لما قدم حلب وأجابه عنها.

قال ابن خطيب الناصرية : قرأت عليه طرفا من الفرائض وتخميسه للبردة وكتبت عنه ما تقدم من نظمه. مات وهو متوجه من حلب إلى القاهرة ، اغتسل خارج دمشق في سنة إحدى وذهب دمه هدرا فلم يعرف قاتله رحمه‌الله. وقد ذكره شيخنا في إنبائه باختصار ا ه. (الضوء اللامع) (٢).

٤٥٩ ـ محمد بن علي النابلسي المتوفى سنة ٨٠١

محمد بن علي بن يعقوب الشمس أبو عبد الله النابلسي الأصلي الحلبي الشافعي.

ولد سنة بضع وخمسين وسبعمائة بنابلس ، وقدم دمشق فتفقه بها ثم حلب. ومن شيوخه بها الشهاب الأذرعي ، وبرع وتصدر فيها لإقراء الفقه وأصله والنحو. وكان إماما فقيها مشاركا في العربية والأصول والميقات ذكيا دينا ، حفظ كتبا كثيرة منها أكثر المنهاج وأكثر الحاوي وجميع التمييز للبارزي والعمدة والشاطبية ومختصر ابن الحاجب والمنهاج الأصلي والتسهيل لابن مالك ، وكان يكرر عليها. قال البرهان الحلبي : وكان سريع الإدراك محافظا على الطهارة سليم اللسان صحيح العقيدة لا أعلم بحلب أحدا من الفقهاء على طريقته. وزاد غيره أنه ناب في القضاء عن الشرف أبي البركات الأنصاري ودرس بالنورية النفرية.

مات في ربيع الثاني سنة إحدى (وثمانماية) ودفن بتربة بني الخابوري خارج باب المقام تجاه تربة بني النصيبي. ذكره ابن خطيب الناصرية وهو ممن أخذ عنه شيخنا (أي الحافظ بن حجر) في إنبائه ا ه.

__________________

(١) هكذا في الضوء ، وفي المنهل المأدب ، وكلاهما غير ظاهر. وعد في حياة الحيوان بعد هذه الأربعة الكلبة.

(٢) (تنبيه) : ما نذكره في هذا القرن بدون عزو فهو من الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع للحافظ السخاوي وهو من مخطوطات المكتبة الظاهرية بدمشق.

١٢١

٤٦٠ ـ محمد بن أحمد الجعفري المتوفى سنة ٨٠١

محمد بن أحمد بن عمر الشريف (١) أبو بكر الجعفري لكون أبيه كان يقول إنهم جعفريون ، العجلوني نزيل حلب ، ويعرف بخطيب سرمين وهو بكنيته أشهر ، وكذا كتبه غير واحد مع الكنى كابن خطيب الناصرية والمقريزي في عقوده.

وقال أبو بكر بن أحمد بن عمر : وسمى شيخنا في معجمه والده محمدا ، وهذا سهو ، كان أصله من عجلون ثم سكن أبوه عزاز وولي هذا خطابة سرمين العقبة قرية من عملها كأبيه ، وقرأ بحلب على الزين أبي حفص الباريني ، وسمع من الظهير ابن العجمي وغيره ، وكتب عن أبي عبد الله بن جابر الأعمى بديعيته وحدث بها ، سمعها منه شيخنا بمكة في سنة موته وقال : إنه كان ينتسب جعفريا لكونه من ذرية جعفر بن أبي طالب. وكانت له عناية بقراءة الصحيحين يحفظ أشياء تتعلق بذلك ويضبطها ، ووعظ على الكرسي بحلب ومكة ، وروى عن الصدر الياسوفي شيئا من نظمه مع البديعية. أخذ عنه التقي الفاسي بمكة. وحج وجاور غير مرة وانقطع سنين بمكة حتى كانت وفاته بها في سادس عشري صفر سنة إحدى (وثمانمائة) ، ودفن بالمعلاة.

وقد ذكره الفاسي في تاريخ مكة وأثنى على فضيلته أيضا ، وكذا أثنى عليه ابن خطيب الناصرية مع الخير والديانة والمواظبة على العبادة رحمه‌الله وإيانا ا ه.

٤٦١ ـ عمر بن أيدغمش المتوفى سنة ٨٠١

عمر بن أيدغمش النصيبي الحلبي ويعرف بالكبير.

ولد سنة تسع عشرة وسبعماية بحلب. وكان أبوه من موالي البهاء أبي محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن النصيبي ، فسمع ابنه هذا على مولى أبيه المذكور وغيره الشمائل للترمذي ، وعلى العز إبراهيم بن العجمي عشرة الحداد وجزء الحاوي. وكان خاتمة أصحابه ، وحدث وسمع منه الأئمة كالبرهان العجمي (٢) والعز الحاضري والشهاب الحسيني

__________________

(١) في «الضوء اللامع» : الشرف.

(٢) في «الضوء اللامع» : الحلبي ..

١٢٢

وغيرهم. وحدثنا عنه جماعة منهم البهاء بن المصري والزين بن السفاح. وكان فراء ثم صار جنديا ثم عاد إلى صنعة الفراء.

مات في ذي القعدة سنة إحدى (وثمانماية) بحلب ، أرخه ابن خطيب الناصرية وقال : كان جنديا عارفا بالصيد ، ثم ترك ذلك واستمر في صناعة الفراء المصيّص حتى مات. وأكثر عنه الحلبيون والرحالة ، وكنت عزمت على الرحلة إلى حلب لأجله فبلغتني وفاته فتأخرت عنها لأنه كان مسندها ودهم الناس اللنك رحمه‌الله ا ه.

٤٦٢ ـ طورمش الكمشبغاوي المتوفى بعد سنة ٨٠١

طرمش بضم أوله وكسر ثالثه وآخره معجمة ، ومعناه قام. قيل إن الذي معناه قام هو ضورمش بالضاء المعجمة أيضا الكمشبغاوي كمشبغا الحموي نائب حلب.

كان دوادار سيده بها ، ثم صار من جملة أمراء حلب. وبنى ببانقوسا بها جامعا مليحا ، ثم نقله الظاهر برقوق إلى حجوبية الحجاب بطرابلس وبنى بها تربة ووقف عليها أوقافا ، ثم توجه إلى حصن الأكراد بعد سنة إحدى فتوفي بها. وكان مشكور السيرة ، ذكره ابن خطيب الناصرية وغيره ا ه.

٤٦٣ ـ عبد المنعم المصري المتوفى سنة ٨٠٢

عبد المنعم بن عبد الله المصري الحنفي.

اشتغل بالقاهرة ، ثم قدم حلب فقطنها وعمل المواعيد. وكان آية في الحفظ يحفظ ما يلقيه في الميعاد دائما من مرة أو مرتين ، شهد له بذلك البرهان المحدث قال : وكان يجلس مع الشهود ثم دخل بغداد فأقام بها ثم رجع إلى حلب فمات بها في ثالث صفر سنة اثنتين (وثمانماية). ذكره شيخنا في إنبائه ا ه.

٤٦٤ ـ عبد الله بن عشائر المتوفى سنة ٨٠٢

عبد الله بن أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن

١٢٣

عبد الله بن عشائر التاج الحلبي الشافعي.

ولد بحلب سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ، وسمع بها على التقي إبراهيم بن عبد الله بن العجمي ، وأجازت له زينب بنة الكمال وجماعة من دمشق ، وحدث. سمع عنه البرهان الحلبي. وكان عاقلا دينا ساكنا ذا وظائف وأملاك بحيث يعد في الأعيان. مات في ربيع الآخر سنة اثنتين (وثمانمائة) بحلب ودفن بمقبرتهم خارج باب المقام. ذكره ابن خطيب الناصرية وتبعه شيخنا في إنبائه ا ه.

٤٦٥ ـ محمد بن عمر بن العجمي المتوفى سنة ٨٠٢

محمد بن عمر بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الله الشمس بن الكمال الحلبي بن العجمي الشافعي.

ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة ، وحفظ الحاوي وسمع على التقي السبكي ومحمد ابن يحيى بن سعد المسلسل وحدث به عنهما ، وأجاز له المزي وجماعته ولم يحدث بشيء منها ، وجلس مع الشهود بباب الجامع ، وتنزل في المدارس بل درس بالظاهرية شريكا للقنوي (١). وكان سليم الفطرة نظيف اللسان خيرا لا يغتاب أحدا. مات في رمضان سنة اثنتين (وثمانماية). ذكره ابن خطيب الناصرية وتبعه شيخنا في إنبائه ا ه.

٤٦٦ ـ محمد بن أحمد الهاشمي المتوفى سنة ٨٠٣

محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن عبد الله بن الفضل العماد الهاشمي شيخ الشيوخ بحلب.

وليها بعد أبي الخير الميهني وباشر مدة ، وكان من بيوت الحلبيين وأحد أعيانها.

مات في الكائنة العظمى مع اللنكية في الأسر سنة ثلاث (وثمانمائة) ، قاله شيخنا في إنبائه ا ه.

٤٦٧ ـ يوسف الأذرعي المتوفى سنة ٨٠٣

يوسف بن إبراهيم بن عبد الله الجمال الأذرعي ثم الدمشقي الحلبي الشافعي.

__________________

(١) في «الضوء اللامع» : للفوّي.

١٢٤

قدم من بلاده إلى دمشق فأقام بها مدة ، واشتغل في الفقه على علمائها ، ثم قدم حلب وحضر المدارس مع الفقهاء ، وناب في قضاء تيزين عن الشرف الأنصاري. وكان فاضلا في الفقه وفروعه مقتصرا عليها. مات بتيزين في سنة ثلاث (وثمانمائة) ، ذكره ابن الناصرية وكذا شيخنا في إنبائه وقال عنه : إنه اشتغل كثيرا في الفقه وغيره ، وقرره الأنصاري في قضاء الباب ثم تيزين ا ه.

٤٦٨ ـ شرف الدين موسى الأنصاري المتوفى سنة ٨٠٣

موسى بن محمد بن محمد بن جمعة بن أبي بكر شرف الدين أبو البركات الأنصاري الحلبي الشافعي ابن أخي الشهاب أبي العباس أحمد الأنصاري الخطيب.

ولد في ذي الحجة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ، ونشأ في كنف عمه فأقرأه ، واشتغل كثيرا وتفقه بالأذرعي وبالشمس محمد العراقي شارح الحاوي ، ثم ارتحل إلى القاهرة فأخذ بها عن الأسنوي والولوي المنفلوطي والبلقيني وغيرهم ، وسمع بها وبحلب وغيرهما ، ومن شيوخه في السماع أحمد بن مكي الأيكي زغلش والعلاء مغلطاي. ولا زال يدأب حتى حصل طرفا جيدا من كل علم ، ودرس بالأسدية والعصرونية من مدارس حلب ، وولي قضاءها عن الظاهر برقوق فحمدت سيرته ، ولكنه عزل مرة بعد أخرى ، وكذا ولي خطابة جامعها بعد موت ولي الدين بن عشائر. وشرح الغاية القصوى للبيضاوي فكتب منه قطعة. وكان قاضيا فاضلا دينا عفيفا خيرا كثير الحياء لا يواجه أحدا بمكروه. مات في رمضان سنة ثلاث (وثمانمائة) ودفن بحلب. ذكره ابن خطيب الناصرية وهو ممن أخذ عنه ، وذكره شيخنا في إنبائه فأخر جمعة عن أبي بكر وقال : إنه أدمن الاشتغال حتى مهر ، وأفتى ودرس وخطب بجامع حلب واشتهر ، ثم ولي القضاء في زمن الظاهر مرارا ، ثم أسر مع اللنكية ، فلما رجع الملك عن البلاد الشامية أمر بإطلاق جماعة هو منهم ، فأطلق من أسرهم في شعبان ، فتوجه إلى أريحا وهو متوعك فمات بها.

وكان فاضلا دينا كثير الحياء قليل الشر ، وهو في عقود المقريزي رحمه‌الله ا ه.

وفي تاريخ آخر أنه توفي بأريحا في ثامن رمضان من السنة ونقل إلى حلب ا ه. وهو ممن كان مع ابن الشحنة في مجلس تيمور لنك كما تقدم.

١٢٥

٤٦٩ ـ محمد بن محمود السرميني المتوفى سنة ٨٠٣

محمد بن محمود بن إسماعيل بن المنتخب الشمس السرميني نزيل حلب ووالد العلاء علي الماضي.

أثنى عليه البرهان الحلبي بقوله : كان كبير القدر في الصلاح والعبادة وللناس فيه اعتقاد كبير ، وكتب عنه حكاية وأرخ وفاته في الكائنة العظمى سنة ثلاث وثمانمائة ، وكذا وصفه شيخنا بالعالم الرباني ا ه.

٤٧٠ ـ محمد بن أحمد بن علي المعري المتوفى سنة ٨٠٣

محمد بن أحمد بن علي بن سليمان الشمس أبو عبد الله ابن الركن المعري ثم الحلبي الشافعي ممن ينسب إلى أبي الهيثم التنوخي عم أبي العلاء المعري.

ولد في سنة بضع وثلاثين وسبعمائة ، وتفقه وأخذ عن الزين الباريني والتاج ابن الدريهم ، وبدمشق عن التاج السبكي ، وكتب بخطه من الكتب الكبار الكثير المتقن مع ضعفه ، وخطب بجامع حلب مدة وأنشأ خطبا في مجلدة. وكان حاد الخلق كثير البر والصدقة له نظم وسط بل نازل ، فمنه في معالج :

جسمي سقيم من هوى

مهفهف يعالج

كيف تزول علّتي

وممرضي معالج

ومنه :

أحببت رساما كبدر الدجى

بل فاق في الحسن على البدر

فقلت ما ترسم يا سيدي

قال بتعذيبك بالهجر

مات في الكائنة العظمى سنة ثلاث.

ذكره ابن خطيب الناصرية وأنشد من نظمه غير ذلك ، وهو ممن أخذ عنه النحو وغيره ، وكذا أخذ عنه ابن الرسام أيضا ابن عم الجمال ابن السايق لأمه. ورأيت له مصنفا سماه «روض الأفكار وغرر الحكايات والأخبار» : وكتب على ظهره قريب له أنه مات

١٢٦

مقتولا شهيدا على يد تمر لنك لكونه لعنه بكلام شديد. قال : وكان عالما صالحا مفتيا رحمه‌الله ا ه.

قال ابن الخطيب : وله في مليح تركي :

ظبي من الترك سبى حسنه

قلبي وفي نار الجوى أحرقه

لا يرتجي عاشقه وصله

أما تراه عينه ضيّقه

وله في مليح قارىء :

يا مشبها في حسنه يوسفا

وتالي الآيات من يوسف

هل أنزل الرحمن في آية

تحليل قتل العاشق المدنف

وله في مليح ناظر :

قلبي معنّى وجسمي

مضنى على حب ناظر

لم يحل مذ غاب عني

سواه عندي بناظر

وله :

صفاء أبناء هذا العصر ممتنع

فعش وحيدا لتلقى راحة البال

واغفر لخلّ هفا في الدهر هفوته

فالماء والطين لا يبقى على حال

٤٧١ ـ الشريف أحمد الحسيني الإسحاقي المتوفى سنة ٨٠٣

أحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن زيد بن جعفر بن إبراهيم بن محمد الممدوح بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين بن أبي طالب ، العز أبو جعفر بن الشهاب أبي العباس بن أبي المجد الحسيني ثم الإسحاقي الحلبي الشافعي نقيب الأشراف وابن نقيبهم وابن أخي نقيبهم ووالد نقيبهم وسبط الإمام الجمالي أبي إسحق إبراهيم بن الشهاب محمود الكاتب.

ولد في سنة إحدى وأربعين وسبعماية بحلب ونشأ بها ، فحفظ القرآن واشتغل كثيرا

١٢٧

في النحو وغيره على شيوخ وقته كأبي عبد الله المغربي الضرير ، وسمع على جده لأمه والقاضي ناصر الدين بن العديم وغيرهما ، واستجاز له جده لأمه الوادي آشي وأبا حيان والميدومي وأحمد بن كشغدي وآخرين من دمشق ومصر وغيرهما وحدث.

سمع منه البرهان الحلبي وابن خطيب الناصرية وآخرون ، منهم البهاء ابن المصري وقرأ عليه الاستيعاب بسماعه له منه بإجازته من الوادي آشي ، وروى عنه شيخنا بالإجازة وخرج عنه في بعض تخاريجه. وكان أوحد وقته زهدا وورعا وصيانة وعفة وجمال صورة ذا وقار وسكينة ومهابة وجلالة وسمت حسن ، لا يشك من رآه أنه من السلالة الطاهرة واقتفاء لآثار السلف متمسكا بالسنة.

استقر في النقابة بعد والده ، وكذا ولي مشيخة خانقاه ابن العديم مدة ، ثم امتنع من مباشرتها وانفرد برياسة حلب حتى كان قضاتها وأكابرها يترددون إليه ولا يردون له كلمة ، كل ذلك مع مشاركة جيدة في الفضل ويد في العربية ونظم جيد ونثر رايق وحسن محاضرة في أيام الناس والتاريخ وحلاوة الحديث ، وهو من حسنات الدهر. ومن نظمه مما أنشدناه البهاء ابن المصري عنه :

يا رسول الله كن لي

شافعا في يوم عرضي

فأولو الأرحام نصا

بعضهم أولى ببعض

وقوله وقد ورد بئر زمزم والناس يتزاحمون عليها :

وذي ضغن يفاخر إذ وردنا

لزمزم لا بجدّ بل بجدّ

فقلت تنحّ ويح أبيك عنها

فإن الماء ماء أبي وجدّي

وقوله :

يا سائلي عن محتدي وأورمتي

البيت محتدنا القديم وزمزم

والحجر والحجر الذي أبدا يرى

هذا يشير له وهذا يلثم

وبعد هذين البيتين كما في مجموعة العرضي :

ولنا بأبطح مكة وشعابها

أعلام مجد أين منها الأنجم

التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون القوّم

١٢٨

الآمرون الناس بالمعروف والناهون عما ينكرون ويحرم في أبيات.

قال البرهان الحلبي : نشأ نشأة حسنة لا يعرف له لعب ، واستمر على ذلك إلى أن مات ملازما للخير محافظا على الصلاة في أول وقتها ، مع الطهارة في البدن والثوب واللسان والعرض. قال لي : أنا أقدم مصالح الناس على مصلحتي. قال : وكان أديبا بليغا كاملا ذا سمت وهيئة وحشمة مفرطة لم أر بحلب أكثر أدبا ولا أحشم منه لا من الأشراف ولا من غيرهم ، مع الذكاء وحسن الخلق وحسن الخط والفهم الحسن. مات بعد كائنة التتار بحلب في شهر رجب سنة ثلاث بمدينة تيزين ، وكان قد تحول إليها في الكائنة وبينها وبين حلب مرحلتان إلى جهة الفرات ، ثم نقل إلى حلب فدفن بمشهد الحسين ظاهرها بسفح جبل جوشن عند أقاربه وأجداده رحمه‌الله وإيانا. ذكره ابن خطيب الناصرية مطولا وتبعه شيخنا في إنبائه ومعجمه باختصار ، وليس عنده فيه في نسبه بعد علي الثاني محمد ولا إبراهيم. قال : وجده محمد والد جعفر يعني الممدوح من ولي نقابة الطالبيين بحلب في أيام سيف الدولة.

وأما في الإنباء فساقه كما تقدم. وهو في عقود المقريزي ا ه.

٤٧٢ ـ أحمد بن محمد الحنبلي المتوفى سنة ٨٠٣

أحمد بن محمد بن موسى بن فياض بن عبد العزيز بن فياض الشهاب أبو العباس المقدسي الأصل الحلبي الحنبلي القاضي.

ولي قضاء حلب سنين في مرتين إحداهما عن عمه الشهاب أحمد بن موسى بسكون وعقل. وكان شكلا حسنا رئيسا عنده لطف وحشمة ورياسة ومكارم ومحبة في العلماء. مات معتقلا في الفتنة بقلعة حلب في رابع عشر رجب سنة ثلاث. ذكره ابن خطيب الناصرية ا ه.

١٢٩

٤٧٣ ـ عبد الرحيم بن بهرام المتوفى سنة ٨٠٣

عبد الرحيم بن عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن بهرام الزين الجمال الحلبي أحد عدولها.

كان رأسا في العدالة ومعرفة الشروط ذكيا ضابطا متقنا عاقلا ساكنا. وصل إلى اللاذقية قبل أن يرحل التتار عن حلب فمات في شعبان سنة ثلاث بمدينة الشغر ودفن هناك. ذكره ابن خطيب الناصرية ثم شيخنا وقال : كان مشكور السيرة فاضلا أتقن الشروط ورأس فيها ا ه.

٤٧٤ ـ داود بن علي الكردي المتوفى سنة ٨٠٣ (١)

داود بن علي بهاء الدين الكردي الشافعي نزيل حلب ، قرأ بها الفقه على العلامة الزين أبي حفص الباريني.

وكان خيرا دينا معدودا من أعيان فقهائها مديما لتلاوة القرآن والتكسب مع العدول. مات في كائنة التتار بحلب سنة ثلاث. ذكره ابن خطيب الناصرية واختصره شيخنا ا ه.

٤٧٥ ـ محمد بن أحمد المقري ابن الدكن المتوفى سنة ٨٠٣

محمد بن أحمد بن علي بن سليمان المقري الحلبي الشيخ الإمام العالم المصنف شمس الدين بن الدكن.

مولده في سنة بضع وثلاثين وسبعمائة. وتفقه على تاج الدين بن الدريهم ، وأخذ عن القاضي تاج الدين السبكي ، وكتب بخطه شيئا كثيرا ، ودرس وأفتى وصنف. ومن مصنفاته «روض الأفكار» فيه فوائد حسنة. وترجم في أخرة العشرة دل على فضله ، وكتب مجاميع كثيرة ، وألف خطبا في مجلدة ، وله نظم ونثر وإيثار مع حدة خلق. وذكره القاضي علاء الدين بن خطيب الناصرية في تاريخه. وقال شيخنا (أي في وصفه) : الإمام العالم العلامة شمس الدين أحد مشايخ الشافعية بحلب ، وأثنى عليه ، وانتفع المذكور عليه

__________________

(١) في الأصل : داود بن سعدون التجيبي. وهو سهو من المؤلف إذ خلط بين الاثنين.

١٣٠

وغيره من الفضلاء. ومات في سنة الفتنة التيمورية سنة ثلاث وثمانماية رحمه‌الله تعالى ا ه.

٤٧٦ ـ محمد بن إسماعيل بن صهيب البابي المتوفى سنة ٨٠٣

محمد بن إسماعيل بن الحسن بن صهيب بن خميس الشمس البابي ثم الحلبي الشافعي ، وكان اسمه أولا سالم.

تفقه بعمه العلاء أبي الحسن علي البابي ، وبالزين أبي حفص عمر الباريني ، وبرع في الفرائض والنحو وشارك في غيرها من العلوم ، ودرس بالمدرسة السيفية بحلب وأشغل الطلبة وأفتى. وكان دينا قنوعا عفيف النفس فقيها ذكيا ، غير أنه ترك الجد في الاشتغال بأخرة لاشتغاله بالعيال وفقره ، ولما اشتدت فاقته ولاه الشرف أبو البركات الأنصاري قضاء ملطية ، ورغب حينئذ عما كان باسمه من خطابة البكتمرية واستناب في إمامة التربة الأرغونية ، وتوجه إليها فأقام بها مدة إلى أن حاصرها ابن عثمان صاحب الروم وانفصل عنها ، فرجع إلى حلب فأقام بها على إمامة التربة الأرغونية (١) ، استمر بها إلى واقعة تمر لنك ، فتوفي في سنة ثلاث وثمانماية.

ذكره ابن خطيب الناصرية ، وهو ممن قرأ عليه طرفا من الفرائض ، وكذا شيخنا في إنبائه تبعا له لكن باختصار ا ه. ومثله في ابن الخطيب.

٤٧٧ ـ الشريف علي بن محمد المتوفى سنة ٨٠٣

علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله ابن جعفر بن زيد بن أبي إبراهيم محمد الممدوح الزين أبو الحسن الحسيني سبط الزين علي ابن محمد بن أحمد بن علي من بيت لهم جلالة وشهرة.

كان إنسانا حسنا لطيفا حسن الأخلاق كريما ، باشر الإنشاء بحلب سنين وعد في

__________________

(١) قال أبو ذر في الكلام على الترب : تربة أرغون تحت القلعة وهو مدفون بها ولها قراء وبركة ماء ومنارة على بابها وحوض ماء خارجها وقد عطل ، وكان قد أجرى إليه الماء الشيخ الصالح الجبرتي وفعل بهذه التربة كما فعل بغيرها ا ه.

أقول لا حوض بها الآن ولا منارة ، وقد ذكرت حالتها الحاضرة في الثاني (ص ٣١٠).

١٣١

الأعيان بحيث عين لنظر الجيش بها ، ولما عاقب التتار الناس أمسكوه وملؤوا له سطل نحاس من الماء والملح ليسقوه إياه وشرعوا في ربطه ، فجاء ثور فشربه في لحظة ، فعجبوا وأطلقوه ولم يعاقبوه. ومات بعد ذلك بيسير بريحا في سنة ثلاث ونقل إلى حلب فدفن عند أجداده وأقاربه بمشهد الحسين. ذكره ابن خطيب الناصرية وتبعه شيخنا في إنبائه باختصار ا ه.

٤٧٨ ـ علي بن محمد التميمي المتوفى سنة ٨٠٣

علي بن محمد بن يحيى العلاء أبو الحسن التميمي الصرخدي ثم الحلبي الشافعي.

تفقه بدمشق وبالقاهرة ، وأخبر أنه سمع المزي بدمشق ، وقدم حلب فسكنها وناب في القضاء عن الشهاب ابن أبي الرضى وغيره. وكان عالما مستحضرا فاضلا في الفقه وأصوله نظارا ذكيا ، بحث مع الشهاب الأذرعي بنفس عال وابن البلقيني حين قدومه حلب على علمه وفضيلته ، ومع ذلك فكان يتورع عن الفتيا ولا يكتب إلا نادرا ، مع ملازمة بيته وعدم التردد إلى أحد غالبا. وكان يحضر المدارس مع الفقهاء ، فلما بنى تغري بردي النائب جامعه فوض إليه تدريس الشافعية به ، فحضر ودرس فيه بحضور الواقف يوم الجمعة بعد الصلاة. وممن أخذ عنه ابن خطيب الناصرية وترجمه بما هذا ملخصه وقال : إنه انتفع به كثيرا ، ومات في الفتنة التيمرية سنة ثلاث. وتبعه شيخنا في إنبائه وقال : إنه تفقه وهو صغير وسمع من المزي وغيره ، وجالس الأذرعي ، وكان يبحث معه فلا يرجع إليه رحمه‌الله وإيانا ا ه.

٤٧٩ ـ عمر بن أبي بكر النصيبي المتوفى سنة ٨٠٣

عمر بن أبي بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن عبد القاهر ابن عبد الواحد بن هبة الله بن طاهر بن يوسف الزين أبو حفص بن الشرف بن التاج أبي المكارم بن أبي المعالي الحلبي الشافعي ، ويعرف كسلفه بابن النصيبي.

كان رئيسا من بيت كبير معدودا في الأعيان مع الثروة وحسن الخلق والخلق والكتابة الفائقة والمحاضرة الحسنة. سمع الحديث بحلب ، وولي حسبة حلب مرارا بالدخول عليه وباشرها أحسن مباشرة مع الحرمة الوافرة والعفة ، وحدث بل ودرس بالسيفية للشافعية ،

١٣٢

وولي ببلده قضاء العسكر ، وكذا الحسبة مرارا مسؤولا في ذلك ، وحمدت مباشرته. وعفته وحرمته مشهورة. مات بعد الفتنة بأيام في ربيع الأول سنة ثلاث عن خمس وخمسين شهيدا ، ذكره ابن خطيب الناصرية ثم شيخنا في إنبائه باختصار ا ه.

٤٨٠ ـ أبو بكر الداديخي المتوفى سنة ٨٠٣

أبو بكر بن سليمان بن صالح الشرف الداديخي الأصل الحلبي الشافعي ، وداديخ قرية من عمل سرمين من غربيات حلب.

أخذ النحو بحلب عن أبي عبد الله وأبي جعفر الأندلسي ، وتفقه بها على أبي حفص الباريني ، وبدمشق على التاج السبكي ، بل أخذ فيها أيضا عن الشمس الموصلي والحافظ ابن كثير ، وبرع في الفقه وأصوله ، وناب في تدريس المدرسة الصاحبية تجاه النورية ، ثم استقل بها وسكنها مديما للإشغال والاشتغال والتصنيف والإفتاء والكتابة بحيث كتب كثيرا من كتب العلم ونفع الناس. وولي القضاء بحلب مدة. وكان دينا عالما. مات بدير كوش من أعمال حلب بعد كائنة تيمور في ربيع الآخر سنة ثلاث ودفن هناك. ذكره ابن خطيب الناصرية ثم شيخنا وأرخه في جمادى الأولى والله أعلم ا ه.

٤٨١ ـ يوسف بن موسى الجمال الملطي المتوفى سنة ٨٠٣

يوسف بن موسى بن محمد بن أحمد بن أبي بكر (١) بن عبد الله الجمال أبو المحاسن بن الشرف الملطي الحنفي ، ويعرف بالجمال الملطي.

ولد سنة خمس وعشرين وسبعمائة تقريبا بملطية ، وأصله من خرت برت ، وقدم حلب في شبابه وحفظ القرآن ومتونا واشتغل بها حتى مهر ، ثم ارتحل إلى الديار المصرية وهو كبير ، فأخذ عن علمائها كالقوام شارح الهداية ، فإنه لازمه كثيرا بالصر غتمشية ، وكان معيدا فيها مدة حياته ، فلما مات أخذ عن أرشد الدين وأمثاله ، قاله العيني ، وكذا أخذ عن العلاء التركماني وابن هشام ، وسمع من مغلطاي والعز ابن جماعة ، وحدث عن أولهما

__________________

(١) في «الضوء اللامع» : أبي تكين.

١٣٣

بالسيرة النبوية والدر المنظوم من كلام المعصوم ، وذكر أنه سمع الأولى منه سنة ستين ، وحصل وعاد إلى حلب وقد صار أحد أئمة الحنفية يستحضر الكشاف وتفقه على مذهبهم ، فشغل بها الطلبة وأفتى وأفاد ، إلى أن انتهت إليه رياسة الحنفية فيها مع الثروة ، وولاه تغري بردي تدريس جامعه بها ، ثم استدعاه الظاهر برقوق على البريد لما مات الشمس الطرابلسي ، وقال حينئذ : أنا الآن ابن خمس وسبعين ، فحضر من حلب في ربيع الآخر سنة ثمانمائة ونزل عند البدر الكلستاني كاتب السر إلى أن خلع عليه في العشرين منه بقضاء الحنفية ، وكانت مدة الفترة مئة وعشرة أيام ، فباشره مباشرة عجيبة ، فإنه قرب الفساق واستكثر من استبدال الأوقاف وقتل مسلما بنصراني ، بل اشتهر أنه كان يفتي بأكل الحشيش وبوجوه من الحيل في أكل الربا ، وأنه كان يقول : من نظر في كتاب البخاري تزندق ، ومع ذلك فلما مات الكلستاني في سنة إحدى استقر في تدريس الصر غتمشية مضافا للقضاء.

وقد أثنى عليه ابن حجر في علمه وأنه لم يكن محمودا في مباشرته.

وقال العيني : كان يتصدق على الفقراء في كل يوم بخمسة وعشرين درهما يصرف بها فلوسا لا يخل بذلك ، ولم يكن يقطع زكاة ماله مع بعض شح وطمع وتغفيل (هكذا ولعله وتقتير) ، وإنه أقام بحلب قريبا من ثلاثين سنة فكان يكتب في كل يوم على أكثر من خمسين فتوى بدون مطالعة لقوة استحضاره ، وإنه حصل بحلب مالا كثيرا فنهب أكثره في اللنكية. قال : وهو أحد مشايخي ، قرأت عليه من كتاب البزدوي مجالس متعددة في حلب سنة ثلاث وثمانين ، واختصر معاني الآثار للطحاوي سماه «المعتصر» (١) وصنف غيره. قال : وكان ظريفا لطيفا خفيفا جميل الصورة حسن اللحية مربوع القامة وإلى القصر أقرب. وكذا قال ابن خطيب الناصرية : إنه قرأ عليه السيرة والدر المذكورين وإنه كان

__________________

(١) أقول : طبع هذا الكتاب بمطبعة المعارف النظامية الكائنة في حيدر آباد دكن في الهند عاصمة مملكة دولة النظام ، وقد ذكرت المطبعة في إعلان خاص ما طبع فيها من الكتب ومن جملتها هذا الكتاب وقالت عنه ما نصه : المعتصر من المختصر من مشكل الآثار للطحاوي للقاضي أبي المحاسن يوسف بن موسى الحنفي ، لخص المؤلف هذا الكتاب من كتاب المختصر للقاضي أبي الوليد الباجي المالكي الذي اختصر به كتاب مشكل الآثار للعلامة الحافظ الإمام أبي جعفر الطحاوي الشهير ، ورد صاحب المعتصر على الإيرادات والاعتراضات التي في المختصر على الحافظ الطحاوي فجاء نفيسا في فنه مرغوبا للعلماء لا سيما للسادة الحنفية. طبع في مجلد واحد قطع كبير صفحاته ٤٧٥ ا ه. والكتاب على ما يظهر طبع بعد سنة ١٣٢٠ بقليل وإلى الآن لم يصلنا منه إلى الشهباء نسخة ولم نطلع عليه في غيرها من البلاد السورية.

١٣٤

فاضلا كثير الاشتغال والإشغال مجتهدا في تحصيل العلم والمال ، وله ثروة زائدة حصلها بحيلة العينة. ولما هجم اللنك البلاد عقد مجلس بالقضاة والعلماء بمشاطرة الناس في أموالهم ، فقال الملطي : إن كنتم تفعلون بالشوكة فالأمر لكم ، وأما نحن فلا نفتي بهذا ولا نحل أن يعمل به في الإسلام ، فانكف الأمراء عن التعرض لذلك ثم عن ارتجاع الأوقاف والإقطاع بزعم الاستعانة بذلك في دفع تمر لنك ، فكان ذلك معدودا في حسناته مع كونه لا تحمد سيرته في القضاء وكونه نسب إليه ما تقدم ، ولكنه قد ثبت أن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.

وقال شيخنا في رفع الإصر وغيره : إن المحب ابن الشحنة دخل عليه يوما فذاكره بأشياء وأنشده هجوا فيه موهما أنه لبعض الشعراء القدماء في بعض القضاة وهو :

عجبت لشيخ يأمر الناس بالتقى

وما راقب الرحمن يوما وما اتقى

يرى جائزا أكل الحشيشة والربا

ومن يستمع للوحي حقا تزندقا

مات في ثامن عشر ربيع الآخر سنة ثلاث ، وشغر منصب القضاء بعده قليلا إلى أن استقر أمين الدين ابن الطرابلسي. وذكره المقريزي في عقوده وغيرها بما قال بعض المؤرخين : إن الحامل له عليه العداوة مع كونه لم ينفرد بكثير مما قاله رحمه‌الله وعفا عنه ا ه.

٤٨٢ ـ أحمد بن علي المنذري المتوفى سنة ٨٠٣

أحمد بن علي بن محمد بن أبي الفتح النور المنذري الدمشقي ثم الحلبي الشافعي ، ويعرف بابن النحاس وبالمحدث.

اشتغل بالحديث وحصل منه طرفا ، وأخذ عن الصلاح الصفدي ، وسمع بدمشق وحلب الكثير من أصحاب ابن عبد الدايم ، ثم أقام بها وأقرأ بها بعض الطلبة ، وكانت محاضرته حسنة يستحضر من التاريخ وأيام الناس طرفا جيدا. وأثنى البلقيني على فضيلته. وتحول إلى كلّز من أعمال حلب فسكنها وقرأ البخاري على الناس ، ثم انتقل إلى سرمين فمات بها في سنة ثلاث فيما يغلب على ظني. قاله ابن خطيب الناصرية ، وأورده شيخنا في سنة أربع من إنبائه باختصار نقلا عنه ا ه.

١٣٥

٤٨٣ ـ الحسن بن محمد العراقي الشاعر المتوفى سنة ٨٠٣

الحسن بن محمد بن علي عز الدين العراقي المعروف بأبي أحمد ، الشاعر المشهور نزيل حلب.

قال ابن خطيب الناصرية : كان من أهل الأدب ، وله النظم الجيد ، وكان يمدح أكابر حلب ويجيزونه على ذلك ، وكان خاملا وينسب إلى التشيع وقلة الدين ، وكان يجلس مع العدول للشهادة بمكتب داخل باب النيرب وهو رث الحال. رأيته ولم أكتب عنه شيئا. ونظمه فائق ، فمنه ما رأيته بخطه :

ولما اعتنقنا للوداع عشية

وفي كل قلب من تفرقنا جمر

بكيت فأبكيت المطيّ توجعا

ورق لنا من حادث السفر السفر

جرى در دمع أبيض من جفونهم

وسالت دموع كالعقيق لنا حمر

فراحوا وفي أعناقهم من دموعنا

عقيق وفي أعناقنا منهم درّ

وله مؤلف سماه «الدر النفيس من أجناس التجنيس» يشتمل على سبع قصائد يمدح بها قاضي القضاة برهان الدين أبا إسحاق إبراهيم بن جماعة الكناني ، منها ما رأيته بخطه وهي القصيدة الأولى :

لولا الهلال الذي من حيّكم سفرا

ما كنت أعني إلى مغناكم سفرا

ولا جرى فوق خدّي مدمعي دررا

حتى كأن جفوني ساقطت دررا

يا أهل بغداد لي في حيكم قمر

بمقلتيه لعقلي في الهوى قمرا

يثني من القدّ غصنا أهيفا نظرا

إذا انثنى في الحلى يسبي لمن نظرا

لم يغن عن حسنهم بدو ولا حضر

إلا إذا قيل هذا الحب قد حضرا

أفدي غزالا غريرا كم سبى نفرا

من الأنام وكم من عاشق نفرا

ريم أتى في معانيه على قدر

لو رام قلبي أن يسلوه ما قدرا

كم حلّ من عقد صبري بالغرام عرى

حتى السقام بجسمي في هواه عرا

لو لم يكن قلبه قد قدّ من حجر

ما كان عني لذيذ النوم قد حجرا

قلت : والقصيدة أطول من ذلك استوعبها القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية

١٣٦

بتمامها ثم قال : وله عدة قصائد في مدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرتبة على حروف المعجم. توفي بحلب في سابع عشر المحرم سنة ثلاث وثمانمائة. ا ه. (المنهل الصافي).

٤٨٤ ـ صدّيق بن نبهان الجبريني المتوفى سنة ٨٠٣

صدّيق بن عمر بن عمر بن نبهان بن علوان الجبريني.

كان شيخا حسنا رئيسا كريما بهيا حسن الشكالة متوددا مديما للجمعة بحلب وللجماعات ببلده ، حج مرارا ، ومات بعد الكائنة بحلب في سنة ثلاث بالباب من أعمالها ودفن بها وقد نيف على الستين. ذكره ابن خطيب الناصرية قال : والظاهر أنه حفظ القرآن ا ه.

٤٨٥ ـ عبد الأحد الحنبلي المتوفى سنة ٨٠٣

عبد الأحد بن محمد بن عبد الأحد بن عبد الرحمن بن عبد الخالق الزين أبو المحاسن الحراني الأصل الحلبي الحنبلي والد محمد الآتي.

ولد سنة بضع عشرة وسبعمائة ، وقال ابن خطيب الناصرية : إنه فيما يحسب أخبره أنه سنة ست عشرة أو التي قبلها ، وأنه قرأ القراءات على جدي الأعلى لأمي وعم جدتي لأبي الفخر عثمان ابن خطيب جبرين وعلى غيره ، وكان يعرف طرفا منها ومن فقه الحنابلة. وناب في الحكم بحلب. وكان شيخا دينا ظريفا حسن المحاضرة ، قرأ عليه البرهان الحلبي جزئين لأبي عمرو ، واجتمع به ابن خطيب الناصرية غير مرة. مات في كائنة حلب بعد أن عاقبه التتار في ربيع الأول سنة ثلاث وقد عمر.

وذكره شيخنا في إنبائه في عبد الأحد وكذا في عبد الله وثانيهما غلط.

قال غيرهما : إنه من مشايخ حلب المشهورين ، صنف «كافية القاري في فنون المقاري» في القراءات ، وإنه كان حفظ المختار فرأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : يا رسول الله على أي مذهب أشتغل؟ فقال : على مذهب أحمد ، وأشار إليه لذلك ولده الآتي في أرجوزته التي نظم فيها العمدة لابن قدامة فقال :

١٣٧

لما رآه والدي إذا نشا

في البعض من كرّاته التي رأى

فيها رسول الله وهو يسأل

منه بأي مذهب يشتغل

قال اشتغل بمذهب ابن حنبل

أحمد فاخترناه عن أمر جلي

ولا أرى تأويل هذي القصه

إلا لحكمة بها مختصه

فيها أرادها لنا النبيّ

منه وإلا كلّهم مهديّ

الله يجزيه جزيل الرحمه

عنا وكل علماء الأمه

قصيدة لبعض الشعراء يصف بها فظايع تيمور لنك :

وبمناسبة من قتل في هذه السنة من الأعيان بسبب تلك الكائنة العظمى وهي حادثة تيمور لنك التي أتينا على تفصيلها في أواخر الجزء الثاني أذكر هنا قصيدة لبعض الشعراء وجدتها في كنوز الذهب يندب بها الشهباء ويذكر ما فعله بها هذا الطاغية من الفظايع ، لكنه لم يذكر اسم الناظم ، وهي :

ويلاه ويلاه يا شهبا عليك وقد

كسوتني ثوب حزن غير منسلب

من بعد ذاك العلا بالعز قد حكمت

بالذل فيك يد الأغيار والنوب

وحين جاء قضاء الله ما دفعت

عنك الجيوش ولا الشجعان بالقضب

وأصبح المغل حكاما عليك ولم

يرعوا لجارك ذي القربى ولا الجنب

وفرقوا أهلك السادات فانتشروا

في كل قطر من الأقطار بالهرب

وبدلوا من لباس الدين ذا خشن

نعم ومن راحة الأبدان بالنصب

وكل ما كان من مال لديك غدا

في قبضة المغل بعد الورق والذهب

وخربوا ربعك المعمور حين غدوا

يسعون في كل نحو منه بالنكب

وخربوا من بيوت الله معظمها

وخربوا ما بها من أشرف الكتب

كذا بلادك أمست وهي خاوية

وأصبحت أهلها بالخوف والرهب

لكن مصيبتك الكبرى التي عظمت

سبي الحريم ذوات الستر والحجب

من كل جارية كالشمس منظرها

ولا يراها سوى أم لها وأب

يأتي إليها عدو الدين يفضحها

ويجتليها على لاه ومرتقب

غلّت يمينك يا من مدها لمسا

ذات الجمال وشلت منك بالعطب

١٣٨

ولا نقول سوى سبحان من نفذت

أحكامه في الورى حقا بلا كذب

قضى وقدر هذا الأمر من قدم

بحكم عدل جرى في اللوح مكتتب

فنسأل الله بالمختار سيدنا

محمد ذي التقى والطهر والحسب

أن لا يرينا عدوا ليس يرحمنا

ولا يعاملنا بالمقت والغضب

بجاه هذا النبيّ السيد السند الهادي

الشفيع الرفيع القدر والرتب

صلى عليه إله العرش خالقنا

والآل والصحب سادات الورى النجب

٤٨٦ ـ أحمد بن يحيى المعري المتوفى سنة ٨٠٥

أحمد بن يحيى الشهاب العثماني المعري معرة سرمين. اشتغل ومهر.

ولي قضاء الشافعية بحلب في مستهل شوال سنة خمس وثمانمائة ، وكان حسن السيرة فلم يلبث أن قتل في ليلة الأربعاء ثاني عشريه ، هجم عليه شخص فضربه في خاصرته فمات.

قال شيخنا في تاريخه نقلا عن خط مجهول وجده بهامش جزء من مسودة تاريخ حلب لابن العديم ، قال : ثم وجدته في تاريخ العلاء فقال : أحمد بن يحيى بن أحمد بن ملك السرميني من معرة سرمين ، كان قاضي بلده مدة ، ثم ولي قضاء حلب بعد الفتنة الكبرى فاغتيل بعد صلاة الصبح ثالث عشر شوال سنة خمس قبل استكمال شهر. قال : وكانت له مروءة وفيه سكون وسيرته حسنة ا ه.

٤٨٧ ـ عمر بن إبراهيم الرهاوي المتوفى سنة ٨٠٦

عمر بن إبراهيم بن سليمان الزين الرهاوي الأصل الحلبي الشافعي.

اشتغل بدمشق على الشمس الموصلي الشافعي ، وبحلب على أبي المعالي بن عشاير ، وبرع في الأدب والنظم والنثر وصناعة الإنشاء ، وكتب خطا حسنا ، وفي آخر عمره قرأ على العز أبي البقا الحاضري الحنفي كتاب «المغني» لابن هشام ، وكتب الإنشاء بحلب ، ثم اشتغل بصحابة ديوان الإنشاء بها عوضا عن ناصر الدين أبي عبد الله محمد بن أبي الطيب سنين ، ثم ولي خطابة الجامع الأموي بحلب بعد وفاة أبي البركات الأنصاري وباشرها

١٣٩

بنفسه. وكان ذا مروءة وعصبية. ومن نظمه في مليح حائك :

وحائك يحكيه بدر الدجى

وجها ويحكيه القنا قدّا

ينسج أكفانا لعشاقه

من غزل جفنيه وقد سدّا

طاق الأمالي (١) دون أهل الهوى

وشقّة البعد لهم مدّا

فمن رآه ظل في حيرة

إلى طريق الرشد لا يهدى

وكلما همّ بسلوانه

من بين أيديه يرى سدّا

ومنه متشوقا من مصر إلى أهله وهم بحلب :

يا غائبين وفي سرّي محلّهم

دم الفؤاد بسهم البين مسفوك

أشتاقكم ودموع العين جارية

والقلب في ربقة الأشواق مملوك

مات في ربيع الآخر سنة ست بحلب وصلى عليه بعد الجمعة على باب دار العدل بحضرة نائب البلد ودفن بمشهد الحسين بسفح جبل جوشن. وفيه يقول الزين عبد الرحمن بن الخراط الحموي :

وفي الهراويّ لي مديح

مسيّر أعجز الحلاوي

قد أطرب السامعين طرّا

وكيف لا وهو في الرهاوي

ذكره ابن خطيب الناصرية وتبعه شيخنا في إنبائه ا ه.

٤٨٨ ـ محمد بن سليمان (٢) الخراط المتوفى سنة ٨٠٦

محمد بن سليمان بن عبد الله الشمس الحراني ثم الحلبي الشافعي ، ويعرف بابن الخراط.

أصله من الشرق ، وقدم به أبوه وهو طفل فسكن حماة ، فولد له ابنه هذا ، فتعانى أولا صنعة الخرط ، ثم تركها وأقبل على العلم فأخذ عن الشرف يعقوب خطيب القلعة والجمال أبي المحاسن ابن خطيب المنصورية بحماة وزوجه أخته ، وبدمشق عن الزين عمر ابن مسلم القرشي ، ودأب حتى حصل من كل فن طرفا جيدا ، وقدم حلب بعد التسعين

__________________

(١) لعلها : طلق الأماني.

(٢) في «الضوء اللامع» : سلمان.

١٤٠