تذكرة الفقهاء - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-34-5
الصفحات: ٤٠٦

أيام ، ودم الحيض يسيل تارة وينقطع اُخرى ، وإنّما يثبت للنقاء حكم الطُهر إذا انقطع بالكليّة.

وقال مالك وأحمد : تلفق ، فأيّام الدم حيض ، وأيام النقاء طهر ، لأنّ النقاء موجود في بعض الاوقات حقيقة ، كما أن الدم موجود في بعضها حقيقة ، وكما لا يجوز جعل الدم الموجود طُهراً كذا لا يجوز جعل الطُهر الموجود حيضاً بل يوفى كلّ منهما حكمه (١) ، والملازمة ممنوعة ، وللشافعي قولان ، أظهرهما : الأول (٢).

فإن جاز ذلك عشرة أيام ، فإن كانت مبتدأة قال الشيخ : تدع الصلاة والصوم كلما رأت الدم ، وإذا رأت الطُهر صلّت وصامت إلى أن تستقر لها عادة لقولهم عليهم‌السلام : « كلما رأت الطُهر صلّت وصامت ، وكلما رأت الدم تركت الصلاة إلى أن تستقر لها عادة » (٣) والظاهر أن مراده من ذلك ترك العبادة في الدم المحتمل لأنّ يكون حيضاً لا مطلقاًً.

ويحتمل عندي هنا اُمور ثلاثة : جعل الثلاثة حيضاً أخذاً بالمتيقن ، وقضاء صوم أحد عشر يوماً ، وجعل السبعة أو العشرة ، فلو كان السابع أو العاشر يوم النقاء فالوجه إلحاقه بالطهر.

وإن كانت ذات عادة ردت إليها سواء رأت فيها دماً أسود ، أو أحمر ، أو نقاء ، قاله الشيخ (٤) ، والوجه إلحاق النقاء بما بعده ، وإن نسيتها عملت بالتمييز ، وتراعي بين الحيضتين عشرة أيام طهراً.

__________________

١ ـ بُلغة السالك ١ : ٧٩ ـ ٨٠ ، المجموع ٢ : ٥٠٢ ، فتح العزيز ٢ : ٥٣٧ ، الوجيز ١ : ٢٩ ، الشرح الكبير ١ : ٣٨٥.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٠٢ ، فتح العزيز ٢ : ٥٣٧ ، الوحيز ١ : ٢٩ ، المغني ١ : ٤٠٣ ، الشرح الكبير ١ : ٣٨٦.

٣ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٦.

٤ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٦.

٣٢١

ولو رأت ثلاثة أيام دماً ثم انقطع ثم عاودها قبل العشرة فالجميع حيض ، وقضت صوم النقاء ، وجاز لزوجها الوطء فيه ، فإذا ظهر أنّه حيض لم يكن عليه شيء.

وإن رأت أقل من ثلاثة ثم انقطع ورأته قبل العاشر وبلغ المجموع ثلاثة فلعلمائنا قولان ، أحدهما أنّه ليس بحيض لاشتراط التوالي في عدد أقل الحيض (١) ، والثاني : أنّه حيض إنّ كمل ثلاثة في جملة العشرة (٢). وللشافعية كالقولين (٣).

ومنهم من اشترط في التلفيق أن يكون أوّله حيضاً كاملاً وآخره حيضاً كاملاً (٤).

ومنهم من لم يشترط بلوغ أقل الحيض ، فلو رأت ساعة ثم انقطع ثم رأت قبل خمسة عشر ساعة اُخرى كانت الساعتان مع الطُهر المتخلل بينهما حيضاً ، وهو أضعف الوجوه عندهم (٥).

ولو كمل أقل الحيض في أكثر من عشرة لم يكن حيضاً ، وموضع الخلاف ما إذا كانت أزمنة النقاء زائدة على الفترات المعتادة بين دفعات الدم ، فإن لم يزد عليها فالجميع حيض إجماعا.

فروع :

أ ـ إذا رأت أقل الحيض ثم انقطع وجب عليها العبادة إجماعاً ، لأنّ

__________________

١ ـ قال الصدوق في الفقيه ١ : ٥٠ ، والهداية : ٢١ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٥٧ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٨ ، والشيخ الطوسي في الجمل : ١٦٣ ، وحكاه المحقق عن المرتضى في المعتبر : ٥٣.

٢ ـ قال به الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٦ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٣٤.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥٠٥ ، فتح العزيز ٢ : ٥٤٣ ، الوجيز ١ : ٣٠.

٤ ـ المجموع ٢ : ٥٠٥ ، فتح العزيز ٢ : ٥٤٢ ، الوجيز ١ : ٢٩.

٥ ـ المجموع ٢ : ٥٠٥ ، فتح العزيز ٢ : ٥٤٤ و ٥٤٦ ، الوجيز ١ : ٣٠.

٣٢٢

الموجود حيض تام ، وربما لا يعود الدم ، فلا يبيح لها ترك العبادة بالشك. وإن رأت أقل وقلنا أيام النقاء طهر اغتسلت ، لأنّ الدم ربما عاد ، فالدم الموجود حيض ، وظهر أن للنقاء حكم الطهر.

وإن قلنا : أنها كالحيض فلا غسل لأنّ الدم ان لم يعد ، فليس له حكم الحيض حتى يجب غسله ، وإن عاد ظهر أن الزمان حيض ، وليس للغسل في زمان الحيض حكم.

ب ـ لو كانت عادتها خمسة أيام ، ورأت يوماً دماً ويوماً نقاءً ، وتجاوز الدم والنقاء الأكثر ولا تمييز ، فإن قلنا : أنها لا تلفق ، فأيّام العادة حيض الدم والنقاء الذي يليه ، قاله الشافعي (١).

وإن قلنا : تلفق ، فمن أين تلفق؟ للشافعي قولان ، احدهما : من أيام العادة حسب ، لأنّ النقاء من أيام العادة ، وإنّما انقطع دمها فيه فتنقص من عادتها ، والثاني : تلفق من أكثر الحيض ، لأنّ عادتها تفرقت فيها (٢). فعلى الأول يحصل لها ثلاثة أيام حيض ، وعلى الثاني تلفق خمسة أيام من تسعة.

ولو كانت عادتها ستة أيام ، فإن قلنا ، لا تلفق فالحيض خمسة أيام والسادس نقاء ليس بعده حيض فلا يكون حيضاً ، وتنقص عادتها ، وإن قلنا : تلفق من زمان العادة حصل لها ثلاثة أيام ، وإن قلنا : من خمسة عشر لفقنا لها ستة أيام من أحد عشر.

ج‍ ـ يشترط في جعل النقاء حيضاً أمران ، أحدهما : أن يكون النقاء محبوساً بدمين في الأكثر ، فلو رأت يوماً وليلةً دماً وأربعة عشر نقاءً ، ورأت

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ٥٠٨.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٠٨.

٣٢٣

في السادس عشر ، فالنقاء مع ما بعده من الدم طهر قاله الشافعي (١) ، وعندنا الأكثر عشرة.

والثاني : أن يكون قدر الحيض في مدة الخمسة عشر تمام أقل الحيض وإن تفرق بالساعات ، وهو أظهر أقوال الشافعي (٢).

د ـ لو رأت أقل الحيض وانقطع ، ثم عاد قبل انقضاء الطُهر بعد مجاوزة اكثر الحيض ، فالأول حيض ، والثاني دم فساد.

هـ ـ لو كانت عادتها خمسة من أول الشهر فرأت الأول طُهراً ثم الثاني دماً ثم الثالث طُهراً ، وهكذا احتمل جعل الثاني والرابع والسادس حيضاً خاصة ، وخمسة أيام دما خاصة.

وعند الشافعي إنّ وقف على خمسة عشر من الدم ، فإن قيل بعدم التلفيق ، فالاربعة عشر حيض ، وإن قيل به لفقت خمسة أيام من تسعة.

وإن زاد الدم على الخامس عشر فقد استحيضت ، فإن قيل بالتلفيق فمن أين يلفق؟ على الوجهين ، أحدهما : من زمان العادة فلها يومان حيض من زمان العادة ، هو الثاني والرابع ، والثاني : من زمان الإمكان فيلفق لها خمسة أيام أولها الثاني وآخرها العاشر.

وإن قيل بعدم التلفيق فهل الاعتبار بزمان العادة أو بعدها؟ وجهان : العادة ، لأنّه إذا اعتبر عددها اعتبر زمانها فحيضها الثاني والثالث والرابع لأنّ الأول طهر قبله طهر ، والخامس طهر بعده استحاضة.

والثاني : الاعتبار بعدد العادة دون زمانها ، لانتقال حيضها فحيضها خمسة أولها الثاني وآخرها السادس (٣).

__________________

١ ـ فتح العزيز ٢ : ٥٤٢ ، الوجيز ١ : ٢٩.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٠٥ ، فتح العزيز ٢ : ٥٤٣ ، الوجيز ١ : ٣٠.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥١٣ ـ ٥١٤.

٣٢٤

الفصل الرابع : في النفاس

والنفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة بالإجماع ، لأنّه خارج عقيب نفس ، أو مأخوذ من تنفس الرحم بالدم ، فالخارج قبل الولادة ليس بنفاس إجماعاً لقول الصادق عليه‌السلام في المرأة يصيبها الطلق أياماً ، أو يوماً ، أو يومين فترى الصفرة أو دما قال : « تصلّي ما لم تلد ، فإن غلبها الوجع ففاتها صلاة لم تقدر أن تصليها فعليها قضاء تلك الصلاة بعدما تطهر » (١).

وأمّا الخارج مع الولادة ، فالشيخ نصّ على أنّه نفاس (٢) ـ وهو أصح وجهي الشافعية (٣) ـ لأنّه دم خرج لخروج الولد فأشبه الخارج بعده.

وقال المرتضى رضي الله عنه : النفاس هو الذي تراه عقيب الولادة (٤) ، وهو يشعر بأن الخارج معها ليس بنفاس ، وبه قال بعض الشافعية ، وأبو حنيفة (٥) ، لأنّه انفصل قبل انفصال الولد ، فأشبه ما خرج قبله.

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ١٠٠ / ٣ ، التهذيب ١ : ٤٠٣ / ١٢٦١.

٢ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٨.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥٢١ ، فتح العزيز ٢ : ٥٧٩.

٤ ـ الناصريات : ٢٢٧ مسألة ٦٤.

٥ ـ المجموع ٢ : ٥٢٠ ، فتح العزيز ٢ : ٥٧٩ ، كفاية الأخيار ١ : ٤٦ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٣٣ ، شرح العناية ١ : ١٦٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٢١ ، اللباب ١ : ٤٧.

٣٢٥

مسألة ٩٩ : ولو ولدت ولم تر دماً فلا نفاس إجماعاً ، ولا يجب عليها الغُسل عند علماء أهل البيت عليهم‌السلام ، وبه قال أبو حنيفة (١) عملاً بالأصل السالم عن معارضة الحدث ، وللشافعي قولان (٢) ، وعن أحمد روايتان ، إحداهما : الوجوب لأنّه مخلوق من مائها فهو بمنزلة خروج الماء (٣) ، ويعارضه أنّه جامد فأشبه الحصا والدود.

مسألة ١٠٠ : لا يشترط في الولد الحياة بل ولا التمامية ، فلو ولدت مضغة أو علقة بعد أن شهد القوابل أنّه لحمة ولد ، ويتخلق منه الولد كان الدم بالإجماع نفاساً ، لأنّه دم جاء عقيب حمل ، أما النطفة والعلقة المشتبهة فلا اعتبار بهما لعدم تيقن الحمل بهما ، فيكون حكمه حكم دم الحائل.

مسألة ١٠١ : وليس لأقل النفاس حدّ ، فجاز أن يكون لحظة واحدة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال أكثر العلماء كالشافعي ، ومالك وأبي حنيفة ، وأحمد (٤) ـ لأنّه دم وجد عقيب سببه ـ وهو الولادة ـ فكان نفاساً ، وولدت امرأة على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم تر نفاساً ، فسميت ذات الجفوف (٥).

وحكي عن الثوري أنّ أقلّه ثلاثة أيام لأنّه أقل الحيض (٦) ، ولا ملازمة بينهما ، وحكي عن أبي يوسف أنّه قال : أقلّه أحد عشر يوماً ، ليزيد أقلّه على

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ١٥٠ ، فتح القدير ١ : ١٦٤.

٢ ـ المجموع ٢ : ١٤٩ ، فتح العزيز ٢ : ٥٨٠.

٣ ـ المجموع ٢ : ١٥٠ ، المغني ١ : ٣٩٤.

٤ ـ المجموع ٢ : ٥٢٥ ، بداية المجتهد ١ : ٥٢ ، المنتقى للباجي ١ : ١٢٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٤٧ ، المغني ١ : ٣٩٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٣٤ ، شرح العناية ١ : ١٦٥ ، اللباب ١ : ٤٨ ، الوجيز ١ : ٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٣.

٥ ـ المهذب للشيرازي ١ : ٥٢ ، المغني ١ : ٣٩٣ ، واُنظر المعتبر : ٦٧.

٦ ـ المجموع ٢ : ٥٢٥ ، نيل الأوطار ١ : ٣٥٩ ، شرح الأزهار ١ : ١٦٦.

٣٢٦

أكثر الحيض (١).

وقال محمد بن الحسن ، وأبو ثور ، والشافعي في أحد قوليه : أقلّه ساعة (٢).

وقال المزني : أقلّه أربعة أيام لأنّ أكثر النفاس أربعة أضعاف أكثر الحيض ، فكان أقل النفاس أربعة أضعاف أقل الحيض ، وهو يوم وليلة ، فأقل النفاس أربعة (٣).

وقال أبوعبيد : أقلّه خمسة وعشرون يوماً (٤) ، والكل خطأ ، لأنّ الشرع لم يرد بتحديده فيرجع إلى الوجود ، وقد وجد أقل من ذلك.

إذا ثبت هذا ، فإذا انقطع الدم عقيب لحظة كانت بحكم الطاهر بقية اليوم إذا لم يعاود الدم.

وقال أحمد في رواية : لو رأت النقاء لدون يوم لم يثبت لها حكم الطاهرات (٥).

وهو خطأ لقول علي عليه‌السلام : « لا يحل للنفساء إذا رأت الطُهر إلّا أن تصلّي » (٦).

مسألة ١٠٢ : اختلف علماؤنا في أكثره فالمشهور أنّه لا يزيد على أكثر أيام

__________________

١ ـ المبسوط للسرخسي ٣ : ٢١١ ، الكفاية ١ : ١٦٦ ، بداية المجتهد ١ : ٥٢ ، نيل الأوطار ١ : ٣٥٩ ، المحلى ٢ : ٢٠٧.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٢٢ ـ ٥٢٣ ، المغني ١ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٣ ، الكفاية ١ : ١٦٦.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥٢٥.

٤ ـ المغني ١ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٣.

٥ ـ المغني ١ : ٣٩٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٤.

٦ ـ سنن البيهقي ١ : ٣٤٢.

٣٢٧

الحيض ـ قاله الشيخ ، وعلي بن بابويه ، والمفيد في أحد قوليه (١) ـ لقول أحدهما عليهما‌السلام : « النفساء تكف عن الصلاة أيام أقرائها » (٢).

ولأنّه دم حيض حبسه احتياج الولد إلى الغذاء ، وانطلاقه باستغنائه عنه ، وأكثر الحيض عشرة ، ولأنّه أحوط للعبادة.

وفي الثاني : ثمانية عشر يوماً ـ وبه قال المرتضى ، وابن الجنيد والصدوق (٣) ـ لقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن النفساء كم تقعد؟ فقال : « إنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تغتسل لثماني عشرة ليلة » (٤) ولا حجة فيه ، لاحتمال وقوع السؤال عند الانتهاء.

وقال ابن أبي عقيل : أيامها كأيام حيضها وأكثره أحد وعشرون يوماً ، فإن انقطع دمها في تمام حيضها صلّت وصامت ، وإن لم ينقطع صبرت ثمانية عشر يوماً ثم استظهرت بيوم أو يومين ، فإن كانت كثيرة الدم صبرت ثلاثة أيام ، ثم اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت ، لما رواه البزنطي ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه‌السلام (٥).

وقال الشافعي : اكثره ستون يوماً ـ وهو رواية لنا ـ وبه قال عطاء ، والشعبي ، ومالك ، وأبو ثور ، وحكي عن عبيد الله بن الحسن العنبري ، والحجاج بن أرطاة (٦) لأنّه قد وجد ذلك ، ولا دليل فيه ، لأنّ الزائد

__________________

١ ـ النهاية : ٢٩ ـ ٣٠ ، المقنعة : ٧ ، وحكى قول علي بن بابويه المحقق في المعتبر : ٦٧.

٢ ـ الكافي ٣ : ٩٧ / ١ ، التهذيب ١ : ١٧٣ / ٤٩٥ ، الاستبصار ١ : ١٥٠ / ٥١٩.

٣ ـ المقنعة : ٧ ، الانتصار : ٣٥ ، الفقيه ١ : ٥٥ ، وحكى قول ابن الجنيد المحقق في المعتبر : ٦٧.

٤ ـ التهذيب ١ : ١٨٠ / ٥١٥ ، الاستبصار ١ : ١٥٣ / ٥٣١. وفيهما عن الباقر عليه‌السلام.

٥ ـ حكاه المحقق في المعتبر : ٦٧.

٦ ـ المجموع ٢ : ٥٢٢ و ٥٢٤ ، مختصر المزني : ١١ ، الوجيز ١ : ٣١ ، المغني ١ : ٣٩٢ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٢ ، بداية المجتهد ١ : ٥٢ ، شرح الأزهار ١ : ١٦٦ ، المحلى ٨ : ٢٠٣ ، نيل الأوطار ١ : ٣٥٨ ، سنن الترمذي ١ : ٢٥٩.

٣٢٨

استحاضة.

وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأبو عبيد : أكثره أربعون يوماً (١) ـ وهو رواية لنا أيضاً (٢) ـ لأنّ ام سلمة قالت : كانت النفساء تقعد على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعين ليلة وأربعين يوماً (٣) ، والراوي مجهول ، فلا عبرة به.

وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري أنّه قال : خمسون يوماً (٤) ـ وهو رواية لنا (٥) ـ وحكى الطحاوي عن الليث أنّه قال : من الناس من يقول : سبعون يوماً (٦).

مسألة ١٠٣ : إذا زاد الدم على الأكثر ـ وهو عشرة عندنا ، وستون عند الشافعي (٧) وأربعون عند أبي حنيفة (٨) ـ فالأقوى عندي أنها إنّ كانت ذات عادة في الحيض جعلت نفاسها عدد أيام حيضها والباقي استحاضة ، وإن لم تك ذات عادة كان نفاسها عشرة أيام ، لما تقدم من الرد إلى أيامها في الحيض.

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ٥٢٤ ، المغني ١ : ٣٩٢ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٢ ، المحلى ٢ : ٢٠٣ ، نيل الأوطار ١ : ٣٥٨ ، بداية المجتهد ١ : ٥٢ ، بدائع الصنائع ١ : ٤١ ، اللباب ١ : ٤٨ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٢١٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٣٤ ، شرح العناية ١ : ١٦٦ ، أحكام النساء للامام أحمد : ٦٠.

٢ ـ التهذيب ١ : ١٧٧ / ٥٠٦ ، الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٦.

٣ ـ سنن أبي داود ١ : ٨٣ / ٣١١ و ٣١٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢١٣ / ٦٤٨ ، سنن الترمذي ١ : ٢٥٦ / ١٣٩.

٤ ـ المجموع ٢ : ٥٢٤ ، مقدمات ابن رشد ١ : ٩١ ، نيل الأوطار ١ : ٣٥٨ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٢ ، سنن الترمذي ١ : ٢٥٨ ذيل الحديث ١٣٩.

٥ ـ التهذيب ١ : ١٧٧ / ٥٠٧ ، الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٧.

٦ ـ المجموع ٢ : ٥٢٤ ، حلية العلماء ١ : ٢٣٢.

٧ ـ المجموع ٢ : ٥٢٢ و ٥٢٤ ، الوجيز ١ : ٣١.

٨ ـ المبسوط للسرخسي ٣ : ٢١٠ ، اللباب ١ : ٤٨ ، بدائع الصنائع ١ : ٤١.

٣٢٩

وقال بعض أصحاب الشافعي : إذا استحيضت النفساء وتجاوز الدم ستين كانت الستون نفاساً ـ وهو قول المزني ـ والزائد استحاضة لثبوت النفاس باليقين ، فلا يزول إلّا بمثله ، بخلاف الحيض لأنّه لم يثبت أولاً باليقين (١).

وقال بعضهم : الزائد على الستين حيض لعدم التنافي (٢).

وقال الباقون منهم بالتفصيل ، فإن كانت ذات عادة فيه بأن تلد مرتين مثلا وترى الدم أربعين ردت إلى عادتها من الاربعين ، ثم إنّ كانت معتادة في الحيض فترد إلى عادتها في الطُهر ، ثم تحيض قدر عادتها في الحيض.

وان كانت مبتدأة في الحيض جعلت القدر الذي ترد إليه المبتدأة في الطُهر استحاضة ، والقدر الذي ترد إليه في الحيض حيضاً ، ولو ولدت مراراً وهي ذات جفاف ، ثم ولدت واستحيضت ، فلا نجعل عدم النفاس عادة ، بل هي مبتدأة في النفاس.

وإن كانت مبتدأة في النفاس فله قولان ، أحدهما : الرد إلى لحظة ، والثاني : إلى أربعين ، لأنّه الغالب ، وإن كانت محيرة فحكمها حكم الحائض في شرط التمييز ، وترد إليه كما في الحيض ، إلّا أن الستين هنا بمنزلة خمسة عشر هناك ، فلا يزيد التمييز على الستين ، وإن نسيت عادتها في النفاس ففي قول تُردّ إلى الاحتياط ، وعلى آخر أنها تُردّ إلى ما ترد إليه المبتدأة (٣).

فروع :

الأول : لو رأت عقيب الولادة لحظة ثم انقطع ، ورأته قبل العاشر

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ٥٣٠.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٣٠.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥٣٠ ـ ٥٣١ ، فتح العزيز ٢ : ٥٩٠ ـ ٥٩٢ ، الوجيز ١ : ٣٢.

٣٣٠

لحظة فالدمان وما بينهما نفاس ، لأنّ الطُهر لا يكون أقل من عشرة ، ولو رأت اللحظة الأخيرة خاصة فهي النفاس خاصةً.

أما الشافعي فعنده إذا انقطع دم النفاس فإن لم يبلغ النقاء بين الدمين أقل الطُهر كيوم ويومين فأزمنة الدم نفاس ، وفي أزمنة النقاء قولان كالحيض (١).

الثاني : لو رأت يوم الولادة ثم انقطع عشرة أيام ، ثم رأت الدم ثلاثة أيام ، فالأول نفاس ، والنقاء طهر ، والثاني حيض لمضي طهر كامل بعد انقطاع النفاس ، ولو قصر الثاني عن ثلاثة لم يكن حيضاً ، بل دم فساد.

وعند الشافعي أنّه إذا تخلل بين الدمين أقل الطُهر ، كما لو رأت عقيب الولادة ، ثم طهرت خمسة عشر يوماً ، ثم عاد الدم قبل الستين ، فأصح الوجهين : أنّه حيض ، لأنّه وما قبله دمان تخللهما طهرُ صحيح ، فلا يضم أحدهما إلى الآخر كدمي الحيض ، وبه قال أبو يوسف ، ومحمد (٢).

والثاني ـ وبه قال أبو حنيفة ـ : أنّه دم نفاس لوقوعه في زمان إمكان النفاس (٣).

وقال أحمد : العائد مشكوك فيه ، تصوم وتصلّي ، وتقضي الصوم والطواف ، ولا يأتيها زوجها ، لاحتمال أنّه نفاس ودم فساد (٤).

فلو ولدت ولم تر الدم خمسة عشر يوماً فصاعدا ثم رأته ، فإن قيل : العائد نفاس ، ففي أيام النقاء وجهان (٥).

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ٥٢٨.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٢٨ ، الوجيز ١ : ٣٢ ، المغني ١ : ٣٩٥ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٧ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٤١ و ٣ : ٢١١.

٣ ـ المبسوط للسرخسي ٢ : ١٤١ ، المجموع ٢ : ٥٢٨ ، الوجيز ١ : ٣٢.

٤ ـ المغني ١ : ٣٩٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٦.

٥ ـ فتح العزيز ٢ : ٦٠٠ ـ ٦٠١.

٣٣١

الثالث : إذا كانت عادتها عشرة أيام حيضاً وعشرين طُهراً ، فرأت عشرة أيام نفاساً وشهراً طُهراً ، ثم رأت الدم واتصل بها لم تبطل بذلك عادتها ، بل ترجع إلى العادة التي كانت قبل الولادة من اعتبار الحيض والطهر.

وقالت الشافعية : إذا كانت تحيض عشرة وتطهر عشرين فرأت عشرين يوماً نفاساً ثم طهرت شهرين ، ثم عاودها الدم واتصل وعبر أكثر الحيض ، فإنها مستحاضة ، تُردّ إلى عادتها في الحيض ، وهي عشرة أيام ، ويكون طهرها شهرين لأنّ طهرها تغير (١) ، والطهر في الحيض والنفاس واحد وهو يجئ على قول من لا يعتبر تكرر العادة.

الرابع : لو رأت خمسة أيام ثم ولدت بعد ذلك قبل أن يمضي زمان الطُهر فالدم ليس بنفاس لتقدمه ، قال الشيخ : وليس بحيض ، لأنّ الحامل المستبين حملها لا تحيض ، فيكون دم فساد (٢) ، وهو أحد قولي الشافعية ، والثاني : أنّه حيض لأنّ الحامل قد ترى الدم ، ولا يعتبر بينه وبين النفاس طهرُ صحيح ، والولادة تفصل بينهما ، بخلاف الحيض ، لأنّه لم يوجد للطهر بين الحيضتين أقل من خمسة عشر يوماً (٣).

مسألة ١٠٤ : حكم النفاس حكم الحيض في جميع المحرمات والمكروهات ، والخلاف في الكفارة بوطئها ، ولا نعلم فيه خلافاً ، لأنّ دم النفاس هو دم الحيض ، وإنّما احتبس مدة الحمل لانصرافه إلى غذاء الولد ، فإذا وضع الولد وانقطع العرق الذي كان مجرى الدم ، خرج من الفرج كما يخرج من الحائض ، فإذا رأت بعد الولادة ساعة دما ثم انقطع كان عليها أن تغتسل ، ولزوجها أن يأتيها ، فإن خافت العود استحب التثبت احتياطاًً.

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ٥٣٢.

٢ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٨.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥٢٢ ، الوجيز ١ : ٣١.

٣٣٢

مسألة ١٠٥ : لو ولدت توأمين ، فابتداء النفاس من الأول ، وعدد الايام من الثاني ، ذهب إليه علماؤنا ـ وهو أحد أقوال الشافعي ، وإحدى روايات أحمد (١) ـ لأنّ كلّ واحد منهما سبب في إثبات حكم النفاس ، بدليل حالة الانفراد فإذا اجتمعا ثبت لكلّ منهما نفاس ، وتداخلا فيما اجتمعا فيه.

والثاني : أن النفاس من أوّله كله أوّله وآخره ـ وبه قال مالك ، وأبو حنيفة وأبو يوسف ، وأحمد في أصح الروايات (٢) ـ لأنّه دم تعقب الولادة فكان نفاساً كالولد الواحد ، فإذا انقضت مدة النفاس من حين وضعت الأول لم يكن ما بعده نفاساً وإن كان يوماً واحداً ، لأنّ ما بعد الأول نفاس لأنّه عقيب الولادة ، فإذا كان أوّله منه فآخره منه كالمنفرد.

والثالث : أن النفاس من الثاني ـ وبه قال محمد ، وزفر ، وأحمد (٣) ـ لأنّ الخارج قبل الثاني دم خرج قبل انقضاء الحمل فأشبه ما إذا خرج قبل الولادة ، والاعتبار بجميع الحمل ، فإن الرجعة إنّما تنقطع بذلك ، وعلى هذا لو أسقطت عضوا من ولد وبقي الولد في البطن ، فهل يجعل الدم نفاسا؟ على الخلاف.

إذا عرفت هذا ، قالت الشافعية : إذا لم يجعل الدم نفاساً فهل يكون حيضا؟ قولان ، بناء على أن الحامل هل تحيض أم لا؟ (٤) وقد تقدم (٥).

مسألة ١٠٦ : يعتبر حالها عند الانقطاع قبل العشرة ، فإن خرجت القطنة نقية اغتسلت ، وإلّا توقعت النقاء أو انقضاء العشرة ، لقول الصادق عليه

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ٥٢٧ ، المغني ١ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٨ و ٤٠٩ ، الإنصاف ١ : ٣٨٦.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٢٦ ، بدائع الصنائع ١ : ٤٣ ، المغني ١ : ٣٩٥ ، الشرح الصغير ١ : ٨١ ، اللباب ١ : ٤٨ ـ ٤٩.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥٢٦ ، المغني ١ : ٣٩٦ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٢١٢ ، العناية في شرح الهداية ١ : ١٦٧.

٤ ـ المجموع ٢ : ٥٢٦ ـ ٥٢٧.

٥ ـ تقدم في المسألة ٨١.

٣٣٣

السلام وقد سئل عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر مما كانت ترى ، قال : « فلتقعد أيام قرئها ، ثم تستظهر بعشرة أيام ، فإن رأت دما صبيباً فلتغتسل عند وقت كلّ صلاة ، وإن رأت صفرة فلتتوضأ ثم لتصل » (١) وليس مراده الاستظهار بعشرة ، بل إلى عشرة بأن تكون عادتها تسعة فتستظهر بيوم ، أو ثمانية فتستظهر بيومين ، فلا ينافي ما ورد من الاستظهار بيوم أو يومين.

ولو انقطع قبل العاشر ثم عاد قضت الصوم ، ولو لم ترَ دما حتى انقضى العاشر فلا نفاس ، ثم إنّ استمر ثلاثة فهو حيض ، وإن كان أقل فهو استحاضة.

فإن عاد قبل العشرة الثانية ما يتمّ به ثلاثاً ، فإن قلنا برواية يونس (٢) كان الدم حيضاً ، وما بينهما أيضاً ، وإن اشترطنا التوالي ، فهو استحاضة لفوات الشرط ، وكذا لو رأت بعد العاشر ساعة دما وساعة طُهراً واجتمع ثلاثة أيام في عشرة كان الدم حيضاً على الرواية وما تخلله ، وعلى القول الآخر استحاضة.

مسألة ١٠٧ : وغسلها واجب بإجماع العلماء لما تقدم ، ولا بد معه من الوضوء على الاشهر ، وتقديمه أفضل ، وقد يأتي في بعض عبارة (٣) علمائنا وجوب التقديم (٤) ، لقول أبي عبد الله عليه‌السلام : « في كلّ غسل وضوء إلّا غسل الجنابة » (٥) والفيئية غير مرادة ، بل المجاز وهو السبق والتأخر مع المتعابعة ، وقول الصادق عليه‌السلام : « كلّ غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة » (٦) للاستحباب.

__________________

١ ـ التهذيب ١ : ١٧٥ ـ ١٧٦ / ٥٠٢ ، الاستبصار ١ : ١٥١ / ٥٢٢.

٢ ـ الكافي ٣ : ٩٩ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٧٥ / ٥٠٠ ، الاستبصار ١ : ١٥٠ / ٥٢٠.

٣ ـ هكذا في الأصلين ، ولعلّ الصواب : عبارات ، أو عبارة بعض.

٤ ـ منهم الشيخ الطوسي في الجمل والعقود : ١٦٥ و ١٦٣ ، والراوندي في التنقيح الرائع ، كما حكاه المحقق في المعتبر : ٦٩.

٥ ـ التهذيب ١ : ١٤٣ / ٤٠٣ و ٣٠٣ / ٨٨١.

٦ ـ الكافي ٣ : ٤٥ / ١٣ ، التهذيب ١ : ١٣٩ / ٣٩١ ، الاستبصار ١ : ١٢٦ / ٤٢٨.

٣٣٤

الفصل الخامس : في غسل الأموات

وفيه ستة مطالب.

مقدمة : ينبغي للمريض ترك الشكاية مثل أن يقول : ابتليت بما لم يبتل به أحد ، وشبهه ، ويستحب عيادته إلّا في وجع العين ، قال أمير المومنين عليه‌السلام : « ضمنت لستة الجنّة : رجل خرج بصدقة فمات فله الجنّة ، ورجل خرج يعود مريضاً فمات فله الجنّة ، ورجل خرج مجاهداً في سبيل الله فمات فله الجنّة ، ورجل خرج حاجا فمات فله الجنّة ، ورجل خرج إلى الجمعة فمات فله الجنة. ورجل خرج في جنازة رجل مسلم فمات فله الجنّة » (١). وإن يأذن لهم في الدخول عليه ، فإذا طالت علته ترك وعياله ، وينبغي تخفيف العيادة إلّا أن يطلب المريض الاطالة.

وتجب الوصية على كلّ من عليه حق ، ويستحب لغيره ، وينبغي الاستعداد بذكر الموت كلّ وقت ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أكثروا من ذكر هادم اللذات ، فما ذكر في كثير إلّا قلّله ، ولا في قليل إلّا كثره ) (٢).

__________________

١ ـ الفقيه ١ : ٨٤ / ٣٨٧.

٢ ـ سنن الترمذي ٤ : ٦٣٩ / ٢٤٦٠ ، الكامل لابن عدي ٥ : ١٨٦٤ ، الجامع الصغير ١ : ٢٠٨ / ١٣٩٩ ، وعوالي اللآلي ١ : ٢٤٧ / ٣.

٣٣٥

وقال عليه‌السلام : ( استحيوا من الله حق الحياء ) فقيل : يا رسول الله وكيف نستحيي من الله حق الحياء؟ قال : ( من حفظ الرأس وما حوى ، والبطن وما وعى ، وترك زينة الحياة الدنيا ، وذكر الموت والبلى ، فقد استحيى من الله حق الحياء ) (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : « من عد غدا من أجله فقد أساء صحبة الموت » (٢).

وينبغي أن يحسن ظنه بربه ، فقد روي : أن الله تعالى يقول : « أنا عند ظن عبدي بي » (٣) ولا ينبغي أن يتمنى الموت وإن اشتد مرضه ، لقوله عليه‌السلام : ( لا يتمنين أحدكم الموت لضُرّ نزل به ، ولكن ليقولن : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي ) (٤).

وينبغي التوبة لأنّها مسقط للعقاب ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في آخر خطبة خطبها : ( من تاب قبل موته بسنة تاب الله عليه ، ثم قال : وإن السنة لكثير ، ومن تاب قبل موته بشهر تاب الله عليه ، ثم قال : وإن الشهر لكثير ، ومن تاب قبل موته بيوم تاب الله عليه ، ثم قال : وإن اليوم لكثير ومن تاب قبل موته بساعة تاب الله عليه ، ثم قال : وإن الساعة لكثير ، من تاب وقد بلغت نفسه هذه ـ وأومى بيده إلى حلقه ـ تاب الله عليه ) (٥).

__________________

١ ـ سنن الترمذي ٤ : ٦٣٧ / ٢٤٥٨ ، مسند أحمد ١ : ٣٨٧.

٢ ـ الفقيه ١ : ٨٤ / ٣٨٥.

٣ ـ الكافي ٢ : ٥٨ / ٣ ، وصحيح مسلم ٤ : ٢٠٦١ / ٢٦٧٥.

٤ ـ صحيح البخاري ٧ : ١٥٦ و ٨ : ٩٤ ، صحيح مسلم ٤ : ٢٠٦٤ / ٢٦٨٠ ، سنن أبي داود ٣ : ١٨٨ / ٣١٠٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٠٢ / ٩٧٠ ، سنن النسائي ٤ : ٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٧٧ ، مسند أحمد ٣ : ١٠٤.

٥ ـ الفقيه ١ : ٧٩ / ٣٥٤ ، ومسند أحمد ٢ : ٢٠٦.

٣٣٦

المطلب الأول : الاحتضار.

مسألة ١٠٨ : اختلف علماؤنا في وجوب توجيهه إلى القبلة عند الموت ، فقال المفيد وسلار به (١) ، لأنّ علياً عليه‌السلام قال : « دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على رجل من ولد عبد المطلب ، وهو في السوق وقد وجه إلى غير القبلة ، فقال : وجهوه إلى القبلة ، فانكم اذا فعلتم ذلك اقبلت عليه الملائكة » (٢).

وقال الباقون بالاستحباب (٣) ، وبه قال عطاء ، والنخعي ، والشافعي ، ومالك ، وأهل المدينة ، والأوزاعي ، وأهل الشام ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي (٤) ، لأنّ حذيفة قال : وجهوني (٥) ، ولقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( خير المجالس ما استقبل به القبلة ) (٦) والأصل عدم الوجوب.

وأنكره سعيد بن المسيب ، فإنهم لما أرادوا أن يحولوه إلى القبلة ، قال : ما لكم؟ قالوا : نحولك إلى القبلة ، قال : ألم أكن على القبلة إلى يومي هذا؟! (٧) وفعلهم به دليل على اشتهاره عندهم.

تذنيب : وكيفيته أن يلقى على ظهره ، ويجعل باطن قدميه إلى القبلة

__________________

١ ـ المقنعة : ١٠ ، المراسم : ٤٧.

٢ ـ الفقيه ١ : ٧٩ / ٣٥٢ ، ثواب الأعمال : ٢٣٢ / ١ ، علل الشرائع : ٢٩٧ ، الباب ٢٣٤.

٣ ـ منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ٣٠ والخلاف ١ : ٦٩١ مسألة ٤٦٦ ، والمحقق في المعتبر : ٦٩ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٨.

٤ ـ المجموع ٥ : ١١٦ ، فتح العزيز ٥ : ١٠٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٦ ، شرح فتح القدير ٢ : ٦٨ ، الوجيز ١ : ٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٠٤ ، المغني ٢ : ٣٠٧ ، الشرح الصغير ١ : ١٩٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٩٠ ، اللباب ١ : ١٢٥.

٥ ـ المغني ٢ : ٣٠٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٠٥.

٦ ـ الغايات : ٨٧ ، كنز العمال ٩ : ١٣٩ / ٢٥٤٠١ نقلاً عن الطبراني في معجمه.

٧ ـ المغني ٢ : ٣٠٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٠٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٦.

٣٣٧

بحيث لو جلس لكان مستقبلاً ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ـ (١) لقول الصادق عليه‌السلام : « يستقبل بوجهه القبلة ، ويجعل باطن قدميه مما يلي القبلة » (٢).

وقال أبو حنيفة : يضجع على شقه الأيمن ووجهه إلى القبلة كما يفعل به في المدفن (٣).

مسألة ١٠٩ : ويستحب نقله إلى مصلاه إذا تعسر عليه خروج الروح ، لقول الصادق عليه‌السلام : « إذا عسر على الميت موته ونزعه قُرّب إلى المصلى الذي كان يصلّي فيه » (٤).

وأن يلقن الشهادتين ، وأسماء الائمة عليهم‌السلام ، قال الباقر عليه‌السلام : « لو أدركت عكرمة عند الموت لعلمته كلمات ينتفع بها » قلت : جعلت فداك وما تلك الكلمات؟ قال : « هو ما أنتم عليه ، فلقنوا موتاكم عند الموت شهادة أن لا اله إلّا الله ، والولاية » (٥) وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لقنوا موتاكم لا إله إلّا الله ، فإن من كان آخر كلامه لا إله إلّا الله دخل الجنّة ) (٦).

وقال الصادق عليه‌السلام : « اعتقل لسان رجل من أهل المدينة على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي مات فيه ، فدخل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : ( قل لا اله إلّا الله ) فلم يقدر عليه ،

__________________

١ ـ المجموع ٥ : ١١٦ ، فتح العزيز ٥ : ١٠٦ ، الوجيز ١ : ٧٢.

٢ ـ الكافي ٣ : ١٢٦ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٨٥ / ٨٣٣.

٣ ـ شرح فتح القدير ٢ : ٦٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٩٠ ، شرح العناية ٢ : ٦٧ ، اللباب ١ : ١٢٥ ، المجموع ٥ : ١١٦ ، فتح العزيز ٥ : ١٠٦.

٤ ـ الكافي ٣ : ١٢٥ / ٢ ، التهذيب ١ : ٤٢٧ / ١٣٥٦.

٥ ـ الكافي ٣ : ١٢٣ / ٥ ، التهذيب ١ : ٢٨٧ ـ ٢٨٨ / ٨٣٨.

٦ ـ الفقيه ١ : ٧٨ / ٣٤٨ ، ثواب الأعمال : ٢٣٢ / ١ ، أمالي الصدوق : ٤٣٤ / ٥ ، وموارد الظمآن : ١٨٤ ، الباب ٩.

٣٣٨

فأعاد [ عليه ] (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يقدر عليه ، وعند رأس الرجل امرأة فقال لها : ( هل لهذا الرجل اُمٌّ؟ ) فقالت : نعم يا رسول الله أنا امه ، فقال لها : ( افراضية أنت عنه ، أم لا؟ ) فقالت : بل ساخطة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فإني احب أن ترضي عنه ) ، فقالت : قد رضيت عنه لرضاك يا رسول الله ، فقال له : ( قل لا إله إلّا الله ) ، فقال : لاإله إلّا الله ، فقال له (٢) : ( قل يا من يقبل اليسير ويعفوا عن الكثير إقبل مني اليسير واعف عني الكثير إنك أنت العفو الغفور ) ، فقالها ، فقال له : ( ماذا ترى؟ ) فقال : أرى أسودين قد دخلا علي ، فقال : ( أعدها ـ فأعادها ـ فقال : ما ترى؟ ) قال : قد تباعدا عني ودخل الابيضان ، وخرج الاسودان فما أراهما ، ودنا الابيضان مني يأخذان بنفسي ، فمات من ساعته » (٣).

وينبغي أن يلقن كلمات الفرج ، قال الصادق عليه‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دخل على رجل من بني هاشم وهو في النزع فقال : ( قل لا إله إلّا الله الحليم الكريم ، لا إله إلّا الله العلي العظيم ، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع ، وما فيهن وما بينهن ، وما تحتهن ، ورب العرش العظيم ، وسلام على المرسلين والحمد الله رب العالمين ) ، فقالها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الحمد لله الذي استنقذه من النار » (٤).

مسألة ١١٠ : ويستحب أن يقرأ عنده القرآن ، قال الكاظم عليه‌السلام لابنه

__________________

١ ـ زيادة من المصدر.

٢ ـ زياة من النسخة ( ش ).

٣ ـ الفقيه ١ : ٧٨ / ٣٥٠.

٤ ـ الكافي ٣ : ١٢٤ / ٩ ، الفقيه ١ : ٧٧ / ٣٤٦.

٣٣٩

القاسم : قم يا بني واقرأ عند رأس أخيك ( والصافات صفاً ) حتى تستتمها فلما بلغ ( أهم أشد خلقاً أم من خلقنا ) (١) قضى الفتى ، فلما سجي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له : كنا نعهد الميت إذا نزل به يقرأ عنده ( يس ) فصرت تأمر بالصافات ، فقال : « يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلّا عجل الله راحته » (٢).

وقال الشافعي وأحمد : يقرأ ( يس ) (٣) ، وقال بعض التابعين : يقرأ سورة الرعد (٤). وكل ذلك حسن ، وكما يستحب قراء‌ة القرآن قبل خروج الروح ، فكذا يستحب بعده استدفاعاً عنه.

ويكره أن يقبض على شيء من أعضائه إنّ حركها ، ولا يمنع منه ، ولا يظهر الجزع عليه ، لئلا تضعف نفسه فتكون إعانة على موته ، ويكره أن يحضره جنب ، أو حائض لقول الصادق عليه‌السلام : « لا تحضر الحائض الميت ، ولا الجنب عند التلقين ، ولا بأس أن يليا غسله » (٥) وقال علي بن أبي حمزة للكاظم عليه‌السلام : المرأة تقعد عند رأس المريض ـ وهي حائض ـ في حدّ الموت؟ فقال : « لا بأس أن تمرضه ، وإذا خافوا عليه وقرب ذلك فلتنح عنه وعن قربه ، فإن الملائكة تتأذى بذلك » (٦).

مسألة ١١١ : ويستحب أن يفعل بالميت بعد وفاته سبعة أشياء :

الأول : إغماض عينيه ، قالت زينب بنت ام سلمة : ولي رسول الله

__________________

١ ـ الصافات : ١١.

٢ ـ الكافي ٣ : ١٢٦ / ٥ ، التهذيب ١ : ٤٢٧ / ١٣٥٨.

٣ ـ الوجيز ١ : ٧٢ ، المجموع ٥ : ١١٥ ، فتح العزيز ٥ : ١١٠ ، مغني المحتاج ١ : ٣٣٠ ، المغني ٢ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٠٤ ، المحرر في الفقه ١ : ١٨٢.

٤ ـ المجموع ٥ : ١١٦ ، فتح العزيز ٥ : ١١٠ ، سبل السلام ٢ : ٥٣٧.

٥ ـ التهذيب ١ : ٤٢٨ / ١٣٦٢.

٦ ـ الكافي ٣ : ١٣٨ / ١.

٣٤٠