الزهور المقتطفة من تاريخ مكّة المشرّفة

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

الزهور المقتطفة من تاريخ مكّة المشرّفة

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: دكتور مصطفى محمّد حسين الذّهبي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٧

الباب العاشر

فى ثواب دخول الكعبة المعظمة ، وفيما جاء من

الأخبار الموهمة لعدم استحباب ذلك ، وفيما يطلب

فيها من الأمور التى صنعها فيها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر

الصلاة فيها وآداب دخولها

[ثواب دخول الكعبة]

وأما ثواب دخولها : فروينا فيه من حديث ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من دخل البيت وصلى فيه ، دخل فى حسنة وخرج من سيئة مغفور له» (١) أخرجه الطبرانى.

وروى الفاكهى من حديث ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ : «من دخله ـ يعنى البيت ـ فصلى فيه ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه».

وقد اتفق الأئمة على استحباب دخولها ، واستحسن مالك كثرة دخولها.

وأما ما ورد موهما بخلاف ذلك : فحديث عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : «خرج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عندى ، وهو قرير العين ، طيب النفس ، فرجع إلىّ وهو حزين ، فقلت له ، فقال : إنى دخلت الكعبة ، ووددت أنى لم أكن فعلت ، إنى أخاف أن أكون أتعبت أمتى من بعدى» (٢) أخرجه الترمذى ، والحاكم فى مستدركه من حديث إسماعيل بن عبد الله بن عبد الملك بن أبى الصفير المكى ، عن ابن أبى مليكة عن عائشة رضى الله عنها.

وإسماعيل : وهّاه ابن مهدى ، وذلك يقتضى توهين حديثه ، والله أعلم.

وقال المحب الطبرى ـ بعد إخراجه لهذا الحديث ـ : وقد استدل بهذا الحديث من كره دخول البيت ، ولا دلالة فيه ، بل نقول : دخوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دليل

__________________

(١) أخرجه : البيهقى فى السنن ٥ / ١٥٨ ، وعزاه الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣ / ٢٩٣ للطبرانى فى الكبير.

(٢) أخرجه : أحمد ٦ / ١٥٣ ، وأبو داود ٢ / ٢١٥ ، والترمذى ٣ / ٢٢٣ ، وابن ماجة (٣٠٦٤) ، والحاكم ١ / ٤٧٩.

٦١

على الاستحباب ، وتمنيه عدم الدخول : قد علله بالمشقة على أمته ، وذلك لا يرفع حكم الاستحباب .. انتهى.

[ما يطلب فى الكعبة]

وأما ما يطلب فى الكعبة من الأمور التى صنعها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فحمد الله ، والثناء عليه ، والدعاء ، والذكر ، وغير ذلك مما ذكرناه فى أصله.

[حكم الصلاة فى الكعبة]

فإن النافلة فيها مستحبة عند المالكية ، وجمهور العلماء ، وخالف فى ذلك بعض العلماء ، فقال : لا يصح فيها فرض ولا نفل ، وهذا ضعيف ، والله أعلم.

ويستثنى من النوافل فيها ـ على مقتضى مشهور مذهب مالك رحمه‌الله ـ النفل المؤكد : كالعيدين ، والوتر ، وركعتى الفجر ، والطواف الواجب ، فإن ذلك لا يصح فيها.

وأما الفرض : فمشهور المذهب : عدم صحته فيها ، وهو الأصح من مذهب الحنابلة ، ويصح على مذهب أبى حنيفة والشافعى.

وسطحها فى الفرض كجوفها ، على مقتضى ما سبق من مذهب الأئمة الأربعة ؛ إلا أن صحة الصلاة فى سطحها ـ على مذهب الشافعى ـ مشروطة بأن يكون بين يدى المصلّى شاخص من نفس الكعبة قدر ثلثى ذراع تقريبا على الصحيح ، والشاخص الآن بسطحها يزيد على ثلثى ذراع ؛ لأنه فى الجهة الشرقية : ذراع إلا ثمن. والشامية : ذراع وثمن. وفى الغربية : ذراع ، واليمانية : ثلثا ذراع.

[آداب دخولها]

وأما آداب دخولها : فالاغتسال ، ونزع الخف والنعل ، وأن لا يرفع بصره إلى السقف ، وأن لا يزاحم زحمة يتأذى بها ، أو يؤذى غيره ، وأن لا يكلم أحدا إلا لضرورة ، أو أمر بمعروف ، أو نهى عن منكر ، وأن يلزم قلبه الخشوع والخضوع ، وعينيه الدموع إن استطاع ذلك ، وإلا حاول صورهما ، ذكر ذلك المحب الطبرى.

والنساء يساوين الرجال فى دخولها من غير خلاف فيما أعلم.

***

٦٢

الباب الحادى عشر

فى ذكر شئ من فضائل الكعبة

وفضائل ركنيها : الحجر الأسود واليمانى

فأما فضل الكعبة : فكثير ثابت فى القرآن العظيم ، وفى السنة الشريفة ، ولم نورده إلا للتبرك.

قال الله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(١).

وأما الأحاديث : فروينا عن جابر بن عبد الله ـ رضى الله عنهما ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن هذا البيت دعامة الإسلام ، ومن خرج يؤم هذا البيت ـ من حاج أو معتمر ـ كان مضمونا على الله عزوجل ، إن قبضه أن يدخله الجنة ، وإن رده أن يرده بأجر وغنيمة» (٢) أخرجه الأزرقى بإسناد صالح.

وأما فضل الحجر الأسود : فكثير ؛ لأنا روينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضى الله عنهما ـ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن الحجر والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة ؛ طمس الله نورهما ، ولو لا أن طمس الله نورهما لأضاءا ما بين المشرق والمغرب» (٣) أخرجه ابن حبان فى صحيحه ، والترمذى ، وقال : غريب.

__________________

(١) سورة آل عمران آية : ٩٦ ، ٩٧.

(٢) أخرجه : الأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٣ ، ٤ عن الزنجى ، عن أبى الزبير ، عن جابر. ورواه الطبرانى فى الأوسط بنحوه. وفيه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير ، وهو متروك. ورواه الحارث بن أبى أسامة فى مسنده عن داود بن المحبر ، وهو متروك (انظر المطالب ١ / ٣٢٥).

(٣) أخرجه : ابن حبان (٣٧١٠) ، وابن خزيمة (٢٧٣٢) ، وعبد الرزاق (٨٩٢١) ، والحاكم (١٦٧٩) ، والبيهقى فى السنن ٥ / ٧٥ ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ٤٤٠.

٦٣
٦٤

الباب الثانى عشر

فى فضائل الأعمال المتعلقة بالكعبة ، كالطواف بها ،

والنظر إليها ، والحج والعمرة وغير ذلك

أما فضل الطواف من غير تقييد بزمن : فروينا من حديث أنس رضى الله عنه أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأنصارى سأله عن الطواف بالبيت؟ : «وأما طوافك بالبيت ، فإنك لا تضع قدما ولا ترفعها إلا كتب الله ـ عزوجل ـ لك بها حسنة ، ومحا عنك بها خطيئة ، ورفعك بها درجة ، وأما ركعتيك بعد الطواف : فكعتق رقبة ، وأما طوافك بعد ذلك : فإنك تطوف ولا ذنب عليك» (١) أخرجه ابن حبان فى صحيحه مطولا.

وروينا فى الطبرانى من حديث ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ مرفوعا : «من طاف بالبيت خمسين أسبوعا ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» (٢) وهو فى الترمذى إلا أنه قال : «مرة» بدل «أسبوع».

والمراد بذلك : وجوده فى صحيفة حسناته ، لا الإتيان به فى وقت واحد.

نصّ على ذلك المحب الطبرى فى «القرى» (٣).

وللعلماء خلاف فى الطواف ، والصلاة بمكة : أيهما أفضل؟

وفى المسألة قول ثالث : أن الطواف للغرباء أفضل ؛ لعدم تأتيه لهم ، والصلاة لأهل مكّة أفضل ؛ لتمكنهم من الأمرين (٤).

__________________

(١) أخرجه : ابن حبان فى صحيحه (٣٦٩٧) ، والبيهقى فى سننه ٥ / ١١٠ ، وأحمد فى مسنده ٢ / ٣ ، والأزرقى فى أخبار مكة ٢ / ٣.

(٢) أخرجه : الترمذي (٨٦٦) وقال : حديث غريب. والأصبهانى فى الترغيب (١٠٣٨) ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ١٩٥ ، وابن الجوزى فى العلل (٩٤٢).

(٣) القرى (ص : ٣٢٣ ، ٣٢٤).

(٤) هداية السالك ٢ / ٩٢٦.

٦٥

ويدل لفضل الطواف على الصلاة حديث ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ فى تنزل الرحمات ؛ لأن فيه «للطائفين ستين ، وللمصلين أربعين».

وقد ذكر دلالته على ذلك المحب الطبرى ، وأفاد فيما ذكر ، والله أعلم.

واختلف أيضا فى الطواف والعمرة : أيهما أفضل؟

وللمحب الطبرى فى ذلك تأليف ، سماه : «عواطف النصرة فى تفضيل الطواف على العمرة» ، وذكر ما يوافق ذلك فى كتابه «القرى» (١).

ووافقه على ذلك القاضى عز الدين بن جماعة (٢) ، والشيخ أبو أمامة بن النقاش ، فيما بلغنى عنه.

وقال بتفضيل العمرة : الشيخ عبد الله اليافعى شيخ مكّة ، وشيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيتى وغيرهما ، والله أعلم.

وجاء فى الطائفين : ما رويناه عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله تعالى يباهى بالطائفين» (٣). أخرجه الآجرىّ فى «ثمانينه».

وأما ثواب النظر إلى الكعبة : ففيه عشرون رحمة ، كما فى حديث ابن عباس رضى الله عنهما (٤).

وفيه ما رويناه عن سعيد بن المسيب قال : من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا خرج من الخطايا كيوم ولدته أمه (٥).

وهذا فى الأزرقى ، وفيه غير ذلك.

__________________

(١) القرى (ص : ٣٢٢).

(٢) هداية السالك ٢ / ٩٢٤.

(٣) أخرجه : أبو يعلى (٤٥٨٩) ، والبيهقى فى الشعب (٤٠٩٧) ، والفاكهى فى أخبار مكة ١ / ١٩٤ ، وابن عدى فى الكامل ٥ / ٢٩٩٢ ، والأصبهانى فى الترغيب (١٠٦٢).

(٤) القرى (ص : ٣٤١).

(٥) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٩.

٦٦

وأما ثواب الحج والعمرة : ففيه ما رويناه عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (١) متفق عليه.

وروينا من حديث عمرو بن العاص رضى الله عنه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الحج يهدم ما قبله» (٢) أخرجه مسلم.

وفى المعنى أحاديث أخر.

***

__________________

(١) أخرجه : البخارى (١١٧٣) ، ومسلم (٤ / ١٠٧) ، وابن خزيمة (٣٠٧٢) وأحمد ٢ / ٢٤٦ ، ٤٦١ ، ٤٦٢ ، والترمذى (٩٣٣) ، والنسائى (٢٦٢١) ، والبيهقى فى السنن ٥ / ٢٦١ ، والبيهقى فى الشعب (٤٠٩١) ، وابن ماجة (٢٨٨٨) ، وعبد الرازق فى مصنفه (٨٧٩٨) ، ومالك فى الموطا ٢ / ٢٦٨.

(٢) أخرجه : مسلم فى حديث طويل ذكره عمرو بن العاص عندما حضره الموت (كتاب الإيمان : باب كون الإسلام يهدم ما قبله) ١ / ٧٨.

٦٧
٦٨

الباب الثالث عشر

فى الآيات المتعلقة بالكعبة المعظمة

للكعبة آيات بينات منها : بقاء بنائها الموجود الآن ، وهو لا يقتضى أن يبقى هذه المدة ، على ما بلغنى عن بعض مهندسى عصرنا قال : وإنما بقاؤها آية من آيات الله .. انتهى.

ولعمرى إنه لصادق ، فإن من المعلوم ضرورة : أن الريح والمطر إذا تواليا أياما على بناء تخرّب.

ومن المعلوم ضرورة : أن الكعبة المعظمة ما زالت الرياح العاصفة ، والأمطار الكثيرة المهولة تتوالى عليها منذ بنيت وإلى تاريخه ، وذلك سبعمائة سنة ونيف وخمسون سنة ، ولم يحدث فيها ـ بحمد الله ـ تغير أدى إلى خللها.

ومن آياتها : حفظها ممن أرادها بسوء ، وهلاك من أرادها بذلك ، كما جرى لتبّع والهذليين ، وأصحاب الفيل.

أما قصة تبع : فإنه لما أقبل من المدينة حسّن له نفر من هذيل هدم الكعبة ، وأن يبنى عندها بيتا يصرف إليه الحج ، فعزم على ذلك ، فدفت بهم دوابهم ، وغشيتهم ظلمة شديدة وريح ، ثم رجع عن عزمه ، ونوى تعظيم الكعبة ، فانجلت عنهم الظلمة ، وسكنت الريح ، وانطلقت بهم دوابهم ، وأمر بضرب رقاب الهذليين ، فضربت ، وسار إلى مكّة ، فأقام بها أياما ينحر كل يوم مائة بدنة للصدقة ، وكسى البيت الحرام أنواعا من الكسوة ، وهذا الخبر فى الأزرقى مطولا (١).

وفى رواية : أنه لما أصغى لقول الهذليين بات صحيحا ، فأصبح وقد سالت عيناه ، فلما نوى كرامة البيت وأهله رجعت عيناه ، فارتد بصيرا. وهذا الخبر فى الفاكهى (٢).

وقيل : أصابه غير ذلك.

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ١٣٢ ، ١٣٣.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ١٦٠.

٦٩

وأما أصحاب الفيل : فإن أبرهة بن الصباح الأشرم ـ ملك اليمن من قبل كنيسة بناها أبرهة بصنعاء ، وكان يعظمها ، ويريد أن يصرف الحج إليها ، وساق معه الفيل ، فلما بلغ المغمّس (١) عبّأ جيشه ، وقدّم الفيل ، فكانوا إذا وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح ، وإذا وجهوه إلى اليمن ـ أو إلى غيره من الجهات ـ هرول ، فأرسل الله تعالى طيرا سوداء ـ وقيل : خضراء ، وقيل : بيضاء ـ مع كل طائر حجر فى منقاره ، وحجران فى رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة ؛ فكان يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره ، ففروا ، وهلكوا فى كل طريق ، وتساقطت أنامل أبرهة ، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ، وانفلت وزيره أبو يكسوم وطائر يحلق فوقه حتى بلغ النجاشى ، فقص عليه القصة ، فلما أتمها وقع عليه الحجر ، فخر ميتا بين يديه.

وخبر أصحاب الفيل أطول من هذا ، وهذا ملخص منه (٢).

__________________

(١) المغمس : بفتح الميم الأولى وبضمها : واد قريب من مكة من ناحية الشرق (الروض الأنف ١ / ٦٨).

(٢) السيرة لابن هشام ١ / ١٠٥ ، الروض الأنف ١ / ٦٨ وما بعدها ، وأخبار مكة للأزرقى ١ / ١٣٧ ـ ١٥٤ ، وتفسير ابن كثير ٨ / ٥٠٣ ـ ٥١١.

٧٠

الباب الرابع عشر

فى ذكر شئ من أخبار الحجر الأسود

روينا فى تاريخ الأزرقى عن ابن إسحاق وغيره : أن الله ـ عزوجل ـ استودع الركن أبا قبيس حين غرقت الأرض زمن نوح ـ عليه‌السلام ـ ، وقال : «إذا رأيت خليلى يبنى بيتى فأخرجه له» ، فلما بنى الخليل البيت جاءه جبريل ـ عليه‌السلام ـ بالحجر الأسود ، فوضعه موضعه من البيت .. (١). انتهى.

وقيل : إن إلياس بن مضر أول من وضع الحجر للناس بعد الغرق (٢) ، ذكره الزّبير بن بكّار ، وهذا مخالف لما سبق.

ولما خرجت جرهم من مكّة ، خرج عمرو بن الحارث بن مضاض بغزالىّ الكعبة وبحجر الركن ، فدفنهما فى زمزم.

وفى بعض الأخبار : أن جرهما لما خرجت دفنت الحجر بأسفل مكّة ، وأن قصىّ بن كلاب بحث عنه حتى أظهره للناس (٣).

وفى بعض الأخبار : أن بنى إياد دفنوه لما خرجوا من مكّة. هذا ما علمت من خبره فى الجاهلية.

وأما خبره فى الإسلام : فإنه أزيل من موضعه اثنين وعشرين سنة ، إلا أربعة أيام ، والمزيل له القرامطة.

وشدّ بالفضة لتصدعه ، وكان تصدعه ثلاث مرات ، الأولى : من الحريق الذى أصابه فى زمن ابن الزّبير ، وانشظت منه شظية فشدت بالفضة ، ثم تغيرت هذه الفضة ، فأحكمت فى سنة تسع وثمانين ومائة (٤).

والمرة الثانية : أن بعض القرامطة ضرب الحجر الأسود بدبوس فتكسر ، ثم

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٤٢.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٣ / ٢١٢.

(٣) أخبار مكة للفاكهى ٥ / ١٧٤ ، ١٧٥.

(٤) إتحاف الورى ٢ / ٢٤٦ ، وأخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٠٨ ، ٢٠٩.

٧١

قلع يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من ذى الحجة سنة سبع عشرة وثلثمائة بأمر أبى طاهر القرمطى ، وذهب به معه إلى هجر (١) ، فأقام عند القرامطة إلى أن رد فى يوم الثلاثاء يوم النحر من سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة (٢).

وكان الذى وضعه فى الكعبة ـ بعد رده ـ : شبر بن الحسن القرمطى ، وشده الصائغ بجص أحضره شبر.

وكان على الحجر ـ حين أحضر فى هذا التاريخ ـ ضبات فضة قد عملت من طوله وعرضه ، وتضبط شقوقا حدثت عليه بعد انقلاعه.

ثم قلع فى سنة أربعين وثلاثمائة ، وعمل له طوق محكم من فضة ليشدة (٣).

والمرة الثالثة : أن بعض الملاحدة ـ أيضا ـ : ضرب الحجر الأسود ثلاث ضربات بدبوس ، فتبخش وجهه ، وتساقطت منه شظايا ، ثم أصلح ما تشعث منه ، وطلى ، وكانت هذه الحادثة فى يوم النفر الأول سنة ثلاث عشر وأربعمائة (٤).

وقيل : سنة أربع عشرة (٥) ، والله أعلم.

ومن آيات الحجر الأسود : بقاؤه مع ما عرض له من الذهاب غير مرة ، وغير ذلك ، وقد ذكرناه فى أصله.

***

__________________

(١) إتحاف الورى ٢ / ٣٧٥ ، والمنتظم ٦ / ٢٢٣ ، ٢٢٤ ، والعقد الثمين ٦ / ١٤٣ ، والنجوم الزاهرة ٣ / ٢٢٤ ، وسمط النجوم العوالى ٣ / ٣٦٠.

(٢) النجوم الزاهرة ٣ / ٣٠٢ ، وتاريخ الخلفاء (ص : ٣٩٩) ، والإعلام بأعلام بيت الله الحرام (ص : ١٦٦) ، ودول الإسلام (١ / ٢١٠).

(٣) النجوم الزاهرة ٣ / ٣٠٥ ، وتاريخ الخلفاء (ص : ٣٩٩) ، وإتحاف الورى ٢ / ٣٩٦.

(٤) دول الإسلام ١ / ٢٤٦ ، والمنتظم ٨ / ٨ ، ٩ ، والبداية والنهاية ١٢ / ١٣ ، ١٤ ، والعقد الثمين ٤ / ٧٩ ، والنجوم الزاهرة ٤ / ٢٥٠ ، وإتحاف الورى ٢ / ٤٤٨.

(٥) الكامل لابن الأثير ٩ / ١٢٨ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٥٣) ، وإتحاف الورى ٢ / ٤٤٨.

٧٢

الباب الخامس عشر

فى الملتزم ، والمستجار ، والحطيم ، وما جاء فى ذلك من

استجابة الدعاء فى هذه المواضع ، وغيرها من الأماكن

بمكّة المشرفة وحرمها

أما الملتزم :فهو ما بين الباب ـ باب الكعبة ـ والحجر الأسود ، على ما روينا عن ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ ، وروينا عنه حديثا مرفوعا مسلسلا فى استجابة الدعاء فيه (١) ، وجرب ذلك من زمنه إلى عصرنا.

وأما المستجار :فهو ما بين الركن اليمانى والباب المسدود فى دبر الكعبة ، وروينا فى استجابة الدعاء فيه خبرا فى «مجابى الدعوة» لابن أبى الدنيا.

وأما الحطيم :فهو ما بين الحجر الأسود ومقام إبراهيم وزمزم ، والحجر بسكون الجيم (٢).

وقيل : إن «الحطيم» هو الموضع الذى فيه الميزاب ، وهذا فى كتب الحنفية ؛ وعليه فيكون «الحطيم» الحجر ، بسكون الجيم.

وقيل فيه غير ذلك.

وسمى «بالحطيم» ؛ لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالأيمان ، فقلّ من دعى هنالك على ظالم إلا هلك ، وقل من حلف هناك آثما إلا عجلت له العقوبة (٣).

وقيل فى سبب تسميته بالحطيم غير ذلك.

وأما بقية المواضع التى يستجاب فيها الدعاء فكثير منها مذكور فى رسالة الحسن البصرى ؛ لأن فيها أن الدعاء يستجاب فى خمسة عشر موضعا.

__________________

(١) هداية السالك ١ / ٦٩ ، وأخبار مكة للأزرقى ١ / ٣٤٨.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٣ ، ٢٤.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٤.

٧٣

أولها عند الملتزم ، وتحت الميزاب ، وعند الركن اليمانى ، وعلى الصفا ، وعلى المروة ، وبين الصفا والمروة ، وبين الركن والمقام ، وفى جوف الكعبة ، وبمنى ، وبجمع ، وبعرفات ، وعند الجمرات الثلاث ، هكذا وجدت فى نسختى من هذه الرسالة ، وهى تقتضى أن تكون المواضع أربعة عشر ، والظاهر : أنه سقط منها موضع ، لعله أن يكون خلف المقام.

ويحتمل أن يكون فى الطواف ؛ لأنه روى عن الحسن البصرى (١) ـ رحمه‌الله تعالى : ـ أن الحجر الأسود يستجاب عنده الدعاء ، فتصير المواضع ستة عشر .. انتهى.

وذكر شيخنا القاضى مجد الدين الشيرازى مواضع أخر بمكّة وحرمها وقربه يستجاب فيها الدعاء.

وذكرنا ذلك فى أصله ، وبيّنا ما فى ذلك من الوهم والإجمال.

ومن المواضع التى يرجى فيها استجابة الدعاء فى المسجد الحرام : باب بنى شيبة ، وباب إبراهيم ، وباب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو باب المسجد الذى يعرف الآن بباب الجنائز (٢).

***

__________________

(١) انظر رسالة الحسن البصرى.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٧٨ ، ٨٧.

٧٤

الباب السادس عشر

فى ذكر شىء من أخبار المقام ،

مقام الخليل عليه‌السلام

هذا المقام : هو الحجر الذى وقف عليه الخليل لما بنى الكعبة.

وقيل : لما أذن بالحج.

وقيل : لما غسلت زوجة ابنه إسماعيل رأسه (١).

وقال القاضى عز الدين ابن جماعة ـ فيما أخبرنى به عنه خالى ـ : أن مقدار ارتفاعه من الأرض نصف ذراع وربع ذراع.

قال : وأعلى المقام : مربع من كل جهة : نصف ذراع وربع ذراع ، وموضع عرض القدمين : ملبس بفضة ، وعمقه من فوق الفضة سبع قراريط ونصف قيراط (٢) .. انتتى.

والذراع المشار إليه ذراع الحديد.

وأول ما حلى المقام : فى خلافة المهدى ، فى سنة إحدى وستين ومائة (٣) ، ثم فى خلافة المتوكل فى مصدر الحاج سنة ست وثلاثين ومائتين (٤).

وفى خلافة المهدى سنة ست وخمسين ومائتين ، وكان قد توهن فى هذه السنة كثيرا ، فأحكم إلصاقه.

والمقام الآن فى قبة من حديد ، ثابت فيها ، والقبة ثابتة فى الأرض ، وهى بين أربعة شبابيك من حديد ، وفوق الشبابيك قبة من خشب مبنى فوقها ، ويتصل بهذه القبة ساباط يصلّى فيه الإمام الشافعى ، وظاهره ـ كظاهر القبة ـ مبنى بحجارة منورة ، وباطنه وباطن القبة ـ فيما يبدو للناس ـ مزخرف بالذهب (٥).

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢٨٨ ، أخبار مكة للفاكهى ١ / ٤٤٥ ـ ٤٥٠.

(٢) هداية السالك ٣ / ١٣٥١ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٦.

(٣) إتحاف الورى ٢ / ٢١٢ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٦.

(٤) إتحاف الورى ٢ / ٣٠٢ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٦.

(٥) العقد الثمين ٦ / ١٥٢ ، وإتحاف الورى ٢ / ٣٣٣.

٧٥

وأحدث عهد صنع فيه ذلك سنة عشر وثمانمائة (١).

وموضع المقام اليوم : هو موضعه فى الجاهلية ، وفى عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبى بكر ، وعمر ـ رضى الله عنهما ـ ، إلا أن السيل ذهب به فى خلافة عمر ـ رضى الله عنه ـ ، فجعل فى وجه الكعبة ، وذكر عن عمر بن دينار ، عن ابن عيينة ما يوافقه (٢).

وذكر الفاكهى أخبارا تدل على أن المقام كان عند الكعبة.

وفى بعضها ما يشعر بتقرير بيان موضعه عند الكعبة (٣).

وصرح ابن سراقة بموضعه عند الكعبة ، وهو على مقتضى ما ذكر : يكون على نصف الحفرة المذكورة التي تلى الحجر ـ بسكون الجيم ـ والله أعلم بالصواب.

وذكر ابن سراقة : أن مقدار ما بين موضع المقام ـ الآن ـ ووجه الكعبة عشرون ذراعا ، وذلك غير مستقيم ؛ لأن من وسط جدر الكعبة الشرقى إلى وسط الصندوق ، الذى المقام فى جوفه ـ المقابل لوجه الكعبة ـ : اثنين وعشرين ذراعا إلا ربع ذراع بالحديد ، وهو أزيد من ذراع اليد الذى ذكره ابن سراقة بثمن ذراع.

وللمقام فضائل سبق ذكرها فى فضل البيت ، وفضل الحجر الأسود ، فى الباب الحادى عشر.

وروينا عن مجاهد : «يأتى الركن والمقام يوم القيامة كل واحد منهما مثل أبى قبيس ، يشهدان لمن وافاهما بالموافاة» أخرجه الأزرقى (٤) ، والله أعلم.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٤٥٧.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٣.

(٣) أخبار مكة للفاكهى ١ / ٤٥٤.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣٣ ، وهداية السالك ١ / ١٦.

٧٦

الباب السابع عشر

فى ذكر شىء من أخبار الحجر المكرم ـ حجر إسماعيل

عليه‌السلام ـ وفيه بيان المواضع التى صلّى فيها

النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حول الكعبة

روينا فى تاريخ الأزرقى عن أبى إسحاق ، قال : وجعل إبراهيم الحجر ـ أى : جنب البيت ـ عريشا من أراك تقتحمه العنز ، وكان زربا لغنم إسماعيل (١) .. انتهى.

وقد تقدم فى خبر عمارة الكعبة : أن قريشا أدخلت فى الحجر منها أذرعا لقصر النفقة الحلال التى أعدوها لعمارتها ، وأن ابن الزّبير أدخل ذلك فيها ، وأن الحجاج أخرج ذلك منها ، ورده إلى ما كان عليه في عهد قريش والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واستمر ذلك إلى الآن ، فصار بعض الحجر من الكعبة وبعضه ليس منها.

وقد اختلفت الروايات عن عائشة ـ رضى الله تعالى عنها ـ فى مقدار ما فى الحجر من الكعبة (٢).

ففى رواية : قريب من تسعة أذرع.

وفى رواية : ستة أذرع أو نحوها.

وفى رواية : ستة أذرع.

وفى رواية : خمسة أذرع.

وفى رواية : أربعة أذرع.

وهذه الرواية الأخيرة فى كتاب الفاكهى بإسناد فيه من لم أعرفه ، وما عدا ذلك من الروايات صحيح الإسناد.

واختلاف الروايات عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ فى قدر ما فى الحجر من الكعبة لا يقتضى ترك العمل بما روى عنها من أن بعض الحجر من البيت ، وإنما

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٤٦ ، ٦٥.

(٢) يبحث عن ذلك فى : هداية السالك ٢ / ٧٨٨ ، وصحيح البخارى كتاب فضل مكة وبنيانها ٢ / ١٤٦ ـ ١٤٧ ، وصحيح مسلم : نقض الكعبة وبنائها ٤ / ٢١٠ ، وأخبار مكة للأزرقى ١ / ٢١٠.

٧٧

يقتضى أن يعمل فى مقدار ما فى الحجر من الكعبة بأكثر الروايات فى ذلك ، والله أعلم.

وقد جزم بصحة طواف من طاف فى الحجر خارجا عن سته أذرع من البيت إمام الحرمين ووالده الشيخ أبو محمد الجويني ، والبغوى.

وذكر الرافعي : أن هذا المذهب هو الصحيح ، وقال به اللخمى من المالكية.

وجزم به الشيخ خليل الجندى المالكى فى مختصره الذى صنفه لبيان ما به الفتوى ، والله أعلم.

والحجر : هو ما بين الركن الشامى الذى يقال له : العراقى ، والركن الغربي ، وهو عرصه مرخمة لها جدار منقوش علي نصف دائرة.

وقد ذكرنا ذرعه من داخله وخارجه ، وشىء من خبر عمارته فى أصل هذا الكتاب.

وجاء في فضله وفضل الصلاة فيه والدعاء فيه أخبار.

منها : ما رواه الفاكهى بسنده عن على رضى الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأبى هريرة : «يا أبا هريرة ، إن على باب الحجر ملكا يقول لمن دخل فصلي ركعتين : مغفورا لك ما مضى ، فاستأنف العمل ، وعلي باب الحجر الآخر ملك منذ خلق الله الدنيا إلى يوم يرفع البيت ، يقول لمن صلي وخرج : مرحوما إن كنت من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم تقيا» (١) .. انتهي.

وروينا عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : «صلوا في مصلي الأخيار» وسئل عن ذلك ، فقال : «تحت الميزاب» (٢) ، أخرجه الأزرقي.

[حكم الصلاة في الحجر من الكعبة :]

وحكم الصلاة فيما في الحجر من الكعبة : حكم الصلاة فيها ؛ لكون ذلك منها ، فلا يصح فيه على مشهور مذهب مالك فرض ولا نفل مؤكد ، والله أعلم.

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ١٣٧.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣١٨.

٧٨

وروينا عن عطاء قال : من قام تحت ميزاب الكعبة فدعا ، استجيب له ، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

وروينا عنه : من قام تحت مثغب الكعبة ، يعنى ميزابها ، أخرجه الأزرقى (١).

وروى عن عثمان رضى الله عنه : أنه وقف تحت الميزاب يدعو ، وقال : ما زلت قائما على باب الجنة (٢).

وفى الحجر قبر إسماعيل ـ عليه‌السلام ـ مع أمه هاجر (٣) ، وقيل : إنه فى الحطيم (٤) ، والله أعلم.

وينبغى توقّى النوم فيه ، والاحتراز من بدعتين أحدثهما الناس لا أصل لهما على ما ذكر ابن جماعة (٥).

إحداهما : وقوفهم فى فتحتى الحجر للصلاة والسلام على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والأخرى : استقبالهم جهة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى فتحتى الحجر للدعاء واستدبارهم للقبلة.

والمعروف فى آداب الدعاء : استقبالها ، هذا معنى كلامه ، قال : والله يوفقنا لا جتناب البدعة واتباع السنة بمنّه وكرمه.

وأما المواضع التى صلّى فيها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حول الكعبة : فذكرها المحب الطبرى فى كتابه «القرى» بدلالتها ، ونشير هنا لشئ من ذلك.

الموضع الأول : خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام.

الثانى : تلقاء الحجر الأسود على حاشية المطاف.

الثالث : قريب من الركن الشامى مما يلى الحجر ، بسكون الجيم.

الرابع : عند باب الكعبة.

__________________

(١) أخرجه الأزرقى ١ / ٣١٨ ، ولفظه : «مثغب الكعبة» ومثغب الكعبة : هو مجرى مائها ، وهو الميزاب كما فى رواية أخرى.

(٢) أخبار مكة للفاكهى ٢ / ٢٩٢.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٣١٣.

(٤) فى كل هذه الأثار نظر.

(٥) هداية السالك ٢ / ٩٤٦ ، ٩٤٧.

٧٩

الخامس تلقاء الركن الذى يلى الحجر من جهة المغرب جانحا إلى جهة المغرب قليلا ، بحيث يكون باب المسجد ـ الذى يقال له اليوم باب العمرة ـ خلف ظهره.

السادس : فى وجه الكعبة.

السابع : بين الركنين اليمانيين.

الثامن : الحجر.

واستدل المحب الطبرى للمصلّى الثالث ، بحديث عبد الله بن السائب رضى الله عنه.

واستدل للسادس بحديث لأسامة بن زيد رضى الله عنهما.

والمصلّى الذى ذكره ابن السائب ، والذى ذكره أسامة : واحد ـ فيما أحسب ـ لأنهما فى وجه الكعبة ، فيما بين الباب والحجر ـ بسكون الجيم ـ وقد أوضحنا ذلك فى أصله (١) ، والله أعلم.

وأما الحفرة المرخمة فى وجه الكعبة : فقد سبق فى الباب الذى قبله ما يقتضى أن نصفها الذى يلى الحجر ـ بسكون الجيم ـ موضع المقام عند البيت ، ويقال : إنها الموضع الذى صلّى فيه جبريل ـ عليه‌السلام ـ بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما فرضت الصلاة.

واستبعد ذلك القاضى عز الدين بن جماعة (٢).

ويقال : إنها موضع مصلّى آدم عليه‌السلام.

ذكر ذلك الأقشهرى ـ رحمه‌الله ـ عن شيخه الشيخ رضى الدين الطبرى إمام المقام.

وسبق فى الباب الثامن : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى بين الركنين اليمانيين ، وهو موضع الرخامة فى وسط هذا الجانب المكتوب فيها : «عمارة المنصور لا جين للمطاف» وهذا لا يفهم مما ذكره المحب الطبرى فى هذا المصلّى.

__________________

(١) القرى (ص : ٣٤٨ ـ ٣٥٠) ، وهداية السالك ١ / ٧٣ ، ٧٤.

(٢) هداية السالك ١ / ٧٤.

٨٠