تاريخ مدينة دمشق - ج ٤٥

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٤٥

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

بنت عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي ، فولدت له نفرا ، وشهد عمرو بن أميّة بدرا وأحدا مع المشركين ، ثم أسلم حين انصرف المشركون عن أحد ، وكان رجلا شجاعا له إقدام ، ويكنى أبا أمية ، وهو الذي روى عنه أبو قلابة الجرمي عن أبي أمية.

قال محمّد بن عمر : فكان أول مشهد شهده عمرو بن أميّة مسلما بئر معونة في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة ، فأسرته بنو عامر يومئذ ، فقال له عامر بن الطفيل : إنه قد كان على أمّي نسمة فأنت حرّ عنها ، وجزّ ناصيته ، وقدم المدينة ، فأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتل من قتل من أصحابه ببئر معونة فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنت من بينهم» [٩٩٢٨] ـ يعني أفلتّ ولم تقتل كما قتلوا.

ولما دنا عمرو من المدينة منصرفا من بئر معونة لقي رجلين من بني كلاب فقاتلهما ثم قتلهما ، وقد كان لهما من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمان فوداهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهما القتيلان اللذان خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسببهما إلى بني النضير يستعينهم في ديتهما.

قال : وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمرو بن أميّة ومعه سلمة بن أسلم بن حريش الأنصاري سرية إلى مكة إلى أبي سفيان بن حرب ، فعلم بمكانهما فطلبا فتواريا ، وظفر عمرو بن أميّة في تواريه ذلك في الغار بناحية مكة بعبيد الله بن مالك بن عبيد الله (١) التيمي فقتله ، وعمد إلى خبيب بن عدي وهو مصلوب ، فأنزله عن خشبته ، وقتل رجلا من المشركين من بني الدّيل ، أعور ، طويلا (٢) ، ثم قدم المدينة ، فسرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقدومه ، ودعا له بخير.

وبعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى النجاشي بكتابين كتب بهما إليه في أحدهما أن يزوّجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وفي الآخر يسأله أن يحمل إليه من بقي عنده من أصحابه ، فزوجه النجاشي أم حبيبة ، وحمل إليه أصحابه في سفينتين ، وكانت لعمرو بن أميّة دار بالمدينة عند الحكاكين (٣) ـ يعني الخرّاطين ـ ومات بالمدينة في خلافة معاوية بن أبي سفيان.

أنبأنا أبو محمّد بن الآبنوسي ، ثم أخبرنا أبو الفضل بن ناصر عنه ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا أبو الحسين بن المظفّر ، أنا أحمد بن علي بن الحسن ، أنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم قال :

__________________

(١) أقحم بعدها بالأصل : «بن مالك بن عبيد الله» والمثبت يوافق م ، و «ز» ، وابن سعد.

(٢) بالأصل وم : طويل ، والمثبت عن «ز» ، وابن سعد.

(٣) في ابن سعد : الحداكين.

٤٢١

ومن بني ضمرة بن بكر (١) بن عبد مناة بن كنانة : عمرو بن أميّة الضمري ، وهو عمرو بن أميّة بن خويلد بن عبد الله بن إياس بن عبد بن ناشرة بن كعب بن جديّ بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة ، جاء عنه نحو من عشرة أحاديث.

أنبأنا أبو الغنائم الكوفي ، ثم حدّثنا أبو الفضل البغدادي ، أنا أبو الفضل بن خيرون ، وأبو الحسين بن الطّيّوري ، وأبو الغنائم ـ واللفظ له ـ قالوا : أنا أبو أحمد ـ زاد ابن خيرون : ومحمّد بن الحسن (٢) قالا : ـ أنا أحمد بن عبدان ، أنا محمّد بن سهل ، أنا محمّد بن إسماعيل (٣) قال : عمرو بن أميّة الضمري حجازي.

أخبرنا أبو الحسين الأبرقوهي ـ إذنا ـ وأبو عبد الله الخلّال ـ شفاها ـ قالا : أنا أبو القاسم بن مندة ، أنا أبو علي ـ إجازة ـ.

ح قال : وأنا أبو طاهر بن سلمة ، أنا علي بن محمّد.

قالا : أنا أبو محمّد بن أبي حاتم (٤) قال :

عمرو بن أميّة الضمري له صحبة ، روى عنه ابناه جعفر وعبد الله ابنا عمرو بن أميّة ، وابن أخيه الزّبرقان بن عبد الله.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النقور ، أنا عيسى بن علي ، أنا عبد الله بن محمّد قال : عمرو بن أميّة الضمري أبو أميّة ، سكن المدينة.

أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد ، أنا شجاع بن علي ، أنا أبو عبد الله بن مندة قال :

عمرو بن أميّة الضمري يكنى أبا أمية من بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة ، عداده في أهل الحجاز ، بعثه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسولا إلى النّجاشي ، روى عنه من ولده : جعفر ، وعبد الله ، والفضل بن عمرو ، وابن أخيه الزّبرقان ، توفي في أيام معاوية قبل سنة ستين.

أخبرنا أبو البركات بن المبارك ، أنا محمّد بن طاهر ، أنا مسعود بن ناصر ، أنا عبد الملك بن الحسن ، أنا أبو نصر البخاري قال (٥) :

__________________

(١) في «ز» : بكير.

(٢) الأصل : الحسين ، والتصويب عن م ، و «ز».

(٣) التاريخ الكبير للبخاري ٦ / ٣٠٧.

(٤) الجرح والتعديل ٦ / ٢٢٠.

(٥) كتاب الجمع بين رجال الصحيحين ١ / ٣٦٢ ـ ٣٦٣.

٤٢٢

عمرو بن أميّة الضمري سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، روى عنه ابنه جعفر في الوضوء.

قال الواقدي : بقي إلى دهر معاوية بن أبي سفيان بالمدينة ، ومات بها.

أنبأنا أبو علي الحداد ، قال : قال لنا أبو نعيم الحافظ :

عمرو بن أميّة الضمري ، وهو عمرو بن أميّة بن خويلد بن عبد الله بن إياس بن عبد بن ناشرة بن كعب بن جديّ بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة ، يكنى أبا أمية ، بعثه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عينا وحده إلى قريش ، فحلّ خبيب بن عدي من خشبته ، وبعثه وكيلا ورسولا إلى النجاشي ، فعقد له على أم حبيبة ، مهاجري قديم الإسلام من مهاجرة الحبشة ، ثم هاجر إلى المدينة حليف قريش ، حديثه عند أولاده : جعفر والفضل وعبد الله ، وابن أخيه الزّبرقان بن عبد الله أول مشهد شهده مسلما ببئر معونة ، توفي في أيام معاوية قبل السّتّين.

قرأت على أبي محمّد السّلمي ، عن أبي نصر بن ماكولا (١) قال :

أما جديّ : بضم الجيم وفتح الدال عمرو بن أميّة بن خويلد بن عبد الله بن إياس بن عبد بن ناشرة بن كعب بن جديّ بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة (٢) ، صحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشهد يوم بئر معونة ، ولم يفلت غيره ، خلّاه عامر بن الطفيل حين قال له : إني من مضر ، وأنفذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمس مرات : مرة إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام ، ومرة إلى النجاشي ، يخطب له أم حبيبة بنت أبي سفيان ، ومرة يقدم بجعفر بن أبي طالب ، ومرة إلى مسيلمة الكذاب ، ومرة ليقتل أبا سفيان بن حرب غيلة ، فحط خبيب بن عدي عن خشبته ، قاله ابن الكلبي.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن العباس ، أنا أبو بكر أحمد بن منصور ، أنا أبو سعيد بن حمدون ، أنا مكي بن عبدان قال : سمعت مسلم بن الحجاج يقول :

أبو أميّة عمرو بن أميّة الضمري صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قرأت على أبي الفضل بن ناصر ، عن جعفر بن يحيى ، أنا أبو نصر ، أنا الخصيب بن عبد الله بن الخصيب القاضي ، أنا أبو موسى عبد الكريم بن أبي عبد الرّحمن بن شعيب ،

__________________

(١) الاكمال لابن ماكولا ٢ / ٦٢ ـ ٦٣.

(٢) زيد في الاكمال : الضمري.

٤٢٣

أخبرني أبو عبد الرّحمن النّسائي قال : أبو أميّة عمرو بن أميّة الضمري.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا عيسى بن علي ، أنا أبو القاسم البغوي ، نا محمّد بن حميد الرازي ، نا ابن الفضل ، نا محمّد بن إسحاق ، عن عيسى بن معمر ، عن عبد الله بن علقمة بن أبي الفغواء الخزاعي ، عن أبيه (١) قال :

بعثني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمال إلى أبي سفيان بن حرب يعني يفرقه في فقراء قريش وهم مشركون يتألّفهم فقال لي : التمس صاحبا فلقيت عمرو بن أميّة الضمري قال : فأنا أخرج معك وأحسن صحبتك ، قال : فجئت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت : يا رسول الله إني قد وجدت صاحبا ، قال : «من؟» قلت : عمرو بن أميّة الضمري ، زعم أنه سيحسن صحبتي ، قال : «فهو إذن» ، فلما أجمعت المسير خلا بي دونه فقال : يا علقمة إذا بلغت بلاد بني ضمرة فكن من أخيك على حذر ، فإنّك قد سمعت قول القائل : أخوك البكري ولا تأمنه ، فخرجنا حتى إذا جئنا الأبواء (٢) وهي بلاد بني ضمرة قال عمرو بن أميّة : إنّي أريد أن آتي بعض قومي هاهنا لحاجة لي ، قلت : لا عليك ، فلمّا ولّى ضربت بعيري ، وذكرت ما أوصاني به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإذا هو والله قد طلع بنفر منهم معه معهم القسيّ والنّبل ، فلما رأيتهم ضربت بعيري ، فلمّا رآني قربت القوم أدركني فقال : جئت قومي وكانت لي إليهم حاجة ، فقلت : أجل ، فلما قدمت مكة دفعت المال إلى أبي سفيان ، فجعل أبو سفيان يقول : من رأى أبرّ من هذا؟ ولا أوصل ـ يعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنّا نجاهده ونطلب دمه ، وهو يبعث إلينا بالصلات يبرنا بها.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا الحسن بن (٣) علي ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، أنا الحارث بن أبي أسامة ، أنا محمّد بن سعد (٤) ، أنا محمّد بن عمر قال :

ثم سرية عمرو بن أميّة الضمري وسلمة بن أسلم بن حريش إلى أبي سفيان بن حرب بمكة.

__________________

(١) ترجمة علقمة بن أبي الفغواء في أسد الغابة ٣ / ٥٨٣.

(٢) الأبواء جبل لخزاعة وضمرة. وقيل : قرية من أعمال الفرع من المدينة ، وقيل : جبل على يمين آرة ، ويمين الطريق للمصعد إلى مكة من المدينة (راجع معجم البلدان).

(٣) «بن» كتبت تحت الكلام بين السطرين بالأصل.

(٤) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٢ / ٩٣ ـ ٩٤ تحت عنوان : ذكر عدد مغازية صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسراياه.

٤٢٤

وذلك أنّ أبا سفيان بن حرب قال لنفر من قريش : ألا أحد يغتال (١) محمّدا فإنه يمشي في الأسواق؟ فأتاه رجل من الأعراب فقال : قد وجدت أجمع الرجال قلبا ، وأشده بطشا وأسرعه شدّا ، فإن أنت قويتني خرجت إليه حتى أغتاله ، ومعي خنجر مثل خافية النسر ، فأسوره ثم آخذ في عير ، وأسبق القوم عدوا ، فإنّي هاد (٢) بالطريق خرّيت. قال : أنت صاحبنا ، فأعطاه بعيرا ونفقة وقال : اطو أمرك ، فخرج ليلا ، فسار على راحلته خمسا وصبّح ظهر الحرة صبح سادسة ، ثم أقبل يسأل عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى دلّ عليه ، فعقل راحلته ، ثم أقبل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو في مسجد بني عبد الأشهل ، فلمّا رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ هذا ليريد غدرا» فذهب ليجني على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجذبه أسيد بن الحضير بداخلة إزاره ، فإذا بالخنجر فسقط في يديه ، وقال : دمي دمي ، فأخذ أسيد بلبته فدعته ، فقال رسول الله : «أصدقني ما أنت؟» قال : وأنا آمن؟ قال : «نعم» ، فأخبره بأمره وما جعل له أبو سفيان ، فخلّى عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمرو بن أميّة ، وسلمة بن أسلم إلى أبي سفيان بن حرب وقال : إن أصبتما منه غرة فاقتلاه ، فدخلا مكة ومضى عمرو بن أميّة يطوف بالبيت ليلا ، فرآه معاوية بن أبي سفيان فعرفه ، فأخبر قريشا بمكانه فخافوه فطلبوه ، وكان فاتكا في الجاهلية ، وقالوا : لم يأت عمرو لخير ، فحشد له أهل مكة وتجمّعوا وهرب عمرو وسلمة ، فلقي عمرو عبيد الله بن مالك بن عبيد الله التيمي فقتله ، وقتل آخر من بني الدّيل سمعه يتغنى ويقول :

ولست بمسلم ما دمت حيّا

ولست أدين دين المسلمينا

ولقي رسولين لقريش بعثتهما (٣) يتجسسان (٤) الخبر ، فقتل أحدهما وأسر الآخر ، فقدم به المدينة ، فجعل عمرو يخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [خبره](٥) ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يضحك.

أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن الفضل ، أنا أبو بكر البيهقي (٦) ، أنا محمّد بن عبد الله

__________________

(١) تقرأ بالأصل ، و «ز» ، وم : يغتر ، والمثبت عن ابن سعد.

(٢) بالأصل وم و «ز» : هادي ، بإثبات الياء.

(٣) بالأصل : بعثهما ، والمثبت عن م و «ز» ، وابن سعد.

(٤) كذا بالأصل وم و «ز» ، وفي «ز» : يتحسبان الخبر.

(٥) سقطت من الأصل ، واستدركت عن م ، و «ز» ، وابن سعد.

(٦) رواه بطوله البيهقي في دلائل النبوة ٣ / ٣٣٣ وما بعدها تحت عنوان : باب سرية عمرو بن أمية الضمري إلى أبي سفيان بن حرب حين عرف ما كان همّ به من اغتياله.

ورواه أيضا الطبري في تاريخه ٢ / ٥٤٢ وما بعدها ، وابن كثير في البداية والنهاية ٤ / ٦٩ وما بعدها.

٤٢٥

أبو عبد الله الحافظ ، أنا محمّد بن أحمد بن بطّة الأصفهاني ، نا الحسن بن الجهم ، نا الحسين بن الفرج ، نا الواقدي ، حدّثني إبراهيم بن جعفر ، عن أبيه.

ح قال : ونا عبد الله بن أبي عبيدة ، عن جعفر بن عمرو بن أميّة الضمري.

قال : ونا عبد الله بن جعفر ، عن عبد الواحد بن أبي عون ـ وزاد بعضهم على بعض قال :

وكان أبو سفيان بن حرب قد قال لنفر من قريش بمكة : ما أحد يغتال محمّدا ، فإنه يمشي في الأسواق ، فيدرك ثأرنا ، فأتاه رجل من العرب ، فدخل عليه منزله وقال له : إن أنت قوّيتني (١) خرجت إليه حتى أغتاله ، فإنّي هاد (٢) بالطريق خرّيت ، ومعي خنجر مثل خافية النسر ، قال : أنت صاحبنا ، فأعطاه بعيرا ونفقة وقال اطو أمرك فإنّي لا آمن أن يسمع هذا أحد فينمّه (٣) إلى محمّد ، قال العربي : لا يعلم به أحد.

فخرج ليلا على راحلته ، فسار خمسا وصبّح ظهر الحرة ، صبح (٤) سادسة ، ثم أقبل يسأل عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أتى المصلّى ، فقال له قائل : قد وجه (٥) إلى بني عبد الأشهل ، فخرج يقود راحلته حتى انتهى إلى بني عبد الأشهل فعقل راحلته ، ثم أقبل يؤم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيجده في جماعة من أصحابه يتحدث في مسجدهم ، فدخل ، فلمّا رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأصحابه : «إن هذا الرجل يريد غدرا والله تعالى حائل بينه وبين ما يريده».

فوقف فقال : أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا ابن عبد المطلب» فذهبت يحني (٦) على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كأنه يسارّه فجبذه أسيد بن حضير وقال له : تنحّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجبذ بداخلة إزاره فإذا الخنجر فقال : يا رسول الله هذا غادر ، وأسقط في يد العربي وقال : دمي دمي ، يا محمّد وأخذ أسيد تلبيبه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اصدقني ما أنت؟ وما أقدمك؟ فإن صدقتني نفعك الصدق ، وإن كذبتني فقد اطّلعت على ما هممت به» قال العربي : فأنا آمن؟ قال : «فأنت آمن» ، فأخبره بخبر أبي سفيان وما جعل له ، فأمر به

__________________

(١) كذا بالأصل وم و «ز» والدلائل ، وفي البداية والنهاية : إن وفيتني.

(٢) بالأصل وم و «ز» : هادي.

(٣) بالأصل وم و «ز» : فينميه ، والمثبت عن الدلائل.

(٤) البداية والنهاية : يوم سادسة.

(٥) الدلائل : توجه.

(٦) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : يجني ، وفي الدلائل : ينحني.

٤٢٦

فحبس عند أسيد ، ثم دعا به من الغد فقال : «قد أمنتك فاذهب حيث شئت [أو](١) خير لك من ذلك»؟ قال : وما هو؟ فقال : «أن تشهد أن لا إله إلّا الله ، وأني رسول الله» قال : فأنا أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنك أنت رسول الله ، والله يا محمّد ما كنت أفرق فما هو إلّا أن رأيتك فذهب عقلي ، وضعفت نفسي ، ثم اطلعت على ما هممت به مما سبقت به الركبان ، ولم يعلمه أحد ، فعرفت أنك ممنوع ، وأنك على حقّ ، وأن حزب أبي سفيان حزب الشيطان ، فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتبسم ، وأقام وأقام أياما ثم استأذن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخرج من عنده ، ولم يسمع له بذكر.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمرو بن أميّة الضمري ولسلمة بن أسلم بن حريش : «اخرجا حتى تأتيا أبا سفيان بن حرب ، فإن أصبتما منه غرة فاقتلاه» ، قال عمرو : فخرجت أنا وصاحبي حتى أتينا بطن يأجج فقيّدنا بعيرنا ، فقال لي صاحبي : يا عمرو ، هل لك في أن تأتي (٢) مكة فتطوف بالبيت سبعا (٣) وتصلي ركعتين ، فقلت : إنّي أعرف بمكة من الفرس الأبلق ، وإنهم إن رأوني عرفوني ، وأنا أعرف بأهل مكة إنهم إذا أمسوا تضجعوا بأفنيتهم ، فأبي أن يطيعني فأتينا مكة ، فطفنا سبعا (٤) وصلينا ركعتين فلما خرجت لقيني معاوية بن أبي سفيان فعرفني ، وقال : عمرو بن أميّة؟ فأخبر أباه فنذر بنا أهل مكة فقالوا : ما جاء عمرو في خير ، وكان عمرو رجلا فاتكا في الجاهلية فحشد أهل مكة وتجمعوا وهرب عمرو وسلمة ، وخرجوا في طلبهما وأسندا (٥) في الجبل. قال عمرو : فدخلت غارا فتغيبت عنهم حتى أصبحت ، وباتوا يطلبون في الجبل ، وعمى الله عليهم طريق المدينة أن يهتدوا لراحلتنا ، فلما كان الغد ضحوة أقبل عبيد الله (٦) بن مالك بن عبيد الله التيمي يختلي لفرسه حشيشا فقلت لسلمة : إن أبصرنا أشعر بنا أهل مكة ، وقد أقصروا عنا ، فلم يزل يدنو من باب الغار حتى أشرف علينا ، فخرجت إليه فطعنته طعنة تحت الثدي بخنجري وسقط فصاح ، فأسمع أهل مكة ، فأقبلوا بعد تفرقهم ودخلت الغار وقلت لصاحبي : لا تحرك ، فأقبلوا حتى أتوا عبيد الله (٧) بن مالك فقالوا : من قتلك؟ قال : عمرو بن أميّة قال أبو سفيان : قد علمنا أنه لم

__________________

(١) زيادة عن الدلائل ، ومكان اللفظة في م و «ز» : «و».

(٢) كذا بالأصل وفي و «ز» والدلائل : نأتي .. فنطوف .. ونصلي.

(٣) بالأصل : اسبوعا.

(٤) بالأصل : اسبوعا.

(٥) كذا بالأصل وم ، و «ز» ، وفي الدلائل : واشتدوا.

(٦) في الدلائل : عثمان.

(٧) في الدلائل : عثمان.

٤٢٧

يأت عمرو لخير ، ولم يستطع (١) أن يخبرهم بمكاننا فإنه كان بآخر رمق ، فمات ، وشغلوا عن طلبنا بصاحبهم فحملوه ، فلبثنا ليلتين في مكاننا فقال صاحبي : يا عمرو بن أميّة هل لك في خبيب بن عدي ننزله (٢)؟ ، فقلت له : أين هو؟ قال : هو ذاك مصلوب حوله الحرس ، فقلت : أمهلني وتنحّ عني ، فإن خشيت شيئا فانج إلى بعيرك فاقعد عليه فائت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره الخبر ، ودعني ، فإني عالم بالمدينة ، ثم اشتددت عليه حتى حملته (٣) ، فحملته على ظهري ، فما مشيت به إلّا عشرين ذراعا حتى استيقظوا فخرجوا في طلب أثري ، فطرحت الخشبة ، فما أنسى وقعتها دب ، يعني صوتها ، ثم أهلت عليه من التراب برجلي ، فأخذت بهم طريق الصفيراء (٤) ، فأعيوا ورجعوا ، وكنت لا أدرك مع بقاء نفس ، فانطلق صاحبي إلى البعير فركبه ، وأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره ، وأقبلت حتى أشرفت على الغميم (٥) : غميم ضجنان (٦) فدخلت في غار فيه معي فرسي (٧) وأسهم وخنجر ، فبينما أنا فيه إذ أقبل رجل من بني بكر من بني الدّيل ، أعور ، طويل ، يسوق غنم (٨) معزى ، فدخل عليّ الغار وقال : من الرجل؟ فقلت : من بني بكر ، فقال : وأنا من بني بكر ، ثم اتكئ فرفع عقيرته يتغنى ويقول :

فلست بمسلم ما دمت حيّا

ولست أدين دين المسلمينا

فقلت في نفسي : والله إنّي لأرجو أن أقتلك ، قال : فلما نام (٩) قمت إليه فقتلته شر قتلة قتلتها أحدا قط ، ثم خرجت حتى هبطت ، فلمّا أسهلت بي الطريق ، إذا رجلان بعثتهما قريش يتجسسان الأخبار فقلت : استأسرا فأبى أحدهما فرميته فقتلته ، فلما رأى ذلك الآخر استأسر ، فشددته وثاقا ثم أقبلت به إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما قدمت المدينة رآني صبيان وهم يلعبون وسمعوا أشياخهم يقولون : هذا عمرو ، فاشتد الصبيان إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبروه ، فأتيته بالرجل قد ربطت

__________________

(١) بالأصل : يستطيع ، والتصويب عن م ، و «ز» ، والدلائل.

(٢) بالأصل : «منزلة» والمثبت عن م ، و «ز» ، والدلائل.

(٣) في الدلائل : حللته.

(٤) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : الصفير ، وفي الدلائل : الصفراء.

(٥) في الدلائل : الغليل : غليل ضجنان.

(٦) اللفظة إعجامها مضطرب بالأصل وم و «ز» ، والمثبت عن الدلائل ، وفي معجم البلدان قيدها بالتحريك ونونين :

ضجنان : جبيل على بريد من مكة ، وهناك الغميم في أسفله مسجد صلّى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٧) كذا بالأصل ، وفي م و «ز» ، والدلائل : قوسي.

(٨) كذا بالأصل وم و «ز» ، وفي الدلائل : غنما ومعزى.

(٩) بالأصل وم و «ز» : قام ، والمثبت عن الدلائل.

٤٢٨

إبهاميه بوتر قوسي ، فلقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يضحك ، ثم دعا لي بخير ، وكان قدوم سلمة قبل قدوم عمرو بثلاثة أيام.

أخبرنا أبو غالب محمّد بن الحسن ، أنا أبو الحسن السيرافي ، أنا أحمد بن إسحاق ، نا أحمد بن عمران ، نا موسى ، نا خليفة (١) ، قال في تسمية رسل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

بعث عمرو بن أمية الضمري بهدية إلى أبي سفيان بن حرب بمكة ، وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي بالحبشة.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا أبو الفضل بن خيرون ، أنا أبو القاسم بن بشران ، أنا أبو علي بن الصّوّاف ، نا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، نا أبي وعمّي أبو بكر قالا : نا حاتم بن إسماعيل ، عن يعقوب ، عن جعفر بن عمرو بن أميّة قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربعة نفر إلى أربعة وجوه ، فبعث عمرو بن أمية إلى النجاشي فلما أتى عمرو بن أميّة النجاشي وجد لهم بابا صغيرا يدخلون منه مكبّرين ، فلما رأى ذلك عمرو ولّى ظهره ودخل القهقرى.

قال : فشق ذلك على الحبشة في مجلسهم عند النّجاشي حتى همّوا به حتى قالوا للنجاشي : إنّ هذا لم يدخل كما دخلنا ، فقال : ما منعك أن تدخل كما دخلوا؟ قال : إنّا لا نصنع هذا بنبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولو صنعناه بأحد صنعناه به ، قال : صدق ، دعوه ، قالوا للنجاشي : إنّ هذا يزعم أن عيسى مملوك ، قال : فقال : ما تقولون في عيسى؟ قال : كلمة الله وروحه ، قال : ما استطاع عيسى أن يعدو ذلك.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا أبو محمّد الحسن بن علي الجوهري ، أنا أبو عمر محمّد بن العباس ، أنا أحمد بن معروف بن بشر ، نا الحارث بن أبي أسامة ، أنا محمّد بن سعد (٢) ، أنا محمّد بن عمر الأسلمي ، حدّثني معمر بن راشد ، ومحمّد بن عبد الله ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس.

قال : ونا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن المسور بن رفاعة.

__________________

(١) تاريخ خليفة بن خيّاط ص ٩٨.

(٢) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ١ / ٢٥٨ تحت عنوان : ذكر بعثة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الرسل بكتبه إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام.

٤٢٩

قال : ونا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال : ونا عمر بن سليمان بن أبي حثمة عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن جدته الشّفاء قال : ونا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن محمّد بن يوسف ، عن السائب بن يزيد ، عن العلاء بن الحضرمي قال : ونا معاذ بن محمّد الأنصاري ، عن جعفر بن عمرو بن جعفر بن عمرو بن أميّة الضمري عن أهله عن عمرو بن أميّة الضمري دخل حديث بعضهم في حديث بعض.

قالوا : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ستّ أرسل الرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام ، وكتب إليهم كتبا ، فقيل : يا رسول الله إنّ الملوك لا يقرءون كتابا إلّا مختوما ، فاتّخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ خاتما من فضة ، فصه منه ، نقشه ثلاثة أسطر : محمّد رسول الله ، وختم به الكتب ، فخرج ستة نفر منهم في يوم واحد وذلك في المحرم سنة سبع ، وأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه إليهم ، فكان أوّل رسول بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمرو بن أميّة الضمري إلى النجاشي ، وكتب له كتابين يدعوه في أحدهما إلى الإسلام ويتلو عليه القرآن ، فأخذ كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوضعه على عينيه ، ونزل من سريره فجلس على الأرض تواضعا ، ثم أسلم وشهد شهادة الحقّ ، وقال : لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته ؛ وكتب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإجابته وتصديقه وإسلامه على يدي جعفر بن أبي طالب لله رب العالمين ، وفي الكتاب الآخر : يأمره أن يزوّجه أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب ، وكانت قد هاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش الأسدي ، فتنصر هناك ومات ، وأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الكتاب أن يبعث إليه بمن قبله من أصحابه ويحملهم ، ففعل ، وزوّجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وأصدق عنه أربعمائة دينار ، وأمر بجهاز المسلمين وما يصلحهم ، وحملهم في سفينتين مع عمرو بن أميّة الضمري ، ودعا بحقّ من عاج فجعل فيه كتابي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : لن تزال الحبشة بخير ما كان هذان الكتابان بين أظهرها.

وقد تقدم أن عمرا توفي في خلافة معاوية قبل الستين.

٥٣١٥ ـ عمرو بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص

ابن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي (١)

وفد على هشام بن عبد الملك.

__________________

(١) لم يذكر مصعب في نسب قريش ابنا لأمية اسمه عمرو ، ومثله ابن حزم في جمهرة أنساب العرب ، وذكرا : إسماعيل بن أمية فقيه أهل مكة.

٤٣٠

ذكر أبو محمّد عبد الله بن سعد القطربلي في كتاب محاورات قريش ، قال : قدم عمرو بن أمية بن عمرو بن سعيد على هشام فجفاه فقال :

لعمرك للربيع أقلّ دينا

وأكثر صامتا منّي مرارا

وأفضل زائرا منّي مرارا

وأجدر بالرّصافة أن يزارا

الربيع صاحب هشام ، وكان الربيع كاتبا لهشام ثم استحجبه.

ولم أجد ذكر عمرو بن أمية هذا إلّا من هذا الوجه.

آخر الجزء السابع والسبعين بعد الثلاثمائة من الأصل (١).

٥٣١٦ ـ عمرو بن بحر بن محبوب

أبو عثمان البصري المعروف بالجاحظ (٢)

حدّث عن حجّاج بن محمّد الأعور المصّيصي ، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي ، وثمامة بن أشرس النّميري المتكلم.

حكى عنه : أبو سعيد الحسن بن علي العدوي ، وأبو بكر عبد الله (٣) بن أبي داود ، ودعامة بن الجهم ، وأبو العباس محمّد بن يزيد المبرّد الأزدي ، ويموت بن المزرّع ، وأبو العيناء محمّد بن القاسم ، وأبو دلف هاشم بن محمّد الخزاعي.

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الفقيه نا ـ وأبو منصور بن زريق ، أنا ـ أبو بكر الخطيب (٤) ، نا أبو الحسن علي بن أحمد النعيمي إملاء من حفظه نا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد ، نا عبد الله بن سليمان بن الأشعث قال :

__________________

(١) كتب بعدها في «ز» : بلغت سماعا بقراءتي على سيدنا الإمام الورع زين الأمناء أبي البركات الحسن بن محمّد بن هبة الله الشافعي بسماعه فيه والملحق فبإجازته منه ، وأبو موسى عيسى بن سليمان بن عبد الله بن عبد الملك الرعيني الزيدي ، وكتب محمّد بن يوسف بن محمّد بن أبي يداس البرزالي الإشبيلي وعارض الأصل وذلك ببستان المسمع على نهر سوره يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر رجب سنة سبع عشرة وستمائة.

والحمد لله وحده ، وصلاته على محمّد نبيه وسلامه.

(٢) ترجمته في تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٢ ومعجم الأدباء ١٦ / ٧٤ بغية الوعاة ٢ / ٢٢٨ وفيات الأعيان ٣ / ٤٧٠ وميزان الاعتدال ٣ / ٢٤٧ والعبر ١ / ٤٥٦ ولسان الميزان ٤ / ٣٥٥ وسير أعلام النبلاء ١١ / ٥٢٦.

(٣) في «ز» : عبيد الله.

(٤) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٣.

٤٣١

دخلت على عمرو بن بحر الجاحظ ، فقلت له : حدّثني بحديث ، فقال : نا حجاج بن محمّد ، نا حمّاد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلّا المكتوبة» [٩٩٢٩].

قال النعيمي لا أعلم لحجّاج بن محمّد عن حمّاد بن سلمة غير هذا الحديث. قال الخطيب : حدّثني العتيقي بلفظه (١) :

وأخبرنا أبو الحسين بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن الحسن بن أبي الحديد ، أنا جدي أبو عبد الله الحسن بن أحمد ، أنا أبو الحسن أحمد بن محمّد العتيقي ـ بدمشق ـ.

نا محمّد بن عبد الله بن المطّلب الشيباني ـ بالكوفة ـ نا أبو بكر بن أبي داود قال : كنت بالبصرة ، فأتيت منزل الجاحظ عمرو بن بحر ، فاستأذنت عليه ، فاطّلع إليّ من خوخة (٢) ، فقال ـ زاد ابن أبي الحديد : لي ، وقالا : ـ من هذا؟ فقلت : رجل من أصحاب الحديث ، فقال : ومتى عهدتني أقول بالحشوية ، فقلت : إنّي ابن أبي داود ، فقال : مرحبا بك ، وبأبيك ، فنزل ، ففتح لي ، وقال ـ زاد ابن أبي الحديد : لي وقالا : ـ ادخل ، أيش تريد؟ فقلت : تحدّثني بحديث ، فقال : اكتب ، نا حجّاج عن حمّاد عن ثابت عن أنس : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى على طنفسة [٩٩٣٠].

قلت : حديثا آخر ، فقال : ابن أبي داود لا يكذب.

قال الخطيب (٣) : وقرئ على محمّد بن الحسن الأهوازي ـ وأنا أسمع فأقرّ به ـ قيل له حدّثكم أبو علي أحمد بن محمّد الصولي ـ بالأهواز ـ نا دعامة بن الجهم ، نا عمرو بن محبوب الجاحظ ، نا أبو يوسف القاضي قال :

تغديت عند هارون الرشيد ، فسقطت من يدي لقمة ، فانتثر ما كان عليها من الطعام ، فقال : يا يعقوب خذ لقمتك ، فإن المهدي حدّثني عن أبيه المنصور ، عن أبيه محمّد بن علي ، عن أبيه علي بن عبد الله ، عن أبيه ابن عبّاس قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أكل ما سقط من الخوان فرزق أولادا كانوا صباحا» [٩٩٣١].

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٣.

(٢) الخوخة : كوة تؤدي الضوء إلى البيت (القاموس المحيط).

(٣) تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٣ ـ ٢١٤.

٤٣٢

ذكر أبو عثمان الجاحظ في كتاب الحيوان قال (١) : واحتاج أصحابنا إلى التّسليم (٢) من عضّ البراغيث أيام كنا بدمشق ، ودخلنا أنطاكية فاحتالوا لبراغيثها بالأسرة ، فلم ينتفعوا بذلك ، لأن براغيثهم تمشي وبراغيثهم نوعان : الأبجل والبقّ.

وقال أبو العنبس الصّيمري : وجدت عن الجاحظ أنه قال : سافرت مع الفتح ـ يعني ابن خاقان ـ إلى دمشق ، وذكر حكاية.

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، وأبو منصور بن زريق ، قالا : قال لنا أبو بكر الخطيب (٣) :

عمرو بن بحر ـ زاد ابن زريق : بن محبوب ، وقالا : ـ أبو عثمان الجاحظ المصنّف الحسن الكلام ، البديع التصانيف ، كان من أهل البصرة ، وأحد شيوخ المعتزلة ، وقدم بغداد ، فأقام بها مدة ، وقد أسند عنه أبو بكر بن أبي داود الحديث ، وهو كنّاني قيل صليبة وقيل مولى ، وكان تلميذ أبي إسحاق النظام.

أخبرنا أبو منصور بن زريق ، أنا أبو بكر الخطيب (٤) قال :

وذكر يموت بن المزرّع أن الجاحظ عمرو بن بحر بن محبوب مولى أبي القلمس عمرو بن قلع الكناني ، ثم الفقيمي ، وهو أحد النسأة (٥) ، وكان جد الجاحظ أسود ، وكان حمّالا لعمرو بن قلع ، قال يموت : والجاحظ خال أمّي (٦).

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا ـ وأبو منصور بن زريق ، أنا ـ أبو بكر الخطيب (٧) ، أخبرني محمّد بن الحسين الأزرق ، أنا محمّد بن الحسن بن زياد الموصلي أنه سمع أبا بكر العمري (٨) ، قال : سمعت الجاحظ يقول : نسيت كنيتي ثلاثة أيام ، فأتيت أهلي فقلت : بمن أكنى؟ فقالوا (٩) : بأبي عثمان.

__________________

(١) كتاب الحيوان للجاحظ ت هارون ٥ / ٣٧٣.

(٢) الحيوان : التسلّم.

(٣) تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٢ ـ ٢١٣.

(٤) تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٣.

(٥) كذا بالأصل ، وتاريخ بغداد ، وفي م : القضاة ، وفي «ز» : النساك وبهامش تاريخ بغداد : النسأة : الذين كانوا ينسئون الشهر الحرام إلى الحل بمكة أيام الموسم.

(٦) كذا بالأصل وم و «ز» وتاريخ بغداد ، وفي سير أعلام النبلاء : يموت ابن المزرع ابن أخته.

(٧) تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٤.

(٨) كذا بالأصل وم و «ز» ، وفي تاريخ بغداد : العمي.

(٩) بالأصل : فقال ، والمثبت عن م ، و «ز» ، وتاريخ بغداد.

٤٣٣

أخبرنا أبو الحسن بن أبي العباس المالكي ، وأبو منصور محمّد بن عبد الملك الشافعي ـ قال أبو الحسن : حدّثنا ، وقال أبو منصور : أنا ـ أبو بكر أحمد بن علي الحافظ (١) ، أخبرني أبو الفرج الحسين بن عبد الله بن أبي علّانة (٢) المقرئ ، أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن سلم ، نا أبو دلف هاشم بن محمّد الخزاعي ، نا عمرو بن بحر الجاحظ ـ سنة ثلاث وخمسين ومائتين ـ حدّثني ثمامة بن أشرس قال :

شهدت رجلا يوما من الأيام وقد قدم خصما له إلى بعض الولاة ، فقال : أصلحك الله ، ناصبي ، رافضي ، جهمي ، مشبّه ، مجبر ، قدري يشتم الحجاج بن الزبير الذي هدم الكعبة على عليّ بن أبي سفيان ، ويلعن معاوية بن أبي طالب ، فقال له الوالي : ما أدري مما أتعجب! من علمك بالأنساب ، أو من معرفتك بالمقالات؟ فقال : أصلحك الله ما خرجت من الكتّاب حتى تعلّمت هذا كله.

كتب إليّ أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسين ، أنا أبو (٣) عبد الله الحافظ ، حدّثني.

وأخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا ـ وأبو منصور بن زريق ، أنا ـ أبو بكر الخطيب (٤).

أخبرني محمّد بن أحمد بن يعقوب ، أنا محمّد بن نعيم الضّبّي ، نا أبو بكر محمّد بن جعفر المزكي ، نا علي بن القاسم الأديب الخوافي ، حدّثني بعض إخواني أنه دخل على عمرو بن محبوب الجاحظ فقال : يا أبا عثمان كيف حالك؟ فقال له الجاحظ : سألتني عن الجملة فاسمعها مني واحدا واحدا ، حالي أن الوزير يتكلم برأيي وينفذ أمري ويؤاثر الخليفة الصلات إلي ، وآكل من لحم الطير أسمنها ، وألبس من الثياب ألينها ، وأجلس على ألين الطبري ، وأتكئ على هذا الريش ، ثم أصبر (٥) على هذا حتى يأتي الله بالفرج ، فقال له الرجل : الفرج ، ما أنت فيه؟ قال : بل أحبّ أن تكون الخلافة لي ، ويعمل محمّد بن عبد الملك بأمري ، ويختلف إليّ ، فهذا هو الفرج.

أخبرنا أبو الحسن أيضا ، نا وأبو منصور بن زريق ، أنا ـ أبو بكر الخطيب (٦) ، أخبرني

__________________

(١) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٧ / ١٤٦ في ترجمة ثمامة بن أشرس.

(٢) بالأصل وم و «ز» : علاقة ، والمثبت عن تاريخ بغداد.

(٣) «أبو» ليس في «ز».

(٤) تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٨ ـ ٢١٩.

(٥) تاريخ بغداد : أسير.

(٦) تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٤.

٤٣٤

الصّيمري ، أنا أبو عبيد الله محمّد بن عمران المرزباني ، حدّثني محمّد بن العباس ، نا محمّد بن يزيد المبرّد قال : سمعت الجاحظ يقول لرجل آذاه : أنت والله أحوج إلى هوان من كريم إلى إكرام (١) ، ومن علم إلى عمل ، ومن قدرة إلى عفو ، ومن نعمة إلى شكر.

قال الخطيب (٢) : وأخبرني محمّد بن الحسن الأهوازي ، نا أيزدنار بن سليمان الفارسي قال : سمعت أبي يقول : سمعت أبا سعيد الجنديسابوري يقول : سمعت الجاحظ يصف اللسان قال :

هو أداة يظهر بها البيان ، وشاهد يعبر عن الضمير ، وحاكم يفصل الخطاب ، وناطق يرد به الجواب ، وشافع تدرك به الحاجة ، وواصف تعرف به الأشياء ، وواعظ ينهى عن القبيح ، ومعزّ (٣) يرد الأحزان ، ومعتذر يرفع الضغينة ، وملة يوثق الأسماع ، وزارع يحدث المودّة ، وحاصد يستأصل العداوة ، وشاكر يستوجب المزيد ، ومادح يستحق الزلفة ، ومؤنس (٤) يذهب بالوحشة.

أخبرنا أبو العزّ بن كادش ، أنا أبو يعلى بن الفراء ، أنا أبو القاسم إسماعيل بن سعيد بن إسماعيل المعدل ، أنا أبو علي الحسين بن القاسم بن جعفر الكوكبي ، حدّثني أحمد بن صدقة قال : سمعت الجاحظ يقول :

قليل الموعظة مع نشاط الموعوظ ، خير من كثير وافق من الأسماع نبوة ، ومن القلوب ملالة.

أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن أبي صالح أحمد بن عبد الملك ، أنا أبي أبو صالح ، أنا أبو عبد الرّحمن محمّد بن الحسين السّلمي ، أنا نصر بن محمّد بن أحمد بن يعقوب قال : سمعت منصور بن أحمد بن جعفر بطرسوس قال : سمعت الحسن بن علي بن زفر قال : سمعت عمرو بن بحر الجاحظ قال (٥) :

خمس يضنين : سراج لا يضيء ، ورسول بطيء ، وطعام ينتظر به ، وإبريق يسيل ، وبيت يكف.

__________________

(١) الأصل : كرام ، والمثبت عن م و «ز» وتاريخ بغداد.

(٢) تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٨.

(٣) غير مقروءة بالأصل ونميل إلى قراءتها : «مغن» فيه وفي م ، وفي «ز» : مغز ، والمثبت عن تاريخ بغداد.

(٤) تقرأ بالأصل : «وموسر» والمثبت عن م ، و «ز» ، وتاريخ بغداد.

(٥) «قال» استدركت على هامش «ز».

٤٣٥

أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أنا أبو القاسم التّنوخي ، نا أبو المفضل محمّد بن عبد الله الشّيباني ، نا أبو سعد داود بن الهيثم ـ بالأنبار ـ نا المبرّد قال :

رأيت الجاحظ يكتب شيئا ، فتبسم فقلت : ما يضحكك إذا لم يكن القرطاس صافيا ، والمداد ناميا والعلم مواتيا ، والقلب خاليا فلا عليك أن تكون غائبا.

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا ـ وأبو منصور بن زريق ، أنا ـ أبو بكر الخطيب (١).

أخبرني الحسن بن محمّد الخلّال ، نا أحمد بن محمّد بن عمران ، نا محمّد بن يحيى النديم ، نا يموت بن المزرّع قال : قال لنا عمرو بن بحر الجاحظ : ما غلبني قطّ أحد إلّا رجل وامرأة ، فأمّا الرجل فإنّي كنت مجتازا في بعض الطرق ، فإذا أنا برجل قصير بطين كبير الهامة ، طويل اللحية ، متّزر بمئزر ، وبيده مشط يسقي به شقه ويمشطها بيده (٢) ، فقلت في نفسي : رجل قصير بطين ألحى فاستزريته ، فقلت : أيها الشيخ ، قد قلت فيك شعرا ، قال : فترك المشط من يده وقال : قل ، فقلت :

كأنّك صعوة في أصل حشّ

أصاب الحشّ طش بعد رش

فقال لي : اسمع جواب ما قلت ، قلت : هات ، فقال :

كأنّك كندب في ذنب كبش

تدلدل هكذا والكبش يمشي

وأما المرأة فإنّي كنت مجتازا في بعض الطرقات ، فإذا أنا بامرأتين ، وكنت راكبا (٣) على حمارة فضرطت الحمارة ، فقالت إحداهما للأخرى : وأي حمارة الشيخ تضرط ، فغاظني قولها ، فأعننت (٤) ، ثم قلت لهما : إنّه ما حملتني أنثى قط إلّا ضرطت ، فضربت بيدها على كتف الأخرى وقالت : كانت أم هذا منه تسعة أشهر في جهد جهيد.

قال (٥) : وأنا القاضي أبو العلاء الواسطي ، ثنا محمّد بن عبيد الله النّيسابوري قال : سمعت أبا بكر محمّد بن أحمد بن بالوية يقول : سمعت أبا بكر محمّد بن إسحاق يقول :

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٦.

(٢) كذا بالأصل وم و «ز» ، وفي تاريخ بغداد : ويمشطها به.

(٣) الأصل : راكب ، والمثبت عن م ، و «ز» ، وتاريخ بغداد.

(٤) غير واضحة بالأصل وم و «ز» ، والمثبت عن تاريخ بغداد.

(٥) القائل : أبو بكر الخطيب ، والخبر في تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٧.

٤٣٦

قال لي إبراهيم بن محمود ـ ونحن ببغداد : ـ ألا ندخل على عمرو بن بحر الجاحظ؟ فقلت : ما لي وله؟ قال : إنّك إذا انصرفت إلى خراسان سألوك عنه ، فلو دخلت عليه وسمعت كلامه ، ثم لم [يزل](١) بي حتى دخلت عليه يوما ، فقدم إلينا طبقا عليه رطب ، فتناولت منه ثلاث رطبات وأمسكت ، ومرّ فيه إبراهيم ، فأشرت إليه أن يمسك ، فرمقني الجاحظ فقال لي : دعه يا فتى ، فقد كان عندي في هذه الأيام بعض إخواني ، فقدمت إليه الرطب فامتنع ، فحلفت عليه ، فأبى إلّا أن يبرّ قسمي بثلاثمائة رطبة.

أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أنا أبو محمّد الحسن بن عيسى بن المقتدر ، نا أحمد بن منصور اليشكري ، نا بعض مشيختنا قال محمّد بن عمر بن جميل ، نا أحمد بن محمّد البلاذري ، نا محمّد بن عبد الله بن القاسم العمري قال : سمعت الجاحظ يقول :

رأيت جارية ببغداد في سوق النّخّاسين ينادى عليها ، فدعوت بها ، وجعلت أقلّبها ، فقلت لها : ما اسمك؟ قالت : مكة ، قلت : الله أكبر ، قد قرّب الله الحج ، أتأذنين أن أقبّل الحجر الأسود؟ قالت : إليك عنّي أولم تسمع الله تعالى يقول : (لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ)(٢).

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا ـ وأبو منصور بن زريق ، أنا ـ أبو بكر الخطيب (٣) ، أنا الصّيمري ، أنا المرزباني ، أخبرني محمّد بن يحيى ، نا أبو العيناء قال : كان الجاحظ يأكل مع محمّد بن عبد الملك الزيات فجاءوا بفالوذجة ، فتولع محمّد بالجاحظ وأمر أن يجعل من جهته مارق من الجام ، فأسرع في الأكل ، فتنظف ما بين يديه ، فقال ابن الزيات : تقشعت سماؤك قبل سماء الناس ، فقال له الجاحظ : لأن غيمها كان رقيقا.

قال (٤) : ونا أبو العيناء قال : كنت عند ابن أبي داود (٥) بعد قتل ابن الزيات فجيء بالجاحظ مقيدا ـ وكان في أسبابه وناحيته ـ وعند ابن أبي داود محمّد بن منصور ـ وهو إذ ذاك يلي قضاء فارس وخوزستان ـ فقال ابن أبي دواد للجاحظ : ما تأويل هذه الآية (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)(٦) فقال : تلاوتها تأويلها أعزّ الله

__________________

(١) زيادة عن «ز» ، وم ، وتاريخ بغداد.

(٢) سورة النحل ، الآية : ٧.

(٣) تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٧ ـ ٢١٨.

(٤) القائل : أبو بكر الخطيب ، والخبر في تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٨.

(٥) بالأصل وم و «ز» ابن أبي داود تصحيف ، والتصويب عن تاريخ بغداد ، وقد صححت في كل مواضع الخبر.

(٦) سورة هود ، الآية : ١٠٢.

٤٣٧

القاضي ، فقال (١) : جيئوا بحداد ، فقال : أعزّ الله القاضي (٢) ليفك أو ليزيدني؟ قال : بل ليفكّ عنك ، قال : فجيء بالحداد ، فغمزه بعض أهل المجلس أن يعنف بساق الجاحظ ويطيل أمره قليلا ، ففعل ، فلطمه الجاحظ فقال : اعمل عمل شهر في يوم ، وعمل يوم في ساعة ، وعمل ساعة في لحظة فإنّ الضرر على ساقي وليس بجذع ولا ساجة ، فضحك ابن أبي دواد ، وأهل المجلس منه ، وقال ابن أبي دواد لمحمّد بن منصور : أنا أثق بظرفه ، ولا أثق بدينه.

قال (٣) : وأخبرني الصّيمري ، أنبأ المرزباني ، نا أبو بكر الجرجاني ، نا المبرد قال : حدّثني الجاحظ قال :

وقفت أنا وأبو حرب على قاص (٤) فأردت الولوع به ، فقلت لمن حوله : إنّه رجل صالح لا يحب الشهرة فتفرّقوا ، عنه ، فتفرقوا ، فقال لي : الله حسيبك إذا لم ير الصياد طيرا كيف يمد شبكته؟

أخبرنا خالي أبو المعالي محمّد بن يحيى بن علي القاضي ، أنا سهل بن بشر الإسفرايني ، أنا أبو الحسن محمّد بن الحسين بن أحمد بن السّري النيسابوري ـ بمصر ـ أنا أبو محمّد الحسن بن رشيق العسكري ، نا يموت بن المزرّع قال : سمعت خالي عمرو بن بحر الجاحظ يقول :

أمليت (٥) على إنسان مرة : أنا عمرو ، فاستملى : أنا بشر ، وكتب أنا زيد (٦).

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، حدّثنا ـ وأبو منصور بن زريق ، أنبأ ـ أبو بكر بن الخطيب (٧) ، أنا الحسن بن الحسين بن العباس النّعالي ، أنا أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني ، أنا يحيى بن علي ، حدّثني أبي قال : قلت للجاحظ : إنّي قرأت في فصل من كتابك المسمى كتاب البيان والتبيين (٨) : إنّ مما يستحسن من النساء اللحن في الكلام ،

__________________

(١) ما بين الرقمين استدرك على هامش «ز».

(٢) ما بين الرقمين استدرك على هامش «ز».

(٣) تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٧.

(٤) بالأصل وم : وقاض ، المثبت عن «ز» ، تاريخ بغداد.

(٥) استدركت «أمليت» على هامش «ز».

(٦) كتب بعدها في م : إلى هنا انتهى هذا الجزء المبارك بحمد الله وعونه وصلّى الله على سيدنا محمّد وآله وسلم.

يتلوه إن شاء الله تعالى : أخبرنا أبو الحسن بن قبيس وأبو منصور بن زريق ، أنا أبو بكر الخطيب ، أنا الحسن بن الحسين بن العباس النعالي أنا أبو الفرج إلى آخره.

(٧) تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٤.

(٨) كتب بعدها في «ز» : تم هذا الجزء الثالث عشر من تاريخ ابن عساكر بقلم الفقير محمّد أحمد فتح الله على التمام والكمال والحمد لله بتاريخ اليوم الثاني من شهر الله المحرم سنة ١٣٣٨.

٤٣٨

واستشهدت ببني مالك بن أسماء ، يعني قوله (١) :

وحديث ألذه هو مما

ينعت الناعتون يوزن وزنا

منطق صائب ويلحن أحيا

نا وخير الحديث ما كان لحنا

قال : هو كذاك ، قلت : أفما سمعت بخبر هند بنت أسماء بن خارجة مع الحجاج حين لحنت في كلامها فعاب ذلك عليها ، فاحتجت ببيتي أخيها ، فقال لها : إنّ أخاك أراد أن المرأة فطنة ، فهي تلحن بالكلام إلى غير المعنى في الظاهر ، لتستر معناه ، وتوري عنه ، وتفهمه من أرادت بالتعريض ، كما قال [الله تعالى](٢)(وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)(٣) ولم يرد الخطأ من الكلام ، والخطأ لا يستحسن من أحد.

فوجم الجاحظ ساعة ثم قال : لو سقط إليّ هذا الخبر لما قلت ما تقدّم ، فقلت له : فأصلحه ، فقال : الآن وقد سار الكتاب في الآفاق؟ هذا لا يصلح ، أو نحو هذا من الكلام.

قال (٤) : وأنا محمّد بن الحسن بن أحمد الأهوازي ، أنشدنا الحسن بن عبد الله البغوي ، أنشدنا علي بن أحمد بن هشام ، أنشدنا أبو العيناء للجاحظ (٥) :

يطيب العيش أن تلقي حكيما

غذاه العلم والظّنّ المصيب

فيكشف عنك حيرة كلّ جهل

وفضل العلم يعرفه الأديب

سقام الحرص ليس له شفاء

وداء الجهل ليس له طبيب

قال (٦) : وأخبرني الصّيمري ، أنا المرزباني ، أنا أبو بكر الجرجاني ، أنشدنا المبرّد للجاحظ : (٧)

إن حال لون الرّأس عن حاله

ففي خضاب الرّأس مستمتع

هب من له شيب له حيلة

فما الذي يحتاله الأصلع

قال (٨) : وأخبرني الصّيمري ، أخبرني المرزباني ، حدّثني أحمد بن محمّد المكي ،

__________________

(١) تقرأ بالأصل : قراءة ، والمثبت عن م و «ز».

(٢) الزيادة عن م ، و «ز» ، وتاريخ بغداد.

(٣) سورة محمّد ، الآية : ٣٠.

(٤) القائل : أبو بكر الخطيب ، والخبر في تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٥.

(٥) بالأصل : الجاحظ.

(٦) القائل : أبو بكر الخطيب ، والخبر في تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٥.

(٧) بالأصل : الجاحظ.

(٨) القائل : أبو بكر الخطيب ، والخبر في تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٥.

٤٣٩

حدّثني أبو العيناء عن إبراهيم بن رباح (١) قال : أتاني جماعة من الشعراء ، فأنشدوني ، كلّ واحد منهم يدعي أنه مدحني بهذه الأبيات وأعطى كلّ واحد منهم عليها وهي :

بدا حين أثرى (٢) بإخوانه

ففلّل عنهم شباة العدم

وذكره الدّهر صرف الزمان

فبادر قبل انتقال النّعم

فتى خصه الله بالمكرما

ت فمازج منه الحياء الكرم

إذا همّة قصرت عن يد

تناولها بجزيل (٣) الهمم

فلا ينكت (٤) الأرض عند السؤا

ل ليقطع زوّاره عن نعم

قال إبراهيم : فكان اللاحقي منهم ، وأحسبها له ، ثم آخر من جاءني الجاحظ وأنا والي الأهواز ، فأعطيته عليها مالا ، ثم كنت عند ابن أبي دواد (٥) فدخل إلينا الجاحظ ، فالتفت إلى ابن أبي دواد (٦) فقال : يا أبا إسحاق قد امتدحت بأشعار كثيرة ما سمعت شيئا وقع في قلبي وقبلته نفسي مثل أبيات مدحني بها أبو عثمان ، ثم أنشدنيها بحضرته.

بدا حين أترى بإخوانه.

فقلت وجد (٧) ـ أيدك الله ـ مقالا ، فقال : وعجبت من عمرو وسكوته (٨) ، ولم أذكر من ذلك شيئا.

أخبرنا (٩) أبو محمّد عبد الجبّار بن محمّد بن أحمد الفقيه قال : سمعت أبا سعيد عبد الواحد بن عبد الكريم يقول : سمعت الحسن بن محمّد الصوفي يقول : أنا أبو الحسن محمّد بن صدقة ، حدّثني عبد الواحد بن قسيم بن مضر ، نا أحمد بن إسماعيل السّقطي قال : سمعت أبا سعيد البصري قال :

__________________

(١) في «ز» ، وتاريخ بغداد : رياح.

(٢) تقرأ بالأصل : أبين ، وفي م : انزل ، والمثبت عن «ز» ، والمختصر ، وتاريخ بغداد.

(٣) بالأصل : تحريك ، تصحيف ، والمثبت عن م ، و «ز» ، وتاريخ بغداد.

(٤) تقرأ بالأصل وم : يفلت ، والمثبت عن «ز» ، وتاريخ بغداد.

(٥) بالأصل و «ز» : داود ، تصحيف ، والتصويب عن م وتاريخ بغداد.

(٦) بالأصل و «ز» : داود ، تصحيف ، والتصويب عن م وتاريخ بغداد.

(٧) في م : وجد ، وفي «ز» : وخذ.

(٨) بالأصل : وسلوته ، والمثبت عن م ، و «ز» ، وتاريخ بغداد.

(٩) فوقها في «ز» : «ح» صغيرة.

٤٤٠