الزهور المقتطفة من تاريخ مكّة المشرّفة

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

الزهور المقتطفة من تاريخ مكّة المشرّفة

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: دكتور مصطفى محمّد حسين الذّهبي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٤٧

الحجاج الشاميين والعراقيين فى عرفة. فغلب العراقيون الشاميين ، وقتلوا منهم جماعة ونهبوهم (١).

ومنها : أن فى سنة ثمان وستمائة حصل فى الحجاج العراقيين قتل ونهب فاحش ، حتى قيل : إنه أخذ من المال والمتاع وغيره ما قيمته ألفا ألف دينار ؛ حكى ذلك أبو شامة ، وكانت هذه البلية بمكّة ومنى ، وهى بمنى أعظم (٢).

وذكر ابن محفوظ : أنه كان بين العراقيين وأهل مكّة فتنة بمنى فى سنة سبع وستمائة ؛ ولم أر ما يدل لذلك ، والله أعلم.

ومنها : أن صاحب دمشق المعظم عيسى بن العادل أبى بكر بن أيوب : حج فى سنة إحدى عشرة وستمائة ، وتصدق فيها بالحرمين صدقة كبيرة.

ومنها : أنه كان يخطب بمكّة لوالده السلطان الملك العادل أبى بكر بن أيوب أخ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب مصر والشام (٣).

ومنها : أن فى سنة سبع عشرة وستمائة منع صاحب مكّة حسن بن قتادة الحجاج العراقيين من دخول مكة ، ثم أذن لهم فى ذلك بعد قتل أصحابه لأمير الحاج العراقى إقباش الناصرى مملوك الخليفة الناصر لدين الله ؛ لاتهامه بأنه يريد أن يولى راجح بن قتادة أخا حسن مكّة عوضه ، وكان حسن متوليا لها بعد أبيهما قتادة.

وفيها : مات قتادة ونصب رأس إقباش بالمسعى عند دار العباس ، ثم دفن مع جسده بالمعلّاة (٤).

__________________

(١) الروضتين ٢ / ١٢٣ ، والمختصر فى أخبار البشر ٣ / ٧٣ ، والعقد الثمين ٢ / ١٢٨ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٣٢٩ ، والنجوم الزاهرة ٦ / ١٠٥ ، وإتحاف الورى ٢ / ٥٥٥.

(٢) الكامل ١٢ / ١٢٣ ، وإتحاف الورى ٣ / ١١ ، والعقد الثمين ٤ / ٤٧ ، ودرر الفرائد (ص : ٧٠٣).

(٣) الذيل على الروضتين (ص : ٨٧) ، والنجوم الزاهرة ٦ / ٢١١ ، والعقد الثمين ٧ / ٤٢ ، وإتحاف الورى ٣ / ١٩ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٧٢).

(٤) الكامل لابن الأثير ١٢ / ١٦٦ ، والعقد الثمين ٤ / ١٦٧ ، وإتحاف الورى ٣ / ٢٧ ـ ٢٩.

٢٠١

ومنها : أن جماعة من الحجاج ماتوا بالمسعى من الزحام فى سنة سبع عشرة وستمائة (١).

ومنها : أن المسعود صاحب اليمن حجّ من اليمن فى سنة تسع عشرة وستمائة ، وبدا منه ما لا يحمد ، من رميه حمام مكّة بالبندق فوق زمزم ، ومن منعه اطلاع علم الخليفة الناصر العباسى جبل الرحمة بعرفة ، وقيل : إنه أذن فى ذلك اليوم قبيل الغروب ، وغير ذلك من الأمور المنسوبة إليه ، وذكر ابن الأثير ما يقتضى : أنه حج سنة ثمان عشرة (٢) ، والله أعلم.

وسبق فى الباب قبله أنه ولى مكة ، وكان حال الناس بها حسنا فى ولايته لهيبته ، وإليه ينسب الدرهم المسعودى المتعامل به بمكة.

ومنها : أنه كان يخطب بها لوالده الملك الكامل ناصر الدين أبى المعالى محمد بن الملك العادل أبى بكر بن أيوب صاحب مصر ؛ ولعل ذلك بعد ملك ولده المسعود لمكّة ، والله أعلم.

ومنها : أن الملك المنصور نور الدين عمر بن على بن رسول صاحب اليمن خطب له بمكّة فى سنة تسع وعشرين وستمائة ، وفيها ولى مكّة بعد مبايعته بالسلطنة فى بلاد اليمن فى هذه السنة.

وحج الملك المنصور ـ المذكور ـ فى سنة إحدى وثلاثين وستمائة على النجب حجا هينا. وحج أيضا فى سنة تسع وثلاثين وستمائة ، وصام رمضان فى هذه السنة بمكة.

ومنها : أن فى سنة سبع وثلاثين وستمائة خطب بمكّة لصاحب مصر الصالح أيوب بن الكامل (٣).

وممن خطب له بمكّة من بنى أيوب : صاحب مصر الأشرف موسى بن الناصر يوسف بن المسعود أقسيس بن الكامل فى سنة اثنين وخمسين وستمائة (٤).

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٣١ ، والعقد الثمين ١ / ١٩٠.

(٢) الكامل ١٢ / ١٦٥.

(٣) العقد الثمين ٥ / ٤٩٩ ، ودرر القرائد (ص : ٧٧١).

(٤) إتحاف الورى ٢ / ٧٦.

٢٠٢

وفيها : خطب معه لأتابكة المعز أيبك التركمانى الصالحى.

وفيها : تسلطن المعز ـ المذكور ـ فى شعبان.

وممن خطب به بمكّة من ملوك مصر : الظاهر بيبرس الصالحى ، ومن بعده من ملوك مصر ، إلى تاريخه ، إلا المنصور عبد العزيز بن الظاهر برقوق ؛ لكونه لم يصل له نجاب (١) ، وأشك فى الخطبة بمكّة لابنى الظاهر بيبرس ، ولعادل كتبغا ، والمنصور لاجين ، وأكبر ظنى أنه خطب لهم ، والله أعلم.

وكان للناصر محمد بن قلاوون من نفوذ الكلمة بمكّة واستبداده بأمر الولاية فيها ما لم يكن لمن قبله من ملوك الترك بمصر. واستبد من بعده من ملوك مصر بالولاية بمكة.

ومنها : أن فى سنة تسع وثلاثين وستمائة أسقط السلطان الملك المنصور صاحب اليمن عن مكّة سائر المكوسات والجنايات والمظالم ، وكتب بذلك مربعة ، وجعلت قبالة الحجر الأسود ، ودامت هذه المربعة إلى أن قلعها ابن المسيب لما ولى مكّة فى سنة ست وأربعين وستمائة ، وأعاد الجنايات والمكوسات بمكّة (٢).

ومنها ـ على ما وجدت بخط الميورقى ـ لم يحج سنة خمس وخمسين وستمائة من الآفاق ركب سوى حجاج الحجاز (٣) .. انتهى.

ومنها : أن الملك المظفر يوسف بن المنصور صاحب اليمن حج فى سنة تسع وخمسين وستمائة ، وغسل الكعبة بنفسه وطيبها ، وما كساها بعد انقضاء الخلافة من بغداد ملك قبله. وقام أيضا بمصالح الحرام وأهله ، وأوسع فى الصدقة حين حج ، ومن أفعاله الجميلة بمكة : أنه نثر على الكعبة الذهب والفضة ، وكان يخطب له بمكّة فى غالب سلطنته ، وخطب من بعده لملوك اليمن من ذريته بعد الخطبة لصاحب مصر (٤).

__________________

(١) النجاب : هو رسول البريد.

(٢) السلوك ١ / ٢ : ٣١٢ ، وغاية الأمانى ١ / ٤٢٥ ، والعقود الؤلؤية ١ / ٦٩.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٧٩ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٧٩).

(٤) العقد الثمين ٧ / ٤٨٩ ، والعقود الؤلؤية ١ / ١٣٣ ، وغاية الأمانى ١ / ٤٥٠ ، وإتحاف الورى ٣ / ٨١ ـ ٨٤.

٢٠٣

ومنها ـ على ما قال الميورقى ـ : لم ترفع راية لملك من الملوك سنة ستين وستمائة. كسنة خمس وخمسين وستمائة .. انتهى منقولا من خطه ؛ وأراد بذلك : وقت الوقوف بعرفة (١).

ومنها : أن الحجاج العراقيين توجهوا إلى مكّة فى سنة ست وستين وستمائة ، وما علمت لهم بتوجه قبل ذلك من بغداد بعد غلبة التتار عليها (٢).

ومنها : أن الملك الظاهر بيبرس الصالحى ، صاحب مصر ، حج سنة سبع وستين وستمائة ، وغسل الكعبة وأمر بتسبيلها فى كل سنة ، وأحسن كثيرا إلى أميرى مكّة بسبب ذلك ، وعظمت صدقته فى الحرمين (٣).

ومنها : أن العراقيين حجوا من بغداد فى سنة تسع وستين وستمائة ، ولم يحج فيها من مصر أحد.

وحج من العراق ركب كبير فى سنة ثمان وثمانين وستمائة (٤).

ومنها : أن الحجاج ازدحموا فى خروجهم إلى العمرة من باب المسجد الحرام المعروف بباب العمرة ؛ فمات فى الزحمة منهم جمع كثير يبلغون ثمانين نفرا على ما قيل ؛ وذلك بعد الحج من سنة سبع وسبعين وسبعمائة (٥).

ومنها : أن فى سنة ثلاث وثمانين وستمائة صد الحاج عن دخول مكة ، ثم دخلوها هجما فى يوم الترويه ، بعد ثقبهم السور وإحراقهم لباب المعلاة ، وفرار أبى نمى أمير مكّة منها ، وهو : الصاد لهم ؛ لوحشة كانت بينه وبين أمير الحاج المصرى ، ثم اصطلحا ، وقيل فى سبب هذه الفتنة غير ذلك (٦) ، والله أعلم.

ومنها : أن الحاج وأهل مكّة تقاتلوا فى المسجد الحرام ، فقتل من الفريقين ـ

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٨٧ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٨٠).

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٩٢ ، ودرر الفرائد (٢٨١).

(٣) النجوم الزاهرة ٧ / ١٤٦ ، والذهب المسبوك (ص : ٨٩).

(٤) السلوك ١ / ٢ : ٥٩٦ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٨٣).

(٥) إتحاف الورى ٣ / ١٠٩.

(٦) السلوك ١ / ٣ : ٧٢٤ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٨٥).

٢٠٤

على ما قيل ـ فوق أربعين نفرا ، وشهر فيها فى المسجد الحرام من السيوف نحو عشرة آلاف ، وانتهبت الأموال ، وتثبت أبو نمى فى الأخذ ، ولو قصد الجميع لتم له ذلك. ذكر هذه الحادثة بمعنى ما ذكرناه الشيخ تاج الدين ابن الفركاح. وذلك فى سنة تسع وثمانين وستمائة (١).

ومنها : أن الخليفة بمصر ، الملقب بالحاكم ، حج فى سنة سبع وتسعين وستمائة ؛ وهو أول خليفة عباسى بويع بمصر ، وثانى خليفة عباسى بويع بعد المستعصم ، ونسبه يتصل بالمسترشد ؛ فإنه : أحمد بن أبى على بن على بن أبى بكر بن المسترشد ، وأعطاه لاجين المنصورى صاحب مصر سبعمائة ألف درهم لأجل حجه (٢).

ومنها : أن صاحبى مكّة حميضة ورميثة ابنى أبى نمى أسقطا بعض المكوس فى سنة أربع وسبعمائة ، وفى التى قبلها (٣).

ومنها : أن الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر : حج فى سنة اثنتى عشرة وسبعمائة ، ومعه نحو أربعين أميرا ، وستة آلاف مملوك على الهجن ، ومائة فرس ، وحج أيضا فى سنة تسع عشرة وسبعمائة ، وفى سنة اثنين وثلاثين وسبعمائة (٤).

وكان معه لما حج فى سنة تسع عشرة وسبعمائة نحو خمسين أميرا ، وأكثر فيها من فعل المعروف فى الحرمين ، وفيها : غسل الكعبة بيده.

وكام معه لما حج فى سنة اثنين وثلاثين نحو سبعين أميرا ، وتصدق فيها بعد حجه.

ويقال : إن خطبته قطعت من مكة ، وخطب عوضه بها لأبى سعيد بن

__________________

(١) البداية والنهاية ١٣ / ٣١٧ ، والسلوك ١ / ٣ : ٧٦٠ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٨٦).

(٢) إتحاف الورى ٣ / ١٣٠ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٨٩).

(٣) إتحاف الورى ٣ / ١٤٢ ، والعقود الؤلؤية ١ / ٣٦٢ ، ودرر الفرائد (ص : ٤ / ٢٣٤).

(٤) السلوك ٢ / ١ : ١١٩ ، والعقود الؤلؤية ١ / ٤٠٢ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٩٤).

٢٠٥

خربندا ملك العراقيين ، بأمر حميضة بن أبى نمى ، بعد أن رجع من العراق فى آخر سنة ست عشرة وسبعمائة ، أو فى التى بعدها (١) ، والله أعلم.

ومنها : أن الحجاج فى سنة عشرين وسبعمائة صلوا خمس صلوات بمنى ؛ أولها : الظهر من يوم الترويه ، وآخرها : الصبح من يوم عرفة ، وساروا إليها بعد طلوع الشمس ، وأحيوا هذه السّنة بعد تركها ، وفعل مثل ذلك : الشاميون فى سنة سبع وعشرين وسبعمائة (٢).

ومنها : أن فى هذه السنة شهد الموقف بعرفة عالم عظيم من جميع البلاد.

وكان مع العراقيين محمل عليه حلى من الجوهر والؤلؤ والذهب ، قوّم بمائتى ألف دينار وخمسين ألف دينار من الذهب المصرى ، ذكر ذلك البرزالى.

ومنها : أن الناصر محمد بن قلاوون ، صاحب مصر : أسقط المكس المتعلق بالمأكول بمكة ، وعوض أميرها عطيفة بن أبى نمى عن ذلك : ثلثى دماميل (٣) ـ من صعيد مصر ـ وذلك سنة اثنين وعشرين وسبعمائة (٤).

ومنها : أن موسى ملك التكرور : حج فى سنة أربع وعشرين وسبعمائة فى أزيد من خمسة عشر ألف تكروريا (٥).

ومنها : أن العراقيين حجوا فى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ، ومعهم تابوت جوبان نائب السلطنة العراقية ـ الذى أجرى عين بازان إلى مكّة ـ وأحضر تابوته الموقف بعرفة ، وطيف به حول الكعبة ليلا.

ومنها : أن فى يوم الجمعة الرابع عشر من ذى الحجة سنة ثلاثين وسبعمائة حصل بين الحجاج المصريين وبنى حسن ـ أهل مكّة ـ فتنة قتل فيها أمير الركب المصرى : آلدمر وابنه ، وغيرهما ، ونهب للناس أمولا كثيرة ، وذكر النويرى فى تاريخه : أن الخبر بهذه الحادثة وقع بمصر فى يوم وقوعها بمكة.

__________________

(١) النجوم الزاهرة ٩ / ١٠٤ ، والسلوك ٢ / ٢ : ٣٥٥ ، وإتحاف الورى ٣ / ١٩٨.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ١٧٠.

(٣) دماميل : هى بلدة من مركز الأقصر بمحافظة قنا ، تقع على الشاطىء الغربى للنيل (الخطط التوفيقية لعلى مبارك ١١ / ٢٠).

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٢٠).

(٥) البداية والنهاية ١٤ / ١١٢ ، ومرآة الجنان ١٤ ، ٢٧١ ، ودرر الفرائد (ص : ٣٠٠).

٢٠٦

ومنها : أن فى سنة ثلاثين وسبعمائة حج العراقيون بفيل بعث به ملكهم أبو سعيد بن خربندا ، فحضروا به المواقف كلها ، ومضوا به إلى المدينة ، فمات بالفرش الصغير بقرب المدينة ، بعد أن لم يستطع التقدم إليها خطوة (١).

ومنها : أن صاحب اليمن ، الملك المجاهد على بن الملك المؤيد داود بن الملك المظفر حج فى سنة اثنين وأربعين وسبعمائة ، فأطلع علمه جبل عرفات ، وكان بنو حسن فى خدمته حتى انقضى الحج (٢).

وحج الملك المجاهد أيضا فى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ، وقبض عليه المصريون بمنى فى النفر الأول بعر حرب كانت بينهم وبين بعض عسكره ، وتوقف هو عن الحرب رعاية لحرمه الزمان والمكان ، وسلم إليهم نفسه بأمان.

فساروا به إلى مصر ، وتوجه إلى مصر ، وتوجه منها على طريق عيذاب إلى ملكه ، فوصله فى آخر سنة اثنين وخمسين وسبعمائة (٣).

ومنها : أن الحجاج وأهل مكّة تحاربوا كثيرا بعرفة فى يومها من سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ، فقتل من الترك نحو ستة عشر ، ومن بنى حسن ناس قليل ، ولم يتعرضوا للحاج بنهب ، وسافر الحاج أجمع فى النفر الأول ، وسلك أهل مكّة فى نفرهم من عرفة طريق البئر المعروفة بالمظلمة ، فعرفت هذه الوقعة عندهم : بسنة المظلمة (٤).

ومنها : أن الحجاج العراقيين كانوا كثيرا فى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وكان لهم أحد عشر سنة لم يحجوا من العراق ، ولم يحجوا أيضا سنة خمس وخمسين وسبعمائة (٥) ، وحجوا بعد ذلك خمس سنين متوالية ، وكانوا كثيرين جدا فى سنة سبع وخمسين (٦) ، وتصدق فيها بعض الحجاج من العجم على أهل الحرمين بذهب كثير.

__________________

(١) النجوم الزاهرة ٩ / ٢٨٢ ، والدرر الكامنة ١ / ٤٣٤ ، والسلوك ٢ / ٢ : ٣٢٣.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٢٢٠ ، والعقود الؤلؤية ٢ / ٧٠.

(٣) السلوك ٢ / ٣ : ٨٧٩ ، والعقود الؤلؤية ٢ / ٨٨ ، وإتحاف الورى ٣ / ٢٥٤.

(٤) العقد الثمين ٢ / ١٤٦ ، والسلوك ٢ / ٣ : ٦٣٦ ، وإتحاف الورى ٣ / ٢٢٤.

(٥) إتحاف الورى ٣ / ٢٦٦ ، ودرر الفرائد (ص : ٣١٠).

(٦) إتحاف الورى ٣ / ٢٧٠ ، ودرر الفرائد (ص : ٣١٠).

٢٠٧

ومنها : أن فى آخر جمادى الآخرة ، أو فى أول رجب من سنة ستين وسبعمائة أسقط المكس المأخوذ من المأكولات بمكّة بعد وصول العسكر المجهز من مصر إلى مكّة لتأييد أميرها مسند بن رميثة ، ومحمد بن عطيفة ، ودام هذا الحال إلى رحيل الحاج من سنة إحدى وستين وسبعمائة.

ومنها : أن فى سنة ست وستين وسبعمائة : أسقط المكس المأخوذ بمكّة فى المأكولات جميعا ، وعوض صاحب مكّة عن ذلك بمائة وستين ألف درهم من بيت المال ، وألف أردب قمح (١).

ومنها : أن فى اثنا عشر السبعين ـ بتقديم السين ـ وسبعمائة ، خطب بمكّة للسلطان أويس ابن الشيخ حسن الكبير ـ صاحب بغداد وغيرها ـ بعد أن وصلت منه قناديل حسنة للكعبة ، وهدية طائلة إلى أمير مكّة عجلان ، وهو الآمر لخطيب مكّة بالخطبة له ، ثم تركت الخطبة لصاحب العراق ، وما عرفت وقت ابتداء تركها.

ومنها : أن الحجاج المصريين قلوا كثيرا جدا فى سنة ثمان وسبعين وسبعمائة ؛ لرجوع جزيلهم من عقبة أيلة إلى مصر ؛ بسبب قيام الترك بها على صاحب مصر الملك الأشرف شعبان ؛ وكان قد توجه فيها للحج.

وكان من خبره : أنه رجع إلى مصر واختفى بها ؛ لأن الذين تركهم بها قاموا أيضا عليه بمصر ، وسلطنوا ولده عليا ، ولقبوه بالمنصور ، وظفر به بعد ذلك ، فأذهبت روحه ، وفاز بالشهادة (٢).

ومنها : أن فى سنة إحدى وثمانين وسبعمائة حج بالناس من اليمن فى البر ـ مع محمل جهزه صاحب اليمن ـ الملك الأشرف إسماعيل ابن الملك الأفضل عباس بن المجاهد.

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٣٠٢ ، والسلوك ٣ / ١ : ٧٢.

(٢) النجوم الزاهرة ١١ / ٧٣ ، وإتحاف الورى ٣ / ٣٢٨ ، وبدائع الزهور ١ / ٢ : ١٧١.

٢٠٨

وجهز الأشرف ـ أيضا ـ محملا إلى مكّة فى سنة ثمانمائة ، وحج الناس معه أيضا ، وأصاب بعضهم شدة من العطش بقرب مكّة ، مات بها جماعة منهم ، ولم يصل بعدها إلى تاريخه محمل من اليمن.

وكان محمل اليمن منقطعا عن مكّة فيما علمت نحو ثمانين سنة قبل سنة إحدى وثمانين وسبعمائة (١).

ومنها : أن فى يوم التروية من سنة سبع وتسعين وسبعمائة حصل فى المسجد الحرام جفلة ؛ بسبب منافرة حصلت بين بعض أهل مكّة والحاج ، فثارت الفتنة ، فنهبت أموال كثيرة للحاج ، وقتل بعضهم وتعرض الحرامية للحاج فنهبوهم فى طريق عرفة عند مأزميها وغير ذلك. ونفر الحاج أجمع فى النفر الأول.

وفيها : وصل مع الحجاج الحلبيين : محمل على صفة المحامل ، وهذا لم يعهد (٢).

ومنها : حج العراقيون فى غاية القلة بمحمل على العادة بعد انقطاعهم مدة يسيرة.

ومنها : أن فى سنة ثلاث وثمانمائة لم يحج أحد من الشام على طريقهم المعتادة لما أصاب أهل دمشق ؛ من القتل والعذاب ، والأسر ، وإحراق دمشق. والفاعل لذلك : أصحاب تيمور لنك الخارجى (٣).

ودام انقطاع الحجاج الشاميين من هذه الطريق سنتين ، ثم حجوا منها بمحمل على العادة فى سنة ست وثمانمائة ، وفى سنة سبع ، وانقطعوا عن الحج منها فى سنة ثمان وثمانمائة ، ثم حجوا منها بمحمل على العادة فى سنة تسع وثمانمائة ، واستمر ذلك إلى تاريخه (٤).

ومنها : أن الحجاج العراقيين حجوا من بغداد بمحمل على العادة فى سنة

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٣٣٥.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٣٤٩ ، ودرر الفرائد (ص : ٣١٣).

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٤٢٣ ، ودرر الفرائد (ص : ٣١٧).

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٤٥٤ ، ودرر الفرائد (ص : ٣١٨).

٢٠٩

سبع وثمانمائة بعد انقطاعهم عن الحج منها تسع سنين ـ بتقديم التاء ـ متوالية. والذى جهزهم فى هذه السنة متوليها من قبل تيمور لنك.

وفى شعبان منها : مات تيمور لنك.

وحج العراقيون من هذه الطريق بعد هذه السنة خمس سنين متوالية بمحمل على العادة ، ثم انقطعوا منها ثلاث سنين متوالية : أولها : سنة ثلاث عشرة وثمانمائة بموت سلطان بغداد أحمد بن أويس ، فى هذه السنة مقتولا (١) ؛ وهو الذى جهز الحجاج من بغداد فى بعض السنين السابقة بعد سنة سبع وثمانمائة.

ثم حج الناس من بغداد محمل على العادة سنة ست عشرة وثمانمائة (٢) ، وفى أربع سنين متوالية بعدها ، ولم يحجوا من بغداد فى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة ، ولا فى ثلاث سنين بعدها (٣).

والذى جهزهم فى هذه السنين : متولى بغداد من قبل قرا يوسف التركمانى ، وهو المنتزع للملك من أحمد بن أويس.

ومنها : أن الحجاج المصريين ـ غير قليل منهم ـ : تخلفوا عن زيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لمبادرة أميرهم بيسق بالمسير إلى مصر ؛ متخوفا من أن يلحقه أحد من أمراء الشام فيما بين عقبة أيلة ومصر ، فإنه كان قبض بمكّة على أمير الركب الشامى فى موسم هذه السنة ، وهى سنة عشر وثمانمائة (٤).

وفيها : نفر الحاج أجمع فى النفر الأول.

ومنها : أن فى سنة اثنتى عشرة وثمانمائة حصل فى الحجاج المصريين قتل ونهب ، وتعدى النهب إلى غيرهم ، ومعظم النهب وقع فى حال توجه الناس إلى عرفة ، وفى ليلة النحر بمنى عقرت جمال كثيرة ، وعند مأزمى عرفة ،

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٤٨٢ ، والضوء اللامع ٦ / ٢١٦.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٥١٠ ، ودرر الفرائد (ص : ٣٢٠).

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٥٦٢ ، والسلوك ٤ / ١ : ٤٧٨ ، ودرر الفرائد (ص : ٣٢١).

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٤٥٩ ، والسلوك ٤ / ١ : ٦٨.

٢١٠

والفاعل لذلك جماعة من غوغاء العرب ، والذى جرأهم على ذلك أن صاحب مكّة السيد حسن بن عجلان ، لم يحج فى هذه السنة ؛ وإنما لم يحج فيها لوحشة كانت بينه وبين أمير الركب المصرى بيسق ، فإنه أعلن للناس فى ينبع أن صاحب مكّة معزول ، وأنه يريد محاربته.

ثم إن صاحب مصر [الناصر فرج] ، منعه من حرب صاحب مكّة ، وأعاده وأعاد بنيه إلى ولايتهم. ولو لا أمر صاحب مكّة بالكف عن إيذاء الحاج لكان أكثرهم رفاتا ، وأموالهم شتاتا ، فالله يقيه النوائب ، ويجزل له المواهب ، وهذه الحادثة أبسط من هذا بكثير فى أصله (١).

ومنها : أن فى هذه السنة أقام الحاج بعرفة يومين ؛ لاختلاف وقع فى أول ذى الحجة ، وأوقفت المحامل بعرفة على العادة ، ونفروا بها وقت النفر المعتاد إلى قرب العلمين ، ثم ردت إلى مواضعها.

وهذا الوقوف فى اليوم الأول ، وفيه وصلوا عرفة ، وهو يوم التروية على مقتضى رؤية أهل مكّة لذى الحجة (٢).

ومنها : أن الحجاج لم ينفروا من منى فى سنة ثلاث عشرة إلا وقت الزوال من اليوم الرابع عشر من ذى الحجة لرغبة التجار فى ذلك ؛ فازدادوا فى الإقامة بمنى يوما ملفقا.

وفى هذه السنة : حج صاحب كلوه ، وأحسن إلى أعيان الحرم وغيرهم ، وزار المدينة النبوية.

ومنها : أن فى يوم الجمعة الثانى والعشرين من جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وثمانمائة خطب بمكّة للإمام المستعين بالله أبى الفضل العباس ابن المتوكل محمد بن المعتضد أبى بكر من المستكفى سليمان بن الحاكم أحمد ـ المقدم ذكر جده ـ ؛ لما أقيم فى مقام السلطنة بالديار المصرية والشامية ، بعد قتل الملك الناصر فرج بن الملك الظاهر برقوق صاحب مصر ، ودعى له على زمزم فى ليلة الخميس الحادى والعشرين من الشهر المذكور ، عوض صاحب مصر (٣).

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٤٧٠.

(٢) إتحاف الوريى ٣ / ٤٧٢.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٤٩٧ ، والسلوك ٤ / ١ : ٢٥١.

٢١١

ودام الداعاء له عوض السلطان بمصر إلى أن وصل الخبر بأن الملك المؤيد أبا النصر شيخ بويع بالسلطنة بالديار المصرية فى مستهل شعبان من سنة خمس عشرة وثمانمائة ، فدعى للملك المؤيد فى الخطبة وعلى زمزم فى شوال من السنة المذكورة.

ودعى قبله للمستعين دعاء مختصرا بالصلاح ، ثم قطع الدعاء للمستعين بعد سنة ، ثم أعيد بعد أربعين يوما ، ثم قطع بعد نحو خمسة أشهر.

ومنها : أن فى يوم الجمعة خامس ذى الحجة سنة سبع عشرة وثمانمائة حصل بين أمير الحاج المصريين ومن انضم إليه ، وبين القواد العمرة قتال فى المسجد الحرام ، وخارجه بالمسفلة ، واستظهر الترك على القواد ، وأدخل أمير الحاج خيله إلى المسجد الحرام وجعلها بالجانب الشرقى قريبا من منزله. وأوقدت فيه مشاعل ، وأوقدت أيضا مشاعل المقامات ، ودام الحال على ذلك إلى الصباح.

وفى ضحوة يوم السبت سكنت الفتنة واطمأن الناس (١).

وسبب هذه الفتنة : أن أمير الحاج المصرى ، أدب غلاما للقواد على حمله السلاح بمكّة ، لنهى الأمير عن ذلك. فطلب مواليه أن يطلقه من السجن فأبى ، فكان من الفتنة ما ذكرناه ، فلما أطلقه ، سكنت الفتنة.

ومات بسببها جماعة من الفريقين ، وكثر بسببها انتهاك حرمة المسجد الحرام ؛ لما حصل فيه من القتال والدم ، وروث الخيل ، وسمرت أبوابه إلا باب بنى شيبة ، والدريبة ، والمجاهدية.

ومنها : أن فى هذه السنة أيضا حصل خلاف فى هلال ذى الحجة : هل أوله الاثنين أو الثلاثاء؟ فحصل الاتفاق على أن الناس يخرجون إلى عرفة فى بكرة يوم الثلاثاء تاسع ذى الحجة ـ وعلى مقتضى قول من قال : إنه رئى بالاثنين ـ ؛ وأن يقيموا بها ليلة الأربعاء ويوم الأربعاء ، ففعل معظم الناس ذلك ، ودفعوا من عرفة بعد الغروب ليلة الخميس إلى المزدلفة ، وباتوا بها إلى قرب الفجر.

ثم رحلوا إلى منى بعد رحيل المحامل ، والمعهود أنها لا ترحل إلا بعد

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ٥١٧.

٢١٢

الفجر ، وكذا غالب الناس ، ففاتهم هذه الفضيلة ، وما تعرض لهم فى سيرهم من عرفة إلى منى أحد بسوء فيما علمناه ؛ لعناية أمير الحاج بحراستهم ، وتعرض الحرامية للحجاج المكيين وغيرهم عند مأزمى عرفة فى توجههم إليها.

وحصل للحجاج هؤلاء قتل ونهب وعقر فى جمالهم ، وحصل بمنى نهب كثير فى ليلة الأربعاء وليلة الخميس.

ومنها : أن فى سنة ثمان عشرة وثمانمائة أقام الحجاج بمنى غالب يوم التروية وليلة التاسع ، ثم مضوا من منى بعد طلوع الشمس إلى عرفة ، وأحيوا هذه السّنة بعد إماتتها دهرا طويلا (١).

ومنها : أن فى سنة أربع وعشرين وثمانمائة بات غالب الحجاج بمنى فى ليلة التاسع ، ومضوا منها لعرفة بعد طلوع الشمس بصحبة محمل مصر والشام.

ومما ينبغى إحياؤه من السنن بمنى : الخطبة بها فى أيام الحج ، فالله يثيب الساعى فى ذلك.

ومنها : أنه لم يخطب بمكّة ولا فى غيرها لملك أصغر سنا من الملك المظفر أحمد ابن الملك المؤيد شيخ ؛ لأنه بويع له بالسلطنة بمصر والشام وله من العمر سنة وثمانية أشهر وسبعة أيام ـ بتقديم السين ـ على ما وجدت فى تاريخ بعض أصحابنا ؛ وكانت البيعة له فى ثامن المحرم سنة أربع وعشرين وثمانمائة ، بعد موت أبيه (٢).

واستمر حتى خلع فى السابع والعشرين من شعبان ، من السنة المذكورة بدمشق.

ومنها : أن الملك الظاهر أبا الفتح ططر ، لم يخطب له بمكّة وهو حى إلا جمعة واحدة ؛ لأنه خطب له بمكّة فى يوم الجمعة ثانى ذى الحجة ، أو ثالثه سنة أربع وعشرين وثمانمائة (٣) ، ومات فى الرابع من ذى الحجة ، من السنة

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ١٨٠.

(٢) إتحاف الورى ٣ / ٥٨٠.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٥٨١.

٢١٣

المذكورة ؛ واستمرت الخطبة له بمكّة حتى وصل الخبر بموته فى أثناء شهر ربيع الأول سنة خمس وعشرين وثمانمائة ، ولم يتفق ذلك لغيره.

وخطب بعد ذلك بمكّة لولدة الملك الصالح محمد.

وفى موسم سنة أربع وعشرين وثمانمائة أبطل الملك الظاهر ططر بعض المكوسات المأخوذة بمكّة فى الخضر وغير ذلك من المأكولات وغيرها ، وألزم به أمير مكّة الشريف حسن بن عجلان ، فوافق على ذلك ، وكتب ذلك فى أساطين المسجد الحرام قبالة باب بنى شيبة وغيره.

وابتدأ مولانا السلطان الملك الأشرف ـ نصر الله دولته الشريفة ـ بشئ حسن ، وهو : أنه منع من تقبيل الناس له الأرض بين يديه ، تدينا وتعظيما لله سبحانه وتعالى ، ولم يتفق ذلك لغيره من ملوك مصر.

وامتاز أيضا ـ نصره الله ـ بغزوة الفرنج فى بلادها بنواحى قبرص وغيرها ، وأظفره الله بهم ؛ لأن عسكر المنصور أسروا كثيرا من الفرنج ، وغنموا من أموالهم طائلا ، ووصلوا بذلك إلى مصر فى شوال سنة ثمان وعشرين وثمانمائة ، وهابه الفرنج كثيرا ، ورغبوا أن يكون لهم من السوء مجيرا ، وبعثوا إليه بالهدية ليسعفهم بالأمنية.

ومن مزاياه على ملوك مصر ـ بعد الناصر حسن بن محمد بن قلاوون ـ أنه أرسل إلى مكّة المشرفة عدة عساكر برا وبحرا واستولوا عليها ، ولم يقاومهم أحد من بنى حسن ولا غيرهم ، وساروا من مكّة حتى قاربوا بلاد حلى ، فلم يتعرض لقتالهم أحد من الناس هيبة له ، وعادوا إلى مكّة المشرفة سالمين ؛ وذلك فى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة.

وفى ربيع الآخر منها : وصل طائفة من عسكره المنصور من مصر إلى مكّة.

وفى سادس جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وثمانمائة كان وصول طائفة من عسكره المنصور إلى مكّة ؛ فاستولوا عليها كما سبق ذكره فى آخر الباب قبله.

وفى شوال سنة ثمان وعشرين وثمانمائة وصل طائفة من عسكره المنصور فى

٢١٤

موكبين عظيمين إلى مرسى زبيد باليمن ـ على ليلة منها ـ وفى أحدهما هدية لصاحب اليمن ، فقوبل الرسول بالكرامة.

ومنها : أن فى سنة تسع وعشرين وثمانمائة تخوف الناس فى أيام الموسم حصول فتنة بمكّة ، وفى أيام الحج ، وسلم الله ، وله الحمد.

وسبب ذلك : أنه قدم إلى مكّة جماعة من الأمراء المقدمين وغيرهم من المماليك السلطانية الأشرفية فى أوائل العشر الأخير من ذى القعدة ، وكان الشريف حسن عجلان غائبا عن مكّة بناحية الخريفين فى جهة اليمن ، واستدعوه إلى مكّة فلم يحضر لتخوفه ، وحضر إليهم ولده الشريف بركات وأكرموه.

ولما أيسوا من حضور الشريف حسن ، استدعوا سرا إلى مكّة الشريف رميثة ابن محمد بن عجلان ، وأطمعوه ولاية مكّة ؛ وذلك فى يوم عرفة أو يوم التروية ، فلم يستطع الوصول إليهم ؛ لأنه كان مقيما عند عمه ، ولعظم هيبة الأمراء وجماعتهم لم يتظاهر الحرامية بنهب فى طرقات الحج بمكّة.

وخرج الأمراء والترك والحجاج من مكّة إلى منى فى يوم التروية ، وباتوا بها إلى الفجر من اليوم التاسع أو قربه ، وساروا إلى عرفة ، فأقاموا بها إلى الغروب ، ودفعوا إلى مزدلفة ، فلم يستطع أحد من الحرامية التعرض للحاج بسوء فى مأزمى عرفة ولا غيره ؛ لعناية الأمراء وجماعتهم بحراسة الحاج ، وانقضت أيام الحج وأحوال الناس من الحاج وغيرهم مستقيمة.

وكان الأمراء يرجعون فى مصالح الحاج والرعية بمكّة إلى رأى مولانا المقر الأشرف الكريم الزينى عبد الباسط ناظر الجيوش المنصورة بالممالك الشريفة ـ أعلى الله قدره وبلغه وطره ـ لحسن تدبيره وجودة رأيه.

وكان مولانا السلطان الملك الأشرف برسباى صاحب مصر والشام ـ نصره الله ـ قد فوض إليه أمر مكّة ، وعمل المصلحة فيها ؛ لكفايته وعظم رتبته ،

٢١٥

فمشت الأحوال بمكّة على السداد ـ بلغه الله المراد ـ وبدت منه على عادته بمكّة صدقات مبرورة وأفعال مشكورة.

وهذه حجته الثانية ، وحج قبلها فى سنة سبع عشر وثمانمائة ، تقبل الله منه العمل وبلغه الأمل وفسح له فى الأجل.

وهذا آخر ما قصدنا ذكره من الحوادث فى الباب.

ونسأل الله تعالى أن يجزل لنا على ذلك الثواب ، ولو لا مراعاتنا للاختصار فى ذكرها ، لطال شرح أمرها.

***

٢١٦

الباب التاسع والثلاثون

فى ذكر شئ من أمطار مكّة وسيولها فى الجاهلية

والإسلام ، وشئ من أخبار الصواعق بمكّة ، وذكر شئ

من أخبار الرخص والغلاء والوباء بمكّة

أما أمطار مكّة وسيولها ، فى الجاهلية والإسلام : فذكر الأزرقى شيئا من ذلك : منها فى الجاهلية : سيلان ؛ أحدهما كان عظيما ؛ ويعرف بسيل فارة ، على عهد خزاعة.

والآخر : كسا ما بين الجبلين ، ولم يبين زمنه (١).

ومنها : سيول فى الإسلام ، وهى السيل المعروف بأم نهشل ؛ وهو الذى ذهب بالمقام من موضعه إلى أسفل مكّة ؛ وكان فى زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وبعده عمل الردم الذى بأعلى مكّة صونا للمسجد الحرام (٢).

والسيل المعروف : بسيل الجحاف فى يوم التروية سنة ثمانين من الهجرة ، ذهب بناس من الحجاج وبمتاعهم ، وخرب دورا كثيرة شارعة على الوادى ، فهلك فيها أناس كثير (٣).

وسيلان عظيمان ؛ أحدهما : يعرف بالمخبل ؛ لأنه أصاب الناس بعده شبه الخبل ، وكان فى سنة أربع وثمانين ومائة (٤).

وسيلان عظيمان كانا فى خلافة المأمون ؛ أحدهما : يعرف : بسيل ابن حنظلة ، فى سنة اثنين ومائتين (٥).

__________________

(١) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٦٦.

(٢) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٦٧.

(٣) تاريخ الطبرى ٨ / ٢٥ ، والكامل لابن الأثير ٤ / ١٨٩ ، والبداية والنهاية ٩ / ٢٢ ، ومروج الذهب ٤ / ٣٩٩.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٧٠ ، وإتحاف الورى ٢ / ٢٣٣.

(٥) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٧٩ ، وإتحاف الوري ٢ / ٢٧٩ ، وأخبار مكة للفاكهى ٣ / ١٠٩.

٢١٧

والآخر : فى شوال سنة ثمان ومائتين (١).

وكل هذه السيول دخلت المسجد الحرام ، وحالها أبسط من هذا فى أصله.

وفى تاريخ الأزرقى من سيول مكّة فى الجاهلية والإسلام سوى ما ذكرناه.

ومن سيولها فى الإسلام مما كان قبل الأزرقى ، ولم يذكره : سيل عظيم كان فى سنة ثمان وثمانين من الهجرة ؛ ذكره ابن جرير الطبرى (٢).

وسيل يعرف : بأبى شاكر مسلمة بن هشام بن عبد الملك ؛ لأنه جاء فى سنة عشرين ومائة ، عقب حجه بالناس (٣) ، وحج أبو شاكر فى التى قبلها.

وسيل اللّبيرى فى آخر المحرم سنة ستين ومائة (٤). ذكر هذه السيلين الفاكهى (٥).

وذكر سيولا أخرى ثلاثة ، تحتمل أن تكون فى زمن الأزرقى ، وأن يكون بعده واحد سنة ثلاث وخمسين ومائتين ، وواحد فى سنة اثنين وستين ومائتين ، وواحد فى سنة ثلاث وستين ومائتين (٦) ؛ وكلها دخلت المسجد الحرام وأثرت فيه ، وأوضحنا من خبرها فى أصله أكثر من هذا.

ومن أمطار مكّة وسيولها بعد الأزرقى : أمطار كثيرة سال بها وادى مكّة أسيالا عظاما ، وكثر فى بعضها ماء زمزم حتى لم يبق بينه وبين شفتها العليا إلا سبعة أذرع أو نحوها ، وعذبت جدا حتى كانت أعذب مياه مكّة إذ ذاك ؛ وذلك فى سنة تسع وسبعين ومائتين ، وسنة ثمانين ومائتين (٧) ؛ ذكر ذلك : إسحاق الخزاعى راوى تاريخ الأزرقى ، وأدخله فيه.

ومنها : ما ذكره المسعودى ؛ لأنه قال فى أخبار سنة سبع وتسعين ومائتين :

__________________

(١) أخبار مكة للفاكهى ٣ / ١٠٩ ، وأخبار مكة للأزرقى ٢ / ١٧١ ، وإتحاف الورى ٢ / ٢٨٢.

(٢) تاريخ الطبرى ٨ / ٦٦.

(٣) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣١١ ، وإتحاف الوري ٢ / ١٥٣.

(٤) أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٣١١ ، والعقد الثمين ١ / ٢٠٦.

(٥) أخبار مكة للفاكهى ٣ / ١٠٨.

(٦) إتحاف الورى ٢ / ٣٣١ ، ٣٣٨ ، ٣٣٩.

(٧) إتحاف الورى ٢ / ٣٤٧ ، ٣٤٨.

٢١٨

ورد الخبر إلى مدينة السلام بأن أركان البيت الحرام الأربع غرقت حتى جرى الغرق فى الطواف ، وفاض بئر زمزم. وذلك لم يعهد فيما سلف من الزمان (١) .. انتهى.

ومنها : مطر فى جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وخمسمائة ، أقام سبعة أيام ، فسقطت الدور ، وتضرر الناس به كثيرا (٢).

ومنها : مطر فى سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، سال منه وادى إبراهيم ، ونزل برد بقدر البيض وزن مائة درهم (٣).

ومنها : مطر فى سنة تسع وستين وخمسمائة ، جاء بسيل كثير ، ودخل السيل من باب بنى شيبة ، ودخل دار الإمارة عنده ، ولم ير مثله فى دخوله من هذه الجهة (٤).

ومنها : فى سنة تسعين وخمسمائة أمطار كثيرة وسيول ، سال فيها وادى إبراهيم خمس مرات (٥).

ومنها : فى ثامن صفر سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة سيل دخل الكعبة ، وأخذ أحد فرضتى باب إبراهيم ، وحمل المنبر ودرجة الكعبة. ورأيت بخط بعضهم ما يقتضى أن هذا السيل دخل الكعبة ، فبلغ قريبا من الذراع ، وحمل فرضتى باب إبراهيم وسار بهما. وهذا لا يفهم مما ذكرناه أولا.

ومنها : فى منتصف ذى القعدة سنة عشرين وستمائة سيل عظيم قارب دخول الكعبة ، ولم يدخلها (٦).

__________________

(١) مروج الذهب ٤ / ٣٠٧ ، والمنتظم ٦ / ٩٠ ، والبداية والنهاية ١١ / ١١٠ ، وأخبار مكة للأزرقى ـ الملحق ـ ٢ / ٣١٢.

(٢) إتحاف الورى ٢ / ٥٠٤ ، والعقد الثمين ٧ / ٤٤٦.

(٣) إتحاف الورى ٢ / ٥١٤.

(٤) إتحاف الورى ٢ / ٥٣٥ ، والعقد الثمين ٦ / ٤٦٩.

(٥) إتحاف الوري ٢ / ٥٦١.

(٦) إتحاف الورى ٣ / ٣٧.

٢١٩

ومنها : سيل كبير فى سنة إحدى وخمسين وستمائة.

ومنها : سيل دخل الكعبة ، ومات فيه عالم عظيم ، بعضهم حملهم ، وبعضهم طاحت الدور عليهم. ذكره الميورقى بمعنى هذا ، وذكر أنه كان سنة تسع وستين وستمائة ، فى ليلة منتصف شعبان (١).

ومنها : سيل عظيم بلا مطر سنة ثلاثين وسبعمائة بعد الحج (٢).

ومنها : فى سنة اثنين وثلاثين وسبعمائة أمطار وصواعق بمكّة (٣).

منها : صاعقة على أبى قبيس ، فقتلت رجلا ، وصاعقة بالخيف ، فقتلت رجلا ، وأخرى بالجعرانة ؛ فقتلت رجلا.

ومنها : فى ليلة الخميس عشر جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة مطر عظيم ، وسيل هائل دخل الكعبة ، وعلا الماء فوق عتبتها شبرين ، وعبر فى بعض قناديل المطاف من فوقها فأطفأها ، وقلع من أبواب الحرم أماكن ، وطاف بها الماء ، وطاف بالمنابر كل واحد إلى جهة ، وفعل أمورا أخر عجيبة ؛ وخبرة أبسط من هذا فى أصله ، ويعرف : بسيل القناديل (٤). ولم يأت بعده سيل يشبهه ـ فيما علمت ـ إلا سيلا اتفق فى ليلة الخميس عاشر جمادى الأولى سنة اثنين وثمانمائة ؛ لأنه دخل الكعبة وعلا فوق عتبتها ذراعا أو أكثر ـ على ما قيل ـ ورمى بدرجة الكعبة إلى باب إبراهيم ، وهدم عمودين فى المسجد ، ودور للناس كثيرة ، ومات تحت الهدم وفى الغرق منه نحو ستين نفرا ـ على ما قيل ـ فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وكان بعد مطر هائل كأفواه القرب (٥).

ومن العجيب : اتفاق هذين السيلين باعتبار الليلة والشهر ؛ بأن كليهما فى ليلة الخميس عاشر جمادى الأولى. فسبحان الفعال لما يريد!!

ومنها : فى آخر ذى الحجة سنة خمس وعشرين وثمانمائة سحرا سيل هائل ،

__________________

(١) إتحاف الورى ٣ / ١٠٠ ، ودرر الفرائد (ص : ٢٨٣).

(٢) إتحاف الورى ٣ / ١٩٣.

(٣) إتحاف الورى ٣ / ٢٠٠.

(٤) إتحاف الورى ٣ / ٢١٢.

(٥) إتحاف الورى ٣ / ٤١٩.

٢٢٠